260

عن طريق الظهور الفعليّ، والشارع أمضى ذلك، فما هو الحجّة أوّلاً في نظر العقلاء لإثبات مراد المتكلّم هو الظهور اللغويّ؛ لأنّه الكاشف عن المراد، ولكن الطريق للوصول إلى الظهور اللغويّ في نظر العقلاء هو الظهور الفعليّ، فمن الطبيعيّ أنّ كلّ واحد منّا يعيش ظروفه الخاصّة وخصوصيّاته المعيّنة، ويحتمل الفرق بين الظهور اللغويّ والظهور الفعليّ، فجعل الظهور الفعليّ أمارة على الظهور اللغويّ. ولعلّ الوجه في جعله أمارة تعبّديّة من قِبَل العقلاء: أنّ احتمال الفرق بين الظهور الفعليّ والظهور اللغويّ في نظرهم موهون جدّاً ولو لأجل عدم تنبّههم إلى تمام الخصوصيّات التي يحتمل أن يكون لها دخل في تكوين الظهور الفعليّ، وعدم التفاتهم إلى أنّ الخصوصيّات الشخصيّة لها تأثير مفصّل في ذلك(1).

 

2 ـ قول اللغويّ:

الطريق الثاني لإثبات الظهور: هو قول اللغويّ. يظهر من الكفاية وغيرها من الكتب الرسميّة أنّ الإفتاء بحجّيّة قول اللغويّ كان مشهوراً حتّى ادّعي عليه الإجماعات في ألسنتهم، وجعل الإجماع ـ مثلاً ـ أحد الأدلّة على حجّيّته، إلّا أنّه لدى المتأخّرين انقلب القول عن الحجّيّة إلى القول بعدمها.

وخلاصة ما يظهر من كلامهم بهذا الصدد: إنّ التمسّك بقول اللغويّ تارةً يكون


(1) ومن هنا قد يمكن إثبات الحقيقة والمعنى الموضوع له بالتبادر إثباتاً تعبّديّاً، وذلك فيما لو افترضنا أنّ التبادر كان ثابتاً، ولم نكن نحتمل استناده إلى القرينة ولكنّنا كنّا نحتمل استناده إلى شؤون شخصيّة لنا لا تمت إلى نظم اللغة بصلة، أو إلى عدم استيعابنا لتمام النكات اللغويّة وأساليب المحاورة، فعندئذ ننفي ذلك بالأماريّة العقلائيّة للظهور الفعليّ، وتثبت بذلك الحقيقة بعد أن كان المفروض القطع بعدم استناد التبادر إلى القرينة.

261

لأجل إثبات موارد استعمال اللفظ، واُخرى يكون لتشخيص المعنى الحقيقيّ للكلام، ولا تتمّ حجّيّة قول اللغويّ في شيء من المقامين:

أمّا في المقام الأوّل ـ وهو إثبات موارد الاستعمال ـ: فالذي يستفاد من مجموع الكتب الرسميّة للمحقّقين الإشكال على ذلك بوجهين:

أحدهما: ما يستظهر من عبارة المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله)(1)، وهو: أنّ مجرّد معرفة موارد الاستعمال لا يفيد الفقيه، وإنّما الذي يفيده هو تمييز الظاهر منها من غير الظاهر، أي: تمييز الحقيقة عن المجاز كي تترتّب على ذلك حجّيّة الظهور فيعمل به.

والثاني: ما يستفاد من كلمات المحقّقين المتأخّرين، وهو: أنّنا لو قلنا بحجّيّة قول اللغويّ فإنّما هو على أساس سيرة العقلاء القائمة على الرجوع إلى أهل الخبرة، وهذا هو الدليل المهمّ الذي استند إليه المتقدّمون من علماء الاُصول للقول بحجّيّة قول اللغويّ، بينما هذا لا يتمّ في المقام، فإنّ حجّيّة قول أهل الخبرة عقلائيّاً إنّما تكون في الخبرات الحدسيّة كخبرة الطبيب والمهندس والفقيه، أمّا في الخبرات الحسّيّة ـ من قبيل موت زيد وحياة عمرو ـ فلا يعتمد على الإخبار عن ذلك إلّا بلحاظ الشهادة، فيعتبر فيه ما يعتبر في الشاهد: من العدالة والتعدّد بناءً على عدم قبول خبر الواحد في الشبهات الموضوعيّة، وما نحن فيه من هذا القبيل، فإنّ إخبار اللغويّ عن موارد الاستعمال إخبار عن حسّ، أو ما يقرب من الحسّ، وليس إخباراً حدسيّاً.

وأمّا في المقام الثاني ـ وهو إثبات المعنى الحقيقيّ الموضوع له الكلام في قبال المعنى المجازيّ ـ: فالمتحصّل من كلماتهم هنا أيضاً وجهان في بيان عدم جواز الرجوع إلى قول اللغويّ:

أحدهما: أنّ أهل اللغة ليسوا من ناحية تعيين المعنى الحقيقيّ وتمييزه عن


(1) في تعليقته على الرسائل.

262

المعنى المجازيّ من أهل الخبرة؛ بدليل أنّهم لم يتصدّوا لتحقيق هذا المطلب فيكتبهم وبياناتهم، ولو كانوا من أهل الخبرة في ذلك لسجّلوا نتائج خبراتهم في بحوثهم.

والثاني: أنّ أهل اللغة لا يمكنهم أن يكونوا من أهل الخبرة في تمييز المعاني الحقيقيّة عن المجازيّة؛ إذ لا توجد لديهم الوسائل التي تمكّنهم من هذه الخبرة؛ إذ ليست لديهم وسيلة عدا الاستماع إلى موارد الاستعمال وتجميعها، ومن المعلوم أنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة.

أقول: التحقيق عدم إمكان المساعدة على أكثر هذه الكلمات:

أمّا عدم ترتّب الأثر على نقل اللغويّ لمورد الاستعمال لأنّ الذي يهمّنا هو الظهور ومعرفة الحقيقة، فيرد عليه: إنّنا لو قلنا بحجّيّة قول اللغويّ في ذلك لترتّب عليه الأثر في الاستنباط من النصوص الشرعيّة في فروض عديدة:

أحدها: أن نفرض أنّنا عرفنا أنّ اللفظ الفلانيّ لم يستعمل إلّا في المعنى الواحد الفلانيّ ولكن التردّد كان في حدود ذلك المعنى المستعمل فيه، كما لو عرفنا أنّ لفظ (الصعيد) لم يستعمل إلّا في معنى واحد محدود بحدود خاصّة، وهو المعنى الحقيقيّ الظاهر منه، وشككنا في أنّ هذا المعنى الواحد هل هو عبارة عن التراب، أو مطلق ما على وجه الأرض؟ فنأخذ بقول اللغويّ الناقل للمعنى المستعمل فيه، وهذا ليس من الرجوع إلى قول اللغويّ في تشخيص الحقيقة.

ثانيها: أن نعرف أنّ لهذا اللفظ معنى ولا نعرف أنّ له عدّة معاني شكّ في الحقيقة منها من المجاز، واللغويّ قد نقل لنا: أنّ هذا اللفظ لم يستعمل إلّا في المعنى الفلانيّ، فلابدّ أن يكون هو المراد من النصّ، ومن البعيد جدّاً أن يكون له معنيان وموردان للاستعمال ومع هذا يخفى أحدهما على اللغويّ.

