البدل، وهذا بخلاف النكاح فإنّ كون المرأة خليّة معتبر حين استناد العقد إليها؛ إذ لا معنى للانتقال إلى البدل، وهذه الصورة هل يحكم فيها بصحّة الإجازة وبطلان البيع أو العتق أو يحكم ببطلان الإجازة وصحّة البيع والعتق؟
قال رحمه الله: ذكر شيخنا الأُستاذ _ يعني الشيخ النائيني(قدس سره) _ : إنّ الإجازة تلغى؛ لأنّ المالك يجوز له التصرّف في المال قبل الإجازة، وهذا التصرّف يُخرج المالك عن كونه مالكاً حين الإجازة، ومن البديهي أنّ المعتبر في كشف الإجازة عن سبق الملكية إنّما هو إجازة المالك دون الأجنبي. والسرّ فيما أفاده(قدس سره) _ يعني شيخه النائيني _ أنّ الإجازة عنده تتعلّق بالعين لا بالعقد، ومن الواضح أنّ البيع أو العتق أو غيرهما من التصرّفات الناقلة تخرج العين عن ملك المجيز، فلا يبقى مجال للإجازة لانتفاء متعلّقها وموضوعها.
قال رحمه الله:
وفيه: أنّ الإجازة كالفسخ والردّ تتعلّق بالعقد... فالمعتبر أن يكون المجيز مالكاً حين العقد لا حين الإجازة، وإلّا فلا تعقل الإجازة بناء على الكشف الحقيقي؛ لأنّ المفروض أنّ المشتري صار مالكاً للمال من حين المعاملة، فالمال ملك له حين الإجازة وخارج عن ملك المجيز فكيف تصحّ الإجازة منه، أفليس هذا إلّا لأجل أنّ المعتبر في الإجازة كون المجيز مالكاً للمال حين العقد؟!
قال رحمه الله: والتحقيق أنّه بناء على الكشف الحقيقي نلتزم بصحّة البيع والعتق وإلغاء الإجازة، لا لما ذكره شيخنا الأُستاذ(قدس سره)، بل لأنّ الالتزام بالكشف الحقيقي إمّا أنّه التزام بشيء مستحيل _ يعني بدعوى كون الإجازة شرطاً متأخّراً _ أو التزام بما هو على خلاف القاعدة _ يعني بدعوى شرطية التعقّب _ فإذا كان على خلاف القاعدة التزمنا فيه بالقدر المتيقّن، وهو ما إذا كانت الإجازة ممّن هو مالك لو لا الإجازة، في حين أنّ هذا المعتق أو البائع ليس مالكاً للمال لو لا الإجازة؛ لأنّه قد أعتقه أو باعه، وأمّا على الكشف الحكمي أو الكشف بالمعنى المختار من تقدّم المعتبر وتأخّر الاعتبار فنحكم
بصحّة الإجازة؛ لأنّ ذلك على طبق القاعدة لشمول العمومات أو المطلقات للمورد، وإطلاقها يقتضي صحّة الإجازة حتّى فيما إذا لم يكن المجيز مالكاً للعين حين الإجازة، فنحكم بصحّة الإجازة ونفوذها، ولكن بما أنّ التصرّفات الصادرة عن المالك كانت واقعة على ملكه فنحكم بصحّتها وانتقال حقّ المشتري إلى البدل من المثل أو القيمة، كما وقع نظيره فيما إذا فسخ من له الخيار وكان المبيع منتقلاً إلى الغير(1).
أقول: قد عرفت منّا فيما سبق من بياناتنا أنّ الكشف الحقيقي على أساس الشرط المتأخّر أمر ممكن ومعقول، وأنّ الكشف الحقيقي على أساس شرطية تعقّب الإجازة أيضاً أمر ممكن ومعقول، ومسألة (أنّ شرطية التعقّب على خلاف القاعدة فنلتزم فيها بالقدر المتيقّن) نغضّ النظر عنها؛ لأنّها لو كانت على خلاف القاعدة فأصلاً لا نقول بها، وإنّما نقول بها لو استظهرناها من القواعد، فلا يبقى إلّا أن نقول: إنّه بناء على الكشف الحكمي _ ولو بمعنى تقدّم المعتبر وتأخّر الاعتبار _ أو النقل يبطل البيع، لانتفاء موضوعه بخروج العين عن ملك المالك بعتق أو بيع، وبناء على الكشف الحقيقي بدليل تعبّدي _ لا إطلاق له _ أيضاً يبطل البيع؛ لأنّ المفروض أنّ الدليل التعبّدي لا إطلاق له وأنّ الإجازة تكون بحكم بيع متأخّر وقع على ما انعتق أو بيع، وبناء على الكشف الحقيقي على القاعدة يصحّ البيع الفضولي ويبطل العتق أو البيع الثاني.
ومن الطريف أنّ السيّد الخوئي رحمه الله تعرّض _ حسب كتاب التنقيح _ لنفس المسألة مرّة أُخری بعد ذلك بفاصل يسير، وانتهی إلى نتيجة مضادّة للنتيجة التي انتهى إليها في بحثه الأوّل.
فقد عرفت أنّه في بحثه الأوّل انتهى إلى نتيجة صحّة الإجازة ونفوذها، فينفذ بيع الفضولي للعبد وكذلك ينفذ عتق المالك للعبد أو بيعه إيّاه، وينتقل حقّ المشتري من الفضولي إلى البدل من المثل أو القيمة.
(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج36، ص455 _ 457.
ولكنّه رحمه الله ذكر في بحثه الثاني: «أنّ الصحيح هو الالتزام بصحّة الأفعال الصادرة من المالك وعدم تأثير الإجازة المتأخّرة حتّى على القول بالكشف فضلاً عن القول بالنقل، والوجه في ذلك أنّ تلك الأفعال قد صدرت من أهلها ووقعت في محلّها، فلا وجه للحكم ببطلانها على جميع المسالك في الإجازة.
أمّا على النقل والكشف الحكمي فلوضوح أنّ المال مِلكُه قبل الإجازة حقيقةً فقد تصرّف في ملك نفسه، فلماذا نحكم ببطلانها؟!
وأمّا على الكشف الحقيقي فلأنّ الإجازة إنّما تكشف عن الملكية حال العقد للمشتري فيما إذا صدرت ممّن له الإجازة وهو المالك حال الإجازة؛ لأنّ إجازة غير المالك لا يعقل أن تكون كاشفة عن الملكية المتقدّمة؛ إذ لا أثر لإجازة الجار أو الصديق ونحوهما، بل لابدّ في الإجازة الكاشفة من أن تصدر عن المالك لو لا الإجازة، وهذا مفقود في مفروض الكلام؛ لأنّ المفروض أنّه باع ملکه أو وهبه أو أعتقه قبل الإجازة، فهو غير مالك للمال لولا الإجازة أيضاً، وقد عرفت أنّ الإجازة إنّما تكشف عن الملكية فيما إذا صدرت عن المالك لولا الإجازة؛ والوجه في ذلك: أنّ الإجازة إنّما اعتبرت من أجل استناد العقد إلى المالك حتّى تشمله العمومات؛ لأنّها خطابات للملّاك... والمالك لم يبع قبل الإجازة حتّى تشمله العمومات، وإنّما يصدق عليه ذلك بالإجازة، فالإجازة من جهة استناد العقد إلى المالك، وهي إنّما تسند العقد إليه فيما إذا لم يسبقه استناد آخر إليه، ومع بيعه أو هبته قبل الإجازة واستناد ذلك إلى المالك سابقاً كيف يستند العقد السابق إليه بالإجازة؟! فهل يعقل بيع مال مرّتين؟! فإذا لم تصحّ الإجازة بعد هذه الأفعال فلماذا لا نحكم بصحّة هذه الأفعال والتصرّفات الواقعة قبلها؟! وتوهّم أنّ الإجازة توجب فساد التصرّفات السابقة باطل؛ لأنّ صحّة الإجازة متوقّفة على فساد تلك التصرّفات، فلو توقّف فسادها على صحّة الإجازة لكان دوراً ظاهراً.
