370

يدخل في الظنين»(1).

ولا إشكال في شمول كلمة الخصم للمراتب الأربع الأُولى من المراتب الخمس التي بيّنّاها، ويرى السيد الخوئي شمولها للوصي _ وهو المرتبة الخامسة من المراتب التي بيّنّاها _ وهذا غير واضح.

نعم، في شهادة الوصي للميّت قد يُقال بشمول كلمة «الخصم» له بنكتة أنّه هو الذي يرفع الدعوى، ويجادل المدّعى عليه، وليس الميّت يفعل ذلك كما هو واضح، لا بنكتة أنّ له حقّ التصرف، فيعدّ سهيماً في المشهود به.

6_ ما عن أبي بصير _ بسند تام _ قال: «سألت أبا عبداللّه (عليه السلام)» وذكر مثل الحديث السابق، إلا أنّه قال: «الظنين والمتهم والخصم»(2). وهذا كالحديث السابق، وليس المقصود بالخصم خصوص الخصم بتمام معنى الكلمة بأن يشهد المدّعي الذي هو أحد المترافعين لصالح نفسه، فإنّ هذا لا مجال لتوهّم قبول شهادته، فعنوان الخصم في هذه الروايات يشمل من له حصّة في المشهود به حتماً، وهو المقصود.

7_ ما عن عبيداللّه بن علي الحلبي _ بسند تام _ قال: «سُئل أبو عبداللّه (عليه السلام) عمّا يردّ من الشهود؟ قال: الظنين والمتهم والخصم. قال: قلت: فالفاسق والخائن؟ قال: هذا يدخل في الظنين»(3).

8_ ما عن محمد بن مسلم _ بسند تام _ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله):


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص274، الباب 30 من الشهادات، ح2.

(2) نفس المصدر، ص275، ح3.

(3) نفس المصدر، ص274، الباب 30 من الشهادات ، ح 5.

371

لم تجز شهادة الصبي ولا خصم ولا متّهم ولا ظنين»(1).

9_ ما عن سماعة _ بسند تام _ قال: «سألته عمّا يُردّ من الشهود؟ قال: المريب والخصم والشريك ودافع مغرم والأجير والعبد والتابع والمتّهم، كل هؤلاء تُردّ شهادتهم»(2).

10_ مرسلة الصدوق؛ حيث قال (رحمه الله): «وفي حديث آخر قال: لا تجوز شهادة المريب والخصم ودافع مغرم، أو أجير، أو شريك أو متهم أو تابع [بائع خ ]، ولا تقبل شهادة شارب الخمر، ولا شهادة اللّاعب بالشطرنج والنرد، ولا شهادة المقامر»(3).

وكلمة (دافع مغرم) في الحديثين الأخيرين صريحة في المرتبة الرابعة من المراتب التي عرضناها في أوّل البحث.

وقد تحصّل بكلّ ما ذكرناه أنّه يُشترط في نفوذ شهادة الشاهد أن لا يكون له نصيب في المشهود به بإحدى المراتب الأربع الأُولى. أمّا المرتبة الخامسة فلم يتّضح الدليل على منعها من نفوذ الشهادة بشكل مطلق. نعم في مثل وصي الميّت الذي يكون الشاهد فيه عين المدّعي لا تقبل شهادته.

الاتّهام بمعنىً أوسع

أمّا الكلام في أنّه هل يمكن إثبات شرط أوسع من شرط عدم النصيب له _ وهو شرط عدم الاتّهام، أو شرط عدم مرتبة من مراتب الاتّهام _ فنقول: إنّ روايات شرط عدم الاتّهام على طائفتين:


(1) نفس المصدر، ح6.

(2) نفس المصدر، ص278، الباب 32 من الشهادات، ح3.

(3) نفس المصدر،ص279، ح7.

372

الطائفة الأُولى _ هي الروايات المعبّرة بعنوان المتّهم كجملة من الروايات الماضية، وكما ورد _ بسند تام _ عن عبداللّه بن سنان قال: «قلت لأبي عبداللّه (عليه السلام): ما يردّ من الشهود؟ قال: فقال: الظنين والمتّهم. قال: قلت: فالفاسق والخائن؟ قال: ذلك يدخل في الظنين»(1).

وقد حمل السيد الخوئي كلمة المتّهم الواردة في هذه الرواية على معنى المتّهم في دينه وعدالته _ دون معنى المتّهم في شهادته _ وبهذا أسقطها عن الدلالة على شرط جديد؛ حيث يرجع ذلك إلى شرط العدالة، وذكر لذلك وجهين، أو وجوهاً ثلاثة:

1_ دعوى أنّ الظاهر عرفاً من المتّهم ذلك.

2_ الاستشهاد بما ورد _ بسند تام _ عن يحيى بن خالد الصيرفي، أو الحسين بن خالد الصيرفي، عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: «كتبت إليه في رجل مات، وله أُمّ ولد، وقد جعل لها سيّدها شيئاً في حياته، ثم مات. فكتب (عليه السلام): لها ما أثابها به سيّدها في حياته معروف لها ذلك، تقبل على ذلك شهادة الرجل والمرأة والخدّم غير المتهمين»(2)؛ لوضوح أنّ المقصود بالمتّهم هنا هو المتهم في عدالته، لا المتهم في شهادته.

3_ أنّه لا شك في عدم مانعيّة مطلق التهمة عن قبول الشهادة؛ كشهادة المرأة لزوجها وبالعكس، وشهادة الولد لأبيه، أو أخيه، أو سائر أقاربه وبالعكس، وشهادة الصديق لصديقه، ونحو ذلك.

إذاً فلو لم نقبل تفسير المتّهم في تلك الروايات بالمتّهم في عدالته فلا أقلّ من القول


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص274، الباب 30 من الشهادات ، ح1.

(2) نفس المصدر، ص268، الباب 24 من الشهادات، ح47.

373

بالإجمال(1).

أقول: قد يُورد على الوجه الثالث بأنّنا نلتزم بخروج عنوان الزوج والزوجة والأقارب والصديق بالنصّ، ويبقى الباقي تحت إطلاق المتّهم، فخروج هؤلاء لا يكون دليلاً على حمل المتّهم على المتّهم في عدالته دون المتّهم في شهادته، إلا أن يكون نظره في هذا الوجه الثالث إلى إحدى نكتتين:

الأُولى _ أنّه لو قيل بالتخصيص لزم تخصيص الأكثر؛ إذاً فلابدّ من إرجاع كلمة المتّهم إلى معنى المتّهم في عدالته دون المتّهم في شهادته.