263

ثالثها: ما لو أحرزنا أنّ هذا اللفظ لم يرد به بعض معانيه كما لو قال لنا اللغويّ: إنّ موارد استعمال اللفظ الفلانيّ ثلاثة وشخّصها لنا، ونحن قد حصلنا على قرينة بلحاظ نصّنا الشرعيّ تدلّ على أنّ المعنى الأوّل والثاني غير مقصودين من هذا النصّ، فيتعيّن حمله على المعنى الثالث، وليس هذا من تشخيص الحقيقة عن المجاز، بل من باب تعيين موارد الاستعمال.

وأمّا القول بأنّ إخبار اللغويّ عن موارد الاستعمال إخبار عن حسّ وليس إخباراً عن حدس كي يشمله بناء العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة، فيرد عليه:

أوّلاً: أنّه في كثير من الموارد يكون تعيين موارد الاستعمال قائماً على أساس الحدس، فإنّ تعيين أصل المعنى المستعمل فيه اللفظ قد يكون قريباً من الحسّ، إلّا أنّ تعيين حدود المعنى وقيوده وإطلاقه وضيقه ممّا لابدّ فيه من استعمال الحدس في كثير من الأوقات، فإنّ اللغويين كانوا يتتبّعون كلمات العرب واستعمالاتهم في جزئيّات الموارد، فيجمعونها وينتزعون منها بعد إلغاء الخصوصيّات التي يمتاز بها فرد من أفراد مورد الاستعمال عن آخر جامعاً، كي يعرفوا أنّ هذا هو المعنى المستعمل فيه، وعمليّة انتزاع هذا الجامع عمليّة حدسيّة واجتهاديّة وليست حسّيّة.

وثانياً: أنّ بناء العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة منضمّـاً إلى عدم حجّيّة خبر الواحد في موضوعات من قبيل موت زيد وحياة عمرو ـ لو قلنا به ـ لا يعني اختصاص الحجّيّة العقلائيّة لقول أهل الخبرة بالخبرة الحدسيّة، بأن يكون الحدس أولى بالاعتماد عليه من الحسّ، فلو قال: رأيت بعيني، لم يقبل منه، ولو قال: إنّي اُعمل نظراً واجتهاداً يكون في معرض الخطأ والصواب، وأضفت أشياء من عندي من الحدس والتخمين، قبل منه، فإنّ مثل هذا الأمر غير محتمل بشأن العقلاء، والحدسيّة توجب الضعف لا القوّة، وفرض كون ما يوجب الضعف دخيلاً في الحجّيّة وما يوجب القوّة مانعاً عن الحجّيّة مطلب غير مناسب لارتكاز العقلاء الذين يكون جعل الحجّيّة عندهم بملاك الكشف والطريقيّة.

264

والذي دعا هؤلاء العلماء إلى مثل هذا التفصيل هو استثناء باب الشهادة بناءً على عدم حجّيّة خبر الواحد في القضايا الجزئيّة من قبيل حياة زيد وموت عمرو، فتخيّل أنّ الميزان الفاصل في السيرة العقلائيّة إنّما هو كون الخبرة حسّيّة أو حدسيّة، بينما ليس الأمر كذلك.

وإنّما الميزان الفاصل هو كون جهة الإخبار مربوطة بمطلب حياتي عامّ يحتاج استيعابه وتفهّم خصوصيّاته إلى تفرّغ وتخصّص، فبمقتضى قانون العمل بين الناس خصّص لكلّ مطلب من هذا القبيل جماعة يتّبعون في مقام تحصيل قضاياه على أساس الخبرة الحدسيّة أو الحسّيّة، حيث إنّه لو صار البناء على أنّ كلّ إنسان لا يبني موقفه إلّا على أساس الخبرات التي يحصّلها ويعمل بصحّتها بنفسه، ككيفيّة معالجته لمريضه، أو بنائه لداره، أو ما شابه ذلك لتوقّفت الحياة، ولا يسع عمر الإنسان للتفرّغ لتحصيل كلّ هذه العلوم خصوصاً الإنسان الميدانيّ الذي يشتغل في الميادين الحياتيّة، فلهذه النكتة فرضت في القضايا العامّة التي ترتبط بالحياة ارتباطاً عامّاً فكرة التخصّص والرجوع إلى المتخصّصين. وهذا بخلاف الجهات الجزئيّة كموت زيد وحياته ووجوده في الدار ونحو ذلك من القضايا الجزئيّة والاُمور المحسوسة، فهذه أدوار يمكن طيّها لكلّ إنسان بمجرّد أن يتصدّى للاطّلاع عليها وترتيب الآثار عليها في الخارج، وليست من الاُمور التي تكون بحاجة إلى التفرّغ والتخصّص. فالتفصيل في السيرة العقلائيّة إنّما هو بين القضايا العامّة والجزئيّة لا بين الحدس والحسّ، ففي القضايا العامّة التي هي بحاجة إلى التخصّص يكتفي العقلاء بكلام أهل الخبرة سواء كان على أساس الحدس أو الحسّ، وفي غيرها لا يكتفي العقلاء بكلام من يخبر عن الحدس، وأمّا المخبر عن الحسّ فلو قلنا بعدم كفاية الخبر الواحد في الموضوعات فلابدّ في قبول شهادته من شرائط البيّنة.

ومن المعلوم: أنّ اللغة من القضايا العامّة التي تحتاج إلى التفرّغ والتخصّص للذهاب إلى القبائل العربيّة الأصيلة في لسانها وبياناتها، وتتبّع موارد استعمالاتها

265

والالتفات إلى نكات تعبيراتها ثُمّ تبليغ ذلك إلى الآخرين، فالسيرة العقلائيّة في الرجوع إلى أهل الخبرة وهم اللغويّون في المقام تامّة.

أمّا القول بأنّ أهل اللغة ليسوا من أهل الخبرة بتمييز المعاني الحقيقة عن المجازيّة؛ بدليل عدم تصدّيهم لتحقيق هذا المطلب في كتبهم وبياناتهم، ولو كانوا من أهل الخبرة لسجّلوا نتائج خبرتهم في بحوثهم، فهذا إشكال إثباتيّ في المقام، وتحقيقه يكون بالرجوع إلى حال أهل اللغة، لأجل أن يرى أنّ خبرتهم صرفوها في المقام الأوّل فقط، أو صرفوها في المقام الثاني أيضاً، وليس إشكالاً علميّاً كي نقيّمه علميّاً في المقام.

وأمّا القول بأنّ أهل اللغة لا يمكن أن يكونوا من أهل الخبرة بالحقيقة والمجاز؛ لأنّ مستندهم الاستعمال، والاستعمال أعمّ من الحقيقة. فهذا إشكال فنّيّ، وجوابه: أنّه ليس الأمر كذلك، فإنّ تتبّع موارد الاستعمال في جملة من الموارد قد يستخدم مع إعمال النظر والحدس في تعيين المعنى الحقيقيّ في قبال المعنى المجازيّ.

