356

بلحاظ المنفعة السوقية؛ حيث إنّه كان بإمكانه أن يربح ربحاً عظيماً ببيع ما يمتلكه من الثلوج، وبعد أن برد الجوّ بسبب فعل كيمياوي من قبل هذا الشخص حُرم هذا الرجل التاجر المالك للثلوج من هذه التجارة المربحة؛ إذ لا أحد يشتري منه الثلج عندئذٍ، إلّا أنّ هذا الضرر ليس مشمولاً لدليل نفي الضرر لما ذكره أستاذنا الشهيد(رحمه الله) في بحث «لا ضرر» من أنّ ما يعتبر ضرراً بالعقلية التجارية، لا بعقلية المنفعة الاستعمالية إنّما هو ضرر نسبي ومضاف إلی العقلية التجارية، وليس ضرراً مطلقاً، فينصرف عنه دليل نفي الضرر، سنخ انصراف أدلة أحكام الماء عن الماء المضاف.

وبما ذكرناه اتّضحت إمكانية التفصيل بين من غصب ثلجاً في الصيف وأراد إرجاعه او إرجاع ما يماثله في الشتاء، ومن اقترض ثلجاً في الصيف لمدة حلول الشتاء ثم أرجعه لدی حلول الشتاء. فالأول يكون ضامناً للفارق بين ثلج الصيف وثلج الشتاء، أي للمنفعة الاستعمالية التي حرم منها مالك الثلج، فلا يكفيه إرجاع ذاك المقدار من الثلج، بل يجب الانتقال إلی القيمة مثلاً، وذلك لمثل دليل «لا ضرر» ولكن الثاني ليس عليه عدا إرجاع ذاك المقدار من الثلج؛ وذلك لأحد وجهين:

الأوّل: عدم الدليل علی ضمان ما هو أكثر من ذلك؛ لأنّ حرمان المالك من الانتفاع بثلجه في الصيف كان بإذنه، ومعه لا يكون مشمولاً لقاعدة «لا ضرر» فلا يبقی وجه للضمان إلّا نفس القرض. وقد قلنا إنّ الداخل في أوصاف المثل إنّما هي الأوصاف الذاتية، ولم تتبدّل الأوصاف الذاتية في المقام.

والثاني: النهي الصريح القطعي في الشريعة الإسلامية عن أخذ الزيادة في باب القرض، فبعد أن لم تكن تلك الأوصاف ذاتية ودخلية في المثل، يكون إلزام المدين بتدارك تلك الأوصاف داخلاً لا محالة في ذاك النهي، في حين أنّنا في باب الغصب لم نكن نمتلك نهياً من هذا القبيل كي يقف هذا النهي أمام إطلاق قاعدة «لا ضرر» مثلاً.

وبعد هذا البيان نعود إلی حديثنا عن الأوراق المالية الاعتبارية المألوفة في هذا

357

الزمان ونقول: بالامكان التفصيل بين أقسام الضمان فيها:

ففي مثل ضمان الغصب نقول: إنّ من غصب ألف دينار وبعد خمسين سنة تاب إلی اللّه وأراد إرجاع المبلغ بعد أن سقط الدينار سقوطاً فظيعاً خلال خمسين سنة نتيجة للتضخّم المتزايد في البلاد، وجب عليه إرجاع ما يناسب هذا التضخّم، ولا يكفيه إرجاع نفس المبلغ القديم، وذلك تداركاً للضرر الذي يحكم به الارتكاز العقلائي وتمسّكاً بقاعدة نفي الضرر.

فإن قلت: إنّ هذه منفعة سوقية وداخلة في القسم الثالث من الأقسام الثلاثة الماضية لأوصاف المثل، وليست داخلة في القسم الثاني وهي المنافع الاستعمالية وقد مضي أنّ تخسير المنفعة السوقية لا يوجب الضمان، ولذا لو استورد شخص مبلغاً كبيراً من سلعة يملك مثلها تاجر آخر وبذلك كسر القيمة السوقية لما يمتلكه ذاك التاجر، وذلك علی أساس كثرة العرض، لم يضمن له شيئاً. وقد نقلنا عن أُستاذنا الشهيد(رحمه الله) أنّه ذكر أنّ الضرر بلحاظ المنفعة التجارية إنّما هو ضرر نسبي ومضاف، فلا يشمله دليل نفي الضرر.

قلنا: بما أنّ هذه الأوراق النقدية تكون منفعتها السوقية مطلوبة لكل واحد فقد أصبحت هي كالمنفعة الاستعمالية، أي أنّه ما دامت هذه المنفعة أصبحت منفعة عامة منظوراً إليها لكل أحد، فالضرر بالنسبة لها كأنّما يعتبر ضرراً مطلقاً لا نسبياً ومضافاً، فتشملة أدلة نفي الضرر(1).

 

 

<


(1) قد تقول: یلزم من ذلك أنّ السلطة لو طبعت من نقدها مبلغاً كبیراً وأدخلته فی السوق فانخفضت بذلك القوة الشرائیة لما فی أیدی الناس من النقود یجب أن تكون ضامنة لهم؛ لما أجرت علی أموالهم من النقص فی القوة الشرائیة: إلّا أنّ الواقع هو أنّه بما أنّ القوة الشرائیة للنقود كانت من أساسها مستمدة من سلطة السلطان، وبلحاظ دائرة سلطته یری أنّ من حقّه إضافة السكة، فیحكم عقلائیاً بعدم ضمانه؛ لأنّه لم یفعل إلّا ما كان من حقّه. بخلاف الغاصب، فإضافة السكة من قبل السلطان