فتحصّل: أنّ الحكم على جميع المسالك هو صحّة التصرّفات السابقة على الإجازة،
فتقع الإجازة لغواً، وهذا لا من جهة أنّ الإجازة تتعلّق بالعين ولابدّ أن تكون العين باقية حال الإجازة، بل من جهة أنّ الإجازة لا يبقى لها مجال بعد صحّة التصرّفات الصادرة من المالك وإن كانت الإجازة كالفسخ والإمضاء متعلّقة بالعقد.
هذا كلّه في التصرّفات الواقعة من المالك على المال الموجبة لتلف العين إمّا حقيقة كالأكل ونحوه وإمّا حكماً كالبيع والهبة والعتق ونحوها، وقد عرفت أنّها لا تبقي مجالاً للإجازة المتأخّرة؛ لصدورها من أهلها ووقوعها في محلّها، فلا محالة تقع الإجازة لغواً...»(1).
أقول: وأنت ترى التعارض بين ما انتهى رحمه الله إليه في البحث الأوّل من صحّة الإجازة وانتقال حقّ المشتري من الفضولي إلى البدل من مثل أو قيمة محتجّاً بأنّ المقياس هو مالكية المجيز للعين حين صدور البيع من الفضولي، وبين ما انتهی إليه في البحث الثاني من لغوية الإجازة محتجّاً بأنّ عقد الفضولي يستند إلى المالك حين الإجازة، فلابدّ أن تكون له حين الإجازة الملكية اللولائية، أي لولا الإجازة.
وتعليقنا على بحثه الثاني ما يلي:
الظاهر: هو التفصيل بين القول بالكشف الحقيقي وفقاً للقاعدة وغيره، فعلى الأوّل يكون المقياس هو ملكية المجيز للعين حين بيع الفضولي ويلغو العتق أو البيع الصادر من المالك بعد ذلك؛ لأنّ الإجازة تكشف عن أنّه لم يصدر من أهله ولم يقع في محلّه.
ودعوى أنّه كان من حقّه أن لا يجيز فكان من حقّه أن يعتق أو يبيع مغالطة من الكلام؛ لأنّ هذا حقّ تقديري، أي أنّه على تقدير أن لا يجيز فمن حقّه العتق أو البيع. لكن المقدّر عليه لم يقع.
وعلى الثاني يكون العتق أو البيع صادراً من أهله وواقعاً في محلّه وتلغو الإجازة.
(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص64 _ 65.
الكلام في المجيز
قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: «يشترط في المجيز أن يكون حين الإجازة جائز التصرّف بالبلوغ والعقل والرشد... ولا فرق فيما ذكر بين القول بالكشف والنقل»(1).
وهذا الكلام واضح الصحّة؛ لأنّ الإجازة تصرّف بالنقل والانتقال ولو فرضنا كشفها حقيقة عن حصول الأثر من ذي قبل.
فلا يقال: إنّه بناء على الكشف الحقيقي قد حصل النقل والانتقال سابقاً، وهو كان في ذاك الزمان رشيداً، فإن أصبح سفيهاً أو مجنوناً بعد ذلك لم يضرّ.
فإنّه يقال: إنّ حصول النقل والانتقال سابقاً مستند إلى إجازته في حال جنونه أو سفهه إمّا على أساس الشرط المتأخّر أو على أساس شرطية التعقّب، فإنّه على الثاني أيضاً كان التعقّب الثابت حين بيع الفضولي منتزعاً من إجازته المتأخّرة، وهذا المقدار من الاستناد إلى الإجازة كافٍ عرفاً في عموم أو إطلاق الحجر عليه.
قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: «لا يشترط في المجيز كونه جائز التصرّف حال العقد، سواء كان عدم جواز التصرّف لأجل عدم المقتضي أو للمانع، وعدم المقتضي قد يكون لأجل عدم كونه مالكاً ولا مأذوناً حال العقد وقد يكون لأجل كونه محجوراً عليه لسفه أو جنون أو غيرهما، والمانع كما لو باع الرهن بدون إذن المرتهن»(2).
أقول: والتعبير الأفضل أن يقال: إنّ النقص في العاقد تارة يفترض نقصاً في أصل المقتضي بأن لم يكن مالكاً ثم ملك وأجازه، وأُخرى يفترض نقصاً في الشروط بأن لم يكن بالغاً أو رشيداً ثم أجاز بعد البلوغ والرشد، وثالثة يفترض نقصاً بسبب المانع، كما لو كانت العين المبيعة مرهونة فباعها المالك رغم الرهن ثم فكّ الرهن فأجاز، فيقع البحث في فروع ثلاثة:
(1) کتاب المكاسب، ج3، ص431.
(2) المصدر السابق، ص434.
الفرع الأوّل: ما لو لم يكن البائع مالكاً ثم ملك وأجاز، وهذا ما بحثناه قبيل دخولنا في بحث الكشف والنقل، وانتهينا إلى نتيجة الصحّة، ولا جديد لنا مهمّ الآن حتّى نبحثه عدا نقطة واحدة، وهي أنّه بناء على الكشف هل يتمّ الكشف بلحاظ حين إيقاعه للعقد الفضولي أو بلحاظ حين امتلاكه، أي إنّه لو فرض بيعه فضولة للمال قبل أربعة أيّام ثم امتلاكه لذاك المال قبل يومين ثم إجازته لذاك البيع السابق الآن، فبناءً على الكشف هل يتمّ البيع بلحاظ ما قبل أربعة أيّام أو يتمّ بلحاظ ما قبل يومين؟
وإنّما لم نبحث هذه النقطة هناك باعتبار أنّنا لم نكن بادئين بأصل بحث الكشف والنقل. أمّا الآن فيناسب البحث عن هذه النقطة.
والصحيح أنّ الإجازة بناء على الكشف تكشف عن نفوذ المعاملة بلحاظ زمان الملك، لا بلحاظ زمان البيع الفضولي؛ والوجه في ذلك نكتة أبرزها الشيخ الأنصاري رحمه الله في مكاسبه: وهي: إنّ مقدار الكشف إنّما هو بمقدار إمكانية اعتبار المجيز صحّة العقد، أو قل: إنّ مقدار الكشف تابع لصحّة البيع من سائر النواحي غير إجازة هذا المجيز، بحيث لو كان قد أجاز سابقاً كان قد صدرت الإجازة من أهلها ووقعت في محلّها، أو قل: لو كان قد أوقع المجيز نفس العقد لكان قد صدر العقد من أهله ووقع في محلّه، فهذه الإجازة منه تحلّ محلّ صدور العقد منه سابقاً. ومن الواضح أنّ هذا المجيز لو كان قد أجاز قبل امتلاكه للمال أو باعه قبل ذلك لم يكن قد وقعت الإجازة أو البيع في محلّهما، ولم يكونا قد صدرا من أهلهما. والخلاصة: أنّ الكشف إنّما هو في مقابل النقل، لا بمعنى الملكية حال العقد، وهذا إنّما يتحقّق في المورد القابل، وهو يختلف باختلاف المقامات(1).
