261


النار، فكأنّه رقّ له، فاستوى جالساً، فقال: يا نجيّة سلني، فلا تسألني عن الشيء إلّا أخبرتك به، قال: جعلت فداك ما تقول في فلان وفلان؟ قال: يا نجيّة، إنّ لنا الخمس في كتاب الله، ولنا الأنفال، ولنا صفو المال. وهما والله أوّل من ظلمنا حقّنا في كتاب الله، وأوّل من حمل الناس على رقابنا. ودماؤنا في أعناقهما إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت، وإنّ الناس ليتقلّبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت، فقال نجيّة: إنّا لله وإنّا إليه راجعون ـ ثلاث مرات ـ هلكنا وربّ الكعبة، قال: فرفع فخذه (جسده خ ل) عن الوسادة، فاستقبل القبلة، فدعا بدعاء لم أفهم منه شيئاً، إلّا أ نّا سمعناه في آخر دعائه وهو يقول: اللهمّ إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا، قال: ثُمّ أقبل إلينا بوجهه وقال: يا نجيّة، ما على فطرة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا»(1).

وسند الرواية ضعيف بسبب سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال، وبسبب من روى عنه عليّ بن الحسن بن فضّال هذه الرواية، وهو جعفر بن محمّد بن حكيم، فإنّه لا دليل على وثاقته عدا وقوعه في أسانيد كامل الزيارات، ونحن لا نعتدّ بذلك في إثبات الوثاقة.

وأمّا من حيث الدلالة فقوله(عليه السلام): «اللّهمّ إنّا قد أحلننا ذلك لشيعتنا» كان في ضمن دعاء لم نعرفه، فلا نستطيع إثبات إطلاقه لأرباح المكاسب، ويؤيّد ذلك: أنّ قسماً من صدر الحديث راجع إلى خمس غنائم الحرب، فإنّه الذي غصبه فلان وفلان لا مطلق الخمس، وقسم منه راجع إلى ما يتعلّق بأموال العامّة، وهو قوله: «إنّ الناس ليتقلّبون في حرام إلى يوم القيامة» وقد يكون له إطلاق لخمس أرباح المكاسب المتعلّق بأموال


(1) التهذيب، ج 4، كتاب الصيام، ح 405. وأكثر هذه الرواية موجودة في الوسائل، ب 4، من الأنفال، ح 14.

262


العامّة، فلو فرض رجوع اسم الإشارة في «أحللنا ذلك لشيعتنا» إلى هذا، فإنّما يدلّ على تحليل ما ينتقل من العامّة إلى الشيعة، ولو فرضنا رجوع اسم الإشارة إلى طبيعيّ الخمس من دون فرق بين تعلّقه بالسنّي أو تعلّقه ابتداءً بأرباح مكاسب الشيعيّ، فهذا يعني تحليل الخمس للشيعة إلى يوم القيامة، وهذا أمر غير محتمل.

الرواية السادسة عشرة: رواية عبدالعزيز بن نافع، قال: «طلبنا الإذن على أبي عبدالله(عليه السلام)... فدخلت أنا ورجل معي، فقلت للرجل: اُحبّ أن تحلّ بالمسألة، فقال: نعم، فقال له: جعلت فداك، إنّ أبي كان ممّن سباه بنو اُميّة وقد علمت أنّ بني اُميّة لم يكن لهم أن يحرّموا ولا يحلّلوا، ولم يكن لهم ممّا في أيديهم قليل ولا كثير، وإنّما ذلك لكم، فإذا ذكرت الذي كنت فيه دخلني من ذلك ما يكاد يفسد عليّ عقلي ما أنا فيه، فقال له: أنت في حلّ ممّا كان من ذلك، وكلّ من كان في مثل حالك من ورائي فهو في حلّ من ذلك...»(1).

واختصاص ذلك بغنيمة الحرب أو السبايا واضح، ولكن ليس ذلك بالمعنى الذي كنّا نقوله في عدد من الروايات الماضية من النظر إلى الجواري المسبيّة التي ينتهي نكاحهن إلى الزنا أو وطي الشبهة.

ولعلّه في هذه الرواية كان نظر السائل إلى أنّ أباه كان كافراً ثُمّ أصبح مسبيّاً ضمن الغنائم التي غنمتها الحكومة الإسلاميّة المنحرفة عن خطّ أهل البيت، فصار في الحقيقة عبداً مملوكاً، ولا يرجع أمره إلى تلك الحكومة الإسلاميّة، فحتّى لو كان قد اُعتق بعد ذلك على يد من انتقل إليه لم يخرج عن العبوديّة، وبالتالي فالمفروض بأولاده وهو أحدهم أن يكون عبداً، فهذا ما كان يكاد أن يفسد عقله، فأجابه الإمام(عليه السلام) بأنّه هو وكلّ من في مثل


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 18.

263


حاله من الشيعة في حلّ من ذلك.

ولا علاقة لذلك بخمس أرباح المكاسب.

وفي السند محمّد بن سنان وعبدالعزيز بن نافع، ولا دليل على وثاقتهما.

