152

المنطوق أو النكتة الثانية. فإن فرضنا تقديم إحدى النكتتين على إطلاق المنطوقبقي المفهوم بلا معارض، وإلّا قلنا: إنّ المفروض أنّ إحدى تلك النكتتين غير قابلة للتبعيض بحسب جهات المفهوم والنكتة الثانية قابلة للتبعيض بحسبها، فإطلاق المنطوق مع النكتة الاُولى يتساقطان لمكان العلم الإجماليّ بالكذب، أو تسقط خصوص النكتة الاُولى بناءً على تقديم المنطوق عليها، والنكتة الثانية أيضاً تعارض المنطوق؛ للعلم الإجماليّ بكذب أحدهما، لكنّ المفروض أنّها قابلة للتبعيض، فيكون طرف العلم الإجماليّ بالكذب الإطلاق الثابت بها لا أصلها رأساً، فبالنتيجة صار إطلاق المنطوق معارضاً لإطلاق المفهوم لا لأصله.

بقي الكلام فيما إذا قبلنا مبنين: أحدهما يقتضي تقديم إطلاق المنطوق على إطلاق المفهوم أو أصله، والآخر يقتضي العكس فهل يقدّم المنطوق على المفهوم أو المفهوم على المنطوق؟

مقتضى الفنّ هو تقديم المفهوم على المنطوق، فإنّ مرجع تسليم المبنيين إلى القول بأنّ المفهوم يكون لنكتتين، إحداهما مقدّمة على إطلاق المنطوق، وإطلاق المنطوق مقدّم على النكتة الاُخرى، فإطلاق المنطوق لابدّ من رفع اليد عنه ـ لا محالة ـ لتقدّم النكتة الاُولى عليه، فإن كانت النكتة الثانية بحيث لا يمكن الأخذ بها مع فرض رفع اليد عن إطلاق المنطوق فالمفهوم وإطلاقه يثبت بنكتة واحدة، وإلّا فالمفهوم وإطلاقه يثبت بنكتتين.

 

تعدّد الشرط أو الجزاء في قضيّة واحدة:

الأمر الرابع: إذا تعدّد الشرط كأن يقال: (إن جاءك شخص وكان عالماً وكان لابساً للثوب الأبيض فأكرمه)، فمن الواضح أنّ دائرة المنطوق تضيّقت بتكثّر الشروط، كما أنّه من الواضح أنّ دائرة المفهوم اتّسعت بتكثّرها، فإنّه يثبت أنّ

153

مجموع هذه الشروط علّة منحصرة للحكم، فبانتفاء أيّ واحد منها ينتفي الحكملانتفاء جزء العلّة المنحصرة، وهذا ممّا لم يستشكل فيه ولا ينبغي الإشكال فيه.

وأمّا إذا تعدّد الجزاء فهذا هو محلّ الإشكال من حيث إنّه هل ينتفي بانتفاء الشرط مجموع الجزاءات من حيث المجموع بحيث لا ينافي المفهوم ثبوت بعض تلك الجزاءات عند انتفاء الشرط؟ أو ينتفي بذلك جميعها، فعند انتفاء الشرط كما لا يوجد مجموعها لا يوجد بعضها أيضاً؟ تارة يستظهر هذا واُخرى يستظهر ذاك.

وميزان ذلك فنّيّاً هو: أنّه بحسب الثبوت تارةً: يفرض أنّ العطف يكون في طول التعليق، واُخرى: يفرض أنّ التعليق يكون في طول العطف:

فإن فرض أنّ العطف في طول التعليق ثبت انتفاء الجميع بانتفاء الشرط لا انتفاء المجموع من حيث المجموع؛ وذلك لأنّ المفروض أنّه في المرتبة السابقة على العطف على الجملة الاُولى قد وقع التعليق، فالجملة الاُولى قد علّقت مستقلّة على الشرط، فيثبت بذلك أنّ الشرط علّة منحصرة لتلك الجملة الاُولى باستقلالها وفي طول التعليق عطفت الجملة الثانية، والعطف يدلّ على التشريك في الحكم، فلا محالة يثبت أنّه كما كان الشرط علّة منحصرة للجملة الاُولى باستقلالها كذلك يكون علّة منحصرة للجملة الثانية، وهكذا الكلام بالنسبة إلى باقي الجمل المعطوفة، فيثبت بذلك أنّه بانتفاء الشرط ينتفي كلّ واحد منها.

وإن فُرض أنّ التعليق في طول العطف فقد لوحظ العطف بين الجمل أوّلا ثمّ علّقت هذه الجمل المتعاطفة على الشرط، فنسبة التعليق إلى كلّ واحد منها على حدّ سواء؛ لأنّ المفروض أنّ العطف ليس في طول التعليق حتّى يختصّ التعليق بالجملة الاُولى، ويستفاد التعليق لباقي الجمل بالعطف الدالّ على التشريك في الحكم بعد أن كان أوّلا وبالذات ثابتاً للجملة الاُولى.

154

وعندئذ يكون هناك احتمالان:

الأوّل: أن يكون الثابت تعليقات عديدة بعدد الجمل، ولازم ذلك أن لا يلحظ بالنسبة إلى تلك الجمل عنوان المجموعيّة؛ لأنّ المفروض أنّ هناك تعليقات عديدة يكون الطرف لكلّ واحد منها إحدى الجمل بنفسها، وعلى هذا فيثبت أيضاً انتفاء الجميع بانتفاء الشرط لا انتفاء المجموع من حيث المجموع بانتفائه.

الثاني: أن يكون الثابت تعليقاً واحداً، ولازم ذلك أن يلحظ بالنسبة إلى تلك الجمل عنوان المجموعيّة وتركيب اعتباريّ؛ لأنّ التعليق الواحد لا يكون طرفه أكثر من شيء واحد، فلا يعقل أن يكون كلّ واحد من تلك الجمل باستقلالها طرفاً لذلك التعليق، بل طرف التعليق هو المجموع من حيث المجموع. وبكلمة اُخرى: لوحظ فيها تركيب اعتباريّ، وأعني بذلك: التركيب الاعتباريّ بلحاظ عالم التعليق لا التركيب الاعتباريّ بلحاظ عالم الجعل كأجزاء الصلاة المرتبطة بلحاظ عالم الجعل.

وعلى هذا الفرض يثبت بانتفاء الشرط انتفاء المجموع من حيث المجموع لا انتفاء الجميع؛ لأنّ المفروض أنّ المعلّق هو المجموع من حيث المجموع لا الجميع.

فقد تحقّق من جميع ما ذكرناه: أنّ المحتملات بحسب الثبوت ثلاثة، وعلى الأوّلين يثبت بانتفاء الشرط انتفاء الجميع، وعلى الثالث يثبت بانتفاء الشرط انتفاء المجموع.

وأمّا بحسب مقام الإثبات فإن لم ندّع أنّ الظاهر هو الاحتمال الأوّل وهو كون العطف في طول التعليق ـ ولا يبعد دعواه ـ فلا أقلّ من دعوى أنّ الاحتمال الثالث خلاف الظاهر؛ لأنّه مشتمل على مؤونة زائدة وهي اعتبار عنوان المجموعيّة والتركيب الاعتباريّ، وهي منفيّة بمقدّمات الحكمة؛ لأنّها لم تبيّن في الكلام،

155

فيكون المعلّق ذات تلك الجمل بدون اعتبار المجموعيّة، فيستفاد تعليقات عديدةببركة الانحلال.

