536

حكم النجش

قال الشيخ رحمه الله: «يحرم النجش على المشهور كما في الحدائق، بل عن المنتهى وجامع المقاصد أنّه محرّم إجماعاً؛ لرواية ابن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «قال رسول الله(صل الله عليه وآله): الواشمة والمتوشمة والناجش والمنجوش ملعونون على لسان محمد(صل الله عليه وآله)»(1). وفي النبوي المحكي عن معاني الأخبار: «لا تناجشوا ولا تدابروا»(2) قال: ومعناه أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها ليسمع غيره فيزيد بزيادته والناجش خائن، والتدابر الهجران(3). انتهى كلام الصدوق. والظاهر أنّ المراد بزيادة الناجش مؤاطاة البائع المنجوش له»(4).

وقال الشيخ أيضاً في بحث المكاسب المحرّمة: «النجش _ بالنون المفتوحة والجيم الساكنة أو المفتوحة _ حرام؛ لما في النبوي المنجبر بالإجماع المنقول عن جامع المقاصد والمنتهى من لعن الناجش والمنجوش له وقوله(صل الله عليه وآله): «ولا تناجشوا»، ويدلّ على قبحه العقل؛ لأنّه غشّ وتلبيس وإضرار.

وهو كما عن جماعة أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها ليسمعه غيره فيزيد لزيادته بشرط المواطاة مع البائع أو لا بشرطها كما حكي عن بعض، وحكي تفسيره أيضاً بأن يمدح السلعة في البيع لينفقها ويروّجها لمواطاة بينه وبين البائع أو لا معها، وحرمته بالتفسير الثاني خصوصاً لا مع المواطاة يحتاج إلى دليل،


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص458، الباب49 من أبواب آداب التجارة، ح2. والسند ضعيف بمحمد ابن سنان الذي روى هذا الحديث عن عبدالله بن سنان.

(2) المصدر السابق، ص459، ح4.

(3) تفسير النجش والتدابر من كلام الصدوق(رحمه الله) في معاني الأخبار، ص284. وقال محقّق كتاب الوسائل، ج17، ص459: «في المصدر: وأمّا التدابر فالمصارمة والهجران».

(4) کتاب المكاسب، ج4، ص355 _ 356.

537

وحكي الكراهة عن بعض»(1). انتهى كلام الشيخ رحمه الله.

أقول: لا أعرف كيف يجبر الإجماع المنقول سند رواية ضعيفة؟! وكذلك لم يثبت لدينا في علم الأُصول أنّ الشهرة الفتوائية تجبر ضعف السند وإن ثبت لدينا أنّ الإعراض يكسر السند؛ لأنّه يسلب الوثوق.

ثم لم يعلم كون مصدر رأي المشهور هي الرواية الضعيفة السند، فلعلّ مصدرهم ما ذكره الشيخ من فرض دلالة العقل على قبحه؛ لأنّه غشّ وتلبيس وإضرار. فالمهمّ أن نبحث في المقام مسألة الغشّ والتلبيس والإضرار.

فنقول: إن فسّر النجش بمعنى مدح السلعة في البيع لينفقها ويروّجها فهذا المدح إن كان كاذباً كفى في ثبوت حرمته دليل حرمة الكذب سواء فرض صدق الغشّ والتلبيس والإضرار أو لا، والظاهر صدق الغشّ أيضاً إن وقعت المعاملة على أساسه، فيحرم بحكم العقل وبروايات حرمة غشّ المسلم(2)، وإن لم يكن كاذباً لم يكن غشّ ولا تلبيس ولا إضرار.

وإن فسّر النجش بمعنى أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها، فإن صدق عرفاً على ذلك الكذب أو التورية _ الملحقة عندنا بالكذب _ لأنّه يوهم بأنّه أحد المشترين في حين أنّه ليس كذلك تكفي في حرمته حرمة الكذب، والظاهر صدق الغشّ أيضاً، وإن لم يصدق عرفاً ذلك فلا غشّ ولا تلبيس ولا إضرار. والمشتري الذي يشتري هذه السلعة بعد زيادة الناجش في السعر إنّما يفعل ذلك بمحض اختياره.


(1) المصدر السابق، ج2، ص61 _ 62.

(2) راجع وسائل الشيعة، ج17، ص279 _ 284، الباب86 من أبواب ما يكتسب به.

538

إذا دفع مالاً إلی غيره ليصرفه في محلّه

قال الشيخ؟ره؟ «إذا دفع إنسان إلی غيره مالاً ليصرفه في قبيل يکون المدفوع إليه منهم، ولم يحصل للمدفوع إليه ولاية علی ذلك المال من دون الدافع _ کمال الإمام أو ردّ المظالم المدفوع إلی الحاکم(1) _ فله صور»(2). ونقطة البحث في کلام الشيخ؟ره؟ أنّه هل يجوز للمدفوع إلیه أن يأخذ لنفسه مع انطباق العنوان علیه من هذا المال بما لا يزید علی ما یعطيه للآخرین أو حتی بما يزید أو لا؟

أقول: الکلام في ذلك قد يقع وفقاً لمقتضی القاعدة وأُخری بإدخال النصوص الخاصّة الواردة في الحساب:

أمّا الکلام وفق مقتضی القاعدة فهو أنّه متی ما کانت ولاية الصرف بذاته للمدفوع إلیه ولا يکسب الاختیار في الصرف من قِبل الدافع فله أن يتصرف في المال وفق ما يری ولا قيمة لرأي الدافع في المقام حتی في‌ما لو فرضنا أنّ الدافع یعتقد عدم ولاية المدفوع إليه، کما لو اعتقد الدافع أنّ ولاية سهم الإمام ليست بید الفقيه أو أنّ المدفوع إليه لیس بفقيه في حين أنّ المدفوع إليه يعتقد أنّه فقيه وأنّ ولاية مال الإمام بيد الفقيه.

ولا ينبغي أن يتوهّم أنّ الدافع إذا جعل مال الإمام أمانةً عنده لكي يصرفه في مصاريف معيّنة وجب عليه الوفاء بالأمانة؛ فإنّ اختيار تعيين المصاريف لم يكن بيد الدافع حتّى يجب على الفقيه المدفوع إليه الالتزام به.

نعم، قد يتّفق أنّ الدافع كان فقيهاً أيضاً وكان الرأي أنّ كلّ فقيه جامع للشرائط له حقّ تعيين مصرف سهم الإمام، وكان الرأي أيضاً أنّ أوّل فقيه جامع للشرائط كان بيده المال لو عيّن مصرفه تعيّن فعندئذٍ يجب على الفقيه الثاني الذي انتقل المال


(1) هذا مثال للمنفي لا للنفي، يعني أنّ مال الإمام ولايـته بید حاکم الشرع سواء شاء الدافع أو لا، وکذلك ردّ المظالم بناء علی الرأي القائل بأنّ ولايـته بید حاکم الشرع.

(2) کتاب المكاسب، ج4، ص357.

539

إليه عن طريق الفقيه الأوّل أن يفي بمقتضى الأمانة. والمفروض أن تبحث مباني ذلك في بحث ولاية الفقيه.