وبالإمكان أن يُقال في قبال ذلك: إنّ الاتّهام في الشهادة أمر مشكّك وله درجات، فقد يكون الاتّهام قويّاً، كما في الخادم والتابع ونحوهما ممّن ليس له استقلال في مقابل المشهود له، وقد يكون بمستوى الاتّهام الناتج من القرابة والصداقة والزوجيّة، والنصوص الدالّة على خروج مثل الزوج والضيف والقريب تشهد لكون المقصود من المتّهم في الرواية المانعة لقبول شهادة المتّهم هي الدرجة الأُولى من الاتّهام.

الثانية _ أن يُدّعى: أنّ قبول شهادة الزوج والقريب والصديق من الواضحات، ووضوح ذلك قرينة كالمتّصل على صرف المتّهم في تلك الروايات إلى الاتّهام في عدالته، ولعلّ هذا هو مقصوده ممّا ذكره من دعوى الظهور العرفي للمتّهم في الاتّهام في عدالته، فيكون كلامه مشتملاً على وجهين، لا على وجوه ثلاثة.

وبالإمكان أن يُقال في قبال ذلك أيضاً: إنّه لِم لا يكون هذا قرينةً على صرف الاتّهام في تلك الروايات إلى الدرجة الأُولى من الاتّهام الموجودة في مثل الخادم والتابع، لا على صرفه إلى الاتّهام في العدالة؟


(1) راجع مباني تكملة المنهاج، ج1، ص93.

374

وأمّا ما ذكره في الوجه الثاني من الاستدلال بالرواية الماضية، فجوابه: أنّ استعمال الاتّهام في تلك الرواية بمعنى الاتّهام في العدالة لا يدل على كون المقصود بالاتّهام في تمام الروايات هو ذاك المعنى.

وأمّا ما ذكره من الوجه الأول من دعوى الاستظهار العرفي بناءً على كونه وجهاً مستقلاً وغير راجع إلى الوجه الثالث، فهو ممّا لا وجه له، فإنّ الاتّهام لابدّ له من متعلّق، وكما يمكن أن يكون متعلّقه العدالة كذلك يمكن أن يكون متعلّقه الشهادة، ولا نكتة لاستظهار الأول في قبال الثاني.

بل بالإمكان أن يُقال: إنّ عطف المتّهم على الظنين في جملة من الروايات شاهد على فرض التغاير بينهما، بينما الاتّهام والظنّة بمعنىً واحد، فالمفروض أن يكون أحدهما راجعاً إلى الدين والعدالة، والثاني راجعاً إلى الشهادة، وفي بعض تلك الروايات قال الراوي: «قلت: فالفاسق والخائن؟ قال: هذا يدخل في الظنين». وهذا يشهد لكون المقصود بالظنين الظنين في دينه وعدالته؛ إذاً فالمقصود بالمتّهم هو المتّهم في شهادته.

نعم يقتصر على الاتّهام بالمستوى الموجود في التابع والخادم اللذين لا إرادة استقلاليّة لهما عادةً فيما يرجع إلى المتبوع والمخدوم، ولا يشمل مثل القريب والصديق، ولو بقرينة الروايات الواردة في نفوذ شهادة القريب والضيف.

الطائفة الثانية _ ما ورد في بعض مصاديق المتّهم من قبيل عنواني الأجير والتابع الواردين في الرواية التاسعة والعاشرة من الروايات التي ذكرناها تحت عنوان «اشتراط أن لا يكون للشاهد نصيب فيما يشهد به»، وقد تُحمل كلمة العبد الواردة في الرواية التاسعة أيضاً على ذلك بناءً على كون المقصود عدم نفوذ شهادة العبد لصالح مولاه.

ومن قبيل ما ورد عن صفوان _ بسند تام _ عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته

375

عن رجل أشهد أجيره على شهادة ثم فارقه، أتجوز شهادته له بعد أن يفارقه؟ قال: نعم، وكذلك العبد إذا أُعتق‏جازت شهادته»(1).

وما عن العلاء بن سيّابة عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يجوِّز شهادة الأجير»(2). وسنده ضعيف بمحمد بن موسى المقصود به محمد بن موسى بن عيسى الهمداني السمّان.

وما عن أبي بصير _ بسند تام _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفاً صائناً. قال: ويكره شهادة الأجير لصاحبه، ولا بأس بشهادته لغيره، ولا بأس به له بعد مفارقته»(3). والمقصود بالكراهة ليست هي الكراهة في مقابل الحرمة، فإنّ مسألة الشهادة ليست هي مسألة الحكم التكليفي، وإنّما مسألتها مسألة النفوذ وعدم النفوذ. فالمفهوم إذاً من هذا الحديث هو عدم نفوذ شهادة الأجير.

وما في معاني الأخبار مرسلاً قال: «قال النبي (صلى الله عليه و آله): لا تجوز شهادة خائن، ولا ذي غمز على أخيه، ولا ظنين في ولاء ولا قرابة، ولا القانع مع أهل البيت»(4).

وروايات عدم نفوذ شهادة السائل بالكفّ(5).

إلا أنّ روايات عدم نفوذ شهادة السائل بالكفّ يُحتمل فيها أيضاً النظر إلى الاتّهام في العدالة، فكون السائل بالكفّ بحيث إن أُعطي رضي، وإن مُنع سخط، صفةٌ تمنع


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص273، الباب 29 من الشهادات، ح1.

(2) نفس المصدر، ص274، ح2.

(3) نفس المصدر، ح3.

(4) نفس المصدر، ص279، الباب 32 من الشهادات ، ح8 .

(5) وهي مذكورة في الوسائل ، ج 18، الباب 35 من الشهادات ، وهي ثلاثة أحاديث، والأوّلان منها تامّان سنداً.

376

العدالة طبعاً، ومادّة الافتراق بين المتّهم في الشهادة والمتّهم في العدالة هي من أُحرز كونه بغضّ النظر عن هذه الشهادة عادلاً، واحتمل كون شهادته هذه زوراً، بينما السائل بالكفّ الذي يحدس اتّصافه بتلك الصفة ليس كذلك، ولكن هنا قرينة في الرواية الثانية من روايات باب عدم قبول شهادة السائل بكفّه قد تشهد للنظر إلى الاتّهام في الشهادة، ونصُّها كما يلي:

روى محمد بن مسلم _ بسند تام _ عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: ردّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) شهادة السائل الذي يسأل في كفّه. قال أبو جعفر (عليه السلام): لأنّه لا يُؤمن على الشهادة، وذلك لأنّه إن أُعطي رضي، وإن منع سخط»(1). فمقتضى الأخذ بعموم التعليل بأنّه لا يؤمن على الشهادة هو أنّ كلّ من لا يؤمن على الشهادة لا تقبل شهادته، وهذا معنى مانعيّة الاتّهام في الشهادة.

