المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

265

والالتفات إلى نكات تعبيراتها ثُمّ تبليغ ذلك إلى الآخرين، فالسيرة العقلائيّة في الرجوع إلى أهل الخبرة وهم اللغويّون في المقام تامّة.

أمّا القول بأنّ أهل اللغة ليسوا من أهل الخبرة بتمييز المعاني الحقيقة عن المجازيّة؛ بدليل عدم تصدّيهم لتحقيق هذا المطلب في كتبهم وبياناتهم، ولو كانوا من أهل الخبرة لسجّلوا نتائج خبرتهم في بحوثهم، فهذا إشكال إثباتيّ في المقام، وتحقيقه يكون بالرجوع إلى حال أهل اللغة، لأجل أن يرى أنّ خبرتهم صرفوها في المقام الأوّل فقط، أو صرفوها في المقام الثاني أيضاً، وليس إشكالاً علميّاً كي نقيّمه علميّاً في المقام.

وأمّا القول بأنّ أهل اللغة لا يمكن أن يكونوا من أهل الخبرة بالحقيقة والمجاز؛ لأنّ مستندهم الاستعمال، والاستعمال أعمّ من الحقيقة. فهذا إشكال فنّيّ، وجوابه: أنّه ليس الأمر كذلك، فإنّ تتبّع موارد الاستعمال في جملة من الموارد قد يستخدم مع إعمال النظر والحدس في تعيين المعنى الحقيقيّ في قبال المعنى المجازيّ.

فمثلاً لو فرض أنّ اللغويّين تتبّعوا موارد استعمال كلمة (أسد) في الرجل الشجاع وفي الحيوان المفترس، ورأوا أنّ استعمالها في الحيوان المفترس أقدم تأريخيّاً من استعمالها في الرجل الشجاع، ورأوا بالتتبّع والفحص أنّه في كلّ مورد استعملت كلمة (الأسد) في الرجل الشجاع عطفت عليها كلمة اُخرى تدلّ على إرادة هذا المعنى، ورأوا أنّ كلمة (أسد) حينما تستعمل بمعنى الرجل الشجاع يقصد بها المبالغة في الشجاعة، فهذه القرائن قد تؤدّي إلى القطع بأنّ كلمة (أسد) موضوعة للحيوان المفترس، وأنّ الرجل الشجاع معنىً تبعيّ ومجازيّ لها(1).


(1) وكذلك بإمكانه كشف الحقيقة عن طريق التبادر لدى أبناء اللغة، أو التبادر عنده بعد تدرّبه على موارد الاستعمالات بشكل يثق عادة بأنّه لا تخفى عليه نكات الاستعمال.