وقد أورد على ذلك السيّد الخوئي رحمه الله بإيرادين:
(1) راجع کتاب المكاسب، ج3، ص438 _ 439.
الإيراد الأوّل: أنّه ليس المفروض أنّ الفضولي قصد إدخال الثمن في ملك مالك العوض الآخر، فالمبادلة أو المعاوضة ما تحقّقت أصلاً، فإنّ معنى المبادلة أو المعاوضة إدخال كلّ من العوضين في جيب من أُخرج منه العوض الآخر، فلا بيع حقيقي حتّى تصحّح بالإجازة(1).
أقول: قد تقدّم منّا توضيح أنّ حقيقة البيع أو المبادلة غير متقوّمة بذلك، فمن اشترى أباه بهدف انعتاقه لا بهدف تملّكه فقد تمّ بذلك الشراء أو المبادلة حقيقةً(2).
الإيراد الثاني: أنّ الإجازة إذا خُصّت بزمان متأخّر عن زمان العقد لم تطابق الإجازة ما أوقعه الفضولي، فالواقع غير المجاز والمجاز غير الواقع، وإذا عمّت أوّل أزمنة وقوع البيع، فليس بإمكان المجيز ذلك؛ لأنّه لم يكن مالكاً في ذلك الوقت، فيلزم خروج المال من ملكه قبل دخوله فيه(3).
أقول: قد تقدّم منّا توضيح أنّ الإجازة يمكن أن تتعلّق بأصل المبادلة دون المبادلة في حينها، نظير أنّ القبول يتعلّق بأصل البيع المُنشأ بالإيجاب لا بالملكية من حين الإيجاب(4).
الفرع الثاني: ما لو كان البائع فاقداً للشرط حين العقد، كما لو لم يكن بالغاً أو رشيداً حين العقد ثم بلغ أو أصبح رشيداً فأجاز.
وقد أفاد الشيخ الأعظم رحمه الله: أنّ الأقوى صحّة الإجازة(5).
(1) راجع موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص19.
(2) تقدّم منّا ذلك قبل شروعنا في بحث الكشف والنقل في المقطع الذي دخلنا بعده مباشرةً في الحديث عن الكشف والنقل.
(3) راجع موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص21.
(4) مضى منّا ذلك في تثبيت الإيراد الأوّل من إيرادي الشيخ على المعنى المختار للسيّد الخوئي في الكشف اللذين ذكرهما الشيخ كاعتراض على دعوى الكشف الحقيقي على القاعدة.
(5) کتاب المكاسب، ج3، ص434
وهذا كلام لا غبار عليه؛ إذ لو كان فقده للملكية حال العقد غير مضرّ بإجازته المتأخّرة لكفاية حصول المقتضي متأخّراً فما ظنّك بتأخّر الشرط.
وفقده للملكية أصبح على الكشف الحقيقي مانعاً عن تمامية الكشف الحقيقي حين العقد؛ للزوم خروج المال عن ملكه قبل دخوله فيه، ولكن هذا المانع غير موجود في المقام، فعلى الكشف الحقيقي نكتشف خروج المال من ملكه قبل رشده أو بلوغه إمّا بالشرط المتأخّر أو بعنوان التعقّب.
ولو كان هناك وضوح فقهي في عدم جواز تصرّف المشتري فيما اشتراه من الفضولي قبل بلوغ مالكه أو رشده حتّى ولو علم بأنّه سيجيز بعد بلوغه ورشده كان هذا شاهداً على بطلان الكشف الحقيقي.
نعم، لو فرضنا أنّ فقده للشرط كان قد جعله مسلوب العبارة، كما لو كان مجنوناً إلى حدّ يعتبر مسلوب العبارة، أو كنّا نفتي بأنّ الصبي أو السفيه مسلوب العبارة فلا يمكن تمشية إنشائه حتّى بإجازة الولي مثلاً، فهنا من الواضح بطلان بيعه وعدم إمكان تصحيحه بإجازته بعد بلوغه أو رشده(1).
الفرع الثالث: ما لو كان النقص في بيع البائع عبارة عن وجود مانع عن نفوذ العقد كما لو كانت العين مرهونة ثم فكّها عن الرهن.
وقد أفاد الشيخ الأعظم رحمه الله: أنّ الأقوى صحّة الإجازة، بل عدم الحاجة إلى الإجازة، فبمجرّد فكّ الرهن يتمّ البيع(2).
وهذا كلام متين؛ لأنّ البيع قد وقع من نفس المالك، وكان المانع عن نفوذه أنّ المبيع متعلّق لحقّ الرهن، فإذا فُكّ عن الرهن لم يبق مانع عن نفوذ البيع.
نعم، لو قلنا بالحاجة إلى الإجازة فبناءً على الكشف الحقيقي لا نقول هنا بالكشف
(1) راجع موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص8 .
(2) راجع کتاب المكاسب، ج3، ص434.
من حين البيع؛ لأنّ العين كانت متعلّقة لحقّ المرتهن في حين البيع وكان حقّ الرهن مانعاً عن صحّة البيع، وإنّما نقول بالكشف من حين فكّ الرهن(1).
ولو فرضنا أنّ المرتهن هو الذي كان قد باع فضولةً العين المرهونة وحينما اطّلع الراهن على ذلك أجاز البيع فقد أفاد السيّد الخوئي رحمه الله: أنّ بيع المرتهن بنفسه إسقاط لحقّه فللمالك إجازة البيع وأخذ العوض(2).
أقول: هذا الكلام على إطلاقه غير صحيح؛ فإنّ في ذلك صورتين:
الصورة الأُولى: أن يقصد المرتهن ببيعه إسقاط حقّ الرهن فعندئذٍ أجاز المالك البيع.
والصورة الثانية: ما إذا قصد المرتهن البيع لنفسه مثلاً من دون قصد إسقاط حقّ الرهن.
أمّا في الصورة الأُولى: فأصل قدرة المرتهن على هذا الإسقاط من قبل نفسه لا دليل عليه. نعم، لو أجاز المالك البيع فهذا يعني أنّه أبطل الرهن بموافقة المرتهن، ولا شكّ في أنّ الراهن من حقّه إبطال الرهن بموافقة المرتهن، وينفذ البيع من حين الإجازة، ولا يتمّ الكشف هنا عن نفوذ البيع من حينه حتّى لو كنّا قائلين بالكشف؛ لأنّ حقّ الرهن كان باقياً إلى حين الإجازة وحائلاً عن نفوذ البيع قبل سقوط الحق.
وأمّا في الصورة الثانية وهي عدم قصد المرتهن إسقاط حقّ الرهن فعدم سقوط حقّه أوضح، فعندئذٍ لا يمكن تصحيح هذا البيع إلّا بمجموع عملين: أحدهما إجازة المالك. والآخر إمّا موافقة المرتهن على سقوط حقّ الرهن أو فكّ المالك للعين عن حقّ الرهن.
فإن اجتمعت إجازة المالك مع موافقة المرتهن على سقوط حقّ الرهن نفذ البيع من حين الإجازة، ولا مجال للكشف؛ لوجود الحائل عن صحّة البيع قبل ذلك، وهو حقّ الرهن.
(1) راجع موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص12.
(2) راجع المصدر السابق، ص9.
