426

العرف يستفيد منه عدم جواز نقله إلى الغير من دون خصوصية للبيع بوجه، وعليه فلا مانع من شمول الحديث للصلح.

إلّا أنّ الصلح المبنيّ على السماح والمسامحة لا يأتي فيه الغرر أصلاً، فهو خارج عن الحديث موضوعاً؛ وذلك لأنّ الغرض المعاملي، أي: ما ينشئه المتصالحان إنّما هو التسالم من دون نظر ولا غرض في أنّ هذا يسوي بكذا وكذا، فهو ليس أمراً خطريّاً بل هو بنفسه صالَحَ الآخر لينتقل هذا المال إليه، فلا مانع من التفصيل بين الصلح المسامحي والصلح المبنيّ على الدقّة...(1).

وإن كان المدرك روايتي بيع الآبق(2) فيتعدّى بالفهم العرفي منهما إلى مطلق المعاوضات حتّى الصلح. انتهى ما أردنا نقله عن التنقيح، وليس لدينا تعليق عليه.


(1) وإن كان المدرك حديث: لا تبع ما ليس عندك، فأيضاً يتعدّى العرف إلى الصلح. ومصدر الحديث: وسائل الشيعة، ج18، ص38، الباب2 من أبواب أحكام العقود، ح4؛ وص47، الباب7 من أبواب أحکام العقود، ح2.

(2) المصدر السابق، ج17، ص353، الباب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح1 و2.

427

 

 

 

الشرط الرابع: العلم بمقدار الثمن

أفاد الشيخ الأنصاري رحمه الله: «المعروف أنّه يشترط العلم بالثمن قدراً، فلو باع بحكم أحدهما بطل إجماعاً كما عن المختلف والتذكرة، واتفاقاً كما عن الروضة وحاشية الفقيه للسلطان، وفي السرائر في مسألة البيع بحكم المشتري إبطاله بأنّ كلّ مبيع لم يذكر فيه الثمن فإنّه باطل بلا خلاف بين المسلمين»(1).

أقول _ بعد وضوح أنّ هذه الإجماعات لو تمّت فإنّما هي مدركية أو على الأقلّ محتملة المدركية _ : إنّ المهمّ هو الرجوع إلى الروايات.

أدلّة هذا الشرط

وقد ذكرت روايتان في صالح شرط معلومية مقدار الثمن:

الأُولى: حديث نهي النبي(صل الله عليه وآله) عن بيع الغرر (2).

وقد اتّضح من بحثنا في شرط القدرة على التسليم أنّ هذا الحديث إن تمّ سنداً فأقوى محتملاته النهي عن بيع الخدعة، وهذا كما ترى لا علاقة له بشرط معلومية مقدار


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص206.

(2) وسائل الشيعة، ج17، ص448، الباب40 من أبواب آداب التجارة، ح3.

428

الثمن، فعدم معلومية مقدار الثمن قد تشتمل على الخدعة وقد لا تشتمل عليها.

والثانية: رواية حمّاد عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «يكره أن يشتري الثوب بدينار غير درهم؛ لأنّه لا يدري كم الدينار من الدرهم»(1).

وقد يناقش في الدلالة بأنّ التعبير بالكراهة ليس واضحاً في إرادة الحرمة.

وعلى أيّ حال فسند الحديث ساقط على الأقلّ بنفس حمّاد بن ميسر الذي لا دليل على وثاقته، مع وجود بعض الجوانب الأُخرى في ضعفه السندي.

نعم، هناك حديثان في الباب نفسه غير مشتملين على اسم حمّاد:

أحدهما: رواية وهب عن جعفر عن أبيه عليه السلام «أنّه كره أن يشتري الرجل بدينار إلّا درهماً وإلّا درهمين نسيئة، ولكن يجعل ذلك بدينار إلّا ثلثاً وإلّا ربعاً وإلّا سدساً أو شيئاً يكون جزءاً من الدينار»(2).

وقد صرّح النجاشي بأنّ وهب كان كذّاباً(3)، وصرّح الشيخ بأنّه عامّي المذهب ضعيف(4).

والثاني: رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي(عليه السلام): «في رجل يشتري السلعة بدينار غير درهم إلى أجل؟ قال: فاسد، فلعلّ الدينار يصير بدرهم»(5).

وطبعاً صيرورة الدينار بدرهم شبه أمر غير معقول، فلعلّ هذا مبالغة في احتمال صعود ونزول الدينار والدرهم.

وعلى أيّ حال، فهذه الرواية هي خير تلك الروايات دلالةً وسنداً، فمن حيث


(1) وسائل الشيعة ، ج18، ص80، الباب23 من أبواب أحكام العقود، ح 1.

(2) المصدر السابق، ص81، ح3.

(3) رجال النجاشي،‌ ص430.

(4) الفهرست، ص173.

(5) وسائل الشيعة ، ج18، ص80، الباب23 من أبواب أحكام العقود، ح2

429

الدلالة صرّحت بالفساد لا بالكراهة حتّى يأتي احتمال كون الكراهة أعمّ من الحرمة.

ولكن مع ذلك ليس سندها سليماً؛ لأنّ فيه بنان بن محمد، ولم تثبت وثاقته.

وهناك نكتة في توجيه مفاد الروايات التي لم تفرض ما فُرض في الروايتين الأخيرتين من كون البيع نسيئة. فلو أردنا توجيه مفادها يجب أن نحملها أيضاً على فرض النسيئة أو أن يكون استثناء الدرهم _ على الأقلّ _ مؤجّلاً، وإلّا فلا جهل في مقدار الثمن، فمقدار الثمن هو الدينار إلّا درهماً مثلاً، فكأنّ المقصود أنّه في فرض النسيئة مثلاً يكون مقدار الثمن بلحاظ هذا الاستثناء مجهولاً بسبب تأخّر زمان الأداء؛ لأنّ سعر الدينار والدرهم كان يصعد وينزل.

وهناك رواية أُخرى تدلّ على المقصود من اشتراط معلومية الثمن أو قل: مبطلية كون الثمن بالجزاف وجهالة المقدار، إلّا أنّ منطوقها وارد في المثمن لا في الثمن، ولكن العرف يتعدّى بلا إشكال إلى جانب الثمن؛ لعدم احتمال الفرق في نظر العرف في اشتراط المعلومية وعدمه بين الثمن والمثمن، وهي صحيحة الحلبي أو الصحيحة التي ورد الحلبي في أثناء سندها الصحيح، وهي ما رواه كلّ من الكليني(1) والصدوق(2) بسند تام عن أبي عبدالله(عليه السلام)، ورواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن أبي عمير عن سفيان بن صالح وحمّاد بن عثمان عن الحلبي عن هشام بن سالم وعلي بن النعمان عن ابن مسكان جميعاً عن أبي عبدالله(عليه السلام): «أنّه سئِل عن الجوز لا يستطيع أن يعدّه فيكال بمكيال ثم يعدّ ما فيه ثم يكال ما بقي على حساب ذلك العدد؟ قال: لا بأس به»(3).