358

ولكن في مثل ضمان القرض ليس الأمر هكذا؛ لأنّ دليل الضمان فيه لم يدلّ علی أكثر من ضمان نفس الشيء المقترض الذي لا يدخل في مثليته إلّا الأوصاف الذاتية بالمعني الذي شرحناه. أو نقول في خصوص القرض بأنّه: حتی إذا فرض وجود إطلاق يثبت ضمان القوة الشرائية، فهو مقيد بما ثبت ثبوتاً قطعياً في الشريعة من تحريم الزيادة في القرض، والزيادة تصدق علی تدارك القوة الشرائية ما دامت هي خارجة عن الأوصاف الذاتية التي تعدّ من أوصاف المثل. نعم، لو صحّ أنّ هذه الأوراق تعتبر عرفاً قوة شرائية متجسدة لما كانت تصدق الزيادة علی تدارك القوة الشرائية. ولكن مضی منا النقاش في ذلك. نعم لو أسقط السلطان السكة القديمة وأتی بسكة جديدة فمقتضی القواعد أنّه يجب علی المدين الأداء بالسكة الجديدة؛ لأنّ رواج السكة وصف ذاتي للسكة بالمعنی الذي قصدنا من الذاتية، أي أنّه ليس نسبياً بين السكة وسائر الأمتعة بلحاظ المقايسة في ما بينها وفي قانون العرض والطلب، فسقوط السكة بإسقاط السلطان يختلف عن هبوط قوّتها الشرائية بسبب وفرتها في البلاد أو بسبب ندرة سائر السلع، أي يعتبر ذاك السقوط تغيراً حقيقياً في النقد، ويعتبر الرواج من الصفات الداخلة في المثل، فلا يكون الالتزام بأداء السكة الجديدة التزاماً بالزيادة كي يدخل تحت عنوان الربا.

وأمّا الروايات في مسألة إسقاط السلطان للنقد فمتضاربة كما يظهر ذلك بمراجعة «الوسائل» المجلد الثاني عشر الباب العشرين من أبواب الصرف، وتلك الروايات

 

 

حالها حال اكتشاف أحد لمنجم الذهب فی عصر الدینار الذهبی، فبما أنّ من حقّ كلّ أحد هذا الاكتشاف رغم أدائه إلی نزول القوة الشرائیة للدنانير المملوكة للناس، فلا یحكم عقلائیاً علی المكتشف بضمان ذلك للناس، مع أنّ القوة الشرائیة للذهب أیضاً كانت وقتئذٍ داخلة فی الغرض العام للناس، فالضرر الناتج من ضعفها لو عدّ ضرراً لعدّ ضرراً مطلقاً، لا نسبياً ومضافاً.

359

إنّما وردت في النقد الحقيقي المدعم بالاعتبار أي في الدينار الذهبي والدرهم الفضّي، أمّا النقد الاعتباري البحت كالأوراق الرائجة في زماننا فالمرجع بشأنه هو ما تقتضيه القاعدة، وقد شرحناه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

361

التعزير، أنواعه وضوابطه

363

التعزير، أنواعه وضوابطه

بسم الله الرحمن الرحيم

هل يجوز التعزير بمصادرة المال أو بالحبس أو غير ذلك من الأُمور غير الضرب أو إنّه خاص بالضرب؟

وهل التعزير بالضرب يجب أن لا يزداد عن نصف الحدّ أو أن يكون أقلّ من الحدّ أم ماذا؟ وما هو مقداره؟

وما هو حكم تعزير الأولاد غير البالغين؟

الجواب على هذه الأسئلة قد يترتّب على الالتفات إلى مجموعة أمور:

الأوّل: مبدأ ولاية الفقيه.

الثاني: الروايات الواردة في الحبس، وهي كما يلي:

1_ محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن حماد عن أبي عبدالله(علیه السلام)في المرتدّة عن الإسلام قال: «لا تقتل، وتستخدم خدمة شديدة، وتمنع الطعام والشراب إلّا ما يمسك نفسها، وتلبس خشن الثياب، وتضرب على الصلوات»(1)، ورواه الصدوق بإسناده عن حمّاد عن الحلبي مثله إلّا أنّه قال: «أخشن الثياب»(2). والحديث تام سنداً.

 


(1) وسائل الشيعة ج28، ص330، الباب4 من أبواب حدّ المرتد، ح1.

(2) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص150، باب الارتداد من أبواب القضايا والأحكام، ح3548.

364

2_ محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن الحسين عن محمد بن يحيى عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي(علیه السلام)قال: «إذا ارتدّت المرأة عن الإسلام لم تقتل ولكن تحبس أبداً»، ورواه الصدوق بإسناده عن غياث بن إبراهيم مثله(1). والحديث تام سنداً.

3_ الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حمّاد عن حريز عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «لا يخلد في السجن إلّا ثلاثة: الذي يمسك على الموت، والمرأة ترتدّ عن الإسلام، والسارق بعد قطع اليد والرجل»(2). والسند تام. ورواه الكليني بسند غير تام إلّا أنّه ذكر بدلاً عن «الذي يمسك على الموت»: «الذي يمثل»(3).

4_ الشيخ بإسناده إلى الحسين بن سعيد عن حسن بن محبوب عن عباد بن صهيب عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «المرتدّ يستتاب، فإن تاب وإلّا قتل والمرأة تستتاب، فإن تابت وإلّا حبست في السجن وأُضرّبها»(4). وسند الحديث تام.

5_ الشيخ بإسناده إلى الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر(علیه السلام)قال: «قضى أمير المؤمنين(علیه السلام)في وليدة كانت نصرانيّة فأسلمت وولدت لسيّدها، ثم إنّ سيّدها مات وأوصى بها عتاقة السُرّية على عهد عمر فنكحت نصرانيّاً ديرانيّاً وتنصّرت فولدت منه ولدين وحبلت بالثالث، فقضى فيها: أن يعرض عليها الإسلام، فعرض عليها الإسلام فأبت، فقال: ما ولدت من ولد نصرانيّاً فهم عبيد لأخيهم الذي ولدت لسيّدها الأوّل، وأنا أحبسها حتّى تضع ولدها، فإذا ولدت قتلتها»(5). وسند الحديث تامّ إلّا أنّ مضمونه خلاف الأخبار التي عرفت وتعرف.

 


(1) وسائل الشيعة ج28، ص330، الباب4 من أبواب حدّ المرتد، ح2.

(2) المصدر السابق، ص331، ح3.

(3) الكافي، ج14، ص272، الباب 63 من كتاب الحدود، ح45.

(4) وسائل الشيعة، ج 28، ص331، الباب 4 من حدّ المرتد، ح 4.

(5) المصدر السابق، ح 5.

365

6_ الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن غير واحد من أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبدالله(علیهما السلام): «في المرتدّ يستتاب فإن تاب وإلّا قتل، والمرأة إذا ارتدّت عن الإسلام استتيبت، فإن تابت وإلّا خُلّدت في السجن وضيّق عليها في حبسها»(1). ورواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب(2). ولو قيل بأنّ كلمة (غير واحد) تعطي معنى العدد الذي يوجب الوثوق تمّ الحديث سنداً، وإلّا فلا.

