المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

264

والذي دعا هؤلاء العلماء إلى مثل هذا التفصيل هو استثناء باب الشهادة بناءً على عدم حجّيّة خبر الواحد في القضايا الجزئيّة من قبيل حياة زيد وموت عمرو، فتخيّل أنّ الميزان الفاصل في السيرة العقلائيّة إنّما هو كون الخبرة حسّيّة أو حدسيّة، بينما ليس الأمر كذلك.

وإنّما الميزان الفاصل هو كون جهة الإخبار مربوطة بمطلب حياتي عامّ يحتاج استيعابه وتفهّم خصوصيّاته إلى تفرّغ وتخصّص، فبمقتضى قانون العمل بين الناس خصّص لكلّ مطلب من هذا القبيل جماعة يتّبعون في مقام تحصيل قضاياه على أساس الخبرة الحدسيّة أو الحسّيّة، حيث إنّه لو صار البناء على أنّ كلّ إنسان لا يبني موقفه إلّا على أساس الخبرات التي يحصّلها ويعمل بصحّتها بنفسه، ككيفيّة معالجته لمريضه، أو بنائه لداره، أو ما شابه ذلك لتوقّفت الحياة، ولا يسع عمر الإنسان للتفرّغ لتحصيل كلّ هذه العلوم خصوصاً الإنسان الميدانيّ الذي يشتغل في الميادين الحياتيّة، فلهذه النكتة فرضت في القضايا العامّة التي ترتبط بالحياة ارتباطاً عامّاً فكرة التخصّص والرجوع إلى المتخصّصين. وهذا بخلاف الجهات الجزئيّة كموت زيد وحياته ووجوده في الدار ونحو ذلك من القضايا الجزئيّة والاُمور المحسوسة، فهذه أدوار يمكن طيّها لكلّ إنسان بمجرّد أن يتصدّى للاطّلاع عليها وترتيب الآثار عليها في الخارج، وليست من الاُمور التي تكون بحاجة إلى التفرّغ والتخصّص. فالتفصيل في السيرة العقلائيّة إنّما هو بين القضايا العامّة والجزئيّة لا بين الحدس والحسّ، ففي القضايا العامّة التي هي بحاجة إلى التخصّص يكتفي العقلاء بكلام أهل الخبرة سواء كان على أساس الحدس أو الحسّ، وفي غيرها لا يكتفي العقلاء بكلام من يخبر عن الحدس، وأمّا المخبر عن الحسّ فلو قلنا بعدم كفاية الخبر الواحد في الموضوعات فلابدّ في قبول شهادته من شرائط البيّنة.

ومن المعلوم: أنّ اللغة من القضايا العامّة التي تحتاج إلى التفرّغ والتخصّص للذهاب إلى القبائل العربيّة الأصيلة في لسانها وبياناتها، وتتبّع موارد استعمالاتها