فتحصّل من جميع ما ذكرناه: أنّ الظاهر عند تعدّد الجزاء هو انتفاء الجميع بانتفاء الشرط لا انتفاء المجموع من حيث المجموع بانتفائه.

هذا، والفرق بين فرض تعدّد الجزاء وما مضى من فرض تعدّد الشرط ـ الذي التزمنا فيه بأنّ المجموع علّة ـ هو: أنّه في فرض تعدّد الشرط يكون أخذ عنوان المجموعيّة والتركيب الاعتباريّ متيقّناً، من حيث إنّه لو كان الشرط الأوّل مثلا كافياً في ترتّب الحكم لم يكن وجه لعطف شرط آخر عليه، وهذا بخلاف فرض تعدّد الجزاء، فإنّه لا محذور في كون الجزاء الأوّل بنفسه معلولا تامّاً لا جزء المعلول ولكن مع ذلك يعطف عليه معلول آخر.

هذا تمام الكلام في فرض تعدّد الجزاء المبيّن بجمل متعدّدة.

وأمّا إذا فرض أنّ الجزاء جملة واحدة لكنّها مشتملة على أحكام متعدّدة فهل المفهوم هو انتفاء الجميع أو انتفاء المجموع عند انتفاء الشرط؟ وذلك نحو: (إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء)، فإنّه وإن كان الجزاء هنا جملة واحدة لكن بما أنّ النكرة في سياق النفي تفيد العموم يثبت بذلك أحكام متعدّدة، فهل المفهوم لهذا الكلام أنّه إذا لم يبلغ الماء قدر كرّ ينجّسه كلّ شيء، أو المفهوم له أنّه ينجّسه عندئذ بعض الأشياء؟ وهذا معنى ما يقال: من أنّه هل مفهوم السالبة الكلّيّة موجبة كلّيّة أو موجبة جزئيّة؟ وبنوا على هذا إثبات انفعال الماء القليل بملاقات المتنجّس، فبناءً على أنّ مفهوم السالبة الكلّيّة موجبة كلّيّة ينجّسه المتنجّس، وبناءً على أنّ مفهومها موجبة جزئيّة قد لا ينجّسه المتنجّس.

وذكر المحقّق النائينيّ(رحمه الله): أنّ هذه الثمرة لا تترتّب على هذا البحث؛ وذلك لأنّه

156

ليس المراد بقوله: (لا ينجّسه شيء) أنّه لا ينجّسه كلّ شيء في الدنيا حتّى الأشياء الطاهرة، بل المراد به أنّه لا ينجّسه كلّ شيء ثبت في الشريعة أنّه منجّس لما يلاقيه، وعليه فنقول: لو دلّ دليل على كون المتنجّس منجّساً لما يلاقيه كان بنفسه دليلا على تنجيسه للماء القليل، وإلّا لم يمكن إثبات منجّسيّة المتنجّس للماء القليل بمفهوم هذه الجملة حتّى لو فرض كلّيّاً، بأن كان مفهومه: أنّه إذا لم يبلغ الماء قدر كرّ نجّسه كلّ شيء منجّس لملاقيه؛ فإنّ المفروض أنّ منجّسيّة المتنجّس لملاقيه أوّل الكلام والصغرى لا تثبت بالكبرى. هذا ما أفاده المحقّق النائينيّ(رحمه الله)(1).

ويرد عليه: أنّ فرض كون مفهوم السالبة الكلّيّة موجبة كلّيّة ينتج في فرض قيام الدليل على منجّسيّة المتنجّس لملاقيه في غير الماء القليل، فإنّ مطلق ما من شأنه التنجيس مشمول لعموم المفهوم ولا يشترط في مشموليّته له منجّسيّته للماء(2).

بقي الكلام في تحقيق أصل المطلب، فنقول: تارةً: يقع الكلام في مرحلة الثبوت، واُخرى: في مرحلة الإثبات:

أمّا الكلام في مرحلة الثبوت: فاعلم أنّه يتصوّر تعليق الجزاء ثبوتاً على ثلاثة أنحاء:

الأوّل: أن يكون المعلّق عموم الحكم لا نفسه.



(1) راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 423 بحسب الطبعة المشتملة على تعليق السيّد الخوئيّ.

(2) لا يخفى أنّ هذا الإشكال وارد في كلام السيّد الخوئيّ(رحمه الله) تعليقاً على كلام اُستاذه الشيخ النائينيّ(رحمه الله)، وذلك في أجود التقريرات، ج 1، تحت الخطّ في الطبعة المشتملة على تعليقاته(رحمه الله)، ص 422، وفي المحاضرات، ج 5، ص 97 بحسب طبعة مطبعة صدر بقم.

157

الثاني: أن يكون المعلّق نفس الحكم بما له من الأفراد مجموعاً، بأن يكون التعليق تعليقاً واحداً ويكون طرف هذا التعليق تمام تلك الأحكام ملحوظة بعنوان المجموعيّة والتركيب الاعتباريّ في عالم التعليق.

الثالث: أن يكون المعلّق جميع تلك الأحكام بدون لحاظ عنوان المجموعيّة، فلا محالة ينحلّ التعليق إلى تعليقات عديدة.

فعلى الثالث لا إشكال في أنّ المفهوم كلّيّ، لا بدعوى أنّ في اقتناص النقيض فرقاً بين علم المنطق وعلم الاُصول، وهو: أنّ المنطقيّ يلاحظ في اقتناص النقيض النظر الدقّيّ العقليّ، ونقيض الكلّيّ بحسب الدقّة جزئيّ لا كلّيّ؛ لأنّ الكلّيّين قد يجتمعان في الكذب، والاُصوليّ يلاحظ النظر العرفيّ لا الدقّيّ العقليّ، ونقيض الكلّيّ بحسب النظر العرفيّ كلّيّ.

بل لأنّه إذا فُرضت هناك تعليقات عديدة وكان كلّ حكم من تلك الأحكام طرفاً لواحد من تلك التعليقات، فلا محالة يقتنص بالنسبة إلى كلّ واحد منها نقيض، ونقيض كلّ واحد منها رفعه، وإذا جمع بين جميع هذه الأفراد من الرفع صارت القضيّة كلّيّة، فلا فرق من هذه الجهة بين النظر الدقّيّ العقليّ والنظر العرفيّ.

وأمّا الأوّل والثاني فقد وقع في التقريرات خلط بينهما مع أنّهما يفترقان موضوعاً ونتيجة: أمّا فرقهما من ناحية الموضوع فما عرفت من أنّ المعلّق على الثاني نفس تلك الأفراد من الحكم مقيّدة بعنوان المجموعيّة، والمعلّق على الأوّل ليس نفس تلك الأفراد ولا ذات الجامع الساري في جميع الأفراد، بل المعلّق سريانه فيها.