7_ مرفوعة عبد الرحمن بن الحجّاج: «أنّ أمير المؤمنين(علیه السلام)كان لا يرى الحبس إلّا في ثلاث: رجل أكل مال اليتيم أو غصبه أو رجل أُؤتمن على أمانة فذهب بها»(3).

8_ روايات حبس السارق في المرّة الثالثة بعد قطع اليد اليمنى في الأُولى والرجل اليسرى في الثانية(4). وجاء في إحداها عن عبيد بن زرارة قال: «سألت أبا عبدالله(علیه السلام)هل كان علي(علیه السلام)يحبس أحداً من أهل الحدود؟ قال: لا، إلّا السارق، فإنّه كان يحبسه في الثالثة بعد قطع يده ورِجله»(5).

9_ خبر السكوني بسند غير تام عن جعفر عن أبيه عن علي(علیه السلام)قال: «حبس الإمام بعد الحدّ ظلم»(6).

10_ ما عن حريز بسند تام أنّ أبا عبدالله(علیه السلام)قال: «لا يخلّد في السجن إلّا ثلاثة: الذي يمسك على الموت يحفظه حتّى يُقتل، والمرأة المرتدّة عن الإسلام، والسارق بعد

 


(1) المصدر السابق، ص332، ح 6؛ الكافي، ج14، ص230، الباب61 من كتاب الحدود، ح3.

(2) تهذيب الأحكام، ج10، ص137، ح543؛ الإستبصار، ج4، ص253، باب المرتد والمرتدة، ح4.

(3) وسائل الشيعة، ج 28، ص368، الباب 5 من أبواب بقية الحدود والتعزيرات، الحديث الوحيد في الباب.

(4) وهي موجودة في وسائل الشيعة، ج 28، ص254، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة.

(5) وسائل الشيعة، ج 28، ص259، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة، ح 13.

(6) المصدر السابق، ج27، ص299، الباب 30 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوی، ح 3.

366

قطع اليد والرجل»(1).

11_ ما عن عبدالله بن سنان بسند تام عن أبي عبدالله(علیه السلام)أنّه قال: «على الإمام أن يُخرج المحبسين في الدين يوم الجمعة إلى الجمعة ويوم العيد إلى العيد فيرسل معهم، فإذا قضوا الصلاة والعيد ردّهم إلى السجن»(2).

12_ ما عن محمد بن خالد بسند تام عن علي(علیه السلام)قال: «يجب على الإمام أن يحبس الفسّاق من العلماء والجهّال من الأطبّاء والمفاليس من الأكرياء قال وقال(علیه السلام): حبس الإمام بعد الحدّ ظلم»(3)، وسند الحديث وإن كان صحيحاً إلى محمد بن خالد لكن نقل محمد بن خالد عن علي(علیه السلام)يعني الإرسال فلا يعتمد عليه. نعم، رواه الشيخ بإسناده إلى الصفّار عن إبراهيم بن هاشم عن النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي(علیه السلام)وهذا غير مبتلى بالإرسال لكنّه ضعيف بالنوفلي.

وقد يقال: إنّه ضعيف أيضاً بسند الشيخ إلى الصفّار؛ لأنّ أسانيد الشيخ إلى الصفّار في المشيخة ضعيفة، وفي الفهرست بعضها ضعيف وبعضها صحيح، والصحيح منها ما كان فيه محمد بن الحسن بن الوليد، لكن الشيخ استثنى من كتب الصفّار من أسانيده التي تمرّ بابن الوليد كتاب بصائر الدرجات بحجّة أنّ ابن الوليد لم يروه، وما يدرينا لعلّ هذا الحديث مأخوذ من كتاب بصائر الدرجات.

والجواب: إنّ هذا الحديث غير مأخوذ من كتاب بصائر الدرجات بدليل أنّ أسانيد الشيخ إليه في المشيخة تمرّ بمحمد بن الحسن بن الوليد.

13_ ما عن زرارة بسند تام عن أبي جعفر(علیه السلام)قال: كان علي(علیه السلام)يقول: «لا يحبس في السجن إلّا ثلاثة: الغاصب، ومن أكل مال اليتيم ظلماً، ومن اؤتمن على أمانة

 


(1) وسائل الشيعة، ج27، ص300، الباب 32 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوی ، ح 1.

(2) المصدر السابق، ص301، ح 2.

(3) المصدر السابق، ح 3.

367

فذهب بها وإن وجد له شيئاً باعه غائباً كان أو شاهداً»(1).

14_ ما ورد بسند غير تام عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه: «أنّ عليّاً(علیه السلام)كان إذا أخذ شاهد زور فإن كان غريباً بعث به إلى حيّه، وإن كان سوقيّاً بعث به إلى سوقه فطيف به ثم يحبسه أياماً ثم يخلّي سبيله»(2).

15_ ما ورد بسند ضعيف بمحمد بن موسى بن المتوكّل عن الحسن بن محبوب عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «جاء رجل إلى رسول الله(صلى الله عليه و آله) فقال: إنّ أُمي لا تدفع يد لامس. فقال: فاحبسها. قال: قد فعلت. قال: فامنع من يدخل عليها. قال: قد فعلت. قال قيّدها، فإنّك لا تبرّها بشيء أفضل من أن تمنعها عن محارم الله(وجل عز)»(3).

الثالث: ما ورد في حدّ التعزير من قبيل:

أ_ ما عن إسحاق بن عمّار قال: «سألت أبا إبراهيم(علیه السلام)عن التعزير كم هو؟ قال: بضعة عشر سوطاً ما بين العشرة إلى العشرين»(4). وسند الحديث تامّ.

ب_ مرسلة الصدوق قال: قال رسول الله(صلى الله عليه و آله): «لا يحلّ لوال يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجلد أكثر من عشرة أسواط إلّا في حدّ، وأذن في أدب المملوك من ثلاثة إلى خمسة»(5).

جـ _ ما عن حمّاد بن عثمان بسند تام عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «قلت له: كم التعزير؟ فقال: دون الحدّ. قال: قلت: دون ثمانين؟ قال: لا، ولكن دون أربعين؛ فإنّها حدّ المملوك. قلت: وكم ذاك؟ قال: على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل وقوّة بدنه»(6).

 


(1) المصدر السابق، ص295، الباب 26 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوی، ح2.

(2) المصدر السابق، ص334، الباب 15 من كتاب الشهادات، ح3.