الرواية السابعة عشرة: رواية أبي حمزة عن أبي جعفر(عليه السلام) في حديث قال: «إنّ الله جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء، فقال تبارك وتعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾فنحن أصحاب الخمس والفيء، وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا. والله يا أبا حمزة، ما من أرض تفتح، ولا خمس يخمّس، فيضرب على شيء منه إلّا كان حراماً على من يصيبه، فرجاً كان أو مالاً...»(1).

وفي السند عليّ بن العبّاس.

وأمّا الدلالة فمن الواضح اختصاصها بغنائم الحرب من قبل العامّة، والمنتقل منهم إلى الشيعة، ففي صدره يقول: «إنّ الله جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء» والفيء يعني الغنيمة، ويقول بعد ذكر الآية الشريفة: «فنحن أصحاب الخمس والفيء» وهذا يعني: أنّ الإمام ناظر إلى خمس غنائم الحرب. وفي ذيله يقول: «ما من أرض تفتح، ولا خمس يخمّس، فيضرب على شيء منه إلّا كان حراماً على من يصيبه، فرجاً كان أو مالاً»، ومن الواضح: أنّ «أرضاً تفتح» يقصد به الأرض المفتوحة بالحرب، وأنّ «خمساً يخمّس» أيضاً ناظر إلى الغنائم; لأنّ مراده بالخمس الذي يخمّس هو الخمس الذي يدفع إلى خليفة الجور لا إلى الإمام(عليه السلام)، والذين كانوا يعطون الخمس إلى خليفة الجور لم يكونوا يعطون خمس أرباح المكاسب، وإنّما هو خمس الغنائم.


(1) المصدر نفسه، ح 19.

264


الرواية الثامنة عشرة: ما في تفسير الإمام العسكري(عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين(عليه السلام)«أنّه قال لرسول الله(صلى الله عليه وآله): قد علمت يا رسول الله أنّه سيكون بعدك ملك عضوض وجبر، فيستولى على خمسي من السبي والغنائم ويبيعونه فلا يحلّ لمشتريه لأنّ نصيبي فيه، فقد وهبت نصيبي منه لكلّ من ملك شيئاً من ذلك من شيعتي لتحلّ لهم منافعهم من مأكل ومشرب ولتطيب مواليدهم ولا يكون أولادهم أولاد حرام، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ما تصدّق أحد أفضل من صدقتك، وقد تبعك رسول الله في فعلك أحلّ الشيعة كلّ ما كان فيه من غنيمة وبيع من نصيبه على واحد من شيعتي، ولا اُحلّها أنا ولا أنت لغيرهم»(1).

واختصاص ذلك بالغنائم والسبي المنتقلة منهم إلى الشيعيّ واضح.

الرواية التاسعة عشرة: مرسلة العيّاشي عن فيض بن أبي شيبة، عن رجل، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «إنّ أشدّ ما فيه الناس يوم القيامة إذا قام صاحب الخمس فقال: يا ربّ خمسي، وإنّ شيعتنا من ذلك في حلّ»(2).

وسقوطها سنداً واضح، فهي أساساً مرسلة العيّاشي ينقلها عن فيض بن أبي شيبة وهو مجهول، عن رجل عن الإمام الصادق(عليه السلام).

الرواية العشرون: رواية عبدالله بن سنان، قال: «قال أبو عبدالله(عليه السلام): على كلّ امرئ غنم أو اكتسب الخمس ممّا أصاب لفاطمة(عليها السلام)ولمن يلي أمرها من بعدها من ذرّيتها الحجج على الناس، فذاك لهم خاصّة يضعونه حيث شاؤوا، وحرّم عليهم الصدقة حتّى الخيّاط يخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منه دانق، إلّا من أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم


(1) المصدر نفسه، ح 20.

(2) المصدر نفسه، ح 22.

265

114 ـ ويستثنى من الخمس المهر وعوض الخلع والإرث.

نعم، الميراث الذي لا يحتسب ملحق في الحكم بغنيمة الحرب في تخميسه كلاًّ ومن دون استثناء المؤونة (1).


به الولادة، إنّه ليس من شيء عند الله يوم القيامة أعظم من الزنا، إنّه ليقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربّ سل هؤلاء بما اُبيحوا؟»(1).

والتهافت واضح بين صدر الحديث وذيله، حيث يفهم بوضوح من الصدر تحليل خمس أرباح المكاسب، ويفهم بوضوح من الذيل أنّ المسألة مسألة غنائم الحرب، أو خصوص الجواري المسبيّة.

وعلى أيّ حال، ففي السند عبدالله بن القاسم الحضرمي، وقد قال عنه النجاشيّ: كذّاب غال.

هذا تمام كلامنا في أخبار التحليل.

وقد اتّضح: أنّ التحليل ثابت في موردين:

أحدهما: بالنسبة لخمس الغنائم أو السبايا التي تصل منهم إلى يد الشيعيّ.

وثانيهما: ما يشمل حتّى خمس أرباح المكاسب بشرط أن يكون متعلّقاً بأموال من لا يخمّس، ثُمّ ينتقل إلى الشيعيّ عن غير طريق الإرث.