ثم إنّ استفادة الحكم العامّ من هذه الطائفة الثانية بحدود كلّ من كان في الاتّهام بمستوى المذكورين فيها لا إشكال فيها، لكنّ التعدّي إلى الاتّهام بالمعنى الواسع الشامل للقريب والزوج والصديق ونحوهم مشكل؛ لاحتمال اختصاص الحكم بالعناوين المذكورة في هذه الأحاديث ومن في مستواهم، ويمكن تقريب التعدّي بأحد وجهين:

1_ التمسّك بكلمة الأجير الواردة في بعض هذه الروايات باعتبار شمولها لمثل الخيّاط والصائغ والبنّاء وكلّ من يرتبط بالإنسان بأُجرةٍ ما، وإتّهام هؤلاء ليس بأشدّ من اتّهام القريب والزوج والصديق، بل أخفّ، فهذا يوجب التعدّي.

2_ التمسّك بإطلاق التعليل في الرواية الآنفة الذكر الواردة في السائل في الكفّ


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص281، الباب 35 من الشهادات،ح2 .

377

حيث قال: «لأنّه لا يؤمن على الشهادة» فيقال: إنّ هذه العلّة موجودة في شهادة مثل القريب والصديق.

ولو سلّمنا تماميّة أحد هذين الوجهين، قلنا: فإنّ هذه الروايات إذاً تصبح طرفاً للمعارضة مع روايات قبول شهادة الزوج والزوجة والقريب(1)، بل عرفت أنّ إحدى روايات المنع عن قبول شهادة الأجير تصرّح بقبول شهادة الضيف، وهذا كلّه يعني الفرق بين المستويين من الاتّهام، وبه نجمع بين الطائفتين، فروايات قبول شهادة القريب والضيف ونحوهما تدل على عدم مضرّيّة هذا المستوى من الاتّهام، ولا نقتصر في مفادها على العناوين المذكورة فيها، بل تحمل عرفاً على المثاليّة، ونتعدّى إلى كلّ من كان في مستوى هذه العناوين. والطائفة الأُخرى تدل على عدم قبول شهادة مثل التابع والقانع مع أهل البيت والأجير، ولا نقتصر على العناوين المذكورة في الروايات، بل نتعدّى إلى كلّ مورد كانت قرائن الاتّهام بهذا المستوى من القوّة؛ لعدم احتمال الفرق عرفاً، أو لإطلاق التعليل في حديث السائل بالكفّ حيث قال: «لأنّه لا يؤمن على الشهادة»، أو لإطلاق كلمة المتّهم في بعض الروايات بعد تنزيل إطلاقها على مستوى معيّن من الاتّهام لا يشمل مثل القريب والزوج جمعاً بين الروايات، وبعد حمل الأجير على معنى الخادم لا الأجير في عمل جزئي كالخياطة والصناعة للجمع ولقرينة داخليّة في بعض الروايات الماضية، وهي الروايات التي تقول بنفوذ شهادته إذا كان قد فارق المستأجر، فالتعبير بالمفارقة يعطي معنى كون الأجير ملازماً للمستأجر، ثم فارقه بترك الأُجرة، وهذا لا يكون إلا في مثل الخادم دون مثل الخيّاط الذي أصبح أجيراً له صدفةً


(1) وهي الروايات الواردة في وسائل الشيعة، ج13، الباب 25 و 26 من أبواب الشهادات.

378

لخياطة ثوبه.

وقد تحصّل من كل ما ذكرناه: أنّ من له نصيب في المشهود به لا تقبل شهادته، وكذلك المتّهم البالغ في درجة اتّهامه الأمثلة المذكورة في الروايات التامّة سنداً.

ومن جملة المتّهمين العدوّ بمثل العداءات الشخصية التي توجب عادةً الاتّهام في الشهادة، إذا كانت ضدّ من يعاديه، فهو ملحق بموارد النصوص باعتباره بالغاً تلك الدرجة، وورد فيه أيضاً نصوص خاصّة:

أحدها _ ما هو ضعيف سنداً بالنوفلي، وهو ما رواه الصدوق بإسناده عن السكوني _ وفي طريقه إلى السكوني النوفلي _ عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال:«لا تقبل شهادة ذي شحناء، أو ذي مخزية في الدين»(1).

والثاني _ ما ورد في معاني الأخبار مرسلاً عن النبّي (صلى الله عليه و آله) أنّه قال: «لا تجوز شهادة خائن، ولا خائنة، ولا ذي غمز على أخيه، ولا ظنين في ولاء ولا قرابة، ولا القانع مع أهل البيت» قال الصدوق (رحمه الله): «الغمز: الشحناء والعداوة، والظنين: المتّهم في دينه، والظنين في الولاء والقرابة: الذي يتّهم بالدعاء إلى غير أبيه والمتولّي غير مواليه، والقانع مع أهل البيت: الرجل يكون مع قوم في حاشيتهم كالخادم لهم والتابع والأجير ونحوه»(2).

والثالث: ما ورد _ بسند تامّ _ عن سماعة، وفيه ردّ شهادة الخصم(3).

وعلى أيّ حال فالعداء في الحالات المتعارفة يورث الاتّهام، فلا تنفذ شهادة


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص278، الباب 32 من الشهادات، ح5.

(2) نفس المصدر، ص279، ح8 .

(3) نفس المصدر، ص278، ح3.

379

صاحبه وفق المطلقات حتى مع غضّ النظر عن النص الخاص.

أمّا مثل مجرد القرابة فلا يمنع عن قبول الشهادة، كما هو منصوص.

نعم، نُسب إلى المشهور عدم قبول شهادة الولد على الوالد. وهذا _ كما ترى _ لا علاقة له بالاتّهام الناشئ من القرابة، فإنّ القرابة إنّما توجب الاتّهام في الشهادة لصالح القريب لا ضدّه.

والقول بعدم قبول شهادة الولد على الوالد _ سواء استدلّ له بدعوى الإجماع، أو بمرسلة الصدوق: «لا تُقبل شهادة الولد على والده»(1)، أو بدعوى كون هذه الشهادة منهيّاً عنها بقوله تعالى: «وصاحبْهُما في الدنيا معروفاً»(2)، أو بكونها مسقطةً للشاهد عن العدالة؛ لحرمتها وكونها عقوقاً للوالد _ ضعيف، ومخالف للصريح أو ما يشبه الصريح، لقوله تعالى: ﴿كُونُوا قَوّٰامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدٰاءَ لِلّٰهِ وَلَوْ عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوٰالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾(3)، ولما ورد _ بسند تام _ عن داود بن الحصين عن أبي عبداللّه (عليه السلام): «أقيموا الشهادة على الوالدَينِ والولد...»(4) ولرواية علي بن سويد غير التامّة سنداً عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «كتب أبي في رسالته إلي: وسألت عن الشهادات لهم، فأقم الشهادة للّه ولو على نفسِك أو الوالدَينِ والأقربين فيما بينك وبينهم، فإن خفت على أخيك ضيماً، فلا»(5). أمّا القول بأنّ الأمر بالشهادة على الوالد لا يدل على نفوذها، فهو كما ترى.


