131

من أنّ تأثير الزواج والدخول يكون بالتأثير التكويني وأنّ المقياس بعد البلوغ تسع سنين إنّما هو الرشد؛ لأنّ السائل حينما سأل الإمام: متى يدفع إليها مالها؟ أجابه الإمام بقوله: «إذا عُلمت أنّها لا تفسد ولا تضيّع» وهذا كفاية الرشد، وبعد ذلك فرض السائل أنّها تزوّجت، وهنا حكم الإمام بأنّه إذا تزوّجت فقد انقطع ملك الوصيّ عنها، وهذا إلى جنب الجواب الأوّل يعطي معنى أنّه بالزواج حصلت قوّة عدم الإفساد وعدم التضييع.

وعليه فالأقوى أنّ المقياس في البنت من بعد البلوغ إنّما هو الرشد وأنّ الزواج والدخول ليس إلّا مؤثّراً تكوينيّاً في رشدها، فلو تمّ فيها الرشد من دون زواج ودخول كفى.

ما دلّ علی عدم الحجر علی الصبي في خيراته

وأخيراً أقول: لا نُغفل ما مضت الإشارة إليه من أنّ ورود الروايات الكثيرة في عدم الحجر على الغلام في خيراته ووصيّته وصدقاته بقدر ما يعقل لا يضرّ بهدفنا، ولا يبطل إطلاق دليلنا فيما هو المقصود من الحجر على من لم يبلغ النكاح في التجارات من قبيل البيع والشراء، وبإمكانك مراجعة تلك الروايات والتي فيها روايات عديدة تامّة سنداً في مظانّها، ونحن نذكر هنا رواية واحدة منها، ونحيل البقية على مظانّها:

أمّا تلك الرواية التي نذكرها فهي معتبرة ابن بكير عن أبي عبدالله(عليه السلام): «يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل ووصيّته وصدقته وإن لم يحتلم»(1).

وأمّا إحالتنا للبقية على مظانّها فإليك مراجعة الوسائل(2).


(1) الكافي، ج6، ص124، باب طلاق الصبيان من كتاب الطلاق، ح4. ومثلها صحيحة جميل بن درّاج عن أحدهما(عليهما السلام) الواردة في الوسائل، ج19، ص212، الباب15 من کتاب الوقوف والصدقات، ح2؛ وفي التهذيب،‌ج8، ص76، الباب3 من کتاب الطلاق، ح176: جميل بن درّاج عن محمد بن مسلم، ولا يؤثّر فرض وساطة محمد بن مسلم وعدمه؛ لأنّه ثقة.

(2) وسائل الشيعة، ج19، ص360، الباب44، من کتاب الوصايا؛ وص211، الباب15 من کتاب الوقوف والصدقات؛ وج23، ص17، الباب56 من کتاب العتق؛ وج22، ص77، الباب32 من أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه.

132

علامات البلوغ

وبعد فلا بأس هنا بالمناسبة من التركيز على علائم البلوغ ولو مختصراً، فنقول:

أوّلاً: علائم البلوغ في الذكور

علائم البلوغ في الذكور أربعة بإضافة إشعار الوجه إلى العلائم الثلاث المعروفة كما ورد في صحيح يزيد الكناسي عن الباقر(عليه السلام): «... يا أبا خالد إنّ الغلام إذا زوّجه أبوه ولم يدرك كان بالخيار إذا أدرك وبلغ خمس عشرة سنة أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته قبل ذلك...»(1).

وقوله: «أو يشعر في وجهه» محمول على إشعار الشوارب أو على إشعار اللحية أو يشمل بالإطلاق كلّ واحد منهما.

ولعلّ السبب في عدم وجود ذلك في الفتوى المعروفة على الألسن التي تنصّ على نبات العانة دون إشعار الوجه هو تأخّر ذلك عادة عن نبات العانة.

وفي خبر حمران عن أبي جعفر(عليه السلام)«... الغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتّى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك»(2). وفي السند عبدالعزيز العبدي وقد ضعّفه النجاشي(3)، ويكفينا حديث يزيد الكناسي فإنّ الظاهر اتّحاده مع أبي خالد القمّاط.

وفي مقابل هذا الحديث من ناحية السنّ روايات تعيّن سنّ ثلاث عشرة سنة من قبيل:

1_ ما رواه الشيخ في التهذيب، بسنده عن علي بن الحسن بن فضّال عن محمد وأحمد ابني الحسن عن أبيهما عن أحمد بن عمر الحلبي عن عبدالله بن سنان عن


(1) وسائل الشيعة، ج20، ص278، الباب6 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، ح9.

(2) المصدر السابق، ج1، ص43، الباب4 من أبواب مقدّمة العبادات، ح2.

(3) رجال النجاشي، ص245، رقم641.

133

أبي عبدالله عليه السلام قال: «سأله أبي وأنا حاضر عن قول الله(عز وجل): ﴿حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ قال: الاحتلام. قال: فقال: يحتلم في ستّ عشرة أو سبعة عشر ونحوها. فقال: إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة... كتبت له الحسنات وكتبت عليه السيّئات وجاز أمره إلّا أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً. فقال: وما السفيه؟ فقال: الذي يشتري الدراهم بأضعافه. قال: وما الضعيف؟ قال: الأبله»(1).

وسند الحديث لا يخلو من غمز بسبب سند الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضّال على ما بيّنّاه في بعض أبحاثنا القديمة.

2_ ما رواه الشيخ في موثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ فقال: إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم. والجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم»(2).

3_ موثّقة عبدالله بن سنان الواردة في التهذيب(3)، وفي الكافي(4)، ومتن الحديث ما يلي: «إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة کتبت له الحسنة وكتبت عليه السيّئة وعوقب، وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك، وذلك أنّها تحيض لتسع سنين».

وصحيح يزيد الكناسي الناصّ على خمس عشرة سنة أجلى سنداً من هذه الروايات.