فمثلاً لو فرض أنّ اللغويّين تتبّعوا موارد استعمال كلمة (أسد) في الرجل الشجاع وفي الحيوان المفترس، ورأوا أنّ استعمالها في الحيوان المفترس أقدم تأريخيّاً من استعمالها في الرجل الشجاع، ورأوا بالتتبّع والفحص أنّه في كلّ مورد استعملت كلمة (الأسد) في الرجل الشجاع عطفت عليها كلمة اُخرى تدلّ على إرادة هذا المعنى، ورأوا أنّ كلمة (أسد) حينما تستعمل بمعنى الرجل الشجاع يقصد بها المبالغة في الشجاعة، فهذه القرائن قد تؤدّي إلى القطع بأنّ كلمة (أسد) موضوعة للحيوان المفترس، وأنّ الرجل الشجاع معنىً تبعيّ ومجازيّ لها(1).


(1) وكذلك بإمكانه كشف الحقيقة عن طريق التبادر لدى أبناء اللغة، أو التبادر عنده بعد تدرّبه على موارد الاستعمالات بشكل يثق عادة بأنّه لا تخفى عليه نكات الاستعمال.

266

نعم، هل أنّ أهل اللغة يستعملون هذه الضمائم والحسابات، أو لا؟ هذا يحتاج إلى تتبّع شأنهم كما قلناه.

والمتحصّل من الكلام: أنّ قول اللغويّ حجّة فيما يكون خبيراً فيه(1).

 


(1) وممّا قد يستدلّ به على حجّيّة قول اللغويّ هو الإجماع أوّلاً، وانسداد باب العلم باللغة ثانياً. وقد نقل عن اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في الدورة التي لم أحضرها في هذا القسم من البحث الجواب على كلا الوجهين بمايلي:

أمّا الإجماع فإن قصد به الإجماع العمليّ، أي: إطباقهم على الأخذ بقول اللغويّ، فهذا كما يلائم التعبّد كذلك يلائم حصول الاطمئنان، وإن قصد به الإجماع الفتوائيّ فالمحصّل منه غير ثابت، والمنقول منه غير حجّة، وعلى تقدير الثبوت يحتمل أن يكون مدركيّاً.

وأمّا الانسداد بدعوى: انسداد باب العلم باللغة إلّا بالرجوع إلى أهل اللغة، وهو لا يورث إلّا الظنّ، فالظن حجّة، فالجواب:

أوّلاً: أنّ دليل الانسداد يتوقّف على حصول العلم الإجماليّ، وعدم إمكان الامتثال القطعيّ لاستلزام الحرج، فتصل النوبة إلى الامتثال الظنّيّ، وفي المقام وإن كنّا نعلم إجمالاً بصدق بعض إخبارات أهل اللغة حينما يخبر عن ظهور الكلمات لكن من الواضح أنّ هذا لا يعني ثبوت علم إجماليّ لنا بالتكليف الإلزاميّ؛ إذ قد تكون تلك الظواهر التي صدق اللغويّ في الإخبار عنها مقتضية للحكم الترخيصيّ دون الإلزاميّ.

وثانياً: لا يلزم من الاحتياط والأخذ بشهادات اللغويّين العسر والحرج، فلا تصل النوبة إلى الامتثال الظنّيّ.

وثالثاً: لو سلّمنا بثبوت العلم الإجماليّ وعدم إمكان الموافقة القطعيّة، لا تصل النوبة إلى العمل بالظنّ إذا كان هناك عموم أو إطلاق فوقانيّ مفروغ عن ظهوره؛ إذ إنّ وجود دليل فوقانيّ من هذا القبيل يستوجب عدم انسداد باب العلميّ وإن كان باب العلم مسدوداً، وهذا يعني أنّ دليل الانسداد في باب شهادات اللغويّين لو تمّ في نفسه لايفيدنا في مقام تخصيص

267


عموم مفروغ عن ظهوره في العموم، أو تقييد إطلاق مفروغ عن ظهوره في الإطلاق.

اللّهمّ إلّا أن يدّعى وجود علم إجماليّ بوجود مخصّصات ومقيّدات لبعض ما ثبت ظهورها في العموم أو الإطلاق، وانسداد باب العمل بالعلم في ذلك أيضاً. لكن هذه الدعوى لا مبرّر لها.

وأيضاً نقل المقرّر عن اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) ما يلي:

وقد أشكل في الكفاية وغيرها على دليل الانسداد في المقام بإشكالين:

الأوّل: ما في الكفاية من أنّ الانسداد الكبير بلحاظ مجموع الأحكام إذا تمّت أركانه أنتج حجّيّة الظنّ بالحكم الشرعيّ سواء أكان ناشئاً عن قول اللغويّ أو لا، وإن لم تتمّ أركانه وكان باب العلم أو العلميّ مفتوحاً في كثير من الموارد فالانسداد بلحاظ اللغة لا ينتج شيئاً. ولم يوضّح في الكفاية أنّه لو لم يتمّ الانسداد الكبير فهذا الانسداد الصغير لماذا لا ينتج شيئاً، فلابدّ من أن يرجع ذلك إلى أحد إشكالاتنا الثلاثة.

الثاني: أنّه لو تمّ دليل الانسداد في باب اللغة أنتج حجّيّة الظنّ باللغة سواء استند إلى قول اللغويّ أو إلى غير ذلك من الأمارات، بينما المدّعى حجّيّة خصوص قول اللغويّ، ولهذا يعمل بالظنّ الحاصل من شهادة اللغويّ، ولا يعمل بالظنّ الناشئ من أمارات اُخرى، وهذا يكون نقضاً عليهم.

ولكن بإمكان المستدلّ أن يتخلّص من هذا النقض بدعوى أنّ العلم الإجماليّ في المقام الذي هو المدار في دليل الانسداد ليس هو العلم الإجماليّ باللغة(1)، بل هو العلم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا إشكال في وجود العلم الإجماليّ باللغة، فلعلّ المقصود دعوى انحلال العلم الكبير بالعلم الصغير في دائرة شهادات أهل اللغة.

268

نعم، إنّما يكون قوله حجّة للعاميّ، أي: لمن لا يتمكّن من استعمال وسائل التوصّل إلى النتيجة بالفعل، كما أنّ قول المجتهد لا يكون حجّة لمجتهد آخر، وإنّما يكون حجّة بالنسبة للعاميّ، فلو فرض أنّ اللغويّ كتب أدلّته، وجمع الموارد التي استند إليها، وبيّن طريقة استنباطه للنتيجة، وكان لأحد ملكة الاستفادة من هذه المطالب، فليس قوله حجّة بالنسبة له؛ إذ بالإمكان أن يرجع إلى نفس تلك الوسائل ويستنبط منها النتيجة، ولو وجدنا أنّ اللغويّ يقول ـ مثلاً ـ بأنّ كلمة (لعلّ) للتمنّي، لكنّنا رأينا أنّ هذا غير صحيح؛ لأنّنا انتزعنا من جميع موارد استعمالها معنىً آخر أدقّ من هذا بحيث يشمل تمام الموارد، فكلام اللغويّ ليس حجّة لنا، فإنّ السيرة العقلائيّة الدالّة على الرجوع إلى استنباط أهل الخبرة إنّما دلّت على رجوع العاميّ إلى الخبير، لا على رجوع الخبير إلى الخبير.

