498

خارج عن حقيقة الدم فأيضاً لا إشكال في طهارته على ما هو حكم الدم المتخلّف بعد التذكية بلا إشكال.

والقسم الثاني: هي الفأرة التي تسقط من الغزال على أساس تجمّع الدم في أطراف سرّته ثم يعرض للموضع حكّة وتسقط بالحكّ.

وهذا هو الذي نقلنا بشأنه عن الشيخ الأنصاري رحمه الله أنّه قال: «هذا وإن كان مقتضى القاعدة نجاسته؛ لأنّه دم ذي النفس إلّا أنّ الإجماع دلّ على خروجه عن هذا العموم إمّا لخروج موضوعه بدعوى استحالة الدم أو بدعوى التخصيص في العموم»(1).

أقول: لا ينبغي الإشكال في الحكم بطهارة هذا القسم أيضاً؛ وذلك لبعض الروايات المتقدّمة.

وشرح الكلام في تلك الروايات ما يلي:

أمّا الرواية الأُولى وهي صحيحة علي بن جعفر: «سألته عن فأرة المسك تكون مع من يصلّي وهي في جيبه أو ثيابه؟ فقال: لا بأس بذلك» فهي لا تدلّ على الطهارة أصلاً بناء على ما هو الحقّ من أنّ حمل عين النجاسة في الصلاة ما لم ينجّس اللباس أو البدن جائز إلّا إذا كان جزءاً من ميتة أو من حيوان لا يسوغ أكله كدم الأرنب.

وأمّا الرواية الثانية وهي صحيحة عبدالله بن جعفر الحميري: «كتبت إليه يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة المسك؟ فكتب(عليه السلام): لا بأس به إذا كان ذكيّاً»، فهي أيضاً لا تدلّ على الطهارة بنفس النكتة التي بيّنّاها في الرواية الأُولى.

بل قد يقال: إنّها تدلّ بإطلاقها على نجاسة الفأرة التي تقع بالحكّ؛ لأنّها داخلة في إطلاق مفهوم قوله: «إذا كان ذكيّاً» بناء على الإيمان بإطلاق مفهوم الشرط.

ولكن الظاهر عدم تمامية هذا الإطلاق هنا؛ فإنّ المنصرف من قوله: «إذا كان ذكيّاً» أنّ المفروض زهاق روح الغزال، ففصّل الإمام عليه السلام بين فرض الذكاة وفرض


(1) كتاب الطهارة (للشيخ الأنصاري)، ج5، ص57.

499

الموت، وبكلمة أُخرى: إنّ الذكيّ يذكر في مقابل الميتة.

وأمّا الرواية الثالثة وهي رواية عبدالله بن الحارث: «كانت لعليّ بن الحسين عليه السلام قارورة مسك في مسجده، فإذا دخل إلى الصلاة أخذ منه فتمسّح به» فلا إشكال في دلالتها على الطهارة، لكنّها أوّلاً غير تامّة السند، وثانياً لا إطلاق فيها للقسم الذي يقع بالحكّ؛ إذ ما يُدري عبدالله بن الحارث أنّ المسك الذي كان يستعمله علي بن الحسين عليه السلام من أيّ القسمين كان.

وأمّا الرواية الرابعة وهي صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام): «كانت لرسول الله(صل الله عليه وآله) ممسكة إذا هو توّضأ أخذها بيده، وهي رطبة، فكان إذا خرج عرفوا أنّه رسول الله برائحته» فهذه الرواية ظاهرة في طهارة مسك الفأرة بكلا قسميها، أي التي تؤخذ بعد التذكية والتي تسقط بالحكّة؛ لأنّ الإمام الصادق عليه السلام حينما يروي فعل رسول الله(صل الله عليه وآله) من استعماله للمسك حتّى كان يعرف المسلمون برائحة المسك أنّه قد أقبل رسول الله فإنّ هذا النقل ظاهر في أنّه يريد عليه السلام توضيح حكم المسك تمسّكاً بفعل رسول الله.

ومن الواضح أنّ هذه الرواية لا تشمل الدم الذي يقذفه الظبي بطريق الحيض أو البواسير أو الذي يؤخذ من منحر الظبي حين ذبحه ويُعجن بروثه وكبده، فإنّ المنصرف من هذا الإطلاق إنّما هو مسك الفأرة؛ إمّا بمناسبات الحكم والموضوع؛ لأنّ تلك الأقسام لا تناسبه الطهارة، وإمّا لأنّ المتعارف قصده من كلمة المسك مسك الفأرة، ولو كان فرق بين الفأرة المأخوذة بعد التذكية والفأرة التي تسقط من الغزال في حياته على أثر عروض الحكّة كان على الإمام أن يفصّل بينهما، فهذه الرواية تدلّ على طهارة مسك الفأرة بكلا قسميه.

وأمّا الرواية الخامسة وهي رواية أبي البختري عن أبي عبدالله(عليه السلام): «إنّ رسول الله(صل الله عليه وآله)

500

كان يتطيّب بالمسك حتّى يرى مبيصه في مفارقه» فهي في الدلالة كالرواية الرابعة. ولكنّك عرفت أنّها ساقطة سنداً.

وأمّا الرواية السادسة وهي موثّقة الحسين بن الجهم: «دخلت على أبي الحسن عليه السلام فأخرج إليّ مخزنة فيها مسك فقال: خذ من هذا فأخذت منه شيئاً فتمسّحت به» فلا إشكال في دلالتها على طهارة مسك الفأرة، لكن لا يعرف منها الإطلاق لكلا قسمي الفارة.

وأمّا الرواية السابعة وهي موثّقته الأُخرى: «أخرج إليّ أبوالحسن عليه السلام مخزنة فيها مسك عتيدة آبنوس فيها بيوت كلّها ممّا يتّخذها النساء» فهي كسابقتها.

وأمّا الرواية الثامنة وهي رواية الوشّاء «سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: كان لعليّ بن الحسين عليه السلام آشبيدانة رصاص معلّقة فيها مسك، فإذا أراد أن يخرج ولبس ثيابه تناولها وأخرج منها فتمسّح به» فيمكن أن يقال بتمامية الإطلاق فيها لكلا قسمي الفأرة إن فهمنا منها إرادة بيان الحكم، لا مجرّد سرد قصّة، ولكن مضت منّا الإشارة إلى ضعف سندها.

وأمّا الرواية التاسعة وهي مرسلة نوح بن شعيب عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن عليه السلام قال: «كان يرى وبيص المسك في مفرق رسول الله(صل الله عليه وآله)» فلا حجّية لسندها.

وأمّا الرواية العاشرة وهي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن(عليه السلام): «سألته عن المسك في الدهن، أيصلح؟ فقال(عليه السلام): إنّي لأصنعه في الدهن ولا بأس به» فإطلاقها لكلا قسمي الفأرة واضح.

وهذه الرواية أقوى دلالة من الرواية الرابعة، أعني صحيحة عبدالله بن سنان؛ إذ لو شكّك أحد بشأن تلك الصحيحة في كون الإمام بصدد بيان الحكم الشرعي لا مجرّد سرد قصّة عن رسول الله(صل الله عليه وآله) فهذه صريحة في أنّ أبا الحسن عليه السلام كان بصدد بيان الحكم الشرعي؛ لأنّ كلامه كان جواباً على سؤال علي بن جعفر عن صلاحية المسك في الدهن.