وإذا أردنا تطبيق قواعد الترجيح الواردة في باب التراجيح للروايات المتعارضة فهناك طريقان لترجيح خبر الخمس عشرة سنة على خبر الثلاث عشرة سنة:


(1) تهذيب الأحکام، ج9، ص182، باب وصيّة الصبي والمحجور عليه من کتاب الوصايا،‌ح6. ورواه في الوسائل، ج19، ص363، الباب 44 من کتاب الوصايا، ح8.

(2) الاستبصار، ج1، ص409، باب الصبيان متی یؤمرون بالصلاة من أبواب ما يقطع الصلاة وما لا يقطعها، ح2.

(3) تهذيب الأحکام، ج9، ص184، باب وصيّة الصبي والمحجور عليه من کتاب الوصايا، ح16.

(4) الکافي، ج7، ص69، باب الوصيّ يدرك أيتام... من کتاب الوصايا، ح7.

134

أوّلاً: أنّ الشهرة الفتوائية مطابقة لصحيح يزيد الكناسي، فإن حملنا قاعدة «خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر» على الشهرة الفتوائية أو جعلنا الشهرة القوية في المقام قرينة على الشهرة الروائية عندهم لحديث الخمس عشرة سنة فقد انتهى الإشكال.

وثانياً: إنّ إطلاق الكتاب يكون مرجّحاً لخبر الخمس عشرة سنة. ولو قلنا بالتساقط في الروايات كفانا إطلاق الكتاب مرجعاً، فإنّ قوله تعالى: ﴿حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوْا النَّكَاحَ﴾(1) واضح في أنّ الأصل الأوّلي في انتهاء اليتم هو بلوغ النكاح، ومقتضى إطلاق ذلك إن لم يبلغ النكاح لم يخرج من اليتم، والمتيقّن خروجه عن ذلك بمقتضى السنّ هو من بلغ خمس عشرة سنة لا أقلّ من ذلك.

وأمّا رواية الحسن بن راشد الدالّة على كفاية البلوغ ثماني سنين الواردة عن العسكري(عليه السلام): «إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله وقد وجب عليه الفرائض والحدود وإذا تمّت للجارية سبع سنين فكذلك»(2). فلا أظنّ وجود عامل واضح بها، على أنّ سندها ساقط بالعبدي الذي شهد النجاشي بضعفه، وبالتالي فهذا الحديث إمّا أن يضرب عرض الحائط أو يؤوَّل بتأويل لا يكون جمعاً عرفيّاً كالحمل على فرض الاحتلام لدى بلوغ ثماني سنين.

ثانياً: علائم البلوغ في البنات

لا أظنّ وجود إشكال في علامية الحيض، وإنّما المهمّ في المقام بحث مبلغ السنّ، فالمشهور المعروف أنّ البلوغ السِنّي في البنات عبارة عن إكمال التاسعة.

وقد يدلّ على ذلك إطلاق الآية الكريمة: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النَّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مَّنْهُمْ رُشْدَاً فَادْفَعُوْا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ...﴾(3).


(1) النساء: 6.

(2) وسائل الشيعة، ج19، ص212، الباب15 من کتاب الوقوف والصدقات، ح4.

(3) النساء: 6.

135

إلّا أنّ تمامية إطلاق الآية مشروط بشرطين: الأوّل أن نجزم بإطلاق كلمة اليتامى فيها لليتيمات باعتبار أنّ الجمع المكسّر يستعمل كثيراً فيما يشمل الذكور والإناث. والثاني أن نضمّ إلى إطلاق الآية الوضوح الفقهي القائل بجواز نكاح البنت المكمّلة للتاسعة، فعندئذٍ يكون قيد الرشد راجعاً إلى دفع الأموال إليهنّ، ولكنّ البلوغ يتمّ بتمامية التاسعة.

ولو تمّ إطلاق الآية المباركة كان ترجيحاً لروايات تمامية بلوغ البنات بانتهاء التاسعة على تقدير التعارض بينها وبين غيرها.

أمّا لو لم يتمّ ذلك فلا طريق آخر لإثبات المقصود إلّا التمسّك بالروايات مع الترجيح لروايات التاسعة بالشهرة لو تمّ التعارض.

ولا ينبغي الإشكال في الشهرة الفتوائية، ولكنّ الكلام في الشهرة الروائية.

فمن حيث الفتوى لا إشكال في أنّ المشهور بين الأصحاب حصول البلوغ لها بإكمال تسع سنين. وفي الجواهر: «هو الذي استقرّ عليه المذهب، خلافاً للشيخ في صوم المبسوط وابن حمزة في خمس الوسيلة فبالعشر، إلّا أنّ الشيخ قد رجع عنه في كتاب الحجر، فوافق المشهور، وكذا الثاني في كتاب النكاح منها»(1).

أمّا الروايات فهناك عدد من الروايات يمكن الاستدلال بها على إكمال التاسعة من قبيل:

1_ صحيح يزيد الكناسي الذي مضى مقطع منه في أوّل رواية ذكرناها لعلائم بلوغ الذكور: قال: «قلت لأبي جعفر(عليه السلام): متى يجوز للأب أن يزوّج ابنته ولا يستأمرها؟ قال: إذا جازت تسع سنين، فإن زوّجها قبل بلوغ التسع سنين كان الخيار لها إذا بلغت تسع سنين. قلت: فإن زوّجها أبوها ولم تبلغ تسع سنين فبلغها ذلك فسكتت ولم تأبّ ذلك أيجوز عليها؟ قال: ليس يجوز عليها رضیً في نفسها، ولا يجوز لها تأبًّ


(1) جواهر الکلام، ج26، ص38.

136

ولا سخط في نفسها حتّى تستكمل تسع سنين، وإذا بلغت تسع سنين جاز لها القول في نفسها بالرضا والتأبّي وجاز عليها بعد ذلك وإن لم تكن أدركت مدرك النساء. قلت: أفتقام عليها الحدود وتؤخذ بها وهي في تلك الحال وإنّما لها تسع سنين ولم تدرك مدرك النساء في الحيض؟ قال: نعم، إذا دخلت على زوجها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها وأُقيمت الحدود التامّة عليها ولها، قلت: فالغلام يجري في مجری الجارية؟ فقال: يا أبا خالد إنّ الغلام إذا زوّجه أبوه ولم يدرك كان بالخيار إذا أدرك وبلغ خمس عشرة سنة أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته قبل ذلك...»(1).

