287

هذا. والصحيح: إنّ رواية فضيل بن غزوان على تقدير حملها على نفي وجوب التعريف وجواز التملّك بلا تعريف مطلقاً ساقطة عن الحجّية بمخالفتها للمسلّم الفقهي؛ فإنّ وجوب التعريف في ما يمكن تعريفه مقطوع به فقهياً، وبما أنّها هي مجملة لا ندري هل تنظر إلى هذا المعنى الباطل فقهياً أو تنظر إلی جواز التملّك في خصوص ما لا يمكن تعريفه، تصبح ساقطة عن الحجّية وغير قابلة لمعارضة روايات التصدّق في فرض عدم إمكان التعريف كي توجب حملها على الاستحباب؛ وذلك لأنّها على تقدير عدم ورودها في خصوص طواف لا يمكن التعريف في لقطته لسعة دائرة الجهالة لا تقبل التخصيص بخصوص ذلك، وهي بإطلاقها غير قابلة للحجّية. إذاً فهي غير ثابتة الحجّية.

فإن قلت: إنّنا نضمّ القطع الفقهي ببطلان المعنى الأوّل إلی دليل حجّية خبر الثقة ونستنتج من ذلك ضرورة حمل رواية غزوان على المعنى الثاني كي تبقى على الحجّية.

قلت: إنّ التمسك بدليل حجّية خبر الثقة هنا تمسك بالعام في الشبهة المصداقية؛ فإنّ دليل حجّية خبر الثقة مفاده هو حجّية مفاد الخبر، لا تعيين حقيقة الخبر، والمفروض إنّ حال الخبر هنا مردّد بين أن يكون مكتنفاً بقرينة توجب صرفه إلی مثل طواف الحجّ وهذا قابل للحجّية، وبين ما كان ظاهراً في الإطلاق وهذا غير قابل للحجّية، فكيف يمكن التمسك بدليل حجّية خبر الثقة لإثبات الحجّية في المقام؟!(1)

نعم لو كان الخبر يهدف النقل بعين الألفاظ أمكن أن يقال: إنّ دليل حجّية الخبر أثبتت ورود هذه الألفاظ، ونضمّ ذلك إلى قطعنا الفقهي ببطلان المعنى الأوّل، فيثبت المعنى الثاني.

 


(1) ولا يخفى أنّنا قد أبطلنا هذه الشبهة من الأساس في بحث الأصول. إذاً فمقتضى الفنّ هو أن يعترف بتمامية دلالة رواية فضيل بن غزوان على جواز التملّك عند عدم قبول اللقطة للتعريف وحمل روايات التصدّق على الاستحباب.

اللهم إلا أن يقال _ بناءً على ما سيأتي إن شاء الله من أنّ المال المجهول المالك راجع إلى الإمام _ إنّ ما في رواية فضيل بن غزوان إذن شخص من قبل الإمام له بالتملّك خاص بمورده.

288

٥_ ما ورد من جواز تملّك مال من مات أو فقد ولا يعرف له وارث، من قبيل ما ورد عن هشام بن سالم بسند تام قال: «سأل حفص الأعور أبا عبدالله(علیه السلام)وأنا عنده جالس قال: إنّه كان لأبي أجير كان يقوم في رحاه وله عندنا دراهم وليس له وارث، فقال أبو عبدالله(علیه السلام): تدفع إلى المساكين ثم قال: رأيك فيها، ثم أعاد عليه المسألة فقال له مثل ذلك، فأعاد عليه المسألة ثالثة، فقال أبو عبدالله(علیه السلام): تطلب له وارثاً، فإن وجدت له وارثاً وإلا فهو كسبيل مالك، ثم قال: ما عسى أن تصنع بها، ثم قال: توصي بها، فإن جاء لها طالب وإلا فهي كسبيل مالك»(1).

وعنه بسند تام قال: «سأل حفص الأعور أبا عبدالله(علیه السلام)وأنا حاضر، فقال: كان لأبي أجير وكان له عنده شيء فهلك الأجير فلم يدع وارثاً ولا قرابة، وقد ضقت بذلك، كيف أصنع؟ قال: رأيك المساكين رأيك المساكين، فقلت: إنّي ضقت بذلك ذرعاً قال: هو كسبيل مالك، فإن جاء طالب أعطيته»(2). ولعلّهما رواية واحدة.

وعنه بسند تام قال: «سأل خطّاب الأعور أبا إبراهيم(علیه السلام)وأنا جالس فقال: إنّه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأُجرة ففقدناه وبقي من أجره شيء ولا يعرف له وارث، قال: فاطلبوه قال: قد طلبناه فلم نجده قال: فقال: مساكين _ وحرّك يده _ قال فأعاد عليه قال: اطلب واجهد، فإن قدرت عليه وإلا فهو كسبيل مالك حتّى يجيء له طالب، فإن حدث بك حدث فأوص به إن جاء لها طالب أن يدفع إليه»(3).

إلا أنّ هذه الروايات لو فرضت دلالتها على جواز تملّك مجهول المالك فلا تدل على جواز تملّك اللقطة؛ فإنّها غير واردة في اللقطة، واحتمال الخصوصية موجود، فلعلّ

 


(1) وسائل الشيعة، ج26، ص254، الباب4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح۷.

(2) المصدر السابق، ص301، الباب6 من أبواب ميراث الخنثى وما أشبه، ح۱٠.

(3) المصدر السابق، ص296، ح۱.

289

نفس الالتقاط يثقّل التكليف على الملتقط.

على أنّها لا تدل على جواز تملّك مجهول المالك أيضاً على الإطلاق؛ فإنّها واردة في من لا وارث له أو لا يعرف له وارث، واحتمال الفرق طبعاً موجود.

هذا. ومن لا وارث له فماله للإمام أو لبيت مال المسلمين كما في روايات أُخرى، فلعلّ الإمام(علیه السلام)في مورد هذه الروايات تبرّع بحقّه الجزمي لو كان لا وارث له، أو الاحتمالي لو كان لا يعرف له وارث.

٦_ ما جاء في رواية علي بن مهزيار في شرح الفوائد التي يجب فيها الخمس في كلّ عام «... ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب ...»(1). وسند الحديث تام.

فهذا يدل على تملّك المال الذي لا يعرف له صاحب.

إلا أنّه لا يبعد أن يكون المقصود ممّا لا يعرف له صاحب ما لا يعلم أن يكون له مالك أصلاً، بأن كان ممّا باد أهله مثلاً، لا ما كان مالكه مجهولاً أو كان لقطة.

على أنّه لا يمكن إدراج مجهول المالك أو اللقطة في هذا الحديث بالإطلاق ومقدّمات الحكمة؛ لأنّ النصّ ليس بصدد بيان حكم هذا المال كي يتمّ الإطلاق بلحاظه، وإنّما هو بصدد بيان الفوائد التي فيها الخمس، فذكر أنّ إحدى تلك الفوائد ما أُخذ ممّا لم يعرف له صاحب، أمّا إنّ هذه الفائدة والملكية متى تتحقق فليس بصدد بيان ذلك كي يتمّ الإطلاق.

الحكم الثالث: التملّك أو التصدّق أو الاحتفاظ بها أو تسليمها إلى وليّ الأمر

أ _ تملك اللقطة:

أمّا التملّك فقد يستفاد من عدّة أنماط من الروايات:

۱_ ما جاء فيه الأمر بجعل اللقطة بعد التعريف في عرض ماله، من قبيل ما مضى

 


(1) المصدر السابق، ج9، ص501، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ح٥.