(1) وقع الكلام في استثناء الهبة، والمهر، وعوض الخلع، والإرث من الخمس.

ولتحقيق ذلك لا بدّ من مراجعة روايات خمس أرباح المكاسب، وهي روايات الباب الثامن من أبواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل زائداً الرواية الثامنة والتاسعة من روايات الباب الرابع من الأنفال، فنقول:

أمّا الهبة، فقد مضى الكلام فيها مفصّلاً، ومختصر الكلام فيها: أنّ روايات الباب بين ما


(1) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 8.

266


لا تتمّ سنداً وما لا إطلاق لها للهبة، والذي يمكن تصوّر تماميّتها سنداً ودلالة بلحاظ الهبة هي ثلاث روايات:

الاُولى: صحيحة عليّ بن مهزيار المفصّلة، وقد ورد فيها: «والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر»(1).

وقد يجعل ذلك تارةً دليلاً على عدم الخمس في الهبة الاعتياديّة; لأنّه خصّ الخمس بالتي لها خطر، واُخرى يجعل دليلاً على ثبوت الخمس في الهبة الاعتياديّة تمسّكاً بمثل الإجماع المركّب على عدم الفرق بين التي لها خطر والتي ليس لها خطر، فلعلّ ذكر قيد ما لها خطر كان بسبب أنّ الجائزة الكبيرة هي التي تزود على مؤونة السنة، أمّا المختصرة فتنتهي عادة قبل دوران الحول.

والصحيح: أنّ هذه لا علاقة لها أصلاً بإثبات ولا نفي خمس الهبة الاعتياديّة، فإنّها صريحة في ذيلها بعدم مطالبة الإمام الجواد(عليه السلام)والذي وردت هذه الرواية عنه بخمس أرباح المكاسب غير الضياع والغلاّت التي أوجب فيها نصف السدس. أمّا حينما ذكر(عليه السلام)الجائزة التي لها خطر فقد ألحقها بغنيمة الحرب التي لا إشكال في أنّه لا تستثنى منها المؤونة.

والثانية والثالثة: ما سنذكرهما ـ إن شاء الله ـ في بحث المهر وعوض الخلع والإرث.

وأمّا المهر وعوض الخلع والإرث، فما يمكن دعوى تماميّته سنداً ودلالةً بالإطلاق لإثبات الخمس فيها روايتان:

إحداهما: موثّقة سماعة: «سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الخمس؟ فقال: في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير»(2). فقد يقال: إنّ عنوان ما أفاد الناس يشمل الهبة، والمهر،


(1) الوسائل، الباب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

(2) الوسائل، الباب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 6.

267


وعوض الخلع، والإرث.

ولكنّ الصحيح: أنّ شمولها بالإطلاق للهبة واضح لا غبار عليه، ولكنّ الظاهر: أنّ المقصود بالإفادة الأرباح، فهي لا تشمل الإرث، ولا المهر، ولا عوض الخلع.

أمّا عدم شمولها للإرث فواضح; فإنّ الإفادة معناها ـ كما قلنا ـ الإرباح، ولا يصدق على الإرث عرفاً الربح.

وأمّا المهر فهو عوض البضع، على فرق بينه وبين المعاوضات التجاريّة، وهو أنّ المقياس في المعاوضات التجاريّة عرفاً هو أصل الماليّة المشتركة بين العوض والمعوّض، فلو زاد أحدهما على الآخر في الماليّة حسبت الزيادة ربحاً وإفادةً، وأمّا المعاوضة بين المهر والبضع فلا تعدّ عرفاً من المعاوضة بين مالين; إذ ليس الكلام في شراء الأمة حيث يفترض التبادل المالي بين الثمن والأمة، وإنّما النكاح يفترض في الفهم العرفي علاقة اعتباريّة خاصّة بين الزوج والزوجة، فلا يتعامل مع المهر الذي هو في واقعه عوض البضع معاملة مالين حتّى يكون ما زاد في الماليّة ربحاً. أفهل يمكن أن يقال فيما إذا كان المهر أقلّ من مهر المثل: إنّ الزوج ربح واستفاد مالاً أكثر من ماليّة المهر، فعليه التخميس؟ ولو كان الأمر راجعاً إلى المعاوضة الماليّة، لما كان يتعلّق الخمس بكلّ المهر كما هو مفروض عدم استثنائه من الخمس، بل كان متعلّقاً بالزيادة على مهر المثل.

وأمّا عوض الخلع فتأتي فيه نفس النكتة التي ذكرناها في المهر، فهو في مقام فكّ العلاقة بين الزوج والزوجة، وليس عوض الخلع ربحاً.

وثانيتها: صحيحة أبي عليّ بن راشد «قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك، فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأيّ شيء حقّه؟ فلم أدر ما اُجيبه، فقال: يجب عليهم الخمس، فقلت: ففيّ أيّ شيء؟ فقال: في أمتعتهم وصنائعهم (وفي هامش المخطوط يقول: في نسخة: وضياعهم). قلت: والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال: إذا

268


أمكنهم بعد مؤونتهم»(1).