وقد أفاد السيّد الخوئي رحمه الله في بحث شرط العلم بمقدار المثمن: «أنّ ظاهرها [هذه


(1) الکافي، ج5، ص193، باب فیه جمل من المعاوضات من کتاب المعيشة،‌ح3.

(2) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص223، باب البیوع من کتاب المعيشة، ح3828.

(3) تهذيب الأحکام،‌ ج7، ص122، الباب9 من کتاب التجارات، ح4.

430

الرواية] أنّ السائل اعتقد عدم جواز البيع من غير علم بمقدار المثمن، والإمام لم يردعه عن هذا الاعتقاد، ولم ينبّهه على أنّ العلم بمقدار المبيع غير لازم، بل قد قرّره على ذلك وأجاب عن المسألة بقوله: «لا بأس به»، فمنه يستفاد أنّ العلم بمقدار المثمن لازم في صحّة المعاملة، وإلّا لردعه الإمام عليه السلام ونبّهه على عدم الاشتراط، وهذا وإن كان وارداً في خصوص المعدود والمثمن ولكنّه يتعدّى منه إلى جميع البيوع والثمن، للقطع بعدم الفرق»(1)، فكما أنّ بيع الجوز جزافاً غير صحيح كذلك شراءه بالثمن الجزاف كشرائه بما في الكيس من المال غير معلوم المقدار مثلاً غير صحيح.

وهناك رواية أُخرى تامّة السند قد يستدلّ بها على عدم اشتراط معلومية مقدار الثمن، وهي صحيحة رفاعة النخّاس قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): ساومت رجلاً بجارية فباعنيها بحكمي فقبضتها منه على ذلك ثم بعثت إليه بألف درهم فقلت: هذه ألف درهم حكمي عليك أن تقبلها، فأبى أن يقبلها منّي وقد كنت مسستها قبل أن أبعث عليه بالثمن؟ فقال: أرى أن تقوّم الجارية قيمة عادلة، فإن كان قيمتها أكثر ممّا بعثت إليه كان عليك أن تردّ عليه ما نقص من القيمة، وإن كان ثمنها أقلّ ممّا بعثت عليه فهو له. قلت: جعلت فداك إن وجدت بها عيباً بعد ما مسستها؟ قال: ليس لك أن تردّها، ولك أن تأخذ قيمة ما بين الصحّة والعيب منه»(2).

ودلالتها على صحّة البيع واضحة مع أنّ الثمن لم يكن معلوم المقدار؛ إذ لم يكن يعرف بماذا سيحكم رفاعة النخّاس.

إلّا أنّ الشيخ الأنصاري رحمه الله ناقش في دلالة الرواية على صحّة البيع وقال رحمه الله: «فلا يتوهّم جواز التمسّك بها لصحّة هذا البيع؛ إذ لو كان صحيحاً لم يكن معنى لوجوب قيمة مثلها بعد تحقّق البيع بثمن خاص»(3).


(1) موسوعة الإمام الخوئي، ج37، ص364.

(2) وسائل الشيعة، ج17، ص364، الباب18 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث الوحيد في الباب.

(3) کتاب المكاسب، ج4، ص208.

431

نعم، أفاد رحمه الله: أنّ ظاهر الرواية ينافي فساد البيع أيضاً، فلابدّ من تأويلها، ولا يمكن الأخذ بها(1).

أقول: لو أمكن توجيه صحيحة رفاعة توجيهاً عرفيّاً بما لا ينافي ما تقدّم من بطلان البيع بثمن جزافي أو قل: بثمن غير معلوم المقدار فبها ونعمت، وإلّا تعيّن طرحها؛ للشهرة العظيمة المتآخمة للإجماع _ التي قلّ مثلها في الفقه _ علی البطلان، أو للإجماع حقيقة.

ولا أُسمّي ذلك بإعراض الأصحاب عن سند الحديث حتّى يقال: لم نعلم كون ذلك إعراضاً عن السند، فلعلّهم وجّهوه بتوجيه دلاليّ أو أشكلوا فيه بمثل إشكال الشيخ الأنصاري، بل أقول: إنّ شهرة عظيمة من هذا النمط _ رغم أنّ هذا الحديث كان بمرأى ومسمع من الأصحاب؛ إذ رواه مشايخنا الثلاثة في التهذيب والكافي والفقيه بأسانيدهم الصحيحة، فلم يكن مخفيّاً عليهم، ومع ذلك لم يفتوا به _ توجب الريب عندنا في هذا الحديث وسلب الوثوق عنه إلى حدّ يسقطه عن الاعتبار، فإن شئت فسمّ هذا بإعراض الأصحاب عنه، وإن شئت لم تسمّه بذلك.

والخلاصة: أنّ قيام قرينة قوية ضدّ خبر واحد يسقطه عن الحجّية على ما نقّحناه في علم الأُصول.

وللسيّد الخوئي رحمه الله تفسير غريب لحديث رفاعة النخّاس، فقد قال في التنقيح: «الصحيح أن يقال: إنّ الرواية لا تحتاج إلى التأويل، وإنّها ناظرة إلى ما هو المتعارف بين أهل السوق سيّما الحمّالين، حيث إنّ الحمّال يأخذ الحمل ليوصله إلى محلّه فتسأله عن أُجرته وأنّها أيّ مقدار فيقول: کيفك وأيّ مقدار تريده، والقرائن الحالية قائمة على أنّه لا يريد الأقلّ من القيمة السوقية، وإنّما يخيّره بين دفع أُجرة المثل والزيادة، وهو بهذا اللفظ يجعل الأُجرة أو الثمن كلّياً يتحقّق بكلّ واحد من الزيادة والقيمة السوقية، وقد ذكرنا في الصحيح والأعمّ: أنّ بعض الألفاظ يوضع للكلّي


(1) المصدر السابق.

432

الجامع بين القليل والكثير ومثّلنا له بالكلمة؛ لأنّها وضعت لما يشتمل على حرفين فصاعداً، وعلیه فيكون (الأخ) كلمة و(أحمد) أيضاً كلمة، لا أنّ الأُولى أنقص والثانية أزيد أو كلمة مع الزيادة، بل كلّها كلمة بلا زيادة ولا نقيصة، وكذا لفظ (الدار) فإنّها وضعت لساحة مشتملة على أربعة حيطان مع الغرفة، فإنّها إذا اشتملت على سرداب وغرفتين أيضاً دارٌ، لا أنّها دار وزيادة.

وكيف كان فلا مانع من أن يجعل الثمن أمراً كلّيّاً وجامعاً بين الزائد وثمن المثل، فإذا كان ما دفعه موافقاً للقيمة المتعارفة فقد أدّى الثمن، وإذا كان أكثر منها فقد دفعه أيضاً، وليس له أخذ الزيادة؛ لأنّه بدفعه الزائد أوجد الكلّي بذلك الفرد، كما أنّه إذا كان أنقص يجب عليه أن يتمّ نقصه؛ لقيام القرائن على عدم توكيله في دفع الناقص عن ثمن المثل... وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في صحّة الرواية وأنّه لا مانع من جهالة مقدار الثمن؛ إذ لا غرر فيها فيما إذا باعه بالقيمة السوقية، وهي معروفة بين أهل السوق...»(1).