(3) المصدر السابق، ج 28، ص150، الباب 48 من أبواب حد الزنا، ح1.

(4) المصدر السابق، ص374، الباب10 من أبواب بقية الحدود والتعزيرات، ح 1.

(5) المصدر السابق، ص375، ح2.

(6) المصدر السابق، ص374، ح 3.

368

د_ ما عن سماعة بسند تام قال: «سألته عن شهود زور؟ فقال: يجلدون حدّاً ليس له وقت، وذلك إلى الإمام، ويُطاف بهم حتّى يعرفهم الناس. وأمّا قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾(1) قال: قلت: كيف تعرف توبتهم؟ قال: يكذب نفسه على رؤوس الناس حتّى يضرب ويستغفر ربّه، فإذا فعل ذلك فقد ظهرت توبته»(2). ونظيره حديثه الثاني الوارد في الوسائل بعد هذا الحديث مباشرة، وهو أيضاً تام سنداً(3). وروى في الوسائل الحديث الثاني بسند آخر تام أيضاً عن سماعة في كتاب الشهادات.(4)

وروى الشيخ الحديث الأوّل إلى قوله «حتّى يعرفهم الناس»(5) بسند تام كما أشار إليه في الوسائل(6)، وروى الشيخ أيضاً تمام الحديث الأوّل بسند تام أشار إليه في الوسائل(7). ولعلّ كلّ هذا حديث واحد.

ونظيره ما عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(علیه السلام)، وهو الحديث الثاني من الباب 15 من الشهادات بسند غير تام.

هـ _ بعض روايات قذف الحرّ للمملوك التي قد تحمل على التعزير(8)، إلّا أنّها شاذّة المضمون، وقد تحمل على ذكر بعض المصاديق لا على التحديد.

و _ الروايات الواردة في تعزير رجلين أو امرأتين أو رجل وامرأة ناما في لحاف واحد،

 


(1) النور: 4 _ 5.

(2) وسائل الشيعة، ج 28، ص376، الباب11 من أبواب بقية الحدود والتعزيرات، ح 1

(3) المصدر السابق، ح2.

(4) المصدر السابق، ج27، ص333، الباب15 من كتاب الشهادات، ح 1.

(5) تهذیب الأحكام، ج10، ص144، الباب 10 من كتاب الحدود، ح2.

(6) وسائل الشيعة، ج28، ص376، الباب 11 من أبواب بقية الحدود والتعزيرات، ح1.

(7) المصدر السابق، ج 27، ص333، الباب15 من كتاب الشهادات، ح 2.

(8) المصدر السابق، ج28، ص178، الباب 4 من أبواب حد القذف.

369

دلّت إحداها على الضرب ثلاثين سوطاً في رجلين ناما في لحاف واحد، وكذلك في امرأتين نامتا في لحاف واحد(1) وهي ضعيفة سنداً بسليمان بن هلال؛ لأنّه لم يوثّق.

ودلّ عديد منها على الضرب تسعة وتسعين سوطاً تارة على شكل بيان الحكم، وأُخرى على شكل نقل فعل الإمام، كرواية حريز الناقلة لفعل الإمام في رجل وامرأة(2)، التامّة سنداً. ومثلها رواية أبان بن عثمان التامّة سنداً(3).

ورواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(علیه السلام)«في رجلين يوجدان في لحاف واحد قال: يجلدان غير سوط واحد»(4).

وفي مقابل هذه الروايات توجد روايات تدل على وجوب الحدّ بمجرّد اجتماعهما في ثوب واحد، كرواية عبدالرحمن بن الحجاج _ التامة سنداً _ قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام)يقول: «كان عليّ(علیه السلام)إذا وجد الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحدّ، فإذا أخذ المرأتين في لحاف ضربهما الحدّ»(5).

ورواية أبي بصير التامّة سنداً عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «سئل عن امرأة وجدت مع رجل في ثوب قال: يُجلدان مائة جلدة»(6).

ويمكن الجمع بين الطائفتين بأنّ ما دلّ على الضرب تسعة وتسعين سوطاً بيان للتعزير الثابت لمجرّد الاجتماع في ثوب واحد أو لحاف واحد من دون أن يصدر منهما ما يوجب الحدّ، وما دلّ على ضرب الحدّ وارد عند احتمال صدور ما يوجب الحدّ،

 


(1) المصدر السابق، ص90، الباب 10 من أبواب حد الزنا، ح21.

(2) المصدر السابق، ص89، ح20.

(3) المصدر السابق ، ح19.

(4) المصدر السابق، ح18.

(5) المصدر السابق، ص86، ح6.

(6) المصدر السابق، ح7.

370

فكأنّ الاجتماع في ثوب واحد أمارة مثلاً على ما يوجب الحدّ إلّا بلحاظ الرجم، فالرجم لا يثبت (كما ورد في الروايات) إلّا بشهادة الشهود بأنّهم شاهدوه كالميل في المكحلة.

وهذا الجمع _ لولا وجود شاهد عليه _ جمع تبرّعي لا قيمة له إلّا أنّه هناك عدّة روايات تشهد لذلك:

1_ ما عن عبدالله بن سنان بسند تام عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: سمعته يقول: «حدّ الجلد في الزنا أن يوجدا في لحاف واحد، والرجلان يوجدان في لحاف واحد، والمرأتان توجدان في لحاف واحد»(1).

فتعبيره عن ذلك بـ «حدّ الجلد في الزنا» يستشعر منه أنّ وجودهما في لحاف واحد كأنّه أمارة على الزنا.

2_ ما عن أبي بصير بسند تام عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «سألته عن امرأة وجدت مع رجل في ثوب واحد؟ قال: يجلدان مائة جلدة، ولا يجب الرجم حتّى تقوم البينة الأربعة بأن قد رأوه يجامعها»(2).

فذيله وهو قوله: «ولا يجب الرجم» يشهد لكون المقصود التفصيل بين زنا الرجم وزنا الجلد، فالرجم لا يثبت إلّا بشهادة البينة الأربعة برؤية المجامعة، أمّا الجلد فلا حاجة فيه إلى شهادة من هذا القبيل، فنفس كونهما في ثوب واحد كأنّه أمارة عليه.

3_ ما عن أبي الصباح الكناني بسند تام عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «سألت أبا عبدالله(علیه السلام)عن الرجل والمرأة يوجدان في لحاف واحد؟ قال: اجلدهما مائة مائة. قال: ولا يكون الرجم حتّى تقوم الشهود الأربعة أنّهم رأوه يجامعها»(3).