وإن فكّ المالك العين عن الرهن بأداء الدين ثم أجاز البيع أمكن الكشف _ على القول به _ إلى زمان فكّ الرهن لا قبله.
الكلام في العقد المُجاز
ذكر الشيخ الأنصاري رحمه الله ما يكون من مفاده ما يلي: يشترط في العقد المجاز كونه جامعاً لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره عدا رضا المالك، سواء قلنا بالكشف أو النقل؛ إذ لا أقلّ من كون العقد جزء السبب للنقل والانتقال، فيعتبر اجتماع الشروط عنده... نعم، لو دلّ دليل على اعتبار شرط في ترتّب الأثر الشرعي على العقد لا في أصل الإنشاء أمكن القول بكفاية وجود ذاك الشرط حين الإجازة، ولعلّ من هذا القبيل: القدرة على التسليم وإسلام مشتري المُصحف والعبد المسلم(1).
وأصل صحّة ما أفاده رحمه الله واضح لا غبار عليه، فلو باع الفضولي الكلب المملوك للمجيز مثلاً فلا إشكال في فساد البيع وأنّ إجازة المالك لا تشفع لصحّته.
إلّا أنّ هناك مناقشات كثيرة في كثير من الأمثلة والفروع نضرب صفحاً عن شرحها والكلام فيها مراعاة للاختصار.
فمثلاً هل نفتي بشرط الإسلام في تسليط الشخص على المُصحف أو لا نؤمن بهذا الشرط، أو نقول: إنّ المحرّم تسليط الكافر خارجاً علی المُصحف وإن أمكن تملّكه إيّاه، فلو أسلم بعد ذلك ارتفع المانع أو نقول: إنّ العيب ليس في الإنشاء حتّى لا يمكن تصحيح البيع بالإجازة، وإنّما العيب في ترتّب الأثر وهو التملّك، فإذا أسلم الكافر بعد ذلك أمكنت إجازة البيع.
وكذلك في شراء الكافر للعبد المسلم قد يقال: إنّ مجرّد شرائه إيّاه لا يثبّت سبيلاً للكافر على المسلم قبل إجازة المالك حتّى يدخل في قوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ
(1) راجع کتاب المكاسب، ج3، ص467.
لِلْكَافِرِيْنَ عَلَى الْمُؤْمِنِيْنَ سَبِيْلَاً﴾(1) فلو أسلم الكافر قبل الإجازة ارتفع المانع(2).
وما إلى ذلك من المناقشات في الفروع، ومن أرادها فليطلبها من المطوّلات.
وإنّما الفرع الوحيد الذي نريد التعرّض له هو فرع ترتّب العقود الفضولية.
قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: المُجاز إمّا العقد الواقع على نفس مال الغير، وإمّا العقد الواقع على عوضه، وعلى كلّ منهما إمّا أن يكون المجاز أوّل عقد وقع على المال أو عوضه أو آخره أو عقداً وقع بين سابق ولاحق واقعين على مورده(3) أو بدله أو بالاختلاف.
أقول: إنّ الصور التي أشار إليها الشيخ رحمه الله هنا اثنتا عشرة:
الأربعة الأُولى ما يلي:
1_ إجازة أوّل عقد وقع على ماله.
2_ إجازة آخر عقد وقع على ماله.
3_ إجازة أوّل عقد وقع على عوض المال.
4_ إجازة آخر عقد وقع على عوض المال.
والأربعة الثانية هي صور إجازة عقد المال الأصلي المتوسّط:
1_ بين عقدين وقعا على المال الأصلي.
2_ بين عقدين وقعا على العوض.
3_ بين عقدين وقع الأوّل على المال الأصلي والأخير على العوض.
4_ بين عقدين وقع الأوّل على العوض والأخير على المال الأصلي.
والأربعة الثالثة هي صور إجازة الواقع على العوض المتوسّط:
1_ بين عقدين وقعا على المال الأصلي.
(1) النساء: 141.
(2) راجع موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص48 _ 49.
(3) يعني مال المجيز.
2_ بين عقدين وقعا على العوض.
3_ بين عقدين وقع الأوّل على المال الأصلي والأخير على العوض.
4_ بين عقدين وقع الأوّل على العوض والأخير على المال الأصلي.
قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: «ويجمع(1) الكلّ فيما إذا باع عبداً لمالك بفرس ثم باعه المشتري بكتاب ثم باعه الثالث بدينار وباع بائع الفرس بدرهم وباع الثالث الدينار بجارية وباع بائع الفرس الدرهم برغيف ثم بيع الدرهم بحمار وبيع الرغيف بعسل»(2).
أقول: أوّل عقد وقع على مال المجيز هو بيع الفضولي لعبد المجيز بفرس، وآخر عقد وقع على ماله بيعه بدينار. وأوّل عقد وقع على عوض ماله بيع الفرس بدرهم وكذلك بيع الدينار بجارية وآخر عقد وقع على عوض المال بيع الدرهم بحمار وكذلك بيع الرغيف بعسل، والعقود الأُخرى ليست أوّلية من هذا القبيل ولا آخرية من هذا القبيل، وإنّما هي وسطية فحسب.
ثم فرض الشيخ رحمه الله إجازة المالك الأصلي للعبد بيعه بكتاب وهو البيع الوسط من البيوع الثلاثة الواقعة على المورد أي على مال المجيز، ومن الواضح _ بناء على أصل الإيمان بنفوذ بيع الفضولي بالإجازة _ أنّه نفذ هذا البيع الوسط وبطل ما قبله أعني بيع العبد بفرس؛ لأنّ بائع العبد بفرس لم يكن مالكاً للعبد، ولم يبق مجال لتنفيذ المالك للعبد لهذا البيع؛ إذ لا يجتمع ذلك مع تنفيذه لبيع العبد بكتاب. وأوقع رحمه الله الكلام في بيع المالك الجديد للعبد بدينار وأفاد أنّه بناء على الكشف لا إشكال في صحّته؛ لأنّ المالك الثاني للعبد قد ملكه حين شرائه إيّاه، فلِمَ لا يصحّ بيعه بدينار؟!
ولكن يقع الكلام في صحّة هذا البيع وعدمه بناء على النقل، والعيب الموجود في هذا البيع بناء على النقل هو أنّ المالك الثاني للعبد قد باع العبد بدينار قبل أن يملكه،
(1) الأولى أن يقال: يجتمع.
(2) کتاب المكاسب، ج3،ص469.
فهو الآن بعد أن ملكه بحاجة إلى أن يجيز ذلك البيع حتّى يصحّ.
فبنى الشيخ رحمه الله المسألة على بحث سابق، وهو أنّنا هل نشترط في المجيز أن يكون مالكاً حين العقد أو لا؟ فإن كنّا قد اشترطنا ذلك بطل بيع العبد بدينار، وإلّا(1) فمن حقّ هذا البائع أن يجيز بيعه حتّى يصحّ البيع(2).
ثم أفاد رحمه الله ما نصّه: «وأمّا العقود الواقعة على عوض مال المجيز فالسابقة علی هذا العقد _ وهو بيع الفرس بالدرهم _ يتوقّف لزومها على إجازة المالك الأصلي للعوض وهو الفرس، واللاحقة له _ أعني بيع الدينار بجارية _ تلزم بلزوم هذا العقد»(3).
