479

الآخر وهو عدم التلف إلى زمان البيع، فتثبت صحّة البيع.

وفصّل السيّد الخوئي رحمه الله أوّلاً في ذلك بين ما لو كان قد تمّ القبض قبل البيع كما لو كانت العين أمانة بيد المشتري ثم باعها البائع عليه، وما لو كانت العين تحت يد البائع واستيلائه ولكنّها ممّا يكفي في قبضها التخلية بينها وبين المشتري بمثل إعطاء المفتاح أو نحو ذلك.

ففي الفرض الأوّل يكون استصحاب عدم التلف إلى حين حصول البيع معارَضاً باستصحاب عدم تحقّق البيع إلى زمان التلف؛ وذلك لأنّ هذا الأصل وإن لم يثبت وقوع البيع بعد التلف إلّا أنّنا لا نحتاج في الحكم بالبطلان إلى إحراز أنّ البيع وقع بعد التلف، بل نفس عدم تحقّق البيع على العين إلى زمان تلفها كاف في الحكم بالبطلان، فالمرجع هو الأصل الحكمي، وهو ما قاله الشيخ الأنصاري من أصالة بقاء الثمن في ملك المشتري وعدم تأثير البيع.

وأمّا في الفرض الثاني وهو ما إذا ظهرت العين تالفة بعد التخلية في مبيع كان قبل البيع بيد البائع فيجري استصحاب عدم القبض نهائيّاً؛ لأنّه لا معنى لفرض التخلية بين المشتري والتالف، فما دمنا نحتمل التلف قبل التخلية لم نحرز أصل القبض، فالأصل يقتضي عدم القبض إلى حين التلف، وتلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه، فليس المرجع ما قاله الشيخ من أصالة بقاء الثمن في ملك المشتري وأصالة عدم تأثير البيع.

ولكن النتيجة النهائية على أيّ حال عبارة عن أنّ مقتضى الأصل بقاء الثمن في يد المشتري ولو بسبب انفساخ البيع بالتلف قبل القبض. هذا ما ذكره السيّد الخوئي رحمه الله أوّلاً.

ثم عدل عن كلامه هذا في الكتاب وقال: إنّ أصل استصحاب عدم التلف إلى زمان البيع لإثبات تصحيح البيع لكون الموضوع مركّباً من جزأين: أحدهما البيع وهو

480

ثابت بالوجدان والثاني عدم التلف وهو ثابت بالاستصحاب في غير محلّه؛ لأنّ مفهوم البيع الحقيقي ومقوّمه عرفاً عبارة عن التبديل بعوض، ومع تلف المبيع لا يتصوّر تبديله في مقابل العوض، فوجود المبيع مقوّم للمبادلة والبيع عرفاً وقبل حكم الشرع، فينتهي الأمر على كلّ حال إلى استصحاب عدم البيع وبقاء الثمن في ملك المشتري، كما أفاده الشيخ الأنصاري.

والوجه الثاني: هو التمسّك بأصالة الصحّة؛ إذ بذلك تثبت صحّة البيع، فقد ذكر الشيخ رحمه الله: أنّه قد يتوهّم جريان أصالة صحّة البيع هنا؛ للشكّ في بعض شروطه وهو وجود المبيع(1).

وكأنّه فهم الشيخ رحمه الله من أصالة الصحّة في المقام أصالة حمل فعل المسلم على المحمل الحسن، ولهذا أورد على ذلك بأنّ البائع قد يكون إنّما باعه هذه العين جهلاً منه بحصول التلف، فصحيح أنّ بيع التالف باطل وإنشاءه باللفظ لغو، ولكن هذا إنّما يكون قبيحاً من البائع لو كان عالماً بذلك، أمّا مع الجهل فليس فعله قبيحاً، فأصالة حُسن ما صدر من البائع لا تثبت صحّة البيع(2).

وقال رحمه الله في مقام الردّ على أصالة الصحّة: إنّ صحّة العقد عبارة عن كونه بحيث يترتّب عليه الأثر شرعاً، فإذا فرضنا أنّه عقد على شيء معدوم في الواقع فلا تأثير له عقلاً في تمليك العين؛ لأنّ تمليك المعدوم _ لا على قصد تمليكه عند الوجود ولا على قصد تمليك بدله مِثلاً أو قيمته _ غير معقول(3).


(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص446 _ 447.

(2) کتاب المکاسب، ج4،‌ص284.

(3) المصدر السابق. وكأنّ مقصوده بقوله: «لا على قصد تمليكه عند الوجود» دفع نقض قد يورَد عليه، وهو أنّه لو كان تمليك المعدوم غير معقول فكيف يصحّح بيع ثمار الشجرة قبل وجودها؟! فيجيب عليه بأنّ بيع ثمار الشجرة عبارة عن بيع الوجود المتأخّر، فمن الآن يملّك المشتري ذاك الوجود المتأخّر، ولا يملّكه المعدوم. ←

481

وفسّر الشيخ الإصفهاني رحمه الله عبارة الشيخ الأنصاري التي نقلناها بأنّ التعبّد بالصحّة فرع إحراز الجامع الموصوف بالصحّة تارة وبالفساد أُخرى، ولا يجري فيما إذا كان الشكّ في أصل وجود المعروض؛ لتقوّمه عقلاً بما إذا كان هناك ثمن ومثمن تتعلّق بهما المبادلة عرفاً، ولو لم تكن العين موجودة لتلِفها فلا بيع في المقام حتّى تجرى فيه أصالة الصحّة(1).

وضمناً أشکل على الشيخ رحمه الله بعدم دقّته في تعبيره: «إذا فرضنا أنّه عقد على شيء معدوم في الواقع فلا تأثير له عقلاً في تمليك العين» وأنّه كان المفروض به أن يقول: إنّ أصل عقد البيع ليس محرزاً، فإنّ المسألة ليست مسألة أنّ العقد محرز ولا يؤثّر عقلاً، وإنّما المسألة مسألة الشكّ في أصل عقد البيع؛ لأنّه متقوّم بوجود المبيع(2).

وأورد الشيخ الإصفهاني على الشيخ بأنّ الوجود الإنشائي للعقد ثابت يقيناً، ويكون هو الجامع بين الصحيح والفاسد، فبالإمكان إجراء أصالة الصحّة بشأنه(3).

ولعلّ الشيخ الأنصاري رحمه الله كان ناظراً إلى إمكان أن يردّه أحد بهذا الجواب، فأورد عليه بقوله: «ومجرّد إنشائه باللفظ لغو عرفاً يقبح مع العلم دون الجهل بالحال، فإذا شككنا في وجود العين حال العقد فلا يلزم من الحكم بعدمه فعلٌ فاسدٌ من المسلم؛ لأنّ التمليك الحقيقي غير متحقّق والصوري وإن تحقّق لكنّه ليس بفاسد؛ إذ اللغو فاسد عرفاً _ أي قبيح _ إذا صدر عن علم بالحال، وبالجملة الفاسد شرعاً الذي ينزّه


وكأنّ مقصوده بقوله: «ولا على قصد تمليك بدله مِثلاً أو قيمته» أيضاً دفع نقض قد يورَد عليه، وهو أنّه ماذا تقول في فسخ العقد بعد تلف العين من قبل من له حقّ الفسخ، أفليس هذا الفسخ تمليكاً للمعدوم؟! فيجيب عليه بأنّ هذا الفسخ تمليك للبدل من المثل أو القيمة.