 

3 ـ أصالة عدم النقل:

الطريق الثالث لإثبات الظهور: هو التمسّك بأصالة عدم النقل بحسب مصطلح المشهور، وأصالة ثبات اللغة بحسب مصطلحنا، وهذا الأصل طريق لإثبات الظهور في عصر صدور الكلمة، وقد مرّ فيما سبق بيانه وكيفيّة الاستدلال عليه بالسيرة، واكتشاف نكتة هذه السيرة، وهي الثبات النسبيّ الذي يحسّ به الفرد في اللغة بحدود العمر القصير، وهنا نريد أن ننبّه على اُمور ترجع إلى هذا الأصل بعد


الإجماليّ بصدق بعض شهادات اللغويّين، ولا يمكن الاحتياط في ذلك ـ بحسب الفرض ـ بالأخذ بتمام شهاداتهم، فتصل النوبة إلى الاكتفاء بموارد حصول الظنّ بصحّة شهاداتهم.

269

الفراغ عن تصوّره وتصديقه، ومعرفة الاستدلال عليه بالسيرة العقلائيّة، ونكتة انعقاد السيرة:

الأمر الأوّل: أنّ هذا الأصل إنّما يجري إذا شكّ في أصل التغيّر، أمّا إذا علم بالتغيّر وشكّ في تأريخه فهذا غير جار في المقام كما اُشير إليه في الكفاية. فإذا شكّ أنّ الصلاة ـ مثلاً ـ هل نقلت من المعنى اللغويّ إلى المعنى الشرعيّ في زمن النبيّ(صلى الله عليه وآله)حتّى تكون حقيقة شرعيّة، أو نقلت في عصر الأئمّة(عليهم السلام) أو عصر الغيبة، فلا تجري أصالة عدم النقل أو أصالة الثبات في اللغة، ونكتة ذلك بناءً على توضيحاتنا الماضية لهذا الأصل في غاية الوضوح، فإنّنا بيّنّا أنّ هذا الأصل قام على أساس أن كلّ فرد في تجربته المعاشيّة لم ير تطوّراً وتغيّراً في اللغة، فيرى أنّ تغيّر اللغة كأنّه على خلاف الطبع وحالة استثنائيّة، وهذه أمارة بحساب الاحتمالات على عدم التغيّر. أمّا إذا أحرز تحقّق هذه الحالة الاستثنائيّة وشكّ في تأريخها فأماريّة كون التغيّر على خلاف الطبع لا موضوع لها هنا، ولا توجد نكتة اُخرى مركوزة في ذهن العقلاء تكون ملاكاً للكشف عن تأخّر هذا التغيّر أو تقدّمه، فلو حكم العقلاء هنا بالتقدّم أو التأخّر لكان ذلك حكماً تعبّديّاً صرفاً، بينما الأصل الموضوعيّ المتّفق عليه هو أنّ الاُصول اللفظيّة والأمارات العقلائيّة كلّها بملاك الكشف لا بملاك التعبّد(1).

 


(1) قد يقال في مثل هذا المورد باستصحاب عدم النقل أو عدم التغيّر إلى حين العلم بذلك، وأنّ هذا الاستصحاب أوسع دائرة من تلك الأمارة العقلائيّة، فيجري حتّى في المورد الذي لا تجري أصالة الثبات كأمارة عقلائيّة. ونقل عن اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) فيما لم أحضره في الدورة الأخيرة الجواب على هذا الاستصحاب بأنّ الصحيح عدم جريان الاستصحاب؛ لأنّ لتقريبه صيغتين:

270

الأمر الثاني: إذا تعارضت أصالة الثبات في اللغة مع قول اللغويّ فعلى رأي مشهور المتأخّرين لا مشكلة في المقام؛ لأنّ قول اللغويّ غير حجّة، فنأخذ بأصالة الثبات. أمّا على رأينا: من حجّيّة قول اللغويّ بالنسبة لمن لا يتمكّن من الاجتهاد في تشخيص المسألة اللغويّة، فلو وقع التعارض بين الأمرين مع تحقّق شرط حجّيّة قول اللغويّ ـ وهو عدم التمكّن من الاستنباط في اللغة ـ قلنا: إنّ الدليل على حجّيّة قول اللغويّ وكذلك أصالة الثبات في اللغة هو السيرة، وليس لدينا دليل لفظيّ على أحدهما لنتمسّك بإطلاقه، فلابدّ من الاقتصار في هذا الدليل اللبّيّ على القدر المتيقّن، والقدر المتيقّن من السيرة في كلّ منهما هو صورة عدم معارضته مع الآخر، فعند معارضتهما لابدّ من الرجوع إلى بقيّة الاُصول والقواعد في مقام استنباط الحكم الشرعيّ.

الأمر الثالث: إذا كان الشكّ في تغيّر اللغة ناتجاً من الشكّ في وجود السبب للتغيّر فلا إشكال في جريان أصالة الثبات وعدم التغيّر. أمّا إذا كان الشكّ في ذلك ناتجاً من الشكّ في سببيّة الموجود فلا تجري أصالة الثبات، وهذا نظير انقسام


الصيغة الاُولى: استصحاب علاقة اللفظ بالمعنى. ويرد عليه: أنّ هذه العلاقة ليست حكماً شرعيّاً، ولا موضوعاً للحكم الشرعيّ. أمّا الأوّل فواضح. وأمّا الثاني فلأنّ اللفظ إذا كان لا يزال ذا علاقة بالمعنى الفلانيّ كان ذلك سبباً للظهور، والظهور هو الحجّة، وليست نفس العلاقة موضوعاً للحكم، إذن فهذا الأصل مثبت.

الصيغة الثانية: أن يقال: إنّ هذا الكلام إذا كان صادراً في زمان كذا كان ظاهراً في المعنى الفلانيّ، والآن كما كان. وهذا الاستصحاب التعليقيّ إن كان حجّة في الأحكام فليس بحجّة في الموضوعات.

271

احتمال القرينة إلى احتمال وجود القرينة واحتمال قرينيّة الموجود، وكما يفصّل هناك بينهما كذلك نفصّل هنا بينهما، فلو شككنا في أصل وجود سبب للتغيّر، ونقصد بذلك الشكّ في وجود ما من شأنه إثبات التغيّر في اللغة، كما لو رأينا كلمة (دابّة) مثلاً في زماننا تدلّ على حيوان مخصوص، وشككنا أنّها في عصر النصوص هل كانت تدلّ على نفس المعنى، أو كانت بمعنى مطلق ما يدبّ على الأرض؟ ثُمّ وجد سبب لا نعرفه لتغيّر اللغة، جرت أصالة الثبات على أساس أنّ العقلاء يتخيّلون ـ ولو على اُسس خاطئة ـ أنّ التغيّر خلاف طبع اللغة وأنّه حالة نادرة استثنائيّة، فحساب الاحتمالات يكشف كشفاً نوعيّاً عن عدمه. هذا بخلاف ما لو شككنا في سببيّة الموجود للتغيّر، ونقصد بذلك ما لو وجدت في عصر الصدور ظروف وخصوصيّات من شأنها أن يكون ظهور الكلمة في ذلك العصر غير الظهور الذي نفهمه الآن، ولكن مع ذلك احتملنا عدم حصول التغيّر لأسباب وخصوصيّات غير معلومة لدينا، فهنا لا حجّيّة لأصالة عدم التغيّر؛ لعدم وجود ذلك الكشف النوعيّ مادام هناك ما من شأنه إثبات التغيّر. ومن هذا القبيل كلمة (الرأي) الواردة في النهي عن العمل بالرأي أو تفسير القرآن بالرأي، فلو فرضنا: أنّنا لا نفهم من هذه الكلمة الآن إلّا المعنى العقليّ لهذه الكلمة، لكنّنا نحتمل أنّه في عصر الأئمّة(عليهم السلام) كان للكلمة ظهور في الرأي بالمعنى الاصطلاحيّ، أي: الأخذ بالحدسيّات والتخمينات كالقياس والاستحسان ونحو ذلك، وكان هذا الاحتمال ناشئاً من العلم بظرف معيّن هو ظرف هذا الاحتمال، فنحتمل أنّ شيوع هذا الاصطلاح وتداوله بين الألسن بلغ إلى درجة كسب هذه الكلمة ظهوراً عامّاً في هذا المعنى، ففي مثل هذا الفرض لا حجّيّة لأصالة عدم التغيّر.