290

من رواية محمد بن مسلم عن أحدهما(علیه السلام): «... فإن جاء طالبها وإلا فاجعلها في عرض ملك يجري عليها ما يجري على مالك إلى أن يجيء لها طالب»(1).

ورواية علي بن جعفر الماضية: «... يعرّفها سنة، فإن لم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله حتّى يجيء طالبها ...»(2).

ورواية محمد بن مسلم الماضية: «... فإن جاء طالبها وإلا فاجعلها في عرض مالك يجري عليها ما يجري على مالك حتّى يجيء لها طالب، فإن لم يجئ لها طالب فأوصِ بها في وصيّتك»(3).

وهذا النمط من الروايات يحتمل أن يكون المأذون فيها هو التصّرف في المال بشكل التصرّف في العارية، فمثلاً ليس هذا إذناً في أكل المال أو بيعه، ويؤكّد ذلك قوله: «حتّى يجيء طالبها» أو «إلى أن يجيء طالبها»، وقوله في بعض نسخ الرواية الثانية: «حفظها في عرض ماله»، وقوله في الرواية الثالثة: «أوصِ بها في وصيّتك».

۲_ ما جاء فيه التعبير بأنّها كسبيل ماله أو نحو ذلك، من قبيل ما مضى من رواية الحلبي: «فإن جاء لها طالب وإلا فهي كسبيل ماله»(4)، وما مضى من رواية علي ابن جعفر: «يعرّفها سنة، ثم هي كسائر ماله»(5)، ورواية داود بن سرحان _ غير التامّة سنداً _ عن أبي عبدالله(علیه السلام)أنّه قال في اللقطة: «يعرّفها سنة ثم هي كسائر ماله»(6)، ورواية إبراهيم بن عمر الماضية: «... وإلا فهي كسبيل مالك»(7)، ورواية يعقوب بن

 


(1) وسائل الشيعة، ج25، ص442، الباب2 من كتاب اللقطة، ح۳.

(2) المصدر السابق، ص445، ح13.

(3) المصدر السابق، ص444، ح10.

(4) تهذيب الأحكام، ج٦، ص389، باب اللقطة والضالة، ح۱۱٦۳.

(5) وسائل الشيعة، ج25، ص444، الباب2 من كتاب اللقطة، ح۱۲.

(6) المصدر السابق، ص444، ح۱۱.

(7) المصدر السابق، ج13، ص260، الباب۲۸ من أبواب مقدمات الطواف، ح٤.

291

شعيب الماضية: «... ثم هي كسبيل ماله»(1).

وهذا النمط من الروايات أوسع دلالةً من النمط الأوّل؛ إذ لو كانت اللقطة سبيلها سبيلی مالي أو هي كسائر مالي إذاً يجوز أكلها وبيعها، إلا أنّه ليس أيضاً واضحاً في الملكية، فيمكن أن يكون من قبيل الإباحة في التصرّف، والأثر العملي يظهر في إرجاع النماء إلى المالك لو ظهر بعد ذلك، فعلى الإباحة ترجع النماء إليه كما ترجع العين، وعلى الملكية لا دليل على رجوع النماء.

۳_ ما ظاهره الملكية ولكن لم يعلم أنّها ملكية قهرية أو تتبع نيّة الملتقط، أي: يجوز له أن يتملّك كما مضى من رواية حنان: «... فإن وجدت صاحبها وإلا فأنت أحقّ بها وقال: هي كسبيل مالك وقال: خيّره إذا جاءك بعد سنة بين أجرها وبين أن تغرمها له إذا كنت أكلتها»(2).

ورواه الصدوق _ بسنده التام _ عن حنان بن سدير «إلى قوله: فأنت أحقّ بها وزاد: يعني: لقطة غير الحرم»(3) (4)، ورواه الحميري أيضاً بسند تام، «إلا أنّه قال: فأنت أملك بها»(5).

٤_ ما جاء فيه الحكم بدخول المال في الإرث للورثة وأنّه لهم، وهو ما مضى عن أبي خديجة عن أبي عبدالله(علیه السلام): «... فإنّه ينبغي أن يعرّفها سنة في مجمع، فإن جاء طالبها دفعها إليه، وإلا كانت في ماله، فإن مات كانت ميراثاً لولده ولمن ورثه، فإن لم يجئ لها طالب كانت في أموالهم هي لهم، فإن جاء طالبها بعدُ دفعوها إليه»(6). وهذا ظاهر في الملكية القهرية.

 


(1) وسائل الشيعة، ج13، ص259، الباب۲۸ من أبواب مقدمات الطواف، ح1.

(2) المصدر السابق، ج25، ص442، الباب2 من كتاب اللقطة، ح٥.

(3) الظاهر أنّ هذا التفسير إمّا من نفس الصدوق أو من حنان بن سدير.

(4) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص295، باب اللقطة والضالة من كتاب المعيشة، ح4058.

(5) المصدر السابق.

(6) وسائل الشيعة، ج25، ص465، الباب۲٠ من كتاب اللقطة، ح۱.

292

وقد يقال: إنّ مجموع ما دل على الملكية القهرية كالرواية الأخيرة، وما دل على الضمان بعد الملك _ على تقدير ما لو جاء المالك وكنت قد أكلتها ولم يختر المالك أجرها كما قبل الأخيرة _ يقع طرفاً للمعارضة مع رواية صفوان الجمّال التامّة ببعض أسانيدها: أنّه سمع أبا عبدالله(علیه السلام)يقول: «من وجد ضالّة فلم يعرّفها ثم وجدت عنده، فإنّها لربّها أو مثلها عن مال الذي كتمها»(1). فقد دل هذا الحديث _ بما له من مفهوم على نحو القضية الجزئية _ على أنّه لو عرّفها فقد لا يكون ضامناً لها لربّها، بينما لو قلنا بالملكية القهرية وأنّه يترتّب على ملكها ضمانها إذاً لا موضع لهذا المفهوم ولو بنحو القضية الجزئية. وهذا إذا حملنا الضالّة في هذا الحديث على مطلق اللقطة واضح.

وأمّا إذا حملناها على خصوص الحيوان فقد يقال: إنّ من المحتمل أن يختلف حكم الحيوان عن غيره، ففي غير الحيوان يحصل الملك القهري وبالتالي الضمان، وأمّا في الحيوان فلا يحصل الملك قهراً، وإذا لم يحصل الملك كان بإمكان الملتقط أن يحفظه أمانةً من دون أن يستملكه ولا أن يتصرّف فيه كعارية، وحينئذٍ لا يضمن إلا إذا ترك التعريف.

ولكنّه لا يبعد أن يقال: إنّ التفكيك بين الحيوان وغيره في هذا الحكم ليس عرفيّاً.

وتوضيح ذلك: أنّ الحيوان إن كان من القسم الذي لا يجوز التقاطه إذاً يكون الملتقط ضامناً على كلّ حال، سواء عرّف أو لم يعرّف. وإن كان من القسم الجائز التقاطه فالتفكيك بينه وبين غيره في حصول الملك قهراً في غير الحيوان وعدمه في الحيوان غير عرفي، خصوصاً مع فرض جواز التصرّف فيه، كما يفهم من قوله: «هي لك أو لأخيك أو للذئب» وقوله: «فكلها وأنت ضامن».

إذاً فترجع المعارضة بالتباين على حالها بين دليل الملكية منضمّاً إلى دليل

 


(1) وسائل الشيعة، ج25، ص460، الباب14 من كتاب اللقطة، ح۱.