(1) حاشية کتاب المکاسب (للإصفهاني(رحمه الله))، ج3، ص365.

(2) المصدر السابق.

(3) المصدر السابق، ص266.

482

عنه فعل المسلم هو التمليك الحقيقي المقصود الذي لم يمضه الشارع»(1).

وأجاب الشيخ الإصفهاني رحمه الله على ذلك بأنّه ليس الفاسد إلّا ما لم يؤثّر الأثر المترقّب منه فيما كان من شأنه التأثير، وهذا المعنى من الصحّة المقابلة للفساد هو مقتضى أصالة الصحّة التي عليها مدار عمل العقلاء في معاملاتهم دون صدور العمل قبيحاً أو عدم صدوره قبيحاً، فإنّه أجنبيّ عن مرحلة المعاملة بما هي معاملة وإن كان هذا المعنى مفاد بعض أخبارها كقوله(عليه السلام): «ضع أمر أخيك على أحسنه»(2)، ولهذه الجهة يختصّ بالمسلم، لكنّه أجنبيّ عن أصالة الصحّة في المعاملات(3).

وأيضاً أفاد الشيخ الإصفهاني رحمه الله _ في تعليقه السابق الذي أشرنا إليه _ ما نصّه: «ليس الجامع بين الصحيح والفاسد عرفاً إلّا الإنشاء الذي كان في موقع البيع، فإذا وجد إنشاء من العاقل الشاعر الذي يريد المعاملة المقصود منها غرض خاص يحكم بصحّته سواء أحرز أنّه قصد اتفاقاً في هذه المعاملة الشخصية التبديل الاعتباري المتقوّم بوجود المال أو أُحرز وجود المال المتقوّم به البيع أو سائر ما له دخل في التبديل المعاملي عرفاً أم لا، كما إذا أُحرز أنّ الشخص بصدد تطهير الثوب فإنّ الحكم بصحّة عمله واضح وإن شُكّ في أنّه هل وصل الماء إلى الثوب حتّى ينغسل به الثوب واقعاً أم لا، مع أنّ وصول الماء ممّا له دخل عقلاً في انغسال الثوب المترتّب عليه الطهارة»(4).


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص284 _ 285.

(2) وسائل الشيعة، ج12، ص302، الباب 161 من أبواب أحكام العشرة، ح3، مرسلة محمد بن خالد عمّن حدّثه عن الحسين بن مختار عن أبي عبدالله(عليه السلام) وفي صدر الباب في الصفحة نفسها صحيحة إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبدالله(عليه السلام): «إذا اتّهم المؤمن أخاه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء».

(3) حاشية کتاب المکاسب(للإصفهاني)، ج3، ص366 _ 367.

(4) المصدر السابق، ص366.

483

استدلال السيّد الخوئي علی عدم الصحّة

أمّا السيّد الخوئي رحمه الله فقد أفتى بعدم جريان أصالة صحّة البيع في المقام بمعنى وقوعه مؤثّراً وتامّاً، واستدلّ على رأيه هذا بوجوه:

الوجه الأوّل: أنّ أصالة الصحّة إنّما تجري فيما إذا شككنا في فعل اختياري للمتبايعين وأنّهما مثلاً هل أوقعا الصيغة عربية أو ماضوية بناء على اشتراط العربية أو الماضوية، أمّا إذا شككنا فيما لا يرجع إلى اختيارهما أصلاً بل لو تحقّق فإنّما يتحقّق من باب المصادفة الخارجية فلا تجري أصالة الصحّة فيه؛ لأنّ مدركها السيرة، وثبوتها في مثله غير متحقّق، وبما أنّ التلف وعدمه خارجان عن اختيار المتبايعين بما هما متبايعان فلا تجري أصالة الصحّة فيه.

والوجه الثاني: أنّه لابدّ في إجراء أصالة الصحّة من إحراز قدرة الفاعل الشرعية على ذلك الفعل حتّى نحكم بصحّة فعله، فلو أنّ أحداً طلّق زوجة شخص وشككنا في أنّه هل أخذ الوكالة من زوجها حتّى يصبح قادراً على طلاقها أو لا فلا نجري أصالة الصحّة في طلاقه، ولو أنّ أحداً باع داراً ولم نحرز أنّه هل ملك هذه الدار أو لا أو أخذ الوكالة من مالكها في بيعها ولم تكن له يدٌ على تلك الدار حتّى تكون يده أمارة على سيطرته الشرعية على الدار فلا نجري أصالة الصحّة في بيعه إيّاها، ولذا لا يسلّم العقلاء الثمن إلى البائع في أمثال هذه الموارد أصلاً، وما نحن فيه من هذا القبيل؛ لأنّ قدرته الشرعية على بيع العين متوقّفة على وجود العين، والمفروض أنّنا لم نحرزه، فلا نستطيع أن نجري أصالة الصحّة في بيعه(1).

ولا مناقشة لنا في هذين الوجهين اللذين أفادهما في المقام.

والوجه الثالث: أنّ أصالة الصحّة إنّما تجري فيما إذا أحرزنا الجامع بين الصحيح والفاسد وشككنا في صحّته وفساده كما إذا رأينا أحداً يصلّي على الميّت وشككنا في


(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص447 _ 449.

484

صحّة صلاته وفسادها فتجري أصالة الصحّة لحمل صلاته على الصحيح، وأمّا إذا لم نحرز الجامع بين الصحيح والفاسد، كما إذا رأينا أنّ أحداً قائم على جنازة ولا ندري أنّه يصلّي على الميّت أو أنّه يدعو ويستغفر له مثلاً فلا معنى عندئذٍ لحمل فعله على الصحيح والحكم بصحّة صلاته؛ إذ لم نحرز أنّه يصلّي حتّى نحكم بصحّتها. وما نحن فيه من هذا القبيل؛ إذ لم نحرز عنوان البيع أصلاً حتّى نشكّ في صحّته وفساده؛ لأنّ وجود المبيع مقوّم لحقيقة البيع والمعاملة، وبما أنّا نشكّ في وجوده فنحن نشكّ في تحقّق مفهوم البيع، فلا معنى لأصالة صحّته(1).

أقول: إنّ هذا الوجه الأخير غير صحيح؛ لأنّه لولا وجه آخر لبطلان أصالة الصحّة في المقام أجرينا أصالة الصحّة في إنشائه للبيع، فإنّ أصل الإنشاء قد صدر منه يقيناً وشككنا في نفوذه وتأثيره فنُجري أصالة الصحّة، كما مضى منّا نقله عن الشيخ الإصفهاني رحمه الله.

اختبار الطعم واللون والرائحة

مسألة: في حكم اختبار الطعم واللون والرائحة فيما تختلف قيمته باختلاف ذلك، وكذلك كلّ وصف يكون كذلك.

قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: «لابدّ من اختبار الطعم واللون والرائحة فيما تختلف قيمته باختلاف ذلك كما في كلّ وصف يكون كذلك؛ إذ لا فرق في توقّف رفع الغرر على العلم بين هذه الأوصاف وبين تقدير العوضين بالكيل والوزن والعدّ.