501

ومثلها الرواية الثانية عشرة، وهي أيضاً صحيحة علي بن جعفر: «سألته عن المسك والعنبر وغيره من الطيّب يجعل في الطعام؟ قال: لا بأس به».

ومثلها الرواية الثالثة عشرة، وهي أيضاً صحيحة علي بن جعفر عن أخيه: «سألته عن المسك يصلح في الدهن؟ قال: إنّي لأصنعه في الدهن، ولا بأس».

ويحتمل كونها في الحقيقة عين الرواية العاشرة.

وأمّا الرواية الحادية عشرة وهي مرسلة الكليني: «وروي أنّه لا بأس بصنع المسك في الطعام» فعيبها إرسالها، ويمكن كونها إشارة إلى إحدى الروايات السابقة عن علي بن جعفر.

وأمّا الرواية الرابعة عشرة وهي صحيحة معمّر بن خلّاد: «أمرني أبو الحسن الرضا عليه السلام فعملت له دهناً فيه مسك وعنبر...» فهي أيضاً واضحة في طهارة مسك الفأرة، وواضحة في الإطلاق لكلا قسمي الفأرة؛ إذ لو كان يختلف الحكم باختلافهما لكان على أبي الحسن الرضا عليه السلام أن يعيّن لمعمّر بن خلّاد القسم الجائز.

وأمّا الرواية الخامسة عشرة وهي رواية عبدالغفّار فلو فرض تمامية إطلاقها فقد أشرنا أنّها غير تامّة سنداً.

استدلال الشهيد الصدر رحمه الله علی طهارة فأرة المسك

ثم إنّ أُستاذنا الشهيد الصدر رحمه الله له بحث(1) حول فأرة المسك والدم المنجمد فيها _ وترك الحديث عمّا قد يسمّى بالمسك التركي أو المسك الهندي _ ننقل جزءاً منه مع تغيير في العبارة.

فقد أفاد: أنّ فأرة المسك والمسك الموجود فيها على أربعة أقسام:

الأوّل: المأخوذة من الغزال المذكّى بعد تذكيته.


(1) بحوث في شرح العروة الوثقى، ج3، ص108 _ 124.

502

والثاني: المأخوذة من الغزال الحيّ باعتبار انفصالها عنه بالحكّ.

والثالث: المأخوذة من الغزال الحي بانتزاعها منه انتزاعاً.

والرابع: المأخوذة من ميتة الغزال.

أمّا القسم الأوّل: وهي المأخوذة من الغزال المذكّى بعد تذكيته فلا إشكال في طهارة الفأرة وطهارة المسك الذي في داخلها أيضاً حتّى لو كان دماً غير مستحيل باعتباره من الدم المتخلّف.

وأمّا القسم الثاني: وهي المأخوذة من الغزال الحيّ باعتبار انفصالها عنه بالحكّ فلا دليل على نجاسة نفس الفأرة حتّى لو قلنا بنجاستها لو قطعت من الميتة؛ فإنّ هذه ليست مقطوعة من الميتة.

نعم، هناك روايات وردت في نجاسة بعض الأعضاء المقطوعة من الحيّ من قبيل إليات الغنم وما قطعته شبكة الصيد من يد ورجل، ولكن من الواضح احتمال الفرق عرفاً بين تلك القطعات والفأرة التي يلقيها الغزال بطبعه.

وأمّا المسك الموجود في تلك الفأرة فيأتي فيه احتمال النجاسة من حيث كونه دماً.

فأفاد رحمه الله: أنّ الجواب على هذا الإشكال أحد وجوه أربعة:

أوّلاً: أنّه ليس دماً عرفاً سواء فرضناه دماً بحسب تحليله العلمي أو فرضنا أنّه ليس دماً حتّى بحسب التحليل العلمي على ما نقل عن بعض الخبراء.

وثانياً: لا إطلاق لأدلّة نجاسة الدم؛ فإنّ دليل نجاسة دم الحيوان ذي النفس السائلة إنّما ورد في موارد خاصّة كدم الرعاف والحكّة والقروح والجروح، ولا نتعدّى منها إلّا إلى ما نجزم فيه بعدم الفرق، واحتمال الفرق فيما نحن فيه واضح.

وثالثاً: أنّه لو فرض تمامية إطلاق على نجاسة كلّ دم من الحيوان ذي النفس السائلة قلنا بعدم شموله لهذا الدم باعتباره متكوّناً في داخل الفأرة، نظير الدم المتكوّن في البيضة، فلا يكون دم الحيوان.

503

ورابعاً: التمسّك بسيرة المتشرّعة على معاملة المسك بل وفأرته أيضاً معاملة الطاهر في استعمالاتهم الكثيرة ممّا يكشف عن تجويز الشارع لذلك وإمضائه. والسيرة وإن كانت دليلاً لبّيّاً لا إطلاق فيها، لكنّنا نأخذ بها في القدر المتيقّن منها وهو المتّخذ من الحيّ والذي انفصل بنفسه وبالحكّ.

وأمّا القسم الثالث: وهي الفأرة المأخوذة من الغزال الحيّ بانتزاعها منه انتزاعاً فقد يقال في ذلك بنجاسة نفس الفأرة بدليل روايات نجاسة بعض الأعضاء المقطوعة من الحيّ من قبيل إليات الغنم وما قطعته شبكة الصيد من يد ورجل.

ولكن في المقابل يمكن أن يقال بعدم الدليل على النجاسة؛ وذلك بأحد سببين:

الأوّل: دعوى أنّ فأرة المسك ليست جزءاً من الحيوان، بل نسبتها نسبة البيضة إلى الدجاجة.

والثاني: دعوى أنّها ليست ممّا تحلّها الحياة على حدّ باقي جلود الحيوان ممّا تحلّه الحياة، فإنّها وإن كانت من قبيل الجلد ولكن تهيّؤها بطبعها للسقوط تدريجاً يجعل نسبتها إلى الحياة أضعف من نسبة سائر الأجزاء إليها.

وأمّا المسك الذي فيها فيأتي فيه الوجوه الثلاثة التي شرحناها في القسم الثاني لعدم شمول دليل نجاسة الدم له من أنّه:

1_ ليس بدم عرفاً لو كان دماً حقيقة.

2_ عدم الإطلاق في دليل نجاسة دم الحيوان ذي النفس السائلة.

3_ أنّ هذا الدم حاله حال الدم المتكوّن في البيضة.

نعم، الوجه الرابع وهو السيرة لا يأتي هنا؛ لأنّها دليل لبّيّ لا إطلاق له، ومتيقّنه دم الفأرة التي وقعت بالحكّ.

وأمّا القسم الرابع: وهي الفأرة المأخوذة من ميتة الغزال فأيضاً لا دليل على نجاسة نفس الفأرة؛ لأنّ دليل نجاسة الميتة لا إطلاق لها للفأرة التي عرفت أنّ نسبتها إلى الحياة

504

أضعف من نسبة سائر الأجزاء إليها بنحو لا يلزم من نجاسة سائر الأجزاء نجاستها.