أقول: أمّا قول الحمّال حينما يأخذ الحمل ليوصله إلى محلّه وتعيينه الأُجرة بقوله: «أيّ مقدار تريده» مع دلالة القرائن الحالية على أنّه لا يريد الأقلّ من القيمة السوقية فهو في مفهومه العرفي تأجير لنفسه بالقيمة السوقية مع توقّعه الزيادة التفضّلية عليه من قبل المستأجر، لا أنّه تأجير لنفسه بالكلّي الجامع بين قيمة المثل والأكثر من قيمة المثل.

وأمّا حديث أنّ الدار اسم للمكان الواقع بين الجدران الأربعة مع الغرفة وأنّه إذا اشتمل على سرداب وغرف أُخر لم يصبح داراً وزيادة بل هي أيضاً دار، وكذلك الكلمة فلو اشتملت على أكثر من حرفين لم تصبح كلمة وزيادة بل هي أيضاً كلمة، فهذا لا يخرج تعامل رفاعة النخّاس وصاحب الجارية عن كونه تعاملاً بثمن جزاف تماماً من قبيل التعامل بين متاع وثمن موجود في الكيس الفلاني مع جهالة مقدار ما في الكيس.


(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص362 _ 363.

433

ولا أدري ما الذي ألهى السيّد الخوئي رحمه الله عن واقع المطلب بالتسمية التي نقّح هو(قدس سره) في بحث الصحيح والأعمّ إمكانية كونها اسماً للأعمّ الجامع بين الزائد والناقص.

فرع:

ولا يفوتني أن أُشير في نهاية البحث إلى فرع، وهو أنّه لو باع أحد لفّة من القماش مثلاً بسعر المقابلة بين كلّ ذراع بدرهم مثلاً في حين أنّهما لا يعرفان أنّ هذه اللّفة هل هي مشتملة على خمسين ذراعاً مثلاً أو على ستّين ولكنّهما اعتمدا على أنّهما سيذرعان اللّفة فيتعيّن الذراع ومقدار الثمن، فهل هذا البيع يعتبر باطلاً؛ لأنّه في حين البيع لم يكن مقدار المبيع ولا مقدار الثمن مشخّصاً؟ وكذلك لو باع أحد أرضاً تردّد أمرها بين خمسين كيلومتراً أو ستّين بسِعر المقابلة بين كلّ كيلومتر ودينار معتمدين على أنّهما سیُمتران الأرض ويتحدّد مقدار المبيع ومقدار الثمن، فهل هذا البيع يعتبر باطلاً؛ لأنّه وقع في حين لم يكن مقدار المبيع ولا مقدار الثمن محدّداً؟... وكذلك أمثلة أُخرى من هذا النمط؟

والجواب: أنّ دليل البطلان لم يكن له إطلاق لغير فرض الجزاف في المبيع أو في الثمن، وهذه المقابلة بين عدد الأمتار أو الأذرع وعدد الدراهم أو الدنانير قد أنهت الجزاف، فهذا ليس من قبيل بيع متاع بمال موجود في هذا الكيس غير محدّد المقدار، ولا دليل على بطلانه، فتشمله إطلاقات الصحّة.

435

الشرط الخامس: معلومية المثمن

قد جُعل من شروط العوضين: العلم بقدر المثمن.

وقد أفاد الشيخ الأنصاري رحمه الله: «العلم بقدر المثمن كالثمن شرط بإجماع علمائنا كما عن التذكرة، وعن الغنية: العقد على المجهول باطل بلا خلاف، وعن الخلاف ما يباع كيلاً فلا يصحّ بيعه جزافاً وإن شوهد إجماعاً، وفي السرائر ما يباع وزناً فلا يباع كيلاً بلا خلاف.

والأصل في ذلك ما تقدّم من النبوي المشهور، وفي خصوص الكيل والوزن خصوص الأخبار المعتبرة...»(1).

أقول: إنّ روايات الكيل والوزن قد يورد عليها باختصاصها بالمكيل والموزون.

ولكن هناك رواية غير مختصّة بالمكيل والموزون، وهي ما مضى منّا ذكرها في المسألة السابقة من صحيحة الحلبي أو صحيحة هشام بن سالم وابن مسكان عن أبي عبدالله(عليه السلام): «أنّه سئل عن الجوز لا نستطيع أن نعدّه فيكال بمكيال ثم يعدّ ما فيه ثم يكال ما بقي على حساب ذلك العدد؟ قال: لا بأس به»(2).


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص210.

(2) وسائل الشيعة، ج17، ص348، الباب7 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث الوحيد في الباب.

436

والسيّد الخوئي رحمه الله استفاد من هذا الحديث شرط معلومية مقدار المثمن، وتعدّى من ذلك إلى جانب الثمن(1). وهذا ينافي ما جزم به في المسألة السابقة حيث قال: «لا مانع من جهالة مقدار الثمن»(2).

أمّا شرط معلومية الكيل والوزن في المكيل والموزون فلا إشكال فيه للنصوص من قبيل:

1_ صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام أنّه قال: «في رجل اشترى طعاماً عدلاً(3) بكيل معلوم، وأنّ صاحبه قال للمشتري: ابتع منّي هذا العدل الآخر بغير كيل فإنّ فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعت، قال: لا يصلح إلّا بكيل، وقال: وما كان من طعام سمّيت كيلاً فإنّه لا يصلح مجازفة، هذا ممّا يكره من بيع الطعام»(4).

وقوله: «ابتع منّي هذا العدل الآخر بغير كيل» ظاهر في أنّ البائع لم يكن قد كال العدلين، وإنّما قال: «فإنّ فيه مثل ما في الآخر» إنّما يعني حدسه بأنّ العدلين متساويان، فهذا الحديث لا تنافيه روايات جواز اعتماد المشتري على كيل البائع كعدد من روايات الباب من عقد البيع وشروطه من الوسائل(5).

2_ صحيحة الحلبي أيضاً عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «ما كان من طعام سمّيت فيه كيلاً فلا يصلح بيعه مجازفة، وهذا ممّا يكره من بيع الطعام»(6).

3_ صحيحة الحلبي أيضاً قال: «قال أبو عبدالله(عليه السلام): ما كان من طعام سمّيت


(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص364.

(2) المصدر السابق، ص363.

(3) العِدْل: أحد جانبي الخرج. انظر: الصحاح،‌ ج5، ص2075.

العِدلان: حملا الدابّة، سمّيا بذلك لتساويهما. معجم مقاييس اللغة، ج4، ص246.

(4) وسائل الشيعة، ج17، ص342، الباب4 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح2.

(5) المصدر السابق، ص344 _ 346، الباب5 من أبواب عقد البيع وشروطه

(6) المصدر السابق، ص341، الباب4 من أبواب عقد البيع وشروطه ، ح1.