ولا إشكال في عدم الإطلاق لقوله: «والتاجر عليه والصانع بيده» للهبة، ولا المهر، ولا عوض الخلع، ولا الإرث. وكذلك لا إشكال في عدم الإطلاق لكلمة «صنائعهم» أو كلمة «ضياعهم»، وإنّما يمكن دعوى إطلاق كلمة «في أمتعتهم»، فالمهر أيضاً متاع، وكذلك أخواته، فيتعلّق الخمس بكلّ المهر وأخواته.

والجواب يظهر بملاحظة مقدّمتين:

الاُولى: أنّ قوله: «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» ظاهر في الرجوع إلى تمام ما سبق، أعني: في أمتعتهم وصنائعهم (ضياعهم خَ لَ) والتاجر عليه والصانع بيده، لا إلى الأخيرين فقط. وهذا الظهور ينشأ من التداخل الموجود بين الأخيرين والأوّلين، فإنّ أمتعتهم وصنائعهم هي غالباً نتيجة التجارة والصنع، فكأنّ السائل يستغرب من إطلاق أمتعتهم وصنائعهم أو عمومه، فيسأل عن خصوص التجارة والصنع، والإمام يقول: نعم فيما زاد على المؤونة.

والثانية: أنّ مناسبات الحكم والموضوع تقتضي رجوع استثناء المؤونة إلى ما يكون عادة بفرض تحصيل المؤونة، وهي الأمتعة التي تستحصل عن طريق التجارة، أو الصنع، أو قبول الهبة، أو الجائزة، أو الصدقة، وليس شيء من المهر، أو عوض الخلع بطبيعته كذلك، وأمّا عدم كون الإرث كذلك فأوضح.

وقد يستدلّ على عدم تعلّق الخمس بالإرث الذي يحتسب بالتعبير الوارد في صحيحة عليّ بن مهزيار المفصّلة: «والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن...»(2)، ولكن الظاهر أنّ هذا بصدد تعداد ما يلحق بغنيمة الحرب ممّا لا يستثنى منه المؤونة، فمفهومه لا ينفي الخمس عن ميراث ما يحتسب إلّا بهذا اللحاظ.


(1) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 3.

(2) الوسائل، الباب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

269

115 ـ والمقصود باستثناء المؤونة: استثناء مؤونة السنة(1) مخيّراً بين اختيار


(1) العمدة في البحث توضيح استثناء مؤونة المصرف للشخص وعياله.

أمّا مؤونة التحصيل فالظاهر أنّ استثناءها واضح; لأنّ ما يقابلها خارج تخصّصاً عن عنوان الفائدة، فلو تمّ عموم أو إطلاق في مثل موثّقة سماعة: «الخمس في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير»(1). فما يقابل مصرف التحصيل خارج موضوعاً عن هذا العموم أو الإطلاق.

فسواء تمّ إطلاق لأخبار استثناء المؤونة لمؤونة التحصيل أو لم يتمّ لم يهمّنا ذلك.

هذا، مضافاً إلى وضوح نظر بعض روايات استثناء المؤونة إلى مؤونة التحصيل بالذات.

وصحيح السند منها عبارة عن رواية عليّ بن مهزيار: «كتب إليه إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ: أقرأني عليّ كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضياع: أنّه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤونة، وأنّه ليس على من لم تقم ضيعته بمؤونته نصف السدس ولا غير ذلك، فاختلف من قِبَلنا في ذلك، فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة مؤونة الضيعة وخراجها، لا مؤونة الرجل وعياله، فكتب وقرأه عليّ بن مهزيار: عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله، وبعد خراج السلطان»(2). بناءً على أنّ المقصود استثناء خراج السلطان باعتباره مصداقاً لما سأل عنه السائل بتعبير: «مؤونة الضيعة وخراجها».

وهناك روايات اُخرى أيضاً، إلّا أنّها غير نقيّة السند(3).

وعلى أيّ حال، فالدليل على استثناء مؤونة الصرف عدد من الروايات من قبيل:

1 ـ صحيحة عليّ بن مهزيار عن أبي عليّ بن راشد (وهو ثقة) التي ورد فيها: «إذا


(1) الوسائل ب 8 ممّا يجب فيه الخمس ح 6.

(2) المصدر نفسه، ح 4.

(3) راجع الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 2 و7.

270


أمكنهم بعد مؤونتهم»(1).

2 ـ صحيحته التي أشرنا إليها آنفاً في نقله لكتاب إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ: «الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله، وبعد خراج السلطان»(2).

3 ـ صحيحة البزنطي: «كتب إلى أبي جعفر(عليه السلام): الخمس اُخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة؟ فكتب: بعد المؤونة»(3).

