476

ولكنّ العيب المهمّ في الحديث هو أنّه قد وقع في سنده بنان بن محمد، ولا دليل على وثاقته عدا وروده في أسانيد كامل الزيارات، وهو غير كافٍ عندنا للتوثيق.

وعليه فلم يتمّ لدينا إطلاق لنفي نفوذ شهادة النساء إلا في شهادة النساء وحدهنّ وبلا رجال؛ إذاً فبالنسبة لشهادتهنّ مع الرجال يكون المرجع عند الشكّ هو أصالة عدم النفوذ.

لا يقال: إنّ المرجع هو الارتكاز العقلائي الذي لا يفرّق في ذلك بين الرجال والنساء، كما هو مشاهد في المجتمع الغربي غير المتديّن بدين الإسلام ممّا يشهد على أنّ الفرق بينهما إنّما هو فرق شرعي ومتشرّعي. أمّا بحسب الذوق العقلائي فلا فرق في ذلك بينهما، والارتكاز أو السيرة العقلائيّان يكونان حجّةً ما لم يردع عنهما، ففي موارد عدم وصول الردع نتمسّك بهما لإثبات نفوذ شهادة النساء ولا نتمسّك بأصالة عدم النفوذ.

فإنّه يقال: أوّلاً _ إنّ ارتكازاً عقلائيّاً من هذا القبيل لم يكن ثابتاً في الجوّ العقلائي المكتنف بالنصوص في عصر صدور النصوص، فإنّ العقلاء غير المتشرّعين آنئذٍ لم يكونوا يعترفون بأبسط الحقوق البشريّة للنساء، وقد جاء الإسلام واهتمّ بحقوق النساء وقال: «أنّي لا أُضيع عمل عامل منكُم من ذكرٍ أو أُنثى»(1)، وأثبت لهنّ كامل حقوقهنّ، وجعلهنّ في النصاب المفروض لهنّ من قبل اللّه تعالى. أمّا المساواة _ بالمعنى المزيّف منادى به اليوم في الغرب _ فلم تكن أمراً يتحدّث عنه وقتئذٍ لدى المجتمع الجاهلي الذي بزغ فيه نور الإسلام.

وثانياً _ أنّه لو افترضنا وجود مستوىً من الارتكاز العقلائي وقتئذٍ من هذا القبيل،


(1) آل عمران: 195.

477

فلا شكّ في أنّه لم يؤثّر على جوّ المتشرّعين في قضاياهم الشرعية وهم يألفون فوارق من هذا النمط بين الرجال والنساء في الجمعة والجماعة والجهاد وغير ذلك من دون أن يروا أنّ في ذلك حيفاً بحقوق المرأة والعدالة بمعناها الصحيح. وقد نقّحنا في علم الأصول أنّ عدم الردع إنّما يدل على إمضاء السيرة العقلائيّة حينما تشكّل _ على تقدير عدم موافقتها لرأي الشريعة _ خطراً على أغراض الشريعة، وفي المقام لم تشكّل خطراً عليها.

وثالثاً _ أنّ عدم صدور الردع غير معلوم؛ إذاً من المحتمل صدور الردع ووصوله إلينا ضمن الأحاديث الماضية وإن ابتُليَ بمرور الزمن بالغموض سنديّاً أو دلاليّاً، وليست السيرة _ لو سلّمنا بها _ بتلك المستوى من القوّة بحيث نجزم بأنّها لو لم تكن مطابقة لرأي الشريعة لاشتدّ الردع عنها إلى حدٍّ كان يصلنا بكامل الوضوح.

هذا تمام الكلام فيما هو مقتضى القاعدة عند الشكّ في نفوذ شهادة النساء.

وأمّا الروايات الخاصّة الواردة في الموارد الخاصّة الدالّة على عدم نفوذ شهادة النساء أو نفوذها، فهي واردة في عدّة موارد:

شهادة المرأة في الحدود

المورد الأول _ الحدود: فقد ورد فيها ما يدل على عدم نفوذ شهادة النساء فيها، ما عدا الزنا الذي ورد بشأنه بشكل خاصّ ما يدل على نفوذ شهادة النساء على تفصيل في ذلك:

فقد ورد عن جميل بن دراج ومحمد بن حمران _ بسند تام _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «قلنا: أتجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال: في القتل وحده، إنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول: لا يَبطل دم امرى‏ءٍ مسلم»(1). ولعلّ استثناء القتل قرينة على أنّ المقصود


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص258، ح1، و ج19، ص104، الباب 2 من دعوى القتل، ح1.

478

بالحدود في هذا الحديث ما يشمل باب القصاص والديات.

وعن غياث بن إبراهيم _ بسند تام _ عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (عليه السلام) قال: «لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في القَوَد»(1).

وعن موسى بن إسماعيل عن أبيه إسماعيل بن موسى بن جعفر عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال: «لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا قود»(2). ولا دليل على وثاقة موسى بن إسماعيل وأبيه عدا ورود هما في أسانيد كامل الزيارات، وهذا غير كافٍ عندنا. والراوي عن موسى بن إسماعيل هو محمد بن محمد بن الأشعث وهو ثقة، والراوي عنه عبيداللّه بن الفضل بن محمد بن هلال، وقد ثبت توثيقه برواية جعفر ابن قولويه مباشرةً عنه في كامل الزيارات.

وقد مضى حديث السكوني المشتمل على عدم نفوذ شهادة النساء في الحدود، وقلنا: إنّه ضعيف سنداً ببنان بن محمد.

والكلام تارةً يقع فيما يعارض هذه الأحاديث، وأُخرى فيما ورد في الحديث الأول من استثناء القتل، وثالثةً في استثناء الزنا.

أمّا ما يعارض هذه الأحاديث فهو ما مضى عن أبان عن عبدالرحمان قال: «سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن المرأة يحضرها الموت وليس عندها إلا امرأة، تجوز شهادتها؟ قال: تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال»(3). وقد يكون مقتضى


(1) نفس المصدر، ص268، الباب 24 من الشهادات، ح29، وج19، ص105، الباب 2 من دعوى القتل، ح7.

(2) وسائل الشيعة، ج18، ص264، الباب 24 من الشهادات، ح30، وج19، ص105، الباب 2 من دعوى القتل، ح8.

(3) نفس المصدر، ص262، الباب 24 من الشهادات، ح21.

479

الجمع العرفي بين هذا الحديث والأحاديث السابقة هو التقييد؛ لأنّ مقتضى إطلاق الأحاديث السابقة عدم قبول شهادة النساء في الحدود مطلقاً، وهذاالحديث دلّ على قبول شهادة النساء في الحدود إذا كان معهنّ رجال، فهذا أخصّ من تلك.