وأخبار استثناء ما لا تحلّه الحياة ليس لها مفهوم مطلق يدلّ على نجاسة كلّ ما تحلّه الحياة حتّى بنسبة ضعيفة.

بل قد يقال: إنّ فأرة المسك ليست جزء من الميتة أصلاً، وإنّما نسبتها إلى الحيوان نسبة البيضة إلى الدجاجة.

نعم، قد يقال: إنّ مكاتبة الحميري إلى أبي محمد(عليه السلام): «...يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة المسك؟ فكتب(عليه السلام): لا بأس به إذا كان ذكيّاً»(1) تدلّ على نجاسة فأرة المسك؛ لأنّها منعت عن حمل فأرة المسك في الصلاة، ولا وجه لذلك عدا أنّها نجس بنجاسة الميتة.

والجواب: أنّه من المحتمل أن تكون الفأرة طاهرة رغم كونها من الميتة، وإنّما نهت الرواية عن حملها في الصلاة من باب أنّها ميتة غير مذكّاة ولو كانت طاهرة في نفسها.

وأمّا المسك الذي في داخلها فأيضاً لا نحكم بنجاسته بسبب الوجوه الثلاثة التي مضت في القسم الثالث.

أقول: ونستخلص من هذا البحث عدم الدليل على نجاسة فأرة المسك بجميع أقسامها الأربعة التي أشار إليها أستاذنا الشهيد رحمه الله، وكذلك عدم نجاسة المسك الذي فيها، ومثل صحيح علي بن جعفر «عن المسك في الدهن أيصلح؟ قال: إنّي لأصنعه...»(2) يشمل بإطلاقه كلّ الأقسام الأربعة. والحمد لله ربّ العالمين.

حکم البيع بلحاظ الجهالة

والوجهان الثاني والثالث من وجوه خروج الفأرة من عمومات صحّة البيع والعقود، بطلان البيع بسبب أنّ المسك _ وهو في فأرته _ مجهول السلامة والفساد أو


(1) وسائل الشيعة، ج4، ص433، الباب41 من أبواب لباس المصلّي، ح2.

(2) المصدر السابق، ج2، ص150، الباب95 من أبواب آداب الحمّام، ح7 و10.

505

مجهول الجودة والرداءة.

فالجهالة تارة تفرض من ناحية احتمال الفساد، وقد عالجها الشيخ رحمه الله ببناء العرف على الأصل في نفي الفساد(1). ولنحمل هذا الكلام على إرادة الشرط العقلائي الضمني للصحّة، أو قل: انصراف إطلاق الكلام إلى الصحيح.

وأُخرى تفرض من ناحية تفاوت أفراد الصحيح في مستوى جودة الرائحة ورداءتها.

وقد أفاد الشيخ: أنّه إن لم تكن له أوصاف خارجية يعرف بها مدى جودة المسك ورداءته فالأحوط ما ذكروه من فتقه بإدخال خيط فيها بإبرة ثم إخراجه وشمّه(2).

ولا إشكال في لزوم هذا الاختبار الذي أشار رحمه الله إليه لرفع الجهالة.

ولكن فرّع على ذلك أنّ النقص الذي يدخله بهذا الاختبار يوجد هناك وجه لضمانه مبنيّ على ضمان النقص في المقبوض بالسوم، فالأولى أن يباشر البائع ذلك فيشمّ المشتري الخيط(3).

وأفاد السيّد الخوئي رحمه الله: أنّ المفروض أن يتحقّق الاختبار بإدخال الإبرة والخيط في فأرة المسك برضا الطرفين ومعه لا يوجد ضمان في المقام، ولو فرض الضمان فضمانه ليس مبنيّاً على مبنى الضمان في المقبوض بالسوم، وإنّما هو راجع إلى قاعدة «ضمان من أتلف مال الغير؛...» فإنّ من يقول بضمان المقبوض بالسوم ينظر إلى فرض تلف المبيع في يد المشتري الذي قبض بالسوم، في حين أنّ ما هو المفروض في المقام هو الإتلاف وليس التلف(4).

ثم ذكر الشيخ رحمه الله في المكاسب: «أنّ الظاهر من العلّامة عدم جواز بيع اللؤلؤ في


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص305 _ 306.

(2) المصدر السابق، ص306.

(3) المصدر السابق.

(4) موسوعة الإمام الخوئي؟ره؟، ج37، ص468.

506

الصدف وهو كذلك»(1).

يعني رحمه الله بذلك أنّ اللؤلؤ في صدفها تكون في مرتبتها وصفائها وجودتها مجهولة، فلا يصحّ بيعها.

وأيضاً نقل الشيخ عن العلّامة التصريح بعدم جواز بيع البيض في بطن الدجاجة؛ للجهالة(2). قال الشيخ رحمه الله: وهو حسن إذا لم يعرف لذلك الدجاج فرد معتاد من البيض من حيث الكبر والصغر(3).

في بيع المجهول فيما إذا ضمّ إليه معلوم

قال الشيخ رحمه الله: «لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضمّ معلوم إليه وعدمه؛ لأنّ ضمّ المعلوم إليه لا يخرجه عن الجهالة فيكون المجموع مجهولاً؛ إذ لا نعني بالمجهول ما كان كلّ جزء جزء منه مجهولاً. ويتفرّع على ذلك أنّه لا يجوز بيع سمك الآجام ولو كان مملوكاً لجهالته وإن ضمّ إليه القصب أو غيره، ولا اللبن في الضرع ولو ضمّ إليه ما يحلب منه أو غيره على المشهور، كما في الروضة وعن الحدائق....

خلافاً للشيخ في النهاية وابن حمزة في الوسيلة والمحكي عن الإسكافي والقاضي، بل في مفتاح الكرامة: أنّ الحاصل من التتبّع أنّ المشهور بين المتقدّمين هو الصحّة، بل عن الخلاف والغنية الإجماع في مسألة السمك، واختاره من المتأخّرين المحقّق الأردبيلي وصاحب الكفاية والمحدّث العاملي والمحدّث الكاشاني وحكي عن ظاهر غاية المراد وصريح حواشيه على القواعد، وحجّتهم على ذلك الأخبار المستفيضة الواردة في مسألتي السمك واللبن وغيرهما...»(4).


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص305 _ 306.

(2) المصدر السابق، ص306.

(3) المصدر السابق.

(4) موسوعة الإمام الخوئي؟ره؟، ج37، ص468.

507

استعراض روايات الباب

أقول: قبل أن نبدأ بتحقيق المسألة لا بأس باستعراض روايات الباب:

1_ ما رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «إذا كانت أجمة ليس فيها قصب أُخرج شيء من السمك فيباع وما في الأجمة»(1) وعيب السند سهل بن زياد.

2_ ما رواه الشيخ بإسناده(2) إلى الحسن بن محمد بن سماعة عن محمد بن زياد(3) عن معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «لا بأس بأن يشتري الآجام إذا كان فيها قصب»(4) وقد ناقش الشيخ الأنصاري رحمه الله في دلالة هذه الرواية على المقصود بأنّنا لو خُلّينا وهذه الرواية فهذه لا علاقة لها بالمقام، فإنّ ظاهرها هو بيع نفس الأجمة إذا كانت فيها قصب، ولا علاقة لها بفرض وجود سمك مجهول المقدار في الأجمة(5).

