136

قال: «بأمر اللّه من أن يقع في الرَّكي(1) أو أن يقع عليه حائط أو يصيبه شيء حتّى إذا جاء القدر خلّوا بينه وبينه یدفعونه إلی المقادير، وهما ملكان يحفظانه بالليل وملكان بالنهار يتعاقبانه»(2).

قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبَّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرَّطُونَ﴾(3).

أي: إنّ هناك حفظةً يحفظونكم وأنتم لا تعلمون، يحفظونكم من البلايا والمهالك مادام وقت الموت لم يَحِن بعد، فإذا جاء أجل الموت أحداً منكم، فإنّ الملائكة تتوفّاه.

خامساً: ما ورد في الشهادة والقتل بشكل خاصّ

فهناك ما يدلّ على أنّ الاستشهاد والقتل في سبيل اللّه تعالى مقدّر أيضاً بقدر، ومكتوب في حساب اللّه تعالى، وذلك من قبيل قوله


(1) البئر.

(2) البرهان في تفسير القرآن ، ج3، ص235، ح4.

(3) الأنعام: 60 _ 61.

137

تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُم مِنْ بَعْدِ الْغَمَّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّٰهِ غَيْرَ الْحَقَّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلّٰهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِم مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّٰهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّٰهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾(1).

وهناك بيتان معروفان منسوبان إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) بشأن الموت بشكل عامّ سواءٌ كان بالقتل أم بغيره، وهما:

أيُّ يــومـيّ مـن المــوت أفـــرّ يـوم لـم يـقـدر أو يـوم قــدر

يوم لم يقدر لا أخشى الردى يوم قد قدّر لا يغني الحذر

سادساً: ما ورد في الهداية والضلالة

فهناك آيات كثيرة ظاهرها أنّ هذا مقدّر ومقضيّ في حساب اللّه تعالى، نختار منها كنماذج:

قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيَّنَ لَهُمْ


(1) آل عمران: 154.

138

فَيُضِلُّ اللّٰهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾(1).

وقال سبحانه: ﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّٰهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِن نَاصِرِينَ﴾(2).

وقال عزّ اسمه: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللّٰهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ...﴾(3).

وقال جلّ شأنه: ﴿أَفَمَنْ زُيَّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللّٰهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ...﴾(4).

وقال تبارك وتعالى: ﴿... كَذَلِكَ يُضِلُّ اللّٰهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ...﴾(5).

وقال عزّ من قائل: ﴿... وَمَن يُضْلِلِ اللّٰهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً﴾(6).

وقال جلّ وعلا: ﴿مَن يَهْدِ اللّٰهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ


(1) إبراهيم: 4.

(2) النحل: 37.

(3) النحل: 93.

(4) فاطر: 8.

(5) المدثّر: 31

(6) النساء: 88.

139

هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾(1).

وقال تعالت أسماؤه: ﴿مَن يُضْلِلِ اللّٰهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ...﴾(2).

وقال(عز وجل): ﴿... وَمَن يُضْلِلِ اللّٰهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾(3).

وقد كُرِّرت هذه الآيةُ في مواضع متعدّدة من القرآن الكريم، كسورة الرعد، وسورة الزمر، وسورة غافر.

وقال تبارك اسمه: ﴿... مَن يَهْدِ اللّٰهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً﴾(4).

وقال تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللّٰهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾(5).

سابعاً: ما ورد في فعل البشر

إذ يبدو من بعض الآيات أنّ القضاء والقدر يؤثّران بفعل البشر،


(1) الأعراف: 178.

(2) الأعراف: 186.

(3) الرعد: 33.

(4) الكهف: 17.

(5) القصص: 56

140

كما في قوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّٰهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّٰهَ رَمَى...﴾(1).

فلو لاحظنا كلّ ما تقدّم من الآيات المباركات، ولاحظنا الروايات التي وردت على نسقها، لبدت شبهة موقع العنصر البشري واختياره؛ إذ إنّ الإرادة إذا ما سلبت عن الإنسان فإنّه يكون كالصفر على اليسار لا قيمة له، فلا يُثاب، ولا يُعاقب، ولا يُلام، ولا يُمدح....