272

 

4 ـ الصناعة:

الطريق الرابع لإثبات الظهور: هو الصناعة بمعنى التأمّل البرهانيّ الفنّيّ، في مقابل التبادر الذي هو الطريق الأوّل الذي ليس مستبطناً للتأمّل ومحتوياً على الفنّ والبرهان، بل هو حالة وجدانيّة تخلق في النفس، وهي حالة انسباق المعنى من اللفظ بلاحاجة إلى التعمّق.

والتأمّل الفنّيّ البرهانيّ تارةً يعمل في إثبات كبرى حجّيّة الظهور نفياً أو إثباتاً، وتوسعة وتضييقاً، واُخرى يعمل لإحراز الظهور، وهذا هو محلّ الكلام.

أمّا الكلام في الأوّل: فهو مربوط بالمقام الأوّل. وقد اتّضح بما بيّنّاه في المقام الأوّل أنّ للصناعة دخلاً في تحقيق توسعة دائرة الحجّيّة وتضييق دائرتها، وحجّيّة الظواهر عمدة دليلها ـ كما مرّ بنا ـ هي السيرة العقلائيّة.

فنقول في فرض كون دليلنا على حجّيّة الظهور السيرة العقلائيّة: إنّه إن لم نعلم وجه السيرة ونكتتها فمتى ما شككنا في سعة دائرة الحجّيّة وضيقها، وأنّها هل تختصّ بخصوص من قصد إفهامه مثلاً، أو لا؟ وهل تختصّ بموارد الشكّ في القرينة، أو تعمّ موارد الشكّ في قرينيّة الموجود؟ ونحو ذلك، لم يكن لنا طريق لمعرفة الحال إلّا الرجوع إلى السيرة العقلائيّة بحسب الخارج، وقد يقع الخلاف في تشخيصها، فواحد يدّعي الوجدان على ثبوت السيرة على الحجّيّة، وآخر يدّعي الوجدان على الخلاف. أمّا إذا عرفنا أنّ نكتة السيرة العقلائيّة هي الكاشفيّة والأماريّة لا التعبّد الصرف، كما هو الحال في كلّ الاُصول العقلائيّة على ما هو متسالم عليه بين علماء الاُصول، وعرفنا أيضاً أنّ هذه الكاشفيّة تكون على أساس حساب الاحتمالات القائم على أساس الغلبة، بمعنى أنّ الغالب في المتكلّم أن يطبّق ظاهر كلامه على واقع مرامه،

273

فعندئذ قد لا تبتلي السيرة العقلائيّة لدينا بالغموض كي نقتصر على عملهم الخارجيّ، بل نرجع إلى ما عرفناه من النكتة، ونميّز بشكل أتمّ وأتقن موارد الحجّيّة من موارد عدم الحجّيّة، فنرى مثلاً: أنّه ليس الغالب في المتكلّم أن لا يوصل كلامه بقرينة متّصلة، فلا كاشفيّة لأصالة عدم قرينيّة الموجود، فنكتة السيرة غير موجودة، أو نرى مثلاً: أنّ الغلبة والكاشفيّة موجودتان بالنسبة لمن لم يقصد إفهامه، فنكتة السيرة ثابتة، وما إلى ذلك من الأمثلة، فهذا دور الصناعة في كبرى حجّيّة الظهور.

وأمّا الكلام الثاني ـ أعني: دور الصناعة في إحراز الظهور ـ: فهنا نحن بحاجة إلى البحث لأجل تحديد مقدار دور الصناعة في باب الدلالات. فمن ناحية هنا كلام قد يتردّد على الألسن، وهو: أنّه لا معنى لإعمال الصناعة في معرفة الظهور، وإنّما يجب الرجوع فيه إلى العرف وإلقاء الكلام على الفرد المتعارف والناس الاعتياديّين لكي نرى ماذا يفهمون منه، ومن ناحية اُخرى نرى أنّ سيرة المحقّقين لم تكن على ذلك، ففي جملة من الموارد أدخلوا الصناعة في فهم الظهور، فما أكثر ما يتكلّمون صناعة في إثبات المفهوم ـ مثلاً ـ للقضيّة الشرطيّة، أو في أنّ صيغة (افعل) هل تدلّ على الوجوب بمقدّمات الحكمة أو بقرينة عامّة اُخرى، أو لا؟ وما إلى ذلك من الأمثلة.

فمن هنا احتجنا في مقام حلّ هذا التناقض بين هذين الأمرين ـ أي: بين ما قد يقال وما قد يفعل ـ إلى تحديد دور الصناعة ومقدار أثرها في باب دلالة الألفاظ.

وتفصيل الكلام في ذلك: أنّ الصناعة تارةً تعمل في تشخيص كبرى الظهور، واُخرى في تشخيص صغراه، وثالثة في تشخيص خصوصيّات الظهور، ورابعة في مقام التنسيق بين الظهورات، أي: تحديد العلاقات الكلّيّة بين بعض الظواهر

274

وبعضها الآخر في كلام واحد:

أمّا دور الصناعة(1) في إثبات كبرى الظهور: فنقصد بذلك كشف دلالة لفظ مّا بشكل عامّ على معنى، أو كشف قانون مّا لغويّ بشكل عامّ في مقام اقتناص المعنى، وهذا من شأن علماء اللغة، وهو أمر ممكن، فنحن بعد أن أثبتنا أنّ المقياس في الظهور الذي يكون كاشفاً عن المراد وعليه مدار العمل ليس هو الظهور الفعليّ، وإنّما هو الظهور اللغويّ، فبالإمكان الكشف عن الظهور اللغويّ بالاستقراء وحساب الاحتمالات، وإعمال صناعة التجريد وإلغاء الخصوصيّات، وإلغاء احتمال الصدف وتأثير المقارنات، وذلك تارةً يكون بالتمسّك بالظهور الفعليّ، أي: بتوسيط التبادر لكشف الظهور الموضوعيّ، واُخرى بإجراء حساب الاحتمالات على نفس الظهورات الموضوعيّة لكشف قانون يسع كلّ تلك الظهورات.

