367

الشارع حكماً وضعيّاً كإمضاء البيع(1).

الأمر الثالث: أنّ الظاهر من تعبير الإمام عليه السلام بالأموال عدم الخصوصية لمال الوقف، فيجوز البيع حتّى فيما إذا لم يكن التالف العين الموقوفة في صورة اختلاف الموقوف عليهم، بل كان التالف الأموال الأُخر. وهذا ممّا لا يمكن أن ينسب إلى الأعلام(2).

الأمر الرابع: أنّ مورد إفتاء الأصحاب إنّما هو فرض العلم أو الظنّ بالأداء إلى الخراب، في حين أنّ الرواية عبّرت بتعبير «ربّما»، وظاهر ذلك _ وفقاً للأخذ بعموم التعليل _ الاكتفاء في جواز البيع بالاحتمال العقلائي وإن لم يحصل العلم أو الظنّ بذلك. وهو كما ترى.

والخلاصة: أنّه بعد فرض حمل الرواية على صورة تمامية الوقف فظاهر الرواية ممّا لا يفت به أحد، فلابدّ من ردّ علمها إلى أهله(3).

أقول: لا إشكال في أنّ استفادة جواز البيع في جميع الصور الأربع أعني: من السابعة إلى العاشرة بحسب عدّ السيّد الخوئي رحمه الله لها في غير محلّه، ولكن لو اقتصرنا على مورد النصّ وهو الاختلاف الذي يخشى من تلف الأموال والنفوس ولو على مستوى الخشية العقلائية الذي قد يكون أقلّ من مستوى العلم أو الظنّ منه _ ولو فرضت الأموال أموالاً أُخرى أو النفوس نفوساً آخرين على ما تقتضيه إطلاق العبارة _ فهذا ليس شيئاً يعلم بخلافه أو يكون هناك تسالم على خلافه.

والتعدّي إلى غير موارد الاختلاف بدعوى عموم العلّة ليس في محلّه؛ لأنّ لغة الرواية هي لغة بيان الحكمة والملاك، لا لغة التعميم في الموضوع، من قبيل «لأنّه حامض». نعم، بيان الحكمة والملاك يخصّص ويخرج المورد غير الشامل للملاك،


(1) المصدر السابق، ص303.

(2) المصدر السابق، ص302.

(3) المصدر السابق، ص302 _ 303.

368

فالاختلاف غير الشامل للاحتمال العقلائي لتلف الأموال والنفوس لا يوجب جواز البيع، أمّا الاختلاف الشامل للاحتمال العقلائي لتلف الأموال والنفوس حتّى إذا لم يصل إلى مستوى الظنّ بل كان احتمالاً بمقدار عشرين بالمائة مثلاً لا بمقدار واحد بالمائة مثلاً يوجب جواز البيع، وهذا المقدار من النتيجة ليس مخالفاً لمسلّمات الفقه، والاكتفاء بمفسدة أقلّ من مستوى تلف النفس بفرض جعل تلف الأموال ملاكاً مستقلّاً منفصلاً عن تلف النفوس ممّا لا مبرّر له.

أمّا التعدّي إلى کلّ أمر _ غير الاختلاف _ يوجب خوف تلف النفوس فلا مبرّر له. وأيضاً التعدّي في الحكم الوضعي وهو صحّة البيع في موارد وجود نفس المستوى من الحكمة والملاك الذي نعلم بعدم رضا الشارع بفواته كالتقاتل بين فئة _ غير الناشئ من اختلاف الموقوف عليهم _ لا يمكن حلّه إلّا ببيع هذا الوقف وصرف ثمنه على الإصلاح بينهم لا معنى له. نعم، قد يجوز _ في علاج ذلك _ المحرّم التكليفي كسرقة مال لعلاج المشكل. وهذا خارج عن المقام.

الوقف المنقطع الآخر

قد مضت منّا حينما أردنا الدخول في البيان الإجمالي لموارد الاستثناء مقدّمةٌ، وأشرنا فيها إلى أنّ بحثنا يشمل الوقف الدائم والوقف المنقطع الآخر بناء على الإيمان به وذلك بلحاظ ما قبل الانقطاع.

ولا بأس بالإشارة هنا إلى أنّ المشهور بين الأصحاب صحّة الوقف المنقطع الآخر.

أدلّة صحّة الوقف المنقطع الآخر

ويمكن الاستدلال لذلك بروايتين:

الرواية الأُولى: صحيحة علي بن مهزيارقال: «قلت له: روى بعض مواليك عن آبائك(عليهم السلام): أنّ كلّ وقف إلى وقت معلوم فهو واجب على الورثة، وكلّ وقف إلى غير

369

وقت جهل مجهول فهو باطل مردود على الورثة، وأنت أعلم بقول آبائك(عليهم السلام)، فكتب(عليه السلام): هكذا هو عندي»(1).

ولكن عيب هذا الحديث أنّ هذا ظاهره صحّة الوقف إلى وقت معلوم ولو بالسنين كعشر سنين وعشرين سنة، في حين أنّ هذا ليس هو المشهور بين الأصحاب، بل لعلّ المرتكز بين العرف والمتشرّعة بطلان ذلك، وإنّما يصحّ ذلك في الحبس دون الوقف.

والرواية الثانية: صحيحة الصفّار قال: «كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله عن الوقف الذي يصحّ كيف هو؟ فقد روي: أنّ الوقف إذا كان غير مؤقّت فهو باطل مردود على الورثة، وإذا كان مؤقّتاً فهو صحيح ممضى. قال قوم: إنّ المؤقّت هو الذي يذكر فيه أنّه وقف على فلان وعقبه فإذا انقرضوا فهو للفقراء والمساكين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وقال آخرون: هذا مؤقّت إذا ذكر أنّه لفلان وعقبه ما بقوا ولم يذكر في آخره: للفقراء والمساكين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والذي هو غير مؤقّت أن يقول: هذا وقف ولم يذكر أحداً، فما الذي يصحّ من ذلك؟ وما الذي يبطل؟ فوقّع(عليه السلام): الوقوف بحسب ما يوقفها إن شاء الله»(2).

وهذا كما ترى ظاهره الاعتراف بالوقف المنقطع الآخر الذي لم يذكر في آخره: للفقراء والمساكين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وعلى أيّ حال فالوقف المنقطع له دوام لحين الانقطاع.

ولم يبق لنا حديث جديد عن استثناء جواز البيع في الوقف المنقطع، وإنّما المهمّ أنّ الوقف خرج عن ملك الواقف إلى ملك الموقوف عليهم وهو تحبيس للعين وتسبيل للثمرة، وممضى من قبل الشريعة، فليس للموقوف عليهم بيعها إلّا في موارد الاستثناء، ولا داعي لنا لعقد بحث جديد عن البيع في موارد الوقف المنقطع، ومتى


(1) وسائل الشيعة، ج19، ص192، الباب7 من کتاب الوقوف والصدقات، ح1.

(2) المصدر السابق، ح2.

370

ما انتهى أمد الوقف المنقطع يرجع إلى ملك الواقف أو ورثته ويصبح ملكاً طلقاً ويخرج عن محلّ البحث، وشرح ذلك موكول إلى كتاب الوقف.