(1) نفس المصدر، ص271، الباب 26 من الشهادات، ح6.

(2) لقمان: 15 .

(3) النساء: 135 .

(4) وسائل الشيعة، ج18، ص250، الباب 19 من الشهادات، ح3.

(5) نفس المصدر، ص229، الباب 3 من الشهادات، ح1.

380

مقياس التهمة

وفي ختام البحث ينبغي أن نشير إلى أنّ المقياس في التّهمة هو التّهمة الفعليّة لا النوعية، فالخادم والتابع ونحوهما لو فرض صدفةً عدم التّهمة بشأنهم لشدّة الورع والتقوى فيهم مثلاً، نفذت شهادتهم، فضلاً عمّا إذا فرض أنّ شهادتهم كانت ضدّ المخدوم والمتبوع، فهنا ينبغي أن يكون من الواضح عدم شمول روايات منع نفوذ شهادة المتّهم لمثل هذه الشهادة.

ولو استفاد أحد من إطلاقات بعض العناوين في الأدلّة كعنوان الأجير والتابع أنّ المقياس هو التّهمة النوعيّة، فمثل هذا الإطلاق لو تمّ، فهو مقيّد بما مضى من حديث ابن خالد الصيرفي عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: «كتبت إليه في رجل مات وله أمّ ولد، وقد جعل لها سيّدها شيئاً في حياته، ثم مات، فكتب (عليه السلام): لها ما أثابها به سيّدها في حياته، معروف لها ذلك، تقبل على ذلك شهادة الرجل أو المرأة والخادم غير المتهمين»؛ إذ من الواضح أنّ الاتّهام النوعي في الخادم موجود، فتوصيفه بغير المتّهم لا يصح إلا إذا كان المقياس هي التّهمة الفعليّة.

الحرّية

الشرط السادس _ الحرّية. فلا تقبل شهادة المملوك مطلقاً على ما نسب إلى ابن أبي عقيل من الشيعة، وإلى أكثر العامّة، قال في الجواهر: «قيل _ والقائل ابن أبي عقيل منّا وأكثر العامّة _: لا تُقبل شهادة المملوك أصلاً»(1).

ونُسب إلى مشهور الإماميّة القول بقبول شهادة المملوك إلا على مولاه، قال في


(1) الجواهر، ج41، ص89.

381

الجواهر: «وقيل: تُقبل مطلقاً إلا على مولاه كما عن الأكثر، ومنهم الشيخان والمرتضى وسلّار والقاضي وابن إدريس»(1). وقال أيضاً في الجواهر: «الأشهر... القبول مطلقاً، إلا على المولى، بل هو المشهور، بل عن الانتصار والغنية والسرائر الإجماع عليه كما عن الخلاف أيضاً الإجماع على قبوله لمولاه ولغيره وعلى غيره»(2).

ونسب في الجواهر(3) إلى ابن بابويه: قبول شهادة العبد لغير سيّده، وسيأتي _ إن شاء اللّه _ عن الصدوق ما يدل على إفتائه بهذا الرأي، ويشير إلى هذا الرأي ما ذكره الشيخ الطوسي (رحمه الله) في مقام الجمع بين الروايات المتعارضة في نفوذ شهادة المملوك وعدم نفوذها من أنّ وجه الجمع أحد أمرين: إمّا أن نحمل روايات المنع على التقيّة؛ لأنّها موافقة لمذاهب من تقدم على أمير المؤمنين (عليه السلام)، أو نحملها على أنّ شهادة المماليك لا تقبل لمواليهم، وتقبل لمن عداهم لموضع التّهمة من جرِّهم إلى مواليهم(4).

وذكر في الجواهر: أنّه حكي عن جماعة من الأصحاب منهم نجيب الدين يحيى بن سعيد: تقبل مطلقاً(5).

أقول: وبالإمكان أن يضاف إلى هؤلاء الأشخاص أصحاب الرأي الثالث؛ لو كان مقصودهم من عدم نفوذ شهادة العبد لمولاه عدم نفوذه لأجل انتفاء شرط آخر، وهو شرط عدم التّهمة.

وهناك رأي خامس يجمع في المنع بين الرأي الثاني والثالث، أي: يمنع عن قبول


(1) نفس المصدر، ص90.

(2) نفس المصدر، ص92.

(3) نفس المصدر، ص91.

(4) التهذيب، ج6، ص249، في ذيل الحديث44.

(5) الجواهر، ج 41، ص90.

382

شهادة المملوك لمولاه، وعليه، ويقبلها في غير ذلك، وهو ما نسبه في الجواهر إلى أبي الصلاح(1).

ورأي سادس نقل عن بعض، وقال عنه في الجواهر: «لم نعرف قائله»(2)، وهو عكس القول الثاني، أي: لا تقبل شهادته إلا على مولاه.

ورأي سابع نقله في الجواهر عن ابن الجنيد، وهو قبول شهادة المملوك على مثله، وعلى الكافر دون الحرّ المسلم.

ما دلّ على قبول شهادة العبد

ونحن نجعل منطلق بحثنا هنا «القول الرابع» المنسوب إلى نجيب الدين يحيى بن سعيد وجماعة، وهو قبول شهادة العبد مطلقاً وتدلّ على ذلك روايات عديدة من قبيل:

1_ ما عن عبدالرحمان بن الحجّاج _ بسند تام _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً»(3).

2_ ما عن بريد _ بسند تام _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن المملوك تجوز شهادته؟ قال: نعم. إنّ أوّل من ردّ شهادة المملوك لفلان»(4).

3_ ما عن محمد بن مسلم عن أبي عبداللّه (عليه السلام) «في شهادة المملوك إذا كان عدلاً، فإنّه جائز الشهادة، إنّ أوّل من ردّ شهادة المملوك عمر بن الخطاب، وذلك أنّه


(1) التهذيب، ج6، ص91.

(2) نفس المصدر، ص90.

(3) وسائل الشيعة، ج18، ص253، الباب23 من الشهادات ، ح1.

(4) نفس المصدر، ص254، ح2.

383

تقدم إليه مملوك في شهادة، فقال: إن أقمت الشهادة تخوّفتُ على نفسي، وإن كتمتها أثمتُ بربّي، فقال: هات شهادتك، أما إنّا لا نجيز شهادة مملوك بعدك»(1).