والظاهر أنّ المتيقّن من هذا الإطلاق هو مؤونة الشخص; لأنّ مال الشخص أكثر التصاقاً بالشخص منه بمؤونة التحصيل التي لا توجد إلّا في حالات مفارِقة من قبيل إنفاق شيء في سبيل استخراج المعدن، أو الكنز، أو الحدث. أمّا ارتباط المال بالشخص فأمر ملازم دائميّ لا يفارقه، وإن شئت فعبّر بتعبير: أنّ مؤونة الصرف ثابتة لكلّ أحد وفي جميع أمواله على حدّ سواء، في حين أنّ مؤونة التحصيل قد تثبت وقد لا تثبت، فربّ ربح ليست له مؤونة التحصيل. وهذا يوجب تيقّن إرادة مؤونة الصرف بلا إشكال، ولا يضرّنا أن يشمل التعبير مؤونة التحصيل أو لا يشمل.

4 ـ رواية محمّد بن الحسن الأشعريّ (ولم نرَ دليلاً على وثاقته) قال: «كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني(عليه السلام): أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب، وعلى الصنّاع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطّه: الخمس بعد المؤونة»(4).


(1) المصدر نفسه، ح 3.

(2) المصدر نفسه، ح 3.

(3) الوسائل، ب 12 ممّا يجب فيه الخمس، ح 1.

(4) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 1.

271


5 ـ ما رواه الصدوق بإسناده إلى إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ: أنّ في توقيعات الرضا(عليه السلام)إليه: «أنّ الخمس بعد المؤونة»(1)، إلّا أنّ إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ لا يخلو ثبوت وثاقته من دغدغة، فلا يوجد أكثر من كونه وكيلاً أو وكيل الناحية، وهو من أصحاب الرضا والجواد والهادي(عليهم السلام)، وروايات توثيقه لا تخلو من نقاش سندي، بل أكثرها عن طريق نفسه(2).

ولم نحسب من روايات المبحث صحيحة عليّ بن مهزيار المفصّلة(3) رغم ما فيها من قوله: «ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤونته، فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك»; وذلك بسبب أنّ صدر الحديث كان بصدد التخفيف والتسهيل الولائي، فلو انحصر المدرك لاستثناء المؤونة بهذا الحديث، لاحتملنا فيه أنّ هذا الحكم كان تخفيفاً ولائيّاً لذاك الزمان.

بقي الكلام في أنّه ما هو الدليل على إضافة المؤونة المستثناة إلى السنة، فلِمَ لا تضاف إلى اليوم أو الاُسبوع أو الشهر أو العُمُر أو غير ذلك؟

ويمكن ذكر عدّة أدلّة لذلك:

الأوّل: الإجماع، والتسالم، والضرورة الفقهيّة إلى حدّ لا يمكن الشكّ في ذلك.

والثاني: ما في صحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة(4) من أحد مقطعين:

المقطع الأوّل: قوله(عليه السلام): «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام...».


(1) الوسائل، ب 12 ممّا يجب فيه الخمس، ح 2.

(2) راجع بشأ نه معجم رجال الحديث للسيّد الخوئيّ(قدس سره) الجزء الأوّل.

(3) الوسائل، الباب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

(4) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

272


إلّا أنّ المشكلة التي تواجهنا في الاستدلال بهذا المقطع من الرواية أنّها فسّرت الغنائم والفوائد بما لا يستثنى منه مصارف السنة فأوّلاً استشهد(عليه السلام)بالآية الشريفة التي متيقّنها غنيمة الحرب، ولا شكّ في عدم استثناء مؤونة السنة منها، ثُمّ قال: «والغنائم والفوائد ـ يرحمك الله ـ فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، ومثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله، ومثل مال يؤخذ لا يعرف له صاحب، وما صار إلى مواليّ من أموال الخرّميّة الفسقة، فقد علمت أنّ أموالاً عظاماً صارت إلى قوم من مواليّ، فمن كان عنده شيء من ذلك فليوصل إلى وكيلي، ومن كان نائياً بعيد الشقة فليتعمّد لإيصاله ولو بعد حين، فإنّ نيّة المؤمن خير من عمله...».

فأنت ترى أنّه(عليه السلام)يأمر بتخميس أمثال هذه الأموال العظام من دون أن يستثني(عليه السلام)منها مصارف السنة، في حين أنّ أرباح التجارة التي تستثنى منها مصارف السنة قد صرّح(عليه السلام)قبل هذا المقطع بإعفائها عن الخمس في ذاك التأريخ.

والمقطع الثاني: ذيل الرواية الذي أثبت فيه الخمس (ولو بمقدار نصف السدس) على الضياع والغلاّت في كلّ عام، وخصّص ذلك بمن كانت ضيعته تقوم بمؤونته، فبقرينة ذكر العام في هذا المقطع الأخير (بل وإضافة إلى ذكر العام أو السنة عدّة مرّات في تمام الرواية) تنصرف المؤونة إلى مؤونة السنة.