نعم، لا بأس بالإشارة هنا إلى أنّه في مثل السكنى لا معنى لبيع من له السكنى البيتَ قبل انتهاء أمد السكنى أو بعده؛ لأنّه ليس ملكاً له، وإنّما هو ملك لمن أسكنه إيّاه، ويجوز للمالك بيع بيته مسلوب المنفعة لحين انتهاء أمد السكنى التي جعلها للساكن، وحتى لو كان الأمد غير محدّد كمدّة حياته أو له ولعقبه، وذلك برغم الجهالة الموجودة في مدّة كون البيت مسلوب المنفعة والتي قد يقال بأنّ مقتضى القاعدة بطلان البيع بالجهالة، وذلك لورود النصّ الخاصّ بالصحّة، وهو صحيحة حسين بن نعيم عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: «سألته عن رجل جعل داراً سكنى لرجل أيّام حياته أو جعلها له ولعقبه من بعده هل هي له ولعقبه من بعده كما شرط؟ قال: نعم قلت له: فإن احتاج بيعها؟ قال: نعم. قلت: فينقض بيع الدار السكنی؟ قال: لا ينقض البيع السكنى، كذلك سمعت أبي عليه السلام يقول: قال أبو جعفر(عليه السلام): لا ينقض البيع الإجارة ولا السكنى، ولكن تبيعه على أنّ الذي اشتراه لا يملك ما اشترى حتّى تنقضي السكنى كما شرط، وكذا الإجارة. قلت: فإن ردّ على المستأجر ماله وجميع ما لزمه من النفقة والعمارة فيما استأجر؟ قال: على طيبة النفس وبرضا المستأجر بذلك لا بأس»(1).

بيع أُمّ الولد

قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: «ومن أسباب خروج الملك عن كونه طلقاً صيرورة المملوكة أُمّ ولد لسيّدها، فإنّ ذلك يوجب منع المالك عن بيعها بلا خلاف بين المسلمين على الظاهر المحكي عن مجمع الفائدة، وفي بعض الأخبار دلالة على كونه من المنكرات في صدر الإسلام، مثل ما روي من قول أمير المؤمنين عليه السلام لمن سأله عن


(1) وسائل الشيعة، ج19، ص135، الباب24 من کتاب الإجارة، ح3.

371

بيع أمة أرضعت ولده قال له: خذ بيدها وقل: من يشتري أُمّ ولدي؟»(1).

أقول: مقصوده بهذه الرواية ما رواه الشيخ(2) والصدوق(3) بسند فيه النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه(عليهما السلام): «أنّ عليّاً عليه السلام أتاه رجل فقال: إنّ أمتي أرضعت ولدي وقد أردت بيعها فقال: خذ بيدها فقل: من يشتري منّي أُمّ ولدي».

والسند ضعيف بالنوفلي، ولو تمّ فقد يحمل ما يظهر منه من حرمة بيع أُمّ الولد من الرضاعة على الكراهة بقرينة موثّقة إسحاق بن عمّار، حيث روى(4) عن عبد صالح عليه السلام «قال: سألته عن رجل كانت له خادم فولدت جارية ]يعني بتزويجها لعبد له[ فأرضعت خادمه ابناً له ]فصارت أُمّ ولده من الرضاعة [وأرضعت أُمّ ولده(5) ابنة خادمه، فصار الرجل أبا بنت الخادم من الرضاع ]فأيضاً أصبح أُمَّ ولده من الرضاعة مرّة أُخرى[ يبيعها؟ قال(عليه السلام): نعم، إن شاء باعها فانتفع بثمنها. قلت: إن كان وهبها(6) لبعض أهله حين ولدت وابنه اليوم غلام شابّ، فيبيعها ويأخذ ثمنها ولا يستأمر ابنه أو يبيعها ابنه؟ قال: يبيعها هو (ويأخذ ثمنها ابنه ومال ابنه له)(7). قلت: فيبيع الخادم وقد أرضعت ابناً له؟ قال: نعم، وما أُحبّ له أن يبيعها. قلت: فإن احتاج إلى ثمنها؟ قال: فيبيعها».


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص107.

(2) تهذیب الأحکام، ج7، ص325، باب ما يحرم من النکاح من الرضاع ومما لا يحرم منه من کتاب النکاح، ح48.

(3) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص480، باب الرضاع من کتاب النکاح، ح4686.

(4) وسائل الشيعة، ج20، ص408، الباب19 من أبواب ما يحرم بالرضاع،‌ ح2؛ وكذلك أورده في ج23، ص23، الباب8 من کتاب العتق، ح4.

(5) أظنّ أنّ مقصوده زوجته، لا أُمّ الولد بالمعنى المصطلح

(6) يعني: وهب بنت الخادم.

(7) هذه العبارة غامضة، ولعلّ المقصود: أنّه يصحّ أن يبيعها ابنه بإذن أبيه، ولكنّ الثمن الذي يأخذه لأبيه.

372

وجواز بيع أُمّ الولد من الرضاعة بسبب الرواية الثانية لو أفتينا بها لا ينافي ما استظهره الشيخ رحمه الله من الرواية الأُولى من أنّ بيع أُمّ الولد كان من المنكرات في صدر الإسلام.

وعلى أيّ حال فالمعروف على الألسُن أنّ نكتة حرمة بيع أُمّ الولد أنّها متشبّثة بالحرّية عن طريق إرث ولدها إيّاها.

وأصل هذا التشبّث ممّا لا شكّ فيه بضرورة من الفقه، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات على ذلك، من قبيل: صحيح محمد بن قيس(1) عن أبي جعفر(عليه السلام): «قال أميرالمؤمنين(عليه السلام): أيّما رجل ترك سريّة لها ولد أو في بطنها ولد أو لا ولد لها، فإن كانت أعتقها ربّها عتقت، وإن لم يعتقها حتّى توفّي فقد سبق فيها كتاب الله(2)، وكتاب الله أحقّ، فإن كان لها ولد وترك مالاً جعلت في نصيب ولدها»(3).


(1) وسائل الشيعة، ج23، ص175، الباب6 من أبواب الاستيلاد، ح1.

(2) أي: أنّ كتاب الله نزل بالإرث فجزء منها يكون ملكاً لولدها وتنعتق بذاك المقدار.

(3) أي: أنّه إن ترك مالاً لباقي الورثة بحيث أمكن جعل رقبتها كاملة للولد ورثها الولد كاملة وانعتقت، وهذا من السنّة لا من الكتاب. ومفاد هذين التعليقين أخذناهما من التخريج الوارد في الكافي، ج6، ص192، باب أُمّهات الأولاد من کتاب العتق والتدبیر والکتابة، ح3، عن مرآة العقول للمجلسي، ج21، ص319، باب أُمّهات الأولاد، ح3. وهذا المقدار من الحديث هو نصّ الكافي الذي أعطينا الآن مصدره.

ولكنّ الشيخ الصدوق(رحمه الله) أضاف بعد كلمة «في نصيب ولدها» ما يلي: «ويمسكها أولياء ولدها حتّى يكبر الولد، فيكون هو الذي يعتقها إن شاء، ويكونون هم يرثون ولدها مادامت أمة، فإن أعتقها ولدها عتقت، وإن توفّي عنها ولدها ولم يعتقها، فإن شاؤوا أرقّوا، وإن شاؤوا أعتقوا»، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص140، باب أمّهات الأولاد من أبواب القضايا والأحکام، ح3513.

فلو أردنا أن نفسّر هذا الذيل بالذي لا ينافي الصدر الذي تطابق الكافي والفقيه على نقله وجب أن نحمله على فرض أنّ نصيب الولد لم يكن يستوعب كلّ الرقبة حتّى تنعتق كاملة، فكلّ ما يتبقّى منها مملوكة يمسكها أولياؤها، وينتظرون أن يكبر الولد برجاء أنّه بعد الكبر يشتري البقية بماله الشخصي حتّى ينعتق، ولو مات الولد قبل أن يفعل ذلك فورثة الولد يملكون ما تبقّى، فإن شاؤوا أرقّوها، وإن شاؤوا اعتقوها.ولو بنينا على أنّ نسخة الصدوق أصبحت مجملة وغامضة ومحتملة الخطأ في النقل فلا يسري ذلك إلى نقل الكافي الذي هو واضح لا غموض فيه.

