44

قبل انتهاء العدّة أوّل الكلام، ولهذا قالوا بجواز أو استحباب أن تتزيّن في بيت زوجها لزوجها رغم الطلاق، وورد النصّ بحرمة إخراج زوجها لها من بيته رغم الطلاق، ولعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً.

والمورد الثاني: الرجوع العملي بالوطء في بيع الأمة حينما يكون للبائع الخيار.

وأمّا ما نقلناه عن أُستاذنا السيّد الشاهرودي رحمه الله إن كان المقصود به عدم إمكان إبراز إنشاء العقد بما هو في ذاته مصداق للسفاح الذي هو ضدّ النكاح فأيضاً لا وجه له. نعم، بالإمكان إرجاعه إلى الاستظهار من الأدلّة بأن يقال مثلاً: إنّ مثل ﴿أَوْفُوْا بِالْعُقُوْدِ﴾ منصرف عن ذلك.

مقتضی الأدلّة بالنسبة إلی النکاح المعاطاتي

وعلى أيّ حال فالمهم مراجعة الأدلّة لكي نرى مدى إمكانية شمولها لعقد النّكاح بالمعاطاة إمّا بمثل الوطء أو بمثل مجيئها بجهازها إلى بيت الزوج وتمكين الزوج لها من دخول البيت بقصد قبول الزوجية. ونحن نمنهج البحث هنا بهذه المنهجة:

لا إشكال في أنّ مقتضى الأصل العملي في كلّ عقد أو إيقاع هو الفساد وأنّ الصحّة هي التي تحتاج إلى دليل، فيقع الكلام عن صحّة المعاطاة في النكاح في ثلاثة مقامات:

المقام الأوّل: في أنّ الإطلاقات الفوقانية التي تدلّ على صحّة المعاطاة في كلّ عقد هل تشمل النكاح فتثبت بذلك صحّة المعاطاة في النكاح وذلك من قبيل: ﴿وَأَوْفُوْا بِالْعُقُوْدِ﴾ أو لا؟

المقام الثاني: في أنّه هل يوجد في خصوص النكاح ما يقوم مقام ﴿أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ﴾ في البيع، فكما استدلّوا بأحلّ الله البيع في خصوص البيع على صحّة المعاطاة فيه كذلك قد يستدلّ بآية أُخرى أو رواية في النكاح لصحّة المعاطاة فيه أو لا؟

المقام الثالث: في الروايات الخاصّة في المقام.

45

أمّا المقام الأوّل: وهو أنّه هل الإطلاقات الفوقانية الدالّة على صحّة المعاطاة في كلّ عقد تشمل النكاح أو لا؟

فالجواب: أنّه لا إشكال في أنّ آية ﴿تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ﴾ وآية ﴿أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ﴾ أجنبيّتان عن النكاح، والإطلاق الوحيد الذي يمكن أن يدّعى شموله للنكاح هو ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾.

وبما أنّه ثبت في محلّه أنّ الارتكازات العقلائية لها التأثير الكبير في توسيع الإطلاق وتضييقه نقول: ليس من الواضح مساعدة الارتكازات العقلائية لإطلاق الآية لفرض المعاطاة في باب النكاح، بل الواضح خلافه، فإنّ أشدّ المجتمعات تفسّخاً وكفراً في العالم لا يرضى بشيء من هذا القبيل.

نعم، قد يفترض مجتمع يقول بالاشتراك في الوطء بين الرجال والنساء لكن هذا ليس معناه أنّ كلّ النساء زوجات لكلّ الرجال، وإنّما معناه عدم الإيمان بأصل فكرة الزواج.

أمّا المجتمعات المؤمنة بأصل فكرة الزواج فترى أنّ أشدّها تفسّخاً وهي البلاد الأُوروبية أو الأمريكية وإن كانت تسمح بفكرة الصداقة كما تسمح بفكرة بيوت الدعارة وبعضها تسمح بالحرّية الكاملة حتّى في الشوارع، لكن كلّ هذا لا يعتبرونها زواجاً.

نعم، لديهم نوعان من الزواج:

أحدهما: الزواج الكنسي، والظاهر أنّهم يشترطون في ذلك العقد اللفظي كما هو الحال في مذهبنا.

والثاني: الزواج المدني، ويشترطون فيه الثبت في السند في المحاكم المدنية، وهذا نوع عقدٍ وليس زنا، ولكلّ قوم نكاح.

نعم، نحن لا نؤمن بهذا النوع من العقد؛ لأنّنا نشترط في النكاح العقد اللفظي على ما سيتّضح في المقام الثالث إن شاء الله.

إذاً فإطلاق من هذا القبيل لا يتمّ في المقام.

46

وأمّا المقام الثاني: وهو أنّه هل يوجد في باب النكاح ما يمكن إحلاله محلّ ﴿أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ﴾ أو لا. فالظاهر أنّه يوجد الكثير ممّا قد يتراءى أنّ نسبته إلى النكاح كنسبة ﴿أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ﴾ إلى البيع سواء في الكتاب أو السنّة.

أمّا الكتاب فمن قبيل قوله تعالى:

1_ ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلّاتُقْسِطُوْا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوْا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النَّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ...﴾(1).

ومعنى الآية _ والله العالم _ إن خفتم في نكاح اليتامى أن لا تقسطوا فيهنّ على حسب العادة التي رُويت في تفسير الآية من أنّهنّ كنّ يعاملن تحت أيدي من ربّاهنّ معاملة نازلة في خصوص حقوق الزوجية فاتركوهنّ لأزواج آخرين وانكحوا أنتم ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع....

2_ ﴿َأَنْكِحُوْا الأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِيْنَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللّٰهُ وَاسِعٌ عَلِيْمٌ﴾(2).

وينبغي إلفات النظر إلى أنّ الإطلاق الحكمي الذي تم في ﴿أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ﴾ بالنسبة لكلّ ما يكون بيعاً عقلائيّاً لا يتمّ في هاتين الآيتين ولا في كلّ أمر يرد في الشريعة بالنكاح بالنسبة لكلّ نكاح؛ لأنّ الأمر بالنكاح في لغة كلّ متشرّع يحمل _ لولا القرينة على الخلاف _ على ما هو نكاح في تشريعه، فلو شككنا في نكاح مّا أنّه هل هو نكاح في تشريعه أو لا كان التمسّك بالعام أو الإطلاق في ذلك تمسّكاً بالعام في الشبهة المصداقية، وهذا بخلاف ﴿أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ﴾ فإنّ هذا ليس أمراً بالبيع، وإنّما هو تحليل للبيع ولا معنى لتفسيره بتحليل البيع الشرعي؛ لأنّه يصبح عندئذٍ قضية بشرط المحمول، فليس معناه إلّا تحليل البيع العقلائي، فيتمّ فيه الإطلاق الحكمي لكلّ بيع عقلائي.


(1) النساء: 3.

(2) النور: 32.