والثالث: دعوى أنّ المنصرف عرفاً من المؤونة المستثناة ـ وبغضّ النظر عن ذكر كلمة العام أو السنة في صحيحة عليّ بن مهزيار ـ هي مؤونة السنة، وذلك بأحد تقريبات أو بمجموع عدد منها:

1 ـ أنّ ضبط المؤونة، وفرض مقياس لمبلغها يكون عادة بضبط مؤونة تمام السنة لا بضبط مؤونة يوم، أو شهر، أو فصل مثلاً; لأنّ المؤونة تختلف تمام الاختلاف باختلاف

273

السنة القمريّة والسنة الشمسيّة (1).


الفصول، فمؤونة الصيف غير مؤونة الشتاء، ومؤونة الربيع أو الخريف غير مؤونة الفصول الاُخرى، فإذا اُريد وضع مقياس مشخّص نسبيّاً لمبلغ المؤونة لمن يريد أن يضبط مؤونة سنته يُدخل في حسابه كلّ فصول السنة، وهذا يؤدّي إلى انصراف المؤونة المستثناة في باب الخمس عرفاً إلى مؤونة السنة.

2 ـ أنّ المتعارف في الزمان القديم خصوصاً في القرى والأرياف، بل وحتّى يومنا هذا في القرى والأرياف هو ادّخار المؤونة من كلّ نتاج زراعيّ بمقدار سنة حتّى اليوم المماثل في آخر العام، باعتبار أنّ ذاك النتاج لا يتحقّق عادة إلّا مرّة واحدة بالسنة.

3 ـ أنّ المتعارف غالباً لدى التجّار والكسبة في حساب أموالهم دخلاً وخرجاً هو الحساب السنوي.

4 ـ أنّ المتعارف لدى الحكومات في وضع الضرائب الزمنيّة الدائمة على الرعيّة هو وضعها بالشكل السنوي.

فمجموع هذه الاُمور أو بعضها يؤدّي إلى انصراف المؤونة إلى مؤونة السنة.

(1) وبعد هذا نواجه السؤال عن أنّه هل المقياس هي السنة الشمسيّة أو السنة القمريّة، أو نحن مخيّرون بينهما؟

قد يقال: إنّ المألوف لدى الشريعة في عصر التشريع وفي عصر الأئمّة(عليهم السلام) في حساب السنين كان هو السنة القمريّة.

إمّا بدليل: أنّ بيئتهم(عليهم السلام)وبيئة أصحابهم كانت من البيأ التي تعارف فيها الحساب بالقمري، إذا استثنينا الفترة المختصرة لزمان الإمام الرضا(عليه السلام)التي عاشها في خراسان حيث نحتمل: أنّ حساب الزمان لدى الخراسانيين كان بالعام الشمسي.

وإمّا بدليل: أنّ الحساب القمري هو الوارد في القرآن الكريم:

قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ

274


عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾(1)، ومن المعلوم أنّ الضمير في «قدّره» راجع إلى القمر لا الشمس; لأنّ الضمير الذي يرجع إلى الشمس يجب أن يكون مؤنّثاً.

وأيضاً قال الله تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾(2)، ونحن نعلم أنّ الأربعة الحرم أشهر قمريّة، فعدّها من الاثني عشر شهراً دليل على أنّ المقصود بذلك الأشهر القمريّة.

وأيضاً قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾(3).

وبهذه المناسبة أذكر رواية طريفة ذكرها في مجمع البيان مرسلةً في ذيل تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِائَة سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً﴾(4)، رُوي: «أنّ يهوديّاً سأل عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)عن مدّة لبثهم، فأخبر بما في القرآن، فقال: إنّا نجد في كتابنا ثلاثمئة، فقال(عليه السلام): ذاك بسنيّ الشمس وهذا بسنيّ القمر».

ولئن كان المفهوم من أدلّة سنة البلوغ، أو سنّ اليأس، أو أشهر العدّة كلّها هي السنين، أو الأشهر القمريّة لا الشمسيّة، فلم لا يكون كذلك في سنة مؤونة الخمس؟!

وقد يؤيّد ذلك ما في صحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة(5): «إنّ الذي أوجبت في سنتي هذه وهذه سنة عشرين ومئتين...»; إذ لا شكّ أنّ مقصوده(عليه السلام) سنة عشرين ومئتين الهجريّة القمريّة.


(1) سورة يونس، الآية: 5.

(2) سورة التوبة، الآية: 36.

(3) سورة البقرة، الآية: 189.

(4) سورة الكهف، الآية: 25.

(5) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

275


ولا يبعد القول بأنّ السنة قد استعملت في القرآن بمعنى السنة الشمسيّة أيضاً في قوله تعالى: ﴿تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إلّاَ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾(1)، فإنّ المناسب للمورد وهو الزرع والحصاد والقحط هو ملاحظة السنة الشمسيّة.

وكذلك في ذيل صحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة: «فأمّا الذي اُوجب من الضياع والغلاّت في كلّ عام فهو نصف السدس ممّن كانت ضيعته تقوم بمؤونته...» قد يقال بأنّ المقصود: السنة الشمسيّة; لأنّها هي المناسبة للضياع والغلاّت لا القمريّة.