وسند الحديث قد أشرنا إلى تماميّته حتّى لو احتملنا تعدّد يزيد الكناسي وعدم انحصاره في أبي خالد القمّاط الذي هو ثقة بشهادة النجاشي، وذلك ببركة خطاب الإمام عليه السلام ليزيد الكناسي في هذا الحديث بقوله: «يا أبا خالد» إلّا أنّ هناك شبهة في دلالة الحديث من ناحية قوله(عليه السلام): «نعم، إذا دخلت على زوجها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها وأُقيمت الحدود التامّة عليها ولها» فقد يقال: إنّ هذا التعبير يدلّ على عدم كفاية بلوغ التاسعة للتكليف؛ لأنّه شرط ذلك بالدخول على الزوج.

ولكن يستظهر كون هذا القيد إنّما كان بلحاظ دفع المال إليها، وأنّ الدخول على الزوج له تأثير على الرشد أو له تأثير على إشراف الزوج على طريقة صرفها للمال، لا بلحاظ بلوغ سنّ التكليف.

ولو تمّت هذه الشبهة في الدلالة فإنّما تتمّ في هذا النقل الذي اختصّ به الشيخ الطوسي رحمه الله(2)، ولا تتمّ في النقل الآخر الذي اشترك فيه الكليني والشيخ، وهو ما رواه محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن أبي أيّوب الخرّاز عن يزيد الكناسي عن أبي جعفر عليه السلام قال: «الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب


(1) وسائل الشيعة، ج20، ص278، الباب6 من أبواب عقد النکاح وأولياء العقد، ح9.

(2) تهذيب الأحکام، ج7، ص382، باب عقد المرأة علی نفسها النکاح و... من کتاب النکاح، ح20.

137

عنها اليتم وزوّجت وأُقيمت عليها الحدود التامّة لها وعليها. قال: قلت: الغلام إذا زوّجه أبوه ودخل بأهله وهو غير مدرك أتقام عليه الحدود وهو علی تلك الحال؟ قال: أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا، ولكن يجلد في الحدود كلّها على مبلغ سنّه، فیؤخذ بذلك ما بینه وبين خمس عشرة سنة ولا تبطل حدود الله في خلقه، ولا تبطل حقوق المسلمين بينهم»(1).

إلّا أنّ الاستفادة من هذا المتن الثاني تتوقّف على أحد أمرين:

إمّا دعوى وحدة الرواية بقرينة وحدة السند من حسن بن محبوب إلى الإمام عليه السلام ووحدة الإمام وتقارب المضمون، فيثبت بذلك أنّ يزيد الكناسي هو أبو خالد القمّاط الذي خاطبه الإمام في المتن الأوّل بقوله: «يا أبا خالد» وبهذا يتمّ سند الحديث لوثاقة أبي خالد، ونستفيد من مزايا كلا المتنين بكاملهما، ولم يثبت تعارض وتهافت بين المتنين.

وإمّا الجزم بوحدة يزيد الكناسي وأنّه هو أبو خالد فتصحّ كلّ رواياته، وأيضاً نستفيد هنا من مزايا كلا المتنين بكاملهما.

2_ موثّقة عبدالله بن سنان الواردة في التهذيب بسند الشيخ إلى الحسن بن سماعة عن جعفر بن سماعة عن آدم بيّاع اللؤلؤ عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة وكتب عليه السيّئة وعوقب، وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك وذلك أنّها تحيض لتسع سنين»(2).

والواردة في الكافي، عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن جعفر بن


(1) وسائل الشيعة، ج28، ص20، الباب6 من أبواب مقدمات الحدود وأحکامها العامة، ح1؛ الکافي، ج7،‌ص198، باب الحد في اللواط من کتاب الحدود، ح2. وتهذيب الأحکام، ج10،‌ص38، الباب الأوّل من کتاب الحدود، ح133.

(2) تهذيب الأحکام، ج9، ص184، باب وصيّة الصبي والمحجور عليه من کتاب الوصايا، ح16.

138

سماعة عن آدم بيّاع اللؤلؤ عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «إذا بلغ الغلام...»(1).

والمقصود بقوله: «أنّها تحيض لتسع سنين» قابليّتها للحيض؛ وذلك لوضوح أنّه لو كان لها حيض لتسع سنين ففي غاية الندرة.

3_ رواية حمزة بن حمران عن حمران(2) في حديث عن الباقر(عليه السلام): «إنّ الجارية ليست مثل الغلام، إنّ الجارية إذا تزوّجت ودُخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها وجاز أمرها في الشراء والبيع وأُقيمت عليها الحدود التامّة وأُخذ لها وبها. قال: والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتّى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك».

والشبهة الموجودة في دلالة الحديث عبارة عمّا ورد فيه من قوله: «إذا تزوّجت ودخل بها» فيقال: إنّ هذا دليل على أنّ مجرّد البلوغ تسع سنين غير كافٍ لبلوغ سنّ التكليف، بل لابدّ من شرط الزواج والدخول بها.

فإن استظهرنا أنّ هذا القيد كان قيداً في نفوذ التصرّف المالي بسبب أنّ الزواج يوجب إشراف الزوج عليها في تصرّفاتها المالية فيصونها من الخطأ، أو بسبب أنّ الدخول بها يؤثّر تکويناً في رشدها المالي، ومن الواضح عدم تأثير ذلك في رشدها لتطبيق الأحكام التكليفية فقد انتهى الإشكال. وهذا الاستظهار عندنا صحيح.

وإن قلنا بالإجمال فأيضاً انتهى الإشكال؛ لكفاية ما مضى من الروايتين الأُوليين.


(1) الکافي، ج7، ص69، باب الوصيّ يدرك أيتامه فیمتنعون من أخذ مالهم و... من کتاب الوصايا، ح6.