وذكر السيد الخوئي: أنّ ذيل الحديث وهو قوله: «وقال: تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال» غير ثابت؛ لأنّه وإن نقله الشيخ _ بسنده إلى الحسين بن سعيد _ عن القاسم عن أبان عن عبدالرحمان، ولكنّ نفس الحديث رواه الكليني بسند معتبر عن أبان عن عبدالرحمان بن أبي عبداللّه(1) من دون هذا الذيل، ورواه أيضاً الشيخ _ بسنده إلى الحسين بن سعيد _ عن فضالة عن أبان عن عبداللّه بن سنان في التهذيب وعبداللّه بن سليمان في الاستبصار(2)، ومتن الرواية واحد في الجميع، فالأمر يدور بين الزيادة والنقيصة، ومن البعيد افتراض أنّ أبان يرويها تارةً مع الذيل وأُخرى بدونه، مضافاً إلى أنّ الكليني أضبط في الر واية من الشيخ، ولاسيّما أنّ روايته مؤيّدة برواية الشيخ نفسه(3).

ولعلّه يشير بقوله: «إن رواية الكليني مؤيّدة برواية الشيخ نفسه» إلى أنّ الشيخ (رحمه الله) قد روى نفس الرواية عن الكليني من دون الذيل.

أقول: إنّ مجرّد كون الراوي عن عبداللّه بن سنان، أو عبداللّه بن سليمان وعن عبدالرحمان هو أبان مع وحدة المتن لا يدل على أنّهما رواية واحدة، بل الظاهر أنّهما روايتان؛ لأنّ عبدالرحمان ينسب السؤال عن الإمام إلى نفسه، وعبداللّه بن سنان أو سليمان أيضاً ينسب السؤال إلى نفسه على أنّنا لم نعرف أنّ أبان في الروايتين شخص


(1) وهو الحديث الثاني مما مضى من أحاديث عدم نفوذ شهادة النساء.

(2) وهو الحديث الخامس مما مضى من أحاديث عدم نفوذ شهادة النساء.

(3) مباني تكملة المنهاج، ج 1، ص 123.

480

واحد. وأمّا رواية الكليني عن عبدالرحمان فإنّما وصفها السيد الخوئي باعتبار السند؛ لأنّه بنى على وثاقة معلّى بن محمد الوارد في أثناء السند لوروده في أسانيد كتاب كامل الزيارات. أمّا على مبنانا فلم تثبت وثاقته، وبالتالي يكون السند ساقطاً، ولو سلّمنا سلامة السند، وسلّمنا وحدة الرواية مع رواية عبداللّه بن سنان أو سليمان، فكون المقام من موارد دوران الأمر بين الزيادة والنقيصة ممنوع، فإنّ الذيل جملة مستقلّة برأسها، ولعلّها رواية مستقلّة سمعها الراوي في مجلس آخر، فاستبعاده لذكرها تارةً وحذفها أُخرى في غير محلّه.

وعلى أيّ حال فالصحيح هو ردّ علم هذا الذيل إلى أهله؛ إذ لا كلام فقهيّاً بين الأصحاب في عدم نفوذ شهادة النساء في الحدود غير الزنا الذي سيأتي الحديث عنه إن شاء اللّه كما قال السيد الخوئي: «إنّه لا عامل به منّا، فهو شاذ لابدّ من ردّ علمه إلى أهله»(1) وهذا يوجب إمّا القطع ببطلانه، أو تشكيل قرينة عرفية معتدّ بها نوعيّاً وعقلائياً ضدّ صحّة الحديث على تقدير إرادة ما يظهر منه، ممّا يسقطه عن الحجّية.

وأمّا القتل فقد مضى حديث جميل ومحمد بن حمران الدالّ على نفوذ شهادة النساء في القتل، ويعارضه ما دلّ على نفي ذلك من قبيل: ما عن ربعي _ بسند تام _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «لا تجوز شهادة النساء في قتل»(2). وما عنه _ بسند تام أيضاً _ عن محمد بن مسلم، عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان لم يجز في الرجم، ولا تجوز شهادة النساء في القتل»(3). وكون الجزء الأول من


(1) مباني تكملة المنهاج، ج1، ص123.

(2) وسائل الشيعة، ج18، ص263، الباب 24 من الشهادات، ح27. وج19، ص105، الباب 2 من دعوى القتل، ح6.

(3) نفس المصدر، ج18، ص264، الباب 24 من الشهادات، ح28.

481

الحديث خلاف المتسالم عليه عندنا، أو حمله على التقيّة مثلاً قد لا يضرّ بحجّية الجزء الثاني منه.

وقد جمع السيد الخوئي بين الطائفتين بحمل الأُولى على إثبات الدِيَة والثانية على نفي القَوَد، وذلك بقرينة رواية غياث بن إبراهيم الماضية النافية لنفوذ شهادة النساء في القَوَد. وهذا مبتنٍ على مبنى انقلاب النسبة بأن يُقيَّد بذلك حديث إثبات القتل، فيختصّ بالدِيَة ويصبح مقيِّداً لحديث عدم ثبوت القتل بشهادة النساء.

ويمكن تتميم المطلب حتى على عدم القول بانقلاب النسبة، وذلك بأن ندخل في الحساب ما دلّ على نفوذ شهادة النساء في القتل بلحاظ الدِيَة من قبيل ما عن محمد ابن قيس _ بسند تام _ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في غلام شهدت عليه امرأة أنّه دفع غلاماً في بئر فقتله، فأجاز شهادة المرأة بحساب شهادة المرأة»(1). وما عن عبداللّه بن الحكم _ بسند غير تام _ قال: «سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن امرأة شهدت على رجل أنّه دفع صبيّاً في بئر فمات، قال: على الرجل ربع دِيَة الصبي بشهادة المرأة»(2). وعلى هذا نقول: إنّ ما دلّ على ثبوت القتل بشهادة النساء يقيَّد بما دلّ على نفي القَوَد، وما دلّ على نفي ثبوت القتل بشهادة النساء يقيَّد بما دلّ على ثبوت الدِيَة. فالنتيجة هي التفصيل بين الدِيَة والقَوَد.

بل بالإمكان أن يقال: إنّ حديث جميل بن دراج ومحمد بن حمران الدالّ على ثبوت القتل بشهادة النساء لا يدل على أكثر من ثبوت الدية، وذلك بقرينة ذيله وهو التعليل بأنّه: «لا يبطل دم امرى‏ءٍ مسلم»، فهذا التعليل يناسب التنزّل إلى


(1) نفس المصدر، ص263، ح26.

(2) نفس المصدر، ص265، ح33.

482

الدية، لا تصعيد شهادة النساء إلى مستوى القبول المطلق كي لا يبطل دم المقتول؛ إذ فيه خطر بطلان دم المتّهم بالقتل الذي هو مسلم أيضاً. وقد تنبّه إلى هذه القرينة الشيخ الطوسي (رحمه الله) في التهذيب(1) والاستبصار(2).

