۲_ قصور في حال اللقطة من حيث عدم قابليّتها للبقاء، وقد ورد في ذلك حديث عن السكوني عن أبي عبدالله(علیه السلام): «إنّ أمير المؤمنين(علیه السلام)سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنّها وبيضها وفيها سكّين؟ فقال أمير المؤمنين: يقوّم ما فيها ثم يؤكل؛ لأنّه يفسد وليس له بقاء، فإن جاء طالبها غرموا له الثمن. فقيل: يا أمير المؤمنين(علیه السلام)، لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ فقال: هم في سعة حتّى يعلموا»(1). فهذه الرواية دلّت على جواز الأكل لا على عدم جوازه، إلا أنّها ضعيفة سنداً.
ونحوها مرسلة الصدوق عن الصادق(علیه السلام): «وإن وجدت طعاماً في مفازة فقوّمه على نفسك لصاحبه ثم كله، فإن جاء صاحبه فردّ عليه القيمة»(2).
۳_ قصور في حال اللقطة من حيث عدم اشتمالها على علامة تجعلها قابلة للتعريف لو لم نقل بأنّ هذا يرجع في الحقيقة إلى سعة دائرة الجهل بالمالك، غاية ما هناك أنّ بعض درجات السعة التي لا تكفي في العجز عن التعريف في ما يسمّى ذا علامة قد تكفي في ذلك في ما يقال عنه إنّه بلا علامة كالدينار والدرهم مثلاً، ففي الدائرة الضيّقة يكون الدينار والدرهم أيضاً قابلين للتعريف ومُعدّين ممّا له علامة كما مضى في ما سبق في بعض الروايات الأمر بتعريفهما، فقد مضى في حديث علي ابن أبي حمزة(3) الآمر بتعريف الدينار، ومضى في حديث علي بن جعفر(4) الآمر بتعريف الدرهم، على بعض نسخه.
وعلى أيّ حال فأحاديث التصدّق الماضية إنّما وردت في فرض العجز عن
(1) المصدر السابق، ص468، الباب۲۳ من كتاب اللقطة، ح۱.
(2) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص297، باب اللقطة والضالة من کتاب المعيشة، ح4064.
(3) وسائل الشيعة، ج25، ص463، الباب۱۷ من كتاب اللقطة، ح1.
(4) المصدر السابق، ص445، الباب2 من كتاب اللقطة، ح۱۳.
التعريف على أساس سعة دائرة الجهالة، فهل نتعدّى من ذلك إلى سائر أسباب العجز عن التعريف أو لا؟
لا يبعد التعدّي وإلغاء خصوصية المورد عرفاً.
البحث الثالث: توجد عدّة روايات وردت في فرض العجز عن التعريف على أساس سعة دائرة الجهالة دلّت على التملّك، فهي تعارض الأحاديث السابقة الدالّة على التصدّق.
والكلام حول ذلك يقع في ثلاثة أمور:
الأمر الأول: لو تمّت دلالة هذه الروايات على الملك فالظاهر أنّ مقتضى الجمع بينها وبين ما عرفته من أحاديث التصدّق هو القول بالتخيير بين التملّك والتصدّق، وحمل التصدّق على الاستحباب.
الأمر الثاني: إنّنا في أحاديث التصدّق قلنا بالتعدّي من موردها، وهو العجز عن التعريف الناشئ من سعة دائرة الجهالة إلى العجز الناشئ من سائر الأسباب، ولكن التعدّي في مسألة التملّك مشكل، فالعرف يحتمل دخالة سعة الجهالة بمالك مّا في جواز تملّك أمواله، ففرق بين التصدّق بمال الغير الذي هو عبارة عن صرف ماله في مصرف الخير وبين أكله وتملّكه، فلو قلنا في الأول بتعدّي العرف من فرض سعة دائرة الجهالة إلى سائر فروض العجز عن معرفة المالك لا نقول بذلك في الثاني.
الأمر الثالث: هل روايات التملّك تامّة الدلالة حقاً على التملّك في خصوص ما نحن فيه، وهو فرض العجز عن تعريف اللقطة لسعة دائرة الجهالة بمالكها أو لا؟ وتلك الروايات كما يلي:
۱_ روايات تملّك ما في بطن الدابّة، وقد نقل صاحب الوسائل بهذا الصدد روايتين تامّتي السند:
إحداهما: ما عن عبدالله بن جعفر بسند الكليني(رحمه الله) قال: «كتبت إلى الرجل
أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة لمن يكون ذلك؟ فوقّع(علیه السلام): عرّفها البائع، فإن لم يكن يعرفها فالشيء لك رزقك الله إياه»(1).
والثانية: ما عن عبدالله بن جعفر أيضاً بسند الصدوق(رحمه الله) قال: «سألته في كتاب عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة أو شاة أو غيرها للأضاحي أو غيرها، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جواهر أو غير ذلك من المنافع، لمن يكون ذلك؟ وكيف يعمل به؟ فوقّع(علیه السلام): عرّفها البائع، فإن لم يعرفها فالشيء لك»(2). وكأنّهما رواية واحدة.
بناءً على أنّ كون المال في بطن الدابّة وهي تساق من البلاد إلى البلاد ولا يعلم متى أكلته، يوجب سعة دائرة الجهالة بحيث لا يمكن التعريف، خصوصاً إذا كان اشتراها في الحج للاضحية مع كثرة المسافرين إلى الحج، إذاً فالروايتان تدلّان على جواز التملّك عند عدم إمكانية التعريف لسعة دائرة الجهالة.
إلا أنّ المشکلة الموجودة في هذا الاستدلال هي دعوى احتمال الفرق بين مورد الروايتين ومورد اللقطة حيث إنّ المشتري لم يلتقط المال، وإنّما انساق المال إليه صدفة وقهراً بشرائه للدابّة، فلعلّ هذا يوجب الفرق.
هذا، وتشبه هذه الروايات روايات وجدان المال في جوف السمكة _ وقد عقد لها باباً في الوسائل(3) _ فقد يتمسّك بها أيضاً لإثبات جواز تملّك ما لا يمكن تعريفه.
إلا أنّها _ مضافاً إلى المشکلة الماضية في روايات الدابة _ ضعيفة سنداً، على أنّه من المحتمل أنّ ما في بطنها من لؤلؤة أو جوهرة أو درّة لم يكن ملك أحد، وإنّما كان من معطيات البحر ابتداء.
(1) الكافي، ج9، ص730، باب اللقطة والضالة من كتاب المعيشة، ح9.
(2) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص296، باب اللقطة والضالة من كتاب المعيشة، ح4062.
(3) وسائل الشيعة، ج25، ص453، الباب۱٠ من كتاب اللقطة.
۲_ روايات تملّك ما يُلتقط من الأرض الخربة _ وقد أوردها صاحب الوسائل في بعض أبواب اللقطة(1) _ بناءً على أنّ خراب الدار وجلاء الأهل يوسّع من دائرة الجهالة بحيث لا يمكن التعريف.
إلا أنّ الإشکال الموجود فيها هو دعوى أنّ خراب الدار وجلاء الأهل يجعلنا نحتمل أنّ ملّاك المال قد بادوا وهلكوا، فلا يثبت جواز التملّك إلا في هذه الدائرة؛ لاحتمال الخصوصية لها.