وللجواب عن هذا الإشكال يمكن أن نستظهر من الآيات والروايات خمس نقاط تكوّن بمجموعها جواباً عنه:

الأُولى: ما ورد من الروايات التي تقسّم القضاء والقدر إلى قسمين:

1_ المحتوم الذي لا مردّ له.

2_ وغير المحتوم أو القضاء المعلَّق الذي يكون للّه فيه البداء.

وقد وردت الإشارة إلى هذه النقطة في بعض الروايات الواردة بخصوص ليلة القدر التي تقول: إنّ اللّه تعالى يُقدِّر فيها الأُمور كلَّها، من تلك الليلة إلى السنة الآتية من نفس الليلة، وإنّ قسماً من هذا القدر يكون محتوماً، وقسماً آخر يكون غير محتوم، ويرتبط بمشيئة اللّه تعالى وإرادته، فربّما يبدّل ويغيّر أو يقدّم أو يؤخّر، وإنّ اللّه تعالى يُخْبِر


(1) الأنفال: 17.

141

به نبيَّه(صلى الله عليه وآله)، والنبي يخبر الإمام(عليه السلام)، وكلّ إمام يخبر الإمام من بعده، وحتّى صاحب الزمان(عجل الله تعالى فرجه الشريف) الذي يبقى مطّلعاً على كلّ هذه الأُمور، إلّا أنّه يقال له: إنّ القسم الفلاني قد يدخل فيه البداء، فيتبدّل ويتغيّر.

وهذا التقسيم بالنسبة إلى القضاء، والتفكيك بين المحتوم وغير المحتوم لعلّه يشير _ والعلم عند اللّه _ إلى الأُمور التي تتأثّر بإرادة الإنسان وبعمله. فلمّا كان الإنسان عنصراً حياديّاً تجاه الخير والشرّ، ليس مجبوراً على أحدهما، فإنّ الأُمور المقضية أو المقدّرة قد تقدّر بغضّ النظر عمّا سيفعله هذا الإنسان، وفي ضوء موقف الإنسان سيتبدّل القضاء.

وهناك الكثير من الروايات التي تشير إلى تأثير إرادة الإنسان وموقفه في القضاء، فقد ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: «إنّ رجلاً أتى النبي(صلى الله عليه وآله)، فقال له: يا رسول اللّه، أوصني. فقال له: فهل أنت مستوصٍ إن أنا أوصيتك؟ حتی قال له ذلك ثلاثاً، وفي كلّها يقول الرجل: نعم يا رسول اللّه. فقال له رسول اللّه(صلى الله عليه وآله): فإنّي أُوصيك، إذا أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته، فإن يك رشداً فامضه، وإن يك غيّاً فانته عنه»(1).


(1) وسائل الشيعة، ‌ج11، ص285، الباب33 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ح1.

142

أي: عليك أن تلاحظ النتائج والعواقب، فإن كانت خيراً فأقدم، وإن كانت شرّاً فلا تقدم، وهذا يعني أنّ قضاء اللّه لم يتعلّق بالنتائج بشكل منفصل عن العمل الذي يعمله الإنسان. وتتّجه هذه الوصية إلى الأُمّة كما تتّجه إلى الأفراد بما هم أفراد.

كما ورد في روايات أُخر ما يدلّ على ذلك، فقد يكون من القضاء غير المحتوم أنّ الإنسان الفلاني سيموت في الساعة كذا، ولكن هذا الإنسان عندما يقوم بدفع الصدقة التي تدفع أمواج البلاء، أو يقوم بعمل الخير، أو صلة الرحم التي تزيد في العمر وما شابه ذلك، فإنّ القضاء والقدر يتبدّل ويتغيّر، وفي أكبر الظنّ أنّ هذا التبدّل والتغيّر إشارة إلى وجود العنصر البشري في الحساب وإلى إرادته واختياره، فالقضاء والقدر لا يجعل الإنسانَ مسلوب الإرادة وغير مؤثّر في مسيرته الشخصية وفي مسيرة الأُمّة.

وعلى هذا فإنّ الأُمور التي تدخل في نطاق القضاء غير المحتوم تقع في مسار عمل الإنسان، وأمّا الأُمور الخارجة عن مسار تأثير عمله، فتدخل في القضاء المحتوم.