(2) في وسائل الشيعة، ج17، ص360، الباب14 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح1، كلمة «عن حمران» ساقطة، وثابتة في ج1، ص43، الباب4 من أبواب مقدمة العبادات، ح2، وكذلك في ج18، ص411، الباب2 من کتاب الحجر، ح1. وهذا هو الموجود في المصدر أعني الكافي، ج7، ص197، باب حد الغلام والجارية اللذين يجب علیهما الحد تامّاً من کتاب الحدود، ح1. والحديث بطوله موجود في وسائل الشيعة، ج1، ص43، الباب4 من أبواب مقدمة العبادات، ح2.

139

ولو قلنا بالظهور في الخلاف ومعارضة ذلك للروايتين الأُوليين فيكفينا ضعف سند هذا الحديث بعبد العزيز العبدي الذي شهد النجاشي بضعفه.

بقي الكلام في روايتين:

الأُولى: رواية السبع التي مضى ذكرها ضمن روايات بلوغ الذكر عن الحسن بن راشد عن العسكري(عليه السلام): «إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله وقد وجب عليه الفرائض والحدود، وإذا تمّت للجارية سبع سنين فكذلك»(1).

وهذه الرواية مطروحة؛ إذ لا أظنّ قائلاً بمضمونها، فإمّا أن تؤوّل تأويلاً غير عرفي أو تطرح عرض الحائط، على أنّها ساقطة _ كما مضى _ سنداً بعبد العزيز العبدي الذي شهد النجاشي بتضعيفه.

والثانية: ما مضى ضمن روايات بلوغ الذكور من موثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ فقال: إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم، والجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم»(2).

ولا شكّ في ترجيح روايات التاسعة على هذه الرواية؛ لأنّ بلوغها بالتسع هو الذي استقرّ عليه المذهب، فإن حملت قاعدة «خذ بما اشتهر بين أصحابك» على الشهرة الفتوائية فالأمر واضح، وإن حملت على الشهرة الروائية فاستكشاف الشهرة الروائية هنا عن طريق المسلّمية الفتوائية أوضح منه في سنّ بلوغ الذكور؛ لأنّ استقرار المذهب على الأمر من أوّل عهد الغيبة الكبرى لا أظنّ فيه إشكالاً.

والترجيح بالقرآن أيضاً ثابت كما مضى لو قلنا بأنّ الجمع المكسّر في قوله تعالى:


(1) وسائل الشيعة، ج19، ص212، الباب15 من کتاب الوقوف والصدقات، ح4.

(2) المصدر السابق، ج1، ص45، الباب4 من أبواب مقدمة العبادات، ح12.

140

﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النَّكَاحَ...﴾(1) يشمل الذكور والإناث، فإنّه عندئذٍ نضمّ الآية المباركة إلى الوضوح الفقهي القائل بجواز النكاح مع البنت البالغة تسع سنين من العمر، ويثبت بذلك دلالة القرآن على الخروج من اليتم في هذا السنّ.

على أنّ إعراض الأصحاب ولا يبعد أن يکون کلّهم عن الإفتاء بسنّ الثلاث عشرة في البنات قد أسقط الوثوق بهذه الموثّقة، فلم يبق أساس لحجّيّتها.

هذا تمام ما أردنا ذكره هنا في بحث علائم البلوغ.


(1) النساء، الآية: 6.

141

الشرط الثاني: القصد

فقد ذکر الشيخ الأعظم(قدس سره) من شرائط المتعاقدين القصد(1).

وهذه مسامحة بلا إشكال کما نبّه عليه الشيخ النائيني رحمه الله بحسب ما ورد في التقريرين(2)؛ وذلك لأنّ القصد يكون به قوام أصل العقد، وليس مرتبطاً بشروط المتعاقدين، والقصد الذي يكون به قوام العقد يكون بأحد معاني ثلاثة:

1_ قصد اللفظ، فلو كان غالطاً أو نائماً أو نحو ذلك لم يتحقّق العقد كما هو واضح.

2_ استعمال اللفظ في المعنى، فلو كان لاغياً لم يتحقّق العقد كما هو واضح أيضاً.

3_ أن يكون جادّاً في إرادة المعنى، فلو كان هازلاً أو مهدَّداً أو نحو ذلك لم يتحقّق العقد، وهذا أيضاً واضح كلّ الوضوح.

وقد وقع الكلام في أنّه هل القصد يحصل من قِبل الفضولي ومن قِبل المكرَه أو لا.

وأفاد السيّد الخوئي رحمه الله: أنّ الشهيد في المسالك ذكر أنّهما قاصدان للّفظ دون


(1) کتاب المكاسب، ج3، ص295.

(2) راجع منية الطالب، ج1، ص183؛ والمكاسب والبيع (للشيخ الآملي)، ج1، ص406. وورد في كتاب الشيخ الآملي إمكان توجيه له بقوله: «اللهمّ إلا أن يكون باعتبار كون المتعاقدين محلّاً له أعني كون قصدهما دخيلاً في تحقّقه» وهذا التوجيه ضعيف كما هو واضح، وقد تكون كلمة «اللهمّ» إشارة إلى ضعفه.

142

المعنى. ونقول: أمّا المكره فهو بحسب الغالب قاصد للمعنى كما أنّه قاصد للّفظ، فالإكراه غير مستلزم لعدم قصد المعنى، وإنّما الشرط المفقود هو طيب النفس وبلحوق الرضا ينفذ، وأمّا الفضولي فهو أيضاً قاصد للّفظ والمعنى حقّاً، لطيب نفسه، وإنّما المفقود شرط الملك(1). انتهى ملخّصاً ولنعم ما أفاد.

ثم إنّ الشيخ الأنصاري رحمه الله ألحق ببحث شرط القصد بحث قصد المالكين اللذين يتحقّق النقل والانتقال بالنسبة إليهما وضرورة تعيينهما أو عدمها، ونقل كلاماً مفصّلاً عن المرحوم الشيخ أسدالله التستري في المقابس وناقشه نقاشاً مفصّلاً(2).