وقد يجاب عن ذلك بأنّ المالك الأول إذا كان قد هلك فعادة يوجد له ورّاث، وفرضية عدم الوارث ما عدا الإمام مثلاً فرضية نادرة.
إلا أن يقال: إنّ في زمان الإمام(علیه السلام)كان يكثر الموالي الذين لا وارث لهم عدا مولاهم أو الإمام مثلاً.
وقد يجاب على ذلك: بأنّ الرواية لم ترد بنحو القضية الخارجية حتّى تختص بظروف ذلك الزمان.
وقد يقال: إنّ احتمال هلاك الأهل وسعة دائرة الورّاث جدّاً بحيث لا يكون لأيّ واحد منهم إلا جزء يسير من المال لا يعتنى به محتمل الدخل في الحكم، فلا نستطيع التعدّي من هذه الدائرة.
۳_ أخبار الكنز الظاهرة في التملّك سواء ما كان منها حاكماً بإخراج الخمس فإنّ هذا ظاهر في تملّك الباقي، أو ما كان منها نافياً للزكاة فهذا أيضاً ظاهر في التملّك. وهذه الروايات موجودة في الوسائل، كتاب الخمس(2).
والرواية الأخيرة موجودة أيضاً في كتاب اللقطة(3).
(1) الكافي، ج9، ص730، باب اللقطة والضالة من كتاب المعيشة، ح9.
(2) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص296، باب اللقطة والضالة من كتاب المعيشة، ح4062.
(3) وسائل الشيعة، ج25، ص453، الباب۱٠ من كتاب اللقطة.
ولعلّ مقتضى الجمع بينها وبين الرواية الآمرة بالتصدّق، وهي رواية إسحاق بن عمّار الماضية هو حمل التصدّق على الاستحباب(1).
وقد يقال: نحن نحتمل الخصوصية في مورد الرواية؛ لأنّها واردة في الدراهم المدفونة بمكة، فلعلّ الكنز المدفون بالحرم حكمه التصدّق لا التملّك، بخلاف الكنز في خارج الحرم، فليكن الكنز حاله حال اللقطة في اختلاف حكم ما يوجد في الحرم ممّا يوجد في خارج الحرم حيث يتملّك الثاني ويتصدّق بالأول.
وعلى أيّ حال فتقريب التمسّك بروايات الكنز هو أنّ مال الكنز تكون دائرة جهالة ملاكه واسعة عادة، وقد ثبت فيه جواز التملّك، ولا خصوصية عرفاً للكنز، فيتعدّى إلى غيره.
إلا أنّ الإشكال الموجود في ذلك هو إشكال الرواية السابقة، وهو إبراز احتمال خصوصية في احتمال بَيْد الملّاك، فإنّ الكنز يحتمل فيه عادة ذلك.
ثم إنّه في أيّ مورد قلنا بالتملّك من دون تعريف لا يبعد القول بوجوب الخمس فيه إذا كان ممّا لو كان كنزاً لوجب فيه الخمس بدعوى إلغاء خصوصية الكنزية عرفاً.
٤_ ما مضى عن فضيل بن غزوان قال: كنت عند أبي عبدالله(علیه السلام)«فقال له الطيار: إنّ إبني حمزة وجد ديناراً في الطواف قد انسحق كتابته. قال: هو له»(2).
وهذه الرواية من ناحية تعارض روايات التعريف؛ فإنّ الدينار والدرهم بشكلهما السابق وفي المجتمع الصغير لذاك اليوم كانا يعدّان ممّا يقبل التعريف، ولهذا ورد في الدينار الأمر بالتعريف كما في رواية علي بن أبي حمزة الماضية، وكذلك ورد في الدرهم الأمر بالتعريف كما في رواية علي بن جعفر الماضية على بعض نسخها.
(1) المصدر السابق، ح3.
(2) المصدر السابق، ح4.
وأمّا انسحاق كتابة الدينار فلا يجعله غير صالح للتعريف، بل يصبح بذلك أصلح للتعريف؛ لكون انسحاق الكتابة بنفسه علامة.
ومن ناحية أُخرى تعارض ما دلّ على عدم جواز تملّك لقطة الحرم كما مضى في رواية إبراهيم بن عمر عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «اللقطة لقطتان: لقطة الحرم وتعرّف سنة، فإن وجدت صاحبها وإلا تصدّقت بها. ولقطة غيرها تعرّف سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فهي كسبيل مالك»(1).
وبالإمكان أن يقال: إنّ المفروض في مورد رواية فضيل بن غزوان أنّ الدينار وجده في الطواف في مثل أيام الحج، وعندئذٍ تتسع دائرة الجهالة إلى حدّ يصبح الدينار عرفاً غير قابل للتعريف.
إذاً فالرواية دليل على جواز تملّك اللقطة عند عدم إمكانية تعريفها على أساس سعة دائرة الجهالة. ولا تعارض لا روايات التعريف؛ لأنّ المفروض في موردها عدم إمكانية التعريف، ولا رواية عدم تملّك لقطة الحرم؛ لأنّها حكمت بالتعريف ثم التصدّق. وهذا يعني أنّها واردة في مورد إمكانية التعريف، بينما هذه الرواية واردة في مورد عدم إمكانية التعريف.
وقد يقال: إنّ كلمة «في الطواف» في رواية فضيل بن غزوان لا تدل على أنّ القضية كانت في أيام الحج مثلاً؛ لأنّ الطواف مشروع طول السنة.
إذاً فمقتضى إطلاق رواية ابن غزوان _ ولو بملاك ترك الاستفصال _ عدم اختصاص جواز التملّك بصورة سعة دائرة الجهالة وعدم إمكانية التعريف.
وقد يجاب على ذلك بأنّ من المحتمل وجود ما يصلح للقرينية الصارفة للإطلاق؛ وذلك بأن يكون السؤال والجواب صادراً في أيّام الحجّ، ويقصد بالطواف
(1) وسائل الشيعة، ج13، ص260، الباب۲۸ من مقدمات الطواف، ح4.
طواف أيّام الحجّ، وفي زحام أيّام الحجّ تتسع دائرة الجهالة إلى حدّ لا يمكن عادة تعريف الدينار، وواضح أنّ السؤال كان بنحو القضية الخارجية لا الحقيقية، أي: إنّه لم يقل: «من وجد ديناراً في الطواف فما هو حكمه؟»، وإنّما قال: «إنّي وجدت ديناراً في الطواف...»، فلا يمكننا أن نتعدّى من مورد الطواف في أيّام الحجّ إلی الطواف في مطلق الأيّام؛ لاحتمال الخصوصية، ولا يمكننا أن نتمسّك بالإطلاق بملاك ترك الاستفصال؛ لأنّ كون السؤال في أيّام الحجّ صالح لصرف قوله «في الطواف» إلی طواف تلك الأيّام. وهذه قرينة تكون الغفلة عن إدراجها في نقل الرواية طبيعية، فلا يمكن نفيها بأصالة عدم الغفلة، إذاً فلا إطلاق في الرواية لصورة إمكانية التعريف.
وقد يقال: إنّ رواية فضيل بن غزوان حتّى لو حملت على فرض عدم إمكانية التعريف تعارض رواية «لا تحلّ لقطتها إلا لمنشد»(1) الماضية، حيث دلّت على حرمة التقاط لقطة الحرم لغير المنشد. وهذا حكم شامل للّقطة التي يجوز التقاطها بلا تعريف في غير الحرم حتماً، وإلا فأيّة خصوصية للحرم؟!