47

نعم، لو كانت المعاطاة نكاحاً في ارتكاز العقلاء ونظرهم لتمّ الإطلاق المقامي في الأوامر الواردة في الشريعة بالنكاح.

ولكنّنا وضّحنا في المقام الأوّل أنّ سيرة عقلائية من هذا القبيل غير موجودة، بل سيرتهم على العكس حتّى في أشدّ المجتمعات المتفسّخة.

3_ ﴿حُرَّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالٰاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ... وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ...﴾(1).

وهذه الآية فرقها عن الآيتين السابقتين هو أنّها ليست بصيغة الأمر بالنكاح، بل بصيغة تحليله.

فربّما يتوهّم أنّ نسبتها إلى أقسام النكاح كنسبة ﴿أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ﴾ إلى أقسام البيع.

ولكن من الواضح أنّ هذه الآية إنّما هي بصدد بيان حرمة أقسام النساء المحرّمات وتحليل غيرهنّ، فإطلاقها الحكمي إنّما يتمّ في دائرة أقسام النساء، لا في دائرة أنواع كيفية النكاح.

نعم، هنا أيضاً نقول: لو كانت المعاطاة في النكاح أمراً عقلائيّاً لتمّ الإطلاق المقامي للآية في المقام، ولكن قد وضّحنا عدم عقلائيّته.

وهنا ينبغي إلفات النظر إلى نكتة وهي أنّ عدم ثبوت السيرة والارتكاز العقلائيين على صحّة المعاطاة في النكاح كافٍ في كسر الإطلاق المقامي؛ لأنّ عدم سيرة أو ارتكاز من هذا القبيل يكفي في عدم تورّط الأُمّة في الخطأ من جرّاء عدم ذكر القيد في مثل الأمر بالنكاح، فلا حاجة إلى كون المولى في مقام دفع التوهّم، ولكن ذلك لا يكفي لكسر الإطلاق الحكمي، بل لابدّ من ثبوت السيرة أو الارتكاز على عدم صحّة المعاطاة كي ينكسر بذلك الإطلاق، وقد وضّحنا ثبوت السيرة والارتكاز على ذلك.

وأمّا السنّة: فهي الروايات التي تكون فوق الإحصاء في فضل النكاح من قبيل:


(1) النساء: 22 _ 23.

48

صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «إنّ رسول الله(صل الله عليه وآله) قال: تزوّجوا فإنّي مكاثر بكم الأُمم غداً في القيامة حتّى إنّ السقط يجيء محبنطئاً على باب الجنّة فيقال له: ادخل الجنّة فيقول: لا حتّى يدخل أبواي الجنّة قبلي»(1).

ومن قبيل روايات فضل المتعة(2).

إلّا أنّ كلّ أمر ورد في السنّة بالنكاح أو المتعة تأتي فيه النكتة التي شرحناها آنفاً في الآيات من عدم تمامية الإطلاق الحكمي فيه.

نعم، لو كانت السيرة العقلائية والارتكاز العقلائي جاريين في المعاطاة في النكاح لتمّ لها الإطلاق المقامي، وقد عرفت عدم جريانهما فيه، بل هما على العكس.

وأمّا المقام الثالث: وهي الروايات الخاصّة في المقام التي يمكن الاستدلال بها على بطلان المعاطاة في النكاح ويمكن الاستدلال ببعضها على صحّة المعاطاة فيه:

فنحن نبحث أوّلاً روايات البطلان وبعد ذلك نشير إلى رواية الصحّة وجوابها.

أمّا البحث عن روايات البطلان فله أهمّية قصوى في المقام لسببين:

السبب الأوّل: أنّه لو فرضت تمامية الإطلاق في الأبحاث الماضية _ ولم تتمّ _ وصحّت دلالة الروايات الخاصّة على البطلان تقدّمت على تلك الإطلاقات بالأخصّية.

والسبب الثاني: أنّه مضى منّا أنّ الزواج بالكتابة ليس معاطاة في حين أنّنا نفتي بضرورة العقد باللفظ والكلام، وهذه الروايات فيها ما لو تمّت دلالتها على المقصود حلّت لنا هذا المشكل وأثبتت لنا بالإطلاق ضرورة العقد اللفظي في النكاح ولو تعبّداً.

ونشير قبل الشروع في ذكر الروايات إلى نكتة هامّة وهي أنّنا لا نحتاج في الوصول إلى النتيجة وهي بطلان عقد النكاح بغير الكلام إلى تلك الروايات؛ وذلك لأنّنا وإن قلنا إنّ شعوب العالم العقلائي اليوم فيما عدا البلاد الإسلامية تعقد زواجها


(1) وسائل الشيعة، ج20، ص14، الباب الأوّل من أبواب مقدمات النکاح وآدابه، ح2.

(2) راجع المصدر السابق، ج21، ص13، الباب الثاني من أبوب المتعة.

49

المدني بالثبت والكتابة، ولكن هذا ليس إلّا تطوّراً في وضع العالم، فثبوت سيرة أو ارتكاز عقلائي على عقد الزواج بالثبت والكتابة في عصر التشريع في بلادنا واضح المنع. ولا أُريد أن أجعل هذا دليلاً على بطلان عقد الزواج بالكتابة، ولكنّني أُريد أن أقول: إنّ عدم ارتكازية الزواج بالكتابة في زمان ومكان التشريع وعدم السيرة عليه كافٍ في عدم تمامية الإطلاقات الماضية، وبالتالي تكفينا في الإفتاء ببطلان عقد الزواج بالكتابة أصالة البطلان؛ لما قلنا من أنّ الصحّة في العقود والإيقاعات هي التي تكون بحاجة إلى الدليل.

أمّا الروايات: فنحن نختار هنا ذكر روايات أربع تامّة سنداً ودلالةً وانتهاءً إلى المعصوم وإن كانت الروايات كثيرة. علماً بأنّ باقي الروايات أيضاً لا تخلو من تأييد لرأينا إن لم نقل بأنّها تفيد الاستفاضة وتثبت المقصود.

وتلك الروايات الأربع ما يلي:

1_ صحيحة زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام): «قال: لا تكون متعة إلّا بأمرين: أجل مسمّى وأجر مسمّى»(1). فإنّ هذا يعني التسمية ضمن الصيغة؛ إذ لا يعقل التسمية ضمن المعاطاة، نعم لو كان الارتكاز والسيرة العقلائيّان قائمين على إقامة العقد المعاطاتي على ما تمّت المقاولة عليه لاحتملنا كون تسميتهما بمعنى التسمية ضمن المقاولة.

ولو كان لابدّ من العقد اللفظي أو غير المعاطاتي في المتعة لم يحتمل خلاف ذلك في الدائم.

2_ معتبرة(2) عبدالله بن بكير قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): «ما كان من شرط قبل النكاح هدمه النكاح، وما كان بعد النكاح فهو جائز»(3) وقال: «إن سمّي الأجل فهو


(1) وسائل الشيعة، ج21، ص42، الباب17 من أبواب المتعة، ح1.