ومتى ما لم تكن الولاية أساساً بيد المدفوع إليه، وإنّما تحقّق له جواز الصرف من قبل الدافع، فمقتضى القاعدة الالتزام بتعاليم الدافع، فمع ظهور كلام الدافع ولو بالإطلاق في جواز أخذ المدفوع إليه المنطبق عليه العنوان يجوز له الأخذ بالمقدار الذي يتمّ فيه الظهور ولو الإطلاقي، ومع الظهور في الخلاف لا يجوز له ذلك، ومع الإجمال أيضاً لا يجوز له ذلك.

وقد يتّفق أن يكون منشأ الظهور في الخلاف أو الإجمال اعتقاد الدافع أو احتمال اعتقاده بعدم انطباق العنوان عليه، كما يتّفق أنّه حتّى مع هذا الاعتقاد من قِبل الدافع يكون ظاهر كلامه جعل المقياس واقع انطباق العنوان عليه، فيجوز له الأخذ لدى الانطباق.

روایات الباب

وأمّا أخبار الباب فقد قسّمت إلى طائفتين متعارضتين:

الطائفة الأُولى: ما دلّت على المنع عن الأخذ لنفسه وهي رواية واحدة:

وهي ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن عبدالرحمن بن الحجّاج قال: «سألته عن رجل أعطاه رجل مالاً ليقسمه في محاويج أو في مساكين وهو محتاج، أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه؟ قال: لا يأخذ منه شيئاً حتّى يأذن له صاحبه»(1).

وهذه الرواية مطابقة للقاعدة؛ لأنّ التقابل بين الموزّع والموزَّع عليه في ظاهر التعبير _ الذي يظهر أنّه تعبير المعطي _ يمنع عن فهم العرف الإطلاق من عنوان «محاويج» أو «مساكين»، وهو أمين فيما أُعطي، فيحرم عليه أن يأخذ من المال


(1) تهذيب الأحکام، ج6، ص352، باب المکاسب من کتاب المکاسب، ح121.

540

شيئاً حتّى يأذن له صاحبه.

الطائفة الثانية: ما دلّت على جواز الأخذ منه لنفسه مع فارق يسير فيما بينها في دائرة التصريح بالجواز وهي عبارة عن أربع روايات فرضت معارضة للطائفة الأُولى:

الرواية الأُولى: ما رواه محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن سعيد بن يسار قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): الرجل يعطى الزكاة فيقسّمها في أصحابه، أيأخذ منها شيئاً؟ قال: نعم» (1).

ونحن نرى أنّ هذه الروايات لم تثبت معارضتها للقاعدة، ولم تثبت معارضتها للطائفة الأُولى، أعني: صحيحة ابن الحجّاج السابقة؛ إذ من المحتمل أن لا يكون مقصوده من قوله: «فيقسّمها بين أصحابه» فرض المعطي تقابلاً بين الموزَّع والموزَّع عليهم حتّى يمنع ذلك عن انعقاد إطلاق لعنوان «أهل الزكاة» لشمول نفس المعطى. هذا بناء على نسخة الوسائل.

وأمّا بناء على نسخة الكافي فحرف الفاء غير موجود على كلمة «يقسّمها»، فورد التعبير هكذا: «يعطى الزكاة يقسّمها في أصحابه»(2)، وهذه العبارة أيضاً لم يظهر منها أنّ التقابل بين الموزَّع والموزَّع عليهم كان موجوداً في لسان المعطي، وغاية ما هو موجود في العبارة هي أنّه وصف المعطى بوصفين: أحدهما أنّه يعطى الزكاة، والآخر أنّه يقسّمها في أصحابه.

وهذه هي النكتة فيما نقوله من عدم ثبوت التعارض بين الروايتين ولا بينها وبين مقتضى القاعدة، وليست النكتة في ذلك كون المال في الرواية الأُولى أمانة بيد المعطى فحَكَم الإمام عليه السلام بعدم جواز الأخذ لنفسه إلّا بإذن من المستأمن، وفي الرواية الثانية


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص277، الباب84 من أبواب ما يكتسب به ، ح1؛ وأيضاً ورد في ج9، ص288، الباب40 من أبواب مستحقّين للزكاة، ح1.

(2) الكافي، ج3، ص555، باب الرجل يدفع إليه الشيء يفرّقه وهو محتاج إليه يأخذ لنفسه، ح1.

541

زكاةً والمعطى أيضاً كان مستحقّاً للزكاة فحَكَمَ الإمام عليه السلام بجواز الأخذ منه لنفسه؛ فإنّ هذا البيان يرد عليه أنّ المال في الرواية الثانية أيضاً أمانة رغم أنّه زكاة؛ لأنّ التحكّم في صرف الزكاة في مواردها يكون بيد صاحب الزكاة، لا بيد من اجتمعت عنده.

الرواية الثانية: ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن عبدالرحمن _ يعني ابن الحجّاج _ عن أبي عبدالله عليه السلام «في رجل أعطاه رجل مالاً ليقسّمه في المساكين وله عيال محتاجون، أيعطيهم منه من غير أن يستأذن صاحبه؟ قال: نعم»(1).

ونحن نعتقد أنّ هذه الرواية أيضاً لا هي معارضة للقاعدة ولا هي معارضة للطائفة الأُولى؛ لأنّ التقابل بين الموزَِّع والموزَّع عليهم إن كان يمنع عن انعقاد الإطلاق لنفس المعطى _ لأنّه الموزّع _ فما ذنب عياله الذين هم مصاديق للمساكين، وليسوا هم المعطى الموزَّع!!

الرواية الثالثة: ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن الحسين بن عثمان عن أبي إبراهيم عليه السلام «في رجل أُعطي مالاً يفرّقه فيمن يحلّ له، أله أن يأخذ منه شيئاً لنفسه وإن لم يسمّ له؟ قال: يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره»(2).

وهذه الرواية بظاهرها الأوّلي تخالف القاعدة وتعارض الطائفة الأُولى، أعني: صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج الأُولى؛ لأنّها ظاهرة في التقابل في لسان المعطي بين الموزَّع والموزَّع عليهم؛ إذ لا قرينة يفهم منها المعطى أنّ هناك من يحلّ له شرعاً هذا المال وهناك من لا يحلّ له، إلّا أن تكون جملة: «يفرّقه في من يحلّ له» كلاماً


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص277، الباب84 من أبواب ما يكتسب به، ح2.

(2) الکافي، ج3، ص555، باب الرجل يدفع إليه الشيء يفرّقه وهو محتاج إليه يأخذ لنفسه، ح2.

542

جری على لسان المعطي(1)، والتقابل في لسان المعطي بين الموزَّع والموزَّع عليهم يمنع عن انعقاد الإطلاق لشمول نفس المعطي:

أمّا مخالفتها للقاعدة فلا تضرّها، فما أكثر الروايات المخالفة للقاعدة، فهي تقدّم طبعاً على القاعدة.