ومن هنا فإنّ القضاء غير المحتوم يرتبط إلى حدّ كبير بما يصدر عن الفرد أو الأُمّة أو المجتمع، وإنّه يبقى غير محتوم ما لم يصدر ذاك العمل

143

الذي له الأثر في تعيين المسير، فإذا صدر العمل عن فرد أو أُمّة مّا، فإنّ القضاء سيصبح محتوماً.

الثـانية: الآيـات الـتي وردت بخصـوص الهـداية والضلال. فحينما ندقّق في الآيات القرآنية المباركة الواردة في الهداية والضلال نرى أنّ هناك قسماً من تلك الآيات قد نسبت الهداية والضلال إلى اللّه تعالى، ولكنّها أخذت في موضوع إرادة اللّه تعالى عنواناً راجعاً إلى البشر أنفسهم:

فقوله تعالى: ﴿...قُلْ إِنَّ اللّٰهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ﴾(1) مثلاً قد نسب الهداية والضلالة إلى اللّه تعالى، ولكنّه أخذ في موضوع القضية عنوانَ ﴿مَنْ أَنَابَ﴾، أي: الذي ينيب إلى اللّه تعالى ويعود إليه ويلتجئ إليه فإنّ اللّه يهديه.

فمصدر الهداية إذاً هو من اللّه، ولكن موضوعها هو عمل هذا الإنسان، فإن لم ينب هذا الإنسانُ إلى اللّه تعالى، فإنّه سيضلّه، فلعمل الإنسان إذاً أثرٌ في ذلك.

وفي آية أُخرى: ﴿... وَيُضِلُّ اللّٰهُ الظَّالِمِينَ...﴾(2) أُخِذَ الظلم في


(1) الرعد: 27.

(2) إبراهيم: 27.

144

موضوع الإضلال، فلم يقل: (إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ) فقط، وإنّما قال: (يضلّ الظالم)، فقد أخذ سابقاً عنوان (الظلم) في موضوع الإضلال.

وفي آية أُخرى: ﴿... كَذَلِكَ يُضِلُّ اللّٰهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ﴾(1) نـسـب الإضـلال إلى اللّه تـعـالى، ولـكن الإسراف والارتياب قد أُخذا في موضوع الإضلال.

وآية رابعة: ﴿... كَذَلِكَ يُضِلُّ اللّٰهُ الْكَافِرِينَ﴾(2)، فإنّ فرض الكفر في موضوع الحكم _ على حدّ تعبير الأُصوليّين _ يعني: فرضه سابقاً قبل الإضلال؛ فلأنّه كفر فقد أضلّه اللّه تعالى.

فكأنَّ هذه الآيات تشير إلى أنّ الضلال وإن كان _ بمعنى من المعاني _ من اللّه تعالى، ولكن السبب الأصلي يكمن في الإنسان نفسه وتحت إرادة الإنسان وعمله.

فإذا صدرت عناوين الظلم والإسراف والارتياب والكفر مثلاً عن الإنسان فإنّها ستسبّب الضلالة، وإذا صدرت عنه عناوين أُخر كالإنابة فإنّها ستسبّب له الهداية، وأنّ اللّه تعالى سيهديه عندئذٍ.


(1) غافر: 34.

(2) غافر: 74.

145

الثالثة: ما هو راجع إلى قوله تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّٰهَ رَمَى﴾.

فالظهور الأوّلي لهذه الآية _ لولا الارتكاز العرفي والعقلائي _ هو سلب إرادة الإنسان نهائيّاً، وهو في قوّة القول: إنّ السكّين ليس هو الذي قتل، وإنّما صاحب السكّين هو القاتل؛ وذلك لأنّ الإنسان إذا لم يكن يمتلك اختياراً فإنّ حاله ستكون حال السكّين أو السيف.