وأمّا فرقهما من ناحية النتيجة فهو: أنّه بناءً على الأوّل يكون المفهوم جزئيّاً على جميع المباني في اقتناص المفهوم؛ لأنّ المعلّق هو العموم، فالثابت انتفاؤه

158

بانتفاء الشرط إنّما هو العموم. وبناءً على الثاني يكون المفهوم جزئيّاً على غالب المباني في اقتناص المفهوم؛ لأنّ المعلّق هو المجموع من حيث المجموع، فالثابت انتفاؤه بانتفاء الشرط إنّما هو المجموع من حيث المجموع، لكن في بعض تلك المباني خصوصيّة توجب اقتناص المفهوم كلّيّاً بالرغم من أنّ المعلّق هو المجموع لا الجميع، وذلك مبنيان:

الأوّل: مبنى إثبات المفهوم بالإطلاق الأحواليّ الدالّ على أنّ الشرط علّة تامّة للحكم حتّى عند اجتماعه مع شيء آخر، فعلى هذا المبنى وإن فرض أنّ المعلّق هو المجموع لا الجميع، لكن لو فرضت علّة اُخرى لبعض تلك الأحكام واجتمعت مع الشرط لم يكن الشرط علّة تامّة ـ حين اجتماعها معه ـ لمجموع تلك الأحكام؛ لفرض طروّ النقص على تأثيرها في بعض تلك الأحكام.

وبكلمة اُخرى: إنّ ما ليس علّة تامّة للجزء يستحيل أن يكون علّة تامّة للكلّ، فلابدّ من أن يقال ـ تحفّظاً على كونه تمام العلّة في جميع الأحوال ـ بانحصار علّة الجميع في الشرط، فبانتفائه ينتفي الجميع لا خصوص المجموع. وهذا بخلاف ما لو قلنا: إنّ المعلّق هو العموم، فإنّ فرض ثبوت علّة اُخرى لبعض الأفراد لا ينافي فرض كون الشرط علّة منحصرة للعموم.

الثاني: مبنى إثبات المفهوم بأنّه لو كان الشرط هو الجامع كان خلاف الظاهر، ولو كان الشرط كلّ من الأمرين بعنوانه مستقلاًّ كان خلاف قانون (عدم صدور الواحد بالنوع من الكثير بالنوع)، فعلى هذا المبنى أيضاً لابدّ من القول بانتفاء الجميع عند انتفاء الشرط؛ وذلك لأنّه لو فرض ثبوت علّة اُخرى لبعض تلك الأحكام لا جميعها لزم صدور ذلك البعض الواحد نوعاً من الكثير نوعاً وهو محال، فيثبت عدم علّة اُخرى لبعض تلك الأحكام، فالعلّة للجميع ليس إلّا هذا

159

الشرط، فبانتفائه ينتفي الجميع لا المجموع. وهذا بخلاف ما لو قلنا: إنّ المعلّق هو العموم، فإنّ فرض صدور بعض تلك الأحكام عن علّة اُخرى لا يستلزم فرض صدور العموم عن علّة اُخرى حتّى يلزم صدور الواحد من الكثير.

هذا تمام الكلام بالنسبة لمرحلة الثبوت.

وأمّا الكلام في مرحلة الإثبات: فنقول: تارةً: يفرض أنّ الشمول للجزاء ثابت بأداة العموم، واُخرى: يفرض أنّه ثابت بالإطلاق:

فإن فرض ثبوته بأداة العموم فالظاهر من بين المحتملات الثلاثة هو الاحتمال الأوّل، أعني: كون المعلّق ذات العموم وليس الحكم ابتداءً، فإنّ أخذ أداة العموم كـ (كلّ) أو نحوها من الكلمات في الكلام يصرف التعليق إلى العموم، ولذا لو قيل مثلا: (إن كنت كريماً فأكرم كلّ عالم)، لم يفهم منه أنّه إن لم تكن كريماً لا يجب عليك إكرام بعض العلماء كما لا يجب عليك إكرام جميعهم، وإنّما يفهم أنّ المعلّق على الشرط هو عموم الحكم المذكور في ناحية الجزاء لا ذات الحكم.

وإن فرض ثبوت الشمول بالإطلاق فهنا يأتي ما مضى في الأمر الأوّل من أنّه إن كان في حكم الجزاء إطلاق فهل المعلّق هو الحكم المطلق ويكون الإطلاق ملحوظاً قبل التعليق، والنتيجة: أنّه إذا انتفى الشرط انتفى الحكم المطلق، وهذا لا ينافي ثبوت حكم مقيّد، وهذا يعني أنّ المفهوم قضيّة جزئيّة؟ أو المعلّق هو الجامع بين الحكم المطلق والمقيّد، فإذا انتفى الشرط انتفى جامع الحكم بمطلقه ومقيّده؟ وقد مضى أنّ الصحيح هو الثاني، فالنتيجة في المقام هي: أنّ المفهوم يكون كلّيّاً.

يبقى الكلام في خصوص مثال: (إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء) وما يشبهه من حيث وقوع النكرة في سياق النفي، وهذا يتفرّع على الإيمان بكون

160

وقوع النكرة في سياق النفي من أدوات العموم وعدمه، فعلى مبنى القول بكون ذلك من أدوات العموم كانت الجملة ظاهرة في تعليق العموم، وعلى مبنى أنّ الشمول المستفاد في موارد النكرة في سياق النفي شمول إطلاقيّ وبمقدّمات الحكمة كان الظاهر تعليق الحكم(1).

 


(1) وإلى هنا كان المترقّب أن يفتي اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) بانفعال الماء القليل بالمتنجّس؛ إذ لا شكّ عند المحقّقين المتأخّرين ـ ومنهم اُستاذنا الشهيد ـ في أنّ وقوع النكرة في سياق العموم ليس من أدوات العموم، فالكلام لا يدلّ على تعليق العموم وإنّما يدلّ على تعليق الحكم مباشرة، والمفروض أنّه(رحمه الله) آمن ـ في مسألة دوران الأمر في الحكم الجزائيّ المعلّق على الشرط ـ بأنّ الأصل هو تعليق الحكم الجامع بين المطلق والمقيّد لا تعليق المطلق؛ لأنّ الجامع بين المطلق والمقيّد حينما يمكن أن يكون مقصوداً ـ وهو كذلك في التعليق ـ يكون أخفّ مؤونة من المطلق، فالنتيجة الطبيعيّة في المقام ـ لولا قرينة خاصّة تقتضي تعليق المطلق وبالتالي انتفاء الحكم المطلق لدى انتفاء الجزاء لا انتفاء مطلق الحكم ـ: أنّه بانتفاء الشرط وهي الكرّيّة ينتفي الاعتصام بمطلقه ومقيّده، إذن فلا اعتصام للماء القليل حتّى في مقابل المتنجّس.

إلّا أنّه(رحمه الله) قد أفتى في كتاب (بحوث في شرح العروة الوثقى) بعدم دلالة: (إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء) على انفعال القليل بالمتنجّس، وبيان مقصوده(رحمه الله) مختصراً هو: أنّه لا إشكال في أنّ المتنجّس لا ينجّس الكرّ، كما لا إشكال في أنّ حكم الاعتصام وعدم التنجّس في الكرّ شامل لعين النجس، وإنّما الكلام في أنّ هذا الشمول هل يفهم بقوله: (إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء) ببركة الإطلاق ومقدّمات الحكمة، أو يفهم بما يكون كالنصّ أو الظهور لا بمقدّمات الحكمة، فعلى الأوّل يأتي ما نقّحناه في الاُصول من أنّ ذاك الإطلاق إنّما يقتنص في المرحلة المتأخّرة عن التعليق وأنّ حكماً كهذا لو علّق على

161

 

الكلام فيما إذا قيّدت النسبة بغير أداة الشرط:

الأمر الخامس: إذا قيّدت النسبة بشيء لا بواسطة أدوات الشرط كما لو عبّر عن وجوب إكرام زيد عند مجيئه بقوله: (أكرم زيداً عند مجيئه)، لا بقوله: (إن


الشرط استفدنا منه تعليق الجامع بين الحكم المطلق والحكم المقيّد. والنتيجة: أنّه إذا انتفت الكرّيّة انتفى الاعتصام، سواءً بمطلقه أو بأيّ حصّة من حصصه ومنها حصّة الاعتصام في مقابل المتنجّس الذي ينجّس غير الماء، فالنتيجة هي: أنّ الماء القليل ينفعل بالمتنجّس.