ومعنى هذه العبارة: أنّ بيع الفرس بدرهم لا يمكن تصحيحه بإجازة المالك الأصلي للعبد بيع الفضولي الثاني إيّاه بالكتاب؛ لأنّه قد بطل بيع العبد بفرس، فبالتالي خرج بيع الفرس بدرهم من تسلسل تتابع العقود. نعم، يبقى للمالك الأصلي للفرس أن يجيز بيع فرسه بدرهم، وهذا خروج عمّا نحن فيه.
وأمّا بيع الدينار بجارية فقد لزم بلزوم بيع العبد بكتاب؛ لأنّ المفروض أنّ المالك الأصلي للعبد قد نفّذ بيع عبده بالكتاب، فصار مشتري العبد بالكتاب مالكاً له، فصحّ للمولى الثاني بيع العبد بدينار، فملك الدينار، وبالتالي صحّ بيعه للدينار بجارية.
قال الشيخ رحمه الله: «وأمّا إجازة العقد الواقع على العوض _ أعني بيع الدرهم برغيف _ فهي ملزمة للعقود السابقة عليه سواء وقعت على نفس مال المالك _ أعني بيع العبد بفرس _ أو على عوضه وهو بيع الفرس بالدرهم وللعقود اللاحقة له إذا وقعت على المعوّض(4) وهو بيع الدرهم بالحمار، أمّا الواقعة على هذا البدل المجاز _ أعني بيع
(1) وهو المختار.
(2) کتاب المكاسب، ج3،ص469.
(3) المصدر السابق، ص470.
(4) العوض خ ل.
الرغيف بالعسل _ فحكمها حكم العقود الواقعة على المعوّض ابتداءً»(1).
وهذه مسألة ثانية بحثها الشيخ رحمه الله تحت فرع ترتّب العقود أو تتابع العقود، وهي أنّ المالك الأصلي للعبد انتخب للإجازة عقداً واقعاً على العوض وهو بيع الدرهم برغيف، فإنّ الدرهم كان عوضاً عن الفرس الذي كان عوضاً عن العبد، فقال: إنّ هذه الإجازة ملزمة للعقود السابقة عليه أيضاً، والعقود السابقة على بيع الدرهم برغيف عبارة عن بيع الفرس بدرهم وقبله بيع العبد بفرس، فلولا أنّه قد أجاز بيع عبده بفرس ثم أجاز بيع الفرس بدرهم لما وصلت النوبة إلى إجازته لبيع الدرهم برغيف، فهو قد أجاز كلّ هذه البيوع الثلاثة، وهذا يؤدّي أيضاً إلى نفوذ كلّ عقد ترتّب على هذا العقد إن كان واقعاً على الدرهم، وهو بيع الدرهم بحمار؛ لأنّ مشتري الدرهم برغيف قد ملك الدرهم، فِلمَ لا ينفذ بيعه للدرهم بالحمار؟!
وأمّا إن كان واقعاً على البدل المجاز _ وهو بيع الرغيف بالعسل _ فهذا واقع في سلسلة البيوع المتسلسلة على المعوّض الأصلي وهو العبد، وهي: بيع العبد بفرس، ثم بيع الفرس بدرهم ثم بيع الدرهم برغيف ثم بيع الرغيف بالعسل، وقد عرفت أنّ إجازة كلّ ما هو واقع في هذه السلسلة تنفيذٌ لما قبلها في نفس السلسلة حتّى تصل النوبة إلى تنفيذ ما انتخبه للإجازة، وليس تنفيذاً لما بعدها في تلك السلسلة.
ثم قال الشيخ رحمه الله: «وملخّص ما ذكرنا: أنّه لو ترتّبت عقود متعدّدة مترتّبة على مال المجيز فإن وقعت من أشخاص متعدّدة كان إجازة وسط منها فسخاً لما قبله وإجازة لما بعده على الكشف، وإن وقعت من شخص واحد انعكس الأمر»(2).
وهذا الكلام منه رحمه الله منحلّ إلى قسمين:
القسم الأوّل: أنّه لو ترتّبت عقود متعدّدة على مال المجيز من قِبل أشخاص
(1) کتاب المكاسب، ج3، ص470.
(2) المصدر السابق، ص470.
متعدّدين كانت إجازة وسط منها فسخاً لما قبله وإجازة لما بعده على الكشف. وهذا تكرار لما مضى منه من أنّه لو باع الفضولي عبد المالك بفرس ثم باعه المشتري بكتاب ثم الذي اشتراه بكتاب باعه بدينار وبعد أن اطّلع المالك الأصلي للعبد على ذلك أجاز الوسط أي بيعه بكتاب بطل الأوّل؛ إذ لم يبق مجال لإجازته للأوّل وهو بيعه بفرس، وحين بيعه بفرس كان المالك الأصلي هو المالك، فلم يبق له سبيل إلى تنفيذه، ولكن صحّ الثالث وهو بيعه بدينار؛ لأنّ مالك العبد في حين بيعه بدينار كان هو المالك الحقيقي له بناء على الكشف فلِمَ لا يصحّ بيعه إيّاه؟! ولو ترتّب ألف بيع على هذا البيع الصحيح صحّت جميعاً، ولو تقدّم ألف بيع على ذلك بطلت جميعاً.
فهذا تكرار لما سبق ولكن بإضفاء صياغة عامّة عليه.
والقسم الثاني: أنّه لو ترتّبت عقود متعدّدة على مال المجيز من قبل شخص واحد كانت إجازة الوسط منها مبطلة للمتأخّر ومصحّحة للمتقدّم.
وهذا أيضاً تكرار لما سبق منه، وهو أنّه لو باع الفضولي عبدي بفرس ثم باع الفرس بدرهم ثم باع الدرهم برغيف ثم باع الرغيف بعسل فإجازتي لبيع الدرهم برغيف إجازة لكلّ ما قبله؛ إذ لولا إجازتها لما وصلت النوبة إلى إجازتي لبيع الدرهم برغيف، ولكن لا علاقة لذلك ببيع الرغيف بعسل وبكلّ ما يفترض بعده؛ فإنّ إجازتي لبيع متوسّط من هذه البيوع إنّما تتوقّف على إجازتي للبيوع السابقة مهما بلغت حتّى أملك ما تمّ بيعه في هذا البيع المتوسّط، ولا تتوقّف على إجازتي للبيوع اللاحقة فهي باطلة وتبطل كلّ ما يترتّب عليها من البيوع.
فهذا أيضاً تكرار لما سبق، ولكن مع إضفاء صياغة عامّة عليه.
وإذا فسّرنا كلام الشيخ الأنصاري رحمه الله بهذا التفسير لم يرد عليه ما أورده في التنقيح، وهذا نصّه: «إنّ شيخنا الأنصاري(قدس سره) ذكر في المقام: أنّ العقود إذا وقعت من أشخاص متعدّدة كان إجازة الوسط منها فسخاً لما قبله وإجازةً لما بعده، وإن وقعت من شخص
واحد انعكس الأمر. وهذا من غرائب كلام الشيخ(قدس سره)؛ إذ لا يفرّق في صحّة العقود المتأخّرة أو بطلانها كون العقود صادرة من أشخاص متعدّدة أو من شخص واحد، فإذا فرضنا أنّ أحداً باع العبد بفرس وآخر باع الفرس بدرهم وشخصاً ثالثاً باع الدرهم برغيف وشخصاً رابعاً باع الرغيف بالعسل... فالحكم في ذلك... هو صحّة العقود المتقدّمة على بيع الدرهم برغيف فيما إذا تعلّقت الإجازة به (أي بيع الدرهم برغيف) مع أنّ العقود من أشخاص متعدّدة، كما أنّ الحال كذلك فيما إذا وقعت من شخص واحد، فالمناط إنّما هو بالملزومات واللوازم، فإذا أجاز المتوسّط صحّت ملزوماته ولوازمه مطلقاً كانت العقود صادرة من شخص واحد أو من أشخاص متعدّدة»(1).