437

فيه كيلاً فلا يصلح مجازفة»(1).

ويحتمل اتّحاد الصحيحتين الأخيرتين.

4_ نفس ما أشرنا إليه من روايات جواز الاعتماد على كيل البائع، فإنّها تدلّ على اشتراط الكيل، ولكنّها أجازت الاكتفاء بكيل البائع والاعتماد عليه(2).

ثم إنّني لا أفهم نكتة في الفرق بين ما مضى من صحيحة الحلبي(3) الدالّة على اشتراط العدّ في الجوز أو ما يحلّ محلّه من الكيل بمكيال وعدّ ما فيه ثم كيل الباقي بنفس المكيال على حساب ذلك العدد وبين روايات الكيل والوزن، فلو كان المفهوم من رواية عدّ المعدود شرط معلومية العوض والمعوّض بالطريقة المعهودة لدى العرف من دون فرق بين المعدود وغير المعدود فليكن الأمر في روايات الكيل والوزن أيضاً كذلك.

فما أورده السيّد الخوئي رحمه الله في التنقيح على الاستدلال بروايات الكيل والوزن من «أنّ الكلام في مطلق البيع لا في خصوص بيع المكيل والموزون»(4) ليس في محلّه.

وقد نقض رحمه الله هذا الكلام بعد عدّة صفحات من الكتاب في بيان شرط الذرع في المذروع حيث قال: «وأمّا المذروع فلم ترد فيه رواية، ولم يُمنع عن بيعه جزافاً، اللهمّ إلّا أن يستفاد من الأخبار الواردة في المكيل والموزون والمعدود أنّ نظر الشارع من اعتبار الكيل وأخواته إلى حفظ النظام وعدم اختلال الأوضاع، وعليه فلابدّ من اعتبار الذرع في المذروع لأجل ما ذكر أو الكيل أو الوزن الموصل إلى الذرع ولا يجوز بيعه جزافاً، واستفادة هذه من الرواية ممّا يوافق الإنصاف»(5) فقوله: «واستفادة هذه


(1) المصدر السابق، ص342، ح3.

(2) راجع المصدر السابق، ص344 _ 346، عدداً من روايات الباب5 من أبواب عقد البيع وشروطه.

(3) المصدر السابق، ص348، الباب7 من أبواب عقد البيع وشروطه.

(4) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص363.

(5) المصدر السابق، ص371

438

من الرواية ممّا يوافق الإنصاف» يناقض الكلام السابق، إلّا إذا حملنا هذه العبارة على كون عمدة نظره إلى رواية عدّ الجوز.

وأيضاً أقول هنا بما قلته فيما سبق في مسألة بيع طاقة من القماش بسِعر المقابلة بين كلّ ذراع ودرهم مع تأخير ذرع القماش فأقول هنا أيضاً: إنّه يكفي في الوفاء بشرط الكيل والوزن أن يتبايعا حِملاً مثلاً بالتوافق على أنّ كلّ كيل يقابل بدرهم معتمدَينِ على أنّهما سيكيلانه بعد أيّام، ولا نحكم ببطلان هذا البيع فعلاً لعدم تمامية الكيل، ولا نفهم بفهمنا العرفي من شرط الكيل عدا شرط عدم المجازفة في الكيل.

فروع ثلاثة:

ثم إنّ الشيخ الأنصاري رحمه الله وكذلك السيّد الخوئي(قدس سره) طرحا في المقام فروعاً ثلاثة:

الأوّل: لو باع مقداراً من الطعام بما يقابله في الميزان من غير اختلاف بينهما في القيمة واكتفيا بهذا التساوي في الكيل الواقعي والقيمة فهل يصحّ ذلك أو يبطل لعدم إجراء الكيل أو الوزن.

والثاني: لو تبايعا على مقدار من المكيل والموزون من دون كيل أو وزن اعتماداً على حدسهما القوي جدّاً بمجرّد المشاهدة بحيث أنّهما لا يخطئان إلّا خطأً قليلاً يتسامح فيه عرفاً، فهل يصحّ ذلك أو يبطل بحجّة أنّه لم يتمّ الكيل أو الوزن؟

والثالث: لو كان مقدار المبيع من المكيل والموزون قليلاً جدّاً بحيث لا يهتمّ عرفاً بكيله أو وزنه لقلّته، كما لو دفع فلساً وأراد به دهناً لحاجة أو باع حبّتين أو ثلاثة من الحنطة، أو كان مقدار المبيع كثيراً جدّاً بحيث لم يتعارف وزن الميزان لمثله، كما لو أراد بيع زبرة الحديد الكبيرة ممّا كان يتعارف في مثله التراضي والتخمين لا الوزن فهل يصحّ هذا البيع أو يبطل لعدم الوزن؟(1)


(1) راجع کتاب المكاسب، ج4، ص214 _ 215؛ موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص366 _ 370.

439

أقول: إنّه في زماننا هذا وإن كان الوزن قد اتّسعت دائرته بحيث لا صعوبة في وزن زبر الحديد مهما كانت كبيرة، ولكن مع ذلك توجد زبر الحديد التي تستعمل في الأبنية والسقوف ممّا لا يتقيّد فيها بالوزن، ويتعارف فيها البيع بالعدّ.

وعلى كلّ حال فنحن نكتفي هنا بذكر قسم من كلام السيّد الخوئي رحمه الله في التنقيح. ومن أراد تفاصيل كلام العلمين في المقام فليراجع الكتابين اللذين أشرنا إليهما.

وما أردنا نقله من كلام السيّد الخوئي رحمه الله ما يلي:

إنّ الفرع الأوّل لابدّ من أن يحكم فيه بالبطلان، وذلك بسبب ترك الكيل والوزن فيما يشترط فيه الكيل والوزن.

وأمّا الفرع الثاني فالحكم فيه هو الصحّة؛ وذلك للعلم بمقدار الكيل أو الوزن ولو بالحدس القوي الصائب، ولم يكن المقصود بالكيل والوزن إلّا أن يكونا طريقين لمعرفة الكيل والوزن.

وأمّا الفرع الثالث فهو أيضاً محكوم بالصحّة؛ لأنّ المبيع خرج بقلّته أو كثرته عن كونه مكيلاً أو موزوناً، فخرج عن موضوع الحكم باشتراط الكيل والوزن(1).

أقول: أمّا الفرع الأوّل: وهو ما لو باع مقداراً من الطعام بما يقابله في الميزان من غير اختلاف بينهما في القيمة واكتفيا بهذا التساوي في الكيل والوزن والقيمة فهل يصحّ ذلك أو يبطل؟ فما ذكره السيّد الخوئي رحمه الله من الحكم فيه بالبطلان تام سواء بنينا على أنّ شرط الكيل والوزن في المكيل والموزون حكم مستقلّ لا علاقة له ببطلان بيع الجزاف في كلّ شيء، أو قلنا: إنّ نفس أدلّة شرط الكيل والوزن في المكيل والموزون دليل على بطلان بيع الجزاف في كلّ شيء وأنّه يجب أن يقدّر كلّ مبيع بتقديره العرفي في فهم الكمّية، فإنّه على أيّ حال قد فقد في المقام الكيل والوزن ولزم الجزاف.