373

وصحيحة عمر بن يزيد عن أبي إبراهيم عليه السلام «قال: قلت له: أسألك؟ قال: سل. قلت: لِمَ باع أميرالمؤمنين عليه السلام أُمّهات الأولاد؟ فقال: في فكاك رقابهنّ. قلت: وكيف ذاك؟ قال: أيّما رجل اشترى جارية فأولدها ثم لم يؤدّ ثمنها ولم يدع من المال ما يؤدّى عنه أُخذ ولدها ثمنها منه وبيعت وأُدّي ثمنها. قلت: فتباع فيما سوى ذلك من الدين؟ قال: لا»(1).

وصحيحة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا(2) عن أبي عبدالله عليه السلام «في رجل اشترى جارية يطؤها فولدت له ولداً فمات ولدها؟ قال: إن شاؤوا باعوها في الدين الذي يكون على مولاها من ثمنها وإن كان لها ولد قوّمت على ولدها من نصيبه»(3). والمقصود من هذا الحديث _ رغم التشويش الغريب في النصّ المنقول لنا عن الكافي والتهذيب والاستبصار والوسائل _ واضح، وهو التفصيل بين ما لو مات المولى ولم تكن التركة تفي بأداء الدين الباقي من ثمنها في ذمّة المولى فيجوز بيعها في أداء ثمنها، وبين ما لو كان لها ولد حيّ وكانت التركة واسعة فعندئذٍ تقوّم أُمّ الولد على ولدها.

وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام عن أبيه(عليه السلام)(4) «قال:


(1) وسائل الشيعة، ج23، ص170، الباب2 من أبواب الاستيلاد، ح 1 و2؛ وج18، ص278، الباب24 من أبواب بيع الحیوان، ح1.

(2) هكذا في نسخة الكافي، ج6، ص192، باب أُمّهات الأولاد من کتاب العتق والتدبیر والکتابة، ح4. أمّا في التهذيب، ج8، ص238، باب العتق وأحکامه من کتاب العتق والتدبیر والمکاتبة، ح94، والاستبصار، ج4، ص12، باب أنّه لا يجوز بیع الوقف من کتاب الوقوف والصدقات، ح2، فكالتالي: «عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام)».

(3) وسائل الشيعة، ج23، ص173، الباب5 من أبواب الاستيلاد، ح2؛ وج18، ص279، الباب24 من أبواب بيع الحيوان، ح4، وفيه: «فولدت له أولاداً فمات وُلْدُها».

(4) جملة «عن أبيه» موجودة في الوسائل، لكنّها غير موجودة في المصدر وهو التهذيب، ج8، ص277، باب المکاتب من کتاب العتق والتدبیر والمکاتبة، ح41.

374

قال رسول الله(صل الله عليه وآله): في رجل وقع على مكاتبته فنال من مكاتبته فوطأها قال: عليه مهر مثلها، فإن ولدت منه فهي على مكاتبتها، وإن عجزت فردّت في الرقّ فهي من أُمّهات الأولاد»(1).

وهذا إشارة إلى ما هو المركوز في الذهن عن أُمّهات الأولاد من تشبّثها بالحرّية.

ولكن لا دليل لنا على أنّ هذا التشبّث هو الموضوع التامّ لحرمة بيعها على المولى.

بل هناك نصّ صريح في خلاف ذلك، وهو صحيح ابن مارد عن أبي عبدالله(عليه السلام): «في الرجل يتزوّج الأمة فتلد منه أولاداً ثم يشتريها فتمكث عنده ما شاء الله لم تلد منه شيئاً بعد ما ملكها ثم يبدو له في بيعها؟ قال: هي أمته إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل بعد ذلك، وإن شاء أعتق»(2).

فأنت ترى أنّه رغم انطباق الحديث السابق على هذا الفرض حيث قال: «سبق فيها كتاب الله» فنفتي بأنّه لو مات مولاها فقد أصبح بعض أجزائها لأولادها؛ لأنّ كتاب الله قد حكم بالإرث فانعتقت بذاك المقدار، لكن رغم هذا يجوز لمولاها مادام حيّاً أن يبيعها ما لم يحدث عنده حمل بعد ذلك فتصبح بذلك أُمّ ولد.

هذا، وقد أفاد الشيخ الأنصاري رحمه الله: «إنّ المنع عن بيع أُمّ الولد قاعدة كلّية مستفادة من الأخبار...»(3).

وعلّق على ذلك الشيخ الآخوند الخراساني رحمه الله بقوله: «يمكن المناقشة في استفادتها من الأخبار التي ذكرها؛ وذلك لأنّ رواية محمد بن مارد ظاهرة في كون الكلام فيها مسوق لبيان جواز البيع قبل حدوث الحمل عنده وعدم كون الولد


(1) وسائل الشيعة، ج23، ص157، الباب14 من أبواب المكاتبة، ح1.

(2) المصدر السابق، ص172، الباب4 من أبواب الاستيلاد، الحديث الوحيد في الباب؛ وج21، ص201، الباب85 من تتمة نكاح العبيد والإماء، الحديث الوحيد في الباب.

(3) کتاب المكاسب، ج4، ص116.

375

بالتزويج مانعاً، لا لبيان المنع عنه بعد حدوثه أيضاً كي يدلّ بالمفهوم على الكلّية، كما يظهر بالتأمّل في السؤال عنه عليه السلام وجوابه»(1).

ورواية السكوني(2) لا دلالة فيها على المنع أصلاً، بل على أنّ المكاتبة إذا وطأها مولاها وصارت حبلى وعجزت عن أداء مال الكتابة كانت من أُمّهات الأولاد، ويترتّب عليها ما يترتّب من الأحكام عليها كما لا يخفى.

وصحيحة عمر بن يزيد(3) غاية دلالتها أنّ المقتضي للمنع في أُمّهات الأولاد كان مرتكزاً في ذهن السائل، حيث سأل عن الوجه المسوّغ للبيع، والإمام عليه السلام قد قرّره عليه، وهو غير الدلالة على عموم المنع فعلاً كما هو المدّعی....

وأمّا قول أميرالمؤمنين عليه السلام في جواب السائل عن بيع أمة أرضعت ولدها: «خذ بيدها فقل من يشتري منّي أُمّ ولدي»(4) فغاية الدلالة على ما في بيع أُمّ الولد في نفسه من الاستهجان والاستنكار عرفاً، لا المنع عنه شرعاً مطلقاً كما هو المدّعی،


(1) حاشيته على المكاسب، ص114 _ 115.

(2) يقصد بها رواية السكوني بسند فيه النوفلي: عن أبي عبدالله(عليه السلام): أنّ أميرالمؤمنين(عليه السلام) قال: «في مكاتبة يطؤها مولاها فتحمل، قال: يردّ عليها مهر مثلها وتسعی في قيمتها، فإن عجزت فهي من أُمّهات الأولاد». وسائل الشيعة، ج23، ص158، الباب14 من أبواب المكاتبة، ح2. وقد نقلها الشيخ في المكاسب، ج4، ص111 و121.

وهذا الحديث وإن كان غير تام السند بالنوفلي، ولكن هناك حديث آخر تام السند بمضمونه، وهو ما مضى من صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عن أبيه(عليه السلام) قال: «قال رسول الله(صل الله عليه وآله): في رجل وقع على مكاتبته فنال من مكاتبته فوطأها، قال: عليه مهر مثلها، فإن ولدت منه فهي على مكاتبتها، وإن عجزت فردّت في الرّقّ فهي من أُمّهات الأولاد». المصدر السابق، ص157، ح1.

(3) يقصد بها ما ورد في الوسائل، ج23، ص170، الباب2 من أبواب الاستيلاد، ح1 و2، وج18، ص278، الباب24 من أبواب بيع الحيوان، ح1.

(4) يقصد بذلك ما ورد في الوسائل، ج20، ص407، الباب19 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح1.

376

كيف ولا منع ظاهراً عن بيع أُمّ الولد رضاعاً؟! فافهم.