ويُغني الوصف عن الاختبار فيما ينضبط من الأوصاف دون ما لا ينضبط كمقدار الطعم والرائحة واللون وكيفيّاتها، فإنّ ذلك ممّا لا يمكن ضبطه إلّا باختبار شيء من جنسه ثم الشراء على ذلك النحو من الوصف، مثل أن يكون أعمى قد رأى قبل العمى لؤلؤة


(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص449 _ 500.

485

فبيعت منه لؤلؤة أُخرى على ذلك الوصف، وكذا الكلام في الطعم والرائحة لمن كان مسلوب الذائقة والشامّة.

نعم، لو لم يُرَد من اختبار الأوصاف إلّا استعلام صحّته وفساده جاز شراؤها بوصف الصحّة كما في الدبس والدهن مثلاً، فإنّ المقصود من طعمهما ملاحظة عدم فسادهما، بخلاف بعض أنواع الفواكه والروائح التي تختلف قيمتها باختلاف طعمها ورائحتها، ولا يقصد من اختبار أوصافها ملاحظة صحّتها وفسادها»(1).

أقول: نحن نقترح حذف الاستشهاد بمسألة الغرر، لما مضى منّا من أنّ حديث نهي النبي(صل الله عليه وآله) عن بيع الغرر(2) _ بعد فرض تسليم سنده _ يكون أكبر الظنّ بمعنى النهي عن الخدعة، والنسبة بينها وبين عدم معرفة الصفات عموم من وجه.

فالأولى هو ما مضى منّا من الاستشهاد بنفس روايات اشتراط الكيل والوزن(3)؛ لأنّنا نفهم منها المنع عن بيع الجزاف، وقد يتّفق كون الجزاف لدى عدم معرفة صفات المبيع أشدّ من الجزاف لدى عدم الكيل والوزن.

والأولى بنا أن نترك المناقشة في بعض الأمثلة من قبيل ما مثّل به رحمه الله لما يكون اختباره لأجل فهم وصف الصحّة فحسب من الدبس، فلعلّ الدبس قد يختلف في الطعم أيضاً جودةً ورداءةً.

فيبقى أن نقسّم الأُمور بين ما يحتاج إلى الاختبار لأجل معرفة كونه صحيحاً أو معيباً وما يحتاج إلى الاختبار لأجل معرفة الجودة أو الرداءة.

أمّا ما لا يحتاج إلی اختباره إلّا لأجل معرفة الصحّة والعيب فالظاهر أنّه لا يجب فيه الاختبار؛ لأنّ الشرط المرتکز العقلائي وهو شرط الصحة کافٍ في إخراج البيع عن


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص287.

(2) وسائل الشيعة، ج17، ص448، الباب40 من أبواب آداب التجارة، ح3.

(3) المصدر السابق، ص341 _ 342، الباب 4 من أبواب عقد البيع وشروطه.

486

کونه بيعاً جزافياً ولو وقع التصريح بینهما بشرط الصحّة وعدم العيب کان هذا آکد في عدم الجزاف، ولو اتفقا علی الاختبار في ما لا يفسده الاختبار فقد أصبح عدم الجزاف أوضح.

والأمر إلی هنا واضح لا غبار عليه.

ولکن الذي يستدعي الانتباه ما نسبه الشيخ؟ره؟ إلی بعض الأصحاب من أنّ ما لم يمکن فيه الاختبار لأنّه يفسده يجوز بيعه علی شرط الصحّة أو البراءة من العيوب(1).

فإنّنا لم نفهم ما معنی البراءة من العيوب، وکیف يتصوّر کون البراءة من العيوب مصحّحاً للبيع، أو لیست البراءة من العيوب توغّلاً في الجزاف؟!

ولهذا علّق السيد الخوئي؟ره؟ علی هذا الکلام بقوله: وأمّا ما اعتبره بعضهم من البراءة عن العيوب فإن أراد منه براءة المبيع عن العيوب فهذا عبارة أُخری عن اشتراط الصحّة في المبيع. وإن أراد منه تبرّي البائع عن العيوب بأن يبيع ويتبرّأ عن عيوب المبيع، وكأنّه يقول: بعتك هذا الموجود أعمّ من أن يكون معيباً أو صحيحاً، ورد عليه أنّ ذلك من أوضح أنحاء الغرر حينئذٍ، وهو نظير البيع كيفما كان، كما إذا باع حنطة موجودة أعمّ من أن تكون حقّة أو أزيد منها أو أنقص، وهو أمر غرري(2).

أقول: ونحن نوافق علی هذا الكلام مع تبديل كلمة الغرر بكلمة الجزاف. هذا.

ومن الطريف ما جرى على قلم الشيخ الأنصاري رحمه الله من التفصيل بين قسمين من الشكوك في بعض العيوب، فإنّ الشكّ في بعض العيوب قد لا يستلزم الغرر ككون الجارية ممّن لا تحيض في سنّ من تحيض ومثل هذا لا يعتبر إحراز السلامة عنه، وقد يستلزمه ككون الجارية خنثى وكون الدابّة لا تستطيع المشي أو الركوب


(1) کتاب المکاسب، ج4،‌ص292.

(2) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص454.

487

والحمل عليها وهذه ممّا يعتبر إحراز السلامة عنها(1).

ولكنّه رحمه الله أوضح بعد أسطر بطلان ذلك بقوله: «ولكنّ الإنصاف أنّ مطلق العيب إذا التفت إليه المشتري وشكّ فيه فلابدّ من رفع الغرر من إحراز السلامة عنه إمّا بالاختبار وإمّا بالوصف وإمّا بالإطلاق إذا فرض قيامه مقام الوصف _ إمّا لأجل الانصراف وإمّا لأصالة السلامة _ من غير تفرقة بين العيوب أصلاً، فلابدّ إمّا من كفاية الإطلاق في الكلّ للأصل والانصراف، وإمّا من عدم كفايته في الكلّ...»(2).

ومع هذا التصريح منه رحمه الله لا أدري لماذا ورد في التنقيح نسبة هذا التفصيل إلى الشيخ ثم إبطاله(3).

وأمّا ما يحتاج إلى الاختبار لأجل معرفة مدى الجودة والرداءة بعد فرض الفراغ عن مشكلة الصحّة والسلامة _ ولو بمثل الشرط الضمني العقلائي _ فهذا يمكن تقسيمه إلى عدّة أقسام:

القسم الأوّل: ما ينضبط بضابط عرفي بمقدار دخله في القيمة ويكون بإمكان البائع ضمانه للمشتري، فيكفي في صحّة إخبار البائع به ووقوعه بالتالي في الشرط الضمني العقلائي بينه وبين المشتري، فإنّ الجزاف يرتفع بذلك، ولو اتّفقا على الاختبار فيما لا يوجب الاختبار فيه فساده كان الأمر أضبط.

والقسم الثاني: ما لا يقدر البائع فيه على إعطاء مستوى الجودة والرداءة للمشتري، فلا يمكنه مثلاً توضيح مقدار الحلاوة أو عذوبة الطعم ولكن يمكن الاختبار من دون أدائه إلى فساد العين، فهنا يتعيّن توافقهما على الاختبار حتّى يرتفع الجزاف.

والقسم الثالث: ما لا يقدر البائع فيه على إعطاء مستوى الجودة والرداءة إلّا


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص294.

(2) المصدر السابق.

(3) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص452 _ 453.