ونحن لا نريد التعرّض لذلك إلّا لما ذكره الشيخ في أوّل مقطع من عبارته لدى انتهائه من نقل كلام الشيخ أسدالله التستري. وخلاصته أنّ باب الأعيان خارج عن هذا البحث؛ لأنّ تعيّن العين يغني عن تعيين المالك؛ إذ المعاوضة ليست إلّا المبادلة في دخول كلّ من العوضين في ملك مالك الآخر. نعم، في باب الذمم لابدّ من التعيين؛ لأنّ ملكية الكلّي لا تكون إلّا مضافاً إلى ذمّة، وإجراء أحكام الملك على ما في ذمّة الواحد المردّد بين شخصين فصاعداً غير معهود.

فتعيّن الشخص في الكلّي إنّما يحتاج إليه لتوقّف اعتبار ملكية ما في الذمم على تعيين صاحب الذمّة.

والنتيجة: أنّ تعيين المالك بما هو مالك غير معتبر سواء في العوض المعيّن أو في الكلّي، أمّا الأوّل فالمالك فيه معيّن قهراً، وأمّا الثاني فلأنّ تعيين الكلّي أو الذمّة لم يكن لاشتراط تعيين المالك بما هو، وإنّما كان لتعقّل ملكية العوض؛ فإنّ من اشترى لغيره في الذمّة إذا لم يعيّن الغير لم يكن الثمن ملكاً؛ لأنّ ما في الذمّة ما لم يضف إلى شخص معيّن لم يترتّب عليه أحكام المال من جعله ثمناً أو مثمناً، وكذا الوكيل أو الوليّ العاقد


(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج36، ص309 _ 310.

(2) راجع کتاب المكاسب، ج3، ص296 وما بعدها.

143

عن اثنين فإنّه إذا جعل العوضين في الذمّة بأن قال: «بعت عبداً بألف» ثم قال: «قبلت» فلا يصير العبد قابلاً للبيع ولا الألف قابلاً للشراء به حتّى يسند كلّاً منهما إلى معيّن أو إلى نفسه من حيث إنّه نائب عن ذلك المعيّن فيقول: «بعت عبداً من مال فلان بألف من مال فلان» فيمتاز البائع والمشتري.

145

الشرط الثالث: الاختيار

ذکر الشيخ الأعظم(قدس سره) من شرائط المتعاقدين الاختيار بمعنی القصد إلى وقوع مضمون العقد عن طيب نفس في مقابل الكراهة وعدم طيب النفس، لا الاختيار في مقابل الجبر(1).

ويمكن الاستدلال على ذلك تارة بالآية الكريمة: ﴿ٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوْا لَا تَأْكُلُوْا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُوْنَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مَّنْكُمْ﴾(2).

وأُخرى بما رواه الصادق عليه السلام عن رسول الله(صل الله عليه وآله) «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفس منه»(3).

وثالثة بقول الحجّة(عجل الله تعالى فرجه الشريف): «لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه»(4).

والاستدلال بالآية المباركة واضح لا غبار عليه بناء على إرجاعها إلى الاستثناء المتّصل بتفسير الآية المباركة بمعنى «لا تأكلوا أموالكم بينكم» بكلّ سبب فإنّه باطل


(1) راجع کتاب المكاسب، ج3، ص307.

(2) النساء: 29.

(3) عوالي اللئالي، ج3، ص473، باب الغصب، ح3.

(4) وسائل الشيعة، ج9، ص540، الباب3 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح7.

146

﴿إلَّا أَنْ تَكُوْنَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ﴾، وهذا التفسير هو المستفاد من كلام السيّد الخوئي رحمه الله في التنقيح(1) وفي مصباح الفقاهة(2).

أمّا بناء على حملها على الاستثناء المنقطع فقد يناقش في دلالتها؛ لما تعارف القول من أنّ الاستثناء المنقطع لا يفيد الحصر من قبيل: «ما جاءني إلّا حماراً» أو «ما جاءني القوم إلّا حماراً» فإنّ هذا لا يدلّ على انحصار مجيء حيواناتهم بالحمار.

ولكن خصوص الآية المباركة ظاهرة في الحصر حتّى على الانقطاع، ولنِعْم ما ورد في مصباح الفقاهة تقرير الشيخ التوحيدي رحمه الله لبحث السيّد الخوئي من أنّه على تقدير حمل الآية على الاستثناء المنفصل فالاستثناء المنفصل وإن كان لا يفيد الحصر بنفسه، ولكن الله تعالى حيث كان في مقام بيان الأسباب المشروعة للمعاملات وفصل صحيحها عن فاسدها وكان الإهمال مخلّاً بالمقصود فلا محالة يستفاد الحصر من الآية بالقرينة المقامية(3).

أقول بكلمة أُخرى: إنّ المهمّ في مثل «ما جاءني إلّا حماراً» لم يكن للمتكلّم إلّا نفي مجيء القوم، أمّا في الآية المباركة فتشخيص العقد الصحيح لم يكن بأقلّ أهمّية من تحريم أكل المال بالباطل، فالمفهوم من الآية لا محالة عرفاً هو الحصر.

ثم إنّ التمكّن وعدم التمكّن من التورية لا دخل له فيما ذكرناه من مسألة طيبة النفس التي دلّت الآية المباركة والروايتان المشار إليهما على شرطيّتها في صحّة المعاملة.

الإکراه بحقّ

وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ الإكراه المبطل للمعاملة بسبب فقد طيبة النفس لا يشمل الإكراه بحقّ من قبل وليّ الأمر، كما نبّه على ذلك الشيخ التوحيدي رحمه الله في مصباح


(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج36، ص321 وص351.

(2) مصباح الفقاهة، ج3، ص288.

(3) المصدر السابق.

147

الفقاهة تقريراً لبحث السيّد الخوئي(قدس سره)(1)، فمثلاً لو حكم القاضي ببيع مال المديون لإيفاء الغرماء حقوقهم، أو أُجبر المحتكر من قِبل حاكم الشرع على بيع ما احتكره من الطعام فيما إذا لم يوجد الباذل، أو الواجب عليه الإنفاق على بيع أمواله وصرف ثمنها في نفقة واجبي النفقة أو ما إلى ذلك لم يؤثّر هذا الإكراه في بطلان البيع.

ويمكن توجيه ذلك بأحد أمرين:

إمّا بدعوى أنّ المقصود بـ ﴿تِجَارَةٍ عَنْ تَرَاضٍ﴾ أو المعاملة بطيبة النفس هو التراضي وطيب النفس في المجتمع بما فيه نظام الولايات الشرعية.