بل إنّ روايات عدم ثبوت القتل بشهادة النساء مجملة، ولا تدل أيضاً على أكثر من نفي القَوَد، فإن قوله: «لا تجوز شهادة النساء في القتل» كما يحتمل فيه إرادة عدم نفوذ شهادة النساء على القتل كذلك يحتمل فيه إرادة عدم نفوذ شهادة النساء في مشروعيّة قتل المتّهم، سنخ روايات عدم نفوذ شهادة النساء في القَوَد أو في الرجم، أي في مشروعيّة القَوَد أو الرجم.

بقي الكلام في ما دلّ على نفوذ شهادة النساء في الدم مع الرجال: كحديث أبي الصباح الكناني _ بسند فيه محمد بن الفضيل _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «قال علي (عليه السلام): شهادة النساء تجوز في النكاح، ولا تجوز في الطلاق، وقال: إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان جاز في الرجم، وإذا كان رجلان وأربع نسوة لم تجز وقال: تجوز شهادة النساء في الدم مع الرجال»(3)، وحديث زيد الشّحّام _ بسند فيه المفضّل ابن صالح _ قال: «سألته عن شهادة النساء. قال: فقال: لا تجوز شهادة النساء في الرجم إلا مع ثلاثة رجال وامرأتين، فإن كان رجلان وأربع نسوة فلا تجوز في الرجم. قال: فقلت: أفتجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم؟ قال نعم»(4)، وحديث أحمد بن محمد بن أبي نصير _ بسند تام _ قال: «... لا تجوز شهادة النساء في الطلاق، وقد تجوز


(1) ج 6، ذيل الحديث 711.

(2) ج 3، ذيل الحديث 82.

(3) وسائل الشيعة، ج18، ص263، الباب 24 من الشهادات، ح25.

(4) نفس المصدر، ص264، ح32.

483

شهادتهنّ مع غيرهنّ في الدم إذا حضرنه...»(1) فقد يقال: إنّ هذه الروايات تقدّم على ما مضى ممّا دلّ على عدم نفوذ شهادة النساء في القتل بالأخصّية؛ لأنّ تلك الروايات تمنع عن قبول شهادة النساء في القتل مطلقاً، وهذه الروايات تدل على قبول شهادتهنّ في ذلك مع الرجال، أو بالأحرى رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر هي التي تقدّم في المقام؛ لأنّ ما قبلها من الروايتين غير نقيّتين سنداً؛ فلا إشكال في سقوط سند الرواية الأُولى بمحمد بن الفضيل لتضعيف الشيخ إيّاه، ولا تثبت وثاقته برواية بعض الثلاثة عنه؛ لأنّ هذا التوثيق إذا سقط بالتعارض مع تضعيف الشيخ أصبح الرجل بلا توثيق. وأمّا سند الرواية الثانية ففيه المفضل بن صالح، وهو أيضاً روى عنه بعض الثلاثة، ولكن ذكر النجاشي في ترجمة جابر بن يزيد: أنّه «روى عنه جماعة غمّز فيهم وضعّفوا منهم عمرو بن شمر ومفضل بن صالح ومنخل بن جميل ويوسف بن يعقوب»، فإن قلنا: إنّ هذا التعبير _ أي: التعبير بصيغة المجهول في «غمّز» و«ضعّفوا» _ يشعر بالشكّ والترديد من قبل النجاشي في ضعفه _ كما قال الشيخ عرفانيان(2) _ حيث لم يقل: «هم ضعفاء»، أو على الأقلّ يمنع عن دلالة العبارة على تضعيفه، فقد تبقى دلالة نقل بعض الثلاثة عنه على وثاقته بلا معارض. وإن قلنا: إنّ هذا التعبير يدل على مسلّميّة ضعف هؤلاء، أي: إنّه إنّما جيء بهذه الصيغة لأنّ التضعيف لم يكن خاصاً به، وإنّما التضعيف هو الشيء المعروف المألوف بشأنهم، كما استظهر ذلك السيد الخوئي في معجم الرجال في ترجمة المفضّل بن صالح؛ إذاً فالتوثيق المستفاد من رواية بعض الثلاثة عنه يسقط بالتعارض مع هذا الكلام،


(1) نفس المصدر، ج15، ص282، الباب 10 من مقدّمات الطلاق وشرائطه، ح4.

(2) كتاب مشايخ الثقات، ص202.

484

وبالتالي لا يبقى دليل على وثاقته.

هذا، وحمل عبارة النجاشي في المقام على الشكّ والترديد ينافي تصريحه بضعف عمرو بن شمر ومنخل بن جميل ويوسف بن يعقوب في تراجمهم، بل صرّح في عمرو بن شمر بأنّه ضعيف جدّاً، وفي منخل بن جميل بأنّه ضعيف فاسد الرواية، فإمّا أن يحمل على ما قاله السيد الخوئي، أو يقال بالإجمال وعدم الدلالة على الضعف، ولا على التشكيك في الضعف. وعلى أيّ حال فلو لم يتمّ سند هذا الحديث فلا إشكال في تماميّة سند الرواية الأخيرة، وهي رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر، فقد يقال: إنّها تقدّم على ما دلّ على عدم نفوذ شهادة النساء في القتل بالأخصّية، فينتج ثبوت القتل قصاصاً وديةً بشهادة النساء مع الرجل.

إلا أنّ هناك ما لا يمكن حمله على هذا المعنى؛ لكونه كالتصريح في عدم نفوذ شهادة النساء في الدم حتى مع الرجال، من قبيل ما ورد عن أبي بصير قال: «سألته عن شهادة النساء فقال: تجوز شهادتهنّ وحدهنّ على ما لا يستطيع الرجال النظر إليه، وتجوز شهادة النساء في النكاح إذا كان معهنّ رجل، ولا تجوز في الطلاق ولا في الدم، غير أنّها تجوز شهادتها في حدّ الزنا إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان، ولا تجوز شهادة رجلين وأربع نسوة»(1). فذكر عدم جواز شهادة النساء في الدم في مقابل جواز شهادتهنّ مع الرجل في بعض الأمور كالتصريح في عدم جواز شهادتهنّ في الدم حتى مع الرجل. أمّا سند الحديث، ففيه علي بن أبي حمزة البطائني، فلو قلنا بوثاقته تمّ السند، وإلا فلا. ومثله ما ورد عن إبراهيم الخارقي أو الحارثي _ ولم يوثّق _ قال: «سمعت أبا عبداللّه (عليه السلام) يقول: تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص258، الباب 24 من الشهادات، ح4.

485

إليه ويشهدوا عليه، وتجوز شهادتهنّ في النكاح، ولا تجوز في الطلاق ولا في الدم، وتجوز في حدّ الزنا إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان، ولا تجوز إذا كان رجلان وأربع نسوة، ولا تجوز شهادتهنّ في الرجم»(1). وما عن محمد بن الفضيل _ وقد تقدّم عدم ثبوت وثاقته _ قال: «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) قلت له: تجوز شهادة النساء في نكاح أو طلاق أو رجم؟ قال: تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه وليس معهنّ رجل، وتجوز شهادتهنّ في النكاح إذا كان معهن رجل، وتجوز شهادتهنّ في حدّ الزنا إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان، ولا تجوز شهادة رجلين وأربع نسوة في الزنا والرجم، ولا تجوز شهادتهنّ في الطلاق ولا في الدم»(2).