أقول: لعلّ أمره رحمه الله بالفهم إشارة إلى أنّ دلالة الحديث على أصل وضوح حرمة بيع اُمّ الولد في الجملة واضح. نعم، لا يتمّ فيه الإطلاق، والمنع عن بيع اُمّ الولد من الرضاع إن لم يُقبل يحمل على الكراهة.

وعلّق الشيخ النائيني رحمه الله _ بحسب ما ورد في منية الطالب _ على كلام الشيخ الخراساني رحمه الله بقوله: «والظاهر كون خروجه عنها [يعني خروج أُمّ الولد عن الطلقية] من الأُمور المسلّمة بين المسلمين، فلا وقع للبحث عن دلالة الأدلّة التي أُقيمت عليه وعدم دلالتها، كما في حاشية المحقّق الخراساني(قدس سره)»(1).

أقول: لم يكن مقصود المحقّق الخراساني رحمه الله إنكار حرمة بيع أُمّ الولد بالمناقشة في دلالة الروايات حتّى يصحّ الجواب عنه بأنّ حرمة بيعها وخروجها عن الطلقية من المسلّمات، وإنّما كان مقصوده رحمه الله عدم وجود إطلاق يصبح مرجعاً في موارد الشكّ.

فالصحيح في مناقشة الشيخ الخراساني هو إلفات النظر إلى ما فيه الإطلاق، وهو ما مضى من صحيحة ابن مارد عن أبي عبدالله عليه السلام «في الرجل يتزوّج الأمة فتلد منه أولاداً ثم يشتريها فتمكث عنده ما شاء الله لم تلد منه شيئاً بعد ما ملكها ثم يبدو له في بيعها؟ قال: هي أمته إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل بعد ذلك وإن شاء أعتق»(2)، وكون السؤال وارداً عن جواز البيع وعدمه قبل حدوث الحمل عنده لا يبطل إطلاق مفهوم الغاية الواضح ورودها في مقام التحديد لكلّيّ جواز البيع، وتوضيح ذلك: أنّ قوله: «هي أمته إن شاء باع» ظاهر في أنّ كونها أمته وملكاً له مقتض لمضيّ بيعها، وقوله: «ما لم يحدث عنده حمل بعد ذلك» ظاهراً في أنّ حدوث الحمل بعد ذلك


(1) منية الطالب، ج2، ص295.

(2) وسائل الشيعة، ج23، ص172، الباب4 من أبواب الاستيلاد، الحديث الوحيد في الباب، وج 21، ص201، الباب85 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الوحيد في الباب.

377

يُنهي أثر هذا المقتضي، وبما أنّنا نعلم يقيناً أنّه لا مقتضي آخر في المقام لجواز البيع غير الملك أو قل: كونها أمة له، فالنتيجة أنّه بمجرّد حدوث الحمل ينتهي جواز البيع، ولا وجه لعدم الإطلاق لذلك، وكون السؤال منصبّاً على ما في المغيّی لا الغاية لا يوجب افتراض أنّ الجواب لم يعلم إلا كونه في مقام بيان المغيّى ولم يعلم كونه في مقام البيان بالنسبة للغاية حتّى يتمّ الإطلاق لها. فالصحيح تمامية الإطلاق في الحديث في جملة المغيّى وفي جملة الغاية معاً.

اختصاص المنع بالبیع وعدمه

ثم هل الممنوع خصوص البيع أو مطلق الناقل كالهبة مثلاً أو المصالحة؟

الظاهر هو الإجماع على أنّ المقصود بالبيع مطلق النقل عدا ما نقله الشيخ الأنصاري رحمه الله حيث قال _ بعد استظهاره من كلمات أصحابنا إرادة مطلق النقل ولو بغير البيع _ : «ومع ذلك كلّه فقد جزم بعض سادة مشایخنا بجواز غير البيع من النواقل؛ للأُصول، وخلوّ كلام المعظم عن حكم غير البيع»(1).

وقد أفاد الشيخ الأنصاري رحمه الله: «أنّ عموم المنع لكلّ ناقل وعدم اختصاصه بالبيع قول جميع المسلمين ]يعني شيعةً وسنّةً[»(2)، ووجه ذلك ظاهر، وهو الفهم العرفي من كلمة البيع في المقام بمناسبات الحكم والموضوع وخاصّة مع ارتكاز كون حكمة الحكم هي التشبّث بالحرّية.

ثم إنّ هذه القاعدة الكلّية من حرمة بيع المولى أُمّ ولدها أو مطلق النقل لها استثناءاتها، وعلى ذلك تحمل صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «قال: سألته عن


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص109. وطبّق المخرّج «بعض سادةَ مشايخنا» تحت الخطّ على صاحب كتاب المناهل، ص320، التنبيه السادس أعني: السيّد محمد المجاهد(رحمه الله) ابن صاحب الرياض.

(2) المصدر السابق.

378

أُمّ الولد قال: أمة تباع وتورث وتوهب وحدّها حدّ الأمة»(1)، ولو فرض أنّ المقصود منها أنّ أُمّ الولد ملك طلق تماماً فهو ساقط بالقطع بالخلاف.

موارد جواز بیع أُمّ الولد

وهنا ننتقل إن شاء الله إلى البحث عن موارد جواز بيع أُمّ الولد.

وقد حصر الشيخ رحمه الله المواضع القابلة للاستثناء _ وإن وقع الکلام في استثنائها لأجل وجود ما يصلح أن يكون أولى بالملاحظة من الحقّ _ فيما يجمعها أحد أُمور أربعة:

1_ تعلّق حقّ للغير بها.

2_ أو تعلّق حقّها بتعجيل العتق. (ومجموع الأُمور التي عدّدها الشيخ بعد ذلك أوسع من عنوان تعجيل العتق كما سيأتي إن شاء الله).

3_ أو تعلّق حقّ سابق على الاستيلاد.

4_ أو عدم تحقّق الحكمة المانعة عن النقل(2).

فمن أمثلة القسم الأوّل: ما إذا كان على مولاها ثمن رقبتها ولم يكن له ما يؤدّى به هذا الدين.

إلّا أنّ النصّ الذي ورد في بيعها لأداء ثمن رقبتها إنّما ورد فيما بعد موت المولى، وهو صحيحة عمر بن يزيد الماضية عن أبي إبراهيم عليه السلام «قال: قلت له: أسألك؟ قال: سل. قلت: لِمَ باع أمير المؤمنين عليه السلام أُمّهات الأولاد؟ فقال: في فكاك رقابهنّ. قلت: وكيف ذاك؟ قال: أيّما رجل اشترى جارية فأولدها ثم لم يؤدّ ثمنها ولم يدع من المال ما يؤدّى عنه أُخذ ولدها منها وبيعت وأُدّي ثمنها قلت: فتباع فيما سوى ذلك من الدين؟ قال: لا»(3). وهذه الصحيحة _ كما ترى واردة في البيع بعد موت المولى.


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص279، الباب24 من أبواب بيع الحيوان، ح3.

(2) کتاب المكاسب، ج4، ص118.

(3) وسائل الشيعة، ج23، ص170، الباب2 من أبواب الاستيلاد، ح1 و2، وج18، ص278، الباب24 من أبواب بيع الحيوان، ح1.

379

وهناك وجهان لإسراء الحكم إلى زمان حياة المولى لیثبت جواز بيعه لها:

أحدهما: أنّه لو جاز بيعها بعد موته لأداء دين المولى الثابت على أساس ثمن رقبتها فجواز ذلك لنفس المولى أولى؛ وذلك لأنّ المترقّب بعد الموت انعتاقها بسبب إرث ولدها إيّاه ومع ذلك جاز بيعها، فكيف الحال في زمن المولى الذي لا إشكال في بقائها فيه على الرّقية الكاملة للمولى؟!