أقول: الذي يبدو لي من ظاهر عبارة الشيخ الأنصاري رحمه الله أنّ مقصوده بفرض وقوع العقد من أشخاص متعدّدين كون تعدّد البيوع بترتّبها على نفس المبيع الواحد الذي هو للمالك الأصلي، كما لو باع الفضولي عبد المالك بفرس ثم باعه الذي اشتراه بكتاب ثم باعه الذي اشتراه بدينار، فهذه بيوع مترتّبة _ لا عرضية _ على مبيع واحد، وهو العبد الذي كان للمالك الأصلي. أمّا المثال الذي فرضه السيّد الخوئي رحمه الله من أنّ أحداً باع العبد بفرس وشخصاً آخر أجنبيّاً في هذا البيع والشراء باع الفرس بدرهم وأجنبيّاً آخر باع الدرهم برغيف وشخصاً رابعاً باع الرغيف بعسل فالبيوع في هذا المثال كما ترى عرضية ولا ترتّب بينها. نعم، إجازة مالك العبد الأصلي لبيع الدرهم برغيف تدلّ على إجازته للبيوع السابقة مترتّبةً كي تصل النوبة إلى إجازته لبيع الدرهم برغيف، ولكن أين هذا من فرضية الشيخ رحمه الله! وصحيحٌ أنّ الشيخ أراد إعطاء قاعدة عامّة في المقام، ولكن كان مقصوده إعطاء القاعدة العامّة في ذاك السياق، لا في هذا السياق، والله العالم.
(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص58 _ 59.
الكلام في أولياء العقد
قد مضى منّا نقل كلام الشيخ الأنصاري رحمه الله حيث أفاد: أنّ من شروط المتعاقدين أن يكونا مالكين أو مأذونين من المالك أو الشارع(1)، ومن أبرز من يكون مأذوناً من الشارع في إجراء العقود هم أولياء العقود، فمَن هُم؟
الأوّل: الأب والجد للأب
أوّل من ذكره الشيخ الأنصاري رحمه الله بهذا العنوان هو الأب والجدّ بمعنى أب الأب فقال رحمه الله: «يجوز للأب والجدّ أن يتصرّفا في مال الطفل بالبيع والشراء، ويدلّ عليه _ قبل الإجماع _ الأخبار المستفيضة المصرّحة في موارد كثيرة...»(2).
وأفاد السيّد الخوئي رحمه الله: «ولاية الأب والجدّ على الطفل وثبوتها كاد أن يكون من ضروريّات الفقه؛ إذ لم يختلف فيها إثنان هذا، مضافاً إلى الأخبار والروايات المستفيضة الواردة في الأبواب المختلفة المصرّحة بولاية الأب والجدّ على الطفل:
منها: ما ورد في النكاح من أنّهما وليّان على تزويج البنت والابن.
ومنها: ما ورد في المضاربة، ودلّ على جواز تصرّفهما في مال الطفل بإعطائه للغير من باب المضاربة.
ومنها: ما ورد في الحجر من أنّ الصغير لا يتمكّن من التصرّف في ماله، وإنّما يتصرّف فيه الأب والجدّ.
وغير ذلك ممّا ورد في أبواب الفقه»(3).
أقول: أمّا الطائفة الأُولى ممّا أشار رحمه الله من روايات النكاح فبخصوص نكاح الصغيرة
(1) کتاب المكاسب، ج3، ص345.
(2) المصدر السابق، ص535.
(3) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص136 _ 137.
لم أجد فيما ورد من رواياته إلّا ما دلّ على ولاية الأب، من قبيل صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصبية يزوّجها أبوها ثم يموت وهي صغيرة فتكبر قبل أن يدخل بها زوجها، يجوز عليها التزويج أو الأمر إليها؟ قال: يجوز عليها تزويج أبيها»(1). ودلالة ذلك بالأولوية العرفية على ولاية الأب في مال الطفل واضحة.
وهذه الرواية خاصّة بالصغيرة إلّا أنّ صحيحة أبي عبيدة مصرّحة بعدم الفرق بين الصغيرة والغلام: عن أبي جعفر عليه السلام «... قلت: فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك. قال: يجوز عليها تزويج الأب ويجوز على الغلام والمهر على الأب للجارية»(2).
فبشأن الغلام أيضاً نتعدّى بالفهم العرفي من باب النكاح إلى باب الأموال. ولكن هذه الرواية أيضاً خاصّة بالأب. وفرض إطلاق ذلك لأب الأب باعتباره يسمّى أباً أيضاً مشكل.
نعم، هناك روايات واردة في ولاية الجدّ، لكن الظاهر أنّها راجعة إلى تزويج الكبيرة لا الصغيرة، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام) قال: «إذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه، ولابنه أيضاً أن يزوّجها. فقلت: فإن هوى أبوها رجلاً وجدّها رجلاً فقال: الجدّ أولى بنكاحها»(3).
فأنت ترى أنّ المألوف المتعارف في اختلاف هوى الأب عن هوى الجدّ في الزواج بل وفي أصل زواج الابنة هو زواج البالغة، فظاهر الرواية أنّها ناظرة إلى عنوان زواج الابنة، ولا علاقة لها بعنوان زواج الصغيرة، أي أنّها تريد أن تحلّ مشكلة زواج الابنة کابنة، لا مشكلة زواج الصغيرة كصغيرة، وأحد العنوانين غير الآخر.
(1) وسائل الشيعة، ج20، ص275، الباب6 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، ح1.
(2) المصدر السابق، ج26، ص219، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج، ح1.
(3) المصدر السابق، ج20، ص289، الباب11 من أبواب عقد النکاح وأولياء العقد، ح1.
ومقصودنا بهذا الكلام أنّنا نناقش في إطلاق الرواية لزواج الصغيرة، لا بمجرّد دعوى أنّ ذلك فرد نادر حتّى يقال: إنّ الانصراف الناتج من الندرة ليس إلّا انصرافاً بدويّاً، بل لدعوى أنّ ظاهر الرواية هو علاج مشكلة زواج الابنة كابنة، وهذا عنوان مختلف عن عنوان مشكلة زواج الصغيرة كصغيرة، فلا يتمّ الإطلاق.
نعم، قد يقال: لو تمّت ولاية الجدّ في زواج الكبيرة ثبتت ولايته في زواج الصغيرة بطريق أولى أو بالمساواة في الفهم العرفي.
ولكنّا نقول: إنّه بناء على ما تعارف القول به في الفقه من أنّ ولاية الأب والجدّ على زواج الكبيرة تختلف بطبيعتها عن ولايتهما على زواج الصغير، _ والتي هي المقصود إثباتها في المقام _ يشكل التعدّي. والفرق بين الولايتين هو أنّ الولاية على الصغير _ والمطلوب في المقام إثباتها للجدّ كالأب _ تكون بمعنى نفوذ الزواج على الصغير، لكن الولاية على الكبيرة لا تكون إلّا بمعنى شرط إذن الأب أو الجدّ في نفوذ النكاح، لا بمعنى نفوذه حتّى مع عدم رضاها، وهي مخصوصة بالابنة الكبيرة، ولا تشمل الابن الكبير، ولا ملازمة بين إحدى الولايتين والأُخرى.