أمّا إذا قلنا: إنّ شمول الكلام للملاقاة مع عين النجس يكون كالنصّ أو الظهور فكأنّما قال: إنّ اعتصام الماء ـ الشامل لفرض ملاقاة عين النجس ـ معلّق على الكرّيّة، أو مشروط بالكرّيّة، فبانتفاء الكرّيّة يثبت انتفاء خصوص الاعتصام المطلق الشامل للاعتصام في مقابل عين النجس، ولا يثبت انتفاء مطلق الاعتصام حتّى في مقابل عين النجس، فلا يدلّ النصّ على انفعال الماء القليل في مقابل المتنجّس.

أمّا ما هي القرينة على كون هذا النصّ كالصريح في النظر إلى عين النجس؟ فهي أحد أمرين: إمّا ورود هذا النصّ ـ كما في أغلب رواياته ـ في مورد الملاقاة لعين النجس، أو لأنّ الملاقات لعين النجس هي أوضح الأفراد وأقربها إلى الذهن وأقوى ما يترقّب انفعال الماء به، فبالتالي يكون ملحوظاً ـ بوضوح ـ في الحكم بالاعتصام، إذن فقد أصبح الإطلاق مأخوذاً في ذات الجزاء، فيصبح المعلّق ـ لا محالة ـ هو المطلق لا الجامع بين المطلق والمعلّق، وبالتالي فالذي ينتفي بانتفاء الشرط هو الحكم المطلق، ويحتمل بقاء الاعتصام الخاصّ وهو الاعتصام في مقابل المتنجّس فحسب. راجع بحوث في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص 393 ـ 398.

162

جاءك زيد فأكرمه)، والمفروض أنّنا فهمنا من ظهور الكلام أنّ قوله: (عند مجيئه) قيد للنسبة لا للمادّة التي هي طرف النسبة، وإلّا أصبح قيداً للواجب ولزم تحصيله، فهل يكون مقتضى الفنّ ثبوت المفهوم فيه أو لا؟

يمكن أن يقال بثبوت المفهوم له بعين التقريب الذي مضى في القضايا الشرطيّة؛ لأنّ الحكم ارتبط بمجيء زيد وثبت كون الارتباط ارتباطاً لزوميّاً بظاهر سياق المدلول التصديقيّ، ولا يعقل تحصيص الحكم بما يلازم موضوعه وإنّما يحصّص بموضوعه، ومجيء زيد موضوع للحكم، وهذا هو المقصود بالعلّيّة للحكم، ويثبت الانحصار أيضاً بعد إجراء الإطلاق في الحكم في الرتبة السابقة على تحصيصه بالتقريب الماضي، كما أنّه لو ثبتت دلالة هذا الكلام على الربط بلحاظ النظر إليه بالعين اليسرى كان بنفسه ضابطاً لاقتناص المفهوم منه.

ولكن من الواضح بحسب المتفاهم العرفيّ عدم ثبوت المفهوم لمثل هذا الكلام، فلو ثبت له المفهوم بمقتضى الفنّ الماضي ذكره في القضايا الشرطيّة كان ذلك نقضاً علينا في إثبات المفهوم للقضيّة الشرطيّة. ولكنّ التحقيق عدم ثبوت المفهوم لهذا الكلام فنّيّاً.

توضيح ذلك: أنّ اقتناص المفهوم ـ سواء كان بملاك العلّيّة الانحصاريّة أو بملاك التعليق والربط المنظور إليه بالعين اليسرى ـ يتوقّف على جريان الإطلاق في الحكم في الرتبة السابقة على ارتباطه بذلك القيد الخاصّ، وهذا الإطلاق إنّما يتمّ في فرض ربط نسبة تامّة بنسبة تامّة اُخرى، والربط بينهما أيضاً نسبة تامّة، فكلّ من هذه النسب تلحظ مستقلّة، وتوجد في عالم الثبوت اُمور ثلاثة منها: النسبة الجزائيّة، فيحكم بإطلاقها بلحاظ تطابق عالم الإثبات والثبوت.

وأمّا إذا فرض ربط نسبة تامّة بمفرد، بأن اُوجدت بينهما نسبة ناقصة كما فيما

163

نحن فيه، حيث إنّه ربط بين النسبة التامّة في قوله: (أكرم زيداً) وعنوان (عند المجيء) بنسبة ناقصة(1)، فلا يكون في عالم الثبوت شيئان أحدهما تلك النسبة التامّة مستقلّة حتّى تجري فيها مقدّمات الحكمة، بل هنا شيء واحد؛ لأنّ وظيفة النسبة الناقصة إرجاع شيئين إلى شيء واحد، فالموجود من أوّل الأمر هو حصّة خاصّة من النسبة التامّة لا مطلق النسبة التامّة، ولكن بيّنت تلك الحصّة الخاصّة في عالم الإثبات بتعدّد الدالّ والمدلول.

ونظير ما نحن فيه: أنّه لو قيل: (أكرم العالم العادل)، لم يُجر أحد من العقلاء الإطلاق في العالِم فيما قبل تقييده بالعادل، بأن يثبت بذلك أنّ المراد جميع العلماء بحيث يدلّ الكلام ببركة هذا الإطلاق على أنّ كلّ عالم عادل. والسرّ في ذلك: أنّ النسبة بين العالم والعادل ناقصة ووظيفتها إرجاع الشيئين إلى شيء واحد مقيّد، فالموجود من أوّل الأمر في عالم الثبوت إنّما هو حصّة خاصّة من العالِم بيّنت بتعدّد الدالّ والمدلول.

وأمّا النسبة الحاصلة بين الشرط والجزاء في القضايا الشرطيّة فهي نسبة تامّة تربط نسبة الشرط بنسبة الجزاء، وليست نسبة ناقصة ترجع تلك النسبتين إلى أمر واحد.

ففرق كبير بين أن يقول مثلا: (إذا جاء زيد فأكرمه)(2) أو يعبّر بكلمة اُخرى غير (إذا) ـ ممّا تفرض إفادته معنى الشرط ضمن إفادته للظرفيّة ـ وبين أن يقول



(1) محصّصة، فإنّه لا معنى لربط مفرد بنسبة إلّا بتحصيصه إيّاها.

(2) هذا بناءً على أنّ (إذا) متعلّق بالشرط وليس مضافاً إلى الشرط ومتعلّقاً بالجزاء، وإلّا لأصبح قيداً للجزاء.