488

بالاختبار ولكنّ الاختبار غير ممكن له؛ لاستلزامه فساد العين أو سقوطه عن القيمة التي تثبت له قبل الكسر كما في مثل البرتقال مثلاً في الغالب وقد يتّفق ذلك في مثل الرقّي والبطّيخ أيضاً.

وفي هذا الفرض لا يدخل المقدار من التفاوت المجهول في عذوبة الطعم أو شدّة الحلاوة مثلاً في مقدار القيمة ولا مالية عرفاً لهذا التفاوت، فلا يصدق هنا في نظر العرف الجزاف بلحاظ مجهولية مدى العذوبة أو الحلاوة أو نحو ذلك، فيصحّ البيع بلا اختبار.

هذا هو التقسيم الثلاثي المفهوم بهذا الشكل أو بما يشبهه من كتاب التنقيح(1).

رفض البائع للاختبار

وهناك حالة لم يعرف حكمها من المقدار الموجود في التنقيح، وهي أنّه قد يتّفق عدم قبول البائع بالاختبار؛ لأنّه يفسد طعامه أو يكسر قيمته ولكن هناك أوصاف وعلائم ظاهرية تدلّ على مقدار معتدّ به من عذوبة الفاكهة مثلاً أو كون البرتقال ريّاناً أو قليل الماء أو كون البطّيخ حلواً أو غير حلو ونحو ذلك، فهل تجب على المتبايعين الدقّة في تلك الأوصاف حتّى لا يلزم الجزاف أو لا؟ ولو كان أحدهما لا يعرف هذه الأوصاف فهل عليه أن يتعلّم ذلك حتّى يرتفع الجزاف _ أو يرتفع الغرر على حدّ تعبيرهم _ لوضوح دخل ذلك في مقدار القيمة، أو لا يجب؟

وعلى تقدير عدم الوجوب أفليس هذا اعترافاً بعدم مبطلية الجزاف أو الغرر؟!

وعلى تقدير الوجوب أفليس هذا يعني بطلان كثير من البيوع العرفية الجارية لدى العقلاء والمتشرّعة؟!

ونقترح لحلّ هذه المشكلة عدّة اقتراحات:


(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص456 _ 457.

489

الأوّل: أن يقال: إنّ الدليل اللفظي إنّما دلّ على وجوب معلومية كمّية المبيع من كيل أو وزن مثلاً، ولا نقيس على ذلك كيفية المبيع، فلا نحكم بوجوب معرفة كيفيّته.

ويرد عليه: أنّ الجزاف الموجود في عدم معرفة الكيفية قد يكون أشدّ بكثير من الجزاف الموجود في عدم معرفة الكمية، كما لو فرضنا الفاصل الكمّي المحتمل قليلاً والفاصل الكيفي المحتمل كبيراً، فلا شكّ في أنّ الفهم العرفي يتعدّى من مفاد الدليل اللفظي الدالّ على وجوب معرفة الكمّ إلى وجوب معرفة الكيف.

والثاني: أن يقال: إنّ المبيعات كما تختلف تبعاً للعرف من حيث ضرورة الدقّة في مقدارها، فمنها ما يكون مكيلاً أو موزوناً فترك الكيل والوزن يعدّ فيها جزافاً (أو غرراً على حدّ بعض التعبيرات)، ومنها ما لا يكون كذلك فيكتفی فيها التقدير بالرؤية مثلاً، كذلك الحال في الكيفية، فمنها ما يرى العرف في ذلك أنّ عدم الاختبار يعدّ جزافاً فلابدّ من الاختبار فيه أو الشرط حتّى يخرج عن الجزاف، ومنها ما لا يكون كذلك فلا يجب فيه الاختبار أو الشرط ويكتفی بالرؤية مثلاً، وتمييز هذا القسم عن ذاك القسم بيد العرف، ولا يوجد لدى العقل ضابط كلّي لذلك.

وهذا الوجه أيضاً مشكل؛ فإنّ نفوذ الرؤية المتعارفة في تشخيص الكمّية في غير مثل الموزونات والمعدودات أوضح بكثير من نفوذها في تشخيص بواطن الأمتعة، بل لا نفوذ لها في الثاني لغير من يعرف العلائم الظاهرية الكاشفة، فلا يمكن قياس هذا بذاك.

والثالث: أن يقال: إنّ المقياس في مثل هذه الأُمور هو الانتخاب وعدم الانتخاب، فللمتاع سعران سوقيّان مشخّصان: أحدهما سعره في فرض الانتخاب والآخر سعره في فرض عدم الانتخاب، والأخذ بالانتخاب أو بعدمه لا يعدّ جزافاً؛ لأنّ لكلّ واحد منهما سعره السوقي المخصوص به، ولا فرق في فرض عدم الانتخاب أن يكون ذلك بسبب التوافق بين البائع والمشتري على عدم الانتخاب وعلى سِعره الذي يتّفقان عليه في فرضه أو يكون ذلك بسبب جهل المشتري بالعلائم الدالّة على الجودة والرداءة.

490

صُور انکشاف فساد المبيع وأحکامها

مسألة: إذا تبيّن فساد المبيع فقد ذكر الشيخ الأنصاري رحمه الله لذلك أقساماً(1).

ونحن نتّبع هنا في طريقة التقسيم ما ورد في التنقيح(2)، لكونه أرتب وأوضح ثم نبدأ ببيان الحكم إن شاء الله.

فنقول: إذا باع ما يفسده الاختبار فكان الشراء بمثل الشرط الصريح أو الضمني العقلائي للصحّة ثم تبيّن فاسداً، فهناك ستّ صور:

لأنّ الفاسد تارة يساوي الصحيح بحسب القيمة ولا تختلف قيمته بحسب الصحّة والفساد. وقد مثّل لذلك في التنقيح(3) بما أخبر عنه _ عن زمان سالِف في النجف الأشرف _ من أنّ أواني الصفر كان هناك في وقت مّا صحيحها وفاسدها متساويين في القيمة؛ لأنّ الذي كان يتحكّم في السعر كان هو مادّة الصفر، غاية ما هناك أنّ شخصاً كان يتعلّق غرضه صدفةً بالصفر بصورة معيّنة كقدر للطبخ، فإذا اشترى الصفر بصورة القِدر ثم تبيّن فساد الصورة قال: إنّ العين المشتراة تبيّنت فاسدة.

وأُخرى: تكون قيمة الفاسد أقلّ من قيمة الصحيح كما هو المتعارف غالباً.

وثالثة: لا تكون للفاسد قيمة أصلاً كالبطّيخ المدوّد إلى حدّ يفترض أنّه غير قابل للأكل ولا لشيء آخر.

وعلى جميع التقادير الثلاثة ربّما يظهر الفساد بعد الكسر والتصرّف في المبيع، وأُخرى قبل الكسر والتصرّف. فهذه ستّ صور:

أمّا إذا فرضنا أنّ الفاسد مساوٍ بحسب القيمة للصحيح ولم يتصرّف المشتري فيه


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص295 _ 296.

(2) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص458 _ 459.

(3) المصدر السابق، ص458.

491

بالكسر فقد أفاد السيّد الخوئي رحمه الله: أنّ للمشتري الردّ خاصّة دون الأرش ومطالبة التفاوت بين قيمة الصحيح والفاسد؛ لأنّ الفرض عدم اختلاف القيمة بحسب الصحّة والفساد(1).

أقول: وبناء على أنّ رتبة الأرش تأتي بعد تعذّر الردّ فالأمر أوضح.