ولعلّ خير ما يمكن أن يقال في المقام هو: إنّ كلمة الشهر والسنة في لغة شريعة الإسلام منصرفة إلى الشهر والسنة القمريّين بلا إشكال، فلم يشكّ أحد في سنيّ البلوغ واليأس في أنّ المقياس هي السنة القمريّة، ولم يشكّ أحد في مبلغ العدّة وهو ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر وعشراً في أنّ المقياس هو الشهر القمري. وقد حقّقنا في بحثنا الماضي في الزكاة أنّ المقياس في السنة التي هي شرط في زكاة الأنعام والنقدين عبارة عن بزوغ اثني عشر هلالاً، وكذلك الحول الذي كان في صدر الإسلام هو مدّة لعدّة الوفاة الوارد في قوله تعالى: ﴿الذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لاَِزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاج...﴾(2) لا نشكّ أنّ المقصود به الحول القمريّ، وأيضاً لا نشكّ في أنّ الشهر الذي يذكر في البقاء المتردّد للمسافر الموجب للتمام بعد ذلك وكذلك الستّة أشهر التي تذكر في باب الاستيطان كلّ هذا محمول على الشهر القمري، وكذلك الكلام في سنة


(1) سورة يوسف، الآية: 47 ـ 49.

(2) سورة البقرة، الآية: 240.

276


الفحص عن مالك اللقطة، وكلّ هذه من واضحات الفقه لدى الفقهاء. فلو كانت النصوص في استثناء المؤونة في باب الخمس قد وردت بلغة مؤونة السنة لم نكن نشكّ في انصرافها إلى السنة القمريّة.

ولكن المسألة هي أنّه لم ترد في نصوص استثناء المؤونة كلمة السنة أو العام، اللهمّ إلّا ما ورد في صحيحة عليّ بن مهزيار المفصّلة(1)، ولكنّها لم تكن بصدد بيان مدّة المؤونة المستثناة، فقد ذكر في صدر الحديث: «إنّ الذي أوجبت في سنتي هذه وهي سنة عشرين ومئتين... ـ إلى أن قال: ـ فأحببت أن اُطهّرهم واُزكّيهم بما فعلت في عامي هذا... ـ إلى أن قال: ـ ولم اُوجب عليهم في كلّ عام...» ولم يشر في كلّ ذلك إلى استثناء المؤونة أبداً، وذكر في وسط الحديث قوله: «وإنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضّة التي قد حال عليهما الحول...».

وأنت تعلم أنّ حولان الحول على الذهب والفضّة غير مسألة استثناء المؤونة، فلو حال عليهما الحول وكان قد صرف للمؤونة مالاً آخر مخمّساً مثلاً، أو من غير ما طالب الإمام الجواد(عليه السلام)بخمسه لم يستثن من الذهب والفضّة التي أمر الإمام في تلك السنة بتخميسها.

وأيضاً ذكر(عليه السلام) في وسط الرواية قوله: «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام، قال الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُم...﴾». وذكر اُموراً لا تستثنى منها المؤونة كما مضى شرحه.

وذكر في آخر الرواية قوله(عليه السلام): «فأمّا الذي اُوجب من الضياع والغلاّت في كلّ عام فهو نصف السدس، ممّن كانت ضيعته تقوم بمؤونته، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤونته فليس عليه نصف سدس، ولا غير ذلك». وهذا أيضاً كما ترى ـ بعد حمله على كون


(1) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

277


استثناء المؤونة استثناءً شرعيّاً لا تخفيفيّاً ـ لم يذكر مبلغ زمان استثناء المؤونة، هل هو العام الشمسي أو العام القمري، ولو فرض انصرافه إلى أحد العامين لم يكن انصرافه إلى العام القمري بأولى من انصرافه إلى العام الشمسي، بل قد يقال: إنّ انصرافه إلى العام الشمسي بقرينة المورد وهي مسألة الضياع والغلاّت أولى.

نعم، غاية ما في هذه الرواية أنّنا قلنا: إنّ ذكر السنة والعام في هذه الرواية عدّة مرّات وبالأخصّ المرّة الأخيرة يخلق مناسبة في الرواية لانصراف المؤونة إلى مؤونة العام القمري، هذا كما ترى لا يخلق ظهوراً للمؤونة المستثناة في آخر الحديث في مؤونة العام القمري في مقابل مناسبة المورد للعام الشمسي، فلنفترض الإجمال.

وعليه فلم يبق إلّا القول بانصراف المؤونة أساساً في نظر العرف إلى مؤونة السنة باعتبار غلبة حسابهم لمؤوناتهم بالسنة لا بالشهر أو الاُسبوع أو اليوم، وذلك بالبيانات الأربعة التي مضت منّا قبل عدّة صفحات، أي: في آخر بحثنا قبل الدخول في مبحث أنّ السنة هل هي شمسيّة أو قمريّة؟ فلو كان الغالب بلحاظ البلاد الكبيرة في ذاك التأريخ هو الحساب بالسنة القمريّة، لا شكّ أنّ الغالب بلحاظ القرى والأرياف والتي لم تكن قليلة في عصر التشريع والنصوص وكانت داخلة فيما هو منظور للنصوص حتماً كان هو حساب السنة الشمسيّة، فليس شيء أقوى من القول بالتخيير بين السنتين.