164

مثلا: (أكرم زيداً عند مجيئه)، فإنّ الثاني وإن كان كالأوّل في إفادة معنى الظرفيّة ولكن تقييد النسبة التامّة بمفرد يعطي معنى الظرفيّة لا يعني أكثر من تحصيص تلك النسبة بذاك الظرف. أمّا قوله: (إذا جاء زيد فأكرمه) فهو ربط بين نسبتين تامّتين، فبين الكلامين بونٌ بعيد.

نعم، إنّما نقبل بمفهوم الشرط في أداة لا تدلّ على تحصيص المادّة التي كانت طرفاً في الجزاء، من قبيل: (من) و(ما) ممّا يتضمّن بنفسه موضوع الحكم ويرجع إليه ضمير الجزاء، فإن كان كذلك لم يدلّ على المفهوم، فمثلا لو قال المولى: (مَن يأتكم فأكرمه) لم يكن لهذا الكلام مفهوم؛ لأنّ الضمير في (أكرمه) راجع إلى مَن يأتي، فيكون أحد طرفي النسبة الطلبيّة هو إكرام مَن يأتي لا مطلق الإكرام، ويكون حال هذا الكلام حال القضيّة الوصفيّة، ولا وجه لانتفاء مطلق وجوب الإكرام بانتفاء الشرط؛ لأنّه لم يكن هو المعلّق، بل المعلّق ـ بواسطة الضمير ـ كان خصوص إكرام مَن يأتيك.

 

تداخل الأسباب والمسبّبات لدى تعدّد شرط الجمل واتّحاد جزائها:

الأمر السادس: إذا تعدّد شرط الجمل المتعدّدة واتّحد جزاؤها، كقولنا: (إن جاءك زيد فأكرمه)، وقولنا: (إن أهدى إليك زيد هديّة فأكرمه)، واتّفق اجتماع الشرطين بأن جاء وأهدى هديّة فهل عندئذ يتداخل السببان، بمعنى أنّ كلاًّ من السببين يؤثّر في حدّ من حدود وجود المسبّب(1) ويوجد حكم واحد، أو



(1) لعلّ الأولى أن يقال: بمعنى أنّ كلاًّ من السببين يصبح عند الاجتماع جزء السبب فيحقّقان حكماً واحداً.

165

لا يتداخلان فتوجد أحكام متعدّدة بتعدّد الشرط الموجود؟ وعلى الثاني فهلتتداخل المسبّبات بمعنى أنّه يكتفى ـ لتلك الأحكام المتعدّدة ـ بامتثال واحد، فبإكرام واحد يتحقّق امتثال كلا الوجوبين ويسقطان أو لا؟

والتعبير الفنّيّ هو أن يعبّر عن الأوّل بالتداخل في عالم الجعل وعن الثاني بالتداخل في عالم المسبّبات، فهذا أفضل ممّا وقع عليه اصطلاحهم من التعبير بالتداخل في الأسباب أو المسبّبات، فإنّ هذا التعبير لا يخلو من مسامحة؛ لأنّ السببيّة في باب الأحكام ممّا لا أساس لها.

ولكنّنا مع ذلك نجري على هذا التعبير تسهيلا للأمر باعتبار أنّ هذا هو المصطلح لديهم.

هذا، والبحث عن تداخل الأسباب وعدمه ـ بناءً على ما يتحصّل من كلمات الأصحاب(قدس سرهم) ـ مرجعه إلى البحث عن حلّ المعارضة بين ظهور القضيّة في كون الشرط مستقلاًّ في التأثير، بمعنى كون كلّ من الشرطين تمام المؤثّر في أصل الحكم، لا أن يؤثّر أحدهما في حدّه وتأكّده، وظهور الجزاء بحسب إطلاق المادّة في كون الواجب في مثل قولنا: (إن جاءك زيد فأكرمه) مطلق الإكرام لا خصوص حصّة خاصّة منه، فإنّ الظهور الأوّل يقتضي عدم تداخل الأسباب، والظهور الثاني يقتضي تداخلها وثبوت حكم واحد؛ إذ لو فرض وجوب إكرامين للزم فرض طروّ الوجوب على حصّة خاصّة من الإكرام لا مطلق الإكرام.

وعلى أيّ حال فالكلام في تداخل الأسباب ـ بالمعنى الذي عرفت ـ وعدمه وتداخل المسبّبات وعدمه يقع منّا في جهات:

الجهة الاُولى: في ملاحظة النسبة بين مبحث تداخل الأسباب وما مضى في

166

التنبيه الثالث من مبحث حلّ المعارضة بين إطلاق منطوق كلّ من القضيّتين وإطلاق مفهوم الاُخرى.

قد أفاد المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله): أنّه لو اخترنا في ذلك المبحث ـ أعني: مبحث تعارض إطلاق كلّ من المنطوقين مع إطلاق مفهوم الآخر ـ الجمع بين القضيّتين بجعل كلّ من الشرطين أساساً جزء السبب، فلا يكفي تحقّق أحدهما في حصول الجزاء، لم يبق للبحث عن المعارضة الثانية ـ أعني: معارضة ظهور القضيّة في استقلال الشرط في الثأثير، وظهور الجزاء في إطلاق المادّة ـ موضوع؛ إذ المفروض عندئذ أنّه ليس في البين إلّا سبب واحد، فلا معنى للبحث عن تداخل الأسباب وعدمه(1).

وما أفاده(رحمه الله) متين لا غبار عليه، لكنّه ربّما يتراءى من هذا الكلام أنّ هذا المبحث الذي نحن فيه يكون في طول ذلك المبحث السابق، أعني: أنّه يكون من وظيفة الفقيه أن يُعمل نظره أوّلا في المبحث السابق ثمّ في هذا المبحث؛ لأنّ هذا المبحث متوقّف على بعض المباني في المبحث السابق، وهو الالتزام بكون كلّ واحد من الشرطين بانفراده كافياً في تحقّق الحكم؛ إذ لولا ذلك لم يبق موضوع لما أفاده الأصحاب من المعارضة الثانية، أعني: ما بنوا عليه من وقوع المعارضة بين ظهور الشرط في الاستقلال في التأثير وظهور الجزاء في إطلاق المادّة، فلابدّ للفقيه من أن يحلّ أوّلا المعارضة الاُولى ثمّ يرى أنّه هل بقي موضوع للمعارضة الثانية أو لا؟ فإن بقي موضوع لها شرع في حلّها، وإلّا فهو مستريح منها.



(1) راجع الكفاية، ج 1، ص 314 بحسب الطبعة المشتملة في حاشيتها على تعاليق المشكينيّ.

167

ولكنّ التحقيق في المقام: أنّ بين المبحثين من حيث الصغريات عموماً من وجه:

فبعض الموارد يكون من صغريات المبحث الثاني دون المبحث الأوّل، وذلك كما في الأمثلة التي لا مفهوم لها: إمّا لعدم انطباق قانون اقتناص المفهوم عليها رأساً، كما لو كانت أداة الشرط كلمة (مَنْ) ونحوها، أو للقطع من الخارج بعدم المفهوم كما في نحو: (إن بلت فتوضّأ)، و(إن نمت فتوضّأ)؛ للقطع بعدم انحصار موجب الوضوء في البول أو النوم، فليس ذلك مورداً للمعارضة الاُولى، أعني: معارضة المنطوق للمفهوم كما هو واضح، فالبحث عن المعارضة الثانية فيه ليس في طول البحث عن المعارضة الاُولى فيه.