وأمّا مخالفتها لصحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج الأُولى _ أعني الطائفة الأُولى _ فتعالج بتقديم هذه على الصحيحة الأُولى لابن الحجّاج من باب تقديم الخاصّ على العامّ؛ لأنّ صحيحة ابن الحجّاج وردت في رجل أعطاه رجل مالاً ليقسّمه في محاويج أو في مساكين، وهذا أعمّ من أن يكون المال حقّاً شرعيّاً أو يكون ملكاً للمعطي، في حين أنّ هذه الرواية مخصوصة بفرض الحقّ الشرعيّ؛ إذ عبّرت بتعبير: «في رجل أُعطي مالاً يفرّقه في من يحلّ له».

الرواية الرابعة: ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس(2) عن عبدالرحمن بن الحجّاج قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها ويضعها في مواضعها وهو ممّن تحلّ له؟ قال: لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره، قال: ولا يجوز له أن يأخذه إذا أمره أن يضعها في مواضع مسمّاة إلّا بإذنه»(3).

وهذه الرواية حالها حال الرواية السابقة، فهي بظاهرها الأوّلي تخالف القاعدة وتعارض صحيحة ابن الحجّاج الأُولى التي ذكرناها بعنوان الطائفة الأُولى؛ لأنّ التقابل في لسان المعطي بين الموزَّع والموزَّع عليهم يمنع عن انعقاد الإطلاق لشمول


(1) وهذا بخلاف الرواية الأُولى؛ فإنّ المصرّح فيها منذ البدء كان أنّ المال زكاة، وهذا لا يشهد على أكثر من تصريح المعطي بأنّه زكاة، أمّا لحاظ المعطي التقابل بين الموزَِّع والموزَّع عليهم فغير مفهوم من الكلام.

(2) الظاهر أنّه يونس بن عبدالرحمن.

(3) وسائل الشيعة، ج9، ص288، الباب40 من أبواب المستحقين للزکاة ووقت التسليم والنية، ح3.

543

نفس المعطي، فهي تقدّم على القاعدة، وأيضاً تقدّم على صحيحة ابن الحجّاج الأُولى بالأخصّية؛ لأنّ صحيحة ابن الحجّاج تشمل المال الذي يكون ملکاً طلقاً للمعطي، وهذه تختصّ بالمال الشرعي بقرينة قوله: «وهو ممّن تحلّ له» واستثنت هذه الرواية فرض ما إذا أمره المعطي أن يضعها في مواضع مسمّاة، فلا يجوز له أن يأخذ له شيئاً منه لنفسه إلّا بإذنه.

والنتيجة: أنّه متى ما كان المال ملكاً طلقاً للمعطي لم يجز للمعطى له أن يأخذ منه شيئاً لنفسه إلّا إذا دلّت القرينة الحالية أو المقالية أو ذكرٌ للمعطي ونحو ذلك على أنّ له ذلك، ومتى ما كان المال حقّاً شرعيّاً لعنوان منطبق على المعطى له جاز للمعطى له أن يأخذ لنفسه بمقدار ما يعطي لغيره إلّا إذا أمره المعطي أن يضعها في مواضع مسمّاة، فلا يجوز له أن يأخذ شيئاً منه لنفسه إلّا بإذنه.

كلّ هذا في ما إذا لم تكن أصل ولاية الأمر للمعطى له، وإلّا فهو يعمل وفق ولايته، كما هو واضح.

544

أحکام الاحتكار

قال الشيخ رحمه الله: «احتكار الطعام _ وهو كما في الصحاح وعن المصباح: جمع الطعام وحبسه يتربّص به الغلاء _ لا خلاف في مرجوحيّته، وقد اختلف في حرمته، فعن المبسوط والمقنعة والحلبي في كتاب المكاسب والشرائع والمختلف الكراهة، وعن كتب الصدوق والاستبصار والسرائر والقاضي والتذكرة والتحرير والإيضاح والدروس وجامع المقاصد والروضة التحريم، وعن التنقيح والميسية تقويته، وهو الأقوى بشرط عدم باذل الكفاية» (1).

ونسب السيّد الخوئي رحمه الله الحرمة إلى المشهور(2).

وجوه القول بحرمة الاحتکار والکلام فيها

وعمدة الدليل على الحرمة صحيحة سالم الحنّاط قال: «قال لي أبو عبدالله(عليه السلام): ما عملك؟ قلت: حنّاط وربّما قدمت على نفاق وربّما قدمت على كساد فحبست، قال: فما يقول من قِبَلَكَ فيه؟ قلت: يقولون: محتكر. فقال: يبيعه أحد غيرك؟ قلت: ما أبيع أنا من ألف جزء جزءاً. قال: لا بأس، إنّما كان ذلك رجل من قريش يقال له: حكيم بن حزام، وكان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كلّه، فمرّ عليه النبي(صل الله عليه وآله) فقال: يا حكيم بن حزام إيّاك أن تحتكر» (3).

وقوله: «إيّاك أن تحتكر» واضح الدلالة على الحرمة.

وقد روى السيّد الرضي رحمه الله في نهج البلاغة(4) عن أميرالمؤمنين عليه السلام في كتابه إلى مالك الأشتر قال: «فامنع من الاحتكار، فإنّ رسول الله(صل الله عليه وآله) منع منه، وليكن البيع بيعاً


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص363 _ 364.

(2) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص509.

(3) وسائل الشيعة، ج17، ص428، الباب28 من أبواب آداب التجارة، ح3.

(4) نهج البلاغة، ص438،‌ رسالة53.

545

سمحاً بموازين عدل واسعاً لا يجحف بالفريقين من البائع والمبتاع، فمن قارف حكرة بعد نهيك فنكّل به وعاقِب في غير إسراف»(1). وظاهر جملة: «إنّ رسول الله(صل الله عليه وآله) منع منه» أنّه(صل الله عليه وآله) حرّمه. إلّا أنّ الشريف الرضي رحمه الله روى الرواية مرسلة.

ولكن للشيخ الطوسي(قدس سره) سند إلى عهد الإمام عليه السلام إلى مالك الأشتر قد يمكن تصحيحه، وهو ما يلي:

«أخبرنا بالعهد ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن ]يعني ابن الوليد[ عن الحميري ]يعني عبدالله بن جعفر الحميري[ عن هارون بن مسلم والحسن بن ظريف جميعاً عن الحسين بن علوان الكلبي عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة عن أميرالمؤمنين(عليه السلام)»(2).

وقد يمكن النقاش في هذا السند بعدّة وجوه:

الوجه الأوّل: التشكيك في وثاقة الحسين بن علوان الكلبي؛ إذ لا دليل على وثاقته عدا ما ورد عن النجاشي من قوله: «الحسين بن علوان الكلبي مولاهم كوفي عامي وأخوه الحسن يكنّى أبا محمد ثقة، رويا عن أبي عبدالله(عليه السلام)، وليس للحسن كتاب، والحسن أخصّ بنا وأولى...»(3).

فلو أرجعنا قوله: «ثقة» إلى الحسن لا إلى الحسين لم يبق لنا دليل على توثيق الحسين بن علوان.

ولكن بالإمكان التغلّب على هذا الإشكال إمّا بقرينة ورود العبارة في ترجمة


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص427، الباب27 من أبواب آداب التجارة ، ح13؛ ومحقّق الكتاب كتب على كلمة «واسعاً»: «في المصدر: وأسعار» وكتب على كلمة «فنكّل به وعاقب»: «في المصدر: فنكّل به وعاقبه».