وقد ورد حديث صريح في عدم نفوذ شهادة النساء مع الرجال في الدم، إلا أنّه غير تام سنداً، وهو ما عن زرارة بسند فيه سهل بن زياد ومثنّى الحنّاط قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شهادة النساء تجوز في النكاح؟ قال: نعم، ولا تجوز في الطلاق، قال: وقال: علي (عليه السلام) تجوز شهادة النساء في الرجم إذا كان ثلاثة رجال وأمرأتان، وإذا كان أربع نسوة ورجلان، فلا يجوز الرجم. قلت: تجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم؟ قال: لا»(3). وسهل بن زياد لم تثبت وثاقته. ومثنّى الحنّاط محتمل الانطباق على ثلاثة: ابن راشد وابن عبدالسلام وابن الوليد، وقد روى بعض الثلاثة الذين لا يروون إلا عن ثقة عن الأول وعن الثالث، وروى بعض الثلاثة أيضاً عن مثنّى الحنّاط بهذا العنوان القابل للانطباق على الأول أو الثالث، فلا جزم بانطباقه على الثاني، ولم نَر رواية عن أحد الثلاثة عن مثنّى بن عبدالسلام.


(1) نفس المصدر، ح 5، ص 259.

(2) نفس المصدر، ص259، ح7.

(3) نفس المصدر، ص260، ح11.

486

نعم، نقل الكشّي عن العيّاشي، عن علي بن الحسن ما يدل على توثيقه وتوثيق الثالث، والسيد الخوئي القائل بوثاقة كلّ من ورد في أسانيد كامل الزيارات بنى على وثاقة من يرد بعنوان مثنّى الحنّاط؛ لأنّه ورد بهذا العنوان في أسانيد كامل الزيارات(1). وهذا مبتنٍ على أن لا نحتمل حذف ما يشخّص أحدَ الأشخاص الثلاثة من قبل ابن قولويه نفسه.

وعلى أيّ حال فنحن وإن كنّا نبني على وثاقة مثنى الحنّاط بكلّ محتملاته؛ لرواية بعض الثلاثة عن بعضهم وورد التوثيق للبعض الآخر في رجال الكشّي ولكن يكفي في سقوط السند في المقام وجود سهل بن زياد.

هذا، ويعارض أيضاً حديث البزنطي في المقام ما مضى من حديث نفي نفوذ


(1) أشرنا كراراً إلى أنّ مجرّد ورود شخص في أسانيد كامل الزيارات غير كافٍ لدينا لإثبات الوثاقة.

والدليل على كفاية ذلك ما جاء في أوّل كامل الزيارات من قوله: «وقد علمنا بأنّا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره، ولكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا (رحهم الله) برحمته ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالعلم والحديث».

ووجه الاستدلال بذلك إن كان ذيله فهو لا يدل على أكثر من الالتزام بكون من يقع في سند حديثه مشهوراً بالعلم والحديث وغير شاذّ، وهذا يجتمع مع الضعف كما في سهل بن زياد. وإن كان صدره فيكفي في صدق عنوان ما وقع لنا من جهة الثقات وثاقة شيخه المباشر. وإن كان هو نكتة أنّه لولا كون هدفه الاقتصار على الروايات الصحيحة فلا فائدة في وثاقة الشيخ أو عدم كون الراوي شاذّاً، فالجواب: أولاً: أنّ هذا مستوىً من القوّة للرواية، فلعلّه كان يرغب أن لا تكون روايات كتابه في غاية الضعف، وثانياً: أنّه لعلّه كان يعتقد أنّ ما يصله من الروايات من مشايخه الثقات ممّا لم يقع في سنده إنسان شاذّ غير مشهور بالعلم والحديث هي روايات صحيحة، والإيمان بصحّة الرواية وقتئذٍ لم تكن تلازم الشهادة بوثاقة رواتها. ولهذا ومثله نرى أنّ السيد علي بن طاووس (رحمه الله) التزم في أوّل كتابه فلاح السائل بأن لا يروي فيه إلا عن مشايخ ثقات مع تصريحه بعدم الالتزام بذلك بالنسبة لباقي من يقع في سند الحديث، فراجع.

487

شهادة النساء في القَوَد؛ إذ لا يمكن تقييده بحديث البزنطي؛ إذ لو كان حديث البزنطي خاصّاً بشهادة النساء مع الرجال، فهو أخصّ من حديث نفي القَوَد الشامل لشهادة النساء وحدهنّ وشهادتهنّ مع الرجال، كذلك حديث نفي القَوَد خاصّ بنفي القصاص، بينما حديث البزنطي قابل للحمل على ثبوت الدية، فكأنّهما متعارضان بالعموم من وجه.

بل إنّ تقديم حديث البزنطي على روايات نفي نفوذ شهادة النساء في القتل بالأخصيّة أيضاً غير واضح؛ لما عرفت من احتمال كون المقصود بها هو عدم نفوذ شهادتهنّ في القَوَد، فالتعارض بينه وبينها كالتعارض بالعموم من وجه.

والجمع بين حديث نفوذ شهادة النساء مع الرجال في الدم وحديث نفي نفوذها فيه بحمل الأول على الدية وحمل الثاني على نفي القصاص بدعوى تأويل ظهور كلّ منهما بنصّ الآخر غير عرفي، سنخ حمل الأمر والنهي المتعارضين على الإباحة، ولو استحكم التعارض فالمرجع بعد التساقط في شهادة النساء في الدم مع الرجال بالنسبة لثبوت القصاص ما عرفته من أنّ مقتضى الأصل هو عدم نفوذ شهادة النساء. وأمّا بالنسبة للدية، فإن كانت الشهادة على القتل غير العمدي، ثبتت الدية الكاملة بشهادة امرأتين ورجل؛ لأنّ هذا داخل في إطلاق حديث البزنطي وحديث البزنطي في هذه الحصّة من دلالته لا معارض له بناءً على عدم نقاء سند الروايات الواردة بعنوان عدم نفوذ شهادة النساء مع الرجال في الدم، أمّا لو قلنا بتماميّة بعضها سنداً فقد بطل هذا التقريب لإثبات الدية، ولكن يبقى تقريب آخر لإثبات الدية يشمل الشهادة على القتل العمدي وغير العمدي، وهو التمسّك بما دلّ على نفوذ شهادة النساء في دية القتل بناءً على أنّه لا يحتمل كون رجل وامرأتين أضعف حالاً من أربع نساء.