ونحوها موثّقة عبيد بن زرارة قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): الجارية يريد أبوها أن يزوّجها من رجل ويريد جدّها أن يزوّجها من رجل آخر؟ فقال: الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضارّاً إن لم يكن الأب زوّجها قبله، ويجوز عليها تزويج الأب والجدّ»(1).
ونحوها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: «سألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته فهوى أن يزوّج أحدهما وهوى أبوه الآخر، أيّهما أحقّ أن ينكح؟ قال: الذي هوى الجدّ أحقّ بالجارية؛ لأنّها وأباها للجدّ»(2)، إن وافقنا على دلالتها على الولاية.
(1) المصدر السابق، ح2.
(2) المصدر السابق، ص291، ح8.
ونحوها صحيح هشام بن سالم ومحمد بن حكيم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «إذا زوّج الأب والجدّ كان التزويج للأوّل، فإن كانا جميعاً في حال واحدة فالجدّ أولى»(1).
ونحوها موثّقة الفضل بن عبدالملك (أبي العبّاس البقباق) عن أبي عبدالله عليه السلام «قال: إنّ الجدّ إذا زوّج ابنة ابنه وكان أبوها حيّاً وكان الجدّ مرضيّاً جاز. قلنا: فإن هوى أبو الجارية هوى وهوى الجدّ هوى وهما سواء في العدل والرضا؟ قال: أحبّ إليّ أن ترضى بقول الجدّ»(2).
وهناك روايات أُخرى غير تامّة السند(3).
ويمكن أن يقال في مقابل ما مضى: أنّ هناك وجوهاً للتعدّي من ولاية الجدّ على _ الكبيرة المستفادة من روايات الباب _ إلى الولاية المطلوب إثباتها في نكاح الصغيرة:
الوجه الأوّل: التمسّك بما مضى من صحيح هشام بن سالم ومحمد بن حكيم، وهي الرواية ما قبل الأخيرة من الروايات التي عرضناها: «إذا زوّج الأب والجدّ كان التزويج للأوّل، فإن كانا جميعاً في حالة واحدة فالجدّ أولى».
وذلك بتقريب أنّ حذف المتعلّق يفيد العموم، فالرواية مطلقة تشمل الكبيرة والصغيرة، والقرينة التي ذكرنا أنّها تصرف الروايات إلى حلّ مشكلة الابنة كابنة دون حلّ مشكلة الصغيرة كصغيرة _ وهي مسألة ذكر الهوى الخاصّة عادة بزواج الكبيرة _ لا توجد في هذه الرواية.
ولكن هذا الوجه غير تامّ؛ وذلك لأنّنا بعد أن عرفنا أنّ مشكلة زواج الابنة كابنة غير مشكلة زواج الصغيرة كصغيرة والولاية في إحديهما غير الولاية في الأُخرى لم يكن الإطلاق والغلبة توجب الانصراف إلى الغالب، فإنّ الغلبة وإن كانت لا توجب
(1) وسائل الشيعة، ج20، ص290، الباب11 من أبواب عقد النکاح وأولياء العقد، ح3.
(2) المصدر السابق، ح4.
(3) المصدر السابق، الباب11 من أبواب عقد النکاح وأولياء العقد.
انصراف المطلق إلّا انصرافاً بدويّاً، ولكن حينما لم يمكن الإطلاق فالغلبة توجب الانصراف إلى المعنى الذي ينسجم مع الغالب بلا إشكال.
الوجه الثاني: أن يقال: إنّ روايات الباب وإن كانت واردة في ولاية الجدّ بمعناها الثابت في الولاية على الكبيرة لا بمعناه الثابت في ولاية الصغيرة، لكن العرف يستنبط بفهمه العرفي العلّة في المقام، وهي أنّ الجدّ أي أب الأب يعتبر أباً، أو قل: إنّ الأب وبنته لأبيه، وهذه العلّة موجودة في الولاية الأُخرى وهي الولاية على الصغيرة، فالتعدّي العرفي يتمّ في المقام.
الوجه الثالث: أنّنا حتّی لو لم نقبل بما ذكرناه في الوجه الثاني من استنباط العرف للعلّة في المقام فالعلّة مذكورة في إحدى روايات الباب، وهي الرواية الثالثة من الروايات التي عرضناها، وهي صحيحة عليّ بن جعفر التي ورد فيها قوله: «الذي هوى الجدّ أحقّ بالجارية؛ لأنّها وأباها للجدّ»(1).
وهناك رواية أُخرى من هذا القبيل أو أصرح من هذه إلّا أنّها ضعيفة السند بسهل بن زياد، وهي رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «إنّي لذات يوم عند زياد بن عبيدالله الحارثي(2) إذ جاء رجل يستعدي على أبيه فقال: أصلح الله الأمير، إنّ أبي زوّج ابنتي بغير إذني، فقال زياد لجلسائه الذين عنده: ما تقولون فيما يقول هذا الرجل؟ فقالوا: نكاحه باطل. قال: ثم أقبل عليّ فقال: ما تقول يا أبا عبدالله؟ فلمّا سألني أقبلت على الذين أجابوه فقلت لهم: أليس فيما تروون أنتم عن رسول الله(صل الله عليه وآله) أنّ رجلاً جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا فقال له رسول الله(صل الله عليه وآله):
(1) المصدر السابق، ح8.
(2) التعبير بعبيدالله الحارثي وارد في الكافي، ج5، ص395، باب الرجل یرید أن یزوج ابنته ویرید أبوه أن یزوّجها رجلاً آخر من کتاب النکاح، ح3، ولهذا سجّلناه هنا، ولكن الوارد في الوسائل (عبدالله)، والله العالم.
أنت ومالك لأبيك؟ قالوا: بلى، فقلت لهم: فكيف يكون هذا وهو وماله لأبيه، ولا يجوز نكاحه؟! قال: فأخذ بقولهم وترك قولي»(1).
ثم إنّ تمامية الاستدلال بروايات ولاية الجدّ على الكبيرة على ولايته بالمعنى الآخر من الولاية على نكاح الصغير بأحد الوجوه الثلاثة التي عدّدناها متوقّف على الإيمان بتلك الولاية للأب في الصغير حتّى يدّعى: أنّ أولوية الجدّ من الأب أو مساواته له في الولاية بالمعنى الثابت في نكاح الكبيرة تسري إلى تلك الولاية الأُخرى في الصغير، أمّا إذا لم نؤمن أصلاً بتلك الولاية الأُخرى للأب في نكاح الصغير ذكراً أو أُنثى فلا ننتهي إلى النتيجة المطلوبة؛ إذ لم تثبت هذه الولاية على الصغير حتّى يتعدّى من باب النكاح إلى باب التصرّف في أمواله بالبيع والشراء، ولو آمنّا بولاية الأب على نكاح الصغيرة فحسب فقد تمّ التعدّي إلى باب الأموال بشأن الصغيرة، أمّا بشأن الصغير الذكر فيتوقّف التعدّي إلى باب الأموال على دعوى عدم احتمال الفرق في باب الأموال بين الصغيرة والصغير.