أو بدعوى أنّ المقصود وإن كان هو التراضي أو طيب النفس بين الملّاك أنفسهم ولكن أدلّة الولاية ناظرة إلى دليل شرط الرضا والطيب وحاكمة عليه.

هل أنّ لحوق الرضا بعد الإکراه يصحّح العقد

بقي الكلام في أنّ لحوق الرضا من قبل المُكرَه بعد الإكراه هل يصحّح العقد أو لا؟

قد يقال: لئن كان عقد الفضولي يتمّ بلحوق الإجازة على ما سوف يأتي إن شاء الله فتماميّته في عقد المكره بلحوق الرضا بطريق أولى.

وخير ما يمكن أن يقال في الفرق بين باب عقد المكرَه وباب عقد الفضولي هو أنّ عقد الفضولي لم يكن عقداً للمالك، وقد استند العقد إلى المالك بإجازته على ما يدّعى من أنّ إجازته جعلته طرفاً لذاك العقد حقيقة بعد أن لم يكن طرفاً له، فيكون العقد مستنداً إليه _ منذ أن استند إليه _ بالرضا، وهذا بخلاف المكرَه، فإنّ العقد كان مستنداً إليه منذ البدء ولكنّه لم يكن برضا وطيب النفس، فخروجه عن عموم وجوب الوفاء كان بالتخصيص، فتجارته كانت بغير رضا، والشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه.

وبعد قبول مبنى هذا الإشكال وهو أنّ نكتة صحّة عقد الفضولي بالإجازة هي


(1) المصدر السابق، ص293 _ 294.

148

أنّ الإجازة جعلته حقيقة طرفاً للعقد يكون خير جواب على هذا الإشكال أنّه ليس المراد بالعقد إنشاؤه الذي لا بقاء له، بل المراد الأمر الاعتباري من المبادلة والذي له بقاء واستمرار في عالم الاعتبار، فإذا لحقه الرضا خرج العقد عن كونه عقداً مكرهاً عليه(1)، فجميع أدلّة النفوذ من دليل وجوب الوفاء بالعقد أو تجارة عن تراض أو حلّ مال المسلم بطيب نفسه أو غير ذلك تشمله.

ومقتضى الأصل العملي هو النفوذ من حين الرضا، فصحيح أنّ الكشف الحقيقي أمر ممكن فضلاً عن الكشف الحكمي لكنّه بحاجة إلى دليل، فلو تمّ الدليل عليه فيما سيأتي إن شاء الله في بحث الفضولي ثبت ذلك في المقام بالأولوية العرفية.


(1) راجع موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج36، ص353.

149

الشرط الرابع: الحرّية أو إذن المولى

ذكر الشيخ الأنصاري رحمه الله أنّ من شروط المتعاقدين إذن السيّد لو کان العاقد عبداً(1)، وقال السيّد الخوئي رحمه الله على ما في التنقيح: ذكروا من جملة شروط صحّة العقد كون العاقد حرّاً، فلو فرض كونه عبداً لم يصحّ ما لم يأذن مولاه(2).

واستدلّ على ذلك بقوله سبحانه وتعالى: ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلَاً عَبْدَاً مَمْلوُكَاً لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ﴾(3).

ولعلّ خير أُسلوب للاستدلال بهذه الآية المباركة هو ما يقال من أنّ المقصود بالقدرة فيها ليست هي القدرة العقلية وبالشيء فيها الأُمور الخارجية، لوضوح قدرة العبد كالحرّ تكويناً على الخياطة مثلاً، وليس المقصود بالقدرة القدرة الشرعية وبالشيء الأفعال الخارجية؛ لوضوح عدم حرمة الأفعال على العبد من قبيل التنفس وتحريك اليد والرأس والعين والتكلّم ونحو ذلك، فلابدّ أن يراد بالقدرة القدرة الوضعية أعني النفوذ، فيكون المراد من قوله: ﴿لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ﴾ نفي نفوذ تصرّفاته،


(1) کتاب المکاسب،‌ ج3، ص337.

(2) راجع موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج36، ص357 _ 358.

(3) النحل: 75.

150

وليس المقصود بذلك نفي نفوذ تصرّفاته في مال سيّده؛ لأنّ عدم نفوذ ذلك ليس معلولاً لمملوكيّته أو عبوديّته، ولذا لا ينفذ تصرّف الحرّ في مال غيره أيضاً فينحصر الأمر في أن يكون المقصود عدم نفوذ تصرّفه في ممتلكات نفسه بناء على القول بمالكية العبد وفي نفسه كالنكاح والطلاق، وليس قوله: ﴿مَمْلوُكَاً﴾ تكراراً بحتاً لقوله: ﴿عَبْدَاً﴾ بل إشارة إلى علّية المملوكية للحكم(1).

وبصحيح زرارة عن أبي جعفر وأبي عبدالله(عليهما السلام) قالا: «المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلّا بإذن سيّده قلت: فإنّ السيّد كان زوّجه بيد من الطلاق؟ قال: بيد السيّد ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلَاً عَبْدَاً مَمْلوُكَاً لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ﴾ أفشيء الطلاق؟!»(2).

قوله: «أفشيء الطلاق» الظاهر أنّ الصحيح هو نسخة الفقيه: «والشيء الطلاق»(3)، أو نسخة الاستبصار: «ليس الطلاق بيده»(4).

وقد حمل الشيخ الحرّ رحمه الله مسألة كون الطلاق بيد السيّد على ما إذا كانت زوجة العبد أمةً لمولاه مشيراً في ذلك إلى بعض الروايات الواردة التي يراها الشيخ الحرّ مفسّرة لذلك، ولعلّ مقصوده بهذا أكثر روايات الباب 43 من مقدّمات الطلاق وشرائطه من الوسائل(5)، وكذلك الرواية الرابعة من الباب 66 من نكاح العبيد والإماء(6).