وهذا الاستشكال غريب في المقام؛ فإنّه إن كان المقصود ببيع الأجمة بيع نفس النهر المحفور المترقّب إنتاجه للقصب فمن الواضح أنّه لا إشكال في ذلك حتّى يعالج بشرط اشتمالها على القصب، فمن المعلوم أنّ المقصود بيع ما فيه من السمك المجهول، ولعلّه لهذا أمر الشيخ بعد ذكره لهذا الإشكال بالتأمّل.

3_ ما رواه الشيخ بإسناده إلى حسن بن محمد بن سماعة عن بعض أصحابنا عن زكريّا عن رجل عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام «في شراء الأجمة ليس فيها


(1) الكافي، ج5، ص194، باب بيع العدد والمجازفة والشيء المبهم من کتاب المعيشة، ح11. ورواه الشيخ بإسناده عن سهل بن زياد، تهذیب الأحکام، ج7، ص124، باب الغرر والمجازفة وشراء السرقة من کتاب التجارات، ح14.

(2) التام.

(3) يعني ابن أبي عمير بقرينة الطبقة.

(4) تهذيب الأحکام، ج7، ص126، باب الغرر والمجازفة وشراء السرقة من کتاب التجارات، ح21.

(5) کتاب المكاسب، ج4، ص312

508

قصب، إنّما هي ماء؟ قال: يصيد كفّاً من سمك يقول: أشتري منك هذا السمك وما في هذه الأجمة بكذا وكذا»(1).

4_ ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن أخيه الحسن عن زرعة عن سماعة قال: «سألته عن اللبن يشتری وهو في الضرع؟ قال: لا، إلّا أن يحلب لك منه سكرّجة(2) فيقول: اشتر منّي هذا اللبن الذي في السكرّجة وما في ضروعها بثمن مسمّى، فإن لم يكن في الضروع شيء كان ما في السكرّجة»(3). ورواه الصدوق بإسناده عن سماعة(4)، وسند الحديث موثّق بكلا الطريقين.

5_ ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن إبراهيم الكرخي قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة وما في بطونها من حمل بكذا وكذا درهماً؟ قال: لا بأس بذلك إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف»(5). ورواه الشيخ(6) والصدوق(7) بسندهما إلى الحسن بن محبوب، وإبراهيم الكرخي لم يرد نصّ بتوثيقه ولكن قد روى عنه محمد بن أبي عمير الأزدي وصفوان بن يحيى البجلي، وهما من الثلاثة الذين لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة، فسند الحديث تام.


(1) تهذيب الأحکام،‌ج7، ص126، باب9 من کتاب التجارات، ح22.

(2) السکرّجة بضمّ السین والکاف والراء والتشديد: إناء صغير یؤکل فيه الشيء القلیل من الأدم، وهي فارسية، والصواب: فتح الراء؛ لأنّه فارسي معرّب. انظر مجمع البحرين، ج2، ص310.

(3) الکافي، ج5، ص194، باب بیع العدد والمجازفة والشيء المبهم من کتاب المعيشة‌،ح6.

(4) من لا يحضره الفقيه،‌ ج3، ‌ص224، باب البیوع من کتاب المعيشة،‌ح3831.

(5) الکافي، ج5، ص194، باب بیع العدد والمجازفة والشيء المبهم من کتاب المعيشة‌،ح8

(6) تهذيب الأحکام،‌ ج7، ص45، الباب3 من کتاب التجارات، ح84.

(7) من لا يحضره الفقيه،‌ ج3، ‌ص231، باب البیوع من کتاب المعيشة،‌ ح3853.

509

6_ ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن عبدالله بن محمد(1) عن علي بن الحكم وعن الحسن بن محمد بن سماعة عن غير واحد جميعاً(2) عن أبان بن عثمان عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي(3) عن أبي عبدالله عليه السلام «في الرجل یتقبّل بجزية رؤوس الرجال وبخراج النخل والآجام والطير وهو لا يدري لعلّه لا يکون من هذا شيء أبداً أو يکون، أيشتريه؟ وفي أيّ زمان يشتريه ويتقبّل منه؟ قال: إذا علمت أنّ من ذلك شيئاً واحداً أنّه قد أدرك فاشتره وتقبّل به»(4).

ورواه الشيخ بسنده عن الحسن بن محمد بن سماعة(5).

ورواه الصدوق بسنده عن أبان(6) إلّا أنّه قال: بخراج الرجال وجزية رؤوسهم وخراج النخل والشجر والآجام والمصائد والسمك والطير.

7_ صحيحة رفاعة النخّاس قال: «سألت أبا الحسن موسى عليه السلام قلت له: أيصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة وأُعطيهم الثمن وأطلبها أنا؟ قال: لا يصلح شراؤها إلّا أن تشتري منهم معها ثوباً أو متاعاً فتقول لهم: أشتري منكم جاريتكم


(1) الحجّال، وقال عنه النجاشي: ثقة ثقة(رجال النجاشي، ص226، ووثّقه الشيخ أيضاً (رجال الشیخ الطوسي، ص360).

(2) ولو شككنا في إفادة كلمة «غير واحد» _ التي ذكرها الحسن بن محمد بن سماعة _ الاطمئنان كفانا السند الأوّل.

(3) ثقة (رجال الکشي، ص218).

(4) الکافي، ج5، ص155، باب بیع العدد والمجازفة والشيء المبهم من کتاب المعيشة‌،ح12.

(5) وكلمة «غير واحد» موجودة في سند الشيخ. تهذيب الأحکام، ج7، ص124، ح544

(6) من لا يحضره الفقية، ج3، ص224، باب البیوع من کتاب المعيشة، ح3832. وكلمة «غير واحد» غير موجودة في هذا السند، فسند الصدوق إلى أبان بن عثمان ما يلي: محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفّار عن يعقوب بن يزيد وأيّوب بن نوح وإبراهيم بن هاشم ومحمد بن عبدالجبّار كلّهم عن محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى عن أبان بن عثمان الأحمر. (من لا يحضره الفقية، ج4، ص484).

510

فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهماً، فإنّ ذلك جائز» (1).

8_ موثّقة سماعة عن أبي عبدالله(عليه السلام): «في الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله؟ قال: لا يصلح إلّا أن يشتري معه شيئاً آخر ويقول: أشتري منك هذا الشيء وعبدك بكذا وكذا، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه»(2).