وأمّا الزنا، فشهادة اثنتين من النساء عليه بضمّ شهادة ثلاثة رجال تكفي في

488

ثبوت حدّ الزنا حتى الرجم، وشهادة أربع نساء بضمّ شهادة رجلين تكفي الجلد فحسب ولا تثبت الرجم، كما دلّ على كل ذلك ما عن الحلبي _ بسند تام _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام): «أنّه سئل عن رجل محصن فجر بامرأة، فشهد عليه ثلاثة رجال وامرأتان وجب عليه الرجم، وإن شهد عليه رجلان وأربع نسوة فلا تجوز شهادتهم، ولا يرجم، ولكن يضرب حدّ الزاني»(1). فهذا الحديث صريح في كلّ الأحكام الثلاثة أعني:

1_ نفوذ شهادة امرأتين مع ثلاثة رجال في الزنا حتى الرجم.

2_ عدم نفوذ شهادة أربع نساء ورجلين في الرجم.

3_ نفوذ شهادة أربع نساء ورجلين في الجلد.

وبعض الروايات صرّحت بالأوّل والثاني دون الثالث، من قبيل بعض الروايات الماضية، ومن قبيل ما ورد بسند تام عن الحلبي عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن شهادة النساء في الرجم فقال: إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان، وإذا كان رجلان وأربع نسوة لم تجز في الرجم»(2). وما ورد _ أيضاً بسند تام _ عن عبداللّه بن سنان قال: «سمعت أبا عبداللّه (عليه السلام) قال: لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال، ولا يجوز في الرجم شهادة رجلين وأربع نسوة، ويجوز في ذلك ثلاثة رجال وامرأتان، وقال تجوز شهادة النساء وحدهنّ بلا رجال في كلّ ما لا يجوز للرجال النظر إليه، وتجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس»(3).

وما تقدّم من روايات عدم نفوذ شهادة النساء في الحدود يقيّد إطلاقها بهذه الروايات، كما أنّ ما تقدّم في حديث أبي بصير من قوله: «ولا تجوز شهادة رجلين


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص401، الباب 30 من حدّ الزنا.

(2) نفس المصدر، ص258، الباب 24 من الشهادات، ح3.

(3) نفس المصدر، ص260، ح10.

489

وأربع نسوة» الدالّ بإطلاقه على عدم نفوذها لا في الرجم ولا في الجلد يقيّد بما عرفته من حديث الحلبي المشتمل على قوله: «ولكن يضرب حدّ الزاني».

نعم، ورد حديث تام السند يدل على عدم نفوذ شهادة ثلاثة رجال وامرأتين في الرجم، وهو ما مضى من حديث ربعي عن محمد بن مسلم عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان، لم يجز في الرجم...»(1). فهذا يعارض روايات نفوذها في الرجم، ويتعيّن حمله على التقيّة لموافقته لمذهب العامّة.

ومن الغريب ما ذكره الشيخ الطوسي (رحمه الله) في الخلاف من قوله: «روى أصحابنا أنّه يجب الرجم بشهادة رجلين وأربع نسوة، وثلاثة رجال وامرأتين، ويجب الحدّ دون الرجم بشهادة رجل واحد وست نسوة»(2). والظاهر أنّ هذا سهو منه رضوان اللّه عليه.

شهادة المرأة فيما لا يجوز للرجل النظر إليه

المورد الثاني _ ما لا يستطيع الرجال النظر إليه، فقد وردت فيه روايات عديدة تدل على نفوذ شهادة النساء في ذلك، وقد تقدّمت جملة منها، والروايات الدالة على نفوذ شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه التامّة سنداً على ثلاثة أقسام:

الأول: ما دلّ على ذلك على الإطلاق من قبيل ما مضى عن عبداللّه بن سنان بسند تام، فيه: «تجوز شهادة النساء وحدهنّ بلا رجال في كلّ ما لا يجوز للرجال النظر إليه». وما عن عبداللّه بن بكير _ بسند تام _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «تجوز شهادة النساء في العذرة وكلّ عيب لا يراه الرجل»(3). وما عن داود بن


(1) نفس المصدر، ص264، ح28.

(2) الخلاف، ص325 _ 326، ج3.

(3) وسائل الشيعة، ج18، ص260، الباب 24 من الشهادات، ح9.

490

سرحان _ بسند غير تام _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «أُجيز شهادة النساء في الغلام (الصبي) صاح أو لم يصح، وفي كل شيء لا ينظر إليه الرجال تجوز شهادة النساء فيه»(1).

والثاني: ما ورد في مورد خاصّ، كما ورد _ بسند تام _ عن عمر بن يزيد قال: «سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن رجل مات، وترك امرأته وهي حامل، فوضعت بعد موته غلاماً، ثم مات الغلام بعد ما وقع إلى الأرض، فشهدت المرأة التي قَبِلتْها: أنّه استهلّ وصاح حين وقع إلى الأرض، ثم مات؟ قال: على الإمام أن يُجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام»(2).

وما ورد عن السكوني _ بسند غير تام _ عن جعفر عن أبيه «أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في امرأة ادّعت أنّها حاضت ثلاث حيض في شهر واحد، فقال: كلّفوا نسوة من بطانتها أنّ حيضها كان في ما مضى على ما ادّعت، فإن شهدن فقد صدقت، وإلا فهي كاذبة»(3). ومثل هذا لو لم نقل بتعدّي العرف عن مورده فلا أقل من أنّه لا ينافي المطلقات؛ لوضوح عدم المفهوم فيه.

والثالث: ما ورد في مورد خاصّ بشكل قد يتوهّم دلالته بمفهوم الحصر على عدم نفوذ شهادة النساء في غير مورده وإن لم يمكن للرجال النظر إليه، من قبيل ما تقدّم عن محمد بن مسلم _ بسند تام _ قال: «سألته: تجوز شهادة النساء وحدهنّ؟ قال: نعم في العذرة والنفساء» فقد يقال: إنّ هذا باعتباره بصدد الحصر ينفي قبول شهادة النساء في غير العذرة والنفساء، ولو كان ممّا لا يمكن للرجال النظر إليه. فقد يقال: إنّ


(1) نفس المصدر، ص261، ح12.

(2) وسائل الشيعة، ج18، ص259، الباب 24 من الشهادات، ح6.

(3) نفس المصدر، ص266، ح37.

491

مثل هذا الحديث يعارض المطلقات بالعموم من وجه، فالمطلقات تدل على قبول شهادة النساء وحدهنّ فيما لا يمكن للرجال النظر إليه، وهذه الروايات تدل بمفهوم الحصر على عدم قبول شهادتهنّ في غير المورد المنصوص عليه، وإطلاق ذلك يشمل ما لا يمكن للرجال النظر إليه غير المورد المنصوص.

إلا أنّ الصحيح أنّه لو لم يحمل المورد المنصوص عليه في هذه الروايات على المثالية، فلا أقلّ من احتمال ذلك إلى حدٍّ لا ينعقد الإطلاق للمفهوم فيما لا يجوز للرجال النظر إليه، فتبقى المطلقات بلا معارض.