ولكن هذا المعنى غير مقصود من الآية حتّى لدى القائلين بالجبر؛ إذ إنّ غاية ما يقولونه: هو أنّ الإنسان مجبور على أن يكون مريداً، وعليه فالقرينة الداخلية أو الارتكاز العقلائي _ كما يقول الأُصوليّون_ الذي يؤثّر في ظواهر الألفاظ، يدلّ على أنّ المقصود ليس هو الظهور الابتدائي لهذه الآية، أي إنّ الآية لا تقصد أنّ الرمي ليس فعلاً إراديّاً للإنسان كحركة يد المرتعش؛ وذلك لوضوح وبداهة أنّ الرمي رميه هو، حتّى على مبنى القائلين بالجبر؛ ولهذا فإنّه لابدّ من أن نرفع يدنا عن ذلك الظهور الأوّلي، ولم يبق إلّا أن نقول: إنّ قدرة الإنسان وقوّته التي صدر عنها الرمي ليست ذاتية، وإنّما هي من اللّه سبحانه وتعالى، فلم يكن الرمي بقوّة الإنسان الذاتية، وإنّما كان بالقوّة والقدرة التي منحها اللّه تعالى إليه، فاللّه تعالى هو الذي منحه الحركة والقدرة على الرمي،

146

وهيّأ له كلّ ما يحتاجه في عملية الرمي من إمكانات وأشياء وقدرات، وبذلك أصبح قادراً على أن يرمي.

فالمقصود من الآية إذاً ليس هو النفي الحقيقي للفعل عن الإنسان وسلب الرمي عنه؛ فإنّ هذا لا يصحّ حتّى على مبدأ القائلين بالجبر.

الرابعة: ما ورد عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) في دعاء كميل: حيث قال(عليه السلام): «إِلهِي وَمَوْلاي، أجْرَيْتَ عَلَيَّ حُكْمَاً اتّبَعْتُ فِيهِ هَوى نَفْسِي وَلَمْ أحتَرِسْ فِيهِ مِنْ تَزْيِيْنِ عَدُوَّي، فَغَرَّنِي بِما أهْوى وأسْعَدَهُ عَلى ذَلِك الْقَضَاءُ، فَتَجَاوَزْتُ بِمَا جَرَى عَلَيَّ مِنْ ذَلِك بَعْضَ حُدُوْدِكَ، وَخَالَفْتُ بَعْضَ أَوَامِرِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَيَّ فِي جَمِيْعِ ذَلِكَ، وَلا حُجَّةَ لِي فيمَا جَرَى عَلَيَّ فِيهِ قَضَاؤُكَ وَاَلْزَمَنِي حُكْمُكَ وَبَلاؤُكَ، وَقَدْ أَتَيْتُكَ يَا إِلهِي بَعْدَ تَقْصِيرِي وَإِسْرَافِي عَلى نَفْسِي مُعْتَذِرَاً نَادِمَاً مُنْكَسِرَاً مُسْتَقِيلاً مُسْتَغْفِرَاً مُنِيبَاً مُقِرَّاً مُذْعِنَاً مُعْتَرِفَاً...».

والمعنى هو: أنّ الشيطان _ عدوّ الإنسان_ قد زيّن لي ما تهواه نفسي، وغرّني به، فاتّبعته يا إلهي، وعصيتك، وكان القضاء والقدر قد ساعد الشيطان في ذلك، فصدر عنّي ما صدر من تجاوز ومخالفة، فأجريت عليَّ يا مولاي ما يقتضيه اتّباع الهوى من حكم وقضاء ألزمتني به، وليس لي من حجّة عليك فيما أجريت عليَّ من حكم

147

قضائك، بل إنّ لك الحجّة يا إلهي في ذلك بسبب تقصيري في سوء الاختيار وإسرافي في اتّباع الهوى....

أمّا بالنسبة إلى مساعدة القضاء والقدر للشيطان، فيبدو أنّها إشارة إلى ما قضى اللّه تعالى به من تزويد هذا الإنسان بمبادئ الشرّ؛ إذ إنّ خَلْقَ بذور الشرّ في نفس الإنسان يشكّل عاملاً مساعداً لعمل الشيطان في إغواء الإنسان ودفعه إلى ارتكاب المعاصي والتمرّد على أوامر بارئه....

ولا يعني هذا: أنّ أخطاء الإنسان ومعاصيه إنّما تكون بلا اختيار منه، وأنّه مجبور عليها، وإنّما يعني: أنّ اللّه سبحانه وتعالى قد قضى أن تكون بذور الشرّ مغروسةً في نفس الإنسان، كما تكون بذور الخير مغروسة فيها، وكان عليه أن يسقي بذور الخير وينمّيها؛ ليغلّبها على بذور الشرّ؛ ولذلك قال: «وَ لا حُجَّةَ لِي...» فلو كان مجبوراً لكانت له حجّة على اللّه تعالى، وَلَما كان فعله تقصيراً وإسرافاً، ولما احتاج إلى الاعتراف والاعتذار والندم والاستغفار...، فهو إذاً غير مجبور على ما فعله من المعاصي؛ ولذا فإنّه لا يملك الحجّة على اللّه تعالى على ما فعله منها، فالتجأ إلى الاعتراف والاستغفار والإنابة....