 


(1) وسائل الشيعة، ج28، ص85، الباب 10 من أبواب حد الزنا، ح4.

(2) تهذيب الأحكام، ج10، ص43، الباب الأول من كتاب الحدود، ح 154؛ وسائل الشيعة، ج28،ص86، الباب 10 من أبواب حد الزنا، ح8.

(3) تهذيب الأحكام، ج10، ص43،ح156؛ وسائل الشيعة، ج28، ص86، الباب10 من أبواب حد الزنا، ذيل الحدیث5.

371

وهذا في الدلالة كالحديث الذي قبله، ودلالة كليهما قابلة للنقاش.

4_ ما عن زرارة بسند تام عن أبي جعفر(علیه السلام)قال: «إذا شهد الشهود على الزاني أنّه قد جلس منها مجلس الرجل من امرأته أُقيم عليه الحدّ»(1). فالتعبير بقوله «شهد الشهود على الزاني» يوحي إلى أنّ جلوسه منها مجلس الرجل من امرأته كأنّه أمارة الزنا.

5_ ما عن عبدالله بن مسكان بسند تام عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: سمعته يقول: «حدّ الجلد في الزنا أن يوجدا في لحاف واحد»(2). وهذا كالحديث الأوّل.

هذا، والروايات الواردة في ضرورة الشهادة بالايلاج المروية في الوسائل(3)، إنّما هي واردة في الرجم لا الجلد إلّا رواية ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر(علیه السلام)قال: «قال أمير المؤمنين(علیه السلام): لا يجلد رجل ولا امرأة حتّى يشهد عليه أربعة شهود على الايلاج والإخراج...»(4) هذا بحسب نقل الفقيه.

وسند الحديث تام إلّا أنّ نفس الرواية رواها في الكافي بسند تام(5)وفي التهذيب بسند فيه إسناد الشيخ إلى أحمد بن محمد(6)مع تبديل كلمة «لا يجلد» بكلمة «لا يرجم» فلا يبعد أن يكون نقل الفقيه هو الخطأ.

نعم، توجد رواية واحدة بإطلاقها تشمل فرض الجلد، ولعلّها تنفي أمارية الوجدان في ثوب واحد، وهي ما عن حريز بسند تام عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «القاذف يجلد ثمانين جلدة، ولا تقبل له شهادة أبداً إلّا بعد التوبة، أو يكذب نفسه،

 


(1) وسائل الشيعة، ج28، ص88، الباب 10 من أبواب حد الزنا، ح13.

(2) المصدر السابق، ص90، ح22.

(3) المصدر السابق، ص97، الباب12 من أبواب حد الزنا.

(4) من لا يحضره الفقيه، ج4، ص24، باب ما يجب به التعزير والحدود... من كتاب الحدود، ح4991.

(5) الكافي، ج14، ص35، الباب7 من كتاب الحدود، ح2.

(6) تهذیب الأحكام، ج2، ص2، الباب الأول من كتاب الحدود، ح3.

372

فإن شهد له ثلاثة وأبى واحد يجلد الثلاثة ولا تقبل شهادتهم حتّى يقول أربعة: رأينا مثل الميل في المكحلة»(1).

فهي تدل أنّ العمليّة لا تثبت إلّا بالرؤية كالميل في المكحلة، ولم تفصّل بين الرجم والجلد، إلّا أنّ أصل فرض اشتراط رؤية الدخول كالميل في المكحلة غريب؛ فإنّه لعلّه لا يتّفق أصلاً بينما تروى في زمن المعصومين(علیهم السلام) أنّه وقعت شهادات بالزنا ورتّب عليها الأثر. فما نقول به في خصوص الرجم أو مطلقاً إنّما هو رؤية ما يلازم عادة الدخول، لا رؤية أصل الدخول.

على أنّ هذه الرواية لعلّها لا تعارض روايات الاكتفاء في الجلد برؤيتهما في لحاف واحد وما استظهرنا منها من أمارية ذلك على لزوم الجلد مثلاً؛ إذ لا منافاة بين هذه الأمارية بلحاظ حكم الجلد مثلاً وبين عدم جواز الشهادة بالزنا ما لم يره بحيث لو شهد بذلك من دون رؤية يجری عليه حدّ القذف، وإنّما كان من حقّه أن يشهد باجتماعهما في ثوب واحد، وكان بهذا ممضاة مثلاً بمقدار ثبوت الجلد، لا بمقدار جواز الشهادة بالزنا.

هذا، ولكن الانصاف _ رغم كلّ ما ذكرناه _ أنّ حمل الروايات على كون اجتماعهما في ثوب واحد أمارة على الزنا بمقدار الجلد بعيد، والقرائن التي ذكرناها ليست قويّة، هذا.

والسيد الخوئي(رحمه الله) حمل روايات ثبوت الحدّ بمجرّد رؤيتهما في لحاف واحد على التقيّة بقرينة ما ورد بسند تام عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: «كنت عند أبي عبدالله(علیه السلام)، فدخل عليه عباد البصري ومعه أُناس من أصحابه، فقال له: حدّثني عن الرجلين إذا أُخذا في لحاف واحد؟ فقال له: كان علي(علیه السلام)إذا أخذ الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحدّ، فقال له عباد: إنّك: قلت لي غير سوط، فأعاد عليه ذكر الحديث (الحدّ خ) حتّى أعاد ذلك مراراً، فقال: غير سوط، فكتب القوم الحضور عند ذلك

 


(1) وسائل الشيعة، ج28، ص177، الباب2 من أبواب حد القذف، ح5.

373

الحديث»(1)، فكأنّ امتناعه أوّلاً كان تقية من جماعة عباد البصري إلى أن اضطرّ على أثر الإصرار إلى ذكر الحقيقة(2).

إلّا أنّ الذي يضعّف هذا الكلام هو: أنّ الشيخ الطوسي(رحمه الله) نسب في كتاب الخلاف إلى قاطبة السنّة أنّهم يرون في ذلك التعزير، لا الحدّ.(3) إذاً فلو أريد الحمل على التقيّة فلعلّ الأولى حمل روايات التسعة والتسعين على التقيّة لا العكس.