أمّا الأوّل: فمن قبيل أن ترى أنّ كلمة (الأسد) يتبادر منها الحيوان المفترس، ونجرّب ذلك في موارد عديدة وفي حالات مختلفة، ففي كلّ مورد رأينا هذا التبادر يحتمل فيه عدم استناده إلى دلالة اللفظ ووضع اللغة، لكن كلّما كثرت موارد التجربة قوى احتمال استناده إلى الظهور اللغويّ؛ لاستبعاد وجود قرينة خفيّة ـ مثلاً ـ في تمام تلك الموارد إلى أن يحصل الاطمئنان واليقين بالظهور اللغويّ، أو نحصي ظهورات فعليّة لأشخاص متعدّدين ومن بيئات متعدّدة للكشف عن ثبوت نكتة مشتركة بين الجميع، وليست إلّا الظهور اللغويّ.


(1) أخذت بعين الاعتبار أيضاً في مقام بيان دور الصناعة في إثبات كبرى الظهور ما نقل عنه (رضوان الله عليه) فيما لم أحضره في دورته الأخيرة. كما أنّه جاء في المنقول عنه ممّا لم أحضره: أنّه قد يتّفق نفي الظهور بالصناعة كما وقع في باب الصحيح والأعمّ وفي بحث المشتقّ، حيث استدلّوا على عدم الدلالة على خصوص الصحيح بعدم الجامع بين الصلوات الصحيحة، واستدلّوا على عدم دلالة المشتقّ على الأعمّ من المتلبّس والمنقضي عنه المبدأ بعدم الجامع بينهما.

275

وأمّا الثاني: فمن قبيل ما نقل عن بعض المحقّقين في مقام بيان الفرق بين هيئة (فعيل) وهيئة (فاعل) كخطيب وخاطب، وعليم وعالم: من أنّنا بالاستقراء بين مصاديق الهيئتين رأينا وجود جهة مشتركة بين موارد هيئة (فعيل) تمتاز بها عن هيئة (فاعل)، وهي قيام المبدأ بالذات، أي: كون المبدأ ثابتاً في نفس الذات كما في الخطيب والعليم والقدير والشريف وما إلى ذلك، فهذه المبادئ من العلم والخطابة وغير ذلك قائمة بنفس الذات، وهذه الظاهرة محفوظة في تمام موارد هيئة (فعيل)، هذا بخلاف هيئة (فاعل)، فإنّها كثيراً مّا تأتي منفصلة عن هذه النكتة، من قبيل ضارب وآكل ونحوها.

فما ذكره هذا المحقّق يرجع بروحه إلى إجراء حساب الاحتمالات على الظهورات الموضوعيّة لصيغ (فعيل) للكشف عن أنّ استفادة قيام المبدأ بالذات لم تكن صدفة عند أهل اللغة في كلّ هذه الموارد؛ لاستبعاد الصدف المتكرّرة، بل هو مستفاد من هيئة (فعيل)، وذلك من قبيل تجربة (ألف) عدّة مرّات لمعرفة أنّها تولّد (ب)، وأنّ المقارنة بينهما لم تكن دائماً بحسب الصدفة.

وكان مقصودي بذكر هذا المثال مجرّد توضيح الفكرة لا إمضاء انطباقها بالشكل الصحيح على هذا المثال بالذات. أمّا بلحاظ هذا المثال فلنا نقاش في كلام هذا المحقّق، فإنّ استقراءه ليس كاملاً، وقد جاءت هيئة (فعيل) في اللغة بنحو ينقض هذا الكلام كما في قولنا: (عذاب أليم) بينما الألم ليس قائماً بذات العذاب، وإنّما هو قائم بالمتألّم(1).


(1) بإمكان ذاك المحقّق أن يقول: إنّ الأليم يختلف في معناه عن المؤلم، فالمؤلم يشير إلى جانب الصدور كالضارب والآكل، فالعذاب حينما لم يمسّ أحداً ليس مؤلماً، والنار حينما لم تحرق أحداً ليست مؤلمة، ولكن يصدق عليهما عنوان الأليم قبل مسّ أحد، فهو يدلّ على صفة شأنيّة الإيلام القائمة بالذات.

276

وأمّا دور الصناعة في إثبات صغرى الظهور: فهذا تارةً يكون بلحاظ الدلالة المطابقيّة، واُخرى بلحاظ الدلالة الالتزاميّة:

أمّا بلحاظ الدلالة المطابقيّة: فبعد أن فرضنا الفراغ عن كبرى الظهور فبالإمكان إثبات المصداق بالبرهان والصناعة.

فمثلاً هناك كبرى مفروغ عنها، وهي الظهور الإطلاقيّ ومقدّمات الحكمة التي ترجع بروحها إلى قابليّة الانقسام مع عدم القرينة على التقييد، وكون المولى في مقام البيان. ويقع البحث في صغرى هذه الكبرى بين القائلين باستصحاب العدم الأزليّ ـ مثلاً ـ والمنكرين له. فيقول المنكر: لايوجد لدينا يقين سابق في المرأة المشكوك كونها قرشيّة؛ إذ لم تكن في وقت قد ثبت أنّها ليست قرشيّة حتّى يشملها إطلاق دليل الاستصحاب المأخوذ في موضوعه اليقين السابق والشكّ اللاحق. ويقول المثبت لاستصحاب العدم الأزليّ: إنّ عدم الاعتراف باليقين السابق نشأ من الغفلة عن اليقين بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، فاليقين بعدم القرشيّة تارةً يكون بنحو السالبة بانتفاء المحمول مع فرض وجود الموضوع، وهذا يعني فرض وجود المرأة، ولا يقين لنا من هذا القبيل في المقام، واُخرى يكون بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، أي: انتفاء القرشيّة بانتفاء أصل وجود المرأة، وهذا ثابت في الأزل، فبهذا تثبت بالصناعة صغرى الإطلاق المتّفق عليه بين الطرفين؛ لأنّ هذا برهان على قابليّة المعنى للانقسام. وهكذا يتّفق في كثير من الموارد أن تكون كبرى الظهور مسلّمة بين الطرفين مع وقوع النزاع في الصغرى بينهما وبرهنتهما على النفي والإثبات كما رأيته في هذا المثال.