أقول: أفلا يمكننا على ضوء هذه الروايات أن نعدل عمّا قرّرناه في بحث شرط معلومية مقدار المبيع الذي استفدناه من روايات الكيل والوزن في المكيل والموزون(3) فنحمل تلك الروايات على الاستحباب؟

ووجه العدول أو قل: الاستشكال فيما مضى من شرط معلومية مقدار المبيع وبطلان الجزاف هو أنّه لو فرض المجهول في روايات ضمّ الضميمة شيئاً جزئيّاً غير مقصود بالأصل فقد يقال: أنّ مجهولية مقدار جزئيّ غير مقصود بالأصل لا يعدّ عرفاً جهالة بمقدار المبيع أو جزافاً، ولكنّك ترى أنّ المتيقّن من روايات ضمّ الضميمة هو أنّ المقصود الأصلي كان مجهولاً وكان ضمّ الضميمة علاجاً لمجهولية المقصود الأصلي، ومن المعلوم أنّ هذا يؤدّي إلى الجزاف وعدم معلومية مقدار المبيع، فهل هناك علاج آخر للمشكلة غير العدول عن رأينا السابق؟

فكُن على ذُكر من هذا الإشكال إلى أن نقرّر في المقام ما ينبغي أن نقرّر إن شاء الله.

إشکالات الشيخ الأنصاري علی الاستدلال بالروایات

والآن حان لنا نقل مهمّ الإشكالات التي أوردها الشيخ الأنصاري رحمه الله على الاستدلال بهذه الروايات لتصحيح بيع مجهول المقدار بضمّ معلوم إليه، وهي ثلاثة:

أحدها: أنّ الروايات على تقدير دلالتها والعمل على طبقها تختصّ بموردها من بيع


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص353، الباب7 من أبواب عقد البيع وشروطه ، ح 1.

(2) المصدر السابق، ح2.

(3) راجع المصدر السابق، ص341 _ 346، الباب 4 و5 من أبواب عقد البيع وشرطه.

511

سمك الآجام ولبن الضرع وما في البطون مع الأصواف؛ لأنّها على خلاف القاعدة الأوّلية(1).

أقول: لو آمنّا بصحّة هذا الجواب عن هذه الروايات لم نقع فيما أشرنا إليه من العدول عن شرط معلومية مقدار المبيع إلّا بمعنى تخصيص واستثناء بلحاظ موارد هذه الروايات.

والثاني: ما ذكره بلحاظ بعض روايات الباب من أنّ الضميمة إنّما تنفع من حيث عدم الوثوق بحصول المبيع، لا من حيث جهالة مقداره.

والخلاصة أنّ المشكلة مشكلتان:

1_ مشكلة عدم معلومية وجود مبيع أصلاً، وهذه المشكلة حلّتها تلك الروايات بفرض معلومية وجود شيء ما.

2_ مشكلة مجهولية المقدار، وهذه لم تحلّها تلك الروايات بالاقتصار على معلومية مقدار الضميمة؛ فإنّ ما في السكرّجة مثلاً غير معلوم المقدار أيضاً لا بالكيل ولا بالوزن، وما علمه صدفة من خراج الرجال وجزية رؤوسهم وخراج النخل والشجر والآجام والمصائد والسمك والطير غير معلوم المقدار أيضاً، وكذلك الحال في أصواف مائة نعجة، فالعمل بهذه الروايات يعني رفض شرط معلومية المقدار أساساً، لا الاكتفاء بمعلومية مقدار الضميمة، وهذا ممّا لا يقول به أحد، فظاهر هذه الروايات غيرمعمول بها.

وأفاد رحمه الله: وكذلك روايتا أبي بصير(2) والبزنطي(3) اللتان دلّتا على إخراج كفّ من السمك أو شيء من السمك. فإنّهما لم تعالجا مجهول المقدار بضمّ شيء من معلوم المقدار؛ لأنّ السمك ليست معلوميّته برؤيته؛ لأنّه موزون ولذا جعلوه من الربويّات،


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص313.

(2) وهي الرواية الثالثة من الروايات التي أسردناها آنفاً.

(3) وهي الرواية الاُولى من الروايات التي أسردناها آنفاً.

512

ومادامت الروايتان لم تفرضا وزنه، فهو يعتبر غير معلوم المقدار. نعم، لو فرض الكشف عن جميع سمك الأجمة وكان كثيراً احتمل أن يقال بعدم اعتبار الوزن في بيعه وكفاية الرؤية في افتراضه معلوم المقدار، فيكون ذلك من قبيل زُبرة الحديد التي لا تدخل في الوزن لكثرتها.

وكلّ هذا يعني أنّ تلك الروايات لم تحلّ مشكلة الجهل بمقدار المبيع الذي كان مقصوداً بالأصل بضمّ مقدار معلوم، فلا يمكن العمل بهذه الروايات(1).

أقول: لو أسقطنا هذه الروايات عن العمل بها لم يبق لنا سبب للعدول عمّا انتهينا إليه في بحث سابق من شرط معلومية مقدار المبيع. ولو بقيت رواية واحدة مثلاً فقد يدّعى سقوط الوثوق بها في مقابل روايات شرط الكيل والوزن والعدّ(2).

والثالث: أنّ شرط معلومية مقدار المبيع هو أساساً أمر مجمع عليه، فكيف نرفع اليد عنه بسبب هذه الروايات(3)؟!

أقول: لو تمّ هذا الوجه لم يبق لنا وجه للعدول عمّا انتهينا إليه سابقاً من شرط معلومية مقدار المبيع.

إجابات السيد الخوئي رحمه الله علی إشکالات الشيخ رحمه الله

هذا. وقد أجاب السيّد الخوئي رحمه الله على الإشكال الأوّل من إشكالات الشيخ من أنّنا على تقدير دلالة هذه الروايات والعمل بها نقتصر على مواردها؛ لأنّها على خلاف القواعد الأوّلية، بأنّه لا يصحّ الاقتصار على مواردها؛ لأنّ رواية ضمّ الضميمة في بيع العبد الآبق وهي الرواية الثامنة من الروايات الماضية صرّحت بقوله: فإن لم يقدر على


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص311 _ 312.

(2) أقصد برواية العدّ رواية الحلبي وابن مسكان عن أبي عبدالله(عليه السلام) في مسألة الجوز في الوسائل، ج17، ص348، الباب7 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث الوحيد في الباب.

(3) المصدر السابق، ص313.

513

العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه، وهذا في الحقيقة بمنزلة التعليل للحكم بالجواز بوجود شيء في مقابل ما نقده لو كانت البقية غير موجودة، والتعليل يوجب التعدّي من مورد النصّ إلى بقية الموارد المشتملة على نفس النكتة(1)، مع أنّ السائل في الروايات لم يكن يحتمل الخصوصية في المورد قطعاً، وإنّما سأله عنها من باب المثال حتّى يعرف حكم المسألة في غير هذه الموارد(2).

وأمّا الإشكال الثاني للشيخ رحمه الله وهو أنّ هذه الروايات لم تحلّ مشكلة مجهولية المقدار بمعلومية مقدار الضميمة؛ لأنّ مقدار الضميمة الموجود في هذه الروايات كلّها مجهول فقد أجاب على ذلك السيّد الخوئي رحمه الله بأنّه لا وجه لاستظهار مجهولية مقدار الضميمة في هذه الروايات؛ أمّا في ضمّ الأصواف إلى بيع الحمل في البطون فلاحتمال انفصالها عن ظهور الغنم ومعلومية مقدارها أو احتمال معلوميّتها على ظهورها لأجل تعيين أهل الخبرة على وجه لا يوجب الغرر، وأمّا ضمّ اللبن في السكرّجة فلاحتمال أنّ السكرّجة كانت كيلاً معيّن المقدار وكان اللبن الموجود فيها معلوم المقدار، وأمّا السمك فهو أيضاً كذلك لاحتمال العلم بوزنه ومقداره، على أنّنا نمنع كون السمك من الموزون بل هو يباع بالوزن تارة وبالعدد أُخرى، والغرض من الأخبار ومحطّ النظر فيها إنّما هو تصحيح بيع المجهول بالضمّ إلى معلوم، وأمّا أنّ المعلوم لابدّ وأن يكون على أيّ نحو فليست الروايات مسوقة لذلك، وإنّما هي تدلّ على جواز بيع المجهول بالضمّ إلى المعلوم المشروط جواز بيعه بما ذُكر في البيع من المعلومية والوزن وغير ذلك من الشروط، لا أنّها دلّت على جواز بيع المجهول بالضمّ إلى معلوم لا يعلم قدره أو وزنه(3).


