وإن شئت فقل: إنّ هذا أيضاً يرجع في روحه إلى أنّ المانع عن صحّة أو جواز عمل الوليّ هو حقّ المولّى عليه لولا الولاية، فهذا يرجع في روحه إشكالاً وجواباً إلى المناقشة الأُولى وجوابها.
المناقشة الثالثة_ ما ورد في تحديد الضرب في التعزير تارة ببضعة عشر سوطاً ما بين العشرة إلى العشرين كما في رواية إسحاق بن عمّار السابقة وأُخرى بما دون الحدّ كما مضى في تلك الصفحة من حديث حماد بن عثمان قال: «قلت له كم التعزير؟ فقال: دون الحدّ قال: قلت: دون ثمانين؟ قال: لا، ولكن دون أربعين، فإنّها حدّ المملوك. قلت: وكم ذاك؟ قال: على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل وقوّة بدنه». وثالثة بما أقصاه عشرة أسواط كما في مرسلة صدوق التي مضی ذکرها، إلّا أنّ الرواية الثالثة ساقطة بالإرسال.
ومضمون الرواية الثانية خلاف المشهور شهرة فتوائية وروائية؛ فإنّ القول بكون حدّ المملوك في القذف أو الخمر أربعين خلاف المشهور وخلاف الأكثرية الساحقة للروايات. والظاهر إنّ تلك الروايات مخالفة للعامّة، وهذه الرواية إن حملت على القذف فهي مخالفة لإطلاق الكتاب: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ...﴾.
إذاً فهذه الرواية ساقطة عن الحجّية.
وقد يقال: إنّ هذه الرواية تحمل على التقيّة في حكمها بأنّ حدّ العبد أربعون أو أقلّ، وفي حكمها أيضاً بأنّ المقياس في كون التعزير أقلّ من الحدّ هو حدّ العبد أي أربعون، كما قال به أبو حنيفة، على ما نقله الشيخ(رحمه الله) في الخلاف(1)، ولكن لا يحمل صدر الحديث _ الناطق بأنّ التعزير دون الحدّ _ على التقيّة؛ لعدم مبرّر لذلك.
وأمّا الرواية الأُولى وهي رواية إسحاق بن عمّار التي تحدّد التعزير ببضعة عشر سوطاً ما بين العشرة إلى العشرين فتعارضها الرواية الثانية؛ إذ دلّت على أكثر من
(1) الخلاف، ج5، ص498، مسألة 14 من كتاب الأشربة.