وبعض الموارد يكون من صغريات المبحث الأوّل دون الثاني، كما في فرض عدم معقوليّة تعدّد الحكم كما في مثل: (إذا خفي الأذان فقصّر)، و(إذا خفي الجدران فقصّر)؛ لعدم معقوليّة تقصير الصلاة مرّتين، فيجري فيه خصوص المبحث الأوّل من دون توقّفه على المبحث الثاني.

وبعض الموارد يكون من صغريات كلا المبحثين، كما في نحو: (إن جاءك زيد فأكرمه)، و(إن أهدى إليك زيد هديّة فأكرمه)، حيث إنّهما قضيّتان ذات مفهوم، ومن المعقول وجوب إكرامين عند اجتماع الشرطين، فذلك داخل في كلا المبحثين.

وعندئذ يقع الكلام في أنّه هل وظيفة الفقيه أن يبدأ أوّلا بعلاج إحدى المعارضتين بالخصوص أو لا؟ فنقول: ربما يتراءى في النظر أنّ وظيفته الابتداء بعلاج المعارضة الاُولى؛ لما عرفت من أنّ المعارضة الثانية متوقّفة على بعض المباني في البحث عن المعارضة الاُولى.

ولكنّ الواقع أنّ الطوليّة ـ بمعنى توقّف إحدى المعارضتين على بعض المباني في البحث عن المعارضة الاُخرى ـ ثابتة من كلا الطرفين، فإنّه كما تكون

168

المعارضة الثانية مبتنية على بعض مباني المبحث الأوّل، وهو القول بانحفاظ إطلاق المنطوق، كذلك المعارضة الاُولى مبتنية على بعض مباني المبحث الثاني، وهو القول بالتداخل الراجع ـ على ما أفاده ـ إلى القول بانحفاظ إطلاق المادّة؛ إذ لو قيّدنا المادّة كان مقتضى المفهوم انتفاء وجوب حصّة خاصّة من الإكرام غير المنافي لوجوب حصّة اُخرى منه مثلا، فلا تبقى معارضة بين إطلاق المنطوق وإطلاق المفهوم.

وعلى هذا فإلزام الفقيه بالابتداء بحلّ إحدى المعارضتين بالخصوص غير صحيح، كما أنّ معالجتهما في عرض واحد أيضاً غير صحيح؛ لأنّها خلف فرض الطوليّة من كلا الطرفين، أعني: توقّف كلّ من المعارضتين على بعض مباني البحث عن حلّ الاُخرى.

وتخيير الفقيه بين الابتداء بحلّ هذه المعارضة أو تلك المعارضة أيضاً غير صحيح؛ لأنّه ربما تختلف النتيجة باختلاف نقطة الابتداء في المعالجة، فيكون الابتداء بأيّ منهما ترجيحاً بلا مرجّح، فلو ابتدأ الفقيه بعلاج المعارضة الاُولى واختار من المباني ما يقتضي تقديم إطلاق المفهوم على إطلاق المنطوق، استنتج من ذلك أنّ الجزاء لا يثبت إلّا عند ثبوت كلا الشرطين ويكون الشرطان معاً سبباً واحداً، وبذلك ترتفع المعارضة الثانية أيضاً ويستنتج أنّه عند اجتماع الشرطين إنّما يجب إكرام واحد.

ولو ابتدأ بعلاج المعارضة الثانية ورأى ظهور القضيّة في استقلال الشرط في المؤثّريّة أقوى من إطلاق المادّة في الجزاء فقيّد إطلاق المادّة، ارتفعت بذلك المعارضة الاُولى أيضاً واستنتج أنّ ثبوت أحد الشرطين كاف في وجوب الإكرام، وأنّ ثبوت كليهما يوجب وجوب الإكرام مرّتين.

169

ومن هنا تبرز مشكلة بالنسبة لوظيفة الفقيه، حيث إنّه لا يجوز له الابتداء بحلّ هذه المعارضة ولا حلّ تلك المعارضة ولا حلّهما معاً في عرض واحد، فماذا يصنع؟

ولا يتوهّم أنّ حلّ هذه المشكلة عبارة عن القول بأنّه ليست في البين معارضتان حتّى نتحيّر في الابتداء بحلّ أيّ واحدة منهما، بل الثابت معارضة واحدة قائمة بأطراف أربعة، فإنّه لو كان كذلك لارتفعت المعارضة بإفراز أيّ واحد من هذه الأطراف؛ لأنّ المفروض أنّه ليس في البين إلّا علم إجماليّ واحد بكذب أحد الأربعة، فلو اُخرج أيّ واحد منهما من البين لم يبق علم إجماليّ بكذب واحد ممّا بقي من الأطراف، وما نحن فيه ليس كذلك، فإنّه لو اُفرز إطلاق المفهوم بقيت المعارضة الثانية ثابتة على حالها، ولو اُفرز ظهور القضيّة في استقلال الشرط بقيت المعارضة الاُولى ثابتة على حالها، فيعلم أنّ هنا معارضتين لا معارضة واحدة.

نعم، لو اُفرز إطلاق المنطوق ارتفعت المعارضة الثانية أيضاً، ولو اُفرز إطلاق المادّة في الجزاء ارتفعت المعارضة الاُولى أيضاً.

ومن هنا يتّضح حلّ هذه المشكلة بعد الالتفات إلى ما مضى من أنّ ارتفاع معارضة بين شيئين برفع اليد عن شيء ثالث دليل على كون ذلك الشيء الثالث داخلا في تلك المعارضة، إلّا في مورد واحد غير مربوط بما نحن فيه.

فظهر: أنّ كلاًّ من المعارضتين في الحقيقة ليست ذات طرفين كما كان هو أساس المشكلة، بل كلّ منهما ذات أطراف ثلاثة، فالمعارضة الاُولى تكون بين إطلاق المنطوق وإطلاق المفهوم وإطلاق المادّة في الجزاء، والمعارضة الثانية تكون بين ظهور القضيّة في استقلال الشرط في التأثير وإطلاق المادّة في الجزاء

170

وإطلاق المنطوق، فهنا معارضتان ذات أطراف ثلاثة متشاركتان في طرفين ومتمايزتان بطرف واحد، وهما في عرض واحد، وتكون وظيفة الفقيه أن يلاحظ الطرفين اللذين بهما الاشتراك مع كلّ واحد ممّا به الامتياز، فإن كان مجموع الطرفين اللذين بهما الاشتراك من حيث المجموع أضعف من الطرف الآخر في إحدى المعارضتين أو في كلتيهما وجب التحفّظ على الطرف الآخر في كلتا المعارضتين، ووقع التعارض بين نفس هذين الطرفين اللذين بهما الاشتراك. وإن كان المجموع أقوى من الطرف الآخر في كلتا المعارضتين تحفّظ عليهما وسقط الطرف الآخر في كلتا المعارضتين. وإن كان المجموع من حيث المجموع مساوياً للطرف الآخر في كلتا المعارضتين تساقط الجميع(1).

 


(1) وللتوضيح الأكثر نقول: إنّ اللذين بهما الاشتراك ـ وهما: إطلاق المنطوق الدالّ على كون الشرط في ذاته علّة تامّة، وإطلاق المادّة في الجزاء الدالّ على كون الواجب طبيعيّ المادّة لا حصّة خاصّة منها ـ ظهوران ضمنيّان وتحليليّان موجودان في كلّ واحدة من الجملتين، والمتحصّل منهما معنى واحد وهو كون الشرط علّة تامّة لوجوب طبيعيّ المادّة.