293

الضمان على تقدير الملك وبين هذا الحديث الدالّ بمفهومه الجزئي على عدم الضمان عند التعريف؛ إذ لا يبقى حينئذٍ موضع لهذا المفهوم.

هذا. وعلاج التعارض يكون بحمل النمط الرابع على الملكية الاختيارية أو حلّية التصرّف، وحمل الإرث فيه على الإرث على تقدير التملّك أو على انتقال المال إلى الوارث بالنحو الذي كان للموروث من حلّية التصرّف له أو جواز تملّكه.

هذا. ولكن التحقيق عدم المعارضة في المقام رأساً؛ وذلك لإمكان افتراض أنّ موضع هذا المفهوم هو ما لو تلفت الضالّة في أثناء السنة، فلو لم يعرّفها كان ضامناً، ولو عرّفها لم يضمن؛ لأنّه أمين والمال بعدُ لم يدخل في ملكه؛ لأنّ الملكية إنّما تكون بعد تمام التعريف سنة كاملة، فلا موجب للضمان. فتصبح هذه الرواية من قبيل رواية مضت عن الحسين بن زيد عن جعفر عن أبيه(علیه السلام)قال: كان أمير المؤمنين(علیه السلام)يقول «في الضالّة يجدها الرجل فينوي أن يأخذ لها جعلاً فتنفق، قال: هو ضامن، فإن لم ينوِ أن يأخذ لها جعلاً ونفقت فلا ضمان عليه»(1)، فهذا الحديث _ غير التام سنداً _ لا يعارض النمط الرابع بناءً على أنّ ظاهره النظر إلى زمان التعريف الذي يأخذ عليه جعلاً أو لا يأخذ.

وهناك رواية أُخرى قد تجعل معارضة لما دل على الملك سواء الملك القهري أو الاختياري، وهي ما عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(علیه السلام)، قال: «سألته عن اللقطة إذا كانت جارية هل يحلّ فرجها لمن التقطها؟ قال: لا، إنّما يحلّ له بيعها بما أنفق عليها»(2). والسند تام.

فقد يقال: إنّ عدم حلّ الفرج لا ينسجم عرفاً مع الملك، فيدلّ هذا الحديث دلالة عرفية على عدم الملك، فاستثناء التصرّف في الفرج من حلّية التصرّف معقول عرفاً، ولكنّ استثناءه من الملك غير عرفي، وإذا ضممنا ذلك إلى دعوى عدم الفرق عرفاً

 


(1) المصدر السابق، ص464، الباب۱۹ من كتاب اللقطة، ح۱.

(2) المصدر السابق، ص443، الباب2 من كتاب اللقطة، ح۸.

294

بين الحيوان وغيره في حصول الملك وعدمه كانت الرواية دالّة على عدم ملكية اللقطة، إذاً لابدّ من حمل النمط الثالث والرابع على حلّية التصرّف المطلق بناءً على إمكان انفكاكه عرفاً عن الملكية.

ولعلّه يمكن الجواب على هذه الرواية بأنّ الجارية من ذلك القسم من الحيوان الذي يمكنه أن يحفظ نفسه، فلا يجوز التقاطها، وبالتالي نحتمل الفرق بينها وبين غيرها في أنّها لا تُملك بالالتقاط؛ ولهذا لم يحلّ فرجها، بل لعلّه لا يجوز أيّ تصرّف آخر فيها كعارية ما دام أصل التقاطها لم يكن شرعيّاً.

وقد يردّ هذا الجواب: بأنّ النكتة العرفيّة للفرق بين الحيوان وغيره في عدم جواز التقاط الحيوان عندما يمكنه حفظ نفسه وجواز التقاط غير الحيوان هي أنّ الحيوان له حظّ من قوّة الإرادة، والشارع لم يجوّز قهر إرادة الحيوان إلا لمالكه أو لمن هو مأذون من قبل مالكه دون الملتقط، كما جاءت الإشارة إلى ذلك في قوله في حديث هشام ابن سالم الماضي: «لا تهجه»(1)، أمّا الجارية فباعتبارها عاقلة بالإمكان التقاطها برضاها بل برغبتها بلا أيّ تهييج، وعندئذٍ لا تدخل في القسم المحرّم التقاطه، ونفس سكوت هذه الرواية عن المنع عن التقاطها ثم السماح ببيعها في مقابل مصاريفها شاهد على جواز الالتقاط.

نعم، يمكن الجواب على هذه الرواية: بأنّ احتمال الخصوصية في الجارية بعدم حصول الملكية فيها موجود، فلعلّ هذا يكون من باب سدّ أحد أبواب تملّك الإنسان للإنسان، ومع عدم الملكية لم يحلّ فرجها، ولولا ما صرفه عليها من مال لم يجز أيضاً بيعها كي يكون سدّاً آخر لباب تملّك الإنسان، وإنّما حلّ له بيعها بما أنفق عليها.

 


(1) المصدر السابق، ج25، ص457، الباب13 من كتاب اللقطة، ح1.

295

الجمع بین أنماط الروايات

إذاً بقينا نحن والأنماط الأربعة من الروايات التي عرفتها، فهل نستفيد من الجمع بينها التخيير بين مفادها، فمثلاً يتخيّر الملتقط بين الاستفادة من المال كعارية وبين الاستفادة منها حتّى بالأكل والبيع بعنوان حلّ التصرّف وبين الملكية، أو أنّ مفاد بعضها يندكّ في البعض الآخر ويستفاد من مجموعها حكم واحد؟

الطريق الأول

الظاهر أنّنا لو اعتمدنا على النمط الرابع واستفدنا الملكية القهرية فمفاد الأنماط الأُخرى يندكّ في مفاد هذا النمط الرابع، فالنمط الثالث كان يدل على الملكية المردّدة بين كونها قهرية أو بالاختيار، ولكن النمط الرابع أصبح قرينة على أنّ الملكية قهرية، والنمط الأوّل والثاني كانا يدلان على جواز التصرّفات أو بعض التصرّفات، ولكن تبيّن من النمط الرابع أنّ جواز التصرّف كان على أساس حصول الملك، إذاً فتصبح الفتوى طبقاً للنمط الرابع.

الطريق الثاني

أمّا إذا لم نعتمد على النمط الرابع وبقينا نحن والأنماط الثلاثة الأُولى فمفاد النمط الأوّل مندكّ في مفاد النمط الثاني؛ لأنّ مفاد النمط الأوّل هو حلّية التصرّف في غير حدود الإفناء والنقل، ومفاد النمط الثاني هو حلّية التصرّف مطلقاً، والثاني أوسع من الأوّل، فإذا جاز التصرّف في الدائرة الواسعة فقد جاز في الدائرة الضيّقة، ولا معنى للتخيير بينهما، وأمّا الملك فإذا افترضناه ملكاً غير قهري فلا اندكاك لأحد المفادين في الآخر، ويصبح الملتقط بحكم الجمع بين الأنماط الثلاثة _ بعد فرض استفادة الملكية الاختيارية من النمط الثالث _ مخيّراً بين حلّ التصرّف في اللقطة من دون ملك وبين تملّكها، ومع الشكّ في كون المقصود من النمط الثالث هل هو الملكية القهرية أو التملّك

296

بالاختيار تكون النتيجة نتيجة التخيير، فإنّه لو قصد التملّك حصل الملك على كلا التقديرين، ولو لم يقصد التملّك شككنا في حصول الملك وكان الأصل عدمه.