(2) عبّرنا بمعتبرة لا بصحيحة؛ لأنّه قد يقال بأنّها موثّقة لا صحيحة؛ وذلك لكون عبدالله بن بكير فطحيّاً.

(3) وسائل الشيعة، ج21، ص46، الباب19 من أبواب المتعة، ح2.

50

متعة، وإن لم يسمّ الأجل فهو نكاح باتّ»(1). وحتّى لولا الذيل كفانا صدره؛ إذ لا معنى لجواز الشرط بعد النكاح لا قبله إلّا عدم كفاية الشرط في المقاولة السابقة على العقد وكفايته ضمن العقد.

3_ معتبرة(2) محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «في الرجل يتزوّج المرأة المتعة إنّهما يتوارثان إذا لم يشترطا(3) وإنّما الشرط بعد النكاح»(4). وطريقة الاستدلال بها هي نفس طريقة الاستدلال بصدر الرواية السابقة.

4_ صحيحة بريد قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله(عز وجل): ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مَّيْثَاقَاً غَلِيْظَاً﴾(5) فقال: الميثاق هو الكلمة التي عقد بها النكاح، وأمّا قوله: غليظاً فهو ماء الرجل يفضيه إليها»(6).

وهذه الروايات الأربع كلّها واضحة في عدم كفاية المعاطاة، ولو لم نقبل وضوح الثلاث الأُولى في اشتراط اللفظ وعدم كفاية الكتابة فالرابعة واضحة في ذلك.

وإن شئت مراجعة باقي الروايات التي حذفناها _ لضعف في السند أو لعدم الانتهاء إلى المعصوم _ فهي منتشرة في أبواب المتعة من الوسائل(7).

بقي علينا ذكر الرواية التي يمكن أن يستدلّ بها على صحّة المعاطاة في النكاح، وهي رواية عبدالرحمن بن كثير عن أبي عبدالله(عليه السلام): قال: «جاءت امرأة إلى عمر


(1) وسائل الشيعة، ج21، ص47، الباب20 من أبواب المتعة، ح1.

(2) عبّرنا بمعتبرة لا بصحيحة؛ لأنّ في السند ابن فضّال وابن بكير وظاهر النص معرض عنه.

(3) هذا المقطع إن حمل على اشتراط عدم الإرث أصبح غير معمول به؛ لأنّه لا إرث في المتعة سواء اشترطا أو لم يشترطا، وإن حمل على اشتراط المدّة فلو لم يشترطاه تحوّل إلى العقد الدائم فهو أمر معقول.

(4) وسائل الشيعة، ج21، ص47، الباب 19 من أبواب المتعة، ح4.

(5) النساء: 21

(6) وسائل الشيعة، ج20، ص262، الباب الأوّل من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، ح4.

(7) المصدر السابق، ج21، ص42 _ 48، الباب17 إلى الباب20 من أبواب المتعة.

51

فقالت: إنّي زنيت فطهّرني، فأمر بها أن ترجم فأُخبر بذلك أمير المؤمنين(عليه السلام)، فقال: كيف زنيت؟ قالت: مررت بالبادية فأصابني عطش شديد فاستسقيت أعرابيّاً فأبى أن يسقيني إلّا أن أُمكّنه من نفسي فلمّا أجهدني العطش وخفت على نفسي سقاني فأمكنته من نفسي، فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): تزويج وربّ الكعبة»(1). ووجه الاستدلال بالرواية وضوح أنّه لم يكن شيء في المقام إلّا المعاطاة، ومع ذلك حكم الإمام بأنّه نكاح.

ولكن الرواية ساقطة سنداً ودلالةً:

أمّا سنداً فلأنّ الراوي المباشر هو عبدالرحمن بن كثير وقد قال عنه النجاشي: «كان ضعيفاً غمز أصحابنا عليه وقالوا: كان يضع الحديث»(2)، والراوي عن عبدالرحمن ابن كثير هو علي بن حسّان بن كثير ابن أخي عبدالرحمن بن كثير وقد قال عنه النجاشي: «ضعيف جدّاً ذكره بعض أصحابنا في الغلاة، فاسد الاعتقاد، له كتاب تفسير الباطن تخليط كلّه»(3).

وأمّا دلالة فلوضوح مورده في الزنا الصريح؛ فإنّ الفرق بين الزنا والنكاح ليس هو وجود العوض وعدمه حتّى يفترض أنّ كون سقي الماء عوضاً في القصّة أخرجها عن الزنا، فما أكثر الزنا الذي يكون بعوض، وإنّما الفرق بينهما هو إبراز إنشاء العقد ولو بالمعاطاة _ لو صحّت شرعاً _، ومن الواضح أنّ الأعرابي لم يكن يقصد الزواج، وإنّما كان يقصد اغتصابها قهراً.

ومن المحتمل أن تكون هذه الرواية تحريفاً من قبل الوضّاعين لقصّة مشابهة، وهي التي وردت في مرسلة عمرو بن سعيد عن بعض أصحابنا قال: «أتت امرأة إلى عمر فقالت: يا أمير المؤمنين إنّي فجرت، فأقم فيّ حدّ الله، فأمر برجمها وكان علي عليه السلام


(1) وسائل الشيعة، ج21، ص50، الباب21 من أبواب المتعة، ح8.

(2) رجال النجاشي، ص234، رقم601.

(3) المصدر السابق، ص251، رقم660.

52

حاضراً، فقال له: سلها كيف فجرت؟ قالت: كنت في فلاة من الأرض فأصابني عطش شديد، فرفعت لي خيمة، فأتيتها فأصبت فيها رجلاً أعرابيّاً، فسألته الماء فأبى عليّ أن يسقيني إلّا أن أُمكّنه من نفسي، فولّيت منه هاربة، فاشتدّ بي العطش، حتّى غارت عيناي وذهب لساني، فلمّا بلغ منّي أتيته فسقاني، ووقع عليّ، فقال له علي(عليه السلام): هذه التي قال الله(عز وجل): ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾(1) هذه غير باغية ولا عادية إليه فخلّى سبيلها، فقال عمر: لولا علي لهلك عمر»(2).

وتشبه هذه الرواية مرسلة الإرشاد عن العامّة والخاصّة وهي الرواية الثامنة من نفس الباب ومن نفس الصفحة.

هذا تمام كلامنا في المعاطاة. وبعد هذا ننتقل إلى شروط عقد البيع.


(1) البقرة: 173؛ الأنعام: 145؛ النحل: 115.

(2) وسائل الشيعة، ج28، ص112، الباب18 من أبواب حدّ الزنا، ح7.

53

 

 

 

شروط عقد البيع

 

 

 

 

55

 

 

 

ونحذف أبحاث شرط العربية أو الماضوية ونحو ذلك؛ لأنّه بعد فرض كون المعاطاة أيضاً عقداً يصبح من نافلة القول مثل هذه الأبحاث.

الموالاة بين الإيجاب والقبول

نقل الشيخ الأعظم(قدس سره) عن عدد من أعاظم الأصحاب إفتاءهم بهذا الشرط(1).

