المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

263

ثالثها: ما لو أحرزنا أنّ هذا اللفظ لم يرد به بعض معانيه كما لو قال لنا اللغويّ: إنّ موارد استعمال اللفظ الفلانيّ ثلاثة وشخّصها لنا، ونحن قد حصلنا على قرينة بلحاظ نصّنا الشرعيّ تدلّ على أنّ المعنى الأوّل والثاني غير مقصودين من هذا النصّ، فيتعيّن حمله على المعنى الثالث، وليس هذا من تشخيص الحقيقة عن المجاز، بل من باب تعيين موارد الاستعمال.

وأمّا القول بأنّ إخبار اللغويّ عن موارد الاستعمال إخبار عن حسّ وليس إخباراً عن حدس كي يشمله بناء العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة، فيرد عليه:

أوّلاً: أنّه في كثير من الموارد يكون تعيين موارد الاستعمال قائماً على أساس الحدس، فإنّ تعيين أصل المعنى المستعمل فيه اللفظ قد يكون قريباً من الحسّ، إلّا أنّ تعيين حدود المعنى وقيوده وإطلاقه وضيقه ممّا لابدّ فيه من استعمال الحدس في كثير من الأوقات، فإنّ اللغويين كانوا يتتبّعون كلمات العرب واستعمالاتهم في جزئيّات الموارد، فيجمعونها وينتزعون منها بعد إلغاء الخصوصيّات التي يمتاز بها فرد من أفراد مورد الاستعمال عن آخر جامعاً، كي يعرفوا أنّ هذا هو المعنى المستعمل فيه، وعمليّة انتزاع هذا الجامع عمليّة حدسيّة واجتهاديّة وليست حسّيّة.

وثانياً: أنّ بناء العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة منضمّـاً إلى عدم حجّيّة خبر الواحد في موضوعات من قبيل موت زيد وحياة عمرو ـ لو قلنا به ـ لا يعني اختصاص الحجّيّة العقلائيّة لقول أهل الخبرة بالخبرة الحدسيّة، بأن يكون الحدس أولى بالاعتماد عليه من الحسّ، فلو قال: رأيت بعيني، لم يقبل منه، ولو قال: إنّي اُعمل نظراً واجتهاداً يكون في معرض الخطأ والصواب، وأضفت أشياء من عندي من الحدس والتخمين، قبل منه، فإنّ مثل هذا الأمر غير محتمل بشأن العقلاء، والحدسيّة توجب الضعف لا القوّة، وفرض كون ما يوجب الضعف دخيلاً في الحجّيّة وما يوجب القوّة مانعاً عن الحجّيّة مطلب غير مناسب لارتكاز العقلاء الذين يكون جعل الحجّيّة عندهم بملاك الكشف والطريقيّة.