كما أنّ هناك آياتٍ ورواياتٍ أُخر تدلّ على هذا المعنى، منها:

 

148

قوله تعالى: ﴿... لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيَّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيَّنَةٍ...﴾(1).

فلو كان القضاء يفرض أن يصدر العمل الكذائي عن الإنسان لما صحّ أن يهلك مَن هلك عن بيّنة، وإنّما يهلك بلا بيّنة، فإنّما يصحّ أن نقول: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيَّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيَّنَةٍ﴾ حينما يصحّ القول بأنّ اللّه تعالى قد هداه النجدين.

وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرَّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِنْكُم مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ * الْآنَ خَفَّفَ اللّٰهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِنْكُم مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّٰهِ وَاللّٰهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾(2).

فقد كان قضاء اللّه في صدر الإسلام بأنّه لو جابَهَ عشرون صابرون من المؤمنين مئتين من الكفّار، لغلبوهم، أي: إنّ كلّ واحد من المؤمنين يعادل عشرة أفراد من الكافرين، ولكنّ قضاء اللّه قد


(1) الأنفال: 42.

(2) الأنفال: 65 _ 66.

149

تبدّل بعد ذلك بسبب تبدّل مستوى الصمود ومدى قوّة الإرادة للمسلمين، فأصبح كلّ واحد منهم يعادل اثنين فقط.

والآية صحيح أنّها تقول: ﴿بِإِذْنِ اللّٰهِ﴾، ولكنّها تحتفظ بإرادة الإنسان، فتجعل قضاء اللّه في طول حالة الإنسان، وليس العكس.

وقد استنبط أحد المفسّرين تفسيراً لسنا بصدد بيان صحّته، فقال: إنّ هناك صفتين في المؤمن ليستا موجودتين عند الكافر، وهما اللتان تغلّبان المؤمن على الكافر، وهما: الصبر والبصيرة، ففي قوله(عز وجل): ﴿يَكُن مِنْكُم مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّٰهِ﴾ فإنّ الصبر هو الذي جعل المؤمن الواحد أن يَغْلِب اثنين من الكفّار، ولكن إذا ما ضُمّت (البصيرة) إلى (الصبر)، فإنّ المؤمن الواحد سيعادل عشرة من الكافرين ﴿وَإِن يَكُن مِنْكُم مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾ أي: بسبب أنّهم قوم لا بصيرة لهم.

الخامسة: أنّنا نستظهر من الأدلّة الواردة بخصوص الرزق والحياة والموت (الأجل) أنّ هناك مستويين لكلّ من جلب الرزق والحفاظ على الحياة:

1_ بالنسبة إلى الحياة، فهناك مستويان من الحفاظ عليها:

 

150

أحدهما: معقول، أي: إنّ هناك مستوىً من الاحتياطات المعقولة التي يجب على كلّ إنسان أن يتّخذها للحفاظ على نفسه، كما قال عزّ من قائل: ﴿...وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّـهْلُكَةِ...﴾(1)، ولـيـس مـن المفروض بالإنسان أن يكون غير مبالٍ بالحفاظ على نفسه.

وثانيهما: مستوىً غير معقول على وفق المقاييس المتعارفة، وذلك بأن يتّخذ من الاحتياطات ما يجعله إنساناً جباناً أو متقاعساً، أو يتخلّى عن بعض وظائفه الشرعية، كأن يترك الذهاب إلى جبهة القتال القائمة بين المسلمين والكفّار خوفاً من الموت..

والمستوى الأوّل من الحفاظ على النفس هو الواجب، وهو الذي يقول اللّه تعالى عنه: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ أي: لا تتركوا ذلك المستوى من الحفاظ على النفس، فلو اتّخذ الإنسان المستوى المعقول من الاحتياط في سبيل الحفاظ على النفس كان الباقي على اللّه تعالى، وهو الذي يقول عنه تعالى: إنّ هناك ملائكةً يحفظونه، أي: إنّ الإنسان لو احتاط بالمستوى المعقول، كفاه ذلك.