ثم نقل نصّ عبارة الشهيد رحمه الله في القواعد كالتالي: «الموالاة معتبرة في العقد ونحوه، وهي مأخوذة من اعتبار الاتّصال بين المستثنى(2) والمستثنى منه، وقال بعض العامّة: لا يضرّ قول الزوج بعد الإيجاب: «الحمد لله والصلاة على رسول الله، قبلت نكاحها»، ومنه: الفورية في استتابة المرتدّ فيعتبر في الحال، وقيل: إلى ثلاثة أيّام، ومنه: السكوت في أثناء الأذان، فإن كان كثيراً أبطله، ومنه السكوت الطويل في أثناء القراءة أو قراءة غيرها، وكذا التشهّد، ومنه: تحريم المأمومين في الجمعة قبل الركوع، فإن تعمّدوا أو نسوا حتّى ركع فلا جمعة. واعتبر بعض العامّة تحريمهم معه قبل الفاتحة، ومنه: الموالاة في التعريف بحيث لا ينسى أنّه تكرار، والموالاة في سنة


(1) کتاب المكاسب، ج3، ص157.

(2) الاستثناء خ ل.

56

التعريف، فلو رجع أثناء المدّة استؤنفت ليتوالی»(1).

واستخلص الشيخ الأنصاري رحمه الله من هذا الكلام دليلاً على المدّعی، وهو أنّ الأمر المتدرّج شيئاً فشيئاً إذا كانت له صورة اتّصالية في العرف فلابدّ في ترتّب الحكم المعلّق عليه في الشرع من اعتبار صورته الاتّصالية، فالعقد المركّب من الإيجاب والقبول القائم بنفس المتعاقدين بمنزلة كلام واحد مرتبط بعضه ببعض، فيقدح تخلّل الفصل المخلّ بهيئته الاتّصالية، ولذا لا يصدق التعاقد إذا كان الفصل مفرطاً في الطول كسنة أو أزيد، وانضباط ذلك إنّما يكون بالعرف فهو في كلّ أمر بحسبه، فيجوز الفصل بين كلًّ من الإيجاب والقبول بما لا يجوز بين كلمات كلّ واحد منهما، ويجوز الفصل بين الكلمات بما لا يجوز بين الحروف كما في الأذان والإقامة.

...وأمّا جعل المأخذ في ذلك اعتبار الاتّصال بين الاستثناء والمستثنى منه فالاحتمال الأقوى أنّه يعني بذلك كونه منشأً للانتقال إلى هذه القاعدة(2).

هذا مقدار ما نقلناه عن المكاسب للشيخ مع تغيير يسير في العبارة.

ولا أُريد أن أُعلّق الآن على هذا المقدار من الكلام. وأشار الشيخ رحمه الله إلى أنّ للتأمّل في هذه الفروع التي ذكرها الشهيد وفي تفريعها على الأصل المذكور مجالاً(3).

وعلّق الشيخ رحمه الله على الدليل الذي استخلصه من كلام الشهيد بقوله: «وما ذكره حسنٌ لو كان حكم الملك واللزوم في المعاملة منوطاً بصدق العقد عرفاً كما هو مقتضى التمسّك بآية الوفاء بالعقود، وبإطلاق كلمات الأصحاب في اعتبار العقد في اللزوم بل الملك، أمّا لو كان منوطاً بصدق البيع أو التجارة عن تراض فلا يضرّه عدم صدق العقد»(4).


(1) کتاب المکاسب، ج3، ص157 _ 158.

(2) المصدر السابق، ص158 _ 159.

(3) المصدر السابق، ص160.

(4) المصدر السابق، ص159.

57

أقول: لا أدري لماذا علّق الشيخ رحمه الله بهذا التعليق على كلام الشهيد في حين أنّ الشهيد بدأ حديثه بقوله: «الموالاة معتبرة في العقد ونحوه» وكلمة «نحوه» تشمل عنوان البيع أو التجارة، فلعلّ الشهيد رحمه الله يرى أنّ هذين العنوانين أيضاً لا يصدقان مع الفصل الطويل.

وعلى أيّ حال فلا أظنّ أنّ الشيخ الأنصاري رحمه الله يريد أن يشكّك في شرط الموالاة بين الإيجاب والقبول، فكأنّه يرى أنّ البيع نوع عقدٍ والتجارة نوع عقدٍ، فلو كان تمسّكنا بهما لا بـ :﴿أَوْفُوْا بِالْعُقُوْدِ﴾ أو لم نقبل أصلاً التمسّك بـ :﴿أَوْفُوْا بِالْعُقُوْدِ﴾ باعتقاد أنّه دليل اللزوم بعد فرض الصحّة لا دليل الصحّة _ وإنّما دليل الصحّة هي الآيتان الأُخريتان _ فكلّ هذا لا يضرّ بالأمر، فالبيع عقد والتجارة عقد، والعقد المركّب من الإيجاب والقبول القائم بنفس المتعاقدين بمنزلة كلام واحد مرتبط بعضه ببعض إلى آخر ما نقلناه عن الشيخ(1).

وقد نقل الشيخ موسى الخوانساري النجفي رحمه الله في منية الطالب عن الشيخ النائيني رحمه الله _ والكتاب تقرير لبحث الشيخ النائيني _ التفصيل بين ما أسماه بالعقود الإذنية ومثّل لها بالوكالة والعارية والوديعة، والعقود العهدية وهي غيرها، فذكر:

أمّا القسم الأوّل وهي العقود الإذنية فأصل تسميتها بالعقود مسامحة، ويكفي فيها كلّ ما يدلّ على الرضا، فلا وجه لاعتبار الاتّصال بين مُظهر الإذن والتصرّف، لا بمعنى عدم اعتبار بقاء إذن الموكّل حين تصرّف الوكيل، بل بمعنى عدم اعتبار اتّصال مظهر الرضا مع رضا المتصرّف بالتصرّف، مع أنّ هذه العقود ليس فيها خلع ولبس.

وأمّا القسم الثاني وهي العقود العهدية فإن كانت معاوضية كالبيع وما يلحق بها كالنكاح ونحوهما فلابدّ فيها من الموالاة بدليلين:


(1) أقصد أنّ جملة: «وما ذكره حسن لو كان حكم الملك...» لو كانت توحي إلى التشكيك في شرط الموالاة فلا أظنّ ذلك أكثر من تشويش في العبارة.

58

أحدهما: أنّها تشتمل على الخلع واللبس، فلابدّ أن يكون مقارناً للخلع لبس ومقارناً لإيجاد العلقة قبول، وإلّا تقع الإضافة والعلقة بلا محلّ ومضاف إليه.

والثاني: أنّ اعتبار كونها عقداً يقتضي أن يرتبط إنشاء أحدهما بإنشاء الآخر بأن يصيرا بمنزلة كلام واحد.