الطريق الثالث

هذا. ولا يبعد أن يقال: إنّ النمط الثاني راجع إلى النمط الرابع أو الثالث؛ لعدم تفكيك العرف بين جواز كلّ التصرّفات بما فيها الأكل والبيع من دون توقّف على إذن المالك وبين الملك، فإن لم نعتمد على النمط الرابع _ بدعوى أنّ حصول الملكية القهرية في المقام خلاف الارتكاز _ حمل النمط الرابع والثاني والثالث على الملكية الاختيارية، وبهذا يتّحد مفاد النمط الثاني والثالث والرابع، وبالجمع بينها وبين النمط الأوّل نعرف أنّ الملتقط مخيّر بعد التعريف بين الاستفادة من العين كعارية _ بل وحتّى لولا النمط الأوّل لكفی دليل جواز التملّك دليلاً على جواز الانتفاع بالعين كعارية بالأولويّة العرفيّة _ وبين تملّكها.

وإن لم نقبل دعوى مخالفة الملكية القهرية للارتكاز إذاً لابدّ من الإفتاء بالملكية القهرية(1) اعتماداً على النمط الرابع، ويحمل النمط الثاني وكذا الثالث الذي كان مردّداً بين الملك القهري والاختياري على الملكية القهرية، ويحمل النمط الأوّل على أنّ حلّ التصرّف كان على أساس حصول الملكية.

الاستثناء من هذا الحکم

هذا. وأصل الملك أو جواز التصرّف في اللقطة يستثنى منه أمران:

1_ الحيوان أو المملوك أو خصوص الجارية.

2_ لقطة الحرم.

 


(1) هذا بغض النظر عن جعل ما سيجيء من دليل التصدّق قرينة على عدم الملكية القهرية؛ إذ التخيير بين الملك والتصدّق إنّما يعقل إذا كان الملك اختياريّاً لا قهريّاً، وبقطع النظر عمّا سيجيء من احتمال دعوى كون الأموال مجهولة المالك واللقطة للإمام.

297

۱_ الحيوان (والمقصود ما جاز التقاطه)

فقد يستثنى عن الملك القهري بما مضى من رواية صفوان الجمّال(1) الدالّة بالمفهوم ولو في الجملة على عدم الضمان مع التعريف، فيقال: إنّ عدم الضمان آية عدم الملك، وإنّ الرواية خاصّة بالحيوان بناءً على حمل كلمة «الضالّة» على الحيوان، إذاً فالملكية القهرية غير ثابتة في الحيوان. نعم، جواز التصرّف حتّى على مستوى الأكل ثابت كما دلّت عليه روايات: «هي لك أو لأخيك أو للذئب»، خصوصاً رواية علي بن جعفر الماضية التي جاء في ذيلها: «فكلها وأنت ضامن»، وأيضاً تدل على جواز أكل الحيوان بعد التعريف رواية جرّاح المدائني عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «الضوالّ لا يأكلها إلا الضالّون إذا لم يعرّفوها»(2)، إلا أنّ سند الرواية ضعيف.

وعلى أيّ حال فخلاصة الكلام: إنّ الملكية القهرية لا تثبت في الحيوان بحكم رواية صفوان، أمّا جواز التصرّف المطلق فهو ثابت، فإن كان هذا مستلزماً عرفاً للملكية الاختيارية ثبتت الملكية الاختيارية. هذا.

ولكن قد عرفت في ما مضى أنّ التفصيل بين الحيوان وغير الحيوان في الملكية القهرية وعدمها غير عرفي، وأنّ رواية صفوان لا تدل على عدم الملكية.

نعم، قد تستثنى الجارية على أساس ما مضى من رواية عدم حلّ فرجها(3)، وهذا استثناء عن الملك سواء القهري أو الاختياري، وقد يتعدّى منها إلى العبد بعدم الفرق عرفاً، فإن استفدنا من روايات الملك الملكية الاختيارية كان بالإمكان القول بأنّنا وإن استفدنا من رواية عدم حلّ فرج الجارية استثناءها من الملك لكن جواز استخدامها كعارية يبقى على حاله ولو بمقتضى إطلاقات النمط الأوّل من الأنماط

 


(1) وسائل الشيعة، ج25، ص460، الباب14 من كتاب اللقطة، ح۱.

(2) المصدر السابق، ص442، الباب2 من كتاب اللقطة، ح٤.

(3) المصدر السابق، ص443، ح۸.

298

الأربعة الماضية، وإن استفدنا الملكية القهرية وحملنا كلّ الأنماط على أنّ التصرّف في اللقطة يكون على أساس التصرّف في الملك إذاً فبعد استثناء الجارية عن الملك قد يقال: إنّه لا يبقى دليل على جواز استخدامها.

قد يقال: إنّ النمط الأوّل من الروايات إنّما تندكّ في رواية الملكية القهرية بالنسبة لما لم يستثنَ منها، وأمّا الجارية التي استثنيت منها فالنمط الأوّل يبقى على حاله بالنسبة إليها في الدلالة على جواز الاستخدام.

ولكن الظاهر أنّ هذا الكلام غير عرفي، وأنّ العرف يجعل رواية الملكية القهرية قرينة على كون النمط الأوّل ناظراً إلى جواز التصرّف من حيث صيرورة اللقطة ملكاً، فبعد استثناء الجارية لا تبقى للنمط الأوّل دلالة على جواز استخدامها.

ولكن قد يقال في مقابل ذلك: إنّ نفس رواية استثناء الجارية دلّت على جواز بيعها في مقابل ما أنفق عليها، وهذا يدل بالأولويّة العرفيّة على جواز استخدامها في مقابل الإنفاق عليها، إلا أنّ هذا لا ينتج جواز الاستخدام أكثر ممّا يقابل الإنفاق. هذا.

ويؤيّد ما ذكرناه من الاستخدام في مقابل الإنفاق: ما ورد في اللقيطة المحكومة بالحرّية من الاستخدام لقاء الإنفاق من قبيل ما رواه الشيخ(1) بإسناده عن أحمد ابن محمد عن ابن محبوب عن محمد، ورواه الكليني(2) عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن محمد بن أحمد قال: «سألت أبا عبدالله(علیه السلام)عن اللقيطة، قال: لا تباع ولا تشترى، ولكن استخدمها بما أنفقت عليها». وكلّ من السندين فيه عيب: أمّا عيب سند الشيخ ففي سنده إلى أحمد بن محمد، وأمّا عيب سند الكليني فهو أنّنا لم نعرف محمد بن أحمد الراوي عن أبي عبدالله(علیه السلام)من هو؟ نعم، قيل: إنّ في بعض نسخ الكافي اقتصر على ذكر محمد من دون توصيفه بكونه ابن أحمد،

 


(1) تهذيب الأحكام، ج7، ص78، باب اللقطة والضالة، ح49.

(2) الكافي، ج5، ص225، باب بيع اللقيط وولد الزنا، ح4.

299

ويؤيّده ما في التهذيب من ذكر محمد بلا هذا التوصيف، وحينئذٍ لا يبعد انصراف محمد إلى محمد بن مارد الذي له كتاب يرويه عنه ابن محبوب، ويرويه عن ابن محبوب أحمد بن محمد بن عيسى بلا واسطة حسب نقل النجاشي، وإن كان حسب نقل الشيخ يرويه عنه بواسطة ابن أبي عمير، ومحمد بن مارد ثقة.