هذا، والروايات الواردة في نفوذ شهادة النساء فيما لا يمكن للرجال النظر إليه مطلقاً، أو في مورد خاصّ عديدة، مضى قسم منها ضمن الروايات السابقة ويوجد غيرها أيضاً من قبيل روايات الشهادة على البكارة(1)، وقد جاء في اثنتين منها(2): «وكان يُجيز شهادة النساء في مثل هذا»، وهما غير تامّين سنداً، والتامّة سنداً(3) لا تشتمل على هذه الجملة.

وتوجد رواية غير تامّة سنداً تدل على كفاية شهادة امرأتين على استهلال الطفل، وهي ما عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال: تجوز شهادة امرأتين في استهلال»(4). وفي السند يزيد بن إسحاق ولا دليل على وثاقته عدا وروده في سند كامل الزيارات ممّا لا عبرة به لدينا، ولو تمّ سنداً لقلنا بلحاظ المتن: إنّه إن أمكن تقييده بما دلّ على أنّ شهادة المرأة بالاستهلال إنّما تقبل بقدرها قيّد بذلك، وإلا ردّ


(1) نفس المصدر، الباب 24 من الشهادات، ح13 و44 و49.

(2) وهما الحديث 13 و49 من ذاك الباب.

(3) وهي الحديث 44 من الباب نفسه.

(4) وسائل الشيعة، ج18، ص267، الباب 24 من الشهادات، ح41.

492

علمه إلى أهله؛ إذ لا يحتمل فقهياً كون شهادة امرأتين بالاستهلال كشهادة رجلين. وستأتي في تضاعيف الأبحاث الآتية روايات أُخرى واردة في بعض الموارد الخاصّة.

شهادة المرأة في النكاح

المورد الثالث _ شهادة المرأة في النكاح: ويمكن تقسيم الروايات الواردة بهذا الصدد إلى خمس طوائف:

الأُولى: ما دلّ على قبول شهادة النساء في النكاح: من قبيل ما مرّ من حديث إبراهيم الخارقي أو الحارثي: «... وتجوز شهادتهنّ في النكاح...»، وقد ذكرنا عدم تماميّته سنداً. وما مرّ من حديث زرارة الضعيف سنداً أيضاً: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شهادة النساء تجوز في النكاح؟ قال: نعم...». وما مضى من حديث أبي الصباح الكناني الضعيف سنداً أيضاً: «قال علي (عليه السلام): شهادة النساء تجوز في النكاح...».

والثانية: ما دلّ على عدم قبول شهادتهنّ في النكاح مطلقاً: وهو ما مضى من حديث السكوني: «شهادة النساء لا تجوز في طلاق ولا نكاح ولاحدود...» وقد مضى ضعف سنده ببنان بن محمد.

ولو تمّت الطائفتان سنداً ولم يمكن الجمع بينهما أمكن حمل الثانية على التقيّة؛ لما نقل من العامّة من القول بعدم نفوذ شهادة النساء في النكاح مطلقاً، أو إذا لم تُضَمّ إلى شهادة الرجال، ولعلّه يمكن أيضاً جعل الروايةِ التي سنذكرها _ إن شاء اللّه _ تحت عنوان الطائفة الثالثة قرينةً على حمل الثانية على التقيّة. وعلى أيّ حال فقد عرفت أنّ كلتا الطائفتين ضعيفتان سنداً.

الثالثة: ما دلّ على كفاية شهادة المرأتين في النكاح بلا رجل، وهو ما ورد عن داود بن الحصين _ بسند تام _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن شهادة النساء

493

في النكاح بلا رجل معهن إذا كانت المرأة منكرة؟ فقال: لا بأس به، ثم قال: ما يقول في ذلك فقهاؤكم؟ قلت: يقولون: لا تجوز إلا شهادة رجلين عدلين، فقال: كذبوا _ لعنهم اللّه _ هوّنوا واستخفّوا بعزائم اللّه وفرائضه، وشدّدوا وعظّموا ما هوّن اللّه. إنّ اللّه أمر في الطلاق بشهادة رجلين عدلين، فأجازوا الطلاق بلا شاهد واحد، والنكاح لم يجيء عن اللّه في تحريمه عزيمة، فسنّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) في ذلك الشاهدين تأديباً ونظراً لئلّا ينكر الولد والميراث وقد ثبتت عقدة النكاح، واستحلّ الفروج ولا أن يشهد. وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يجيز شهادة المرأتين في النكاح عند الإنكار، ولا يجيز في الطلاق إلا شاهدين عدلين، فقلت: فأنّى ذكر اللّهُ تعالى قوله: ﴿فَرَجُلٌ وَاِمْرَأَتٰانِ﴾(1)، فقال: ذلك في الدين، إذا لم يكن رجلان فرجل وامرأتان، ورجل واحد ويمين المدّعي إذا لم يكن امرأتان، قضى بذلك رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) بعده عندكم»(2).

وما في هذا الحديث من كفاية شهادة امرأتين في النكاح بلا رجل بأن تكون شهادة امرأتين في قوّة شهادة رجلين أمر غير محتمل فقهياً سواء في ذلك فقه السنّة والشيعة، فلابدّ من ردّ علمه إلى أهله.

الرابعة: ما دلّ على التفصيل بين شهادة النساء في النكاح مع الرجل فتقبل، أو وحدهنّ فلا تقبل، من قبيل ما مضى عن محمد بن الفضيل: «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) قلت له: تجوز شهادة النساء في نكاح أو طلاق أو رجم؟ قال: تجوز شهادة النساء فيما لا تستطيع الرجال أن ينظروا إليه وليس معهنّ رجل، وتجوز شهادتهنّ في النكاح إذا كان معهن رجل...» وقد مضى أنّه ضعيف سنداً. وما مضى


(1) البقرة: 282.

(2) وسائل الشيعة، ج18، ص265، الباب 24 من الشهادات، ح35.

494

عن أبي بصير _ بسند فيه علي بن أبي حمزة _: «... وتجوز شهادة النساء في النكاح إذا كان معهنّ رجل...». وما ورد عن الحلبي عن أبي عبداللّه (عليه السلام) أنّه سئل عن شهادة النساء في النكاح، فقال: «تجوز إذا كان معهنّ رجل، وكان علي (عليه السلام) يقول: لأُجيزها في الطلاق. قلت: تجوز شهادة النساء مع الرجال في الدين؟ قال: نعم، وسألته عن شهادة القابلة في الولادة؟ قال: تجوز شهادة الواحدة، وقال: تجوز شهادة النساء في المنفوس والعذرة. وحدّثني من سمعه يحدّث: أنّ أباه أخبره: أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) أجاز شهادة النساء في الدين مع يمين الطالب يحلف باللّه إنّ حقّه لحقّ»(1) وسند الحديث تام وإن كان فيه إبراهيم بن هاشم، فإنّ الصحيح وثاقة إبراهيم بن هاشم.

وقد استدلّ السيد الخوئي على وثاقة إبراهيم بن هاشم بوجوه:

1_ أنّه روى عنه ابنه علي في تفسيره كثيراً، وقد التزم في أوّل كتابه بأنّ ما يذكره فيه قد انتهى إليه بواسطة الثقات.