(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص368 _ 369.

440

وأمّا الفرع الثاني: وهو ما لو عيّنّا مقدار الكيل أو الوزن بالحدس القوي الصائب بمجرّد المشاهدة فما حكم به السيّد الخوئي رحمه الله في ذلك من الحكم بصحّة البيع واضح لا غبار عليه حتّى ولو فرضنا أنّ الأمر بالكيل والوزن ليس هو دليلنا على بطلان بيع الجزاف مطلقاً، وإنّما هو دليل على شرط الكيل والوزن في خصوص المكيل والموزون؛ وذلك لوضوح ما أفاده رحمه الله من أنّ الكيل أو الوزن كان طريقاً إلى معرفة الكيل أو الوزن وقد عرف ذلك بالمشاهدة بالحدس الصائب.

وأمّا الفرع الثالث: وهو ما لو كانت قلّة المبيع أو كثرته إلى حدّ أخرجته من كونه مكيلاً أو موزوناً فمن الواضح أيضاً صحّة ما أفاده السيّد الخوئي رحمه الله من الحكم بصحّة البيع سواء فهمنا من روايات شرط الكيل والوزن شرط عدم الجزاف في المقدار في كلّ بيع، أو جعلنا الأمر بالكيل والوزن أمراً مستقلّاً بالكيل والوزن؛ إذ على الأوّل يرتفع الجزاف في المقام بطريقة أُخرى غير الكيل والوزن. وعلى الثاني ليس المورد داخلاً في المكيل والموزون حتّى يشمله الأمر بالكيل والوزن.

وممّا يشهد لكون الموزون لو خرج عن كونه موزوناً تغيّر حكم وجوب معرفة وزنه إلى كفاية تقديره بتقدير عرفي آخر متناسب له أنّ الذهب والفضّة لا إشكال في أنّهما في أصلهما من الموزونات مع أنّه من مسلّمات الفقه نصّاً وفتوى أنّ الدينار والدرهم كان يتعامل معهما في زمن النصوص معاملة المعدود.

هذا، ولا ينبغي الإشكال في أنّ المقياس في التقدير بالكيل أو الوزن أو العدّ أو ما شابه ذلك يتبع في كلّ زمان أو مكان ذلك الزمان وذلك المكان.

وكذلك لا ينبغي الإشكال في أنّه يكفي في تقدير مقدار المبيع المشاهدة حينما تكون العادة العرفية قائمة على ذلك، كما هو الحال عندنا في بيع البيوت وشرائها، فإنّه لا يرون ضرورة تقدير مساحة البيت مثلاً بالأمتار.

441

هل يجوز بيع المكيل بالوزن وبالعكس؟

لو فرضنا أنّ أحدهما أصبح طريقاً إلى فهم الآخر كما إذا كيل مقدار ممّا يكال بكيل وجُرّب مقدار ذلك بالوزن وقيس عليه الباقي بنفس الوزن بنحو لا يختلف إلّا بالمقدار القليل الذي يغتفر عرفاً ويتّفق حتّى في نفس الكيل فلا إشكال في ذلك يقيناً.

أمّا لو لم يكن الأمر كذلك وأُبدل المكيل بالتقدير بالوزن أصالةً أو بالعكس:

فهل يبطل البيع فيهما للرجوع إلى المجازفة وعدم معلومية المقدار؟

أو يصحّ فيهما بدعوى أنّ كلّاً من الكيل والوزن كافٍ في الخروج من المجازفة، وروايات شرط الكيل والوزن أكثرها وردت بلسان شرط الكيل، ولم ترد فيها رواية بلسان شرط الوزن إلّا رواية واحدة؟(1)

أو يصحّ تبديل الكيل بالوزن، ولا يصحّ العكس؟

اختار الشيخ الأنصاري رحمه الله الثالث مستدلّاً بأنّ بيع المكيل بالوزن ليس مجازفة؛ لأنّ الوزن أضبط من الكيل وأنّ الوزن هو الأصل للكيل وأنّ العدول إلى الكيل من باب الرخصة، أمّا ما تعارف عليه الوزن فلو أرجِع فيه إلى الكيل لزمت المجازفة يقيناً(2).

وأورد عليه السيّد الخوئي رحمه الله بأنّه وإن صحّ ما أفاده الشيخ رحمه الله من أنّ الأصل في التقدير هو الوزن، فإنّ هذا لا يمكن إنكاره؛ وذلك لاختلاف المكائيل في البلاد، وعدم رجوعها إلى شيء آخر غير الوزن بالأخرة، فالوزن هو الأصل؛ لرجوع الأوزان على اختلافها إلى شيء واحد وهو المثقال الذي هو أربعة وعشرون حمّصة، إلّا أنّ ذلك لا يوجب جواز بيع المكيل بالوزن؛ لأنّه حينما يكون عُرفٌ مّا متعوّداً على الكيل دون الوزن لم يكف الوزن في ذلك العرف للخروج عن الجزاف(3).


(1) وهي موثّقة سماعة: «سألته عن شراء الطعام وما يكال ويوزن هل يصلح شراؤه بغير كيل ولا وزن؟ فقال: أمّا أن تأتي رجلاً في طعام قد كيل ووزن تشتري منه مرابحة فلا بأس إن اشتريته منه ولم تكله ولم تزنه إذا كان المشتري الأوّل قد أخذه بكيل أو وزن وقلت له عند البيع: إنّي أُربحك كذا وكذا وقد رضيت بكيلك ووزنك فلا بأس». وسائل الشيعة، ج17، ص346، الباب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح7.

(2) کتاب المكاسب، ج4، ص222 _ 224.

(3) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص373.

442

بیع الموزون بعنوان معلوم عند أحد المتبايعين دون الآخر

ثم إنّ الشيخ الأنصاري رحمه الله ذكر في المقام: «أنّه لو وقعت معاملة الموزون بعنوان معلوم عند أحد المتبايعين دون الآخر كالحقّة والرطل والوزنة باصطلاح أهل العراق الذي لا يعرفه غيرهم خصوصاً الأعاجم غير جائز؛ لأنّ مجرّد ذكر أحد هذه العنوانات عليه وجعله في الميزان ووضع صخرة مجهولة المقدار معلومة الاسم في مقابله لا يوجب للجاهل معرفة زائدة على ما يحصل بالمشاهدة»(1).

