المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

273

فعندئذ قد لا تبتلي السيرة العقلائيّة لدينا بالغموض كي نقتصر على عملهم الخارجيّ، بل نرجع إلى ما عرفناه من النكتة، ونميّز بشكل أتمّ وأتقن موارد الحجّيّة من موارد عدم الحجّيّة، فنرى مثلاً: أنّه ليس الغالب في المتكلّم أن لا يوصل كلامه بقرينة متّصلة، فلا كاشفيّة لأصالة عدم قرينيّة الموجود، فنكتة السيرة غير موجودة، أو نرى مثلاً: أنّ الغلبة والكاشفيّة موجودتان بالنسبة لمن لم يقصد إفهامه، فنكتة السيرة ثابتة، وما إلى ذلك من الأمثلة، فهذا دور الصناعة في كبرى حجّيّة الظهور.

وأمّا الكلام الثاني ـ أعني: دور الصناعة في إحراز الظهور ـ: فهنا نحن بحاجة إلى البحث لأجل تحديد مقدار دور الصناعة في باب الدلالات. فمن ناحية هنا كلام قد يتردّد على الألسن، وهو: أنّه لا معنى لإعمال الصناعة في معرفة الظهور، وإنّما يجب الرجوع فيه إلى العرف وإلقاء الكلام على الفرد المتعارف والناس الاعتياديّين لكي نرى ماذا يفهمون منه، ومن ناحية اُخرى نرى أنّ سيرة المحقّقين لم تكن على ذلك، ففي جملة من الموارد أدخلوا الصناعة في فهم الظهور، فما أكثر ما يتكلّمون صناعة في إثبات المفهوم ـ مثلاً ـ للقضيّة الشرطيّة، أو في أنّ صيغة (افعل) هل تدلّ على الوجوب بمقدّمات الحكمة أو بقرينة عامّة اُخرى، أو لا؟ وما إلى ذلك من الأمثلة.

فمن هنا احتجنا في مقام حلّ هذا التناقض بين هذين الأمرين ـ أي: بين ما قد يقال وما قد يفعل ـ إلى تحديد دور الصناعة ومقدار أثرها في باب دلالة الألفاظ.

وتفصيل الكلام في ذلك: أنّ الصناعة تارةً تعمل في تشخيص كبرى الظهور، واُخرى في تشخيص صغراه، وثالثة في تشخيص خصوصيّات الظهور، ورابعة في مقام التنسيق بين الظهورات، أي: تحديد العلاقات الكلّيّة بين بعض الظواهر