قال تعالى: ﴿لَهُ مُعَقَّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّٰهِ...﴾(2).


(1) البقرة: 195.

(2) الرعد: 11.

151

وقال(عز وجل): ﴿... وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرَّطُونَ﴾(1).

فأنا أستظهر من الجمع بين هذه الآيات وبين مثل قوله سبحانه: ﴿لَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾: أنّ هذه الآية تشير إلى التحفّظ بالمستوى المعقول من أجل الحفاظ على الحياة.

فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، وإذا لم يأخذ الاحتياطات اللازمة فإنّ الملائكة لا تحفظه؛ إذ ينطبق عليه قوله تعالى: ﴿لَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾، أمّا مع اتّخاذ المستويات المعقولة من الاحتياطات من أجل الحفاظ على الحياة بالشكل الذي لا يعارض الوظيفة الشرعية مثلاً، فإنّه يأتي قوله جلّ شأنه: ﴿لَهُ مُعَقَّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّٰهِ﴾.

هذا بلحاظ الآيات.

أمّا بلحاظ الروايات فنرى نمطين من الروايات:

الأوّل: يصرّ على التقية، من قبيل: «التقيّة من ديني ودين آبائي»(2)،


(1) الأنعام: 61.

(2) وسائل الشيعة، ج16، ص204، الباب24 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، ح4.

152

وما عن الإمام الصادق(عليه السلام): «أفطر يوماً من شهر رمضان أحبّ إليَّ من أن يُضْرَب عنقي»(1).

والثاني: يقابل النمط الأوّل من الروايات، فعن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: «أيها الناس، اؤمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر؛ فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يقرّبا أجلاً، ولم يباعدا رزقاً»(2).

فكيف نجمع بين هذين النمطين من الروايات؟

ولعلّ وجه الجمع واضح؛ فإنّ هناك احتياطاتٍ معقولةً _ في ضمن المقاييس العرفية_ لابدّ من اتّخاذها في حالات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي حالة التقية، وبعد اتّخاذ تلك الإجراءات الاحتياطية لابدّ من أن يترك كلّ ما من شأنه أن يؤدّي إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

2_ بالنسبة إلى الرزق، فإنّ الآيات الواردة فيه يمكن أن نقسّمها إلى ثلاثة أقسام:


(1) وسائل الشيعة، ج10، ص132، الباب57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ح4.

(2) المصدر السابق، ج16،ص125، الباب الأوّل من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، ‌ح24.

153

القسم الأوّل: ما يصرّح بأنّ الرزق مضمون من قبل اللّه تعالى، ويبدو من هذا القسم أنّه لا حاجة للإنسان إلى أن يسعى من أجل الرزق مادام أنّه مضمون من قِبَل اللّه تعالى، ومن تلك الآيات:

قوله تعالى: ﴿... نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ...﴾(1).

وقوله سبحانه: ﴿... نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ...﴾(2).

وقوله(عز وجل): ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللّٰهِ رِزْقُهَا...﴾(3).

وقوله تبارك اسمه: ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِن رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللّٰهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾(4).

القسم الثاني: وهو الذي يصرّح بضرورة الكدّ من أجل تحصيل المعاش، مثل:

قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِن رَبَّكُمْ...﴾(5).


(1) وسائل الشيعة، ج10، ص132، الباب57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ح4.

(2) المصدر السابق، ج16،ص125، الباب الأوّل من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، ‌ح24.

154

وقوله جلّ وعلا: ﴿...فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّٰهِ...﴾(1).