والجواب على ذلك واضح، وهو أنّه من المحتمل أنّ الدين بعد وفاة المولى هو الذي منع عن إرث ولدها إيّاها، كما أنّ الدين على العموم يمنع الورثة عن الإرث على ما ورد في القرآن: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾(1) بفرق أنّ مطلق الدين هو المانع عن مطلق الإرث بحكم الآية الكريمة، ولكن في خصوص أُمّ الولد لا يمنع عن إرث ولدها إيّاها إلّا ثمن رقبتها دون سائر الديون؛ لصريح ذيل الصحيحة: «قلت: فتباع فيما سوى ذلك من الدين؟ قال: لا» أمّا التعدّي إلى زمان حياة المولى فلا وجه له، فإنّ حكمة المنع لا زالت موجودة.

وثانيهما: التمسّك برواية أُخرى لعمر بن يزيد، وهي ما رواه الحسين بن محمد عن معلّى بن محمد عن الحسن بن علي عن حمّاد بن عثمان عن عمر بن يزيد عن أبي الحسن عليه السلام قال: «سألته عن أُمّ الولد تباع في الدين؟ قال: نعم في ثمن رقبتها»(2)، فهذا بإطلاقه يشمل زمان حياة المولى.

وفيه أوّلاً: ضعف السند بمعلّى بن محمد.

وثانياً: قوّة احتمال وحدة الروايتين؛ لاتّحادهما من حيث الراوي والإمام، وتماثلهما في المضمون بفرق أنّ الأُولى صريحة في النظر إلى ما بعد الموت، والثانية تتحمّل الإطلاق لما قبل موت المولى، فنكاد نطمئنّ أنّ المقصود بالثانية هي عين المقصود


(1) النساء: 11.

(2) وسائل الشيعة، ج18، ص278، الباب24 من أبواب بيع الحيوان، ح2.

380

بالأُولى، فتحمل الثانية على نفس ما هو المقصود _ بوضوح _ من الأُولى.

بل إنّ الشيخ النائيني رحمه الله _ على ما ورد في منية الطالب(1) _ ادّعى أنّ هذه الرواية الثانية أيضاً ظاهرة فيما بعد موت المولى؛ فإنّ كلمة «تباع» في قوله: «تباع في الدين؟» ظاهرة فيما بعد الموت، وكأنّه رحمه الله يقصد أنّه بالنسبة لبيع المولى يعبّر بتعبير: يبيعها في الدين، لا بتعبير: تباع في الدين. هذا كلّه في بيعها في ثمن رقبتها.

أمّا بيعها في دين آخر في حياة مولاها فنحن بعد أن لم نجز بيعها في حياة مولاها في ثمن رقبتها فما ظنّك ببيعها في دين آخر؟!

وقد أفاد الشيخ الأنصاري رحمه الله: «أمّا بيعها في دين آخر، فإن كان مولاها حيّاً لم يجز إجماعاً على الظاهر المصرّح به في كلام بعض [وفسّر محقّق الكتاب تحت الخطّ هذا البعض بالمحقّق التستري في مقابس الأنوار(2)(3). وأمّا بيعها بعد موت مولاها في دين آخر غير ثمن رقبتها فهو المصرّح بعدم جوازه في ذيل صحيحة عمر بن يزيد الماضية: «قلت: فتباع فيما سوى ذلك من الدين؟ قال: لا».

ومن أمثلة القسم الأوّل أيضاً: ما إذا جنت على غير مولاها في حياته.

قال الشيخ الأعظم رحمه الله: «أمّا بعد موته فلا إشكال في حكمها؛ لأنّها بعد موت المولی تخرج عن التشبّث بالحرّية إمّا إلى الحرّية الخالصة أو الرقّية الخالصة»(4).

وقال رحمه الله أيضاً: «حكم جنايتها عمداً أنّه إن كان في مورد ثبت القصاص فللمجنيّ عليه القصاص، نفساً كان أو طرفاً، وله استرقاقها كاملاً أو بعضها على حسب جنايتها، فيصير المقدار المسترقّ منها ملكاً طِلقاً»(5).


(1) منية الطالب، ج2، ص299.

(2) مقابس الأنوار ونفائس الأسرار في أحکام النبي، ص165.

(3) کتاب المكاسب، ج4، ص125.

(4) المصدر السابق، ص134.

(5) المصدر السابق

381

ولا إشكال في أنّ هذا في الحقيقة ليس استثناءً، فإنّ النقل ليس من قِبل المولى، وإنّما الخيار للمجنيّ عليه أو ورثته، فإذا استرقّوها كلّاً أو بعضاً فانتقل كلّها أو بعضها له أو لهم لم يكن هذا من قِبل المولى، وقد أصبحت بذاك المقدار ملكاً طلقاً له أو لهم، فإذا باعها أو باعوها فهي ليست أُمّ ولد للبائع كي يرجع ذلك إلى استثناء.

وأمّا لو كانت الجناية خطأية فلا يجوز للمولى تسليمها إلى المجنيّ عليه أو وارثه _ أو قل: التخلية بينها وبينه_ لأنّ هذا نقل عمديّ، فهو داخل في النهي، فينحصر الأمر في تحمّل المولى خطأها بالمال.

ومن أمثلة القسم الأوّل أيضاً: ما إذا جنت على مولاها بما يوجب صحّة استرقاقها لو كان المجنيّ عليه غير المولى، فهل تعود ملكاً طلقاً بجنايتها على مولاها فيجوز له التصرّف الناقل فيها، أو لا؟

أفاد الشيخ الأنصاري رحمه الله: أنّ الثاني هو المشهور؛ إذ لم يتحقّق بجنايتها على مولاها إلّا جواز الاقتصاص منها، وأمّا الاسترقاق فهو تحصيل للحاصل(1).

وأمّا الجناية على مولاها خطأً فقد أفاد الشيخ رحمه الله(2): لا إشكال في أنّها لا تجوّز التصرّف فيها كما لا يخفى، وقد استشهد رحمه الله _ زائداً على أنّ عدم جواز التصرّف ليس بحاجة إلى نصّ _ بروايتين:

الأُولى: موثّقة غياث عن جعفر عن أبيه عليه السلام عن علي عليه السلام «قال: إذا قتلت أُمّ الولد سيّدها خطأً فهي حرّة ليس عليها سعاية»(3).

والثانية: رواية وهب بن وهب _ الساقطة سنداً _ عن جعفر عن أبيه عليه السلام «أنّه كان يقول: إذا قتلت أُمّ الولد سيّدها خطأً فهي حرّة لا تبعة عليها، وإن قتلته عمداً


(1) المصدر السابق، ص138 _ 139.

(2) المصدر السابق، ص139.

(3) وسائل الشيعة، ج29، ص215، الباب11 من أبواب ديات النفس، ح2.

382

قتلت به»(1).

وهناك رواية رواها الشيخ الطوسي رحمه الله بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أبي عبدالله_ المردّد بين البرقي الثابت وثاقته والجاموراني غير الثابت وثاقته _ عن الحسن بن علي عن حمّاد بن عيسى عن جعفر عن أبيه عليه السلام «قال: إذا قتلت أُمّ الولد سيّدها خطأً سعت في قيمتها»(2).

وهذه تعارض الروايتين السابقتين؛ لأنّهما تدلّان على أنّه لا سعاية عليها، وهذه تدلّ على أنّها تسعى في قيمتها.

وقد جُمع بينها وبين الروايتين بوجوه:

الوجه الأوّل: ما أفاده الشيخ الأنصاري رحمه الله من إمكان حمل الأخيرة على سعيها في بقية قيمتها إذا قصر نصيب ولدها(3)، فهي قد انعتقت بمقدار نصيب ولدها، وانعتق ما زاد عن نصيب الولد بحكم السراية، ولكن يبقى عليها السعي في بقية القيمة، وعدم السعي عليها محمول على عدم السعي بالنسبة للمقدار الذي هو نصيب الولد.