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص311 _ 312.

(2) أقصد برواية العدّ رواية الحلبي وابن مسكان عن أبي عبدالله(عليه السلام) في مسألة الجوز في الوسائل، ج17، ص348، الباب7 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث الوحيد في الباب.

(3) المصدر السابق، ص313.

514

وأمّا الإشكال الثالث للشيخ وهو أنّ المركّب من المجهول المقدار الأصلي في البيع والمعلوم المقدار المنضمّ إليه مجهول المقدار وبطلانه مجمع عليه فكيف نرفع اليد عنه بسبب هذه الروايات؟! فقد أجاب عليه السيّد الخوئي رحمه الله بأنّ الإجماع إنّما هو على بطلان بيع المجهول علی استقلاله وتجرّده، وأمّا مع الضمّ إلی شيء آخر معلوم المقدار _ ولو لأجل الحيلة في تصحيح المعاملة _ فلا إجماع منهم على البطلان، والمستند في عدم جواز بيع المجهول المقدار هو الإجماع دون قاعدة نفي الغرر _ للمناقشة في دلالتها وسندها _، والمشهور بين المتقدّمين والمتأخّرين كالأردبيلي والسبزواري وجملة من المحقّقين في فرض ضمّ المعلوم هو الجواز(1).

أقول: نحن لم يكن مستندنا في عدم جواز بيع المجهول المقدار الإجماع؛ فإنّه مدركي أو _ على الأقلّ _ محتمل المدركية، وإنّما كان مستندنا أخبار الكيل والوزن والعدّ؛ وذلك بإلغاء الخصوصية عرفاً، وقد مضى من السيّد الخوئي رحمه الله أيضاً الاستدلال برواية العدّ(2).

وعلى أيّ حال فحتّى الآن لم نستطع أن نجد حلّاً لما طرحناه من الإشكال، وهو ضرورة رفع اليد عن شرط معلومية مقدار المبيع وحمل الأدلّة الدالّة على لزوم معلومية المقدار على الاستحباب بسبب هذه الروايات.

تحقيق الموقف من الروايات

فلنعد مرّة أُخرى إلى تقييم هذه الروايات في حدود دلالتها على عدم لزوم العلم بالمقدار.

فنقول: إنّ هذه الروايات على قسمين:

القسم الأوّل: ما هو أجنبي أساساً عن مسألة الجهل بالمقدار، وهو عبارة عن


(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص472.

(2) راجع المصدر السابق، ص364.

515

صحيحة رفاعة النخّاس في الجارية الآبقة(1) وموثّقة سماعة في العبد الآبق(2)، فإنّ موردهما ليس مورد الجهل بالمقدار، وإنّما هما في مورد الجهل بالقدرة على التسلّم، فشرط ضمّ الضميمة لا علاقة له بمسألة عدم مضرّية الجهل بالمقدار.

والقسم الثاني: ما هو مرتبط بمسألة الجهل بالمقدار، وهو باقي الروايات، والقاسم المشترك فيما بينها هو صعوبة معرفة مقدار المبيع الأصلي صعوبة بالغة، فهي تدلّ على كون ضمّ المعلوم إلى المجهول يحلّ مشكلة المجهول لدى وجود صعوبة بالغة في فهم مقدار المجهول، ولا يمكن أن يقاس على ذلك باقي الموارد المتعارفة؛ لاحتمال الفرق بنفس نكتة اشتمال معرفة المجهول إلى صعوبة بالغة في فهم مقداره.

وبهذا تنحلّ المشكلة التي طرحناها، وهي مشكلة الاضطرار إلى رفع اليد عن شرط معلومية مقدار المبيع.

بقي الكلام في ابتلاء رواية واحدة من الروايات السابقة بالمعارض في موردها، وهي الرواية الرابعة من الروايات الماضية، وهي موثّقة سماعة: «سألته عن اللبن يشترى وهو في الضرع؟ قال: لا إلّا أن يحلب لك منه سكرّجة فيقول: اشتر منّي هذا اللبن في السكرّجة وما في ضروعها بثمن مسمّى، فإن لم يكن في الضرع شيء كان ما في السكرّجة»(3).

ومعارضها عبارة عمّا رواه الكليني عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى عن عيص بن القاسم قال: «سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل له نعم يبيع ألبانها بغير كيل؟ قال: نعم، حتّى ينقطع أو شيء منها»(4).


(1) وهي الرواية السابعة من الروايات السابقة.

(2) وهي الرواية الثامنة من الروايات الماضية.

(3) الکافي، ج5، ص194، باب بیع العدد والمجازفة والشيء المبهم من کتاب المعيشة‌،ح6.

(4) المصدر السابق، ص193، ح5.

516

وقد جمع بينهما الشيخ الحرّ في كتاب الوسائل بحمل رواية عيص بن القاسم على فرض ضمّ الضميمة(1)، ولكن نقل محقّق كتاب الكافي نقلاً عن مرآة العقول للمجلسي(2) عن الفاضل الاسترابادي رحمه الله تفسير رواية العيص بقوله: «يعني اللبن في الضروع كالثمرة على الشجرة ليس ممّا يكال عادة فهل يجوز بيعها بغير كيل؟ قال: نعم، لكن لابدّ من تعيين بأن يقال: إلى انقطاع الألبان أو إلى أن تنتصف أو نظير ذلك»(3).

أقول: إنّ رواية العيص لا يخلو سندها من خدش؛ وذلك لأنّه لا شكّ في أنّ المقصود بمحمد بن إسماعيل الذي هو شيخ من شيوخ الكليني ليس هو محمد بن إسماعيل بن بزيع الذي لا شكّ في وثاقته؛ لأنّ الكليني لا يمكن افتراض إدراكه لمحمد بن إسماعيل ابن بزيع، والظاهر أنّ المقصود به هو محمد بن إسماعيل أبي الحسن البندقي النيسابوري، كما حقّقه السيّد الخوئي رحمه الله في معجم الرجال في ترجمته لمحمد بن إسماعيل أبي الحسن، ولم أر دليلاً على توثيقه.

وبهذا ظهر أنّ تعبير الشيخ الأنصاري رحمه الله عن رواية العيص بصحيحة العيص بن القاسم(4) في غير محلّه.