وكلّ من الجملتين تشتمل أيضاً على ظهور يعارض الظهور المتحصّل من مجموع الظهورين الأوّلين في الجملة الاُخرى، وذاك الظهور المعارض الذي به امتياز التعارض في إحدى المسألتين في التنبيهين عن الاُخرى عبارة عن: أوّلاً: إطلاق المفهوم المقتضي لانتفاء الحكم بانتفاء الشرط رغم وجود الشرط الآخر. وثانياً: إطلاق الشرط المقتضي لاستقلاله لدى الاجتماع بشرط آخر.

والحالات المفترضة في المقام لا تخلو من أحد فروض:

الفرض الأوّل: حالة ما إذا كان الظهور المتحصّل من مجموع الأمرين اللذين بهما


171

هذا كلّه في المورد الذي يكون صغرى لكلا البحثين.

وأمّا في المورد الذي يكون صغرى للبحث السابق فقط فيكتفى فيه بعلاج


الاشتراك أضعف ولو من أحد الأمرين اللذين بهما الامتياز، وهذا يعني تثبيت ما به الامتياز وتصديقه، وبالتالي يتحوّل العلم الإجماليّ بكذب أحد الظهورين التحليليّين الأوّلين أو الظهور الثالث في الجملة الثانية إلى العلم الإجماليّ بكذب أحد الظهورين التحليليّين الأوّلين ويتساقطان، ويجري هذا الحساب في كلّ من التعارضين بنسق واحد وفي عرض واحد ويتشاكل التعارضان في أطرافهما، ولا تبقى مشكلة باسم أنّنا هل نبدأ أوّلا بحساب هذا التعارض أو بحساب ذاك التعارض.

الفرض الثاني: حالة ما إذا كان الظهور المتحصّل من مجموع الأمرين اللذين بهما الاشتراك أقوى من كلا الظهورين الآخرين، وهذا يعني سقوط الظهورين الآخرين وبالتالي انحلال كلا التعارضين.

الفرض الثالث: حالة ما إذا كان المتحصّل من مجموع الظهورين في كلّ واحدة من الجملتين مساوياً لظهور ما به الامتياز في التعارض في الجملة الاُخرى، وعندئذ يتساقط الجميع.

الفرض الرابع: أن يفترض أنّ المتحصّل من مجموع ما به الاشتراك في إحدى الجملتين مساوياً لما به امتياز أحد التعارضين الواقع في الجملة الاُخرى وأقوى من الآخر، وبذلك تنتهي إحدى المسألتين بتساقط الظهورات، ويلحق المورد حكماً بالصغرى المخصوصة بالتنبيه الثالث أو المخصوصة بالتنبيه السادس.

وعليه فلم يبق علينا إلّا أن نبحث مادّة الافتراق من التنبيه السادس سواءً كانت صغرى حقيقيّة للافتراق أو حكميّة، ولأجل التسهيل نفرض البحث في مادّة الافتراق الحقيقيّة للتنبيه السادس.

172

المعارضة بين طرفين: إطلاق المنطوق وإطلاق المفهوم بالنحو الذي مضى في التنبيه الثالث.

كما أنّ المورد الذي يكون صغرى لهذا البحث فقط يكتفى فيه بعلاج المعارضة بين إطلاق مادّة الجزاء وإطلاق المنطوق وظهور القضيّة في استقلال الشرط في التأثير.

ونحن لأجل التوضيح والتسهيل نفرض البحث في خصوص المورد الذي لا يكون صغرى للبحث السابق.

الجهة الثانية: في تأسيس الأصل في المسألة عند الشكّ، فنقول: لو شككنا في تداخل الأسباب وعدمه ولم يقم دليل على أحد الطرفين كان مقتضى الأصل مساوقاً من حيث النتيجة مع القول بتداخل الأسباب؛ وذلك لأنّ الحكم الواحد متيقّن والحكم الثاني منفيّ بالبراءة أو الاستصحاب.

نعم، لو قلنا بالاستصحاب التعليقيّ أمكن القول هنا بما يساوق عدم التداخل، فإنّ الشرط الثاني لو كان وجد قبل الشرط الأوّل لكان بنفسه كافياً في ترتّب الحكم، فيدّعى أنّ استصحاب سببيّته للحكم يثبت منشأ انتزاع السببيّة، فيثبت لنا حكم ثان بواسطة الشرط الثاني.

كما أنّه لو قلنا بصحّة القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّيّ أمكن أيضاً القول هنا بما يساوق عدم التداخل، بتقريب: أنّه لو بال ونام حصل له العلم بتحقّق جامع وجوب الوضوء عليه، وبالوضوء الأوّل لا يقطع بارتفاع الجامع فيستصحبه وعليه أن يتوضّأ ثانياً.

لكن بما أنّ التحقيق بطلان الاستصحاب التعليقيّ والقسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّيّ يتّجه فيما نحن فيه جريان البراءة أو استصحاب عدم الحكم.

هذا كلّه في الشكّ في تداخل الأسباب وعدمه.

173

وأمّا إذا علم بعدم تداخل الأسباب وثبوت حكمين وشكّ في تداخل المسبّبات وكفاية امتثال واحد وعدمه فذهب المحقّق النائينيّ(رحمه الله) إلى أنّ المرجع عندئذ هو أصالة الاشتغال؛ للقطع بثبوت تكليفين والشكّ في تحقق امتثالهما معاً بامتثال واحد(1).

ويرد عليه: أنّه تارةً: يفرض أنّ متعلّق التكليفين المعلومين متباينان ولكن ما فعله المكلّف يحتمل أن يكون الشارع جعله مسقطاً لكليهما، ففي هذا الفرض أفادوا أنّ المرجع أصالة الاشتغال، ومختارنا أنّ المرجع استصحاب بقاء التكليف(2)، واُخرى: لا يكون الأمر من هذا القبيل وذلك كما فيما نحن فيه، فإنّ مَن يدّعي تداخل المسبّبات لا يقول بأنّ متعلّق التكليفين متباينان ولكنّ الشارع جعل الفعل الواحد مسقطاً لكليهما، وإنّما يدّعي سقوطهما بهذا الفعل الواحد بدعوى أنّهما ليسا متباينين بل متساويان أو بينهما عموم من وجه، أي: أنّ كلاًّ من الحكمين تعلّق بحصّة خاصّة لكنّ الحصّتين تكون النسبة بينهما التساوي كـ (الإنسان) و(الضاحك)، أو العموم من وجه كـ (الإنسان) و(الأبيض)، وذلك الفعل الواحد يكون مجمعاً لكلا العنوانين فيسقط به كلا الحكمين.



(1) راجع فوائد الاُصول، ج 1 ـ 2، ص 490 بحسب طبعة مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم، وأجود التقريرات، ج 1، ص 431 ـ 432 بحسب الطبعة المشتملة على تعاليق السيّد الخوئيّ(رحمه الله).

(2) وتوضيح الأمر: أنّ فرض جعل شيء مسقطاً للتكليف يعني جعل حدٍّ لأمد التكليف، وهذا يعني أنّه إذا شكّ في جعل حدّ من هذا القبيل وحصل الحدّ رجع شكّنا إلى الشكّ في بقاء التكليف وسقوطه، لا بمعنى الشكّ في الامتثال كي تجري أصالة الاشتغال، بل بمعنى الشكّ في طول زمن التكليف وقصره، فالمرجع استصحاب التكليف.