الوجه الثاني: ما عن الشيخ الطوسي رحمه الله من أنّ الحديث الدالّ على السعي في قيمتها محمول على الخطأ الشبيه بالعمد؛ لأنّ من يقتل أحداً بخطأ شبيه بالعمد تلزمه الدية في ماله إن كان حرّاً، وأمّا إن كان معتقاً لا مولى له يستسعى في الدية، وهي الآن معتقة لا مولى لها فتستسعى في الدية(4)، وديتها قيمتها، وأمّا الخطأ المحض


(1) وسائل الشيعة، ج29، ص216، الباب11 من أبواب ديات النفس، ح3.

(2) تهذيب الأحکام،‌ ج10، ص200، باب القود بین الرجال والنساء... من کتاب الدیات، ح90.

(3) کتاب المكاسب، ج4، ص140.

(4) لا يخفى أنّ أُمّ الولد لو قتلت سيّدها خطأً شبيهاً بالعمد فمقتضی القاعدة أنّها بعد أن انعتقت تكون عليها دية المولى كاملة تسلّم إلى ورثة المولى؛ لأنّ دية شبيه العمد ليست على العاقلة، وأمّا لو لم تنعتق كما لو كان قد مات ولدها فمولاها الجديد يسلّم الدية إلى ورثة المولى القديم.

383

فإنّه يلزم المولى، فإن لم يكن كان على بيت المال(1).

الوجه الثالث: ما عن الشيخ الطوسي أيضاً، وهو حمل الحديث الدالّ على الاستسعاء على ما لو كان قد مات ولدها، وحمل الحديث الدالّ على عدم الاستسعاء على ما إذا كان الولد موجوداً وقت موت المولى(2).

وجعل الشيخ الحرّ رحمه الله الوجه الثاني أقرب من الوجه الثالث(3).

والمهمّ أنّ أصل حديث الاستسعاء ساقط سنداً. وأمّا وجوه الجمع الثلاثة فكلّها وجوه تبرّعية.

ومن أمثلة القسم الأوّل أيضاً: ما إذا جنى حرّ عليها بما فيه ديتها.

ووجه استثنائها عندئذٍ عن منع النقل هو أنّها لو لم تكن مستولدة كان المولى مخيّراً بين دفعها إلى الجاني وأخذ قيمتها وبين إمساكها من دون أخذ القيمة؛ إذ لو أمسكها وأخذ القيمة لزم الجمع بين العوض والمعوّض، فلو طبّقنا التخيير هذا على المورد كان معنى ذلك أنّه يجوز له دفعها إلى الجاني لكي يأخذ القيمة منها.

ولكن بالمقابل أفاد الشيخ الأنصاري رحمه الله احتمال أنّ حرمة النقل تجبر المولى شرعاً على إمساكها وعدم أخذ القيمة(4).

ثم أفاد رحمه الله أنّ المسألة من أصلها موضع إشكال، فقد نقول: ليمسك الأمة؛ لأنّها مستولدة ومع ذلك يأخذ الدية؛ لأنّ الدية عوض شرعي عمّا فات بالجناية، فليس هذا جمعاً بين العوض والمعوّض(5).


(1) راجع وسائل الشيعة، ج29، ص216، الباب11 من أبواب ديات النفس، ذيل الحديث الثالث.

(2) راجع المصدر السابق.

(3) راجع المصدر السابق.

(4) کتاب المكاسب، ج4، ص140.

(5) المصدر السابق، ص140 _ 141

384

ومن أمثلة القسم الأوّل أيضاً: ما إذا لحقت بدار الحرب ثم استرقّت، وكذا لو أسرها المشركون ثم استعادها المسلمون.

إلّا أنّ هذا المثال _ أو هذين المثالين _ أيضاً في غير محلّه، فإنّها لو صارت إلى مولاها فهي أُمّ ولد له، ولا دليل على جواز بيعها أو نقلها، ولو فرض أنّه ملكها غير مولاها وصحّت هذه الملكية فلا يكون هذا الانتقال داخلاً في الاستثناء؛ لأنّه انتقال، وليس نقلاً من قِبل المولى، ولا بيع المولى الثاني لها داخل في الاستثناء؛ لأنّها ليست أُمّ ولد له.

وقال الشيخ الأنصاري رحمه الله: «المحكي عن الأكثر والمنصوص أنّها تردّ على مالكها ويغرم قيمتها للمقاتلة»(1).

أقول: لم أر نصّاً بهذا الصدد بشأن أُمّ الولد بالخصوص، ولعلّ الشيخ رحمه الله ينظر _ فيما فرضه منصوصاً _ إلى رواية وردت بشأن الجارية التي أُسرت من قِبل المشركين ثم أُرجعت بالغنيمة من قِبل المسلمين، والراوي هو طربال _ والذي لم نجد بشأنه توثيقاً _ عن أبي جعفر عليه السلام أو أبي عبدالله(عليه السلام)(2) «سُئل عن رجل كان له جارية فأغار عليه المشركون فأخذوها منه، ثم إنّ المسلمين بعدُ غزوهم فأخذوها فيما غنموا منهم؟ فقال(عليه السلام): إن كانت في الغنائم وأقام البيّنة أنّ المشركين أغاروا عليهم فأخذوها منه ردّت عليه، وإن كانت قد اشتريت وخرجت من المغنم فأصابها(3) بعدُ ردّت عليه برمّتها(4)، وأُعطي الذي اشتراها الثمن من المغنم من جميعه. قيل له: فإن لم يصبها حتّى تفرّق الناس وقسموا جميع الغنائم فأصابها بعدُ؟ قال: يأخذها من الذي هي في يده إذا أقام البيّنة، ويرجع الذي هي في يده إذا أقام البيّنة على أمير الجيش بالثمن».


(1) المصدر السابق، ص141.

(2) في تهذيب الأحکام، ج6، ص160، باب المشرکین يأسرون أولاد المسلمین و... من کتاب الجهاد وسیرة الإمام(عليه السلام)،ح5، عن أبي جعفر(عليه السلام)، وفي الاستبصار، ج3، ص6، ح5، عن أبي عبدالله(عليه السلام).

(3) أي: أصابها صاحبها الذي أغار عليه المشركون.

(4) أي: بجملتها الكاملة من غير تقسيم أو إشراك باقي المقاتلة.

385

وبالمقابل يوجد حديثان تامّان سنداً لیسا في الجارية بالخصوص، بل في مطلق المتاع أو المال:

أحدهما: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام «قال: سألته عن رجل لقيه العدوّ وأصاب منه مالاً أو متاعاً ثم إنّ المسلمين أصابوا ذلك، كيف يصنع بمتاع الرجل؟ فقال: إذا كانوا أصابوه قبل أن يحوزوا متاع الرجل ردّ عليه(1)، وإن كانوا أصابوه بعد ما حازوه فهو فيء المسلمين، فهو(2) أحقّ بالشفعة»(3).

والثاني: صحيح هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام «قال: سأله رجل عن الترك يغيرون على المسلمين فيأخذون أولادهم فيسرقون منهم أيردّ عليهم؟ قال: نعم، والمسلم أخو المسلم، والمسلم أحقّ بماله أينما وجده»(4).

وهذا كما ترى يدلّ على أنّ المتاع صار فيئاً، ولكن من حقّ ذاك المسلم شراءه من الفيء بالمال. وهناك روايتان أُخريتان غير تامّتين سنداً بمضامين أُخرى(5).

وعلى أيّ حال فأصل ما اختلفت فيه هذه الروايات ليس هنا محلّ بحثه.

والمهمّ ممّا هو مرتبط بنا أنّه على كلّ تقدير لا مورد لهذا الاسثناء في المقام.

ومن أمثلة القسم الأوّل أيضاً: ما إذا خرج مولاها عن الذمّة ومُلكت أمواله التي هي منها.