نعم، قد ورد هذا الحديث في التهذيبين أيضاً بسند الشيخ إلى محمد بن يعقوب الكليني عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى عن عيص بن القاسم(5)، فلو كان للشيخ في الفهرست سند تام إلى جميع كتب وروايات


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص349، الباب8 من أبواب عقد البيع وشروطه، ذيل الحدیث الأوّل.

(2) مرآة العقول، ج19، ص208.

(3) الکافي، ج5، ص194.

(4) کتاب المكاسب، ج4، ص310.

(5) تهذيب الأحکام، ج7، ص123، الباب9 من کتاب التجارات، ح8؛ والاستبصار، ج3، ص103، باب إعطاء الغنم بالضريبة، ح3

517

الفضل بن شاذان أو صفوان بن يحيى أو عيص بن القاسم أمكن تخيّل انطباق نظرية التعويض لتتميم سند هذا الحديث، ولا يوجد سند تام له كذلك إلى الفضل ابن شاذان ولا إلى عيص بن القاسم.

نعم، ذكر الشيخ في الفهرست بشأن صفوان بن يحيى: «له كتب كثيرة مثل كتب الحسين بن سعيد وله مسائل عن أبي الحسن موسى عليه السلام وروايات، أخبرنا بجميعها جماعة عن محمد بن علي بن الحسين عن محمد بن الحسن...»(1) فلو استظهرنا أنّ المقصود بكلمة «روايات» كلّ ما وصل إلى الشيخ من روايات صفوان أمكن تخيّل انحلال الإشكال في المقام، ولكنّ الظاهر أنّ كلمة «روايات» معطوفة على كلمة «مسائل»، أي: له مسائل وروايات عن أبي الحسن موسى(عليه السلام). ولا أقلّ من احتمال إرادة هذا المعنى، فلم يثبت وجود سند للشيخ إلى جميع روايات صفوان، فهذا الطريق لإثبات صحّة روايتنا واضح الانسداد علينا.

نعم، للشيخ في مشيخته سند تام إلى بعض ما رواه عن الفضل بن شاذان حيث قال: «ومن جملة ما ذكرته عن الفضل بن شاذان...»(2)، فلو كان الشيخ قد روى روايتنا في التهذيب مباشرة عن كتاب فضل بن شاذان وكان قد نقل في المشيخة سنداً تامّاً إلى تمام ما رواه عن كتاب فضل بن شاذان لكانت مشكلة روايتنا محلولة، ولكن الأمر ليس كذلك.

وعليه فينحصر الأمر في تصحيح سند روايتنا إلى حدس حدسه السيّد الخوئي رحمه الله من بعض القرائن بوجود سند تام لجميع روايات الكليني عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان(3)، وهذا الحدس عهدته على مدّعيه.


(1) الفهرست، ص83.

(2) تهذيب الأحکام، المشيخة، ص47.

(3) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص472 _ 473.

518

بیع المجهول إذا کان تابعاً

وفي ختام هذا البحث نُشير إشارة مختصرة إلى ما قيل من استثناء فرض خاص من بطلان بيع المجهول بضمّ المعلوم إليه وهو فرض كون المجهول تابعاً.

وقد وقع في الكلمات بحث مفصّل حول ما هو المقصود من التابع ومناقشات كثيرة حول محتملات المقصود. وإن أردتم استيعابها فنحن نحيلكم على الكتب المفصّلة في المقام من قبيل مكاسب الشيخ الأنصاري وتنقيح السيّد الخوئي؟قهما؟، أمّا نحن فنقتصر على نقل من كان هو الأصل في هذا التفصيل، وهو العلّامة رحمه الله مع التعليق عليه.

فقد قال العلّامة رحمه الله في قواعده _ على ما نقل عنه الشيخ الأنصاري(قدس سره) في مكاسبه(1) _ : «كلّ مجهول مقصود بالبيع لا يصحّ بيعه وإن انضمّ إلى معلوم، ويجوز مع الانضمام إلى معلوم إذا كان تابعاً».

وقال الشيخ الأنصاري: «والذي يظهر من مواضع من القواعد والتذكرة أنّ مراده بالتابع ما يشترط دخوله في البيع وبالمقصود ما كان جزءاً»(2) ثم ذكر الشيخ رحمه الله مقاطع من القواعد والتذكرة التي يراها شاهدة على كون مقصوده هو التفصيل بين الشرط والجزء(3). ثم نقل الشيخ عن المحقّق الثاني في جامع المقاصد اعتراضه على العلّامة بقوله: «وما قد يوجد في بعض الكلام من أنّ المجهول إن جعل جزءاً من البيع لا يصحّ وإن اشترط صحّ _ ونحو ذلك _ فليس بشيء؛ لأنّ العبارة لا أثر لها، والمشروط محسوب من جملة المبيع»(4).

وفي أواخر البحث أيّد الشيخ الأنصاري رحمه الله هذا الإشكال على العلّامة حيث أفاد:


(1) کتاب المکاسب، ج4، ص313.

(2) المصدر السابق.

(3) المصدر السابق، ص313 _ 315.

(4) المصدر السابق، ص315 _ 316.

519

«والأوفق بالقواعد أن يقال: أمّا الشرط والجزء فلا فرق بينهما من حيث لزوم الغرر بالجهالة»(1).

أمّا السيّد الخوئي رحمه الله فقد أفاد _ في المقام حول كلام العلّامة(قدس سره) _ ما مفاده: الإنصاف أن يفصّل في ذلك بين ما لو كان مدرك اعتبار العلم بالمبيع حديث: نهي النبي(صل الله عليه وآله) عن بيع الغرر(2)، فعليه لا يفرّق الحال بين الجهل بالمبيع والجهل بالشرط؛ لأنّ الجهل بالشرط وإن لم يستلزم الجهل بالمبيع إلّا أنّ البيع بهذا الشرط غرري؛ لأنّه التزام في التزام وهو مجهول غرري وهو باطل، وأمّا لو ناقشنا في دلالة ذلك وسنده _ كما ناقشنا في محلّه _ وقلنا: إنّ المدرك في مانعية الجهل هو الإجماع فعندئذٍ نقول: لا إجماع على البطلان فيما إذا كان المجهول هو الشرط مع العلم بكلّ واحد من الثمن والمثمن، وإنّما الإجماع قام على بطلان المعاملة التي يكون المبيع أو الثمن مجهولاً فيها، والمفروض أنّهما معلومان في المقام، وعليه يتمّ ما أفاده العلّامة(قدس سره): من التفصيل في كون المجهول هو الشرط أو الجزء(3).

أقول: إنّ دليلنا على شرط المعلومية ليس هو الإجماع؛ لأنّه مدركي قطعاً أو _ على الأقلّ _ احتمالاً، وإنّما دليلنا على ذلك روايات الوزن والكيل والعدّ كما مضى بالتعدّي من مواردها إلى غير مواردها، وكذلك نتعدّى أيضاً من فرض الجزء إلى الشرط، ولا يبقى مورد لتفصيل العلّامة رحمه الله.

الإندار للظروف(4)

قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: «يجوز أن يُندر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار يحتمل الزيادة والنقيصة على المشهور، بل لا خلاف فيه في الجملة، بل عن فخر الإسلام


(1) کتاب المکاسب، ج4، ص320.