174

وعلى هذا فليس الشكّ متمحّضاً في دائرة الامتثال حتّى لا تجري البراءة، بل مرجع الشكّ في تداخل المسبّبات وعدمه إلى الشكّ في أنّ كلاًّ من التكليفين هل يكون متعلّقاً بخصوص الحصّة المغايرة للحصّة التي تعلّق بها التكليف الآخر، أو أنّ دائرة التكليف أوسع من ذلك، فيكون كلّ من التكليفين متعلّقاً بما يشمل الفرد الداخل في الحصّة التي تعلّق بها التكليف الآخر، فقد وقع الشكّ في سعة دائرة التكليف وعدمها، نظير ما لو علمنا بوجوب إكرام لكن شككنا في أنّه هل يجب خصوص إكرام العالم العادل أو لا ؟ فتجري البراءة، كما هو الحال في جميع موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير.

فتحصّل: أنّه إذا قطعنا بعدم تداخل الأسباب وشككنا في تداخل المسبّبات وعدمه كان مقتضى الأصل ما يساوق التداخل؛ إذ إنّه وقع الشكّ في أنّ كلّ واحد من التكليفين هل يكون واسعاً بنحو ينطبق متعلّقه على هذا الفرد الذي بيد المكلّف، أو يكون التكليف مضيّقاً ومتعيّناً فيما لا ينطبق عليه، فتجري البراءة عن الوجوب التعيينيّ على تفصيل يظهر ممّا يأتي إن شاء الله.

الجهة الثالثة: في أنّه إذا كان الحكم قابلا للتعدّد من ناحية قابليّة المتعلّق للتعدّد والتكرار في الوجود كما في مثال (الوضوء) و(الإكرام)، فلا إشكال في دخوله في محلّ النزاع.

وأمّا إذا لم يكن قابلا للتعدّد من هذه الناحية كما في الفسخ والقتل ونحو ذلك فهذا ينقسم إلى قسمين:

الأوّل: أن يكون الحكم قابلا للتعدّد ـ رغم عدم إمكان تكرّر وجود المتعلّق ـ وذلك لوجود مزيّة رافعة لإشكال لزوم اللغويّة في تعدّد الحكم، كما في الجواز الحقّيّ المتعلّق بالقتل لمن قتل أبوه أو ابنه، فلو فرض شخص قتل أبا شخص وابن

175

ذلك الشخص، أمكن ثبوت جوازين حقّيّين لذلك الشخص للقتل؛ لعدم لزوم اللغويّة في التعدّد لكونه ذا ثمرة، كما في فرض ما لو أسقط حقّه بالنسبة لقتل أبيه مثلا فيبقى له الحقّ الآخر، ونحو ذلك أيضاً السلطنة على الفسخ لعيب أو غبن مثلا؛ لإمكان اجتماع سلطنتين له إذا اجتمع العيب والغبن بدون لزوم محذور اللغويّة. وهذا أيضاً يكون داخلا في محلّ النزاع.

والثاني: أن لا يكون الحكم قابلا للتعدّد بلحاظ مزيّة رافعة للّغويّة، كما في مثال الجواز الحكميّ للقتل لحاكم الشرع بالنسبة لتارك الصلاة وبالنسبة لتارك الصوم مثلا، فلو فرض أنّ شخصاً تركهما معاً لم يعقل ثبوت جوازين للحاكم لقتله؛ للزوم اللّغويّة؛ لعدم ثمرة للتعدّد، فهذا الفرض خارج عن محلّ النزاع.

وكأنّ هذا البيان هو واقع المقصود للمحقّق النائينيّ(رحمه الله) من عبارة لا تخلو من تعقيد وغموض في تقرير بحثه(1).

والتعقيد أو الغموض فيه ناشئ من اُمور:

أوّلا: جعل المقسم هو المتعلّق لا المعلّق، ومن هنا عبّر عن القسم الثاني بأنّه



(1) جاء في أجود التقريرات ـ ج 1، ص 428 بحسب الطبعة المشتملة على تعاليق السيّد الخوئيّ(رحمه الله) ـ ما حاصله: أنّ متعلّق الحكم في الجزاء: إمّا أن يكون قابلا للتعدّد كالوضوء وهذا داخل في محلّ البحث، وإمّا أن لا يكون قابلا للتعدّد كالقتل، وعلى الثاني: إمّا أن يكون قابلا للتقييد بالسبب، كالقتل المشروع قصاصاً عن اثنين فإنّه يتقيّد تارةً بسبب هذا القتل، واُخرى بسبب ذاك القتل، وهذا أيضاً يدخل في محلّ البحث، وقد يعفو وليّ المقتولين عن أحدهما دون الآخر، وإمّا أن لا يكون قابلا للتقييد كوجوب القتل الناشئ من غير حقّ الناس كالارتداد ونحوه، فإنّ حكم الله لا يمكن العفو عنه فيتأكّد الحكم عند اجتماع السببين لا محالة، وهذا خارج عن محلّ البحث.

176

المتعلّق القابل للتقيّد بالسبب، في حين أنّه لا معنى لتقيّد المتعلّق بسبب حكمه.

وثانياً: عدم توضيح ما وضّحناه من نكتة الفرق بين الجواز الحقّيّ والحكميّ.

وثالثاً: عدم ذكر ما هي النكتة الفنّيّة للمطلب، وهي: أنّ المعلّق ليس هو وجود المتعلّق وهو القتل مثلا، حتّى تكون العبرة في إمكان النزاع وعدمه بقبوله التعدّد وعدمه، بل المعلّق هو الحكم الذي تعلّق به، فالعبرة في إمكان النزاع وعدمه تكون بقبول حكمه للتعدّد وعدمه، ومن الممكن أن يكون المتعلّق غير قابل للتعدّد لكن الحكم يكون قابلا للتعدّد؛ لعدم لزوم اللغويّة كما ذكرناه في القسم الثاني.

الجهة الرابعة: في تحقيق أصل المطلب:

ويقع الكلام في مقامين:

الأوّل: في تداخل الأسباب وعدمه.

والثاني: في تداخل المسبّبات وعدمه.

 

تحقيق المطلب في تداخل الأسباب:

أمّا المقام الأوّل ـ وهو تداخل الأسباب وعدمه ـ: فتارةً: يقع الكلام فيه في مقام الثبوت، واُخرى: في مقام الإثبات:

أمّا الكلام في مقام الثبوت: فمن الممكن أن يدّعى استحالة تداخل الأسباب بعد أن كان المفروض أنّ الجزاء قابل للتعدّد، وبعد أن ثبت أنّ كلّ واحد من الشرطين في نفسه سبب تامّ كاف في ترتّب الجزاء، فيثبت بذلك قهراً حكمان؛ لأنّ المفروض تماميّة فاعليّة الفاعل وتماميّة قابليّة القابل ولا نقص في شيء من الجهتين، فيتحقّق الجزاء مستقلاًّ من ناحية كلّ واحد من السببين لا محالة.

ولكن لا يخفى عليك أنّ تماميّة قابليّة القابل أوّل الكلام، فإنّ ما مضى سابقاً