وأمّا إذا ظهر الفساد في هذه الصورة بعد الكسر والتصرّف فقد أفاد رحمه الله: أنّه ليس للمشتري لا الأرش ولا الردّ؛ أمّا أنّه ليس له الأرش فلأنّ المفروض عدم التفاوت بين القيمتين، وأمّا أنّه ليس له الردّ فلأجل التصرّف فيه بالكسر المانع عن الردّ(2).

وأمّا إذا فرضنا أنّ الفاسد أنقص بحسب القيمة من الصحيح ولم يتصرّف المشتري فيه بالكسر وبعد البيع ظهر الفساد فقد أفاد رحمه الله: أنّ للمشتري الردّ ومطالبة البائع بالأرش(3).

أقول: هذا مبنيّ على كون الأرش في عرض الردّ، دون ما لو قلنا بأنّ الأرش إنّما يكون بعد تعذّر الردّ.

وأمّا لو فرضنا أنّ الفاسد أنقص بحسب القيمة من الصحيح وقد وقع التصرّف بالكسر فقد أفاد رحمه الله: أنّه سقط الردّ وله الأرش.

وأمّا إذا لم تكن للفاسد قيمة أصلاً فقد أفاد رحمه الله: أنّ البيع باطل؛ لانكشاف أنّ العقد وقع على ما لا مالية له بحسب الفرض، وهذا من دون فرق بين القول باعتبار المالية في المبيع وبين القول بعدم اعتبارها؛ لأنّ الشيء بوصف أنّه من المتموّل يغاير الشيء المسلوب عنه المالية عند العرف ويعدّان شيئين متغايرين، فصورته النوعية مباينة له بعد سلب المالية عنه وإن كانا متّحدين في نظر العقل، والصورة النوعية


(1) المصدر السابق، ص459.

(2) المصدر السابق.

(3) المصدر السابق.

492

مقوّمة للمبيع وبتبدّلها ينعدم المبيع قهراً ولو لم نعتبر المالية فيه(1).

أقول: وبهذا تمّ بيان أحكام الصور الستّ، فإنّ الفرض الأخير _ وهو فرض ما إذا لم يكن للفاسد قيمة _ لا يفرّق فيه بين ما إذا كان انكشاف الفساد قبل الكسر أو بعده، فإذا قُسّم الفرض الأخير وهو الفرض الخامس إلى فرض انكشاف الفساد قبل الكسر وانكشافه بعد الكسر فقد تمّ بيان أحكام الفروض الستّ.

ثم إنّ مؤونة نقل المبيع الفاسد إلى محلّ الاختبار لو لم يرض المشتري بالبيع بعد انكشاف الفساد بالاختبار أو كان الفساد بنحو يُبطِل البيع إنّما يكون على البائع لو كان يعتبر غارّاً له على أساس رجوع المغرور إلى الغارّ، أمّا لو لم يكن يعدّ غارّاً كما لو كان البائع أيضاً جاهلاً فلا دليل على ضمانه. وكذلك الحال في مؤونة نقل المتاع من محلّ الاختبار إلى البائع لو لم يوافق البائع على عدم الإرجاع عليه، فالبائع ضامن للمؤونة إن كان غارّاً.

وأمّا مؤونة تنظيف المكان الذي تلوّث بالاختبار إن كانت له مؤونة فأيضاً إنّما يضمنها البائع لو كان غارّاً.

نعم، لو كان التنظيف واجباً عليه شرعاً كما لو وقع التلوّث في ملك أحد فألزمه المالك بالتنظيف فقد أفاد السيّد الخوئي رحمه الله: أنّه لا ضمان على البائع لتلك المؤونة حتّى ولو كان غارّاً في أصل البيع؛ لأنّ جعل الاختبار في مكان يجب بعد ذلك تنظيفه كان بسوء اختيار المشتري نفسه، ولا علاقة لذلك بتغرير البائع(2).

وهذا الكلام من السيّد الخوئي رحمه الله غريب؛ فإنّنا لو قلنا بجواز رجوع المشتري في مؤونة تنظيف بيته إلى البائع الغارّ فعجباً لماذا لا يرجع إليه في مؤونة تنظيف مكان يجب عليه تنظيفه؟!


(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص459 _ 460.

(2) المصدر السابق، ص465.

493

بيع المسك في فأرته

مسألة في بيع المسك في فأرته(1).

قال الشيخ رحمه الله: «المشهور _ من غير خلاف يذكر _ جواز بيع المسك في فأره، والفأر _ بالهمزة _ قيل: جمع فأرة كتمر وتمرة، وعن النهاية أنّه قد لا يهمز تخفيفاً. ومستند الحكم العمومات غير المزاحمة بما يصلح للتخصيص»(2). ومقصوده بالعمومات عمومات حلّية البيع أو الوفاء بالعقود.

ثم ذكر(قدس سره) وجوهاً ثلاثة لإخراجه عن العمومات:

الوجه الأوّل: توهّم نجاسته باعتبار كون المسك دماً منجمداً.

وأجاب عليه بأنّه مندفع في باب النجاسات بالنصّ والإجماع(3).

أقول: بما أنّ الشيخ رحمه الله حوّل الكلام هنا إلى باب النجاسات فلا بأس أن أذكر أوّلاً نصّ كلام الشيخ حول أقسام المسك في باب النجاسات ثم أذكر روايات الباب. ثم أبدأ بتحقيق حكم فأرة المسك من ناحية النجاسة ومن ناحية البيع.

نقل الشيخ في كتاب الطهارة(4) عن تحفة الحكيم مؤمن(5) أنّ للمسك أقساماً أربعة:

أحدها: المسك التركي، وهو دم يقذفه الظبي بطريق الحيض أو البواسير فينجمد على الأحجار.

الثاني: الهندي ولونه أخضر: دم ذبح(6) الظبي المعجون مع روثه وكبده، ولونه أشقر.


(1) المقصود بالفأرة هنا سرّة غزال المسك ويعبّر عنها بنافجة الغزال، وكأنّ «النافجة» معرّب «ناف» بالفارسية.

(2) کتاب المكاسب، ج4، ص305.

(3) المصدر السابق.

(4) كتاب الطهارة(للشيخ الأنصاري)، ج5، ص57.

(5) تحفه حكيم، ص809

(6) الظاهر أنّ المقصود «دم يؤخذ من منحره» وطبعاً هذا نجس؛ لأنّه ليس من الدم المتخلّف بعد الذبح والتذكية.

494

قال الشيخ رحمه الله: وهذان ممّا لا إشكال في نجاستهما.

الثالث: دم يجتمع في سرّة الظبي بعد صيده، يحصل من شقّ موضع الفأرة وتغميز أطراف السرّة حتّى يجتمع الدم، فيجمد ولونه أسود.

قال الشيخ رحمه الله: وهو طاهر مع تذكية الظبي، نجس لا معها.

الرابع: مسك الفأرة(1) وهو دم يجتمع في أطراف سرّته ثم يعرض للموضع حكّة تسقط بسببها الدم مع جلدة هي وعاء له.

قال الشيخ رحمه الله: وهذا وإن كان مقتضى القاعدة نجاسته؛ لأنّه دم ذي النفس إلّا أنّ الإجماع دلّ على خروجه عن هذا العموم؛ إمّا لخروج موضوعه بدعوى استحالة الدم، أو بدعوى التخصيص في العموم. انتهى ما أردنا نقله عن عبارة الشيخ حول أقسام المسك.