وكيف كان فالظاهر أنّ المشهور عندنا فقهيّاً عدم ثبوت الجلد لمجرّد الاجتماع في ثوب واحد من دون عمل، بل لعلّه لم يعرف قائل بذلك عدا أبي علي. نعم، ظاهر عبارة الشيخ في الخلاف ذلك إلّا أنّه في التهذيب(4) ذهب إلى خلاف ذلك.

وذكر السيد الخوئي في مباني تكملة المنهاج(5) أنّه نقل عن أبي علي والصدوق الحدّ مائة سوط.

أقول: قد صرّح الصدوق(رحمه الله) في من لا يحضره الفقيه(6)خلاف ذلك، حيث حمل روايات المائة على فرض الإقرار أو البيّنة، وحمل روايات التسعة والتسعين على فرض علم الإمام بما يوجب الحدّ من دون إقرار ولا بيّنة، فينقص سوط واحد لأجل عدم الإقرار وعدم البيّنة.

وعلى أيّ حال فإذا فرض أنّ عدم تواجد قائل غير أبي¬علي بمفاد روايات المائة أوجب فقدان الوثوق المشترط في حجية الروايات، فالمتعيّن هو الإفتاء بروايات الضرب تسعة وتسعين سوطاً. بل قد يقال بأنّ الضرب تسعة وتسعين أيضاً غير

 


(1) المصدر السابق، ص84، الباب 10 من أبواب حدّ الزنا، ح 2.

(2) مبانى تكملة المنهاج، ج1، ص242.

(3) الخلاف، ج5، ص373_ 374، مسألة 9.

(4) تهذيب الأحكام، ج10، ص43 _ 44، باب حدود الزنی من کتاب الحدود.

(5) مباني تكملة المنهاج، ج1، ص240.

(6) من لا يحضره الفقيه، ج4، ص24، باب ما يجب به التعزير والحد والرجم والتقل والنفي في الزنا.

374

واجب، وإنّما يُرجى تقدير الموقف إلى الحاكم؛ وذلك لما ورد عن طلحة بن زيد بسند تام عن جعفر عن أبيه(علیهما السلام) «أنّه رُفع إلى أمير المؤمنين(علیه السلام)رجل وُجد تحت فراش امرأة في بيتها، فقال: هل رأيتم غير ذلك؟ قالوا: لا، قال: فانطلقوا به إلى مَخرُأة فمرّغوه عليها ظهراً لبطن ثم خلّوا سبيله»(1).

فهذه الرواية دلّت على تعزير آخر غير الضرب تسعة وتسعين، بل دلّت أيضاً على أنّ مجرد الاجتماع تحت فراش واحد لا يكون أمارة على الجلد. إلّا أنّه يمكن النقاش في دلالة هذه الرواية بأنّ اجتماعهما في فراش واحد غير مفروض في الرواية فضلاً عن فرض عدم الحاجز بينهما بالثياب كي يفرض أمارة على العمل مثلاً.

ومثل هذه الرواية ما عن حفص بن البختري التام سنداً عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «أتي أمير المؤمنين(علیه السلام)برجل وجد تحت فراش رجل، فأمر به أمير المؤمنين(علیه السلام)فلوّث في مخرأة»(2).

نعم، قد يمكن الاستشهاد بعدم تعيّن عدد التسعة والتسعين سوطاً بما عن معاوية ابن عمّار بسند تام قال: «قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): المرأتان تنامان في ثوب واحد؟ فقال: تضربان، فقلت: حدّاً، قال: لا، قلت: الرجلان ينامان في ثوب واحد؟ قال: يضربان، قال: قلت: الحدّ؟ قال: لا»(3)حيث إنّ هذا الحديث اقتصر على ذكر الضرب وأنّه لا يصل الضرب إلى مستوى الحدّ، ومقتضى إطلاق ذلك عدم تعيّن التسعة والتسعين.

نعم، إنّما وردت هذه في خصوص اجتماع رجلين أو امرأتين، ولم تشمل فرض اجتماع رجل وامرأة.

وعلى أي حال فقد يكون الجمع بالتقييد أولى من الجمع بحمل روايات التسعة والتسعين على ذكر أحد المصاديق.

 


(1) وسائل الشيعة، ج28، ص145، الباب 40 من أبواب حدّ الزنا، ح2.

(2) المصدر السابق، ص163، الباب6 من أبواب حد اللواط، الحديث الوحيد من الباب.

(3) المصدر السابق، ص89، الباب10 من أبواب حد الزنا، ح16.

375

إذاً فيتعيّن القول بوجوب الضرب تسعة وتسعين لو لم يكن إجماع على خلافه، أمّا بناء على ما ذكره صاحب الجواهر(رحمه الله)(1) من الإجماع على خلافه فقد يتعيّن حمل الروايات على بيان أقصى الحدّ.

هذا كلّه لو افترضنا انسلاب الوثوق من روايات المائة إلى حدّ سقطت عن الحجّية، وإلّا فالتعارض مستحكم بين الطائفتين، فإن صحّ ما نقله الشيخ الطوسي(رحمه الله) من أنّ قاطبة السنّة يرون التعزير لا الحدّ تعيّن حمل روايات التسعة والتسعين على التقيّة، وإلّا فبما أنّ مجموع الطائفتين بالغة حدّ الاستفاضة فنحن نعلم إجمالاً بتعيّن أحد الحدّين المائة أو التسعة والتسعين، ويقتصر على القدر المتيقن، وهو التسعة والتسعون أو التعزير.

الرابع: ما ورد في تعزير الطفل أو المملوك:

ولنذكر بهذا الصدد روايات:

1_ ما ورد بسند تام عن حريز عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «لا بأس أن يؤدّب المحرم عبده ما بينه وبين عشرة أسواط»(2).

2_ ما عن حماد بن عثمان بسند غير تام قال: «قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): في أدب الصبي والمملوك، فقال: خمسة أو ستة، وارفق»(3).

3_ ما عن السكوني بسند غير تام عن أبي عبدالله(علیه السلام): «أنّ أمير المؤمنين(علیه السلام)ألقى صبيان الكتّاب ألواحهم بين يديه ليخير بينهم، فقال: أما إنّها حكومة والجور فيها كالجور في الحكم، أبلغوا معلّمكم أنّ ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب اقتص منه»(4)، ورواه الصدوق باسناده إلى قضايا أمير المؤمنين(علیه السلام)نحوه. وهذا السند تام.

 


(1) جواهر الكلام، ج41، ص290.