هذا. وقد يستدلّ على استثناء الحيوان من الملك _ سواء فرض قهرياً أو اختيارياً _ ومن جواز الأكل بحديث وهب عن جعفر عن أبيه(علیه السلام)في حديث قال: «لا يأكل الضالّة إلا الضالّون»(1)، أو: «لا يأكل من الضالّة إلا الضالّون»(2)، بناءً على كون المقصود من الضالّة هو الحيوان، ولكن سند الحديث ضعيف.

ولو بنينا على حجّية الضعاف إذاً لابدّ من تخصيصه بالخبر الضعيف الذي مرّ عن جرّاح المدائني عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «الضوالّ لا يأكلها إلا الضالّون إذا لم يعرّفوها»(3)، كما عرفت أنّ بعض الأخبار الصحاح أيضاً دلّ على جواز الأكل بعد التعريف، كما مضى من رواية علي بن جعفر حيث قال: «...فخذها وعرّفها حيث أصبتها، فإن عرفت فردّها إلى صاحبها، وإن لم تعرف فكلها وأنت ضامن لها...»(4).

۲_ لقطة الحرم

فيستفاد استثناؤها من الملك وحلّ التصرّف من بعض الروايات، من قبيل ما مضى من رواية إبراهيم بن عمر عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «اللقطة لقطتان: لقطة الحرم وتعرّف سنة، فإن وجدت صاحبها وإلا تصدّقت بها، ولقطة غيرها تعرّف سنة فإن جاء صاحبها وإلا فهي كسبيل مالك»(5).

 


(1) وسائل الشيعة، ج25، ص440، الباب الأول من كتاب اللقطة، ح٥.

(2) المصدر السابق، ص440، ح7.

(3) المصدر السابق، ص442، الباب2 من كتاب اللقطة، ح٤.

(4) المصدر السابق، ص460، الباب13 من كتاب اللقطة، ح۷.

(5) الكافي، ج4، ص238، باب اللقطة الحرم من كتاب الحج، ح1.

300

ب _ التصدق باللقطة

أمّا التصدّق قد مضى في مستهلّ البحث أنّ حكم اللقطة بعد التعريف هو التملّك أو التصدّق أو الاحتفاظ بها كأمانة أو تسليمها إلى وليّ الأمر.

وأمّا التملّك فقد أشبعنا الكلام فيه، وعرفت أنّ المحتملات فيه ثلاثة: الملكية القهرية، والتملّك الاختياري، ومجرّد الإباحة في التصرّف، وعرفت أنّ مقتضى ظاهر بعض الروايات هو الملكية القهرية، فإن لم يساعد عليها العرف تنزّلنا إلى التملّك الاختياري.

وأمّا التصدّق فإن قلنا في ما مضى بإباحة التصرّف بالمعنى الشامل للتصّرف المُتلف ثبت بذلك جواز التصدّق؛ لأنّه قسم من أقسام التصرّف، ولم يكن التصدّق عدلاً لإباحة التصرّف. وإن قلنا في ما مضى بالتملّك الاختياري فهنا يعقل أن يكون التصدّق عدلاً له.

ويمكن إثبات جواز التصدّق حينئذٍ _ بغضّ النظر عن فرض ورود رواية خاصّة به تشمل لقطة غير الحرم _ بوجهين:

الأوّل: أن يستظهر من روايات التصدّق في لقطة الحرم واللقطة غير القابلة للتعريف جواز التصدّق حتّى في لقطة غير الحرم بعد التعريف، بدعوى أنّ العرف وإن كان يحتمل الخصوصية في لقطة الحرم وفي ما لا يقبل التعريف الموجِبة لوجوب التصدّق، لكنّه يتعدّى في أصل مشروعية التصدّق إلى لقطة غير الحرم بعد التعريف، ويحمل روايات التملّك على أنّها إرفاق بالملتقط في خصوص لقطة غير الحرم بعد التعريف، لا نفي لمشروعية التصدّق.

الثاني: أن يقال _ بغضّ النظر عن روايات التصدّق في لقطة الحرم وما لا يقبل التعريف _ أنّ نفس دليل جواز التملّك يدل بالأولويّة العرفيّة على جواز التصدّق.

وإن قلنا بأنّ المستفاد ممّا مضى هو الملكية القهرية فلا معنى لمشروعية التصدّق

301

مع فرض الملكية القهرية إلا بمعنى تصدّق الإنسان بما يملكه، وليس هذا هو المقصود قطعاً في التصدّق الذي يقال به في اللقطة، فهنا يجب أن نرى هل يوجد نصّ خاص يدل على مشروعيّة التصدّق في اللقطة غير النصوص الواردة في لقطة الحرم وما لا يقبل التعريف أو لا؟ فإن وجدنا نصاً من هذا القبيل وقع التعارض بينه وبين ما دلّ على الملكية القهرية.

ويمكن الجمع بينهما بوجهين:

أحدهما: حمل رواية التصدّق على استحباب التصدّق بما ملكه بالالتقاط والتعريف.

والثاني: حمل رواية الملك على الملكية الاختيارية. ولعلّ الثاني أوفق بالفهم العرفي.

فلنفحص لنرى هل يوجد نصّ من هذا القبيل أو لا؟

فنقول: إنّ روايات التصدّق على أقسام:

۱_ ما مضى في التصدّق بلقطة الحرم: وقد عرفت أنّ هذا لا يفيدنا في المقام في مقابل رواية الملكية القهرية في لقطة غير الحرم.

۲_ ما مضى في التصدّق بما لا يمكن تعريفه: وقد عرفت أنّ هذا لا يفيدنا في مقابل رواية الملكية القهرية بعد التعريف في ما يمكن تعريفه.

۳_ ما ورد في التصدّق بمال من مات ولم يعرف له وارث، كما ورد عن يونس عن نصر بن حبيب صاحب الخان «قال: كتبت إلى عبد صالح(علیه السلام): لقد وقعت عندي مائتا درهم وأربعة دراهم وأنا صاحب فندق ومات صاحبها ولم أعرف له ورثة، فرأيك في إعلامي حالها وما أصنع بها، فقد ضقت بها ذرعاً؟ فكتب: اعمل فيها وأخرجها صدقة قليلاً قليلاً حتّى يخرج»(1).

وقال الصدوق(رحمه الله) في ذيل الرواية الثانية لهشام بن سالم الماضية: «وقد روى في

 


(1) وسائل الشيعة، ج26، ص297، الباب6 من أبواب ميراث الخنثى، ح۳.

302

خبر آخر: إن لم تجد له وارثاً وعرف الله(وجل عز) منك الجهد فتصدّق بها»(1).

وكلتا الروايتين ساقطة سنداً، على أنّ احتمال الخصوصية في موردهما موجود، ولا يمكن التعدّي إلى مورد اللقطة.

نعم، لو حملنا روايات إعطاء مال من مات وليس له أحد لهمشاريجه(2) على التصدّق ففيها ما هو تام سنداً، فعن خلاد السندي بسند تام عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «كان علي(علیه السلام)يقول في الرجل يموت ويترك مالاً وليس له أحد: اعط المال همشاريجه»(3).

ولكن احتمال الخصوصية هنا واضح جدّاً؛ فإنّ مال من لا وارث له للإمام أو لبيت مال المسلمين، وقد أمر الإمام بإعطائه لهمشاريجه، فكيف يمكن التعدّي منه إلى باب اللقطة؟!

على أنّه لو تمّت دلالة هذه الروايات على التصدّق في موردها ممّا ليس فيها تعريف فلا تصلح دليلاً على التصدّق في مقابل رواية الملكية القهرية بعد التعريف.