والجواب:
أولاً: إنّ من المحتمل كون رواية «لا تحلّ لقطتها إلا لمنشد» تعني: أنّ الالتقاط في غير الحرم لغير المنشد ليس حراماً وإن حرم عدم الانشاد، أو تعني: اشتداد الحرمة في الحرم.
وثانياً: إذا كانت الرواية تعني: حرمة التقاط ما كان يجوز التقاطه في غير الحرم بلا تعريف، فإطلاقها لغير ما يقبل التعريف غير واضح؛ فإنّ قوله «إلا لمنشد» صالح للقرينية على اختصاصها بما يمكن فيه الإنشاد.
فلعلّ المصداق الوحيد لما يجوز التقاطه بلا تعريف في غير الحرم ولا يجوز في الحرم هو المحقّرات.
(1) المصدر السابق، ج12، ص557، الباب۸۸ من أبواب تروك الإحرام، ح۱.
قد يقال: إنّ رواية «لا تحلّ لقطتها إلا لمنشد» تعارض المجموع المركّب من رواية فضيل ابن غزوان ورواية جواز التقاط المحقّرات؛ لأنّه ليس لها طالب، وبما أنّ الثاني حاكم على رواية «لا تحلّ لقطتها إلا لمنشد» لأنّه يثبت رضا المالك، فيرتفع موضوع الحرمة. إذاً فالتعارض يستحكم بين رواية فضيل بن غزوان ورواية «لا تحلّ لقطتها إلا لمنشد».
فالمهم هو الجواب الأول.
إذاً فلا يثبت التعارض بين هذه الرواية والروايات الآمرة بالتعريف.
هذا، وقد يقال: إنّه بعد أن أصبحت هذه الرواية مجملة، أي: لا ندري هل هي تنفي وجوب التعريف وتجوّز التملّك بلا تعريف حتّى في ما يمكن تعريفه، أو تنفي وجوب التصدّق وتجوّز التملّك في ما لا يمكن تعريفه إذاً نعلم إجمالاً بأنّ هذه الرواية إمّا تعارض روايات التعريف في ما يمكن تعريفه، أو تعارض خصوص روايات التصدّق في ما لا يمكن تعريفه، فإمّا إنّ روايات التصدّق في ما لا يمكن تعريفه محمولة على الاستحباب، وإمّا إنّ روايات التعريف في ما يمكن تعريفه محمولة على الاستحباب إن قبلت هذا الحمل، أو مبتلاة بالتعارض والتساقط إن لم تقبل هذا الحمل.
وهذا العلم الإجمالي يؤدّي بنا إلی العلم التفصيلي بحمل روايات التصدّق في ما لا يمكن تعريفه على الاستحباب؛ لأنّ رواية فضيل بن غزوان إن حملت على فرض عدم إمكانية التعريف فقد دلّت على جواز التملّك في هذا الفرض، فدليل التصدّق يحمل على الاستحباب، وإن حملت على عدم وجوب التعريف وجواز التملّك مطلقاً فلا يمكن إخراج فرض عدم إمكانية التعريف عن الحكم المذكور فيها؛ إذ لا يحتمل جواز التملّك بلا تعريف عند إمكانية التعريف وعدم جوازه عند عدم إمكانية التعريف.
إذاً فروايات التصدّق في فرض عدم إمكانية التعريف محمولة على الاستحباب على كلّ حال، فتبقى روايات التعريف في فرض إمكانية التعريف غير ثابتة الابتلاء بالمعارض، فيجب الأخذ بها.
هذا. والصحيح: إنّ رواية فضيل بن غزوان على تقدير حملها على نفي وجوب التعريف وجواز التملّك بلا تعريف مطلقاً ساقطة عن الحجّية بمخالفتها للمسلّم الفقهي؛ فإنّ وجوب التعريف في ما يمكن تعريفه مقطوع به فقهياً، وبما أنّها هي مجملة لا ندري هل تنظر إلى هذا المعنى الباطل فقهياً أو تنظر إلی جواز التملّك في خصوص ما لا يمكن تعريفه، تصبح ساقطة عن الحجّية وغير قابلة لمعارضة روايات التصدّق في فرض عدم إمكان التعريف كي توجب حملها على الاستحباب؛ وذلك لأنّها على تقدير عدم ورودها في خصوص طواف لا يمكن التعريف في لقطته لسعة دائرة الجهالة لا تقبل التخصيص بخصوص ذلك، وهي بإطلاقها غير قابلة للحجّية. إذاً فهي غير ثابتة الحجّية.
فإن قلت: إنّنا نضمّ القطع الفقهي ببطلان المعنى الأوّل إلی دليل حجّية خبر الثقة ونستنتج من ذلك ضرورة حمل رواية غزوان على المعنى الثاني كي تبقى على الحجّية.
قلت: إنّ التمسك بدليل حجّية خبر الثقة هنا تمسك بالعام في الشبهة المصداقية؛ فإنّ دليل حجّية خبر الثقة مفاده هو حجّية مفاد الخبر، لا تعيين حقيقة الخبر، والمفروض إنّ حال الخبر هنا مردّد بين أن يكون مكتنفاً بقرينة توجب صرفه إلی مثل طواف الحجّ وهذا قابل للحجّية، وبين ما كان ظاهراً في الإطلاق وهذا غير قابل للحجّية، فكيف يمكن التمسك بدليل حجّية خبر الثقة لإثبات الحجّية في المقام؟!(1)
نعم لو كان الخبر يهدف النقل بعين الألفاظ أمكن أن يقال: إنّ دليل حجّية الخبر أثبتت ورود هذه الألفاظ، ونضمّ ذلك إلى قطعنا الفقهي ببطلان المعنى الأوّل، فيثبت المعنى الثاني.
(1) ولا يخفى أنّنا قد أبطلنا هذه الشبهة من الأساس في بحث الأصول. إذاً فمقتضى الفنّ هو أن يعترف بتمامية دلالة رواية فضيل بن غزوان على جواز التملّك عند عدم قبول اللقطة للتعريف وحمل روايات التصدّق على الاستحباب.
اللهم إلا أن يقال _ بناءً على ما سيأتي إن شاء الله من أنّ المال المجهول المالك راجع إلى الإمام _ إنّ ما في رواية فضيل بن غزوان إذن شخص من قبل الإمام له بالتملّك خاص بمورده.
٥_ ما ورد من جواز تملّك مال من مات أو فقد ولا يعرف له وارث، من قبيل ما ورد عن هشام بن سالم بسند تام قال: «سأل حفص الأعور أبا عبدالله(علیه السلام)وأنا عنده جالس قال: إنّه كان لأبي أجير كان يقوم في رحاه وله عندنا دراهم وليس له وارث، فقال أبو عبدالله(علیه السلام): تدفع إلى المساكين ثم قال: رأيك فيها، ثم أعاد عليه المسألة فقال له مثل ذلك، فأعاد عليه المسألة ثالثة، فقال أبو عبدالله(علیه السلام): تطلب له وارثاً، فإن وجدت له وارثاً وإلا فهو كسبيل مالك، ثم قال: ما عسى أن تصنع بها، ثم قال: توصي بها، فإن جاء لها طالب وإلا فهي كسبيل مالك»(1).