(2) الفهرست، ص38، ترجمة الأصبغ بن نباتة.

(3) رجال النجاشي، ص52.

546

الحسين أو بقرينة أنّه بيّن حال الحسن بعد ذلك بقوله: «أخصّ بنا وأولى» أو بمجموع القرينتين.

الوجه الثاني: التشكيك في وثاقة سعد بن طريف حيث اختلف تقييم الشيخ له عن تقييم النجاشي، فذكر الشيخ عنه أنّه صحيح الحديث، وذكر النجاشي عنه: أنّه يُعرف ويُنكر، ومع التعارض لا يبقى دليل على وثاقته.

ولكن السيّد الخوئي رحمه الله فسّر کلام النجاشي بأنّ المقصود أنّ حديثه أحياناً يأتي حديثاً معروفاً وأُخرى يأتي حديثاً غريباً، أي: لا تقبله العقول العادية المتعارفة، وهذا لا ينافي الوثاقة.

أقول: إنّ هذا التفسير غير واضح عندنا، ومن المحتمل تفسير آخر، وهو أنّ هذا الإنسان يعرفه البعض بالوثاقة ومجهول عند البعض الآخر.

وعلى أيّ حال فيمكن التغلّب على هذا الإشكال بأنّه لو فرض إجمال في كلام النجاشي أو شكّ في معناه أو قلنا: إنّه على أيّ حال لم يشهد بضعفه فشهادة الشيخ الطوسي رحمه الله بصحّة حديثه حجّة، هذا مضافاً إلى أنّ سعد بن طريف ممّن روى عنه ابن أبي عمير على ما ورد في الكافي(1). وهذا ممّا غفل عنه الشيخ عرفانيان رحمه الله في كتابه مشايخ الثقاة.

الوجه الثالث: أنّ ابن أبي جيد الذي بدأ به الشيخ الطوسي رحمه الله سنده إلى عهد الإمام لمالك الأشتر لا دليل على وثاقته إلّا كونه شيخاً للنجاشي، وقد ذهب السيّد الخوئي رحمه الله إلى وثاقة جميع مشايخ النجاشي(2).

ولكنّنا لم تثبت عندنا صحّة هذا المبنى.

وبالإمكان التغلّب على هذا الإشكال بأنّ للشيخ الطوسي رحمه الله سنداً تامّاً إلى


(1) الکافي، ج3، ص164، باب ثواب من غسّل مؤمناً من کتاب الجنائز، ح2.

(2) راجع معجم رجال الحديث، ج1، ص50.

547

روايات وكتب محمد بن الحسن بن الوليد حيث قال رحمه الله في الفهرست: «أخبرنا بها جماعة عن أبي جعفر بن بابويه عنه»(1).

ونحن وإن كنّا لم نعرف من هم المقصودون بقوله: «جماعة» لكنّنا لا نحتمل تواطؤ جماعة من مشايخ الشيخ الطوسي على الكذب.

وأيضاً يمكن التغلّب على هذا الإشكال بأنّ للشيخ الطوسي رحمه الله سنداً تامّاً إلى جميع كتب وروايات عبدالله بن جعفر الحميري حيث قال رحمه الله: أخبرنا بجميع كتبه ورواياته الشيخ المفيد رحمه الله عن أبي جعفر بن بابويه ومحمد بن الحسن عنه....

فلو آمنّا بأنّ إطلاق كلمة رواياته تشمل حتّى الروايات الشفهية الواصلة إلى الشيخ فلا إشكال في أنّ كلّاً من سندي الشيخ في الفهرست اللذين نقلناهما إلى محمد بن الحسن بن الوليد وإلى عبدالله بن جعفر الحميري يشملان روايته لعهد الإمام عليه السلام إلى مالك الأشتر.

ولكنّنا لا نؤمن بذلك؛ لأنّنا نفسّر كلمة «رواياته» في مثل قوله: «أخبرنا بكتبه ورواياته» بالكتب التي رواها دون الروايات الشفهية، وذلك:

أوّلاً: أنّ الروايات الشفهية يصعب عادة إضافتها إلى سند موحّد، فينصرف إطلاق كلام الشيخ عنها.

وثانياً: أنّ التتبّع في فهرست الشيخ يؤدّي بنا إلى هذه النتيجة؛ إذ ترى أنّ عطف الروايات على الكتب لم يرد في فهرست الشيخ إلّا بالنسبة للرواة المتأخّرين الذين يعتبرون مشايخ إجازة للكتب من قبيل أحمد بن محمد بن عيسى ومن في طبقته ومن يقع في الطبقات التي تأتي بعد تلك الطبقة، أمّا بالنسبة للطبقات المتقدّمين كزرارة وأضرابه ممّن كانوا رواة ولم يكونوا مشايخ إجازة للكتب فهو لا يذكر سنداً موحّداً إلّا إلى كتبه لا إلى رواياته. وهذا يؤدّي إلى انصراف تعبير الشيخ بكلمة «رواياته» إلى روايات الكتب.


(1) الفهرست، ص156.

548

وحلّ الإشكال في المقام عندئذٍ ينحصر بأن يقال: إنّ من المطمأنّ به أنّ عهد الإمام إلى مالك الأشتر _ لطوله وسعته _ لا يكون وصوله إلى الشيخ شفهاً وشفة عن شفة، وإنّما وصل إليه ضمن الكتب التي وصلت إليه، فيكون مشمولاً للسندين اللذين عرفتهما.

ما هو المتاع الذي يحرم احتكاره؟

فهل نأخذ بإطلاق ما مضى عن عهد الإمام عليه السلام إلى مالك الأشتر حيث ورد فيه: «فامنع من الاحتكار؛ فإنّ رسول الله(صل الله عليه وآله) منع منه» أو أنّ هذا منصرف إلى احتكار الطعام؟ خصوصاً أنّ الوارد في عدد من الروايات اسم الطعام من قبيل:

ما مضى في صحيحة سالم الحنّاط: «... إنّما كان ذلك رجل من قريش يقال له: حكيم بن حزام، وكان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كلّه، فمرّ عليه النبي(صل الله عليه وآله) فقال: يا حكيم بن حزام إيّاك أن تحتكر»(1).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «سُئل عن الحكرة؟ فقال: إنّما الحكرة أن تشتري طعاماً وليس في المصر غيره فتحتكره فإن كان في المصر طعام غيره فلا بأس أن تلتمس بسلعتك الفضل»(2).

ورواه الكليني في الكافي أيضاً بسند تام عن الحلبي نحوه مع زيادة: قال: «وسألته عن الزيت فقال: إن كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه»(3).


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص428، الباب28 من أبواب آداب التجارة، ح3.

(2) المصدر السابق، ص427، ح1. ولكن في نسخة آل البيت ذكر بعد كلمة «طعام» كلمة «أو متاع» ونقل تحت الخطّ عن هامش المخطوط أنّ في التهذيب بدلاً عن «أو متاع» «أو يباع».