نعم، إثبات صغرى الظهور بالصناعة محدود بحدّ لابدّ من الالتفات إليه، وهو

277

أنّه يجب أن تكون هذه الصناعة بحيث من يلتفت إليها يستظهر بعد فرض الإيمان بها الإطلاق من الدليل كما هو الحال في مثال استصحاب العدم الأزليّ، فإنّه يستظهر على فرض صحّة الصناعة الماضية في المقام دخول استصحاب العدم الأزليّ في إطلاق الدليل. أمّا لو فرض أنّه حتّى بعد الالتفات إلى الصناعة وفرض صحّتها لم نستظهر من الدليل الإطلاق فعندئذ نحتمل تخصيص أصل كبرى مقدّمات الحكمة، وهذا الاحتمال لا دافع له إلّا الظهور الفعليّ(1)، والمفروض أنّه غير موجود في المقام. مثال ذلك: الصناعة المعمولة في إثبات الوجوب بصيغة (افعل) من ناحية مقدّمات الحكمة بأن يقال بناءً على كونها موضوعة لجامع


(1) أفاد (رضوان الله عليه): إنّ نظرنا فيما ذكرناه هنا إلى ما لو كان عدم تحقّق الظهور الفعليّ لدينا ناتجاً عن خفاء الظهور اللغويّ في هذا المورد، وعدم كونه في الجلاء كسائر الموارد لأجل توقّف الإطلاق ـ مثلاً ـ على بعض صناعات غير محتاج إليها في الموارد المتعارفة أو لأيّ نكتة اُخرى، فعندئذ نقول: إن لم نشعر بالظهور حتّى بعد الالتفات إلى تلك الصناعة فلا محالة نحتمل أنّ هذا القسم من الإطلاق ـ مثلاً ـ غير معتبر عند العرف. وأمّا إذا كان وجه عدم الإحساس شيئاً آخر من اُمور نفسيّة خاصّة وظروف خارجيّة أثّرت في النفس فعندئذ قد يمكن إثبات الظهور بالصناعة حتّى مع فرض عدم الإحساس به بعد الالتفات إلى تلك الصناعة، وذلك بأن يقاس المورد الذي لا نحسّ فيه بالظهور بمورد آخر نقطع فيه بالظهور، وتستعرض الجهات التي يحتمل بالمناسبات دخلها في ثبوت هذا الظهور وعدمه، ويُوضّح عدم الفارق بين الموردين في تلك الجهات إلى أن يظهر أنّه لا توجد أيّ جهة توجب اختلاف هذا المورد الذي قطعنا فيه بالظهور عن المورد الذي لم نحسّ فيه بذاك الظهور، فيثبت أنّ عدم إحساسنا بالظهور في ذلك المورد مستند إلى أمر شخصيّ لا إلى قوانين اللغة العامّة، وأنّ هذا الظهور بحسب قوانين اللغة العامّة ثابت.

278

الطلب: إنّ هذا جامع بين الفرد الشديد وهو الوجوب، والفرد الضعيف وهو الاستحباب، فإن أراد المولى الفرد الشديد فقد بيّن بالأمر الدالّ على الطلب تمام مراده؛ لأنّ شدّة الطلب من سنخ الطلب، وإن أراد الفرد الضعيف لم يبيّن تمام مراده؛ لأنّ ضعف الطلب ليس طلباً ولم يبيّنه، وبما أنّ الأصل هو كون المتكلّم في مقام البيان إذن يحمل طلبه على الوجوب. وهذه صناعة لو تمّت فبعد فرض تماميّتها لا نحسّ ظهوراً في صيغة افعل من ناحية هذه الصناعة في الوجوب، فنعرف أنّ كبرى مقدّمات الحكمة فيها تخصيص، بمعنى أنّ كون ظهور حال المتكلّم في كونه في مقام بيان تمام المراد إنّما هو بمعنى كونه في مقام بيان ما هو تمام المراد بحسب المتفاهم العرفيّ، لا ما هو تمام المراد بحسب الدقّة الفلسفيّة.

وأمّا بلحاظ الدلالة الالتزاميّة: فبعد فرض التوافق على الدلالة المطابقيّة يمكن إقامة البرهان على الملازمة لإثبات الدلالة الالتزاميّة، فهذا إثبات لدلالة التزاميّة بالصناعة والفنّ. ومثاله ما ذكر في الكفاية لإثبات مفهوم الشرط، وقد أبطله صاحب الكفاية، ونحن لا شغل لنا هنا بصحّته وبطلانه، وإنّما المقصود توضيح الفكرة من خلال هذا المثال، وهو ما قد يقال: من أنّ القضيّة الشرطيّة تدلّ على العلّيّة الانحصاريّة، فيثبت بذلك المفهوم، ويستدلّ على ذلك بأنّ مقتضى إطلاق القضيّة كون الشرط علّة سواء سبقه شيء أو قارنه، أو لم يسبقه ولم يقارنه، فإذا كان هذا الظهور الإطلاقيّ مسلّماً قلنا: إنّ هذا يستلزم انحصار العلّيّة، والبرهان على هذا الاستلزام هو: أنّه لو كان للعلّة المذكورة في القضيّة الشرطيّة بديل لما كانت العلّة عند سبقه على الشرط أو اقترانه معه هي الشرط، بل ذاك البديل أو مجموعهما، بينما فرضنا أنّ مقتضى الإطلاق كون الشرط علّة للجزء سواء سبقه

279

شيء أو قارنه، أو لا(1).

أمّا دور الصناعة في إثبات خصوصيّات الظهور: فبعد الاعتراف بالظهور كبرويّاً وصغرويّاً قد تؤثّر الصناعة لإثبات خصوصيّة الدلالة تارةً، كما لو اعترفنا بمفهوم الشرط ووقع الكلام في كونه بالوضع أو الإطلاق، ولإثبات خصوصيّة المدلول تارةً اُخرى، كما لو اعترفنا باختلاف الجملة التامّة عن الناقصة من حيث المعنى ووقع الكلام في حاقّ هذا المعنى والفرق بحدوده الواقعيّة.

أمّا الأوّل: فكما لو اعترفنا بدلالة الشرطيّة على العلّيّة الانحصاريّة، وأثبتنا بالبرهان أو الاستقراء انحصار الظهور في الوضع والإطلاق، ثُمّ أبطلنا الوضع في المقام بأنّه لو كانت دلالة الشرطيّة على العلّيّة الانحصاريّة بالوضع لما شعر العرف بانحلال الدلالة بحيث لو علمنا بانتفاء المفهوم في مورد بقينا متمسّكين بمفهوم القضيّة في مورد آخر، بينما لو ورد ـ مثلاً ـ قوله: (إن جاءك زيد فأكرمه) ثُمّ ثبت بدليل آخر وجوب إكرامه أيضاً عند قراءته للقرآن، فالعرف ينفي احتمال كفاية أمر ثالث في وجوب الإكرام بالمفهوم، بينما لو كانت الدلالة وضعيّة، وقد عرفنا خلافها بالاستثناء الأوّل لا يبقى ناف لاحتمال الاستثناء الثاني، فبهذا يثبت أنّ ظهور الشرط في المفهوم بالإطلاق القابل للانحلال والتقييد، فيترتّب عليه آثار


(1) ونحوه ما نقل عنه(رحمه الله) فيما لم أحضره في دورته الأخيرة هنا: من أنّ افتراض دلالة الشرطيّة على أنّ الشرط بعنوانه هو العلّة يبرهن على الملازمة بين ذلك وبين الانحصار بأنّه لو كانت هناك علّة اُخرى لكانت العلّة هي الجامع بناءً على استحالة صدور الواحد من اثنين. أمّا مدى صحّة هذا البرهان، وكذا الذي قبله على مفهوم الشرط فقد بحثه اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في بحث المفاهيم.

280

الظهور الإطلاقيّ، من قبيل تقدّم الظهور الوضعيّ عليه لو قلنا به عند التعارض، وغير ذلك من الآثار(1).

وأمّا الثاني ـ وهو إعمال الصناعة في إثبات الخصوصيّات الراجعة إلى جانب المدلول ـ: فمن أحسن مصاديقه أبحاث المعاني الحرفيّة بتمامها، فكلّ الناس يعرفون معنى (زيد في الدار) وغير ذلك من الحروف، ولكن لايعلمون بالضبط ما هو تحديد هذه المعاني، ومثل ذلك إعمال الصناعة في تحديد النسبة التامّة والنسبة الناقصة.