كما أنّ هناك روايةً عن الإمام صادق(عليه السلام) تصرّح بهذا المعنى، وهي: «أنّ محمد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أرى أنّ علي بن الحسين(عليه السلام) يدع خَلَفاً أفضل منه حتّى رأيت محمد بن علي، فأردت أن أعظه فوعظني. فقال له أصحابه: بأيّ شيء وعظك؟ قال: خرجت إلى بعض مناحي المدينة في ساعة حارّة، فلقيني أبو جعفر محمد بن علي، وكان رجلاً بادناً ثقيلاً وهو متّكئ على غلامين أسودين، فقلت في نفسي: سبحان اللّه، شيخٌ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحالة في طلب الدنيا! أما لأعظنّه، فدنوت منه، فسلّمت عليه، فردّ عليَّ السلام بنهر _ أو ببهر _ وهو يتصابّ عرقاً، فقلت: أصلحك اللّه، شيخٌ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحالة في طلب الدنيا؟! أ رأيت لو جاء أجلك وأنت على هذه الحالة، ما كنت تصنع؟ فقال(عليه السلام): لو جاءني الموت وأنا على هذه الحالة، جاءني وأنا في طاعة اللّه(عز وجل)، أكفّ بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس، وإنّما كنت أخاف لو جاءني الموت وأنا على معصية من معاصي اللّه. فقلتُ:


(1) الجمعة: 10.

155

صدقت يرحمك اللّه، أردت أن أعظك فوعظتني»(1).

كما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: «الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل اللّه»(2).

وعنه(عليه السلام) أيضاً: «من كسل عن طهوره وصلاته، فليس فيه خير لأمر آخرته، ومن كسل عن ما يصلح به أمر معيشته، فليس فيه خير لأمر دنياه»(3).

وعنه(عليه السلام) أيضاً، عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله): «ملعون من ألقى كَلَّهُ على الناس»(4).

وعن معلّى بن خنيس، عن أبيه أنّه قال: «سأل أبو عبداللّه(عليه السلام) عن رجل وأنا عنده، فقيل له: أصابته الحاجة. قال: فما يصنع اليوم؟ قيل: في البيت يعبد ربّه. قال: فمن أين قوته؟ قيل: من عند بعض


(1) الكافي، ج5، ص73، باب ما يجب من الاقتداء بالأئمة؟عهم؟ في التعرض للرزق من کتاب المعيشة، ح1.

(2) المصدر السابق، ص88، باب من کدّ علی عیاله من کتاب المعيشة، ح1.

(3) المصدر السابق، ص85، باب کراهية الکسل من کتاب المعيشة، ح3.

(4) المصدر السابق، ص72، باب الاستعانة بالدنيا علی الآخرة من کتاب المعيشة، ح7.

156

إخوانه. فقال أبو عبداللّه(عليه السلام): واللّه لَلذي يقوّته أشدّ عبادة منه»(1).

فإذا جمعنا بين القسمين نفهم أنّ طلب الرزق بحدود معقولة ضروري، وعليه يعتمد الرزق، ما عدا الرزق المحتوم، فمن لم يطلب لا يحصل على الرزق، ولكن المطلوب هو الإجمال في طلبه، والاهتمامُ الزائد لا يُكْثِر الرزق، كما تشهد لهذا الجمع الطائفة الثالثة من الروايات.

القسم الثالث: وهي الروايات التي تصرّح بعنوان الإجمال في طلب الرزق، أي: أن يكون بحدود معقولة، وأن لا يكون عن طريق حرام، وأنّ الحرام لا يزيد الرزق، فعن أبي حمزة الثمالي، عن الإمام الباقر(عليه السلام)، قال: قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) في حجّة الوداع: «إنّ روح الأمين نفث في روعي: أنّه لا تموت نَفْس حتّى تستكمل رزقها، فاتّقوا اللّه(عز وجل)، وأجملوا في الطلب، ولا يحملنّكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه بشيء من معصية اللّه؛ فإنّ اللّه تبارك وتعالى قسّم الأرزاق بين خلقه حلالاً، ولم يقسّمها حراماً، فمن اتّقى اللّه وصبر، أتاه اللّه برزقه من حلّه، ومن هتك حجاب الستر وعجّل، فأخذه من غير حلّه،


(1) الكافي، ج5، ص78، باب الحث علی الطلب والتعرض للرزق من کتاب المعيشة، ح4.

157

قصَّ به من رزق الحلال، وحوسب عليه يوم القيامة»(1).

وممّا ورد أيضاً بهذا الصدد ما يرويه ابن فضّال عن أحدهم، عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: «ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيّع، ودون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئِن إليها، ولكن انزل نفسك من ذلك بمنزلة المنصف المتعفّف، ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف، وتكسب ما لابدّ منه، إنّ الذين اعطوا المال ولم يشكروا، لا مال لهم»(2).