(3) الکافي، ج5، ص165، باب الحکرة من کتاب المعيشة، ح3؛ وسائل الشيعة، ج17، ص428، الباب28 من أبواب آداب التجارة، ح2. ونقل تحت الخطّ عن هامش المخطوط أنّ في نسخة بدلاً عن «الزيت» «الزبيب».

549

وصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «سألته عن الرجل يحتكر الطعام ويتربّص به هل يصلح ذلك؟ قال: إن كان الطعام كثيراً يسع الناس فلا بأس به، وإن كان الطعام قليلاً لا يسع الناس فإنّه يكره أن يحتكر الطعام ويترك الناس ليس لهم طعام»(1).

وصحيحة غياث بن إبراهيم(2) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «ليس الحكرة إلّا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن»(3). وفي نقل الصدوق رحمه الله أضاف: «والزيت»(4).

ورواية أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه: «أنّ عليّاً عليه السلام كان ينهى عن الحكرة في الأمصار، فقال: ليس الحكرة إلّا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن»(5).

ورواية السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي(صل الله عليه وآله) قال: «الحكرة في ستّة أشياء: في الحنطة والشعير والتمر والزيت والسمن والزبيب»(6).

ومرسلة الصدوق قال: قال رسول الله(صل الله عليه وآله): «لا يحتكر الطعام إلّا خاطئ»(7).

وموثّقة إسماعيل بن أبي زياد الذي رواه الشيخ بسند صحيح له عن إسماعيل بن أبي زياد _ يعني السكوني _ عن أبي عبدالله عليه السلام عن أبيه قال: «لا يحتكر الطعام إلّا خاطئ»(8).


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص424، الباب27 من أبواب أداب التجارة، ح2. وذكر تحت الخطّ السكوني على كلمة «هل يصلح»: «في المصدر: هل يجوز».

(2) ثقة.

(3) المصدر السابق، ص425، ح4.

(4) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص265، باب الحکرة والأسعار من کتاب المعيشة، ح3954.

(5) وسائل الشيعة، ج17، ص426، الباب27 من أبواب أداب التجارة، ح7

(6) المصدر السابق، ح10، وفي السند النوفلي.

(7) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص266، باب الحکرة والأسعار من کتاب المعيشة، ح3959.

(8) وسائل الشيعة، ج17، ص427، الباب27 من أبواب آداب التجارة، ح12. وذكر تحت الخطّ: في التهذيبين زيادة: قال رسول الله(صل الله عليه وآله).

550

قال الشيخ رحمه الله: «ثم إنّ ثبوته في الغلّات الأربع بزيادة السمن لا خلاف فيه ظاهراً، وعن كشف الرموز وظاهر السرائر دعوى الاتفاق عليه، وعن مجمع الفائدة نفي الخلاف فيه. وأمّا الزيت فقد تقدّم في غير واحد من الأخبار؛ ولذا اختاره الصدوق والعلّامة في التحرير حيث ذكر أنّ به رواية حسنة والشهيدان والمحقّق الثاني، وعن إيضاح النافع أنّ عليه الفتوى. وأمّا الملح فقد ألحقه بها في المبسوط والوسيلة والتذكرة ونهاية الأحكام والدروس والمسالك، ولعلّه لفحوى التعليل الوارد في بعض الأخبار من حاجة الناس»(1).

أقول: لا ينبغي الإشكال في حرمة حصر الطعام ولا في إنصراف المطلق الذي قد يحتمل شموله بإطلاقه لغير الطعام كعهد الإمام إلى مالك الأشتر إليه؛ وذلك لعدد من الصحاح الماضية من قبيل صحيحة سالم الحنّاط(2) وصحيحة الحلبي(3) وصحيحته الأُخرى(4) ولموثّقة السكوني(5).

ويقع الكلام تارة في معنى الطعام، وأُخرى في التوسعة في الحكم ليشمل بعض ما لا يكون طعاماً، وثالثة في التضييق ليخرج من الحكم بعض الأطعمة:

أمّا معنى الطعام فالظاهر أنّه يختلف من بلد إلى بلد أو من قُطر إلى قُطر باختلاف ما هو قوت غالب الناس فيه. وما ورد في بعض الروايات الماضية من تسمية بعض الأطعمة كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والزيت(6) ينصرف بمناسبات الحكم والموضوع _ لو اختلفت الأقطار في الأمر _ إلى القطر الذي تعارف فيه ذلك،


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص368 _ 369.

(2) وسائل الشيعة، ج17، ص428، الباب28 من أبواب آداب التجارة، ح3.

(3) المصدر السابق، ح1.

(4) المصدر السابق، ص424، الباب27 من أبواب آداب التجارة، ح2.

(5) المصدر السابق، ح2

(6) كما في صحيحة غياث، وسائل الشيعة، ج17، ص425، الباب28 من أبواب آداب التجارة، ح4.

551

ولعلّ كلّ الأقطار الإسلامية في وقت صدور النّص كانت كذلك، ولعلّ جميع الأقطار في زماننا أيضاً يكون الأمر فيه كذلك.

وأمّا التوسعة في الحكم ليشمل بعض ما لا يكون طعاماً فمثاله النفط أو الوقود الذي تتوقّف عليه عادة تهيئة الطعام.

ولا إشكال في تعدّي العرف من دليل حرمة حكر الطعام إلى حرمة ما تتوقّف عليه تهيئة الطعام، خصوصاً صحيحة الحلبي: «فإنّه يكره أن يحتكر الطعام ويترك الناس ليس لهم طعام»(1)؛ إذ لو احتكر ما يتوقّف عليه الوقود فقد ترك الناس ليس لهم طعام.

وأمّا التضييق في الحكم بإخراج بعض الأطعمة منه فمنشؤه عدد من الروايات الماضية الحاصرة للحكم ببعض الأطعمة(2).

وأجاب السيّد الخوئي رحمه الله عن ذلك بأنّ تلك الروايات ضعيفة سنداً، فلا يمكننا رفع اليد بها عن الإطلاق في الروايات الصحيحة الدالّة على حرمة الاحتكار في الطعام(3).

أقول: إنّ ضعف السند مخصوص بروايتي أبي البختري والسكوني(4)، أمّا رواية غياث بن إبراهيم(5) فهي صحيحة السند؛ وكأنّ السيّد الخوئي رحمه الله خلط بين غياث ابن إبراهيم الثقة الذي هو من أصحاب الصادق عليه السلام وغياث بن إبراهيم البُتري(6) الذي هو من أصحاب الباقر عليه السلام ولم تثبت وثاقته، في حين أنّه رحمه الله في معجم الرجال الطبعة الحديثة ميّز بينهما(7).


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص424، الباب28 من أبواب آداب التجارة، ح2.

(2) راجع المصدر السابق، ص425، ح4؛ وص426، وح7 و10.

(3) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص514.

(4) وهما الرواية 7 و10 من وسائل الشيعة، ج17، ص426، الباب27 من أبواب آداب التجارة.

(5) وهي الرواية4 من المصدر السابق، ص435

(6) قيل: إنّهم فرقة من الزيدية، وقيل غير ذلك.

(7) معجم رجال الحديث، ج14، ص251.