وكون ذلك أجنبيّاً عن المقام واضح أيضاً، فامتلاك أمواله انتقال، وليس نقلاً،


(1) كأنّ المقصود: إن أصاب المسلمون متاع الرجل قبل أن يحوزوه بالقتال واستطاعوا نهبه من ذاك العدوّ ردّ على ذلك المسلم، وأمّا إن أرجعوه بالقتال فهو فيء ولكن من حقّ ذاك المسلم أخذ متاعه بالثمن.

(2) في الكافي، ج5، ص42، باب من کتاب الجهاد، ح2، وتهذيب الأحکام، ج6، ص160، باب المشرکین يأسرون أولاد المسلمین و... من کتاب الجهاد وسیرة الإمام(عليه السلام)، ح3: «وهو» بدل «فهو».

(3) وسائل الشيعة، ج15، ص98، الباب35 من أبواب جهاد العدوّ وما یناسبه، ح2.

(4) المصدر السابق، ح3.

(5) راجع المصدر السابق، ص97، ح1، وص99، ح4

386

وأُمّ الولد ليست أُمّ ولد لمن يملكها حتّى يحرم عليها بيعه.

ومن أمثلة القسم الأوّل أيضاً: ما إذا كان مولاها ذمّيّاً وقتل مسلماً، على ما ورد في كلام الشيخ الأنصاري من «أنّه يدفع هو وأمواله إلى أولياء المقتول»(1).

وهذا أيضاً خارج عن المقام بنفس البيان الذي أشرنا إليه في المثال السابق.

وأمّا القسم الثاني: «وهو ما إذا عرض لها حقّ لنفسها أولى بالمراعاة من حقّ الاستيلاد»، وهذا التعبير هو الوارد في عبارة الشيخ الأنصاري(2)، وهو كما ترى عنوان أوسع من العنوان الذي ذكره في مستهلّ شروعه في مستثنيات المنع عن بيع أُمّ الولد وهو عنوان «تعلّق حقّها بتعجيل العتق»(3).

وعلى أيّ حال فمن أمثلة هذا القسم ما إذا أسلمت وهي أمة ذمّي.

ونصّ كلام الشيخ الأنصاري رحمه الله ما يلي: «فمن موارده ما إذا أسلمت وهي أمة ذمّي؛ فإنّها تباع عليه بناء على أنّ حقّ إسلامها المقتضي لعدم سلطنة الكافر عليها أولى من حقّ الاستيلاد المعرّض للعتق، ولو فرض تكافؤ دليلهما كان المرجع عموم صحّة البيع دون قاعدة «الناس مسلّطون على أموالهم» المقتضية لعدم جواز بيعها عليه؛ لأنّ المفروض: أنّ قاعدة «السلطنة» قد ارتفعت بحكومة أدلّة نفي سلطنة الكافر على المسلم، فالمالك ليس مسلّطاً قطعاً، ولا حقّ له في عين الملك جزماً...»(4).

أقول: أمّا رواية: «الناس مسلّطون على أموالهم» فهي ليست إلّا مرسلة عوالي اللآلي(5) وهي في غاية السقوط سنداً.


(1) کتاب المکاسب، ج4، ص142.

(2) المصدر السابق.

(3) المصدر السابق، ص118.

(4) کتاب المكاسب، ج4، ص142.

(5) عوالي اللئالي، ج3، ص208، باب التجارة، ح60

387

وأمّا آية ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيْلَاً﴾(1) فظاهرها _ بعد صرفها عن السبيل التكويني _ أنّها تعني أنّ الإسلام ساطع البرهان، وليس للكافرين سبيل إلى دحض حجج المؤمنين، فوزانها من حيث الدلالة وزان النبوي المرسل: «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه»(2). ولو فرض احتمال إرادة نفي التملّك أو تحريمه فغاية ما في الباب الإجمال.

نعم، يبقى في المقام حديث حمّاد بن عيسى عن أبي عبدالله(عليه السلام): «أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام أُتي بعبد ذمّي قد أسلم فقال: اذهبوا فبيعوه من المسلمين، وادفعوا ثمنه إلى صاحبه، ولا تقرّوه عنده»(3).

وهذه الرواية رواها صاحب الوسائل عن الشيخ الطوسي في النهاية عن حمّاد بن عيسى(4) وعن الكليني عن محمد بن يحيى رفعه عن حمّاد بن عيسى(5)، وعن تهذيب الشيخ الطوسي بإسناده عن محمد بن يحيى رفعه عن حمّاد بن عيسى(6).

فالرواية وفق نقل الكليني في الكافي والشيخ في التهذيب مرفوعة لا عبرة بسندها.

إنّما الكلام في إمكانية تصحيح سند الشيخ إلى حمّاد بن عيسى في نقله في النهاية، فقد يمكن أن يصحّح ذلك بذكر ثلاث مقدّمات:

المقدّمة الأُولى: دعوى ظهور نقل الشيخ في النهاية في أنّه نقل الحديث عن متن كتاب حمّاد بن عيسى.


(1) النساء: 141.

(2) وسائل الشيعة، ج26، ص14، الباب الأوّل من أبواب موانع الإرث، ح11.

(3) المصدر السابق، ج17، ص380، الباب28 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث الوحيد في الباب.

(4) النهاية، ص349، ح2.

(5) الکافي، ج7، ص432، باب النوادر من کتاب القضایا والأحکام، ح19

(6) تهذيب الأحکام، ج6، ص287، باب البینات من کتاب القضایا والأحکام، ح2.

388

المقدّمة الثانية: دعوى أنّه لم يكن قد وصل إلى الشيخ كتاب لحمّاد بن عيسى إلّا كتب ثلاثة بدليل أنّه لم يذكر في الفهرست عدا تلك الكتب الثلاثة، وهي كتاب النوادر وكتاب الزكاة وكتاب الصلاة، قال رحمه الله: «أخبرنا بها عدَّة من أصحابنا عن أبي المفضّل عن ابن بطّة عن أحمد بن أبي عبدالله عن حمّاد»(1).

وإن كان الطوسي في النهاية قد أخذ هذا الحديث من متن كتاب حمّاد فأكبر الظنّ أنّه أخذه من نوادره؛ لأنّ الرواية لا علاقة لها بكتاب الزكاة وكتاب الصلاة.

المقدّمة الثالثة: أنّ سند الشيخ إلى هذه الكتب الثلاثة وإن لم يكن تامّاً، ولكن يمكن الاستفادة من نظرية التعويض؛ لأنّ للشيخ أكثر من سند واحد تام إلى أحمد بن أبي عبدالله، على ما رواه القهبائي(2).

والنصّ ما يلي: قال(قدس سره) [يعني في مشيخة التهذيب]: «ما ذكرته عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي فقد أخبرني به الشيخ أبو عبدالله عن أبي الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن أبيه عن سعد بن عبدالله عنه، وأخبرني أيضاً الشيخ عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه عن أبيه ومحمد بن الحسن بن الوليد عن سعد بن عبدالله والحميري عن أحمد بن أبي عبدالله...»(3).

إلّا أنّ الذي يريبني في هذا الوجه من تصحيح السند هو التشكيك في المقدّمة الأُولى، أعني: نقل الشيخ في النهاية للحديث عن متن كتاب حمّاد؛ وذلك لما عرفت من أنّ الشيخ نفسه رواه في التهذيب بسنده إلى محمد بن يحيى مرفوعاً عن حمّاد بن عيسى.

والذي يهوّن الخطب ما أفاده السيّد الخوئي رحمه الله: من «تسالم الفقهاء من أصحابنا وإجماعهم على عدم جواز نقله إلى الكافر»(4)، وهذا يلازم وجوب نقل الأمة عن


(1) النساء: 141.

(2) وسائل الشيعة، ج26، ص14، الباب الأوّل من أبواب موانع الإرث، ح11.

