المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

476

ولكنّ العيب المهمّ في الحديث هو أنّه قد وقع في سنده بنان بن محمد، ولا دليل على وثاقته عدا وروده في أسانيد كامل الزيارات، وهو غير كافٍ عندنا للتوثيق.

وعليه فلم يتمّ لدينا إطلاق لنفي نفوذ شهادة النساء إلا في شهادة النساء وحدهنّ وبلا رجال؛ إذاً فبالنسبة لشهادتهنّ مع الرجال يكون المرجع عند الشكّ هو أصالة عدم النفوذ.

لا يقال: إنّ المرجع هو الارتكاز العقلائي الذي لا يفرّق في ذلك بين الرجال والنساء، كما هو مشاهد في المجتمع الغربي غير المتديّن بدين الإسلام ممّا يشهد على أنّ الفرق بينهما إنّما هو فرق شرعي ومتشرّعي. أمّا بحسب الذوق العقلائي فلا فرق في ذلك بينهما، والارتكاز أو السيرة العقلائيّان يكونان حجّةً ما لم يردع عنهما، ففي موارد عدم وصول الردع نتمسّك بهما لإثبات نفوذ شهادة النساء ولا نتمسّك بأصالة عدم النفوذ.

فإنّه يقال: أوّلاً _ إنّ ارتكازاً عقلائيّاً من هذا القبيل لم يكن ثابتاً في الجوّ العقلائي المكتنف بالنصوص في عصر صدور النصوص، فإنّ العقلاء غير المتشرّعين آنئذٍ لم يكونوا يعترفون بأبسط الحقوق البشريّة للنساء، وقد جاء الإسلام واهتمّ بحقوق النساء وقال: «أنّي لا أُضيع عمل عامل منكُم من ذكرٍ أو أُنثى»(1)، وأثبت لهنّ كامل حقوقهنّ، وجعلهنّ في النصاب المفروض لهنّ من قبل اللّه تعالى. أمّا المساواة _ بالمعنى المزيّف منادى به اليوم في الغرب _ فلم تكن أمراً يتحدّث عنه وقتئذٍ لدى المجتمع الجاهلي الذي بزغ فيه نور الإسلام.

وثانياً _ أنّه لو افترضنا وجود مستوىً من الارتكاز العقلائي وقتئذٍ من هذا القبيل،


(1) آل عمران: 195.