وأمّا روايات الباب الواردة في الوسائل فهي ما يلي:

1_ صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن فأرة المسك تكون مع من يصلّي وهي في جيبه أو ثيابه؟ فقال: لا بأس بذلك»(2).

2_ صحيحة عبدالله بن جعفر الحميري قال: «كتبت إليه _ يعني أبا محمد عليه السلام _ يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة المسك؟ فكتب(عليه السلام): لا بأس به إذا كان ذكيّاً»(3).


(1) ظاهر هذه العبارة أنّ مسك الفأرة اسم لخصوص ما تسقط بسبب الحك، ولكن يردّ ذلك صحيح عبدالله بن جعفر كتبت إليه _ يعني أبا محمد(عليه السلام) _ «...يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة المسك؟ فكتب(عليه السلام): لا بأس به إذا كان ذكيّاً» وسائل الشيعة، ج4، ص433، الباب 41 من أبواب لباس المصلّي، ح2. وبغضّ النظر عن هذه الرواية لا إشكال في أنّ المعنى اللغوي يقتضي إطلاق مسك الفأرة أو فأرة المسك لكلا القسمين؛ فإنّ الفأرة معناها النافجة أو السرّة.

(2) وسائل الشيعة، ج4، ص433، الباب41 من أبواب لباس المصلّي، ح1.

(3) المصدر السابق، ح2.

495

3_ رواية عبدالله بن الحارث غير التامّة سنداً، قال: «كانت لعليّ بن الحسين عليه السلام قارورة مسك في مسجده، فإذا دخل إلى الصلاة أخذ منه فتمسّح به»(1).

4_ صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «كانت لرسول الله(صل الله عليه وآله) ممسكةٌ إذا هو توضّأ أخذها بيده وهي رطبة، فكان إذا خرج عرفوا أنّه رسول الله(صل الله عليه وآله) برائحته»(2).

5_ رواية أبي البختري عن أبي عبدالله(عليه السلام): «إنّ رسول الله(صل الله عليه وآله) كان يتطيّب بالمسك حتّى يرى وبيصه(3)في مفارقه»(4).

وقد قال النجاشي عن أبي البختري: «كان كذّاباً وله أحاديث مع الرشيد في الكذب»(5)، وقال الشيخ: «عاميّ المذهب ضعيف»(6).

6_ موثّقة الحسن بن جهم قال: «دخلت على أبي الحسن عليه السلام فأخرج إليّ مخزنةً فيها مسك فقال: خذ من هذا فأخذت منه شيئاً فتمسّحت به، فقال: أصلح واجعل في لبّتك(7) منه، قال: فأخذت منه قليلاً فجعلته في لبّتي، فقال: أصلح فأخذت منه أيضاً فمكث في يدي شيء صالح، فقال لي: اجعل في لبّتك(8)»(9).


(1) المصدر السابق، ص435، ح4.

(2) المصدر السابق، ص434، ح1.

(3) الوبيص: البريق.

(4) وسائل الشيعة، ج2، ص149، الباب95 من أبواب آداب الحمّام، ح4.

(5) رجال النجاشي، ص430، رقم1155

(6) الفهرست، ص173، رقم757.

(7) اللبّة: المنحر.

(8) قال الشيخ الحرّ (رحمه الله) في نسخة: لبّيتك. الکافي، ج6‌،ص512، باب فضل الطيب من أبواب قضاء التفث والتزین. ح3.

(9) وسائل الشيعة، ج2، ص148، الباب 43 من أبواب لباس المصلّي، ح1.

496

7_ موثّقة الحسين بن الجهم قال: «أخرج إليّ أبو الحسن عليه السلام مخزنة فيها مسك من عتيدة(1) آبنوس(2) فيها بيوت كلّها ممّا يتّخذها النساء»(3).

8_ رواية الوشّاء غير التامّة سنداً، قال: «سمعت أبا عبدالله(عليه السلام)(4) يقول: كان لعليّ بن الحسين عليه السلام أشبيدانة(5) رصاص معلّقة فيها مسك، فإذا أراد أن يخرج ولبس ثيابه تناولها وأخرج منها فتمسّح به»(6).

9_ رواية نوح بن شعيب عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن عليه السلام قال: «كان يرى وبيص المسك في مفرق رسول الله(صل الله عليه وآله)»(7).

10_ صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السلام «قال: سألته عن المسك في الدهن أيصلح؟ فقال: إنّي لأصنعه في الدهن، ولا بأس»(8).

11_ قال الكليني: «وروي أنّه لا بأس بصنع المسك في الطعام»(9).

12_ صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه قال: «سألته عن المسك والعنبر وغيره من الطيب يجعل في الطعام؟ قال: لا بأس»(10).

13_ صحيحة علي بن جعفر عن أخيه «سألته عن المسك يصلح في الدهن؟


(1) العتيدة حقة يکون فيها طيب الرجل والعروس.

(2) آبنوس شجرٌ خشبه أسود صلب.

(3) وسائل الشيعة، ج2، ص148، باب95 من أبواب آداب الحمام والتنظیف، ح2.

(4) قال مخرّج الوسائل: في المصدر: أبا الحسن.

(5) أشبیدانة: موضع الطيب، معرّب. وفي بعض النسخ (شاندانة) وکأنّه معرّب بمعنی محلّ المشط

(6) وسائل الشيعة، ج2، ص149، باب95 من أبواب آداب الحمام والتنظیف ، ح3.

(7) المصدر السابق، ح6، ص150.

(8) المصدر السابق، ح7، ص150.

(9) الکافي، ج6، ص515، باب المسك من کتاب الزي والتجمل والمروءة، ح8.

(10) وسائل الشيعة، ج2، ص150، باب95 من أبواب آداب الحمام والتنظیف، ح9.

497

قال: إنّي لأصنعه في الدهن، ولا بأس»(1).

14_ صحيحة معمّر بن خلّاد قال: «أمرني أبو الحسن الرضا عليه السلام فعملت له دهناً فيه مسك وعنبر، وأمرني أن أكتب في قرطاس آية الكرسي وأُمّ الكتاب والمعوّذتين وقوارع من القرآن وأجعله بين الغلاف والقارورة ففعلت، ثم أتيته فتغلّف به وأنا أنظر إليه»(2).

15_ رواية عبدالغفّار غير التامّة سنداً، قال: «سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: الطيب: المسك والعنبر والزعفران والعود»(3).

حکم البيع بلحاظ شبهة النجاسة

وأمّا تحقيق الحال في فأرة المسك من ناحية البيع بلحاظ شبهة نجاسته:

فلا ينبغي الإشكال في جواز بيعها حتّى ولو كانت نجساً؛ وذلك لأنّه يكفي في جواز بيعها وجود منفعة محلّلة لها وهي الشمّ، ولهذا أفاد السيّد الخوئي رحمه الله في المقام: أنّ النجاسة بما هي غير مانعة عن البيع على ما حقّقناه في بحث المكاسب المحرّمة(4).

تحقيق الکلام في طهارة الفأرة ونجاستها

يبقى الكلام في النجاسة والطهارة.