(3) المصدر السابق، ج17، ص380، الباب28 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث الوحيد في الباب.

(4) النهاية، ص349، ح2.

(5) الکافي، ج7، ص432، باب النوادر من کتاب القضایا والأحکام، ح19

(6) تهذيب الأحکام، ج6، ص287، باب البینات من کتاب القضایا والأحکام، ح2.

389

ملك الذمّي إذا أسلمت.

فهو رحمه الله وإن كان لا يرى صحّة ما يقال من بطلان ملك الكافر للمسلم وضعاً، لكنّه يرى أنّ حرمة تمليك الكافر للرقبة المسلمة ووجوب بيعها لو أسلمت وهي تحت ملك الذمّي من المسلّمات لدى الأصحاب.

يبقى الكلام في أنّه هل يا ترى أنّ حقّها في بقائها تحت يد الذمّي حتّى تنعتق بعد موته بانتقالها إلى ولدها هو الأولى بالمراعاة أو حقّها في عدم بقائها مقهورة بيد الذمّي فتباع رغم كونها في معرض العتق؟

أفاد الشيخ الأنصاري رحمه الله: «إنّما الكلام في تعارض حقّي أُمّ ولد من حيث كونها مسلمة، فلا يجوز كونها مقهورة بيد الكافر، ومن حيث كونها في معرض العتق، فلا يجوز إخراجها عن هذه العرضة، والظاهر أنّ الأوّل أولى، للاعتبار، وحكومة قاعدة «نفي السبيل» على جلّ القواعد، ولقوله(صل الله عليه وآله): الإسلام يعلو، ولا يعلى عليه»(1).

أقول: أمّا الاستدلال بنفي السبيل وبـ «الإسلام يعلو، ولا يعلى عليه» فقد بيّنّا آنفاً ما يرد عليهما: من أنّهما لا يدلّان على أكثر من أنّ الإسلام ساطع البرهان وأنّ الكافرين لا يستطيعون دحض تلك البراهين. وأمّا الاعتبار فلا يخرج عن حيطة الاستحسان الذي لا حجّية له لدى الشيعة.

والذي يخطر ببالي عاجلاً هو أنّه لا تنافي بين الحقّين أصلاً، فلو بقيت تحت ملك الذمّي إلى أن مات انعتقت من حصّة الولد، ولو بيعت من قِبل الحكومة الإسلامية رغم الذمّي فهذا البيع ليس من قِبل مولاها الذمّي حتّى نقول ببطلانه لعدم صحّة بيع أُمّ الولد، وإنّما هذا البيع من وظيفة الحكومة الإسلامية، ودليل بطلان بيعها لم يدلّ على أكثر من أنّ البيع الذي هو من حقّ المولى ساقط، أمّا البيع الذي هو من وظيفة الحكومة الإسلامية ابتداءً أو إمضاءً لبيع المولى لو باع فلا دليل على سقوطه.


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص142 _ 143.

390

وقد اتّضح بهذا أنّ هذا الفرع لا علاقة له بالاستثناء من حرمة بيع أُمّ الولد.

والمثال الثاني لهذا القسم: ما ذكره الشيخ، ونصّه ما يلي: «ما إذا عجز مولاها عن نفقتها ولو بكسبها فتباع على من ينفق عليها على ما حكي عن اللمعة وكنز العرفان وأبي العبّاس والصيمري والمحقّق الثاني»(1).

وقد استحسن الشيخ الأنصاري رحمه الله(2) المنع عن البيع؛ لإطلاق دليل المنع، فتوكَلُ نفقتها على أيّ طريق آخر شرعي من أمرها بالتكسّب، فإن عجزت أُنفق عليها من بيت المال، ولو كانت الكفاية بالتزويج زُوّجت، داعماً رحمه الله بهذا فتوى صاحب القواعد.

بل نقل رحمه الله عن القواعد: أنّه لو تعذّر الجميع ففي البيع إشكال.

بل الشيخ الأنصاري رحمه الله عبّر بتعبير «لا يبعد المنع عن البيع أيضاً [يعني حتّى مع تعذّر الجميع]، وفَرْضُها كالحرّ في وجوب سدّ رمقها كفاية على جميع من اطلع عليها»(3).

ثم استثنى الشيخ رحمه الله حالة واحدة، وهي ما لو فرض عدم ذلك أيضاً أو كون ذلك ضرراً عظيماً عليها، فقال رحمه الله: «لا يبعد الجواز»، أي: جواز البيع، واستشهد رحمه الله لذلك بعدد من الوجوه:

1_ حكومة أدلّة نفي الضرر.

2_ أنّ رفع هذا عنها أولى من تحمّلها ذلك رجاء أن تنعتق من نصيب ولدها.

3_ احتمال القصور في أصل أدلّة المنع عن البيع بدعوى أنّ دليل المنع مفاده ترجيح حقّ الاستيلاد على حقّ مالكها في البيع لا على حقّها الآخر.

ثم أمر رحمه الله بالتدبّر (4)، ولعلّه إشارة إلى أنّه لو أمكن النقاش في بعض هذه الوجوه كفانا ما عداه.


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص143.

(2) المصدر السابق، ص144.

(3) المصدر السابق.

(4) المصدر السابق.

391

والمثال الثالث لهذا القسم: بيعها على من تنعتق عليه؛ لأنّ فيه تعجيل حقّها. قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: «وهو حسن لو عُلم أنّ العلّة حصول العتق، فلعلّ الحكمة انعتاقٌ خاصّ [يعني الانعتاق عن طريق إرث ولدها]. اللهمّ إلّا أن يستند إلى ما ذكرنا أخيراً في ظهور أدلّة المنع، أو يقال: إنّ هذا عتق في الحقيقة»(1).

أقول: إنّ الوجه الأوّل وهو الرجوع إلى ما ذكر أخيراً في الفرع السابق _ من احتمال القصور في أصل أدلّة المنع بدعوى أنّ دليل المنع مفاده ترجيح حقّ الاستيلاد على حقّ مالكها في البيع لا على حقّها الآخر _ لا يرجع إلى محصّل؛ لأنّه لو فرضنا أنّ الحكمة في انعتاق خاصّ فليس لها هنا حقّ آخر يوجب البيع حتّى يقال: إنّ البيع لم يكن لحقّ مالكها بل كان لحقّها، وإنّما هو بيع لحقّ مالكها، غاية الأمر أنّ الرغبة في البيع قد يكون إنّما انقدحت في نفس المولى حبّاً للتعجيل في انعتاقها.

وأمّا الوجه الثاني _ وهو أنّ هذا عتق لها في الحقيقة _ فيمكن توجيهه بأن يقال: إنّ هذا البيع ليس نقلاً لها إلى من تنعتق عليه حتّى يقال بحرمة نقل أُمّ الولد؛ لأنّ الأمة لا تنتقل إلى ولدها مثلاً ولو آناً ما، وإنّما بيعها على ولدها مثلاً يعني مجرّد افتراض الملكية التقديرية له إيّاها لا الملكية الحقيقية، فهذا البيع يوجب رأساً انعتاقها.

وعبّر الشيخ النائيني رحمه الله في منية الطالب بتعبير آخر، وهو: «أنّ أدلّة المنع عن جواز التصرّفات الناقلة من المولى لا تشمل ذلك؛ فإنّ ظاهرها المنع عن إخراجها عن ملكه الموجب لتفويت أثر الاستيلاد. وبعبارة أُخرى: تنصرف الأدلّة إلى الملك المستقرّ، لا الملك آناً مّا والنقل الموجب لانعتاقها فوراً على من اشتراها»(2).

فعلى تعبير الشيخ النائيني حتّى لو آمنّا بالملكية آناً ما لا الملكية التقديرية والافتراضية لا مانع من بيعها على من تنعتق عليه.


(1) المصدر السابق، ص145.

(2) منية الطالب، ج2، ص318 _ 319.