وأمّا دور الصناعة في تنسيق الظواهر بمعنى تحديد الروابط والعلاقات الكلّيّة بين تلك الظواهر: فمن موارد ذلك أنّه ثبت في القضيّة الشرطيّة ـ مثلاً ـ ظهور في التعليق، وثبت أنّ قوله مثلاً في الجزاء (فأكرمه) ظاهر بمقدّمات الحكمة في طبيعيّ وجوب الإكرام، فبعد الفراغ عن هذين الظهورين بالإمكان أن يقع الكلام باُسلوب الفنّ والصناعة في كشف العلاقة بين الظهورين والتنسيق بينهما، وأنّه ما هو المعلّق على مجيء زيد مثلاً؟ فهل يجري الإطلاق في المرتبة السابقة على التعليق، ومعناه أنّه قد علّق المطلق، فعند عدم المجيء


(1) أفاد (رضوان الله عليه) على ما نقل عنه فيما لم أحضره في دورته الأخيرة: أنّه على مبانينا من أنّ إدراك الظهور الوضعيّ ليس فرع العلم بالوضع، كما أنّ إدراك الظهور القرينيّ ليس فرع العلم بالقرينة، بل فرع واقع الوضع والقرينة، يصبح من الواضح إمكان إعمال الصناعة والبرهان لمعرفة ذلك، فقد يشهد الوجدان بأنّ صيغة (افعل) مثلاً تدلّ على الوجوب، ولا نعلم أنّ هذه الدلالة هل هي مستندة إلى الوضع أو الإطلاق، فيأتي دور الوصول إلى معرفة خصوصيّة الظهور الذي أدركناه بالوجدان عن طريق الصناعة والفنّ، وهذا بحث صناعيّ تامّ لفرض ترتّب آثار الوضع أو الإطلاق.

281

ينتفي مطلق وجوب الإكرام، فتتمّ الدلالة المفهوميّة، أو يجري الإطلاق في المرتبة المتأخّرة على التعليق، ومعناه أنّه قد أطلق المعلّق، فانتفاء الشرط لا يستلزم عدا انتفاء شخص الحكم دون سنخه، فلا يتمّ المفهوم؟ وقد مرّ كلّ ذلك في بحث مفهوم الشرط(1).

 


(1) وهناك قسم آخر لإعمال الفنّ والصناعة في باب الظهور نقل عمّا لم أحضره في الدورة الأخيرة لاُستاذنا الشهيد(رحمه الله)، وبالإمكان دخول هذا القسم في كلّ الموارد السابقة: من تحديد كبرى الظهور، أو صغراه، أو خصوصيّاته، أو التنسيق بين الظهورات. وإليك ما هو المنقول عن اُستاذنا الشهيد(قدس سره):

قد نفرض أنّ الدلالة تكون لدى الإنسان وجدانيّة لولا تحيّره في كيفيّة تفسير وجدانه، وذلك تارةً يكون بلحاظ وجدان واحد، واُخرى يكون بلحاظ ما قد يتراءى من التضارب بين وجدانات عديدة، فيعمل الفنّ والصناعة لتذليل مشكلة هذا الوجدان أو هذه الوجدانات بوضع تفسير معقول في المقام.

فمثال الأوّل: أن يدرك الإنسان بوجدانه العرفيّ أنّ الجملة الشرطيّة لها مفهوم يدلّ على انتفاء سنخ الحكم بانتفاء الشرط، لكنّه لا يعرف كيف يخرّج ويفسّر هذا المطلب، مع العلم بأنّ المتكلّم إنّما أنشأ حكماً واحداً في القضيّة الشرطيّة، فينبغي أن يكون المنتفي بانتفاء الشرط هو ذاك الحكم الواحد لا سنخ الحكم.

ويحلّ هذا الإشكال ببيان: أنّنا نجري مقدّمات الحكمة لإثبات أنّ المعلّق على الشرط هو سنخ الحكم لا شخصه.

ويستشكل في ذلك بأنّ مقدّمات الحكمة إنّما تجري في طرف الموضوع لا في طرف الحكم، أي: أنّ الإطلاق دائماً يكثّر الموضوع ولا يكثّر الحكم، فلو قلنا مثلاً: (إكرام العالم واجب) تجري مقدّمات الحكمة في الإكرام لا في (واجب).

ويجاب على ذلك بأنّ نفس الحكم في القضيّة الشرطيّة يقع موضوعاً للحكم بالتعليق،

282

وبهذا تمّ مبحث الظواهر.

 


وبلحاظ ذلك يجري الإطلاق بشأنه.

ويستشكل في ذلك بأنّ التعليق المستفاد من القضيّة الشرطيّة عبارة عن مجرّد التقييد والنسبة الناقصة، وليس حكماً كي يجري في موضوعه الإطلاق.

فيجاب على ذلك بإقامة البرهان على أنّ مرجع التعليق في الجملة الشرطيّة إلى النسبة التامّة لا الناقصة. وبهذا يتمّ التفسير لوجداننا السابق في دلالة الشرط على المفهوم، فيتيقّن الوجدان ويتأكّد.

ومثال الثاني: أن نفترض أنّ الإنسان بوجدانه يدرك أنّ الجملة الشرطيّة لها مفهوم، ويدرك أيضاً أنّ المتكلّم إذا استعمل الجملة الشرطيّة في مورد يكون هناك عدل للشرط لم يكن ذلك مستبطناً لعناية المجاز، وهذان الوجدانان قد يبدو أنّهما متعارضان حيث يقال: إنّ أداة الشرط لو وضعت للعلّيّة الانحصاريّة يجب بطلان الوجدان الثاني، وإلّا يجب بطلان الوجدان الأوّل، وهذا قد يسبّب تزلزل الإنسان وتردّده في صدق وجدانه لولا إمكان وضع فرضيّة معقولة للجمع بين الوجدانين كأن يقال مثلاً:

إنّ أداة الشرط وإن وضعت للعلّيّة الانحصاريّة لكن هذا غير كاف في ثبوت المفهوم، ووجود العدل لا ينافي العلّيّة الانحصاريّة، وذلك لإمكان كون المعلّق شخص الحكم، ومعه لا يثبت المفهوم ويمكن فرض وجود العدل. والمفهوم متوقّف على ظهورين: ظهور التعليق في اللزوم العلّيّ الانحصاريّ، وهذا ظهور وضعيّ، وظهوره في أنّ المعلّق سنخ الحكم، وهذا ظهور إطلاقيّ به يثبت المفهوم وبمخالفته لا يتحقّق عناية المجاز، وبهذا يجمع بين الوجدانين مثلاً. وكثير ممّن أنكر مفهومالشرط لا يبعد أن يكون إنكاره هذا مستنداً إلى عدم توفيقه للجمع بين أمثال هذه الوجدانات.

283

الأمارات الظنّيّة

3

 

 

الإجماع

 

○كشف الإجماع عن الحكم الشرعيّ.

○كشف الإجماع عن الدليل التعبّديّ.

○التواتر.

○الشهرة.