٤_ ما مضى من رواية إسحاق بن عمّار الآمرة بالتصدّق بالدراهم التي وجدت مدفونة في بعض بيوت مكة(4).

إلا أنّ هذا الحديث وارد في الكنز، وسواء اقتصرنا على مورده من الكنز في الحرم مثلاً أو تعدّينا إلى مطلق الكنز لا يصلح دليلاً على التصدّق في مقابل الملكية القهرية في اللقطة بعد التعريف.

٥_ ما دلّ على التصدّق بعد التعريف ثلاثة أيّام، وهو ما مضى من حديث أبان

 


(1) من لا يحضره الفقيه، ج4، ص331، باب میراث المفقود من كتاب الفرائض والمواريث، ح5711.

(2) «همشاريج» معرّب «همشهري» والمراد منها: أهل بلده.

(3) وسائل الشيعة، ج25، ص252، الباب4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح۱.

(4) المصدر السابق، ص448، الباب5 من كتاب اللقطة، ح۳.

303

ابن تغلب في من أصاب ثلاثين ديناراً(1)، وما مضى أيضاً من حديث ابن أبي يعفور الحاكم بتصدّق الشاة الملتقطة بعد تعريفها ثلاثة أيام(2).

ولكن مضى أنّهما ضعيفان سنداً، على أنّهما لا يدل على التصدّق في مقابل الملكية القهرية بعد التعريف سنة.

٦_ ما دلّ على التصدّق بعد التعريف سنة؛ وذلك إمّا بالتقييد في متن الحديث بتعريف سنة أو إنّه غير مقيّد بذلك في متن الحديث ولكنّه يقيّد بروايات وجوب التعريف سنة. وقد وردت بهذا الشكل عدّة روايات:

۱_ ما رواه حسين بن كثير عن أبيه قال: «سأل رجل أمير المؤمنين(علیه السلام)عن اللقطة فقال: يعرّفها، فإن جاء صاحبها دفعها إليه وإلا حبسها حولاً، فإن لم يجئ صاحبها أو من يطلبها تصدّق بها، فإن جاء صاحبها بعد ما تصدّق بها إن شاء اغترمها الذي كانت عنده وكان الأجر له، وإن كره ذلك احتسبها والأجر له»(3).

ولعلّ ظاهر هذا الحديث أنّ التعريف لا يجب بمقدار سنة، بل يعرّفها ثم يحبسها عنده سنة بأمل أن يأتي صاحبها فيأخذها، ويمكن تقييده بروايات وجوب التعريف سنة. وعلى أيّ حال فهذا الحديث أمر بالتصدّق بعد انتهاء الحول، إلا أنّه ضعيف سنداً.

۲_ ما رواه حفص بن غياث قال: «سألت أبا عبدالله(علیه السلام)عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعاً واللصّ مسلم، هل يردّ عليه؟ فقال: لا يردّه، فإن أمكنه أن يردّه على أصحابه فعل، وإلا كان في يده بمنزلة اللقطة

 


(1) المصدر السابق، ص441، الباب2 من كتاب اللقطة، ح۷.

(2) المصدر السابق، ص459، الباب۱۳ من كتاب اللقطة، ح٦.

(3) المصدر السابق، ص442، الباب2 من كتاب اللقطة، ح۲

304

يصيبها فيعرّفها حولاً، فإن أصاب صاحبها ردّها عليه، وإلا تصدّق بها، فإن جاء طالبها بعد ذلك خيّره بين الأجر والغرم، فإن اختار الأجر فله الأجر، وإن اختار الغرم غرم له وكان الأجر له»(1). إلا أنّ سند الحديث ضعيف.

۳_ ما رواه علي بن جعفر عن أخيه(علیه السلام)قال: «وسألته عن الرجل يصيب اللقطة فيعرّفها سنة، ثم يتصدّق بها فيأتي صاحبها، ما حال الذي تصدّق بها؟ ولمن الأجر؟ هل عليه أن يردّ على صاحبها؟ أو قيمتها؟ قال: هو ضامن لها والأجر له إلا أن يرضى صاحبها فيدعها والأجر له»(2).

فهذه الرواية دالّة على جواز التصدّق باللقطة حيث فرض الراوي التصدّق وسأل ماذا يترتّب عليه؟ والإمام(علیه السلام)أقرّ ما فرض وأجاب على ما يترتّب عليه. وسندها تام.

إلا أنّه قد يقال: إنّ هذه الرواية إنّما تدل على جواز التصدّق كعِدل للملكية بناءً على كون التملّك في اللقطة اختيارياً، أمّا بناءً على استفادة الملكية القهرية من روايات امتلاك اللقطة فهذه الرواية لا تنهض لإثبات التصدّق كعِدل للملكية، فإنّ عدليته للملكية إنّما تتصوّر في ما لو لم يكن حصول الملكية قهراً وبلا اختيار، ولا تدل هذه الرواية على جواز التصدّق في مقابل الملك بحيث تعارض رواية الملكية القهرية أو توجب حمل روايات الملك على الملكية الاختيارية؛ وذلك لأنّ الحكم بالتصدّق لم يصدر ابتداءً من الإمام، بل الراوي فرض التصدّق وسأل عمّا يثبت بعده من ضمان أو أجر، والإمام(علیه السلام)لم يردع عن التصدّق، بل وتكلّم عمّا يثبت بعد التصدّق من ضمان أو أجر.

 


(1) وسائل الشيعة، ج25، ص463، الباب۱۸ من كتاب اللقطة، ح۱.

(2) المصدر السابق، ص445، الباب2 من كتاب اللقطة، ح۱٤.

305

وكلّ هذا كما ترى لا يثبت جواز التصدّق بملك المالك السابق الذي ضاع ماله في مقابل تملّكه، بل يحتمل أنّ هذا المال قد أصبح ملكاً قهرياً للملتقط، وأنّ الملتقط قد تصدّق بما هو ملكه والإمام(علیه السلام)حكم بضمانه وكون الأجر له إلا أن يرضى صاحب المال السابق فيتحوّل الأجر إليه، ولا ضمان على الملتقط حينئذٍ.

اللهمّ إلا أن يقال: إنّ المفهوم عرفاً من ثبوت أجر التصدّق لصاحب المال السابق على تقدير رضاه هو عدم حصول الملكية للملتقط، وإلا فقد كان المفروض ثبوت أجر تحوّل ماله إلى الملتقط له وتركه لمطالبته بالمال، لا ثبوت أجر التصدّق، فإنّ التصدّق لم يكن بماله، وإنّما كان بمال الملتقط.

ثم إنّ جواز التصدّق في مقابل الملك إن أثبتناه بفحوى دليل جواز التملّك فهو ثابت في الحيوان كما هو ثابت في غير الحيوان؛ وذلك لأنّنا قلنا بالملك في الحيوان أيضاً، والمقصود من الحيوان ما لا يشمل العبد والأمة، وإن أثبتناه بالنصّ، فإن كان للنصّ إطلاق يشمل الحيوان كما هو الحال في رواية حسين بن كثير عن أبيه الماضية(1) فلا كلام، وإن لم يكن له إطلاق كما هو الحال في رواية حفص بن غياث التي فهم فيها حكم اللقطة على أساس تنزيل الإمام ما أعطاه اللصّ بمنزلة اللقطة فهو لم يكن ابتداءً بصدد حكم اللقطة كي يستفاد منه الإطلاق.