وإن لم تكن معاوضية كالهبة والرهن فأيضاً الصحيح هو اشتراط الموالاة للوجه الثاني، (وكأنّه رحمه الله يرى أنّ الوجه الأوّل لا يأتي هنا؛ لأنّه لا خلع من قبل الواهب أو الراهن، وإنّما ينخلع بسبب قبول الموهوب له أو المرتهن).

ويقول رحمه الله: إنّ منشأ الإشكال في اشتراط الموالاة في العقود غير المعاوضية هو ما قد يقال من قيام السيرة القطعية على عدم اعتبار الموالاة في موارد المعاطاة منها، فإنّه قد ترسل الهدية والهبات من البلاد البعيدة ويتحقّق القبول من القابل بعد زمان طويل، وتدلّ عليه قضية مارية القبطية(سلام الله عليها) الموهوبة للنبي(صل الله عليه وآله)(1) وإيجاب الواسطة والوكيل في الإرسال متّصلاً بالقبول بعيد جدّاً، والتفكيك بين المعاطاة والعقد أبعد.

ولكن الحقّ اعتبار الاتّصال فيها أيضاً، وإرسال الهدايا من البلاد البعيدة لا يدلّ على جواز الانفصال؛ فإنّ تحقّق الأفعال مختلف، فمنها ما لا يحتاج إلى زمان ممتدّ كما لو وقعت في حضور المتعاطيين، ومنها ما يحتاج إليه كالهدايا المرسلة من الأماكن البعيدة؛ فإنّ الفعل لا يتحقّق إلّا بوصولها إلى يد المهدى إليه، وجميع هذه الأفعال الصادرة من الواسطة كأنّها صادرة من الموجب، فهو بمنزلة من كان في المشرق وكانت يده طويلة تصل إلى المغرب فمدّ يده وأعطى شيئاً لمن كان في المغرب فإنّ فعله يتمّ


(1) راجع بحار الأنوار، ج18، ص416، الباب3 من أبواب أحوال النبي(صل الله عليه وآله) من البعثة إلی نزول المدينة، ح1: «بعث _ يعني النجاشي _ إليه بمارية القبطية أُمّ إبراهيم، وبعث إليه بثياب وطيب وفرس».

وأيضاً راجع المصدر السابق، ص419، الباب4، ح5: «بعث _ يعني النجاشي _ إلى رسول الله بهدايا وبعث إليه بمارية القبطية أُمّ إبراهيم، وبعث إليه بثياب وطيب کثير وفرس...».
59

في زمان وصول يده إلى المغرب، فتأمّل جيّداً(1).

أقول: إنّ في هذا الكلام نقاطاً من الضعف من قبيل: أنّ استحالة عقلية مفترضة في الفصل بين الخلع واللبس وبقاء العلقة بلا محلّ لا يناسب قضايا اعتبارية بحتة نظير الملكية والتبدّل والمعاوضة ونحوها.

ومن قبيل: أنّ ذلك لو كان مستحيلاً فالتقارب العرفي الناتج من الموالاة لا يجعله ممكناً.

ومن قبيل: أنّ الخلع واللبس لو فرضناهما في عالم اعتبار الموجب فهما متقارنان، ولو فرضناهما في عالم اعتبار القابل فهما أيضاً متقارنان، ولو فرضناهما في عالم حكم الشارع فهما أيضاً متقارنان، ولا نكتة لافتراض أحدهما من قبل الموجب فحسب والآخر من قبل القابل فحسب.

ومن قبيل: أنّ افتراض تأخّر الإيجاب في مثل الهدايا من الأماكن البعيدة لحين الوصول إلى المهدى إليه كلام خيالي؛ فإنّ الإيجاب لم يحصل إلّا حينما قصده الموجب وقد يبقى نائماً أو غافلاً أو ناسياً لحين الوصول إلى المهدى إليه.

وعلى هذا الأساس إنّني أعتقد أنّ ما في كتاب المكاسب والبيع للشيخ محمد تقي الآملي رحمه الله(2) والذي هو أيضاً تقرير لبحث الشيخ النائيني أقرب إلى الصحّة ممّا في كتاب منية الطالب:

فمن ناحية لا توجد فيه أصلاً دعوى تأخّر الإيجاب في مثل الهدايا المرسلة من الأماكن البعيدة لحين الوصول إلى المهدى إليه.

ومن ناحية أُخرى لم يفترض الخلع واللبس خلعاً لعلقة ولبساً من قِبل شخص آخر للعلقة حتّى يقع في مسألة أنّ بقاء العلقة مخلوعة من طرف وغير ملبوسة من طرف شخص آخر مستحيل، لبقاء العلقة بلا محلّ، بل فرض الخلع واللبس لشخص


(1) راجع منية الطالب، ج1، ص111.

(2) راجع المكاسب والبيع، ج1، ص289 _ 291.

60

واحد يخلع من نفسه ملكية أحد المالين ويلبس ملكية الآخر وقال: إنّ هذا بحاجة إلى الموالاة العرفية والاتّصال العرفي كما كان الإيجاب والقبول بحاجة إلى الموالاة والاتّصال العرفيّين، وذكر أنّ هذا الوجه _ أي مسألة الخلع واللبس _ لا يأتي في العقود غير المعاوضية؛ لأنّه لا يلبس ملكية أُخرى لعدم المعاوضة(1).

وبهذا رجع كلا الوجهين إلى وجه واحد، وهو الموالاة المأخوذة من العرف بين الأمرين المرتبطين بفرق أنّ أحدهما أرجع إلى السبب وهو توقّف صدق العقد على الموالاة، والآخر أرجعه إلى المسبّب _ بحسب تعبيره _ بمعنى أنّ كلّاً منهما يعطي شيئاً ويأخذ شيئاً آخر بحيث يكون مجموع الإعطاء والأخذ هو المسبّب الواحد، ومع الفصل بين الإعطاء والأخذ بما يخرج عن مصداق الواحد لا يعدّ مسبّباً واحداً، بل هو إعطاء لشيء مستقلّ وأخذ شيء آخر.

والآن حان لنا نقل خلاصة من كلام السيّد الخوئي رحمه الله في التنقيح.

فقد أشار رحمه الله إلى كلام الشهيد وذكر: أنّ فرض اعتبار الاتّصال بين المستثنى والمستثنى منه أو الاستثناء والمستثنى منه أصلاً لشرط الموالاة لا بأس به؛ لأنّ ذلك أشدّ ربطاً بالمستثنى منه من سائر اللواحق، فيقلب الكذب صدقاً والصدق كذباً والكفر إسلاماً والإسلام كفراً والمدح ذمّاً والذمّ مدحاً، فمثلاً قوله: ما جاءني أحد يكون كذباً


(1) وهذه الفوارق الدقيقة وقعت بين التقريرين رغم أنّهما تقريران لدورة واحدة؛ إذ لم يدرّس الشيخ النائيني(رحمه الله) المكاسب إلّا دورة واحدة، ولهذا ذكر الشيخ الآملي في مقدّمة كتابه قوله: «ولقد قال الأُستاذ [يعني الشيخ النائيني(قدس سره)] عند شروعه فيها [يعني في مباحثة المكاسب] لجهابذة تلامذته شكر الله مساعيهم الجميلة: «تعلّموا منّي المكاسب فإنّي رجل مقبوض»... ولعمري لقد أجاد فيما أفاد، [يعني في قوله: «تعلّموا منّي المكاسب فإنّي رجل مقبوض»] کتاب المکاسب والبیع، ج1، ص3.

