المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

275

وأمّا الثاني: فمن قبيل ما نقل عن بعض المحقّقين في مقام بيان الفرق بين هيئة (فعيل) وهيئة (فاعل) كخطيب وخاطب، وعليم وعالم: من أنّنا بالاستقراء بين مصاديق الهيئتين رأينا وجود جهة مشتركة بين موارد هيئة (فعيل) تمتاز بها عن هيئة (فاعل)، وهي قيام المبدأ بالذات، أي: كون المبدأ ثابتاً في نفس الذات كما في الخطيب والعليم والقدير والشريف وما إلى ذلك، فهذه المبادئ من العلم والخطابة وغير ذلك قائمة بنفس الذات، وهذه الظاهرة محفوظة في تمام موارد هيئة (فعيل)، هذا بخلاف هيئة (فاعل)، فإنّها كثيراً مّا تأتي منفصلة عن هذه النكتة، من قبيل ضارب وآكل ونحوها.

فما ذكره هذا المحقّق يرجع بروحه إلى إجراء حساب الاحتمالات على الظهورات الموضوعيّة لصيغ (فعيل) للكشف عن أنّ استفادة قيام المبدأ بالذات لم تكن صدفة عند أهل اللغة في كلّ هذه الموارد؛ لاستبعاد الصدف المتكرّرة، بل هو مستفاد من هيئة (فعيل)، وذلك من قبيل تجربة (ألف) عدّة مرّات لمعرفة أنّها تولّد (ب)، وأنّ المقارنة بينهما لم تكن دائماً بحسب الصدفة.

وكان مقصودي بذكر هذا المثال مجرّد توضيح الفكرة لا إمضاء انطباقها بالشكل الصحيح على هذا المثال بالذات. أمّا بلحاظ هذا المثال فلنا نقاش في كلام هذا المحقّق، فإنّ استقراءه ليس كاملاً، وقد جاءت هيئة (فعيل) في اللغة بنحو ينقض هذا الكلام كما في قولنا: (عذاب أليم) بينما الألم ليس قائماً بذات العذاب، وإنّما هو قائم بالمتألّم(1).


(1) بإمكان ذاك المحقّق أن يقول: إنّ الأليم يختلف في معناه عن المؤلم، فالمؤلم يشير إلى جانب الصدور كالضارب والآكل، فالعذاب حينما لم يمسّ أحداً ليس مؤلماً، والنار حينما لم تحرق أحداً ليست مؤلمة، ولكن يصدق عليهما عنوان الأليم قبل مسّ أحد، فهو يدلّ على صفة شأنيّة الإيلام القائمة بالذات.