552

وعليه فلابدّ من الكلام في أنّه ما هو مقتضى الجمع بين صحيحة غياث بن إبراهيم عن أبي عبدالله(عليه السلام): «ليس الحكرة إلّا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن» _ وفي نقل الصدوق أضاف: والزيت _ ومطلقات تحريم حكر الطعام.

فأوّل ما يخطر بالبال هو الجمع بتقييد المطلقات.

فمن ناحية ورد مثلاً في صحيحة الحلبي: «إنّما الحكرة أن تشتري طعاماً وليس في المصر غيره فتحتكره، فإن كان في المصر طعام أو متاع غيره فلا بأس أن تلتمس بسلعتك الفضل»(1) وأضاف في نسخة الكافي: «وسألته عن الزيت [وفي نسخة: الزبيب] فقال: إذا كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه»(2)، وفي صحيحته الأُخرى: «إن كان الطعام كثيراً يسع الناس فلا بأس به، وإن كان الطعام قليلاً لا يسع الناس فإنّه يكره أن يحتكر الطعام ويترك الناس ليس لهم طعام»(3).

ومن ناحية أُخرى نری صحيحة غياث حصرت بكلمة «إنّما» الحكرة بالحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن أو مع إضافة الزيت، أفليس الجمع العرفي يقتضي تخصيص الطعام بالغلّات الأربع بإضافة الدهن الذي هو متمثّل في السمن أو فيه وفي الزيت؟

ومن ناحية أُخرى قد يقال: إنّ هذاالجمع هو مقتضى التقيّد بحرفية القاعدة الأُصولية المعروفة القائلة بتخصيص العام أو تقييد المطلق بالخاص.

أمّا لو قلنا(4): إنّنا نؤمن بقاعدة التخصيص أو التقييد لا على أساس ما هو المتعارف عندهم من قرينية الخاص على العام أو المطلق، وإنّما نؤمن بذلك على أساس الأقوائية، فقد يُرى أنّ المطلقات في المقام أقوى في لسانها من هذا المقيّد في الفهم العرفي ومناسبات الحكم والموضوع، فيحمل المقيّد على فرض المجتمعات التي يكون أكثر تعوّدها على


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص427، الباب28 من أبواب آداب التجارة، ح1.

(2) الکافي، ج5، ص165، باب الحکرة من کتاب المعيشة، ح3.

(3) وسائل الشيعة، ج17، ص424، الباب27 من أبواب آداب التجارة، ح2.

(4) وهو الذي اخترناه نحن في علم الأُصول. مباحث الأصول، ج5 من القسم الثاني، ص591.

553

هذه الأطعمة، أمّا لو وجد مجتمع يقوى في عادتهم وحاجتهم البادمجان مثلاً أو اليقطين أو أقسام أُخرى من الإدام فهي تبقى داخلة تحت إطلاق الطعام، ولا تخرج بهذا المقيّد.

نعم، قد يقال: إنّ الفواكه ونحوها تبقى عادة ثانوية في المجتمعات العرفية دائماً.

ويبقى مثل الملح الذي يحتاجه أكثر الأطعمة داخلاً في إطلاق الطعام.

مدّة الاحتکار

قال الشيخ رحمه الله: «روى السكوني عن أبي عبدالله(عليه السلام): إنّ الحكرة في الخصب أربعون يوماً وفي الغلاء والشدّة ثلاثة أيّام، فما زاد على الأربعين يوماً في الخصب فصاحبه ملعون، وما زاد في العسرة على ثلاثة أيّام فصاحبه ملعون»(1)، ويؤيّدها ظاهر رواية المجالس(2)... وحكي عن الشيخ ومحكي القاضي والوسيلة العمل بها، وعن الدروس: أنّ الأظهر تحريمه مع حاجة الناس، ومظنّتها الزيادة على ثلاثة أيّام في الغلاء وأربعين في الرخص؛ للرواية. انتهى. أمّا تحديده بحاجة الناس فهو حسن كما عن المقنعة وغيرها، ويظهر من الأخبار المتقدّمة. وأمّا ما ذكره من حمل رواية السكوني على بيان مظنّة الحاجة فهو جيّد، ومنه يظهر عدم دلالتها على التحديد بالعددين تعبّداً»(3).

ولمّا أتی السيّد الخوئي في التنقيح على ذكر الرواية الأُولى رَفَضها بضعف السند،


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص423، الباب27 من أبواب آداب التجارة، ح1، وفي السند: النوفلي.

(2) محمد بن الحسن في المجالس والأخبار عن أحمد بن عبدون عن علي بن محمد بن الزبير عن علي ابن الحسن بن فضّال عن العبّاس بن عامر عن أحمد بن رزق عن أبي مريم عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صل الله عليه وآله): «أيّما رجل اشترى طعاماً فكبسه أربعين صباحاً يريد به غلاء المسلمين ثم باعه فتصدّق بثمنه لم يكن كفّارة لما صنع». وسائل الشيعة، ج17، ص425، الباب27 من أبواب آداب التجارة، ح6، وسنده ضعيف بعليّ بن محمد بن الزبير؛ إذ لا دليل على وثاقته وبأحمد بن عبدون إلّا على مسلك وثاقة مشايخ النجاشي.

(3) کتاب المكاسب، ج4، ص370 _ 371.

554

فقال: مع الحاجة يحرم الاحتكار ولو في أقلّ من ثلاثة أيّام، ومع عدم الحاجة لا مانع من الاحتكار ولو في أزيد من أربعين يوماً، قال: ولا مانع من حمل رواية السكوني على صورة مظنّة الحاجة بدعوى: أنّ الحاجة في الخصب في أزيد من الثلاثة وفي الغلاء في أقلّ من أربعين يوماً كما حكي عن الشهيد وإن كان الحمل في حدّ نفسه بعيداً(1).

أقول: ويمكن حمله على أنّ ذكر ثلاثة أيّام وأربعين يوماً كان من باب المثال، وأنّه إشارة إلى مقياس عدد الأيّام التي ينتهي إلى ترك الأُمّة بلا طعام.

وعلى أيّ حال فبعد سقوط سندها لا قيمة لها، فالنتيجة هي ما أفاده السيّد الخوئي رحمه الله من أنّه مع عدم الحاجة لوجود الباذلين لا يحرم الاحتكار ولو في أكثر من أربعين، ومع الحاجة يحرم الاحتكار ولو في أقلّ من ثلاثة أيّام؛ وذلك تمسّكاً بالإطلاقات.

وأمّا الرواية الثانية وهي رواية المجالس عن أبي مريم فقد قال السيّد الخوئي رحمه الله بشأنها: الظاهر أنّها رواية أخلاقية غير مربوطة بالكراهة أو الحرمة في الاحتكار؛ لأنّ الطعام إذا لم يكن هناك باذل له فلا يفرّق في الحرمة بين الأربعين والثلاثين يوماً، وإن كان له باذل فلا يفرّق في جواز حبسه بين الأربعين والثلاثين، إذاً فالظاهر أنّ حبس الطعام بقصد الغلاء للمسلمين وازدياد قيمته يكشف عن خبث سريرة ذلك المحتكر... فلو رفع يده عن ذلك قبل الأربعين غفر الله له ذلك، وإلّا فهو معاقب بحسب الأخلاق. هذا بحسب الدلالة، وأمّا بحسب السند فهي ضعيفة(2).