وأورد عليه السيّد الخوئي رحمه الله بأنّه لو قُرّر اشتراط العلم بتفاصيل المقادير لزم بطلان أكثر المعاملات أو جميعها، فنفس العراقيّين مثلاً لا يعرفون في الأعمّ الأغلب كم نسبة الحقّة أو الأوقية إلى المثقال وكم نسبة المثقال إلى الحمّصة، فلزم بطلان معاملتهم في الموزون فيما بينهم إطلاقاً، وإن قلنا بكفاية العلم بالمقادير في الجملة الحاصل بمعرفة وجود وزن تعوّد عليه العراقيّون اسمه الحقّة منضمّاً إلى مشاهدتهم بالعين الزبرة الموجودة في الميزان بهذا الاسم، فهذا ثابت حتّى للأعجمي الذي يدخل العراق ويشتري منهم بميزانهم الذي يسمّونه بالحقّة ويرى مقداره بالمشاهدة(2).

دور الزمان والمکان في ربوية المعاملة

ثم إنّه مضى منّا أنّ مقتضى القاعدة كفاية كلّ كيل أو وزن أو عدّ أو أيّ تقدير عرفي آخر للمقدار في كلّ زمان أو مكان بحسب العادة الرائجة في ذاك الزمان أو المكان.

وهنا أُريد أن أقول: إنّه هكذا الحال في حكم الربا المعاملي الذي يكون موضوعه المكيل والموزون، ففي هذا الحكم أيضاً نقول: إنّ المقياس قد يختلف من زمان إلى زمان أو من مكان إلى مكان، فنحكم على شكل القضايا الحقيقية المتعارفة في الفقه والروايات بأنّه متى ما صدق في زمان أو مكان على المتاع كونه مكيلاً أو موزوناً حرم


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص224.

(2) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص375 _ 376.

443

فيه الربا المعاملي، ومتى ما لم يصدق ذلك لم يحرم فيه الربا المعاملي.

إلّا أنّ هناك نقطة فرق بين شرط الكيل أو الوزن في حرمة الربا المعاملي وشرط الکيل أو الوزن في صحّة بيع المبيع ينبغي إلفات النظر إليها، وهي أنّ الهيئة قد يكون لها الأثر في موضوع شرط الكيل والوزن بما هو شرط في صحّة البيع في المكيل والموزون، فمثلاً: الدينار والدرهم المتعارفان في عصر النصوص رغم أنّهما في مادّتهما موزونان ولكنّهما بهيئة الدينار والدرهم وسكّة السلطان يصبحان من المعدودات ولا يشترط في التعامل معهما الكيل والوزن، ولكن المقياس في موضوع حرمة الربا المعاملي إنّما هي مادّة الشيء مهما تغيّرت هيئتها؛ وذلك بدليل صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبدالله عليه السلام «...يا عمر قد أحلّ الله البيع وحرّم الربا، فاربح ولا تربه. قلت: وما الربا؟ قال: دراهم بدراهم مثلان بمثل»(1).

فأنت ترى أنّه عليه السلام حكم في الدراهم بدخول الربا المعاملي فيها مع أنّ الدراهم تعتبر بحسب ما عليه سكّة السلطان من المعدودات. والظاهر أنّ السبب في ذلك أنّ الدراهم في مادّتها وهي الفضّة تعتبر من الموزون، فلم تشفع هيئتها التي جعلتها من المعدود لجواز الربا فيها، في حين أنّ مقتضى إطلاقات شرط الكيل والوزن أو عدم الجزاف في صحّة البيع دخل مجموع المادّة والهيئة في الأمر.

جواز تصديق البائع في إخباره بالكيل والوزن

وقد نطقت بذلك الروايات من قبيل:

1_ معتبرة سماعة قال: «سألته عن شراء الطعام وما يكال ويوزن، هل يصلح شراؤه بغير كيل ولا وزن؟ فقال: أمّا أن تأتي رجلاً في طعام قد كيل ووزن تشتري منه مرابحة فلا بأس إن اشتريته منه ولم تكله ولم تزنه إذا كان المشتري الأوّل قد أخذه بكيل أو وزن


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص447، الباب40 من أبواب آداب التجارة، ح1.

444

وقلت له عند البيع: إنّي أُربحك كذا وكذا وقد رضيت بكيلك ووزنك، فلا بأس»(1).

2_ صحيحة محمد بن حمران قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): اشترينا طعاماً فزعم صاحبه أنّه كاله فصدّقناه وأخذناه بكيله، فقال: لا بأس. فقلت: أيجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ قال: لا، أمّا أنت فلا تبعه حتّى تكيله»(2).

3_ رواية أبي العطارد قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): أشتري الطعام فأضع في أوّله وأربح في آخره فأسأل صاحبي أن يحطّ عنّي في كلّ كرّ كذا وكذا؟ قال: هذا لا خير فيه، ولكن يحطّ عنك حمله. قلت: إن حطّ عنّي أكثر ممّا وضعت؟ قال: لا بأس به. قلت: فأُخرج الكرّ والكرّين، فيقول الرجل: أعطنيه بكيلك. قال: إذا ائتمنك فلا بأس»(3).

وصدر الحديث لا يخلو من غموض، وفسّره المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، بجواز الاستحطاط من السعر بعد تمامية البيع لدى فرض وضع سعر خاسر للمشتري. وقال: المشهور كراهة الاستحطاط بعد تمامية البيع مطلقاً(4).

وعلى أيّ حال فمحلّ الشاهد في بحثنا إنّما هو ذيل الحديث، وهو واضح في المقصود.

إلّا أنّ عيب السند لهذا الحديث أنّه لا دليل على وثاقة أبي العطارد.

4_ مرسلة ابن بكير عن رجل من أصحابنا قال: «سألت أبا عبدالله عليه السلام عن


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص346، الباب5 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح7.

(2) المصدر السابق، ص345، ح4، والسند ما يلي: الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن أبان عن محمد بن حمران، والمقصود بأبان: أبان بن عثمان الذي جعله الكشّي من الذين أجمعت العصابة على ما يصحّ منهم وتصديقهم لما يقولون وأقرّوا لهم بالفقه(رجال الکشي، ص375). وكلام الكشّي هذا كافٍ في توثيقه. ونزيد عليه أنّه قد روى عنه كلّ الثلاثة الذين شهد الشيخ بشأنهم أنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة. والشاهد على كونه هو المقصود في هذا السند هو رواية فضالة عنه.

(3) وسائل الشيعة، ج17، ص345، الباب5 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح6.

(4) مرآة العقول، ج19، ص181 _ 182.

445

الرجل يشتري الجصّ فيكيل بعضه يأخذ البقية بغير كيل؟ فقال: إمّا أن يأخذ كلّه بتصديقه، وإمّا أن يكيل كلّه»(1).

ولا تعارَض هذه الروايات بصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام أنّه قال: «في رجل اشترى من رجل طعاماً عِدلاً بكيل معلوم وأنّ صاحبه قال للمشتري: ابتع منّي هذا العدل الآخر بغير كيل فإنّ فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعت. قال: لا يصلح إلّا بكيل، وقال: وما كان من طعام سمّيت فيه كيلاً فإنّه لا يصلح مجازفةً، هذا ممّا يكره من بيع الطعام»(2) فإنّ ظاهر قوله: «ابتع منّي هذا العدل الآخر بغير كيل» إنّه لم يكن قد كال البائع العدل الآخر، وإنّما كان يحدس حدساً كونه مساوياً للعدل الأوّل، وحجّية نظر البائع وحدسه تحتاج إلى دليل، وهو مفقود في المقام، كما أفاده السيّد الخوئي رحمه الله في التنقيح(3).