أقول: ينبغي للشيخ الحرّ رحمه الله أن يخصّص هذا الحمل أعني: حمله لمسألة الطلاق على ما إذا كانت زوجة العبد أمة لمولاه بخصوص ما إذا كان تزوّج بإذن المولى؛ وذلك لموثّقة


(1) لخّصنا من عبارة التنقيح راجع موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)،‌ج36، ص358 _ 359.

(2) وسائل الشيعة، ج22، ص102، الباب45 من أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه، الحديث الوحيد في الباب.

(3) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص541، باب طلاق العبد من کتاب الطلاق، ح4860.

(4) الاستبصار، ج3، ص214، باب أنّ الرجل إذا زوج مملوکته عبده... من أّبواب العقود علی الإماء، ح1.

(5) وسائل الشيعة، ج22، ص98، الباب43 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه.

(6) المصدر السابق، ج21، ص185، الباب66 من أبواب نکاح العبيد والإماء، ح4.

151

عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «سألته عن رجل يزوّج غلامه جارية حرّة، فقال: الطلاق بيد الغلام، فإن تزوّجها بغير إذن مولاه فالطلاق بيد المولى»(1).

ونحوه خبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبدالله(عليه السلام): «إذا كان العبد وامرأته لرجل واحد فإنّ المولى يأخذها إذا شاء وإذا شاء ردّها وقال: لا يجوز طلاق العبد إذا كان هو وامرأته لرجل واحد إلّا أن يكون العبد لرجل والمرأة لرجل وتزوّجها بإذن مولاه وإذن مولاها، فإن طلّق وهو بهذه المنزلة فإنّ طلاقه جائز»(2)، وفي السند محمد بن الفضيل فإن كان هو محمد بن قاسم بن الفضيل نُسب إلى جدّه فهو ثقة ولكن لا أقلّ من احتمال كونه محمد بن الفضيل الأزدي إن لم نقل بانصرافه إليه، وقد ضعّفه الشيخ.

وعلى أيّ حال فبحث الطلاق غير داخل في بحثنا فعلاً، فإنّه إيقاع وليس عقداً.

والمهمّ أنّ صحيح زرارة قد دلّ على عدم نفوذ عقود العبد في نفسه وفي ماله _ إن قلنا بتملّكه للمال _ إلّا بإذن سيّده.

ونظير صحيح زرارة صحيح شعيب العقرقوفي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «سئل وأنا عنده أسمع عن طلاق العبد، قال: ليس له طلاق ولا نكاح، أما تسمع الله تعالى يقول: ﴿عَبْدَاً مَمْلوُكَاً لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ﴾؟! قال: لا يقدر على طلاق ولا نكاح إلّا بإذن مولاه»(3).


(1) المصدر السابق، ج22، ص99، الباب43 من أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه، ح5.

(2) المصدر السابق، ص98، ح1.

(3) المصدر السابق، ج21، ص184، الباب66 من أبواب نکاح العبيد والإماء، ح2. والعيب في سند هذا الحديث عبارة عن سند الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى؛ لأنّ قسماً من روايات الشيخ الطوسي عن أحمد بن محمد بن عيسى حسب ما ورد في مشيخة الشيخ وقع في طريقه أحمد بن محمد بن يحيى العطّار، ولا دليل على وثاقة أحمد بن محمد بن يحيى العطّار إلّا شيخوخته للإجازة، وهذا غير كافٍ للتوثيق. ←

152

هل أنّ الإجازة اللاحقة من المولی تصحّح العقد؟

يبقى الكلام في أنّ الإجازة اللاحقة من قِبل المولى هل تصحّح عقد العبد كما يقال بذلك في إجازة المالك اللاحقة بعد عقد الفضولي أو لا؟

وهنا طرح الشيخ الأنصاري رحمه الله أوّلاً احتمال عدم فائدة لحوق الإجازة اللاحقة؛ لأنّ العقد لم يكن فضوليّاً صدر من غير المالك فتلحقه إجازة المالك، وإنّما كان عيب العقد أنّه صدر مستقلّاً عن إرادة المولى، وهذا شيء لا يقدر عليه العبد في نظر الإسلام، وما وقع مستقلّاً عن المولى لا يخرج عمّا وقع عليه بالإجازة المتأخّرة(1).

أقول: ويمكن تأكيد هذا الاحتمال بناء علی ما قد يقال من أنّ صحّة العقد الفضولي


والحلّ هو الرجوع إلى فهرست الشيخ، فمن أسانيد الشيخ في الفهرست إلى جميع كتب وروايات أحمد ابن محمد بن عيسى عبارة عن: «عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن أبيه عن محمد بن الحسن الصفّار وسعد جميعاً عن أحمد بن محمّد بن عيسى» ونحن لا نحتمل تواطؤ عدّة من مشايخ الشيخ الطوسي على الكذب.إلّا أنّ هذا الحلّ إلى هذا الحدّ ناقص؛ لأنّ أحمد بن محمد بن الحسن ابن الوليد أيضاً لا دليل على وثاقته عدا شيخوخته للإجازة.ولكن من حسن الحظّ أنّ هذا النقص يمكن علاجه، وعلاجه هو أنّ أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد لا يروي إلّا عن كتاب أبيه محمد بن الحسن بن الوليد، وللشيخ سند تامّ إلى كتب أبيه، وهو ما ورد في الفهرست، [ص156] من سندٍ له إلى روايات وكتب محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد من قوله: «أخبرنا بها جماعة عن أبي جعفر بن بابويه عنه». (راجع معجم رجال الحديث، ج16، ص220 ترجمة محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، رقم: 10490). وهنا أيضاً نقول: إنّ احتمال تواطؤ جماعة من مشايخ الشيخ الطوسي على الكذب غير وارد. (وراجع أيضاً الفهرست، ص144). علی أنّ لنا بياناً لإثبات توثيق أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد وأحمد بن محمد بن يحيی العطّار في کتابنا مباحث الأصول، ج3 من القسم الثاني، ص174_ 177.

(1) کتاب المكاسب، ج3، ص338.