وكرواية علي بن جعفر الماضية(2)حيث كان فيه التصدّق مفروضاً ومفروغاً عنه، فلا إطلاق بالنسبة إليه، فالظاهر أنّ العرف يتعدّى إلى الحيوان، ولا يتعقّل الفرق في التصدّق بين الحيوان وغيره.

هذا تمام الكلام في التصدّق.

 


(1) المصدر السابق، ص441، ح۲.

(2) المصدر السابق، ص445، ح۱٤.

306

ج _ الاحتفاظ باللقطة كأمانة

وهذا يمكن إثبات جوازه تارة بمقتضى القواعد، وأُخرى بالنصّ الخاص.

أمّا بمقتضى القواعد: فإمّا بأن يقال: إذا جاز التملّك فبالفحوى العرفيّة يجوز حفظها كأمانة، وإمّا بأن يقال: إنّ دليل التملّك لا يستفاد منه أكثر من الرخصة، ودليل التصدّق في غير لقطة الحرم وما لا يمكن تعريفه أيضاً لا يستفاد منه الوجوب، واحتمال كون جواز الالتقاط منوطاً بالتملّك أو التصدّق غير وارد؛ لما دلّت عليه بعض روايات الالتقاط من كون المناط في جواز الالتقاط هو الالتزام بالتعريف، وعند الشك في وجوب الجامع بين التملّك والتصدّق في مقابل الاحتفاظ كأمانة نجري البراءة عن الوجوب(1) وأصالة جواز الاحتفاظ كأمانة، فإذا احتفظ بها كأمانة وتلفت من دون تفريط لم يكن هناك دليل على الضمان.

إلا أنّ إثبات جواز الاحتفاظ باللقطة كأمانة بمقتضى القواعد يتوقّف على إثبات كون الملكية في اللقطة اختيارية لا قهرية، وإلا فلا معنى للاحتفاظ بها كأمانة، ويبقى ضامناً لو وجد بعد ذلك المالك الأصلي وكان المال تالفاً ولو بلا تفريط.

وأمّا بمقتضى النص الخاص: فلو ثبت حقاً نص خاص يدل على ذلك كان بنفسه دليلاً على عدم كون الملك قهرياً، فيحمل دليل الملك على الملك الاختياري. وما يمكن افتراضه نصّاً خاصّاً بهذا الصدد روايتان:

الأُولى: رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(علیه السلام): «وسألته عن الرجل يصيب اللقطة دراهم أو ثوباً أو دابّة، كيف يصنع؟ قال: يعرّفها سنة، فإن لم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله حتّى يجيء طالبها فيعطيها إياه، وإن مات أوصى

 


(1) قد يقال: إنّه لو لم يتملّك المال ولم يتصدّق به لم تصل النوبة إلى الاحتفاظ بالمال كأمانة إذا كان من الممكن إيصال المال إلى وليّ مالكه وهو الحاكم الشرعي، فالعمدة في إثبات جواز الابقاء كأمانة هي فحوى جواز التملّك.

307

بها، فإن أصابها شيء فهو ضامن»(1) هكذا رواه في الوسائل، ورواه أيضاً في الباب۲٠ من اللقطة(2) عن التهذيب(3) مع حذف كلمة «صاحبها»، وتبديل قوله: «فإن أصابها شيء فهو ضامن» بقوله: «وهو لها ضامن».

وجه الاستدلال بهذه الرواية هو حمل قوله: «حفظها في عرض ماله» على معنى حفظها كأمانة.

ويمكن المناقشة في هذا الاستدلال بعدّة وجوه:

الأوّل: إنّ كلمة «صاحبها» غير موجودة في الفقيه ولا في التهذيب، وعلى تقدير عدم وجود هذه الكلمة لا ندري كيف تقرأ كلمة «فإن لم يعرف»، هل بتخفيف الراء أو بتشديده؟

فإن كان بتخفيف الراء لم يختلف المعنى، فتكون معنى الرواية أنّه لو عرّفها سنة ولم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله. أمّا لو كان بتشديد الراء فيصبح المعنى أنّه لو لم يعرّف اللقطة وجب حفظها في عرض ماله حتّى يأتي صاحبها، وعلى هذا المعنى يسقط الحديث عن الدلالة على المقصود من حفظ المال كأمانة بعد تعريف سنة، ويصبح مفاد الحديث: أنّ التعريف غير واجب، فيجوز ترك التعريف شريطة أن يحتفظ بالمال كأمانة، فكأنّ التملّك والتصدّق هما حكم فرض التعريف، والحفظ كأمانة هو حكم فرض عدم التعريف.

قد يقال في قبال ذلك: إنّ أدلّة وجوب التعريف تصبح قرينة على أنّ كلمة «لم يعرف» هنا تكون بتخفيف الراء.

ولكن الصحيح أنّ الكلام المبيّن قد يصلح تفسيراً للكلام المجمل بعد تعيّن عبارة

 


(1) وسائل الشيعة، ج25، ص445، الباب2 من كتاب اللقطة، ح۱۳.

(2) المصدر السابق، ص446، ح2.

(3) تهذيب الأحكام، ج6، ص397، باب اللقطة والضالة، ح38

308

ذاك المجمل، أمّا إذا كان المجمل إنّما أصبح مجملاً بعدم تعيّن عبارته فعلى أحد الفرضين يكون معارضاً للمبيّن، فذاك المبيّن لا يستطيع أن ينفي ذلك الفرض، إلا إذا فرضنا العلم الإجمالي بأنّه إمّا ذاك المبيّن غير صحيح، أو أنّ ذاك الفرض غير واقع، ولكن ليس لنا في المقام علم إجمالي كذلك.

نعم، يبقى المبيّن على حجّيته؛ لعدم تيقّن ابتلائه بالمعارض ما لم يحقّق المجمل علماً إجماليّاً منجّزاً أحد طرفيه عبارة عن ابتلاء المبيّن بالمعارض، وتمام الكلام في ذلك موكول إلى علم الأصول.

ولا مخلص عن هذا الإشكال إلا فرض كون أدلّة وجوب التعريف مفيدة للاطمئنان بوجوب التعريف والاطمئنان بأنّ كلمة «لم يعرف» هنا بالتخفيف، وأمّا لو فرضنا الاطمئنان بوجوب التعريف مع عدم الاطمئنان بأنّ كلمة «لم يعرف» هنا بالتخفيف فالنتيجة هي سقوط هذه الرواية عن الحجّية.

وقد يقال: إنّ النقل الذي جاء فيه كلمة «صاحبها» باقٍ على حجّيته، فنتمسّك به، فإنّ النقل الذي حذف فيه كلمة «صاحبها» ليس فيه دلالة على خطاء النقل الذي فيه تلك الكلمة؛ إذ لا يدل على ذلك إلا على تقدير كون كلمة «يعرف» بالتشديد ولم يثبت، إذاً نبقى نتمسّك بحجّية النقل الذي فيه كلمة «صاحبها».

إلا أنّ هذا الكلام غير صحيح؛ لأنّ صاحب الوسائل نقل هذا الحديث مع كلمة «صاحبها» في الباب الثاني من اللقطة عن عبدالله بن جعفر في قرب الإسناد عن عبدالله بن الحسن عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(علیه السلام)، وهذا السند ضعيف بعبدالله بن جعفر، وهو وإن ذكر أخيراً أنّه «رواه علي بن جعفر في كتابه» وهذا تام السند، لكنّنا لا ندري أنّ نسخة كتاب علي بن جعفر هل هي مشتملة على كلمة «صاحبها» أو لا؟ ويبدو أنّ صاحب الوسائل(رحمه الله) لم يكن يهتمّ بوجود هذه الكلمة وعدمها إلى حدّ يفهم من قوله: «رواه علي بن جعفر» أنّه رواه مع كلمة «صاحبها».