وعنه بسند تام قال: «سأل حفص الأعور أبا عبدالله(علیه السلام)وأنا حاضر، فقال: كان لأبي أجير وكان له عنده شيء فهلك الأجير فلم يدع وارثاً ولا قرابة، وقد ضقت بذلك، كيف أصنع؟ قال: رأيك المساكين رأيك المساكين، فقلت: إنّي ضقت بذلك ذرعاً قال: هو كسبيل مالك، فإن جاء طالب أعطيته»(2). ولعلّهما رواية واحدة.
وعنه بسند تام قال: «سأل خطّاب الأعور أبا إبراهيم(علیه السلام)وأنا جالس فقال: إنّه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأُجرة ففقدناه وبقي من أجره شيء ولا يعرف له وارث، قال: فاطلبوه قال: قد طلبناه فلم نجده قال: فقال: مساكين _ وحرّك يده _ قال فأعاد عليه قال: اطلب واجهد، فإن قدرت عليه وإلا فهو كسبيل مالك حتّى يجيء له طالب، فإن حدث بك حدث فأوص به إن جاء لها طالب أن يدفع إليه»(3).
إلا أنّ هذه الروايات لو فرضت دلالتها على جواز تملّك مجهول المالك فلا تدل على جواز تملّك اللقطة؛ فإنّها غير واردة في اللقطة، واحتمال الخصوصية موجود، فلعلّ
(1) وسائل الشيعة، ج26، ص254، الباب4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح۷.
(2) المصدر السابق، ص301، الباب6 من أبواب ميراث الخنثى وما أشبه، ح۱٠.
(3) المصدر السابق، ص296، ح۱.
نفس الالتقاط يثقّل التكليف على الملتقط.
على أنّها لا تدل على جواز تملّك مجهول المالك أيضاً على الإطلاق؛ فإنّها واردة في من لا وارث له أو لا يعرف له وارث، واحتمال الفرق طبعاً موجود.
هذا. ومن لا وارث له فماله للإمام أو لبيت مال المسلمين كما في روايات أُخرى، فلعلّ الإمام(علیه السلام)في مورد هذه الروايات تبرّع بحقّه الجزمي لو كان لا وارث له، أو الاحتمالي لو كان لا يعرف له وارث.
٦_ ما جاء في رواية علي بن مهزيار في شرح الفوائد التي يجب فيها الخمس في كلّ عام «... ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب ...»(1). وسند الحديث تام.
فهذا يدل على تملّك المال الذي لا يعرف له صاحب.
إلا أنّه لا يبعد أن يكون المقصود ممّا لا يعرف له صاحب ما لا يعلم أن يكون له مالك أصلاً، بأن كان ممّا باد أهله مثلاً، لا ما كان مالكه مجهولاً أو كان لقطة.
على أنّه لا يمكن إدراج مجهول المالك أو اللقطة في هذا الحديث بالإطلاق ومقدّمات الحكمة؛ لأنّ النصّ ليس بصدد بيان حكم هذا المال كي يتمّ الإطلاق بلحاظه، وإنّما هو بصدد بيان الفوائد التي فيها الخمس، فذكر أنّ إحدى تلك الفوائد ما أُخذ ممّا لم يعرف له صاحب، أمّا إنّ هذه الفائدة والملكية متى تتحقق فليس بصدد بيان ذلك كي يتمّ الإطلاق.
الحكم الثالث: التملّك أو التصدّق أو الاحتفاظ بها أو تسليمها إلى وليّ الأمر
أ _ تملك اللقطة:
أمّا التملّك فقد يستفاد من عدّة أنماط من الروايات:
۱_ ما جاء فيه الأمر بجعل اللقطة بعد التعريف في عرض ماله، من قبيل ما مضى
(1) المصدر السابق، ج9، ص501، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ح٥.
من رواية محمد بن مسلم عن أحدهما(علیه السلام): «... فإن جاء طالبها وإلا فاجعلها في عرض ملك يجري عليها ما يجري على مالك إلى أن يجيء لها طالب»(1).
ورواية علي بن جعفر الماضية: «... يعرّفها سنة، فإن لم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله حتّى يجيء طالبها ...»(2).
ورواية محمد بن مسلم الماضية: «... فإن جاء طالبها وإلا فاجعلها في عرض مالك يجري عليها ما يجري على مالك حتّى يجيء لها طالب، فإن لم يجئ لها طالب فأوصِ بها في وصيّتك»(3).
وهذا النمط من الروايات يحتمل أن يكون المأذون فيها هو التصّرف في المال بشكل التصرّف في العارية، فمثلاً ليس هذا إذناً في أكل المال أو بيعه، ويؤكّد ذلك قوله: «حتّى يجيء طالبها» أو «إلى أن يجيء طالبها»، وقوله في بعض نسخ الرواية الثانية: «حفظها في عرض ماله»، وقوله في الرواية الثالثة: «أوصِ بها في وصيّتك».
۲_ ما جاء فيه التعبير بأنّها كسبيل ماله أو نحو ذلك، من قبيل ما مضى من رواية الحلبي: «فإن جاء لها طالب وإلا فهي كسبيل ماله»(4)، وما مضى من رواية علي ابن جعفر: «يعرّفها سنة، ثم هي كسائر ماله»(5)، ورواية داود بن سرحان _ غير التامّة سنداً _ عن أبي عبدالله(علیه السلام)أنّه قال في اللقطة: «يعرّفها سنة ثم هي كسائر ماله»(6)، ورواية إبراهيم بن عمر الماضية: «... وإلا فهي كسبيل مالك»(7)، ورواية يعقوب بن
(1) وسائل الشيعة، ج25، ص442، الباب2 من كتاب اللقطة، ح۳.
(2) المصدر السابق، ص445، ح13.
(3) المصدر السابق، ص444، ح10.
(4) تهذيب الأحكام، ج٦، ص389، باب اللقطة والضالة، ح۱۱٦۳.
(5) وسائل الشيعة، ج25، ص444، الباب2 من كتاب اللقطة، ح۱۲.
(6) المصدر السابق، ص444، ح۱۱.
(7) المصدر السابق، ج13، ص260، الباب۲۸ من أبواب مقدمات الطواف، ح٤.
شعيب الماضية: «... ثم هي كسبيل ماله»(1).
وهذا النمط من الروايات أوسع دلالةً من النمط الأوّل؛ إذ لو كانت اللقطة سبيلها سبيلی مالي أو هي كسائر مالي إذاً يجوز أكلها وبيعها، إلا أنّه ليس أيضاً واضحاً في الملكية، فيمكن أن يكون من قبيل الإباحة في التصرّف، والأثر العملي يظهر في إرجاع النماء إلى المالك لو ظهر بعد ذلك، فعلى الإباحة ترجع النماء إليه كما ترجع العين، وعلى الملكية لا دليل على رجوع النماء.
۳_ ما ظاهره الملكية ولكن لم يعلم أنّها ملكية قهرية أو تتبع نيّة الملتقط، أي: يجوز له أن يتملّك كما مضى من رواية حنان: «... فإن وجدت صاحبها وإلا فأنت أحقّ بها وقال: هي كسبيل مالك وقال: خيّره إذا جاءك بعد سنة بين أجرها وبين أن تغرمها له إذا كنت أكلتها»(2).