وقد يناقش في سند الخبرين الأخيرين بوجود القاسم بن عروة الذي لم يُشهد بوثاقته، إلا أنّنا نصحّحه بنقل محمد بن أبي عُمير بعض الروايات عنه.

4_ ما ورد _ بسند تام _ عن عبدالرحمان بن الحجّاج عن أبي جعفر (عليه السلام) في قصّه أمير المؤمنين (عليه السلام) مع شريح القاضي بشأن عبداللّه بن قفل التميمي الذي كان معه درع طلحة، حيث ردّ شريح شهادة قنبر؛ لأنّه مملوك، وردّ عليه علي (عليه السلام) بقوله: «وما بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً»، ورواه الصدوق (رحمه الله) _ بسنده التام _ عن محمد ابن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام)، وزاد في آخره: ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): «إنّ أوّل من ردّ شهادة المملوك رمع»(2).

5_ ما رواه الحسن بن محبوب عن العلا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «تجوز شهادة العبد المسلم على الحرّ المسلم»(3). وهذا الحديث ورد في الفقيه(4) بسنده إلى الحسن بن محبوب، وورد في التهذيب(5) تارةً بسنده، أي سند الشيخ (رحمه الله) إلى الحسن بن محبوب، وأُخرى عن الصدوق بسنده إلى الحسن بن محبوب، وثالثةً: روى الشيخ _ بسنده _ عن محمد بن علي بن محبوب عن أحمد عن الحسن بن محبوب عن العلا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لا تجوز شهادة


(1) نفس المصدر، ح3.

(2) نفس المصدر، ص194، الباب 14 من كيفيّة الحكم، ح6.

(3) وسائل الشيعة، ج18، ص254، الباب 23 من الشهادات ، ح5 .

(4) ج3 ، ص26، ح69.

(5) ج6، ص249، ح636.

384

العبد المسلم على الحرّ المسلم»(1). وقد يُقال: من المطمَأَنّ به وحدة الحديثين؛ لاتّحاد الرواة من الحسن بن محبوب إلى الإمام، واتّحاد المتن ما عدا كلمة «لا» الموجودة في الثاني وغير الموجودة في الأول. وبناءً على هذا يسقط الحديث عن الحجّية؛ لعدم معرفة النسخة الصحيحة من النسختين. والشيخ الحرّ (رحمه الله) بعد أن نقل في الوسائل الحديث الأول عن الصدوق (رحمه الله) وعن الشيخ (رحمه الله) قال: «ذكر الصدوق أنّه محمول على ما لو شهد لغير سيّده، وفي نسخة لا يجوز، وهو محمول على التقيّة».

أقول: وبالفعل قد ذكر الصدوق (رحمه الله) في ذيل الحديث الأول حمله على ما لو شهد لغير سيّده، وكأنّه لأجل مجيء قول الشيخ الحر: «وفي نسخة: لا يجوز» مباشرةً بعد ذكره لحمل الصدوق (رحمه الله) للحديث على ما لو شهد لغير سيّده فهم السيد الخوئي أنّ مقصود الشيخ الحرّ هو دعوى اختلاف نسخ الفقيه، ولكنّي أحتمل أنّ مقصوده هو الإشارة إلى الحديث الثاني الذي ذكره بعد ذلك في الوسائل بعد عدة أحاديث؛ حيث إنّه من المحتمل _ كما عرفت _ دعوى كونه نفس الرواية؛ وعليه فلا يتعامل مع الحديثين تعامل المتعارضين كما صنعه السيد الخوئي؛ حيث فرضهما متعارضين، ورجّح أحدهما بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة، وهذا مبني على فرضهما حديثين لا حديثاً واحداً وقع الاختلاف في نسخة، وإلا فمن الواضح أنّه لم يثبت لدينا نقلان عن الإمام كي يوقع التعارض بينهما ويُحمل أحدهما على التقيّة مثلاً.

والسيد الخوئي قد فرض اختلاف النسخ في «من لا يحضره الفقيه» بناءً على تسليم نقل الشيخ الحرّ (رحمه الله) الذي مضى أنّه حمله على هذا المعنى، ولكنّه قال: «إنّ


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص256، الباب 23 من الشهادات، ح12، والتهذيب ج6، ص249، ح637.

385

المظنون قويّاً أن ما ذكره من النسخة فيها تحريف»(1).

أقول: لو حمل كلام الشيخ الحرّ (رحمه الله) على هذا المعنى، فمن المقطوع به خطأ الشيخ الحرّ (رحمه الله)، أو خطأ تلك النسخة وأنّ الشيخ الصدوق (رحمه الله) إنّما أراد نقل كلمة «يجوز»، وليس نقل كلمة «لا يجوز»، والدليل على ذلك: أنّ الشيخ الصدوق (رحمه الله) قد حمل هذا الحديث بصريح كلامه عقيب نقله لهذا الحديث مباشرةً على شهادة العبد لغير سيّده، وهذا يعني أنّ الشيخ الصدوق (رحمه الله) يفصّل بين شهادة العبد لسيّده وشهادته لغير سيّده بحجّية شهادته في الثاني دون الأول، وهذا الحمل غير معقول لو كانت النسخة عبارة عن كلمة «لا يجوز»، ولا يُحتمل فقهياً العكس؛ بأن تكون شهادة العبد لمولاه نافذةً، ولغير مولاه غير نافذة كي يكون هذا الاحتمال منسجماً مع نسخة «لا يجوز»، ويُحمل كلام الصدوق على هذا المعنى.

ولو احتمل أحد ذلك قلنا: إنّ هذا لم يكن مقصوداً للشيخ الصدوق (رحمه الله) حتماً بدليل أنّه روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) بعد هذا الحديث بعدّة أحاديث حديثاً عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) أنّ شهادة الصبيان إذا شهدوا وهم صغار جازت إذا كبروا ما لم ينسوها، وكذلك اليهود والنصارى إذا أسلموا جازت شهادتهم، والعبد إذا شهد على شهادة ثم أُعتق جازت شهادته إذا لم يردّها الحاكم قبل أن يُعتق، وقال (عليه السلام): إن أُعتق العبد لموضوع الشهادة لم تجز شهادته(2). ثم ذكر (رحمه الله) بعد نقله لهذا الحديث مباشرةً ما نصّه:

«قال مصنّف هذا الكتاب (رحمه الله): أمّا قوله (عليه السلام): (إذا لم يردَّها الحاكم قبل أن يعتق)


(1) مباني تكملة المنهاج، ج1، ص106.

(2) الفقيه، ج3، ص28، ح80 .