فقول الشيخ النائيني _ بحسب نقل تلميذه الآملي _ : «تعلّموا منّي المكاسب فإنّي رجل مقبوض» واضح في أنّه لم يكن درّس المكاسب من قبل، كما أنّ قول الشيخ الآملي: «لقد أجاد فيما أفاد» يعني في توصيته بأخذ المكاسب لأنّه رجل مقبوض واضح في أنّه لم يدرّس المكاسب بعد هذا الحين.

61

لدى فرض مجيء زيد منهم، وقوله: إلّا زيداً يقلبه إلى الصدق. وقوله: لا صانع للعالم يكون كفراً، فإذا ضمّ إليه قوله: إلّا الله انقلب إسلاماً. وإذا قال: زيد عالم ورع تقي كان مدحاً، وإذا ضمّ إليه قوله: إلّا أنّه لا عقل له انقلب ذمّاً. ولو قال: لا إله ولا صانع للعالم فمضى ثم جاء بعد يوم فقال: إلّا الله لم يعامل معه معاملة الإسلام بل يحكم عليه بالكفر. وإذا أقرّ بأنّه مديون لزيد بعشرة دراهم ثم ذهب وجاء بعد مدّة فقال: إلّا درهماً فلا يسمع منه ذلك، بل تؤخذ منه العشرة بحسب ما يقتضيه إقراره.

أمّا الفروع التي رتّبها على شرط الاتّصال فلم نفهم ارتباط بعضها بالمقام، منها: مسألة وجوب التوبة على المرتد؛ فإنّ كونها واجبة عليه فوراً لا ربط له بمسألة الاتّصال، بل هو نظير وجوب إزالة النجاسة عن المسجد فوراً وتابع لدليله، وكذلك مسألة الجمعة ووجوب الائتمام قبل ركوع الإمام أمر تابع لدليله ولا ربط لها بالمقام.

ثم بدأ السيّد الخوئي رحمه الله في مناقشة أدلّة اشتراط الموالاة بين الإيجاب والقبول وناقش الفكرة الموروثة عن الشيخ النائيني(قدس سره) من مسألة الخلع واللبس بعد نقلها بِلُغة منية الطالب للشيخ موسى النجفي ببعض المناقشات التي مضى ذكرها، وناقش ما جاء في كلام الشيخ الأنصاري _ من أنّ العقد المركّب من إيجاب وقبول بمنزلة كلام واحد مرتبط بعضه ببعض، فيقدح تخلّل الفصل المخلّ بالهيئة الاتّصالية _ بما جاءت الإشارة إليه في نفس كلام الشيخ الأنصاري من أنّ هذا لا يجري في آيتي البيع والتجارة، وبأنّه لا يصحّ ذلك حتّى في آية الوفاء بالعقود؛ لأنّ العقد ليس اسماً للإيجاب والقبول أعني اللفظ، وإنّما هو اسم للمبرز بالإيجاب والقبول أعني الالتزام، فالعقد عبارة عن شدّ التزام بالتزام آخر لا عن ربط الإيجاب بالقبول، فإذا فرضنا أنّ البائع أبرز اعتباره والتزامه بقوله: بعت وكان المشتري غافلاً أو نائماً وبعد ما استيقظ قال: قبلت فقد شدّ التزامه بالتزام البائع المبرز بقوله: بعت. وهذا ممّا لا إشكال في صحّته. نعم، يشترط في ذلك أن يكون البائع باقياً على التزامه إلى زمان التزام المشتري(1).


(1) وهذا غير مسألة الموالاة.

62

إذاً، فالموالاة غير معتبرة بين الإيجاب والقبول.

وتدلّ عليه مضافاً إلى ما تقدّم السيرة المستمرّة بين العرف في بعض موارد المعاطاة، فإنّه لا إشكال في صحّة الهبة فيما إذا أهدى أحد كتاباً إلى آخر وهو في مسافة بعيدة فوصل الکتاب إلی المهدى إليه بعد شهر أو شهرين مع فرض المهدي غافلاً عن ذلك حين وصول هديّته ومع تخلّل الفصل بين الإهداء والقبول(1).

ودعوى الفرق بين المعاطاة والعقود اللفظية واضحة الفساد.

وكذا السيرة جارية على المعاملة بالبرقية والمكاتبة مع عدم الموالاة بين الإيجاب والقبول فيها.

فالمتحصّل: أنّ الموالاة غير معتبرة في صحّة المعاملات(2)، انتهى ما في التنقيح على تلخيص منّا.

أقول: وواقع المطلب أنّ شرط الموالاة يكون بمقدار أن يتطابق مفاد الإيجاب مع مفاد القبول. وعليه فيكون هذا الشرط مستأنفاً؛ إذ مع عدم تطابق مفادين لا يوجد عقد أصلاً، ولنا حديث مفصّل حول الموضوع في كتابنا (فقه العقود)(3).

التنجيز في العقد

وقع بحث مفصّل وخلاف عظيم في شرط التنجيز في العقد وحدوده، ومحطّ بحثنا بالخصوص هو البيع. وأصل شرط التنجيز في العقد في الجملة ممّا ادّعيت عليه الإجماعات.


(1) هذا المثال يتمّ في الهدية إذا افترضت عبارة عن إيجاب وقبول دون ما إذا افترضت رفعاً للمانع من قبل المهدي عن تملّك المهدى إليه. وعلى أيّ حال فيكفي مثال المعاطاة من مكان بعيد في موارد العقود مع المعاملات البرقية والمكاتبة من بُعد.

(2) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج36، ص209 _ 214.

(3) فقه العقود، ج2، ص82 _ 94.

63

ولعلّ أجمع تعبير ذكر في المقام لأقسام التعليق الذي احتملت مبطليّته للعقد هو ما أفاده السيّد الخوئي رحمه الله(1) فأنهى الأقسام إلى اثنى عشر قسماً؛ لأنّ المعلّق عليه إمّا أن يكون معلوم الحصول أو مشكوك، وعلى كلا التقديرين إمّا أن يكون حاليّاً أو استقباليّاً(2)، وعلى جميع التقادير الأربعة إمّا أن يكون ممّا يتوقّف حقيقة ما أنشأه المنشئ عليه عقلاً كإنشاء الطلاق معلّقاً على زوجيّتها أو العتق معلّقاً على رقّيّته، أو لا يكون متوقّفاً عليه عقلاً لكنّه متوقّف عليه شرعاً كالبيع المعلّق على شرط البلوغ بناء على اشتراط البلوغ فيه في الشريعة، ونحو ذلك، أو لا يكون متوقّفاً عليه لا عقلاً ولا شرعاً. وبضرب ثلاثة في أربعة تحصل اثنا عشر قسماً.