ولعلّ مقصوده رحمه الله أنّ هذه الرواية لم تشتمل على كون أربعين يوماً مقياساً لحرمة الحكر، وإنّما دلّت على عدم كون بيعه بعد ذلك والتصدّق بثمنه كفّارة لما صنع، وهذا يناسب كون الرواية أخلاقية بحتة. وعلى أيّ حال فهذه الرواية أيضاً غير تامّة السند.


(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص514. ولا يخفى أنّ السيّد الخوئي(رحمه الله) قد اعتقد في معجم رجاله بوثاقة النوفلي؛ لأنّه من الرواة الواردين في تفسير علي بن إبراهيم. راجع معجم رجال الحديث، ج4، ص3. ولا أدري هل عدل عنه كما عدل عن القول بوثاقة كلّ من ورد في أسانيد كامل الزيارات أو لا.

(2) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص511.

555

عدم اختصاص الاحتکار بشراء الطعام

قال الشيخ رحمه الله: ظاهر صحيحة الحلبي المتقدّمة ]يعني القائلة: إنّما الحكرة أن تشتري طعاماً وليس في المصر غيره فتحتكره، فإن كان في المصر طعام غيره فلا بأس أن تلتمس بسلعتك الفضل(1)[ حصر الاحتكار في شراء الطعام، لكنّ الأقوى التعميم... ويؤيّد ذلك... تفسير الاحتكار في كلام أهل اللغة بمطلق جمع الطعام وحبسه سواء كان بالاشتراء أو بالزرع والحصاد والإحراز، إلّا أن يراد جمعه في ملكه ]وكأنّ مقصوده رحمه الله من الجملة الأخيرة: إلّا أن يكون المقصود بإحرازه جمعه في ملكه، لا حكره بعدم البيع[ ويؤيّد التعميم تعليل الحكم في بعض الأخبار بـ «أن يترك الناس ليس لهم طعام»(2)، وعليه فلا فرق بين أن يكون ذلك من زرعه أو من ميراث أو يكون موهوباً له أو كان قد اشتراه لحاجة فانقضت الحاجة وبقي الطعام لا يحتاج إليه المالك فحبسه متربّصاً للغلاء(3).

أقول: لا ينبغي الإشكال في أنّ الفهم العرفي يقتضي حمل الشراء في الصحيحة الماضية على المثالية، ولو فرض الإجمال كفانا الإطلاق الموجود في صحيحة الحلبي الأُخرى: «عن الرجل يحتكر الطعام ويتربّص به هل يصلح ذلك؟ قال: إن كان الطعام كثيراً يسع الناس فلا بأس به...»(4).

الاحتكار لأجل الاستفادة من البيع غالياً

الاحتكار لأجل الاستفادة من البيع غالياً لا ينقسم إلّا إلى الحلال والحرام، فمع حاجة الناس وعدم كفايتهم حرام، ومع الكفاية حلال.


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص427،الباب28 من أبواب آداب التجارة، ح1.

(2) المصدر السابق، ج27، ص424، الباب27 من أبواب آداب التجارة ، ح2.

(3) کتاب المكاسب، ج4، ص371.

(4) وسائل الشيعة، ج17، ص424، الباب27 من أبواب آداب التجارة، ح2.

556

ولكن قد يتّصف بالاستحباب أو الوجوب أو الكراهة بعناوين ثانوية، فقد يتوقّف مثلاً حفظ نفوس محترمة على احتكار الطعام في الخصب حتّى لا يموتوا في المجاعة جوعاً فيجب، فالاحتكار في ساعة الخصب ومدّته كان حلالاً، ولكنّه اتّصف بالوجوب لتوقّف الواجب عليه.

وقد يتّفق أنّه يحتكر الطعام في مدّة عدم الحاجة فهو بعنوانه الأوّلي حلال، ولكن كان هدفه من ذلك التوسعة على الزوّار الذين سيقدمون أو على المضطرّين فيتّصف بالاستحباب.

وقد يتّفق أنّه يحتكر الطعام في زمن وجود الكفاية فهو حلال بعنوانه الأوّلي، ولكن يقصد بذلك أن يصيد أُناساً يستطيع غبنهم بالبيع عليهم بأزيد من السعر السوقي وبشكل فاحش، فيتّصف بالكراهة(1).

إجبار المحتكر على البيع

قال الشيخ رحمه الله: «الظاهر عدم الخلاف _ كما قيل _ في إجبار المحتكر على البيع حتّى على القول بالكراهة، بل عن المهذّب البارع الإجماع، وعن التنقيح _ كما عن الحدائق _ عدم الخلاف فيه، وهو الدليل المخرج عن قاعدة عدم الإجبار لغير الواجب؛ ولذا ذكرنا: أنّ ظاهر أدلّة الإجبار تدلّ على التحريم؛ لأنّ إلزام غير اللازم خلاف القاعدة. نعم، لا يسعّر عليه إجماعاً كما عن السرائر وزاد وجود الأخبار المتواترة، وعن المبسوط عدم الخلاف فيه، لكن عن المقنعة أنّه يسعّر عليه بما يراه الحاكم، وعن جماعة منهم العلّامة وولده والشهيد: أنّه يسعّر عليه إن أجحف بالثمن؛ لنفي الضرر، وعن الميسي والشهيد الثاني: أنّه يؤمر بالنزول من دون تسعير


(1) استفدنا هذا الكلام بوحي من مجموع كلام الشيخ في کتاب المكاسب، ج4، ص372، وكلام التنقيح، موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص516، وكلامنا أقرب إلى كلام السيّد الخوئي منه إلى كلام الشيخ.

557

جمعاً بين النهي عن التسعير والجبر بنفي الإضرار»(1).

أقول: لو آمنّا بحرمة الاحتكار _ كما آمنّا بها _ فلا إشكال في أنّ للحاكم إجبار المحتكر على البيع. ولكن يقع الكلام في أُمور:

الأوّل: بناء على الكراهة هل يكون للحاكم أيضاً إجباره على البيع.

والثاني: هل للحاكم التسعير عليه، أو لا؟

والثالث: أنّه هل للحاكم الإجبار على البيع في غير موارد الاحتكار المحرّم حينما يرى المصلحة في ذلك، أو لا؟

أمّا الأمر الأوّل: وهو أنّه على تقدير الكراهة هل للحاكم إجبار المحتكر على البيع لو رأى المصلحة في ذلك، أو لا؟

الظاهر أنّ له ذلك والدليل عليه أنّ صحيحة سالم الحنّاط(2) التي ورد فيها عن رسول الله(صل الله عليه وآله): «يا حكيم بن حزام إيّاك أن تحتكر» لو لم يكن المقصود بذلك الحكم الشرعي _ كما نحن فهمناه _ فحتماً يكون المقصود به الحكم الولائي من قِبل رسول الله(صل الله عليه وآله)، وبعد الفراغ عن قيام الوليّ الفقيه مقام رسول الله(صل الله عليه وآله) في الولاية يكون له ذلك.

وكذلك الحال في عهد الإمام عليه السلام إلى مالك الأشتر «فامنع من الاحتكار؛ فإنّ رسول الله(صل الله عليه وآله) منع منه»(3).