2_ أنّ السيد ابن طاووس ادّعى الاتّفاق على وثاقته؛ حيث قال عند ذكره رواية عن أمالي الصدوق في سندها إبراهيم بن هاشم: «رواة الحديث ثقات بالاتّفاق»(2).

3_ أنّه أوّل من نشر حديث الكوفيّين بقم، والقمّيّون قد اعتمدوا على رواياته وفيهم من هو مستصعب في أمر الحديث، فلو كان فيه شائبة الغمز، لم يكن يتسالم على أخذ الرواية عنه وقبول قوله.

4_ أنّه وقع في أسانيد كامل الزيارات(3).

أقول: الوجه الرابع عندنا غير مقبول، كما أشرنا إليه مراراً. والوجه الثالث حدسي


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص258، الباب 24 من الشهادات، ح2.

(2) فلاح السائل، ص158، الفصل التاسع عشر.

(3) معجم الرجال، ج1، ص317 _ 318.

495

لا يبعد إفادته للعلم أو الاطمئنان، وعلى كلّ حال فكلّ من يحصل له الاطمئنان به فهو حجّة له. والوجه الثاني صحيح، فإنّ فرض الاتّفاق من قبل طبقة علي بن طاووس على وثاقة شخص من الرواة الواقعين في زمن الأئمّة المتأخّرين (عليهم السلام) يورث القطع بوثاقته أو بثبوت وثاقته بسند تام على الأقلّ. وبه نصحّح أيضاً محمد بن موسى ابن المتوكّل، فإنّه وارد في نفس سند الحديث الذي ادّعى علي بن طاووس (رحمه الله) الاتّفاق على وثاقة كلّ من وقع فيه. والوجه الأول أيضاً صحيح لشهادة صاحب الوسائل (رحمه الله) الذي له سند تام إلى تفسير علي بن إبراهيم برواية علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه مباشرةً منضمّاً إلى شهادته بالعبارة(1) التي تنسب إلى علي بن إبراهيم في أوّل تفسيره التي تدل _ على الأقلّ _ على وثاقة كلّ من روى عنه في تفسيره مباشرةً.

أمّا ما يوجد اليوم باسم تفسير علي بن إبراهيم، فهو _ على ما يبدو من مطالعته _ ما جمعه تلميذ له بتركيب بين تفسير علي بن إبراهيم وغيره، ولهذا يقول أحياناً مع الانتهاء من حديث: «رجع إلى حديث علي بن إبراهيم»، أو ما شابه ذلك من العبائر(2). وهذا التلميذ وهو أبو الفضل العبّاس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر (عليه السلام) ليس له ذكر في كتب الرجال. فلو أحسنّا الظنّ بهذا الكتاب وأغفلنا عدم وجود سند لنا إلى النسخ الموجودة فعلاً، فغاية ما يفترض ثبوته كونه كتاباً لتلميذ من تلاميذ علي بن إبراهيم جمع فيه بين تفسير أُستاذه وغيره، وعندئذٍ


(1) راجع وسائل الشيعة، ج20، ص124 بحسب طبعة ربّاني شيرازي. ونصّ عبارة صاحب الوسائل ما يلي: « ويفهم توثيقه يعني إبراهيم بن هاشم من تصحيح العلّامة طرق الصدوق، ومن أوّل تفسير ولده علي بن إبراهيم حيث قال: ونحن ذاكرون ومخبرون ما انتهى إلينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض اللّه‏ طاعتهم ».

(2) راجع الذريعة للشيخ آقا بزرگ الطهراني (رحمه الله)، الجزء الرابع، ص302_307.

496

يبقى احتمال كون التعبير المعروف في أوّل التفسير الذي يفترض دليلاً على وثاقة كلّ من ورد في أسانيد تفسير علي بن إبراهيم عبارة من عبائر هذا التلميذ الذي لم يثبت توثيقه لا عبارة صادرة من علي بن إبراهيم، ولكن عرفنا كون هذا عبارة لعلي بن إبراهيم في تفسيره عن طريق صاحب الوسائل (رحمه الله) الذي له سند تام إلى تفسير علي ابن إبراهيم.

الخامسة: ما دلّ على عدم نفوذ شهادة النساء بلا رجال في النكاح مع السكوت عن شهادتهنّ مع رجل، وهو ما عن إسماعيل بن عيسى قال: «سألت الرضا (عليه السلام) هل تجوز شهادة النساء في التزويج من غير أن يكون معهنّ رجل؟ قال: لا هذا لا يستقيم»(1). وسند الحديث غير تام.

والذي يبدو بعد العرض لهذه الروايات هو أنّ المعتمد هي الطائفة الرابعة المفصّلة بين شهادة النساء في النكاح مع رجل وشهادة النساء فيه وحدهنّ، فتنفذ الأُولى دون الثانية. ولو كانت الطائفة الأُولى والثانية صحيحتين لكانت هذه الطائفة شاهدةً للجمع بينهما بحمل الأُولى على ما إذا كان معهنّ رجل، وحمل الثانية على ما إذا لم يكن معهنّ رجل، كما أنّ الطائفة الخامسة لم تدل على شيء يعارض التفصيل المذكور، وإنّما تعرّضت صريحاً لأحد طرفي التفصيل، وإن لم يكن ذلك تلويحاً بالطرف الآخر فهو سكوت لا يضرّنا.

نعم، الطائفة الثالثة تعارض التفصيل؛ لأنّها دلّت بصدرها على نفوذ شهادة النساء بلا رجل في النكاح، وبذيلها على نفوذ شهادة امرأتين في النكاح.

وقد يخطر بالبال تقديمها على روايات التفصيل وحمل روايات التفصيل على


(1) وسائل الشيعة ، ج18، ص266، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح39.

497

التقيّة؛ لأنّ العامّة بين قائل بعدم نفوذ شهادة النساء في النكاح مطلقاً، وقائل بالتفصيل الوارد في تلك الروايات، فرواية داود بن الحصين هي المخالفة للعامّة.

ولكن قد عرفت أنّ ظاهر رواية داود بن الحصين لا يمكن الأخذ به؛ لعدم إفتاء أحد بكون المرأة في الشهادة على النكاح كالرجل، فإن أمكن حملها _ ولو بقرينة عدم إمكان جعل المرأة في الشهادة فقهيّاً كالرجل _ على نفوذ شهادة امرأتين بمعنى كونها كشهادة رجل واحد، ولابدّ من ضمّ امرأتين أُخريين إليهما أو رجل، فقد يتمّ ما قلناه من تقديم رواية داود بن الحصين على روايات التفصيل بمخالفة العامّة، وإن قلنا: إنّ هذا الحمل غير عرفي _ ولو بلحاظ سياق مجموع الحديث كما ليس ببعيد _ ردّ علم رواية داود بن الحصين إلى أهلها، وسقطت عن الحجّية، وبقي التفصيل بلا معارض.