والوجه في استثنائه رحمه الله فرض العلم بعدم حصول المعلّق عليه هو أنّه لا شكّ في بطلان العقد في هذا الفرض؛ لأنّ المعلّق عليه غير حاصل، فالمعلّق منتفٍ سواء شرطنا التنجيز أو لم نشترط.

أقول: يظهر الأثر لإدخال فرض العلم بانتفاء المعلّق عليه في الحساب فيما لو علّقه على ما يعلم بانتفائه ثم انكشف خطأ علمه، فهل يثبت بذلك عندئذٍ ترتّب الأثر الشرعي على ذلك العقد أو لا؟

وعلى أيّ حال فلا ينبغي الإشكال في أنّ مقتضى إطلاقات الوفاء بالعقد والبيع والتجارة وما إلى ذلك أو عموماتها عدم اشتراط التنجيز، فيقع الكلام فيما يمنع عن شمول الإطلاقات والعمومات لها.

وقد عدّ السيّد الخوئي رحمه الله في المقام عدّة موانع وناقشها جميعاً(3):

المانع الأوّل: الإجماع المدّعی في المقام.


(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج36، ص215.

(2) وهو المعبّر عنه بالصفة على حدّ تعبير الشيخ الأنصاري في المكاسب، ج3، ص167.

(3) راجع موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج36، ص217 _ 221.

64

«والمتيقّن من موارد الإجماعات هو ما إذا لم يكن العقد معلّقاً في ذاته على ما علّق عليه لا عقلاً ولا شرعاً، ولم يكن حاليّاً معلوم الحصول، سواء كان حاليّاً غير معلوم الحصول أو كان استقباليّاً معلوم الحصول أو غير معلوم الحصول»(1).

وناقشه السيّد الخوئي رحمه الله بأنّه لا يفيد القطع برأي المعصوم خصوصاً بعد التعليلات المذكورة في كلماتهم، مضافاً إلى أنّ كلماتهم غير متطابقة على مطلب واحد وفي حدود مشخّصة.

المانع الثاني: أنّ الإنشاء غير قابل للتعليق بوجه؛ لأنّه نظير سائر الأفعال كالأكل والضرب ونحوهما من الأُمور الوجودية، فهي إمّا أن توجد وإمّا أن لا توجد، أمّا أن توجد معلّقاً فلا معنى له.

وناقشه بأنّ المعلّق ليس هو الإنشاء أو الإخبار اللذان هما من قبيل الأفعال، بل المعلّق هو المنشأ كالملكية ونحوها مع كون الإنشاء فعليّاً، ولا مانع من أن يكون المنشأ أو المخبر به أمراً معلّقاً على شيء كما في الوصيّة؛ فإنّ المنشأ فيها هو الملكية المعلّقة على الموت.

المانع الثالث: ما يرد في التعليق على الأُمور الاستقبالية، وهو أنّ ظاهر الأدلّة الدالّة على سببية العقود لمسبّباتها وترتّب المسبّبات عليها إنّما هو ترتّبها عليها في حال إنشاءاتها وفي ظرف وقوعها لا في الأزمنة الآتية، فكون العقد سبباً للبيع إنّما هو فيما إذا كان موجباً للملكية الفعلية، وأمّا إذا كان موجباً للملكية الاستقبالية فهو على خلاف ظواهر الأدلّة الدالّة على أنّ عقد البيع سبب للتملّك مثلاً.

وناقشه بأنّ مفاد الأدلّة هو وجوب ترتيب الأثر على كلّ عقد على طبق مدلوله منجّزاً كان أو معلّقاً، نظير النذر المعلّق على أمر متأخّر.

المانع الرابع: أنّ الأسباب الشرعية توقيفية، وهذا موجب لوجوب الاقتصار فيها


(1) راجع موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج36، ص216 _ 217.

65

على القدر المتيقّن، وهو العقد العاري عن التعليق، وصحّة المعلّق مشكوكة.

وناقشه بأنّه أيّ دليل أحسن من عموم قوله تعالى: :﴿أَوْفُوْا بِالْعُقُوْدِ﴾ و:﴿أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ﴾ و:﴿تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ﴾ وغيرها من العمومات، وهي كافية في الترخيص كما هو واضح.

المانع الخامس: ما ذكره شيخنا الأُستاذ _ يقصد الشيخ النائيني رحمه الله _ من أنّ أدلّة صحّة البيع والنكاح وغيرهما من العقود إنّما تنصرف إلى العقود المتعارفة، والبيع المتأخّر عنه الملكية بأيّام أو الإجارة كذلك غير متعارف جدّاً، وهذا هو السرّ في بطلان التعليق في العقود(1).

وناقشه:

أوّلاً: بأنّ العمومات والمطلقات الواردة في الأدلّة والأخبار لا يعتبر في شمولها لشيء إلّا صدق الطبيعي عليه وكونه فرداً من الأفراد، وأمّا كونه متعارفاً أيضاً فلا.

وثانياً: بمنع عدم تعارف العقود التعليقية عندهم، فإنّا نراهم يهبون المال للغير معلّقاً على مجيء يوم الجمعة مثلاً لحاجتهم إلى ذاك المال قبل يوم الجمعة.

أقول: إنّ هذا المثال بالخصوص مبنيّ على تفسير الهبة بمعنى إنشاء التمليك مجّاناً، لا بمعنى الإذن في التملّك ورفع المانع عنه.

وقال رحمه الله: المتحصّل من جميع ما ذكرناه أنّ التنجيز غير معتبر في العقود إلّا ما خرج بالدليل كالتزويج دائماً أو متعةً بامرأة داخلة في عقد المتعة مع رجل معلّقاً على انتهاء زمان متعتها وعدّتها؛ فإنّ الدليل على بطلان ذلك ما ورد من أنّ المزوّجة لا تزوّج(2).

أقول: لا أدري هل يعتقد السيّد الخوئي رحمه الله أنّ حرمة الزواج بامرأة مع كون العقد واقعاً على زمان متأخّر وبطلانه إنّما كان نتيجة لحرمة تزويج المزوّجة، فلو فرض أنّ


(1) راجع منية الطالب، ج1، ص113؛ المكاسب والبيع، ج1، ص295.

(2) راجع وسائل الشيعة، ج20، ص446، الباب16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

66

المرأة كانت خليّة جاز عندئذٍ تزويجها لزمن استقبالي؟! إنّ هذا أمر لا يحتمل الإفتاء به لا من قِبل السيّد الخوئي رحمه الله ولا من قِبل أيّ فقيه آخر، ففرق بين باب النكاح وباب الإيجار، ففي باب الإيجار يمكن أن يؤجّر البيت لما بعد أشهر أو سنة أو أقلّ أو أكثر، ولكن في باب النكاح لا يصحّ ذلك.