ورواه الصدوق _ بسنده التام _ عن حنان بن سدير «إلى قوله: فأنت أحقّ بها وزاد: يعني: لقطة غير الحرم»(3) (4)، ورواه الحميري أيضاً بسند تام، «إلا أنّه قال: فأنت أملك بها»(5).
٤_ ما جاء فيه الحكم بدخول المال في الإرث للورثة وأنّه لهم، وهو ما مضى عن أبي خديجة عن أبي عبدالله(علیه السلام): «... فإنّه ينبغي أن يعرّفها سنة في مجمع، فإن جاء طالبها دفعها إليه، وإلا كانت في ماله، فإن مات كانت ميراثاً لولده ولمن ورثه، فإن لم يجئ لها طالب كانت في أموالهم هي لهم، فإن جاء طالبها بعدُ دفعوها إليه»(6). وهذا ظاهر في الملكية القهرية.
(1) وسائل الشيعة، ج13، ص259، الباب۲۸ من أبواب مقدمات الطواف، ح1.
(2) المصدر السابق، ج25، ص442، الباب2 من كتاب اللقطة، ح٥.
(3) الظاهر أنّ هذا التفسير إمّا من نفس الصدوق أو من حنان بن سدير.
(4) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص295، باب اللقطة والضالة من كتاب المعيشة، ح4058.
(5) المصدر السابق.
(6) وسائل الشيعة، ج25، ص465، الباب۲٠ من كتاب اللقطة، ح۱.
وقد يقال: إنّ مجموع ما دل على الملكية القهرية كالرواية الأخيرة، وما دل على الضمان بعد الملك _ على تقدير ما لو جاء المالك وكنت قد أكلتها ولم يختر المالك أجرها كما قبل الأخيرة _ يقع طرفاً للمعارضة مع رواية صفوان الجمّال التامّة ببعض أسانيدها: أنّه سمع أبا عبدالله(علیه السلام)يقول: «من وجد ضالّة فلم يعرّفها ثم وجدت عنده، فإنّها لربّها أو مثلها عن مال الذي كتمها»(1). فقد دل هذا الحديث _ بما له من مفهوم على نحو القضية الجزئية _ على أنّه لو عرّفها فقد لا يكون ضامناً لها لربّها، بينما لو قلنا بالملكية القهرية وأنّه يترتّب على ملكها ضمانها إذاً لا موضع لهذا المفهوم ولو بنحو القضية الجزئية. وهذا إذا حملنا الضالّة في هذا الحديث على مطلق اللقطة واضح.
وأمّا إذا حملناها على خصوص الحيوان فقد يقال: إنّ من المحتمل أن يختلف حكم الحيوان عن غيره، ففي غير الحيوان يحصل الملك القهري وبالتالي الضمان، وأمّا في الحيوان فلا يحصل الملك قهراً، وإذا لم يحصل الملك كان بإمكان الملتقط أن يحفظه أمانةً من دون أن يستملكه ولا أن يتصرّف فيه كعارية، وحينئذٍ لا يضمن إلا إذا ترك التعريف.
ولكنّه لا يبعد أن يقال: إنّ التفكيك بين الحيوان وغيره في هذا الحكم ليس عرفيّاً.
وتوضيح ذلك: أنّ الحيوان إن كان من القسم الذي لا يجوز التقاطه إذاً يكون الملتقط ضامناً على كلّ حال، سواء عرّف أو لم يعرّف. وإن كان من القسم الجائز التقاطه فالتفكيك بينه وبين غيره في حصول الملك قهراً في غير الحيوان وعدمه في الحيوان غير عرفي، خصوصاً مع فرض جواز التصرّف فيه، كما يفهم من قوله: «هي لك أو لأخيك أو للذئب» وقوله: «فكلها وأنت ضامن».
إذاً فترجع المعارضة بالتباين على حالها بين دليل الملكية منضمّاً إلى دليل
(1) وسائل الشيعة، ج25، ص460، الباب14 من كتاب اللقطة، ح۱.
الضمان على تقدير الملك وبين هذا الحديث الدالّ بمفهومه الجزئي على عدم الضمان عند التعريف؛ إذ لا يبقى حينئذٍ موضع لهذا المفهوم.
هذا. وعلاج التعارض يكون بحمل النمط الرابع على الملكية الاختيارية أو حلّية التصرّف، وحمل الإرث فيه على الإرث على تقدير التملّك أو على انتقال المال إلى الوارث بالنحو الذي كان للموروث من حلّية التصرّف له أو جواز تملّكه.
هذا. ولكن التحقيق عدم المعارضة في المقام رأساً؛ وذلك لإمكان افتراض أنّ موضع هذا المفهوم هو ما لو تلفت الضالّة في أثناء السنة، فلو لم يعرّفها كان ضامناً، ولو عرّفها لم يضمن؛ لأنّه أمين والمال بعدُ لم يدخل في ملكه؛ لأنّ الملكية إنّما تكون بعد تمام التعريف سنة كاملة، فلا موجب للضمان. فتصبح هذه الرواية من قبيل رواية مضت عن الحسين بن زيد عن جعفر عن أبيه(علیه السلام)قال: كان أمير المؤمنين(علیه السلام)يقول «في الضالّة يجدها الرجل فينوي أن يأخذ لها جعلاً فتنفق، قال: هو ضامن، فإن لم ينوِ أن يأخذ لها جعلاً ونفقت فلا ضمان عليه»(1)، فهذا الحديث _ غير التام سنداً _ لا يعارض النمط الرابع بناءً على أنّ ظاهره النظر إلى زمان التعريف الذي يأخذ عليه جعلاً أو لا يأخذ.
وهناك رواية أُخرى قد تجعل معارضة لما دل على الملك سواء الملك القهري أو الاختياري، وهي ما عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(علیه السلام)، قال: «سألته عن اللقطة إذا كانت جارية هل يحلّ فرجها لمن التقطها؟ قال: لا، إنّما يحلّ له بيعها بما أنفق عليها»(2). والسند تام.
فقد يقال: إنّ عدم حلّ الفرج لا ينسجم عرفاً مع الملك، فيدلّ هذا الحديث دلالة عرفية على عدم الملك، فاستثناء التصرّف في الفرج من حلّية التصرّف معقول عرفاً، ولكنّ استثناءه من الملك غير عرفي، وإذا ضممنا ذلك إلى دعوى عدم الفرق عرفاً
(1) المصدر السابق، ص464، الباب۱۹ من كتاب اللقطة، ح۱.
(2) المصدر السابق، ص443، الباب2 من كتاب اللقطة، ح۸.
بين الحيوان وغيره في حصول الملك وعدمه كانت الرواية دالّة على عدم ملكية اللقطة، إذاً لابدّ من حمل النمط الثالث والرابع على حلّية التصرّف المطلق بناءً على إمكان انفكاكه عرفاً عن الملكية.
ولعلّه يمكن الجواب على هذه الرواية بأنّ الجارية من ذلك القسم من الحيوان الذي يمكنه أن يحفظ نفسه، فلا يجوز التقاطها، وبالتالي نحتمل الفرق بينها وبين غيرها في أنّها لا تُملك بالالتقاط؛ ولهذا لم يحلّ فرجها، بل لعلّه لا يجوز أيّ تصرّف آخر فيها كعارية ما دام أصل التقاطها لم يكن شرعيّاً.