(2) وسائل الشيعة، ج17، ص448، الباب 40 من أبواب آداب التجارة، ح3.

(3) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص479.

(4) أندر من الحساب كذا: أسقطه.

520

التصريح بدعوى الإجماع، قال فيما حكي عنه: نصّ الأصحاب على أنّه يجوز الإندار للظروف بما يحتمل الزيادة والنقيصة، فقد استثني من المبيع أمر مجهول، واستثناء المجهول مبطل للبيع إلّا في هذه الصورة، فإنّه لا يبطل إجماعاً انتهى. والظاهر أنّ إطلاق الاستثناء باعتبار خروجه عن المبيع ولو من أوّل الأمر، بل الاستثناء الحقيقي من المبيع يرجع إلى هذا أيضاً...»(1).

أقول: كأنّ مقصوده رحمه الله بذيل العبارة أنّ الاستثناء الحقيقي من المبيع لا معنى له إلّا معنى خروجه عن المبيع من أوّل الأمر.

وعلى أيّ حال فالإندار تارة يفترض في مقام الوفاء بعد فرض تحقّق المعاملة صحيحةً كما لو باع دُهناً في ظرفه على أنّ كلّ رطل منه بدرهم فتحقّقت المعاملة على وجه صحيح؛ إذ لا يوجد أيّ جزاف في ذلك لا في طرف الثمن ولا في طرف المثمن، وأُخرى يفترض الإندار لتعيين ما يريدون بيعه كما لو أرادا بيع دُهن في ظرفه ولم يعلما مقداره؛ لأنّهما وزنا مجموع الظرف والمظروف فأرادا إندار مقدار في مقابل الظرف كي يعيّنا مقدار ما يریدان التعامل عليه.

ومقتضى القاعدة في القسم الثاني هو بطلان البيع ما لم يعلما مقدار الظرف؛ لأنّ ما يندرانه في مقابل الظرف لو لم يثقا بمساواته للظرف ولو مع فرق يسير يتسامح فيه في معرفة الوزن عرفاً، فالجهل هنا يسري إلى مقدار ما يريدان التعامل عليه، فيبطل البيع.

في حين أنّه في القسم الأوّل قد فرضنا صحّة البيع، فلا يبقى إشكال في الإندار، فإنّ المقدار الذي يندرانه في مقابل الظرف وإن لم يعلما بمساواته للظرف لكن ماداما معاً متراضيين على ذلك لم يقع شيء محرّم.

هذا هو الحال بمقتضى القاعدة.


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص321.

521

أمّا الروايات فأفضلها سنداً هي الصحيحة التي رواها في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل(1) عن حنّان(2) قال: «كنت جالساً عند أبي عبدالله عليه السلام فقال له معمّر الزيّات: إنّا نشتري الزيت في زقاقه(3) فيُحسب(4) لنا نقصان فيه لمكان الزقاق؟ فقال: إن كان يزيد وينقص فلا بأس، وإن كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه»(5).

وقوله: «فيحسب لنا النقصان...» ظاهر في أنّ الإندار والحساب كان بعد تحقّق الشراء والبيع وأنّ هذا كان في مقام الأداء بعد افتراض صحّة البيع، أي: أنّه ظاهر في القسم الأوّل، وقد مضى أنّ صحّة ذلك وجواز الإندار بالتراضي من الطرفين في القسم الأوّل ثابت على القاعدة.

ولكن يبقى الكلام في أنّ الإمام عليه السلام لماذا فصّل بين ما إذا كان مقدار الإندار يزيد وينقص عن وزن الظرف فقال: «لا بأس به» وما إذا كان يزيد ولا ينقص فقال: «لا تقربه»؟

ويمكن الجواب على ذلك بأنّه لو كان يزيد تارة وينقص أُخرى فقد أحرزنا عادة رضا المالك بذلك، أو قل: إنّ الأمارة العرفية تدلّ على رضاه، وإن كان يزيد ولا ينقص والمالك غافل عن ذلك، أو كان البائع غير المالك ولم يكن يهمّه ضرر المالك فلا نستطيع إحراز رضا المالك بذلك، والرواية تنصرف بمناسبة الحكم والموضوع عن صورة ثالثة، وهي فرض أنّ البائع هو المالك وهو راض على إندار الزيادة في مقام الوفاء لوضوح


(1) يعني ابن بزيع.

(2) ثقة.

(3) هو السقاء والقربة.

(4) في وسائل الشیعة، ج17، ص367، الباب20 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح4: «ويحسب». والظاهر هو أنّه خطأ؛ لما عرفت من أنّه في المصدر _ وهو الكافي _ ورد: «فيحسب».

(5) الکافي،ج5، ص183، باب فضل الكيل والموازين من کتاب المعيشة، ح4

522

جواز أخذ الزيادة عندئذٍ بالرضا القطعي للمالك، أو قل بهبته لمقدار الزيادة، فالرواية منصرفة عن فرض عدم إحراز رضا المالك.

ثم إنّ قصّة معمّر الزيّات نقلت في رواية أُخرى، وهي ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة(1) عن عبدالله بن جبلة(2) عن علي بن أبي حمزة قال: «سمعت معمّر الزيّات يسأل أبا عبدالله عليه السلام فقال: جعلت فداك إنّي رجل أبيع الزيت يأتيني من الشام فآخذ لنفسي مما أبيع؟ قال: ما أُحبّ لك ذلك. قال: إنّي لست أُنقص نفسي شيئاً ممّا أبيع(3). قال: بعه من غيرك، ولا تأخذ منه شيئاً، أرأيت لو أنّ الرجل قال لك: لا أُنقصك رطلاً من دينار كيف كنت تصنع؟! ألا تقربه. قال له: جعلت فداك فإنّه يطرح ظروف السمن والزيت لكلّ ظرف كذا وكذا رطلاً فربّما زاد وربّما نقص؟ قال: إذا كان ذلك عن تراض منكم فلا بأس»(4).

والمظنون أنّ المقصود بعليّ بن أبي حمزة علي بن أبي حمزة الثمالي، أعني: ابن راوي دعاء أبي حمزة لسحر شهر رمضان لا علي بن أبي حمزة البطائني، وذلك بقرينة روايته مباشرة عن الإمام الصادق(عليه السلام)، وهو ثقة بشهادة حمدويه بن نصير على ما نقل عنه الكشّي(5).

أمّا من حيث الدلالة فالظاهر أنّها أيضاً تنظر إلى القسم الأوّل، أعني: فرض صحّة البيع في نفسه، لا فرض تصحيحه بالإندار؛ لأنّه نهاه الإمام عليه السلام عن أخذ الزيت لنفسه حذراً من عدم قبول البائع الإندار في حين أنّه لم يمنعه من إعطائه لغيره، وهذا معناه


(1) واقفي موثّق.

(2) واقفي موثّق.

(3) كأنّ المقصود أنّ الذي أبيعه لماذا أحرم نفسي منه؟! فنصحه الإمام(عليه السلام) بأنّ البائع قد لا يقبل بالإندار فتتضرّر بحسب مقياس الإندار المتعارف.

(4) تهذيب الأحکام، ج7، ص128، الباب9 من کتاب التجارات،‌ ح29.

(5) رجال الکشي، ص406