386

فإنّه يعني به أن يردّها لفسق ظاهر، أو حال يجرح عدالته، لا لأنّه عبد؛ لأنّ شهادة العبد جائزة، وأوّل من ردّ شهادة المملوك عمر. وأمّا قوله (عليه السلام): (إن أُعتق العبد لموضوع الشهادة لم تجز شهادته) كأنّه يعني إذا كان شاهداً لسيّده، فأمّا إذا كان شاهداً لغير سيّده جازت شهادته _ عبداً كان أو معتقاً _ إذا كان عدلاً».

وعلى أيّ حال فبناءً على ما نستظهره من أنّ الصدوق (رحمه الله) إنّما ينقل نسخة «يجوز» دون نسخة «لا يجوز» يقع الكلام في أنّه بعد فرض كون النقلين في التهذيب حديثاً واحداً متضارب النسخ، فهل بالإمكان عندئذٍ الاعتماد على نقل الصدوق بعد سقوط نقل الشيخ، وجعل حديث الصدوق دليلاً على نفوذ شهادة العبد؟ أو أنّ نقل الصدوق يتساقط مع نقلي الشيخ؟

والواقع أنّه لو كان نقل الشيخ قد سقط بتضارب في نسخ التهذيب، كان نقل الصدوق سليماً عن الإشكال؛ إذ لم نعرف أنّ الشيخ كيف نقل؟ ونقل الصدوق حجّة لنا، ولكن لا يوجد في المقام تضارب في نسخ التهذيب وإنّما الشيخ روى الحديث في التهذيب مرّتين: مرّة بتعبير «يجوز»، ومرّة أُخرى بتعبير «لا يجوز»، والصدوق رواه مرةً واحدةً بتعبير «يجوز»، وبعد فرض الوثوق بوحدة الحديث تتساقط كلّ هذه النقول الثلاثة بالتضارب في النسخ.

ما دلّ على عدم قبول شهادة العبد

وعلى أيّ حال فتوجد في مقابل هذه الروايات الدالّة على نفوذ شهادة المملوك روايات أُخرى دالّة على عدم نفوذ شهادته من قبيل:

1_ ما عن الحلبي _ بسند تام _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن شهادة

387

ولد الزنا فقال: لا، ولا عبد»(1).

2_ ما عن سماعة _ بسند تام _ قال: «سألته عمّا يُردّ من الشهود. قال: المريب والخصم والشريك ودافع مغرم والأجير والعبد والتابع والمتّهم؛ كلّ هؤلاء تردّ شهادتهم»(2).

ولو كنّا وهذا الحديث فحسب كان بالإمكان بقرينة ذكر العبد في سياق من لهم حصّة في المشهود به والمتّهمين إبداء احتمال كون المقصود عدم نفوذ شهادة العبد لمولاه لمكان التّهمة.

3_ ما عن تفسير الحسن العسكريّ (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «كنّا عند رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) وهو يذاكرنا بقوله تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ﴾ قال: أحراركم دون عبيدكم، فإنّ اللّه شغل العبيد بخدمة مواليهم عن تحمّل الشهادات وأدائها»(3).

ومن المحتمل اتّحاد ما نقلناه من الرأي الأول المنسوب إلى ابن أبي عقيل، وهو عدم نفوذ شهادة المملوك والرأي السابع المنسوب إلى ابن الجنيد، وهو نفوذ شهادته على مثله وعلى الكافر دون الحرّ المسلم، وذلك بأن يُقال: إنّ شرط الحرّية لا يعني أكثر من ذلك كما أنّ شرط الإسلام لم يكن يمنع عن قبول شهادة الكافر على أهل ملّته، وقد يقال بأنّ الروايات أيضاً لا تعني أكثر من ذلك. وبناءً على هذا تضاف إلى روايات المنع روايات الرأي السابع، وذلك كما يلي:

4_ ما مضى عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «لا تجوز شهادة العبد


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص277، الباب 31 من الشهادات، ح6.

(2) نفس المصدر، ص278، الباب 32 من الشهادات، ح3.

(3) نفس المصدر، ص257، الباب 23 من الشهادات، ح15.

388

المسلم على الحرّ المسلم»(1)بناءً على كونه حديثاً آخر غير نسخة «يجوز»، إلا أنّ الحديث ساقط بتضارب النسخ كما مضى.

5_ ما عن محمد بن مسلم _ بسند تام _ عن أحدهما (عليه السلام) قال: «تجوز شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب، وقال: العبد المملوك لا تجوز شهادته»(2).

6_ المرسل الوارد في الخلاف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه كان يقبل شهادة بعضهم على بعض ولا يقبل شهادتهم على الأحرار. قال الشيخ (رحمه الله) في الخلاف ما نصّه: «العبد إذا كان مسلماً بالغاً عدلاً، قُبلت شهادته على كلّ أحد من الأحرار والعبيد، إلا على مولاه. فأمّا غيره فإنّه تقبل شهادته لهم وعليهم، وروي عن علي (عليه السلام) أنّه تُقبل شهادة بعضهم على بعض، ولا تُقبل شهادتهم على الأحرار...» ثم نقل (رحمه الله) أقوالاً عن بعض الصحابة أو التابعين أو فقهاء السنّة، وهي: قبول شهادته مطلقاً، وعدم القبول مطلقاً، والقبول في القليل دون الكثير، ثم قال: «دليلنا: قوله تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ﴾(3). وذلك عام في الجميع، وقال:﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾(4). وهذا عدل، وعليه إجماع الفرقة وأخبارهم»(5).

وقد تُضاف روايات أُخرى إلى طائفة الأخبار الدالّة على عدم نفوذ شهادة المملوك مطلقاً، وإن كان قد يُقال: إنّ مقدمات الحكمة لإثبات إطلاقها _ في مقابل بعض التفصيلات الجزئيّة من قبيل استثناء الشهادة في الأمور اليسيرة، أو الشهادة


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص256، الباب23 من الشهادات، ح12.

(2) نفس المصدر، ح10.

(3) البقرة: 282.

(4) الطلاق: 2.

(5) الخلاف، ج 3، كتاب الشهادة، مسألة 19، 332.

389

في القتل _ غير تامّة، إلا أنّها _ على أيّ حال _ تدل على أنّ شهادة المملوك في غالب الأحوال غير نافذة، وتلك الأخبار كما يلي:

7_ ما عدّه السيد الخوئي (رحمه الله) من هذه الطائفة، وهو ما عن أبي بصير _ بسند تام _ قال: «سألته عن شهادة المُكاتَب كيف تقول فيها؟ قال: فقال: تجوز على قدر ما أُعتق منه، إن لم يكن اشترط عليه: أنّك إن عجزتَ رَدَدْناك، فإن كان اشترط عليه ذلك، لم تجز شهادته حتى يؤدّي، أو يستيقن أنّه قد عجز. قال: فقلت: فكيف يكون بحساب ذلك؟ قال: إذا كان أدّى النصف أو الثلث، فشهد لك بألفين على رجل، أُعطيت من حقّك ما أُعتق النصفَ من الألفين»(1).