ويؤيّد ذلك ذيل الحديث، وهو قوله: «وما كان من طعام سمّيت فيه كيلاً فإنّه لا يصلح مجازفة، هذا ممّا يكره من بيع الطعام»، فهذا المقطع إن كان جزءاً من نفس الرواية فتأييده للمقصود بل دلالته على المقصود _ أعني: أنّ رأي البائع إنّما كان عن حدس ومجازفة _ واضح لا غبار عليه، وإن كان من باب التجميع بين روايتين من قِبل الراوي فأيضاً لا يخلو عن تأييد.

موضوعية إخبار البائع أو طريقيته

بقي في المقام أن نرى أنّ جواز تصديق البائع في إخباره بالكيل والوزن هل يعني مجرّد موضوعية إخبار البائع بالكيل والوزن ولو عرفناه فاسقاً مشتهراً بالكذب في أقواله وأخباره ولا توجد أيّة كاشفية لكلامه عن الواقع أو إنّ المسألة تنظر إلى طريقية دعواه للكيل أو الوزن إلى ثبوت الكيل والوزن؟ وعلى الثاني هل يجب أن تكون


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص344، الباب5 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح3.

(2) المصدر السابق، ص342، الباب4 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح2.

(3) راجع موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص366 و381.

446

كاشفية دعواه للكيل والوزن على مستوى كونه ثقة في كلامه، أو على مستوى حصول الاطمئنان من كلامه بالواقع، أو يكفي مجرّد الكاشفية الناقصة التي تحصل عادة من كلام من لم يكن كذّاباً أو مشتهراً بالكذب؟

لا إشكال في أنّ حمل الروايات الماضية على مجرّد موضوعية دعوى البائع أنّه قد كال ليس عرفيّاً، مضافاً إلى أنّ ما مضت الإشارة إليه في مستهلّ البحث عن شرط معلومية الكيل والوزن في المكيل والموزون من روايات ذلك تأبى عن التخصيص بحمل إخبار البائع على مجرّد الموضوعية.

نعم، يبقى الكلام على أنّ مجرّد الكاشفية المتعارفة لكلام البائع الاعتيادي هل هو كافٍ في صحّة الشراء منه، أو لابدّ من وثاقته أو من حصول الاطمئنان من كلامه؟ وقد اختار السيّد الخوئي رحمه الله الثاني(1).

والواقع أنّنا في فهم ذلك يجب أن نرجع إلى نفس روايات جواز الاكتفاء بإخبار البائع فنقول:

أمّا معتبرة سماعة: _ «سألته عن شراء الطعام وما يكال ويوزن هل يصلح شراؤه بغير كيل ولا وزن؟ فقال: أمّا أن تأتي رجلاً في طعام قد كيل أو وزن تشتري منه مرابحة فلا بأس إن اشتريته منه ولم تكله ولم تزنه إذا كان المشتري الأوّل قد أخذه بكيل أو وزن وقلت له عند البيع: إنّي أُربحك كذا وكذا وقد رضيت بكيلك ووزنك، فلا بأس»(2) _ فظاهرها إنّ دائرة الحكم بالصحّة فيها خاصّة بفرض إحراز أصل الكيل والوزن من قِبل البائع والاكتفاء في معرفة عدم الخطأ في كيله ووزنه بمجرّد احتمال عدم الخطأ، فيقول له: أشتري منك مرابحة وأرضى بكيلك ووزنك.

وأمّا صحيحة محمد بن حمران _: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): اشترينا طعاماً فزعم


(1) راجع موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص381.

(2) وسائل الشيعة، ج17، ص346، الباب5 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح7.

447

صاحبه أنّه كاله فصدّقناه وأخذناه بكيله، فقال: لا بأس. فقلت: أيجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ قال: لا، أمّا أنت فلا تبعه حتّى تكيله»(1) _ فظاهرها كفاية مجرّد كاشفية احتمال الصدق الموجود في خبر الإنسان الاعتيادي.

ولو بقينا نحن وهاتين الروايتين لأخذنا بمفاد الرواية الثانية؛ لأنّ ضيق دائرة دلالة الأُولى ليس مقيّداً لسعة دائرة دلالة الثانية، فتبقى الثانية حجّة في دائرة دلالتها الأوسع.

وأمّا رواية أبي العطارد _ قلت: «...فأُخرج الكرّ والكرّين فيقول الرجل: أعطنيه بكيلك. قال: إذا ائتمنك فلا بأس»(2) _ فظاهرها شرط كون البائع أميناً عند المشتري، ولكن مضى أنّ الرواية ساقطة بنفس أبي العطارد؛ لعدم دليل على وثاقته.

وأمّا مرسلة ابن بكير _ عن رجل من أصحابنا قال: «سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل يشتري الجصّ فيكيل بعضه يأخذ البقية بغير كيل. فقال: إمّا أن يأخذ كلّه بتصديقه، وإمّا أن يكيل كلّه»(3)_ فلعلّها تفسّر بمعنى أنّه إن عرف صدقه اكتفى بصدقه، وإن لم يعرف صدقه فلابدّ من كيل الجميع، ولكنّها على أيّ حال مرسلة.

فالذي يبدو لنا هو أنّ المقياس سعة دلالة صحيحة حمران، وإن كان الاحتياط بالاقتصار على فرض معرفة الصدق أمراً حسناً بأن لا يبقى إلّا مجرّد احتمال الخطأ.

فرعان في انكشاف مخالفة إخبار البائع عن المقدار

الفرع الأوّل: لو انكشف الخلاف بالنقيصة، فتبيّن أنّ المبيع هو أقلّ من المقدار الذي أخبر به البائع وزناً أو كيلاً.

وقد أفاد الشيخ الأنصاري رحمه الله ما نصّه: «يمكن أن يقال: إنّ مغايرة الموجود الخارجي


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص345، الباب5 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح4.

(2) المصدر السابق، ح6.

(3) المصدر السابق، ص344، ح3.

448

لما هو عنوان العقد حقيقة مغايرة حقيقية لا تشبه مغايرة الفاقد للوصف لواجده؛ لاشتراكهما في أصل الحقيقة بخلاف الجزء والكل، فتأمّل فإنّ المتعيّن الصحّة والخيار»(1).

وحاصل المقصود هو أنّه لا إشكال في أنّ فقدان الوصف الذي لا يعتبر _ عرفاً _ مقوّماً لا يبطل البيع، وإنّما يوجب الخيار، ولكن يمكن أن يقال في المقام: إنّ اختلاف الجزء والكلّ يعتبر من الأُمور المقوّمة فيبطل البيع، ثم أفتى رحمه الله بأنّ المتعيّن الصحّة والخيار.