وقد يردّ هذا الجواب: بأنّ النكتة العرفيّة للفرق بين الحيوان وغيره في عدم جواز التقاط الحيوان عندما يمكنه حفظ نفسه وجواز التقاط غير الحيوان هي أنّ الحيوان له حظّ من قوّة الإرادة، والشارع لم يجوّز قهر إرادة الحيوان إلا لمالكه أو لمن هو مأذون من قبل مالكه دون الملتقط، كما جاءت الإشارة إلى ذلك في قوله في حديث هشام ابن سالم الماضي: «لا تهجه»(1)، أمّا الجارية فباعتبارها عاقلة بالإمكان التقاطها برضاها بل برغبتها بلا أيّ تهييج، وعندئذٍ لا تدخل في القسم المحرّم التقاطه، ونفس سكوت هذه الرواية عن المنع عن التقاطها ثم السماح ببيعها في مقابل مصاريفها شاهد على جواز الالتقاط.
نعم، يمكن الجواب على هذه الرواية: بأنّ احتمال الخصوصية في الجارية بعدم حصول الملكية فيها موجود، فلعلّ هذا يكون من باب سدّ أحد أبواب تملّك الإنسان للإنسان، ومع عدم الملكية لم يحلّ فرجها، ولولا ما صرفه عليها من مال لم يجز أيضاً بيعها كي يكون سدّاً آخر لباب تملّك الإنسان، وإنّما حلّ له بيعها بما أنفق عليها.
(1) المصدر السابق، ج25، ص457، الباب13 من كتاب اللقطة، ح1.
الجمع بین أنماط الروايات
إذاً بقينا نحن والأنماط الأربعة من الروايات التي عرفتها، فهل نستفيد من الجمع بينها التخيير بين مفادها، فمثلاً يتخيّر الملتقط بين الاستفادة من المال كعارية وبين الاستفادة منها حتّى بالأكل والبيع بعنوان حلّ التصرّف وبين الملكية، أو أنّ مفاد بعضها يندكّ في البعض الآخر ويستفاد من مجموعها حكم واحد؟
الطريق الأول
الظاهر أنّنا لو اعتمدنا على النمط الرابع واستفدنا الملكية القهرية فمفاد الأنماط الأُخرى يندكّ في مفاد هذا النمط الرابع، فالنمط الثالث كان يدل على الملكية المردّدة بين كونها قهرية أو بالاختيار، ولكن النمط الرابع أصبح قرينة على أنّ الملكية قهرية، والنمط الأوّل والثاني كانا يدلان على جواز التصرّفات أو بعض التصرّفات، ولكن تبيّن من النمط الرابع أنّ جواز التصرّف كان على أساس حصول الملك، إذاً فتصبح الفتوى طبقاً للنمط الرابع.
الطريق الثاني
أمّا إذا لم نعتمد على النمط الرابع وبقينا نحن والأنماط الثلاثة الأُولى فمفاد النمط الأوّل مندكّ في مفاد النمط الثاني؛ لأنّ مفاد النمط الأوّل هو حلّية التصرّف في غير حدود الإفناء والنقل، ومفاد النمط الثاني هو حلّية التصرّف مطلقاً، والثاني أوسع من الأوّل، فإذا جاز التصرّف في الدائرة الواسعة فقد جاز في الدائرة الضيّقة، ولا معنى للتخيير بينهما، وأمّا الملك فإذا افترضناه ملكاً غير قهري فلا اندكاك لأحد المفادين في الآخر، ويصبح الملتقط بحكم الجمع بين الأنماط الثلاثة _ بعد فرض استفادة الملكية الاختيارية من النمط الثالث _ مخيّراً بين حلّ التصرّف في اللقطة من دون ملك وبين تملّكها، ومع الشكّ في كون المقصود من النمط الثالث هل هو الملكية القهرية أو التملّك
بالاختيار تكون النتيجة نتيجة التخيير، فإنّه لو قصد التملّك حصل الملك على كلا التقديرين، ولو لم يقصد التملّك شككنا في حصول الملك وكان الأصل عدمه.
الطريق الثالث
هذا. ولا يبعد أن يقال: إنّ النمط الثاني راجع إلى النمط الرابع أو الثالث؛ لعدم تفكيك العرف بين جواز كلّ التصرّفات بما فيها الأكل والبيع من دون توقّف على إذن المالك وبين الملك، فإن لم نعتمد على النمط الرابع _ بدعوى أنّ حصول الملكية القهرية في المقام خلاف الارتكاز _ حمل النمط الرابع والثاني والثالث على الملكية الاختيارية، وبهذا يتّحد مفاد النمط الثاني والثالث والرابع، وبالجمع بينها وبين النمط الأوّل نعرف أنّ الملتقط مخيّر بعد التعريف بين الاستفادة من العين كعارية _ بل وحتّى لولا النمط الأوّل لكفی دليل جواز التملّك دليلاً على جواز الانتفاع بالعين كعارية بالأولويّة العرفيّة _ وبين تملّكها.
وإن لم نقبل دعوى مخالفة الملكية القهرية للارتكاز إذاً لابدّ من الإفتاء بالملكية القهرية(1) اعتماداً على النمط الرابع، ويحمل النمط الثاني وكذا الثالث الذي كان مردّداً بين الملك القهري والاختياري على الملكية القهرية، ويحمل النمط الأوّل على أنّ حلّ التصرّف كان على أساس حصول الملكية.
الاستثناء من هذا الحکم
هذا. وأصل الملك أو جواز التصرّف في اللقطة يستثنى منه أمران:
1_ الحيوان أو المملوك أو خصوص الجارية.
2_ لقطة الحرم.
(1) هذا بغض النظر عن جعل ما سيجيء من دليل التصدّق قرينة على عدم الملكية القهرية؛ إذ التخيير بين الملك والتصدّق إنّما يعقل إذا كان الملك اختياريّاً لا قهريّاً، وبقطع النظر عمّا سيجيء من احتمال دعوى كون الأموال مجهولة المالك واللقطة للإمام.
۱_ الحيوان (والمقصود ما جاز التقاطه)
فقد يستثنى عن الملك القهري بما مضى من رواية صفوان الجمّال(1) الدالّة بالمفهوم ولو في الجملة على عدم الضمان مع التعريف، فيقال: إنّ عدم الضمان آية عدم الملك، وإنّ الرواية خاصّة بالحيوان بناءً على حمل كلمة «الضالّة» على الحيوان، إذاً فالملكية القهرية غير ثابتة في الحيوان. نعم، جواز التصرّف حتّى على مستوى الأكل ثابت كما دلّت عليه روايات: «هي لك أو لأخيك أو للذئب»، خصوصاً رواية علي بن جعفر الماضية التي جاء في ذيلها: «فكلها وأنت ضامن»، وأيضاً تدل على جواز أكل الحيوان بعد التعريف رواية جرّاح المدائني عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «الضوالّ لا يأكلها إلا الضالّون إذا لم يعرّفوها»(2)، إلا أنّ سند الرواية ضعيف.
وعلى أيّ حال فخلاصة الكلام: إنّ الملكية القهرية لا تثبت في الحيوان بحكم رواية صفوان، أمّا جواز التصرّف المطلق فهو ثابت، فإن كان هذا مستلزماً عرفاً للملكية الاختيارية ثبتت الملكية الاختيارية. هذا.
ولكن قد عرفت في ما مضى أنّ التفصيل بين الحيوان وغير الحيوان في الملكية القهرية وعدمها غير عرفي، وأنّ رواية صفوان لا تدل على عدم الملكية.