لا يقال: إن لم يمكن الأخذ بذيل الحديث الدالّ على كفاية شهادة امرأتين في ثبوت النكاح فلم لا نأخذ بصدر الحديث الدالّ على كفاية شهادة النساء وحدهنّ بلا رجال المحمول على شهادة أربع نساء؛ للعلم بأنّ المرأة نصف الرجل في الشهادة، ويقدّم ذلك على روايات اشتراط نفوذ شهادة النساء في النكاح بكونها مع شهادة رجل، وذلك لمخالفته للعامّة وموافقة تلك الروايات لفتاوى قسم منهم؟

فإنّه يقال: لو كان الحديث نقلاً لكلام الإمام باللفظ لأمكن أن يقال بأنّنا نأخذ بصدر الحديث بعد حمله على شهادة أربع نساء؛ لأنّ الذيل الذي هو قرينة على إرادة كفاية شهادة امرأتين ساقط، ونقطع بعدم صدوره من الإمام، فإمّا أنّ الحديث لم يكن مذيّلاً بذيل أو كان مذيّلاً بذيل لا يدل على كفاية شهادة امرأتين، فلا مانع من الأخذ بصدر الحديث مثلاً، ولكن بما أنّ الأحاديث عادةً نقل بالمعنى فالراوي لا يروي نصّ الكلام، وإنّما يروي المفاد، ومفاد هذا الحديث إنّما هو كفاية شهادة امرأتين في

498

النكاح، وهذا المفاد ساقط جزماً حسب الفرض، فلا يمكن الأخذ بصدر الحديث، فإنّه لم يستقرّ لصدر الحديث ظهور مستقل عن الذيل.

شهادة النساء في الهلال

المورد الرابع _ شهادة النساء في الهلال:

وقد دلّت روايات عديدة على عدم قبول شهادتهنّ فيه، مضى بعضها ويوجد غير ما مضى أيضاً، من قبيل ما عن حماد بن عثمان _ بسند تام _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال، ولا يقبل في الهلال إلا رجلان عدلان»(1). هكذا جاء في التهذيب(2).

وفي الاستبصار: «لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال، ولا في الطلاق إلا رجلان عدلان»(3).

وتدل على ذلك أيضاً روايات عديدة تامّة السند مذكورة في الباب الحادي عشر من أحكام شهر رمضان من الوسائل وهي الروايات (رقم 1 و2و3 و7 و8 و9) إلا أنّ فى سند الأخيرة علي بن السندي، ولم تثبت وثاقته.

وهناك حديث واحد قد يستفاد منه التفصيل بين هلال شهر رمضان فتقبل فيه شهادة المرأة الواحدة، وهلال الفطر فلا تقبل فيه شهادة النساء، وهو ما ورد عن داود بن الحصين _ بسند تام _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام): قال: «لا تجوز شهادة النساء في الفطر إلا شهادة رجلين عدلين، ولا بأس في الصوم بشهادة النساء ولو امرأة


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص262، الباب 24 من الشهادات، ح17.

(2) ج6، ح724.

(3) ج 3، ح 96.

499

واحدة»(1).

ويمكن المناقشة في دلالة الحديث بحمله بقرينة قوله فيه: «لا بأس» على إرادة استحباب الاحتياط والاستظهار ونحو ذلك، كما حمله على ذلك الشيخ الطوسي (رحمه الله) في التهذيب(2) والاستبصار(3).

ولو لم يتمّ هذا النقاش فلابدّ من تأويله أو ردّ علمه إلى أهله؛ للقطع الفقهي بعدم قبول شهادة امرأة واحدة في الهلال.

شهادة النساء في الطلاق

المورد الخامس _ شهادة النساء في الطلاق.

وقد مرّت عليك ضمن الأحاديث الماضية روايات عديدة تدل على عدم نفوذ شهادتهنّ في الطلاق.

نعم، ورد عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) وعن أبي بصير وسماعة والحلبي عن أبي عبداللّه (عليه السلام) في المكاتب يعتق نصفه هل تجوز شهادته في الطلاق؟ قال: «إذا كان معه رجل وامرأة»(4). وعن الحلبي قال: «سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول في المكاتب... _ إلى أن قال _: قلت: أرأيت إن أُعتق نصفه تجوز شهادته في الطلاق؟ قال: إن كان معه رجل وامرأة جازت شهادته»(5). والأسانيد كلّها تامّة.


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص266، الباب 24 من الشهادات، ح36، وج7، ص211، الباب 11 من أحكام شهر رمضان، ح15.

(2) ج6، في ذيل الحديث726.

(3) ج3، في ذيل الحديث98.

(4) وسائل الشيعة، ج18، ص256، الباب 23 من الشهادات، ح11.

(5) نفس المصدر، ص255، ح6.

500

ولئن أمكن فرض النسبة بين هذه الأحاديث وبعض الأحاديث السابقة عموماً مطلقاً بأن يقال: إنّ هذه تدل على نفوذ شهادة المرأة في الطلاق إذا كان معها رجل، فيقيّد بها ما دلّ على عدم نفوذ شهادتها في الطلاق مطلقاً، لكن يوجد في الأحاديث السابقة ما لا يمكن تقييده بهذه الروايات، من قبيل ما مضى عن الحلبي عن أبي عبداللّه (عليه السلام) أنّه سئل عن شهادة النساء في النكاح، فقال: «تجوز إذا كان معهنّ رجل، وكان علي (عليه السلام) يقول: لا أُجيزها في الطلاق...». فهذا بقرينة المقابلة لجواز شهادتهنّ مع الرجل في النكاح صريح في عدم نفوذ شهادتهنّ في الطلاق حتى مع الرجل. فهاتان طائفتان متعارضتان، ولا يمكن ترجيح إحداهما على الأُخرى بمخالفة العامّة، وذلك لأنّ كلّاً منهما مطابق لبعض العامّة ومخالف لبعضهم الآخر على ما قال الشيخ في الخلاف من أنّ مالكاً والشافعي والأوزاعي والنخعي قالوا بعدم نفوذ شهادة النساء في الطلاق، والثوري وأبا حنيفة وأصحابه قالوا بثبوت الطلاق بشاهد وامرأتين(1).

وبالإمكان ترجيح ما دلّ على عدم نفوذ شهادة النساء في الطلاق حتى مع الرجل على روايات محمد بن مسلم وأبي بصير وسماعة والحلبي بموافقة تلك للكتاب ومخالفة هذه للكتاب بناءً على أن نستظهر من آية الطلاق _ التي هي خطاب للرجال: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهٰادَةَ لِلّٰهِ﴾(2)_ شرط الذكورة في نفوذ الشهادة في الطلاق، وليس فقط في صحّة الطلاق لدى شاهدين عدلين؛ باستظهار أنّ هذا الشرط في الطلاق كان كمقدّمة لأجل أداء الشهادة عند النزاع.


(1) راجع الخلاف، ج3، ص326، كتاب الشهادات، المسألة 4.

(2) الطلاق:2.