وما أفتى به رحمه الله هو الصحيح؛ لأنّ المبيع هي هذه العين الخارجية، وهي ثابتة على حالها بكلّ مقوّماتها فلا معنى لبطلان البيع وغاية الأمر ثبوت الخيار.

ولو فرض أنّ المبيع كان كلّيّاً وإنّ البائع سلّم الجزء ولم يسلّم الكلّ لثبت خيار تبعّض الصفقة، إلّا أنّ هذا خلاف ما هو المفروض في المقام.

والواقع أنّ الخيار في المقام هو خيار تخلّف الشرط، فإنّه اشترى هذا الطعام على أنّه مشتمل على كذا مقدار من الكيل أو الوزن وقد تبيّن خلافه.

وليس هذا الخيار عبارة عن خيار الغبن، فإنّ النسبة بين ما هو المفروض في بحثنا وبين الغبن عموماً من وجه، فقد يتّفق أنّه لم يکن مغبوناً؛ لموافقة السعر الذي عُيّن في مقابل المبيع لقيمته السوقية، بل قد يفترض كون المشتري رابحاً.

وقد تبيّن بما ذكرناه أنّه لو اختار المشتري إمضاء البيع استحقّ البائع تمام الثمن؛ لأنّ المفروض أنّ الثمن وقع على هذا الطعام الخارجي، ولم يكن في المقام تبعّض صفقة حتّى يرجع إلى المشتري جزء من الثمن.

هذا، وقد ورد في منية الطالب للشيخ موسى الخوانساري رحمه الله كتقرير لبحث الشيخ النائيني(قدس سره) القول برجوع مقدار من الثمن إلى المشتري بحجّة أنّ الأوصاف المتخلّفة إذا كانت خارجية _ ككتابة العبد ونحوها _ فتخلّفها لا يوجب إلّا الخيار بين الفسخ والإمضاء بتمام الثمن، وأمّا إذا كان الوصف عبارة عن المقدار فتخلّفه يوجب الخيار


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص241 _ 242.

449

بين الفسخ والإمضاء بمقدار من الثمن؛ إذ لا وجه لإلحاق نقص المقدار بتخلّف وصف الكتابة، فإنّ وصف الكتابة لا يقع بإزائه جزء من الثمن، وإنّما يصير وجوده منشأً لزيادة قيمة الموصوف به، وأمّا المقدار فالثمن يوزّع عليه، فإذا بيع عشرة أمنان بعشرة دراهم فقد قوبل كلّ منًّ بدرهم، فإذا تبيّن نقص المبيع وكونه ثمانية فلا محيص إلّا من نقص درهمين، فله الإمضاء مع استرداد التفاوت، وله الفسخ لتخلّف وصف الانضمام الذي اشترط ضمناً(1).

ثم نقل الشيخ الخوانساري رحمه الله عن كتاب وسيلة النجاة لأُستاذه الشيخ النائيني(قدس سره): أنّه تارة يفترض أنّه يشتريه عشرة أمنان التي هي هذه الصبرة فعندئذٍ يكون تخلّفه موجباً للخيار مع التقسيط، وأُخرى يفترض أنّه يشتري هذه الصبرة الخارجية مقدّرةً بكونها عشرة أمنان فتخلّفه موجب للخيار بلا تقسيط؛ لأنّ حكمه حكم تخلّف الشرط والمبيع نفس العين الخارجية، وكذا الحال فيما لو اشترى عشرة أجرب التي هي هذه الأرض أو اشترى هذه القطعة المشاهدة مقدّرة بكونها عشرة أجرب، ففي الأوّل يتمّ التقسيط على عدد الأجرُب، وفي الثاني لا يكون حكمه إلّا حكم تخلّف الشرط والمبيع نفس العين الخارجية.

واعترض رحمه الله على كلام أُستاذه الوارد في وسيلة النجاة بأنّ اختلاف التعبير لا يغيّر الواقع وأنّ المقدار دائماً جزء المبيع سواء كان كيلاً أو وزناً أو عدداً أو ذراعاً، فالجزء هو جزء ودخيل في مصبّ المعاملة وإن جعل في مقام التعبير شرطاً وجعل عنوان المبيع نفس العين الخارجية، فعلى كلّ حال يقع الثمن بإزاء كلّ جزء جزء، فعدم وجود مقدار من المبيع يوجب استرداد مقدار من الثمن، وهذا بخلاف الأوصاف الخارجية كالكتابة ونحوها فهي وإن كانت دخيلة في عالم اللبّ في زيادة الثمن إلّا أنّ العوض لا يقع في مقام الإنشاء المعاملي إلّا بإزاء الموصوف.


(1) منية الطالب، ج2، ص375.

450

والخلاصة: أنّ المقدار أمر متوسط بين الصورة النوعية والمقوّمة وبين الأوصاف الخارجية، فمن جهة ملحق بالصورة النوعية المقوّمة فيستردّ من الثمن بمقدار الناقص، ومن جهة ملحق بالأوصاف فتخلّفه موجب للخيار، لا لبطلان أصل المعاملة(1).

أقول: الظاهر أنّ الصحيح هو ما نقله الشيخ الخوانساري رحمه الله عن وسيلة النجاة للشيخ النائيني رحمه الله، ففرق بين أن يجعل الثمن في مقابل أجزاء الأمنان فينبسط على الأجزاء ويتحقّق ما أشرنا إليه من تبعّض الصفقه، وبين أن يجعله في مقابل الصبرة الخارجية مشروطاً بكون المقدار كذا وكذا فلا ينبسط إلّا على الأجزاء الخارجية من الصبرة ولا يتحقّق إلّا خيار تخلّف الشرط.

الفرع الثاني: لو انكشف الخلاف بالزيادة، فتبيّن أنّ المبيع هو أكثر من المقدار الذي أخبر به البائع وزناً أو كيلاً.

فتارة تفترض أنّه قد باعه شخص هذه الصبرة معتقداً أنّه صاع مثلاً فتبيّن صاعاً ونصفاً فالثمن كلّه وقع في مقابل هذه الصبرة، ولا وجه لبطلان البيع، وللبائع أن يسترجع نصف الصاع؛ لأنّهما توافقا على مبايعة هذه الصبرة المتّصفة بوصف عدم الزيادة على الصاع وقد تخلّف الوصف لصالح المشتري، ولو كان الوصف المتخلّف لصالح المشتري عبارة عن وصف عدم الكتابة مثلاً كان ذلك مورثاً للخيار للبائع في أصل البيع؛ إذ لا سبيل له إلى استرجاع الوصف الذي يوجب قوّة السعر السوقي إلّا باسترجاع العين، ولكن في المقام يكون بإمكانه استرجاع الوصف منفصلاً عن استرجاع تمام العين؛ وذلك باسترجاع المقدار الزائد، أعني: نصف الصاع، فإن اختار عدم الاسترجاع كان ذلك رزقاً ساقه الله إلى المشتري، وإن اختار استرجاع الوصف بأخذ نصف الصاع تولّد للمشتري خيار فسخ البيع.


(1) منية الطالب، ج2، ص375 _ 376.