والوجه فيما أشرت إليه من إمكانيّة القول بعدم تماميّة الإطلاق في هذا الحديث أنّه بصدد بيان نسبة المكاتب إلى العبد القنّ في الحكم، وأنّ المُكاتب تقبل شهادته بنسبة ما أُعتق منه بخلاف العبد القنّ الذي ترفض كلّ شهادته. أمّا أنّه ما هي موارد رفض شهادة العبد؟ هل على الإطلاق؟ أو له بعض المستثنيات كالقتل أو الشيء اليسير مثلاً؟ فليس بصدد بيانه، وقد يُتفصّى عن هذا الإشكال بأنّ التفصيلات الجزئيّة غير محتملة فقهيّاً، فنفوذ شهادته بالنسبة للقتل فقط، أوبالنسبة للشيء اليسير فقط ممّا لا قائل به عندنا، وإن حكى الشيخ الطوسي الثاني عن بعض العامة، فإذا فرض عدم احتمال تلك التفصيلات فقهياً كان الحديث بحكم المطلق.

نعم، يُحتمل التفصيل بأن تكون شهادة العبد لمولاه غير نافذة ولو لمكان التّهمة، وشهادته لغيره نافذة، أو أن تكون شهادته على مولاه غير نافذة، وفي غير ذلك نافذة بناءً على ما نسب إلى مشهور الأصحاب، ولكنّ حمل الحديث على خصوص فرض


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص257، الباب 23 من الشهادات، ح14.

390

الشهادة لمولاه، أو عليه غير محتمل عرفاً، لكونه حملاً على مورد نادر نسبيّاً. إذاً فالحديث بحكم المطلق بلحاظ تمام التفاصيل، إلا أن يناقش في عدم احتمال التفصيلات الجزئيّة فقهياً بدعوى أنّ عدم القائل لا يوجب القطع بالعدم، ومن المحتمل مدركيّة الإجماع.

8 _ ما عدّه السيد الخوئي (رحمه الله) أيضاً من هذه الطائفة، وهو ما عن إسماعيل بن أبي زياد _ بسند تام _ عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) أنّ شهادة الصبيان إذا شهدوا وهم صغار جازت إذا كبروا ما لم ينسوها، وكذلك اليهود والنصارى إذا أسلموا جازت شهادتهم، والعبد إذا شهد بشهادة ثم أُعتق جازت شهادته إذا لم يردّها الحاكم قبل أن يُعتق، وقال علي (عليه السلام): «وإن أُعتق لموضع الشهادة لم تجز شهادته»(1).

وهذا أيضاً يمكن الاستشكال في إطلاقه بأنّه إنّما هو بصدد بيان أنّ العتق يزيل مانعيّة المملوكيّة بزوال المملوكيّة، ولا يضرّ بالأمر كون تحمّل الشهادة في زمان المملوكيّة، أمّا ما هي مدى مانعية المملوكيّة؟ فليس الحديث بصدده.

فاحتمالات الاستثناءات الجزئيّة _ كالشهادة على الشيء اليسير أو الشهادة على القتل _ واردة ما لم يدّعى القطع الفقهي بخلافها، بل هذا الحديث بعد عدم تماميّة مقدمات الحكمة فيه يأتي احتمال حمله على الشهادة لمولاه على ما يناسبه قوله: «إن أُعتق لموضع الشهادة»؛ إذ _ عادةً _ لا يعتق المولى عبده لأجل الشهادة لغيره، وإنّما يعتقه لأجل الشهادة لنفسه، فهذا التعبير وإن كان لا يبطل الإطلاق لو تمّت مقدمات الحكمة، لكنّه يبطل إشكال استبعاد الحمل على الفرد النادر بعد فرض عدم تماميّة مقدمات الحكمة.


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص257، الباب 23 من الشهادات، ح13.

391

على أنّ في متن الحديث نوع التواءٍ؛ إذ لم نعرف معنىً معقولاً لقوله: «إذا لم يردَّها الحاكم قبل أن يعتق»، عدا ما أُوّلت به العبارة من أنّ المقصود هو ردّ شهادته بمانع آخر من فسق ونحوه.

9_ ما عدّه صاحب الجواهر (عليه السلام) من هذه الطائفة، وهو ما عن صفوان _ بسند تام _ عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل أشهد أجيره على شهادة، ثم فارقه أتجوز شهادته له بعد أن فارقه؟ قال: نعم، وكذلك العبد إذا أُعتق جازت شهادته»(1).

وهذا الحديث أيضاً يمكن المناقشة في إطلاقه باعتباره وارداً بصدد بيان أنّ عتق العبد يزيل المانع عن قبول الشهادة، وأنّه لا يضرّ بالأمر كون تحمُّل الشهادة في زمان العبوديّة. أمّا مدى مانعيّة المانع، فليس بصدد بيانه. وهنا أيضاً لو كان التشكيك بلحاظ استثناءاتٍ من قبيل استثناء الشيء اليسير أو القتل، قد يقول القائل بالقطع الفقهي بعدم استثناء من هذا القبيل، ولكن بالإمكان ذكر هذا التشكيك بمعنى دعوى احتمال اختصاص الحكم بفرض الشهادة لمولاه، كما يناسبه ما جاء في هذا الحديث من السؤال عن فرض أنّ الرجل أشهد أجيره على شهادة، ثم فارقه، والإمام (عليه السلام) عطف في الجواب على ذلك فرض عتق العبد، فهذا وإن كان لا يبطل الإطلاق لو تمّت مقدمات الحكمة، لكنّه يبطل إشكال الحمل على الفرد النادر.

10_ ما عن محمد بن مسلم _ بسند تام _ قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الذمّي والعبد يشهدان على شهادة، ثم يسلم الذمّي، ويُعتق العبد، أتجوز شهادتهما على ما


(1) نفس المصدر، ص273، الباب 29 من الشهادات، ح1.

`

392

كانا أُشهدا عليه؟ قال: نعم، إذا عُلم منهما بعد ذلك خير، جازت شهادتهما»(1). ونفس النقاش السابق في الإطلاق يجري هنا. وقد يُدّعى أيضاً القطع بعدم بعض الاستثناءات كاستثناء القتل أو الشيء اليسير، لكن يبقى احتمال تخصيص الحديث بشهادة العبد لمولاه أو على مولاه ما دامت مقدمات الحكمة غير تامّة، إلا أنّه ليس في متن هذا الحديث ما يناسب ذلك كما في سوابقه، ومن هنا قد يُستبعد فرض تخصيصه بمورد خاص من الشهادة لمولاه، أو الشهادة على مولاه.

