المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

272

 

4 ـ الصناعة:

الطريق الرابع لإثبات الظهور: هو الصناعة بمعنى التأمّل البرهانيّ الفنّيّ، في مقابل التبادر الذي هو الطريق الأوّل الذي ليس مستبطناً للتأمّل ومحتوياً على الفنّ والبرهان، بل هو حالة وجدانيّة تخلق في النفس، وهي حالة انسباق المعنى من اللفظ بلاحاجة إلى التعمّق.

والتأمّل الفنّيّ البرهانيّ تارةً يعمل في إثبات كبرى حجّيّة الظهور نفياً أو إثباتاً، وتوسعة وتضييقاً، واُخرى يعمل لإحراز الظهور، وهذا هو محلّ الكلام.

أمّا الكلام في الأوّل: فهو مربوط بالمقام الأوّل. وقد اتّضح بما بيّنّاه في المقام الأوّل أنّ للصناعة دخلاً في تحقيق توسعة دائرة الحجّيّة وتضييق دائرتها، وحجّيّة الظواهر عمدة دليلها ـ كما مرّ بنا ـ هي السيرة العقلائيّة.

فنقول في فرض كون دليلنا على حجّيّة الظهور السيرة العقلائيّة: إنّه إن لم نعلم وجه السيرة ونكتتها فمتى ما شككنا في سعة دائرة الحجّيّة وضيقها، وأنّها هل تختصّ بخصوص من قصد إفهامه مثلاً، أو لا؟ وهل تختصّ بموارد الشكّ في القرينة، أو تعمّ موارد الشكّ في قرينيّة الموجود؟ ونحو ذلك، لم يكن لنا طريق لمعرفة الحال إلّا الرجوع إلى السيرة العقلائيّة بحسب الخارج، وقد يقع الخلاف في تشخيصها، فواحد يدّعي الوجدان على ثبوت السيرة على الحجّيّة، وآخر يدّعي الوجدان على الخلاف. أمّا إذا عرفنا أنّ نكتة السيرة العقلائيّة هي الكاشفيّة والأماريّة لا التعبّد الصرف، كما هو الحال في كلّ الاُصول العقلائيّة على ما هو متسالم عليه بين علماء الاُصول، وعرفنا أيضاً أنّ هذه الكاشفيّة تكون على أساس حساب الاحتمالات القائم على أساس الغلبة، بمعنى أنّ الغالب في المتكلّم أن يطبّق ظاهر كلامه على واقع مرامه،