فنقول: إنّ فأرة المسك على قسمين:

القسم الأوّل: أن تبقى متّصلة بالغزال إلى أن تذكّى، وهذه لا إشكال في طهارتها بحكم أدلّة التذكية، أمّا المسك الذي في الفأرة إن كان دماً غير متحوّل إلى ما هو


(1) المصدر السابق، ح10.

(2) المصدر السابق، ص151، الباب97 من أبواب آداب الحمام والتنظيف، ح1.

(3) المصدر السابق، ص152، ح2.

(4) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص467.

498

خارج عن حقيقة الدم فأيضاً لا إشكال في طهارته على ما هو حكم الدم المتخلّف بعد التذكية بلا إشكال.

والقسم الثاني: هي الفأرة التي تسقط من الغزال على أساس تجمّع الدم في أطراف سرّته ثم يعرض للموضع حكّة وتسقط بالحكّ.

وهذا هو الذي نقلنا بشأنه عن الشيخ الأنصاري رحمه الله أنّه قال: «هذا وإن كان مقتضى القاعدة نجاسته؛ لأنّه دم ذي النفس إلّا أنّ الإجماع دلّ على خروجه عن هذا العموم إمّا لخروج موضوعه بدعوى استحالة الدم أو بدعوى التخصيص في العموم»(1).

أقول: لا ينبغي الإشكال في الحكم بطهارة هذا القسم أيضاً؛ وذلك لبعض الروايات المتقدّمة.

وشرح الكلام في تلك الروايات ما يلي:

أمّا الرواية الأُولى وهي صحيحة علي بن جعفر: «سألته عن فأرة المسك تكون مع من يصلّي وهي في جيبه أو ثيابه؟ فقال: لا بأس بذلك» فهي لا تدلّ على الطهارة أصلاً بناء على ما هو الحقّ من أنّ حمل عين النجاسة في الصلاة ما لم ينجّس اللباس أو البدن جائز إلّا إذا كان جزءاً من ميتة أو من حيوان لا يسوغ أكله كدم الأرنب.

وأمّا الرواية الثانية وهي صحيحة عبدالله بن جعفر الحميري: «كتبت إليه يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة المسك؟ فكتب(عليه السلام): لا بأس به إذا كان ذكيّاً»، فهي أيضاً لا تدلّ على الطهارة بنفس النكتة التي بيّنّاها في الرواية الأُولى.

بل قد يقال: إنّها تدلّ بإطلاقها على نجاسة الفأرة التي تقع بالحكّ؛ لأنّها داخلة في إطلاق مفهوم قوله: «إذا كان ذكيّاً» بناء على الإيمان بإطلاق مفهوم الشرط.

ولكن الظاهر عدم تمامية هذا الإطلاق هنا؛ فإنّ المنصرف من قوله: «إذا كان ذكيّاً» أنّ المفروض زهاق روح الغزال، ففصّل الإمام عليه السلام بين فرض الذكاة وفرض


(1) كتاب الطهارة (للشيخ الأنصاري)، ج5، ص57.

499

الموت، وبكلمة أُخرى: إنّ الذكيّ يذكر في مقابل الميتة.

وأمّا الرواية الثالثة وهي رواية عبدالله بن الحارث: «كانت لعليّ بن الحسين عليه السلام قارورة مسك في مسجده، فإذا دخل إلى الصلاة أخذ منه فتمسّح به» فلا إشكال في دلالتها على الطهارة، لكنّها أوّلاً غير تامّة السند، وثانياً لا إطلاق فيها للقسم الذي يقع بالحكّ؛ إذ ما يُدري عبدالله بن الحارث أنّ المسك الذي كان يستعمله علي بن الحسين عليه السلام من أيّ القسمين كان.

وأمّا الرواية الرابعة وهي صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام): «كانت لرسول الله(صل الله عليه وآله) ممسكة إذا هو توّضأ أخذها بيده، وهي رطبة، فكان إذا خرج عرفوا أنّه رسول الله برائحته» فهذه الرواية ظاهرة في طهارة مسك الفأرة بكلا قسميها، أي التي تؤخذ بعد التذكية والتي تسقط بالحكّة؛ لأنّ الإمام الصادق عليه السلام حينما يروي فعل رسول الله(صل الله عليه وآله) من استعماله للمسك حتّى كان يعرف المسلمون برائحة المسك أنّه قد أقبل رسول الله فإنّ هذا النقل ظاهر في أنّه يريد عليه السلام توضيح حكم المسك تمسّكاً بفعل رسول الله.

ومن الواضح أنّ هذه الرواية لا تشمل الدم الذي يقذفه الظبي بطريق الحيض أو البواسير أو الذي يؤخذ من منحر الظبي حين ذبحه ويُعجن بروثه وكبده، فإنّ المنصرف من هذا الإطلاق إنّما هو مسك الفأرة؛ إمّا بمناسبات الحكم والموضوع؛ لأنّ تلك الأقسام لا تناسبه الطهارة، وإمّا لأنّ المتعارف قصده من كلمة المسك مسك الفأرة، ولو كان فرق بين الفأرة المأخوذة بعد التذكية والفأرة التي تسقط من الغزال في حياته على أثر عروض الحكّة كان على الإمام أن يفصّل بينهما، فهذه الرواية تدلّ على طهارة مسك الفأرة بكلا قسميه.

وأمّا الرواية الخامسة وهي رواية أبي البختري عن أبي عبدالله(عليه السلام): «إنّ رسول الله(صل الله عليه وآله)

500

كان يتطيّب بالمسك حتّى يرى مبيصه في مفارقه» فهي في الدلالة كالرواية الرابعة. ولكنّك عرفت أنّها ساقطة سنداً.

وأمّا الرواية السادسة وهي موثّقة الحسين بن الجهم: «دخلت على أبي الحسن عليه السلام فأخرج إليّ مخزنة فيها مسك فقال: خذ من هذا فأخذت منه شيئاً فتمسّحت به» فلا إشكال في دلالتها على طهارة مسك الفأرة، لكن لا يعرف منها الإطلاق لكلا قسمي الفارة.

وأمّا الرواية السابعة وهي موثّقته الأُخرى: «أخرج إليّ أبوالحسن عليه السلام مخزنة فيها مسك عتيدة آبنوس فيها بيوت كلّها ممّا يتّخذها النساء» فهي كسابقتها.

وأمّا الرواية الثامنة وهي رواية الوشّاء «سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: كان لعليّ بن الحسين عليه السلام آشبيدانة رصاص معلّقة فيها مسك، فإذا أراد أن يخرج ولبس ثيابه تناولها وأخرج منها فتمسّح به» فيمكن أن يقال بتمامية الإطلاق فيها لكلا قسمي الفأرة إن فهمنا منها إرادة بيان الحكم، لا مجرّد سرد قصّة، ولكن مضت منّا الإشارة إلى ضعف سندها.

وأمّا الرواية التاسعة وهي مرسلة نوح بن شعيب عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن عليه السلام قال: «كان يرى وبيص المسك في مفرق رسول الله(صل الله عليه وآله)» فلا حجّية لسندها.

وأمّا الرواية العاشرة وهي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن(عليه السلام): «سألته عن المسك في الدهن، أيصلح؟ فقال(عليه السلام): إنّي لأصنعه في الدهن ولا بأس به» فإطلاقها لكلا قسمي الفأرة واضح.