(2) وسائل الشيعة، ج12، ص564، الباب 95 من أبواب تروك الإحرام، ح1.

(3) المصدر السابق، ج28، ص372، الباب8 من أبواب بقية الحدود والتعزيرات، ح1.

(4) المصدر السابق، ح2.

376

4_ ما عن زرارة قال: «قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): ما ترى في ضرب المملوك؟ قال: ما أتى فيه على يديه فلا شيء عليه، وأمّا ما عصاك فيه فلا بأس. قلت: كم أضربه؟ قال: ثلاثة أو أربعة أو خمسة»(1). وسند الحديث غير تام.

5_ ما عن أبي العباس بسند تام عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «قلت له: ما للرجل يعاقب به مملوكه؟ فقال: على قدر ذنبه. قال: فقلت: قد عاقبت حريزاً بأعظم من جرمه. فقال: ويلك هو مملوك لي، إنّ حريزاً شهر السيف، وليس منّي من شهر السيف»(2).

6_ ما عن إسحاق بن عمّار بسند تام قال: «قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): ربّما ضربت الغلام في بعض ما يُجرم؟ قال: وكم تضربه؟ قلت: ربّما ضربته مائة فقال: مائة؟! مائة؟! فأعاد ذلك مرّتين، ثم قال: حدّ الزنا؟! اتق الله، فقلت: جعلت فداك فكم ينبغي لي أن أضربه؟ فقال: واحداً، فقلت: والله لو علم أنّي لا أضربه إلّا واحداً ما ترك لي شيئاً إلّا أفسده، قال: فاثنين، فقلت: هذا هو هلاكي، قال: فلم أزل اماكسه حتّى بلغ خمسة، ثم غضب، فقال: يا إسحاق إن كنت تدري حدّ ما أجرم فأقم الحدّ فيه، ولا تعدّ حدود الله»(3).

7_ ما عن أبي بصير بسند تام عن أبي جعفر(علیه السلام)قال: «من ضرب مملوكاً له بحد من الحدود من غير حدّ وجب لله على المملوك لم يكن لضاربه كفّارة إلّا عتقه»(4).

وفي نسخة الكافي: «من ضرب مملوكاً حدّاً من الحدود من غير حدّ أوجبه المملوك على نفسه لم يكن لضاربه كفّارة إلّا عتقه»(5).

 


(1) وسائل الشيعة، ج28، ص372، الباب8 من أبواب بقية الحدود والتعزيرات، ح1.

(2) المصدر السابق، ص50، الباب30 من أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامة، ح1.

(3) المصدر السابق، ص51، ح2.

(4) المصدر السابق، ص52، ح5.

(5) الكافي، ج14، ص251، الباب 63 من كتاب الحدود، ح17.

377

8_ ما عن علي بن جعفر بسند غير تام عن أخيه موسى بن جعفر(علیهما السلام) قال: «سألته عن رجل هل يصلح له أن يضرب مملوكه في الذنب يذنبه؟ قال: يضربه على قدر ذنبه، إن زنى جلده، وإن كان غير ذلك فعلى قدر ذنبه، السوط والسوطين وشبهه، ولا يفرط في العقوبة»(1).

9_ ما عن إسماعيل بن عيسى عن الأخير(علیه السلام)«في مملوك يعصي صاحبه، أيحلّ ضربه أم لا؟ فقال: لا يحلّ أن يضربه، إن وافقك فامسكه، وإلّا فخلّ عنه»(2).

وهذا الحديث نقله الشيخ في التهذيب تارة بسنده عن أحمد بن محمد في مسائل إسماعيل بن عيسى عن الأخير(3)بالنحو الذي ذكرناه، وهو مطابق مع نقل الكافي له عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد في مسائل إسماعيل بن عيسى عن الأخير(4).

وأُخرى بسنده إلى محمد بن علي عن محبوب عن إسماعيل بن عيسى عن أبي الحسن(علیه السلام)قال: «سألته عن الأجير يعصي صاحبه، أيحل ضربه أم لا؟ فأجاب(علیه السلام): لا يحل أن تضربه، إن وافقك أمسكه، وإلّا فخلّ عنه»(5).

والظاهر أنّ هذا هو الصحيح، فإنّ قوله: وإلّا فخلّ عنه يناسب الأجير لا المملوك. وعلى أي حال فإسماعيل بن عيسى لم تثبت وثاقته.

10_ ما عن طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي(علیه السلام)قال: «اضرب خادمك في معصية الله(وجل عز)، واعف عنه في ما يأتي إليك»(6) وسند الحديث غير تام.

 


(1) وسائل الشيعة، ج 28، ص52، الباب 30 من أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامة، ح 8.

(2) المصدر السابق، ص49، الباب 27 من أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامة، ح2.

(3) تهذيب الأحكام، ج10، ص148، الباب 10 من كتاب الحدود، ح22.

(4) الكافي، ج14، ص244، الباب 63 من كتاب الحدود، ح5.

(5) تهذيب الأحكام، ج10، ص154، الباب10 من كتاب الحدود، ح50.

(6) وسائل الشيعة، ج28، ص51، الباب 30 من أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامة، ح4.

378

11_ مرسلة الصدوق قال: قال رسول الله(صلى الله عليه و آله): «لا يحلّ لوال يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجلد أكثر من عشرة أسواط إلّا في حدّ» وأذن في أدب المملوك من ثلاثة إلى خمسة(1).

وبعد هذا يجب أن نبدأ في صلب الموضوع. ويمكن تقسيم الموضوع إلى مسألتين: الأُولى: تعزير المجرم، وثانية تعزير الأطفال(2):

أمّا المسألة الأُولى، وهي تعزير المجرم، فما يترائى في بادئ الأمر من مبدأ ولاية الفقيه أنّه لا حدّ لتعزيره إطلاقاً، وإنّما الأمر راجع إلى وليّ الأمر؛ وذلك بدليل أنّ مقتضى إطلاق ولايته هو أنّه الذي يلحظ مصلحة الفرد والمجتمع ويتصرّف وفق مصلحة المولّى عليه ويعزّر المذنب وفق مقدار ذنبه وما يقتضيه تأديبه وما يقتضيه إصلاح أمر المجتمع.

إذاً فلا مقياس للتعزير ما عدا المصلحة، فلا يحدّد بالكمّ بأن يقال: لا يضرب أكثر من كذا مقدار، ولا بالكيف بأن يقال: لا يسجن أو لا يغرّم ماليّاً. هذا ما يترائى في بادئ الأمر من إطلاق مبدأ ولاية الفقيه.