وفي رواية أُخرى: «قلت لأبي عبداللّه الصادق(عليه السلام): أيُّ شيء على الرجل في طلب الرزق؟ فقال: إذا فتحت بابك وبسطت بساطك، فقد قضيت ما عليك»(3).

وعن الطيّار أنّه سأله الإمام الباقر(عليه السلام) «أيُّ شيء تعالج؟ وأيّ شيء تصنع؟ فقلت: ما أنا في شيء. قال: فخذ بيتاً، واكنس فِناه، ورشّهُ، وابسط فيه بساطاً، فإذا فعلت ذلك فقد قضيت ما وجب


(1) المصدر السابق، ص80، باب الإجمال في الطلب من کتاب المعيشة، ح1.

(2) المصدر السابق، ص81، ح8.

(3) المصدر السابق، ص79، باب الإبلاء في طلب الرزق من کتاب المعيشة، ح1.

158

عليك. قال: فقدمت، ففعلت، فرزقت»(1).

فهذه الروايات من ناحية قد تشير إلى المبدأ الاقتصادي الذي يقول: إنّ الشيء الرئيس في تقسيم الرزق هو العمل، وقد تشير من ناحية أُخرى إلى المفهوم الذي بيّناه، وهو: أنّه لابدّ من طلب الرزق، وأنّ مَن لم يطلبه يُحرَم منه، ولكن هذا الطلب له حدود، وأنّ الطلب الذي يخرج من هذه الحدود لا يضيف إلى رزق الإنسان رزقاً.

وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.


(1) الکافي، ج5، ص79، باب الإبلاء في طلب الرزق من کتاب المعيشة، ح2.

159

 

مصادر البحث

1. القرآن الکريم.

2. الاحتجاج؛ الطبرسي، أحمد بن علي(588ق)؛ إيران، مشهد، نشر المرتضی، الطبعة الأولی، 1403ق.

3. اعتقادات الإمامية؛ ابن بابويه، محمد بن علي(381ق)؛ إیران، قم، المؤتمرة للشيخ المفيد، الطبعة الثانية، 1414ق.

4. الإيقاظ من الهجعة بالبرهان علی الرجعة، الحرّ العاملي، محمد بن الحسن(1104ق)؛ إیران، طهران، دلیل ما، الطبعة الأولی، 1422ق.

5. بحار الأنوار؛ المجلسي، محمد¬باقر (1110هـ)؛ لبنان، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية، 1403هـ.

6. البرهان في تفسير القرآن؛ البحراني، هاشم بن سلیمان(1107ق)؛ إيران، قم، مؤسسة البعثة، الطبعة الأولی، 1415ق.

 

160

7. بشارة المصطفی لشيعة المرتضی؛ الطبري العاملي، عماد الدين(553ق)؛ العراق، النجف الأشرف، المکتبة الحيدرية، الطبعة الثانية، 1383ق.

8. تفسير العياشي؛ العياشي، محمد بن مسعود(320ق)؛ إيران، طهران،‌ مکتبة العلمية الإسلامية، الطبعة الأولی، 1380ق.

9. تفسير القرآن الکریم الشهير بتفسير المنار؛ محمد الرشيد، رضا(1354ق)؛ لبنان، بیروت، دار المعرفة، الطبعة الأولی، 1414ق.

10. تفسير القمي، القمي، علي بن إبراهيم، إیران، قم، دار الکتاب، الطبعة الثالثة، 1363ش.

11. تفسير نور الثقلين؛ الحويزي، عبد علي بن جمعه(1112ق)؛ إيران، قم، إسماعيليان، الطبعة الرابعة، 1415ق.

12. الجامع لأحکام القرآن؛ القرطبي، محمد بن أحمد(671ق)؛ إيران، طهران، ناصر خسرو، الطبعة الأولی، 1384ش.

13. روضة الواعضين وبصيرة المتعظين؛ الفتال النيشابوري، محمد ابن أحمد(508ق)؛ إيران، قم، انتشارات الرضي، الطبعة الأولی، 1375ش.

14. علل الشرائع؛ ابن بابويه، محمد بن علي(381ق)؛ إيران، قم،