نعم، قد تستثنى الجارية على أساس ما مضى من رواية عدم حلّ فرجها(3)، وهذا استثناء عن الملك سواء القهري أو الاختياري، وقد يتعدّى منها إلى العبد بعدم الفرق عرفاً، فإن استفدنا من روايات الملك الملكية الاختيارية كان بالإمكان القول بأنّنا وإن استفدنا من رواية عدم حلّ فرج الجارية استثناءها من الملك لكن جواز استخدامها كعارية يبقى على حاله ولو بمقتضى إطلاقات النمط الأوّل من الأنماط
(1) وسائل الشيعة، ج25، ص460، الباب14 من كتاب اللقطة، ح۱.
(2) المصدر السابق، ص442، الباب2 من كتاب اللقطة، ح٤.
(3) المصدر السابق، ص443، ح۸.
الأربعة الماضية، وإن استفدنا الملكية القهرية وحملنا كلّ الأنماط على أنّ التصرّف في اللقطة يكون على أساس التصرّف في الملك إذاً فبعد استثناء الجارية عن الملك قد يقال: إنّه لا يبقى دليل على جواز استخدامها.
قد يقال: إنّ النمط الأوّل من الروايات إنّما تندكّ في رواية الملكية القهرية بالنسبة لما لم يستثنَ منها، وأمّا الجارية التي استثنيت منها فالنمط الأوّل يبقى على حاله بالنسبة إليها في الدلالة على جواز الاستخدام.
ولكن الظاهر أنّ هذا الكلام غير عرفي، وأنّ العرف يجعل رواية الملكية القهرية قرينة على كون النمط الأوّل ناظراً إلى جواز التصرّف من حيث صيرورة اللقطة ملكاً، فبعد استثناء الجارية لا تبقى للنمط الأوّل دلالة على جواز استخدامها.
ولكن قد يقال في مقابل ذلك: إنّ نفس رواية استثناء الجارية دلّت على جواز بيعها في مقابل ما أنفق عليها، وهذا يدل بالأولويّة العرفيّة على جواز استخدامها في مقابل الإنفاق عليها، إلا أنّ هذا لا ينتج جواز الاستخدام أكثر ممّا يقابل الإنفاق. هذا.
ويؤيّد ما ذكرناه من الاستخدام في مقابل الإنفاق: ما ورد في اللقيطة المحكومة بالحرّية من الاستخدام لقاء الإنفاق من قبيل ما رواه الشيخ(1) بإسناده عن أحمد ابن محمد عن ابن محبوب عن محمد، ورواه الكليني(2) عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن محمد بن أحمد قال: «سألت أبا عبدالله(علیه السلام)عن اللقيطة، قال: لا تباع ولا تشترى، ولكن استخدمها بما أنفقت عليها». وكلّ من السندين فيه عيب: أمّا عيب سند الشيخ ففي سنده إلى أحمد بن محمد، وأمّا عيب سند الكليني فهو أنّنا لم نعرف محمد بن أحمد الراوي عن أبي عبدالله(علیه السلام)من هو؟ نعم، قيل: إنّ في بعض نسخ الكافي اقتصر على ذكر محمد من دون توصيفه بكونه ابن أحمد،
(1) تهذيب الأحكام، ج7، ص78، باب اللقطة والضالة، ح49.
(2) الكافي، ج5، ص225، باب بيع اللقيط وولد الزنا، ح4.
ويؤيّده ما في التهذيب من ذكر محمد بلا هذا التوصيف، وحينئذٍ لا يبعد انصراف محمد إلى محمد بن مارد الذي له كتاب يرويه عنه ابن محبوب، ويرويه عن ابن محبوب أحمد بن محمد بن عيسى بلا واسطة حسب نقل النجاشي، وإن كان حسب نقل الشيخ يرويه عنه بواسطة ابن أبي عمير، ومحمد بن مارد ثقة.
هذا. وقد يستدلّ على استثناء الحيوان من الملك _ سواء فرض قهرياً أو اختيارياً _ ومن جواز الأكل بحديث وهب عن جعفر عن أبيه(علیه السلام)في حديث قال: «لا يأكل الضالّة إلا الضالّون»(1)، أو: «لا يأكل من الضالّة إلا الضالّون»(2)، بناءً على كون المقصود من الضالّة هو الحيوان، ولكن سند الحديث ضعيف.
ولو بنينا على حجّية الضعاف إذاً لابدّ من تخصيصه بالخبر الضعيف الذي مرّ عن جرّاح المدائني عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «الضوالّ لا يأكلها إلا الضالّون إذا لم يعرّفوها»(3)، كما عرفت أنّ بعض الأخبار الصحاح أيضاً دلّ على جواز الأكل بعد التعريف، كما مضى من رواية علي بن جعفر حيث قال: «...فخذها وعرّفها حيث أصبتها، فإن عرفت فردّها إلى صاحبها، وإن لم تعرف فكلها وأنت ضامن لها...»(4).
۲_ لقطة الحرم
فيستفاد استثناؤها من الملك وحلّ التصرّف من بعض الروايات، من قبيل ما مضى من رواية إبراهيم بن عمر عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «اللقطة لقطتان: لقطة الحرم وتعرّف سنة، فإن وجدت صاحبها وإلا تصدّقت بها، ولقطة غيرها تعرّف سنة فإن جاء صاحبها وإلا فهي كسبيل مالك»(5).
(1) وسائل الشيعة، ج25، ص440، الباب الأول من كتاب اللقطة، ح٥.
(2) المصدر السابق، ص440، ح7.
(3) المصدر السابق، ص442، الباب2 من كتاب اللقطة، ح٤.
(4) المصدر السابق، ص460، الباب13 من كتاب اللقطة، ح۷.
(5) الكافي، ج4، ص238، باب اللقطة الحرم من كتاب الحج، ح1.
ب _ التصدق باللقطة
أمّا التصدّق قد مضى في مستهلّ البحث أنّ حكم اللقطة بعد التعريف هو التملّك أو التصدّق أو الاحتفاظ بها كأمانة أو تسليمها إلى وليّ الأمر.
وأمّا التملّك فقد أشبعنا الكلام فيه، وعرفت أنّ المحتملات فيه ثلاثة: الملكية القهرية، والتملّك الاختياري، ومجرّد الإباحة في التصرّف، وعرفت أنّ مقتضى ظاهر بعض الروايات هو الملكية القهرية، فإن لم يساعد عليها العرف تنزّلنا إلى التملّك الاختياري.
وأمّا التصدّق فإن قلنا في ما مضى بإباحة التصرّف بالمعنى الشامل للتصّرف المُتلف ثبت بذلك جواز التصدّق؛ لأنّه قسم من أقسام التصرّف، ولم يكن التصدّق عدلاً لإباحة التصرّف. وإن قلنا في ما مضى بالتملّك الاختياري فهنا يعقل أن يكون التصدّق عدلاً له.