وأمّا الأمر الثاني: وهو أنّه هل للحاكم التسعير عليه، أو لا؟

فقد وردت روايات قد يستدلّ بها على المنع عن التسعير عليه، وقد جمعها في الوسائل(4):


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص373 _ 374.

(2) وسائل الشيعة، ج17، ص428، الباب28 من أبواب آداب التجارة، ح3.

(3) المصدر السابق، ص427، الباب27 من أبواب آداب التجارة ، ح13؛ نهج البلاغة، ص438،‌ رسالة53.

(4) المصدر السابق، ص430 _ 432، الباب30 من أبواب آداب التجارة.

558

1_ محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه عن وهيب(1) عن الحسين بن عبيدالله بن ضمرة(2) عن أبيه عن جدّه عن علي بن أبي طالب أنّه قال: «رفع الحديث إلى رسول الله(صل الله عليه وآله) أنّه مرّ بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق وحيث تنظر الأبصار إليها، فقيل لرسول الله(صل الله عليه وآله): لو قوّمت عليهم، فغضب رسول الله(صل الله عليه وآله) حتّى عرف الغضب في وجهه، فقال: أنا أقوّم عليهم؟! إنّما السعر على الله يرفعه إذا شاء ويخفضه إذا شاء»(3).

ورواه الصدوق مرسلاً(4).

ورواه في كتاب التوحيد عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني(5) عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه مثله(6).

وفي سند الحديث عدد من المجاهيل، وجعفر بن محمد محتمل الانطباق على جعفر بن محمد بن عبيدالله القمّي، ولا دليل على وثاقته عدا وقوعه في كامل الزيارات، ولا عبرة بذلك.

2_ مرسلة الفقيه قال: قيل للنبي(صل الله عليه وآله): «لو سعّرت لنا سعراً فإنّ الأسعار تزيد وتنقص، فقال(صل الله عليه وآله): ما كنت لألقى الله ببدعة لم يحدث إليّ فيها شيئاً، فدعوا عباد الله يأكل بعضهم من بعض، وإذا استنصحتم فانصحوا»(7). ورواه في التوحيد مرسلاً


(1) في التهذيبين: وهب. تهذیب الأحکام، ج7، ص161، باب التلقي والحکرة من کتاب التجارات، ح18؛ الاستبصار، ج3، ص114، باب النهي عن الاحتکار من کتاب البيوع، ص6.

(2) في التهذيب: الحسين بن عبدالله بن ضمرة، وهو الصحيح.

(3) وسائل الشيعة، ج17، ص430 _ 432، الباب30 من أبواب آداب التجارة، ح1.

(4) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص265، باب الحکرة والأسعار، ح3955.

(5) قال الصدوق(رحمه الله): «كان ثقة ديّناً فاضلاً رحمة الله عليه ورضوانه». کمال الدين وتمام النعمة، ج2، ص369

(6) التوحید(للصدوق)، ص388.

(7) وسائل الشيعة، ج17، ص431، الباب30 من أبواب آداب التجارة، ح2.

559

إلى قوله: من بعض(1).

3_ ما ورد في الفقيه بإسناده عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليه السلام قال: «إنّ الله تبارك وتعالی وكّل بالسعر ملكاً يدبّر أمره»(2).

وفي سند الفقيه الواصل إلينا: محمد بن الفضيل، وقد ضعّفه الشيخ رحمه الله، ولكن ذكر المفيد في رسالته العددية أنّ محمد بن الفضيل من الفقهاء والرؤساء الأعلام الذين يؤخذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، ولا يطعن عليهم بشيء، ولا طريق لذمّ واحد منهم.

ومع التعارض بين تضعيف الشيخ وتوثيق المفيد لا تثبت وثاقته.

ويحتمل كون مقصود المفيد بمحمد بن الفضيل محمد بن قاسم بن الفضيل بن يسار النهدي الثقة، نسبه إلى جدّه.

هذا، ولكن روى الصدوق رحمه الله هذا الحديث نفسه في التوحيد عن محمد بن الحسن(3) عن الصفّار عن أيّوب بن نوح(4) عن محمد بن أبي عمير عن أبي حمزة الثمالي.(5) وهذا السند كما تراه صحيح.

4_ أيضاً ورد في الفقيه عن أبي حمزة الثمالي قال: «ذكر عند علي بن الحسين عليه السلام غلاء السعر فقال: وما عليّ من غلائه، إن غلا فهو عليه، وإن رخص فهو عليه»(6).

وقد مضى عدم تمامية سند الفقيه. ولكن رواه في التوحيد كالذي قبله، وقد عرفت صحّة السند.


(1) التوحید(للصدوق)، ص388.

(2) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص268، باب الحکرة والأسعار، ح3970.

(3) يعني ابن الوليد.

(4) ثقة.

(5) التوحید(للصدوق)، ص389

(6) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص267، باب الحکرة والأسعار، ح3986.

560

5_ روى الكليني بسند فيه سهل بن زياد عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أسلم(1) عمّن ذكره عن أبي عبدالله(عليه السلام): «إنّ الله(عز وجل) وكّل بالسعر ملكاً، فلن يغلو من قلّة، ولن يرخص من كثرة.

6_ روى الكليني بسنده عن سهل بن زياد عن يعقوب بن يزيد عمّن ذكره عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «إنّ الله وكّل بالأسعار ملكاً يدبّرها»(2).

ومن الطريف دعوى تواتر أخبار حرمة التسعير التي مضى نقل الشيخ الأنصاري لها عن السرائر.

وعلى أيّ حال فالحديث التامّ السند من هذه الروايات _ كما ترى _ انحصر في حديثين:

أحدهما: حديث أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليه السلام قال: «إنّ الله(عز وجل) وكّل بالسعر ملكاً يدبّر أمره».

والثاني: أيضاً حديث أبي حمزة الثمالي قال: «ذكر عند علي بن الحسين عليه السلام غلاء السعر فقال: وما عليّ من غلائه! إن غلا فهو عليه، وإن رخص فهو عليه».

وهذان الحديثان ليسا واضحين في حرمة التسعير.

وعلى أيّ حال فلو قلنا بحرمة التسعير ينبغي الالتفات إلى استثنائين من ذلك:

الأوّل: المنع عن غلاء السعر إلى حدّ يرجع بروحه إلى الاحتكار في مورد حرمة الاحتكار، بأن يرفع البائع سعر الطعام في مورد حرمة الاحتكار إلى حدّ يمنع غالبية الناس عن الشراء؛ فإنّ هذا في روحه هو الاحتكار، ولا ينبغي تفسير الاحتكار بمجرّد


(1) ينصرف إلى محمد بن أسلم الطبري الجبلي الذي هو صاحب كتاب، وقال عنه النجاشي: «يقال إنّه كان غالياً فاسد الحدیث» رجال النجاشي، ص368، وعلى أيّ حال فلا دليل على وثاقته إلّا وقوعه في أسناد كامل الزيارات، ولا عبرة بذلك.

(2) الکافي، ج5، ص163، باب الأسعار من کتاب المعيشة، ح3.