11_ ما عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) وعن أبي بصير وسماعة والحلبي عن أبي عبداللّه (عليه السلام). _ والاسانيد كلّها تامّة _ في المكاتب يعتق نصفه هل تجوز شهادته في الطلاق؟ قال: «إذا كان معه رجل وامرأة»، وقال أبو بصير: «وإلا فلا تجوز»(2)، ورواه الصدوق _ بسنده _ عن حمّاد عن الحلبي كالتالي: قال: «سمعت أبا عبداللّه (عليه السلام) يقول في المكاتب: كان الناس مدّة لا يشترطون إن عجز، فهو ردّ في الرقّ، فهم اليوم يشترطون والمسلمون عند شروطهم ويجلد في الحدّ على قدر ما أُعتق منه، قلت: أرأيت إن أُعتق نصفه أتجوز شهادته في الطلاق؟ قال: إن كان معه رجل وامرأة، جازت شهادته»(3). والسند تام، والإشكال الماضي في الإطلاق يأتي هنا؛ لأنّ الإمام لم يكن بصدد بيان شرط الحرّية ابتداءً. وقد يُدّعى هنا أيضاً القطع الفقهي بعدم الاستثناءات الجزئيّة. وهنا لا يأتي احتمال اختصاص الحديث بفرض الشهادة


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص285، الباب 29 من الشهادات، ح1.

(2) نفس المصدر، ص256، ح11.

(3) الفقيه، ج3، ص29، ح86، وجاء ذيله في وسائل الشيعة، ج18، ص255، الباب23 من الشهادات، ح6.

393

للمولى أو عليه؛ لأنّ مورده هو الشهادة على الطلاق. نعم، فيه ما جعله(1) الشيخ الطوسي (رحمه الله) مؤكّداً للحمل على التقيّة، وهو إشراك المرأة في الشهادة على الطلاق(2).

ثم إنّ روايات عدم قبول شهادة المملوك إلا على مثله، أو الكافر وإن لم تكن مطلقةً بتمام معنى الكلمة في عدم نفوذ شهادة المملوك؛ إذ خرج من إطلاقها الشهادة على المملوك، أو الشهادة على الكافر، لكن هذا لا يغيّر من نسبتها إلى روايات قبول شهادة المملوك، فالتعارض لا زال يعتبر كأنّه تعارض تبايني، وليس بالعموم والخصوص؛ إذ ليس من العُرفي تقييد روايات قبول شهادة المملوك بخصوص ما إذا كانت شهادته على المملوك، أو على الكافر. وكذلك الحال في نفس روايات عدم قبول شهادة المملوك المطلقة بناءً على منع إطلاقها للشهادة على المملوك والكافر، كما أنّ روايات شرط الإسلام لم تكن تعني عدم نفوذ شهادة الكافر على أهل مذهبه.

وأيضاً الروايات التي قلنا قد يناقش في إطلاقها لبعض الحالات الخاصّة


(1) راجع التهذيب، ج6، ص250، ذيل الحديث 639، والاستبصار، ج3، ذيل الحديث47.

(2) جعل هذا مؤكّداً للحمل على التقيّة يمكن أن يُفسَّر بأحد تفسيرين:

الأول _ ما هو الظاهر من عبارة الشيخ الطوسي (رحمه الله) في كتابيه من أنّه بما أنّ ذكر شهادة المرأة في الطلاق محمول على التقيّة؛ إذاً هذا يؤكّد كون نفي شهادة العبد أيضاً محمولاً على التقيّة.

والثاني _ أن يُقال: إنّ وضوح عدم نفوذ شهادة المرأة في الطلاق عند الشيعة يجعلنا نحتمل أنّه كان فرض ضمّ شهادة المرأة والرجل الحرّ إلى شهادة العبد لأجل أن يفهم الشيعي نفوذ شهادة العبد، ويتوهّم غيره كون المقصود عدم نفوذ شهادة العبد، حيث إنّ الشيعي يرى أنّ ضمّ شهادة المرأة في الطلاق ضمّ للحجر إلى جنب الإنسان، فيعرف أنّ النافذ هو شهادة الرجل الحرّ والعبد، وبعض العامّة يرى أنّ شهادة المرأة في هذا الفرض نصف شهادة الرجل. فيفهم من كلام الإمام أنّه قد جعل شهادة العبد الذي أُعتق نصفه أيضاً نصف شهادة الحرّ.

وسيأتي _ إن شاء اللّه _ في محلّه أنّ العامة في شهادة المرأة في الطلاق مختلفون على رأيين.

394

كالشهادة على القتل، أو الشيء اليسير، لو تمّ مثل هذا النقاش، لم يضرّ بكون التعارض بينها وبين روايات نفوذ شهادة العبد كالتعارض التبايُني، وليس بالعموم والخصوص المطلق؛ إذ ليس من الجمع العرفي تقييد روايات نفوذ الشهادة ببعض الموارد الخاصّة كالشهادة على اليسير، أو على القتل.

علاج التعارض في المسألة

وأمّا ما هو علاج هاتين الطائفتين المتعارضتين في المقام؟ فقد ذكر الشيخ الطوسي(رحمه الله)(1) علاجين:

أحدهما _ حمل روايات عدم نفوذ شهادة العبد على التقيّة.

والثاني _ حملها على عدم نفوذ شهادته لمولاه، لمكان التهمة.

وذكر صاحب الجواهر: أنّ روايات عدم النفوذ محمولة على الشهادة على المولى، أو على الكراهة، أو على التقيّة التي قد أوْمأ إليها في النصوص السابقة(2).

أقول: الحمل على الكراهة لا وجه له، فإنّ المفهوم العرفي من الروايات هو الحكم الوضعي، وهو شرطيه‏الحرّية، أو مانعية الرّقّية، وهذا لا يقبل الحمل على الكراهة، إلا بمعنى صرفه عن كونه حكماً وضعيّاً، وحمله على الحكم التكليفي الكراهي. وهذا جمع تبرعي لا أثر له.

كما أنّ الحمل على الشهادة على المولى أيضاً حمل تبرعي لا دليل عليه.

وأمّا ما ذكره الشيخ الطوسي (رحمه الله) من الحمل على الشهادة للمولى فهو أوجه من الحملين المذكورين في الجواهر؛ لما مضى منّا من تناسب ذلك مع بعض روايات الباب،


(1) التهذيب، ج6، ص249، في ذيل الحديث 639.

(2) الجواهر، ج41، ص92.