ولو كان يصحّ فالمنع عن تزويج المزوّجة _ المفهوم من الروايات التي أشار إليها _ لم يكن موجباً لبطلانه؛ لأنّها بلحاظ ذاك المقطع الزماني ليست مزوّجة، وليس المفهوم من تلك الروايات إلّا أنّ من لها زوج لا يمكن أن يكون لها زوج آخر في عرض الزوج الأوّل، وإن حصل ذلك حرمت على الثاني حرمة مؤبّدة إمّا مطلقاً أو بشرط العلم أو الدخول.

فالمهمّ في باب النكاح أنّ النكاح لزمن استقبالي باطل في حدّ ذاته، والدليل على ذلك هو المعنى العرفي والمتشرّعي للنكاح.

والمسألة لا تختصّ بالنكاح، فالبيع أيضاً كذلك، فليس المفهوم من البيع عرفاً ولا متشرعيّاً التمليك المتأخر، بل وكذلك الحال في الهبة التي تكون بمعنى التمليك لا بمعنى مجرّد رفع المانع عن تملّك الموهوب له للموهوب، في حين أنّ المفهوم العرفي والمتشرّعي للإيجار ليس خصوص تمليك المنفعة الحالية.

والمسألة أصلاً لا علاقة لها بباب التعليق، فمن باع بيته لشخص لما بعد سنة ولو منجّزاً ومن الآن كان بيعه باطلاً(1).

وإنّما المسألة مرتبطة بباب آخر، وهو أنّ بعض العقود لا يقبل في معناه العرفي ولا المتشرّعي التأخير، ففرق مثلاً بين التمليك في الإيجار والوصيّة والتمليك في البيع، فالأوّل يقبل في معناه العرفي التأخير، والثاني _ وهي الوصيّة _ مرتبط بذاته بزمن متأخّر وهو زمن ما بعد الموت، والثالث لا يقبل في معناه العرفي والمتشرّعي التأخير.


(1) هذه هي النكتة التي أشرنا إليها في نهاية الحديث عن المانع الثالث، وأنّه وقع الخلط في الكلمات بين التعليق على أمر استقبالي وبين كون المعاملة بلحاظ قطعة زمنية استقبالية.

67

إلّا أنّ هذا لا ينافي إيجاد عقد جديد مفاده التمليك المتأخّر بعوض، وآية الوفاء بالعقود لا تقصر عن الدلالة على صحّته ونفوذه سواء اصطلح عليه باسم البيع بتسمية جديدة غير البيع المعروف بمعناه في الشريعة الإسلامية أو لا.

نعم، إطلاق :﴿أَوْفُوْا بِالْعُقُوْدِ﴾ لا يصحّح عقد نكاح يفترض اختراعه اليوم لزمن متأخّر عن العقد؛ لأنّ الارتكاز العقلائي والمتشرّعي القائمين بوضوح على بطلان ذلك يمنعان عن تمامية مثل هذا الإطلاق. وهذا شبيه ببعض النكات التي شرحناها في بحث المعاطاة في النكاح لتوضيح عدم تمامية شمول الإطلاقات لها.

التطابق بين الإيجاب والقبول

جعل الشيخ رحمه الله من شروط العقد «التطابق بين الإيجاب والقبول»(1).

وأصل هذا الشرط من الواضحات _ أو قل: إنّه شرط مستأنف _؛ لأنّه لولاه لم يوجد أصلاً شدّ التزام بالتزام.

وقد بحث تحته في الكتب فروع أهمّها: أنّه لو اتحد الإيجاب والقبول في الثمن والمثمن ولكن اختلفا في الشرط، فالموجب اشترط شرطاً في إيجابه والقابل قبل بلا شرط فهل هذا يعدّ من عدم تطابق الإيجاب والقبول أو لا؟

الظاهر أنّ هذا يختلف باختلاف إرادة الموجب:

فتارة: يقصد الموجب الشرط قيداً في إيجابه ومحصَّصاً له، وأُخرى: يقصد إلزاماً للقابل في ضمن التزام كي لا يكون الشرط شرطاً ابتدائيّاً مثلاً ويكون ملزِماً له.

فإن فرض الأوّل فهذا يرجع إلى عدم تطابق الإيجاب والقبول ويبطل البيع. نعم، لو قبل القابل مع الشرط لكنّه تخلّف عملاً عنه فالبيع صحيح، ولكن كان للموجب خيار تخلّف الشرط.


(1) كتاب المكاسب، ج3، ص175.

68

وفي الفرض الثاني يصحّ البيع ولكن للموجب أن يتراجع عن إيجابه؛ لأنّ القابل لم يعط التزاماً بالشرط وله أن يصبر بأمل أن يعمل القابل في وقته بالشرط، فإن عمل به لم يبق للموجب الخيار، وإن لم يعمل به بقي له خيار تخلّف الشرط.

أن يقع إيجاب العقد وقبوله في حال يجوز لكلّ واحد منهما الإنشاء

قد جعل الشيخ الأعظم رحمه الله ذلك شرطاً من شروط العقد، فلو كان أحدهما فاقداً لإمكانية التخاطب لدى إنشاء الآخر _ لموت أو جنون أو إغماء أو نوم _ أو فاقداً لصحّة تخاطبه شرعاً لحجر _ بفَلْس أو سفه أو رقّ أو مرض موت أو فقد رضا _ فقد بطل البيع؛ إمّا لعدم تمامية التخاطب وعدم اجتماع الالتزامين المفروض ربط أحدهما بالآخر كما هو الحال في فقدان إمكانية التخاطب تكويناً، أو لعدم اعتبار ذلك شرعاً كما هو الحال في بطلان التخاطب شرعاً(1).

أقول: إنّ إرجاع هذا الكلام إلى كلام فنّي يكون بحاجة إلى عدد من التهذيبات:

فأوّلاً: يجب حذف بعض الأمثلة من قبيل جعل الجنون مثالاً لعدم إمكانية التخاطب، فإنّ خطاب المجنون في العديد من الموارد وعقد الالتزام منهم أمر ممكن، وإنّما العيب عدم اعتبار ذلك شرعاً.

وثانياً: إنّ مثال شرط الرضا بعنوان شرط الصحّة الشرعية وإن كان صحيحاً بمعنى أنّ الأثر الشرعي للمعاملة لا يترتّب إلّا مع الرضا، ولكن كونه شرطاً لصحّة الإنشاءين غير معلوم، فيمكن افتراض صحّة الإنشاءين بمعنى إمكانية لحوق الإجازة بذلك إن لم يكن أحدهما راضياً حين المعاملة، كما هو الحال في مسألة رضا المالك الذي هو شرط لترتّب الأثر على عقد الفضولي، ولكنّه ليس شرطاً لصحّة إنشاء الفضولي، فيبقى إنشاء الفضولي بما هو إنشاء صحيحاً بمعنى قابلية لحوق


(1) المصدر السابق، ص177 _ 178.