ويمكن إثبات جواز التصدّق حينئذٍ _ بغضّ النظر عن فرض ورود رواية خاصّة به تشمل لقطة غير الحرم _ بوجهين:
الأوّل: أن يستظهر من روايات التصدّق في لقطة الحرم واللقطة غير القابلة للتعريف جواز التصدّق حتّى في لقطة غير الحرم بعد التعريف، بدعوى أنّ العرف وإن كان يحتمل الخصوصية في لقطة الحرم وفي ما لا يقبل التعريف الموجِبة لوجوب التصدّق، لكنّه يتعدّى في أصل مشروعية التصدّق إلى لقطة غير الحرم بعد التعريف، ويحمل روايات التملّك على أنّها إرفاق بالملتقط في خصوص لقطة غير الحرم بعد التعريف، لا نفي لمشروعية التصدّق.
الثاني: أن يقال _ بغضّ النظر عن روايات التصدّق في لقطة الحرم وما لا يقبل التعريف _ أنّ نفس دليل جواز التملّك يدل بالأولويّة العرفيّة على جواز التصدّق.
وإن قلنا بأنّ المستفاد ممّا مضى هو الملكية القهرية فلا معنى لمشروعية التصدّق
مع فرض الملكية القهرية إلا بمعنى تصدّق الإنسان بما يملكه، وليس هذا هو المقصود قطعاً في التصدّق الذي يقال به في اللقطة، فهنا يجب أن نرى هل يوجد نصّ خاص يدل على مشروعيّة التصدّق في اللقطة غير النصوص الواردة في لقطة الحرم وما لا يقبل التعريف أو لا؟ فإن وجدنا نصاً من هذا القبيل وقع التعارض بينه وبين ما دلّ على الملكية القهرية.
ويمكن الجمع بينهما بوجهين:
أحدهما: حمل رواية التصدّق على استحباب التصدّق بما ملكه بالالتقاط والتعريف.
والثاني: حمل رواية الملك على الملكية الاختيارية. ولعلّ الثاني أوفق بالفهم العرفي.
فلنفحص لنرى هل يوجد نصّ من هذا القبيل أو لا؟
فنقول: إنّ روايات التصدّق على أقسام:
۱_ ما مضى في التصدّق بلقطة الحرم: وقد عرفت أنّ هذا لا يفيدنا في المقام في مقابل رواية الملكية القهرية في لقطة غير الحرم.
۲_ ما مضى في التصدّق بما لا يمكن تعريفه: وقد عرفت أنّ هذا لا يفيدنا في مقابل رواية الملكية القهرية بعد التعريف في ما يمكن تعريفه.
۳_ ما ورد في التصدّق بمال من مات ولم يعرف له وارث، كما ورد عن يونس عن نصر بن حبيب صاحب الخان «قال: كتبت إلى عبد صالح(علیه السلام): لقد وقعت عندي مائتا درهم وأربعة دراهم وأنا صاحب فندق ومات صاحبها ولم أعرف له ورثة، فرأيك في إعلامي حالها وما أصنع بها، فقد ضقت بها ذرعاً؟ فكتب: اعمل فيها وأخرجها صدقة قليلاً قليلاً حتّى يخرج»(1).
وقال الصدوق(رحمه الله) في ذيل الرواية الثانية لهشام بن سالم الماضية: «وقد روى في
(1) وسائل الشيعة، ج26، ص297، الباب6 من أبواب ميراث الخنثى، ح۳.
خبر آخر: إن لم تجد له وارثاً وعرف الله(وجل عز) منك الجهد فتصدّق بها»(1).
وكلتا الروايتين ساقطة سنداً، على أنّ احتمال الخصوصية في موردهما موجود، ولا يمكن التعدّي إلى مورد اللقطة.
نعم، لو حملنا روايات إعطاء مال من مات وليس له أحد لهمشاريجه(2) على التصدّق ففيها ما هو تام سنداً، فعن خلاد السندي بسند تام عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «كان علي(علیه السلام)يقول في الرجل يموت ويترك مالاً وليس له أحد: اعط المال همشاريجه»(3).
ولكن احتمال الخصوصية هنا واضح جدّاً؛ فإنّ مال من لا وارث له للإمام أو لبيت مال المسلمين، وقد أمر الإمام بإعطائه لهمشاريجه، فكيف يمكن التعدّي منه إلى باب اللقطة؟!
على أنّه لو تمّت دلالة هذه الروايات على التصدّق في موردها ممّا ليس فيها تعريف فلا تصلح دليلاً على التصدّق في مقابل رواية الملكية القهرية بعد التعريف.
٤_ ما مضى من رواية إسحاق بن عمّار الآمرة بالتصدّق بالدراهم التي وجدت مدفونة في بعض بيوت مكة(4).
إلا أنّ هذا الحديث وارد في الكنز، وسواء اقتصرنا على مورده من الكنز في الحرم مثلاً أو تعدّينا إلى مطلق الكنز لا يصلح دليلاً على التصدّق في مقابل الملكية القهرية في اللقطة بعد التعريف.
٥_ ما دلّ على التصدّق بعد التعريف ثلاثة أيّام، وهو ما مضى من حديث أبان
(1) من لا يحضره الفقيه، ج4، ص331، باب میراث المفقود من كتاب الفرائض والمواريث، ح5711.
(2) «همشاريج» معرّب «همشهري» والمراد منها: أهل بلده.
(3) وسائل الشيعة، ج25، ص252، الباب4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح۱.
(4) المصدر السابق، ص448، الباب5 من كتاب اللقطة، ح۳.
ابن تغلب في من أصاب ثلاثين ديناراً(1)، وما مضى أيضاً من حديث ابن أبي يعفور الحاكم بتصدّق الشاة الملتقطة بعد تعريفها ثلاثة أيام(2).
ولكن مضى أنّهما ضعيفان سنداً، على أنّهما لا يدل على التصدّق في مقابل الملكية القهرية بعد التعريف سنة.
٦_ ما دلّ على التصدّق بعد التعريف سنة؛ وذلك إمّا بالتقييد في متن الحديث بتعريف سنة أو إنّه غير مقيّد بذلك في متن الحديث ولكنّه يقيّد بروايات وجوب التعريف سنة. وقد وردت بهذا الشكل عدّة روايات:
۱_ ما رواه حسين بن كثير عن أبيه قال: «سأل رجل أمير المؤمنين(علیه السلام)عن اللقطة فقال: يعرّفها، فإن جاء صاحبها دفعها إليه وإلا حبسها حولاً، فإن لم يجئ صاحبها أو من يطلبها تصدّق بها، فإن جاء صاحبها بعد ما تصدّق بها إن شاء اغترمها الذي كانت عنده وكان الأجر له، وإن كره ذلك احتسبها والأجر له»(3).
ولعلّ ظاهر هذا الحديث أنّ التعريف لا يجب بمقدار سنة، بل يعرّفها ثم يحبسها عنده سنة بأمل أن يأتي صاحبها فيأخذها، ويمكن تقييده بروايات وجوب التعريف سنة. وعلى أيّ حال فهذا الحديث أمر بالتصدّق بعد انتهاء الحول، إلا أنّه ضعيف سنداً.
۲_ ما رواه حفص بن غياث قال: «سألت أبا عبدالله(علیه السلام)عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعاً واللصّ مسلم، هل يردّ عليه؟ فقال: لا يردّه، فإن أمكنه أن يردّه على أصحابه فعل، وإلا كان في يده بمنزلة اللقطة
(1) المصدر السابق، ص441، الباب2 من كتاب اللقطة، ح۷.
(2) المصدر السابق، ص459، الباب۱۳ من كتاب اللقطة، ح٦.
(3) المصدر السابق، ص442، الباب2 من كتاب اللقطة، ح۲