ونحن لا نقصد هنا الدخول في ثبوت ولاية الأب بمعنى النفوذ الكامل على نكاح الصغيرة أو الصغير، وإنّما نكتفي بما مضت الإشارة إليه من وجود بعض الروايات بذلك، فقد مضى بشأن الصغيرة ذكر صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع(2)، ومضى أيضاً ذكر صحيحة أُخرى تسوّي في ذلك بين الصغيرة والصغير وهي صحيحة أبي عبيدة الحذّاء(3) وهما لا يخلوان من المعارض(4)، والبحث موكول إلى محلّه. وأظنّ أنّ رأي المشهور مطابق لهاتين الصحيحتين.
(1) وسائل الشيعة، ج20، ص290، الباب11 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، ح5.
(2) المصدر السابق، ص275، الباب6 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، ح1.
(3) المصدر السابق، ج26، ص219، الباب11 من أبواب ميراث الأزواج، ح1.
(4) راجع المصدر السابق، ج20، الباب6 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، ح8.
وأمّا الطائفة الثانية: وهي ما وردت بشأن المضاربة ودلّت على جواز تصرّفهما في مال الطفل بإعطائه للغير لأجل المضاربة فأيضاً لم أجد فيها ما يكون وارداً بشأن الجدّ، وهي روايتان واردتان بشأن الأب:
الأُولى: موثّقة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام «أنّه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بوُلده وبمال لهم وأذن له عند الوصيّة أن يعمل بالمال وأن يكون الربح بينه وبينهم، فقال: لا بأس به من أجل أنّ أباهم قد أذن له في ذلك وهو حيّ»(1).
والثانية: رواية خالد الطويل _ ولم تثبت وثاقته(2)_ قال: «دعاني أبي حين حضرته الوفاة فقال: يا بنيّ اقبض مال إخوتك الصغار واعمل به وخذ نصف الربح وأعطهم النصف وليس عليك ضمان، فقدّمتني أُمّ ولد أبي بعد وفاة أبي إلى ابن أبي ليلى فقالت: إنّ هذا يأكل أموال ولدي. قال: فاقتصصت عليه ما أمرني به أبي، فقال لي ابن أبي ليلى: إن كان أبوك أمرك بالباطل لم أُجزه، ثم أشهد عليّ ابن أبي ليلى إن أنا حرّكته فأنا له ضامن، فدخلت على أبي عبدالله عليه السلام فقصصت عليه قصّتي ثم قلت له: ما ترى؟ فقال: أمّا قول ابن أبي ليلى فلا أستطيع ردّه، وأمّا فيما بينك وبين الله(عز وجل) فليس عليك ضمان»(3).
نعم، لو ضممنا إلى هذه الروايات التعليل الماضي في باب النكاح في صحيحة علي بن جعفر... «قال: الذي هوى الجدّ أحقّ بالجارية؛ لأنّها وأباها للجدّ»(4) تمّ الاستدلال.
(1) المصدر السابق، ج19، ص427، الباب92 من كتاب الوصايا، ح1.
(2) نعم، ورد في هامش المخطوط قول الشيخ الحرّ: «في نسخة: إضافة ابن بكير» فبناءً على هذه النسخة يتمّ السند.
(3) وسائل الشيعة، ج19، ص427، الباب92 من كتاب الوصايا، ح2.
(4) المصدر السابق، ج20، ص291، الباب6 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، ح8.
وأمّا الطائفة الثالثة: وهي ما ورد في الحجر من أنّ الصغير لا يتمكّن من التصرّف في ماله، وإنّما يتصرّف فيه الأب والجدّ فهذه أغرب ما استشهد به السيّد الخوئي رحمه الله على المقصود؛ فإنّ تلك الروايات إنّما دلّت على الحجر على مال الصغير، ولا علاقة لها بمسألة اتّجار الولي بمال الصغير أو كفاية إذن الولي في التصرّف بماله، فمثلاً صحيحة هشام عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام، وهو أشدّه، وإن احتلم ولم يؤنس منه رشده وكان سفيهاً أو ضعيفاً فليمسك عنه وليّه ماله»(1)، تراها لا علاقة لها بمسألة تصرّف الولي في مال الطفل.
ونحوها صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «سألته عن اليتيمة متى يدفع إليها مالها؟ قال: إذا علمت أنّها لا تفسد ولا تضيّع. فسألته: إن كانت قد زوّجت؟ فقال: إذا زُوّجت فقد انقطع ملك الوصيّ عنها»(2).
ولعلّه رحمه الله إنّما يقصد الاستدلال بهذه الروايات على أصل الولاية باعتبار أنّ إمساك المال عنه أو عنها نوع ولاية عليه أو عليها.
ولكن لو حملنا كلامه _ ولو من باب الحمل على الصحّة _ على ذلك خرج الكلام عمّا نحن فيه.
على أنّه لم تُعرف من هذه الروايات أنّ الولي الشرعي من هو، فلعلّه الأب فحسب ووصيّه دون الجدّ، إلّا أن نضمّ إلى ذلك مرّة أُخرى صحيحة علي بن جعفر التي ذكرت أحقّية الجدّ من الأب(3).
(1) وسائل الشيعة، ج18، ص409، الباب الأوّل من كتاب الحجر، ح1.
(2) المصدر السابق، ص410، ح3.
(3) المصدر السابق، ج20، ص291، الباب11 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، ح8. نعم، لا إشكال في أنّ ذيل الحديث الذي أثبت ملك الوصيّ يثبت ملك الموصي وهو الأب بلا إشكال ولكن هذا غير مسألة الاستدلال بعنوان روايات الحجر على الصغير على المقصود.
ومن جملة الروايات التي يمكن الاستدلال بها على المقصود روايات جواز أكل الأب من مال ابنه لدى الحاجة، وهي واردة في الوسائل في باب حكم الأخذ من مال الولد والأب(1).
والظاهر أنّ أكثرها خارجة عن مسألة ولاية الأب على مال ابنه الصغير لنفس الصغير، وإنّما هي واردة في مقام بيان مقدار ما يجوز للآباء من الاستفادة من أموال الأولاد، فبعض تلك الروايات ما يلي:
1_ صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «سألته عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه؟ قال: يأكل منه ما شاء من غير سرف. وقال: في كتاب علي(عليه السلام): إنّ الولد لا يأخذ من مال والده شيئاً إلّا بإذنه، والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء، وله أن يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها، وذكر أنّ رسول الله(صل الله عليه وآله) قال لرجل: أنت ومالك لأبيك»(2).
2_ صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر(عليه السلام): «إنّ رسول الله(صل الله عليه وآله) قال لرجل: أنت ومالك لأبيك. قال أبو جعفر(عليه السلام): ما أُحبّ أن يأخذ من مال ابنه إلّا ما احتاج إليه ممّا لابدّ منه إنّ الله لا يحبّ الفساد»(3).
3_ صحيحة أو موثّقة(4) سعيد بن يسار قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): أيحجّ الرجل من مال ابنه وهو صغير؟ قال: نعم، قلت: يحجّ حجّة الإسلام، وينفق منه؟ قال: نعم بالمعروف، ثم قال: نعم يحجّ منه وينفق منه، إنّ مال الولد للوالد، وليس للولد أن يأخذ من مال والده إلّا بإذنه»(5).
(1) المصدر السابق، ج17، ص262 _ 266، الباب78 من أبواب ما يكتسب به.
(2) المصدر السابق، ص262، ح1.
(3) المصدر السابق، ص263، ح2.
(4) هذا الترديد في الكلام لأجل وجود عثمان بن عيسى فى السند.
(5) وسائل الشيعة، ج17، ص264، الباب78 من أبواب ما يكتسب به، ح4