309

والدليل على ذلك: أنّه ذكر في ذيل نقله للحديث عن قرب الاسناد قوله: «ورواه الصدوق بإسناده عن علي بن جعفر مثله»، بينما نحن نعلم أنّ الصدوق(رحمه الله) رواه من دون هذه الكلمة كما نقل هو في الباب ۲٠ الحديث عن التهذيب من دون كلمة «صاحبها» وعقّبه أيضاً بقوله: «ورواه الصدوق بإسناد، عن علي بن جعفر».

الثاني: إنّ الموجود في نسخة الفقيه بدلاً عن قوله: «حفظها في عرض ماله» قوله: «جعلها في عرض ماله»(1)، وهذا لا يعطي معنى الأمانة بل يعطي معنى الملك أو الإباحة في التصرّف، ولم يثبت أنّ تعبير الإمام(علیه السلام)كان وفق نسخة التهذيب دون الفقيه.

هذا، وبناءً على نسخة الفقيه يتأكّد كون كلمة «لم يعرف» بالتخفيف؛ لوضوح عدم جواز التملّك أو التصرّف ابتداءً بلا تعريف.

الثالث: أنّه حتّى لو افترضنا أنّ التعبير الصادر من الإمام(علیه السلام)هو قوله: «حفظها في عرض ماله»، فهذا غير ظاهر في إرادة الحفظ كأمانة، ويحتمل إرادة الملك أو العارية.

هذا، وإذا كان بعض الرواة قد نقل بتعبير «حفظها في عرض ماله» وبعضهم نقل بتعبير «جعلها في عرض ماله» والثاني ظاهر في الملك أو العارية، والأوّل مجمل، فقد يكون الثاني مفسّراً للأوّل، أو يقال _ على الأقلّ _ : إنّ المجمل لا يعارض المبيّن، فيثبت أنّ المقصود هو الملك أو العارية، لا الأمانة.

الرابع: أنّنا لو غضضنا النظر عن كلّ ما مضى فالمزيّة المفروض ترتيبها على الحفظ كأمانة _ والتي لا تنحفظ في فرض التملّك أو التصدّق وهي عدم ضمان الملتقط إذا تلفت العين بلا تفريط _ لا تترتّب في المقام؛ وذلك لأنّ هذه الرواية بذيلها دالّة على الضمان حيث يقول: «وهو لها ضامن». ولعلّ هذا يؤيّد احتمال أنّ المقصود كان هو الملك أو العارية، لا الأمانة.

 


(1) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص292، باب اللقطة والضالة من كتاب المعيشة، ح4049.

310

الثانية: رواية الهيثم بن أبي روح صاحب الخان قال: «كتبت إلى العبد الصالح(علیه السلام): إنّي أتقبّل الفنادق فينزل عندي الرجل فيموت فجأة ولا أعرفه ولا أعرف بلاده ولا ورثته فيبقى المال عندي، كيف أصنع به؟ ولمن ذلك المال؟ قال: اتركه على حاله»(1).

وقد ورد في نظير ذلك الحكم بأنّه كسبيل مالك، والحكم بالتصدّق، والحكم بأنّه للإمام، والحكم بإبقائه على حاله؛ وكأنّ المقصود منه حفظه أمانةً.

أمّا الأخير: فهو ما عرفت من رواية الهيثم.

وأمّا الثالث: فكما ورد عن الفضيل بن يسار عن أبي الحسن(علیه السلام)«في رجل كان في يده مال لرجل ميّت لا يعرف له وارثاً كيف يصنع بالمال؟ قال: ما أعرفك لمن هو يعني نفسه»(2). إلا أنّه ضعيف سنداً.

وأمّا الثاني: فكما مضى من رواية نصر بن حبيب صاحب الخان(3). وقد مضى أنّها ضعيفة سنداً.

وأمّا الأوّل: فكالروايات الماضية(4) وصدر الرواية الأُولى منها تدل أيضاً على التصدّق على المساكين، ويمكن استفادة جواز التصدّق على غير المساكين أيضاً بفحوى ما في ذيلها من جواز جعله كسبيل ماله، فإذا كان المال يجوز تملّكه أو الاستفادة منه ولا يجب حفظ عينه للمالك بدليل جواز التصدّق به على المساكين بضمان، إذاً فجواز التصدّق به على غير المساكين أولى من تملّكه.

هذا، والرواية الأخيرة من تلك الروايات المذكورة(5) يحتمل ورودها في الأجر الكلّي

 


(1) وسائل الشيعة، ج26، ص298، الباب6 من أبواب ميراث الخنثى، ح٤.

(2) المصدر السابق، ص301، ح۱۲، وص251، الباب3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، ح۱۳.

(3) المصدر السابق، ص297، الباب6 من أبواب ميراث الخنثى، ح۳.

(4) المصدر السابق، ص254، الباب4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح۷، وص296، الباب6 من أبواب ميراث الخنثى، ح۱، وص 301، ح10.

(5) المصدر السابق، ص296، الباب6 من أبواب ميراث الخنثى، ح۱.

311

الباقي في الذمّة ويبدى احتمال الفرق بينه وبين العين الشخصية، ولكن تكفي الروايتان الأُوليان.

وعلى أيّ حال فمقتضى الجمع بين روايات التملّك أو إباحة التصرّف ورواية الحفظ كأمانة هو التخيير بينهما وأنّ الملك ليس قهريّاً. فلئن لم يمكن التعدّي _ في مسألة الملك _ من مورد هذه الروايات إلى مورد اللقطة لاحتمال الخصوصية _ لما مضى من أنّ من المحتمل كون نفس الالتقاط مثقّلاً للتكليف على الملتقط _ فلا يبعد صحّة التعدّي بلحاظ مسألة الحفظ أمانةً، لكنّ هذا التعدّي مشروط بأن نقول بعدم قهرية الملك في اللقطة، فنفس هذه الرواية _ وهي رواية الهيثم بن أبي روح(1)_ لا تصلح دليلاً على عدم كون الملك في اللقطة بعد التعريف سنة قهريّاً، مضافاً إلى كونها ساقطة بضعف السند.

ثم إنّه لا فرق في مسألة حفظ اللقطة كأمانة بين الحيوان وغيره؛ إذ لو أثبتنا ذلك بمقتضى القاعدة فهو جار في الحيوان أيضاً، ولو أثبتنا ذلك بالرواية الأُولى من الروايتين اللتين أوردناهما بصدد إثبات هذا الحكم ففيها التصريح بذكر الدابّة، ولو أثبتنا ذلك بالرواية الثانية فالظاهر إطلاق كلمة «المال» فيها للحيوان، ولا أقلّ من عدم احتمال الفرق عرفاً.

هذا كلّه في حفظ اللقطة كأمانة بعد التعريف في غير الحرم، وقد عرفت أنّه لم يتمّ في ذلك دليل خاص، وإنّما يمكن إثبات جوازه بمقتضى القواعد لو لم نستظهر من أدلّة الملكية الملكية القهرية.

يبقى الكلام في أنّه هل يجوز حفظ لقطة الحرم كأمانة بعد التعريف أو يجب التصدّق بها؟ وهل يجوز حفظ اللقطة التي لا يمكن تعريفها كأمانة أو يجب التصدّق بها؟

 


(1) المصدر السابق، ص298، ح٤.