وهذه الرواية أقوى دلالة من الرواية الرابعة، أعني صحيحة عبدالله بن سنان؛ إذ لو شكّك أحد بشأن تلك الصحيحة في كون الإمام بصدد بيان الحكم الشرعي لا مجرّد سرد قصّة عن رسول الله(صل الله عليه وآله) فهذه صريحة في أنّ أبا الحسن عليه السلام كان بصدد بيان الحكم الشرعي؛ لأنّ كلامه كان جواباً على سؤال علي بن جعفر عن صلاحية المسك في الدهن.

501

ومثلها الرواية الثانية عشرة، وهي أيضاً صحيحة علي بن جعفر: «سألته عن المسك والعنبر وغيره من الطيّب يجعل في الطعام؟ قال: لا بأس به».

ومثلها الرواية الثالثة عشرة، وهي أيضاً صحيحة علي بن جعفر عن أخيه: «سألته عن المسك يصلح في الدهن؟ قال: إنّي لأصنعه في الدهن، ولا بأس».

ويحتمل كونها في الحقيقة عين الرواية العاشرة.

وأمّا الرواية الحادية عشرة وهي مرسلة الكليني: «وروي أنّه لا بأس بصنع المسك في الطعام» فعيبها إرسالها، ويمكن كونها إشارة إلى إحدى الروايات السابقة عن علي بن جعفر.

وأمّا الرواية الرابعة عشرة وهي صحيحة معمّر بن خلّاد: «أمرني أبو الحسن الرضا عليه السلام فعملت له دهناً فيه مسك وعنبر...» فهي أيضاً واضحة في طهارة مسك الفأرة، وواضحة في الإطلاق لكلا قسمي الفأرة؛ إذ لو كان يختلف الحكم باختلافهما لكان على أبي الحسن الرضا عليه السلام أن يعيّن لمعمّر بن خلّاد القسم الجائز.

وأمّا الرواية الخامسة عشرة وهي رواية عبدالغفّار فلو فرض تمامية إطلاقها فقد أشرنا أنّها غير تامّة سنداً.

استدلال الشهيد الصدر رحمه الله علی طهارة فأرة المسك

ثم إنّ أُستاذنا الشهيد الصدر رحمه الله له بحث(1) حول فأرة المسك والدم المنجمد فيها _ وترك الحديث عمّا قد يسمّى بالمسك التركي أو المسك الهندي _ ننقل جزءاً منه مع تغيير في العبارة.

فقد أفاد: أنّ فأرة المسك والمسك الموجود فيها على أربعة أقسام:

الأوّل: المأخوذة من الغزال المذكّى بعد تذكيته.


(1) بحوث في شرح العروة الوثقى، ج3، ص108 _ 124.

502

والثاني: المأخوذة من الغزال الحيّ باعتبار انفصالها عنه بالحكّ.

والثالث: المأخوذة من الغزال الحي بانتزاعها منه انتزاعاً.

والرابع: المأخوذة من ميتة الغزال.

أمّا القسم الأوّل: وهي المأخوذة من الغزال المذكّى بعد تذكيته فلا إشكال في طهارة الفأرة وطهارة المسك الذي في داخلها أيضاً حتّى لو كان دماً غير مستحيل باعتباره من الدم المتخلّف.

وأمّا القسم الثاني: وهي المأخوذة من الغزال الحيّ باعتبار انفصالها عنه بالحكّ فلا دليل على نجاسة نفس الفأرة حتّى لو قلنا بنجاستها لو قطعت من الميتة؛ فإنّ هذه ليست مقطوعة من الميتة.

نعم، هناك روايات وردت في نجاسة بعض الأعضاء المقطوعة من الحيّ من قبيل إليات الغنم وما قطعته شبكة الصيد من يد ورجل، ولكن من الواضح احتمال الفرق عرفاً بين تلك القطعات والفأرة التي يلقيها الغزال بطبعه.

وأمّا المسك الموجود في تلك الفأرة فيأتي فيه احتمال النجاسة من حيث كونه دماً.

فأفاد رحمه الله: أنّ الجواب على هذا الإشكال أحد وجوه أربعة:

أوّلاً: أنّه ليس دماً عرفاً سواء فرضناه دماً بحسب تحليله العلمي أو فرضنا أنّه ليس دماً حتّى بحسب التحليل العلمي على ما نقل عن بعض الخبراء.

وثانياً: لا إطلاق لأدلّة نجاسة الدم؛ فإنّ دليل نجاسة دم الحيوان ذي النفس السائلة إنّما ورد في موارد خاصّة كدم الرعاف والحكّة والقروح والجروح، ولا نتعدّى منها إلّا إلى ما نجزم فيه بعدم الفرق، واحتمال الفرق فيما نحن فيه واضح.

وثالثاً: أنّه لو فرض تمامية إطلاق على نجاسة كلّ دم من الحيوان ذي النفس السائلة قلنا بعدم شموله لهذا الدم باعتباره متكوّناً في داخل الفأرة، نظير الدم المتكوّن في البيضة، فلا يكون دم الحيوان.

503

ورابعاً: التمسّك بسيرة المتشرّعة على معاملة المسك بل وفأرته أيضاً معاملة الطاهر في استعمالاتهم الكثيرة ممّا يكشف عن تجويز الشارع لذلك وإمضائه. والسيرة وإن كانت دليلاً لبّيّاً لا إطلاق فيها، لكنّنا نأخذ بها في القدر المتيقّن منها وهو المتّخذ من الحيّ والذي انفصل بنفسه وبالحكّ.

وأمّا القسم الثالث: وهي الفأرة المأخوذة من الغزال الحيّ بانتزاعها منه انتزاعاً فقد يقال في ذلك بنجاسة نفس الفأرة بدليل روايات نجاسة بعض الأعضاء المقطوعة من الحيّ من قبيل إليات الغنم وما قطعته شبكة الصيد من يد ورجل.

ولكن في المقابل يمكن أن يقال بعدم الدليل على النجاسة؛ وذلك بأحد سببين:

الأوّل: دعوى أنّ فأرة المسك ليست جزءاً من الحيوان، بل نسبتها نسبة البيضة إلى الدجاجة.

والثاني: دعوى أنّها ليست ممّا تحلّها الحياة على حدّ باقي جلود الحيوان ممّا تحلّه الحياة، فإنّها وإن كانت من قبيل الجلد ولكن تهيّؤها بطبعها للسقوط تدريجاً يجعل نسبتها إلى الحياة أضعف من نسبة سائر الأجزاء إليها.

وأمّا المسك الذي فيها فيأتي فيه الوجوه الثلاثة التي شرحناها في القسم الثاني لعدم شمول دليل نجاسة الدم له من أنّه:

1_ ليس بدم عرفاً لو كان دماً حقيقة.

2_ عدم الإطلاق في دليل نجاسة دم الحيوان ذي النفس السائلة.

3_ أنّ هذا الدم حاله حال الدم المتكوّن في البيضة.

نعم، الوجه الرابع وهو السيرة لا يأتي هنا؛ لأنّها دليل لبّيّ لا إطلاق له، ومتيقّنه دم الفأرة التي وقعت بالحكّ.

وأمّا القسم الرابع: وهي الفأرة المأخوذة من ميتة الغزال فأيضاً لا دليل على نجاسة نفس الفأرة؛ لأنّ دليل نجاسة الميتة لا إطلاق لها للفأرة التي عرفت أنّ نسبتها إلى الحياة