إلّا أنّه يمكن إثارة مناقشات عديدة ضدّ هذا البيان نذكرها تباعاً للتمحيص إن شاء الله:

المناقشة الأُولى _ أن يقال: إنّ ولاية الفقيه إنّما هي في حدود ما يباح شرعاً، فمثلاً ليس لوليّ الأمر أن يسمح بشرب الخمر أو يوجبه بعد أن كان محرّماً في الإسلام، فإذا شككنا في جواز الحبس أو التغريم المالي أو الضرب بالمقدار الفلاني كان إثبات جوازه بإطلاق دليل ولاية الفقيه تمسّكاً بالعام في الشبهة المصداقية لنفس العام.

 


(1) من لا يحضره الفقيه، ج4، ص73، باب نوادر الحدود من كتاب الحدود، ح5143.

(2) لقد اقتصر سماحة السيد  علی بحث المسألة الأُولی فقط دون الثانية.

379

والجواب: إنّ هناك فرقاً بين ما كان محرّماً بحرمة ذاتية بغضّ النظر عن حقّ المولّى عليه كحرمة شرب الخمر، وما كان محرّماً بمعنى أنّ فيه هضماً لحقّ المولّى عليه كحرمة الضرب أو الحبس أو التغريم، فالمفهوم عرفاً من ولاية وليّ الأمر هو أنّه حينما يرى من مصلحة المولّى عليه الذي هو الفرد كفرد أو كجزء من المجتمع ما يكون حراماً لولا الولاية من باب هضم حقّ المولّى عليه جاز له ذلك تماماً من قبيل تصرّف وليّ الطفل في مال الطفل بالبيع والشراء أو بالأكل مع الضمان أو غير ذلك ممّا يكون في مصلحة المولّى عليه مع حرمته في نفسه لولا الولاية؛ إذ لا معنى للولاية إلّا جواز أو صحّة تصرّف مّا بالنسبة للمولّى عليه ممّا لولا الولاية كان لا يجوز أو لا يصحّ؛ لأنّه خلاف حقّ المولّى عليه، أمّا ما هو جائز وصحيح بغضّ النظر عن الولاية فلا حاجة فيه إلى الولاية.

المناقشة الثانية_ أن يقال في مسألة التغريم: إنّ ولاية وليّ الأمر لا تشمل تغيير الحكم الوضعي، فليس لوليّ الأمر مثلاً أن يجعل النجس طاهراً أو الطاهر نجساً ولو اقتضت مصلحة المولّى عليه، ذلك بينما له أن يحرّم أكل شيء طاهر مثلاً، ومسألة التغريم من هذا القبيل؛ إذ ليس محتوى التغريم مجرّد تحريمه لتصرّف صاحب المال في ماله، وإنّما محتواه إخراجه عن ملكه الذي هو حكم وضعي وتمليكه لبيت المال مثلاً، وهذا من قبيل جعل الطاهر نجساً وبالعكس.

والجواب: إنّ هناك فرقاً بين مثل الطهارة والنجاسة من الأُمور التي لا تتغيّر بإذن المالك ومثل التملّك الذي يصحّ بإذن المالك، فيجوز تملّك مال الغير حينما يأذن الغير فيه، وإذن الولي قائم مقام إذن المولّى عليه في نظر العرف بحيث لا يفهم عرفاً من أدلّة التصرّفات المتوقّفة على الإذن إذن خصوص المالك، بل المفهوم منها عرفاً هو الجامع بين إذن المالك وإذن الوليّ، فبيع مال الغير مثلاً يصحّ حينما يكون بإذن المالك أو بإذن وليّه وكذلك تملّك ماله، وما نحن فيه من هذا القبيل. إذاً فتملّك مال المولّى عليه حينما تقتضي المصلحة ذلك مستبطن عرفاً في مفهوم الولاية.

380

وإن شئت فقل: إنّ هذا أيضاً يرجع في روحه إلى أنّ المانع عن صحّة أو جواز عمل الوليّ هو حقّ المولّى عليه لولا الولاية، فهذا يرجع في روحه إشكالاً وجواباً إلى المناقشة الأُولى وجوابها.

المناقشة الثالثة_ ما ورد في تحديد الضرب في التعزير تارة ببضعة عشر سوطاً ما بين العشرة إلى العشرين كما في رواية إسحاق بن عمّار السابقة وأُخرى بما دون الحدّ كما مضى في تلك الصفحة من حديث حماد بن عثمان قال: «قلت له كم التعزير؟ فقال: دون الحدّ قال: قلت: دون ثمانين؟ قال: لا، ولكن دون أربعين، فإنّها حدّ المملوك. قلت: وكم ذاك؟ قال: على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل وقوّة بدنه». وثالثة بما أقصاه عشرة أسواط كما في مرسلة صدوق التي مضی ذکرها، إلّا أنّ الرواية الثالثة ساقطة بالإرسال.

ومضمون الرواية الثانية خلاف المشهور شهرة فتوائية وروائية؛ فإنّ القول بكون حدّ المملوك في القذف أو الخمر أربعين خلاف المشهور وخلاف الأكثرية الساحقة للروايات. والظاهر إنّ تلك الروايات مخالفة للعامّة، وهذه الرواية إن حملت على القذف فهي مخالفة لإطلاق الكتاب: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ...﴾.

إذاً فهذه الرواية ساقطة عن الحجّية.

وقد يقال: إنّ هذه الرواية تحمل على التقيّة في حكمها بأنّ حدّ العبد أربعون أو أقلّ، وفي حكمها أيضاً بأنّ المقياس في كون التعزير أقلّ من الحدّ هو حدّ العبد أي أربعون، كما قال به أبو حنيفة، على ما نقله الشيخ(رحمه الله) في الخلاف(1)، ولكن لا يحمل صدر الحديث _ الناطق بأنّ التعزير دون الحدّ _ على التقيّة؛ لعدم مبرّر لذلك.

وأمّا الرواية الأُولى وهي رواية إسحاق بن عمّار التي تحدّد التعزير ببضعة عشر سوطاً ما بين العشرة إلى العشرين فتعارضها الرواية الثانية؛ إذ دلّت على أكثر من

 


(1) الخلاف، ج5، ص498، مسألة 14 من كتاب الأشربة.