153

من قِبل غير المالك بإجازة المالك إنّما هي شيء على طبق القاعدة باعتبار أنّ المالك بالإجازة يصبح حقيقةً طرفاً للعقد؛ لأنّ العقد لم يكن إلّا أمراً اعتباريّاً، والأمر الاعتباري ينتسب إلى المجيز بالإجازة المتأخّرة حقيقة، وليس أمراً تكوينيّاً منفصلاً عن المجيز إلى الأخير، وإن ورد نصّ دلّ على صحّة العقد الفضولي بالإجازة حُمل على نفس المعنى، وهذا بخلاف عقد العبد فيما هو راجع إليه، فهذا العقد لم يكن عيبه عدم انتسابه إلى المولى وسوف لن ينتسب إليه بإجازته انتساباً حقيقيّاً كما كان الحال في إجازة المالك، وإنّما هو عقد للعبد.

ثم أفاد الشيخ رحمه الله أنّ الأقوى هو صحّة عقد العبد بلحوق إجازة المولى(1)؛ لعموم أدلّة الوفاء بالعقود، والمخصّص إنّما دلّ على عدم ترتّب الأثر على عقد العبد من دون مدخلية المولى أصلاً _ سابقاً ولاحقاً _ لا مدخلية إذنه السابق، ولو شُكّ أيضاً وجب الأخذ بالعموم في مورد الشكّ.

أقول: وبناءً على هذا فحتّى لو قلنا ببطلان عقد الفضولي وعدم تأثير إجازة المالك المتأخّرة في صحّته يصبح عقد العبد في المقام صحيحاً بإجازة المولى المتأخّرة.

هذا كلّه بناء على مقتضى القاعدة.

وأمّا بحسب النصوص الخاصّة فهناك حديثان دالّان على كفاية إجازة المولى المتأخّرة:

أحدهما: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده، فقال: ذاك إلى سيّده إن شاء أجازه وإن شاء فرّق بينهما قلت: أصلحك الله إنّ الحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون: إنّ أصل النكاح فاسد، ولا تحلّ إجازة السيّد له. فقال أبو جعفر(عليه السلام): إنّه لم يعص الله. وإنّما عصى سيّده. فإذا أجازه فهو له جائز»(2).


(1) المصدر السابق، ص338 _ 339.

(2) وسائل الشيعة، ج21، ص114، الباب23 من أبواب نکاح العبيد والإماء، ح1.

154

والثاني: معتبرة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «سألته عن رجل تزوّج عبده بغير إذنه فدخل بها ثم اطّلع على ذلك مولاه؟ قال: ذلك لمولاه إن شاء فرّق بينهما، وإن شاء أجاز نکاحهما، فإن فرّق بينهما فللمرأة ما أصدقها إلّا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقاً كثيراً، وإن جاز نكاحه فهما على نكاحهما الأوّل. فقلت لأبي جعفر(عليه السلام): فإنّ أصل النكاح كان عاصياً، فقال أبو جعفر(عليه السلام): إنّما أتى شيئاً حلالاً، وليس بعاص لله، إنّما عصى سيّده، ولم يعص الله، إنّ ذلك ليس كإتيان ما حرّم الله عليه من نكاح في عدّة وأشباهه»(1). وفي نسخة الفقيه: «فإنّه في أصل النكاح كان عاصياً»(2).

وفي السند موسى بن بكر، ولكن قد روى عنه الثلاثة.

ويمتاز الحديث الثاني عن الحديث الأوّل في وضوحه في مالكية العبد لماله، وأنّه حتّى لو فرّق المولى بينهما فصداقه إيّاها نافذ إن لم يكن قد اعتدى فأصدقها صداقاً كثيراً.

وعيب الحديث الثاني هو أنّ افتراضه لنفوذ الصداق من ماله في فرض عدم إجازة المولى للنكاح إن لم يتعدّ بافتراض صداق كثير معارَضٌ بما رواه النوفلي عن السكوني عن الصادق عليه السلام عن رسول الله(صل الله عليه وآله) «أيّما امرأة حرّة زوّجت نفسها عبداً بغير إذن مواليه فقد أباحت فرجها، ولا صداق لها»(3) وعيب سند هذا الحديث هو النوفلي.

وقد جمع الشيخ الحرّ رحمه الله بين الحديثين بحمل الأوّل على فرض عدم علم المرأة، والثاني على فرض علمها بالحال(4).

وعلى أيّ حال فلو لم يقبل بالحديث الثاني لمناقشة في السند أو لابتلاءٍ بالمعارض


(1) وسائل الشيعة، ج21، ص115، الباب23 من أبواب نکاح العبيد والإماء، ح2.

(2) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص446، باب المملوك يـتزوّج بغير إذن سیده من کتاب النکاح، ح4548.

(3) المصدر السابق، ح3.

(4) المصدر السابق، ص116، ذيل الحديث4.

155

في قسم من مضمونه فالحديث الأوّل واضح سنداً ودلالة ولا غبار عليه، والنتيجة أنّ عقد العبد لنفسه يتمّ بإجازة مولاه المتأخّرة، وأنّ هناك فرقاً بين ما يكون معصية لمن لا يتبدّل حكمه وهو الله سبحانه وتعالى كما في موارد العقد على المحارم أو العقد في العدّة فهذا لا يقبل لحوق الإجازة، وبين ما يكون معصية للمولى البشري كما في نكاح العبد لنفسه فهذا قابل للحوق الإجازة من قِبل المولى.

فإمّا أن نتعدّى من مورد الرواية إلى عقد الفضولي المصطلح _ أعني بيع غير المالك لملك غيره فضولةً _ فيقال هناك أيضاً: إنّه ما عصى الله، وإنّما عصى مالك المال، فإذا أجاز جاز، وهذا ما سنبحثه إن شاء الله في بيع الفضولي، وإمّا أن نقتصر في فهم الحديث على مورده، وهو نكاح العبد مع الإجازة المتأخّرة للمولى.

فموردنا وهو نكاح العبد مع إجازة المولى المتأخّرة واضح الصحّة لا غبار عليه.

وسننتقل إن شاء الله إلى بيع الفضولي المصطلح، ونؤجّل بحث الكشف والنقل أيضاً إلى ذاك البحث، ولا نفتح له الآن بحثاً مستقلّاً هنا.