يبقى الكلام في أنّه ما معنى التخيير بين الوقتين الموسّع والمضيّق، فإنّ السنة الشمسيّة دائماً هي أطول من السنة القمريّة؟ والواقع أنّنا لو قلنا بأنّ لكلّ منفعة سنة يخصّها فالتخيير بين السنتين يرجع في روحه إلى كون المقياس أطول السنتين، وهي السنة الشمسيّة، ولا يتصوّر التخيير بالمعنى الحقيقي للكلمة. أمّا لو قلنا بجواز فرض سنتين لمنافع متعدّدة مختلفة الزمان: إمّا بسبب أنّ السنة يمكن تعيينها بالجعل لكلّ المنافع مثلاً، أو بسبب أنّ رأس السنة هو أوّل منفعة أو أوّل تجارة مثلاً وليست السنة انحلاليّة للأرباح، فالتخيير بين

278

116 ـ وهناك طريقان لحساب السنة (1):


المعنى الحقيقي للكلمة له تصوّر معقول; وذلك لأنّ تطويل الزمان ليس دائماً بصالح المكلّف، بل قد يكون بصالحه واُخرى بصالح الإمام، باعتبار أنّ الربح الذي ربحه فيما بعد انتهاء السنة القمريّة وقبل انتهاء السنة الشمسيّة يعدّ على الشمسيّة ربح هذه السنة فعليه تخميسه، في حين أنّه على القمريّة يعدّ ربح سنة جديدة، فبإمكانه تأجيل تخميسه إلى آخر السنة الثانية، فقد يصرفه كلاًّ في مؤونته ولا يبقى منه شيء للإمام.

(1) وعليه فالسؤال الذي يواجهنا الآن هو أنّ سنة الخمس هل تعدّ مجموعيّة أو تعدّ انحلاليّة للأرباح؟

ذكر السيّد الخوئيّ(قدس سره): أنّ كلّ ربح له مبدأه الخاصّ به من حين حصوله، إذن فالأعوام انحلاليّة بعدد زمن الأرباح(1).

وبالمقابل اختار الشيخ المنتظريّ أنّ الأرباح المتعدّدة ينظر إليها بنظرة ارتباطيّة موحّدة، ويكون زمان أوّل الأرباح أوّل سنته(2).

وقد ذكرت لهاتين النظريّتين: الانحلاليّة والمجموعيّة ثمرتان متعاكستان:

الاُولى: أنّ المؤونة بين الربحين إن كانت أكثر من الربح الأوّل صحّ استثناء الباقي من الربح الثاني ما دام في نفس السنة بناءً على النظر المجموعي، في حين أنّ هذا لا يصحّ بناءً على النظر الانحلالي، إذن فالنظر المجموعي يكون من هذا الجانب في صالح المكلّف بالخمس وليس في صالح الإمام، والنظر الانحلالي بالعكس.

والثانية: لو حصل ربح في آخر السنة المجموعيّة ولم يصرف في مؤونة السنة كان عليه تخميسه، ولا يجوز تأجيله إلى السنة القادمة لو آمنّا بالسنة المجموعيّة، في حين أنّه


(1) مستند العروة، كتاب الخمس، ص 241 بحسب طبعة لطفي في المطبعة العلميّة بقم.

(2) كتاب الخمس للشيخ المنتظريّ، ص 189 و196.

279


بناءً على الانحلال يكون له مجال واسع لتأجيل تخميسه إلى اليوم المطابق ليوم حصوله في العام المقبل، وله أن يصرفه قبل حصول ذاك اليوم في مؤونته، فمن هذا الجانب أصبح النظر الانحلالي هو الذي يكون في صالح المكلّف، والنظر المجموعي في صالح الإمام.

وقد أفتى السيّد الخوئيّ(قدس سره) بأنّ السنة انحلاليّة، وأنّ مبدأ سنة كلّ ربح هو زمان حصول ذاك الربح مستدلاًّ على ذلك بأنّ أدلّة وجوب الخمس على أرباح المكاسب انحلاليّة ـ لا محالة ـ بعدد الأرباح، ولو بقيت على إطلاقها لوجب تخميس كلّ ربح، إلّا أنّه طرأ عليها التقييد بإخراج مؤونة السنة، ولا محالة يكون هذا التقييد انحلاليّاً أيضاً تبعاً للمقيَّد، فكلّ ربح اُخرج منه مؤونة سنته.

فبلحاظ الثمرة الاُولى نقول: إنّ استثناء مؤونة ما قبل حصول الربح الثاني من الربح الثاني المتأخّر تقييد زائد منفيّ بالإطلاق.

وبلحاظ الثمرة الثانية نقول: إنّ نفي إخراج المؤونة التي تصرف بعد أيّام من الربح الأخير لمجرّد مرور السنة على الربح الأوّل يكون خلاف إطلاق دليل القيد، فهو منفيّ بالإطلاق.

أقول: لو تمّ هذان الإطلاقان، ثُمّ تمّ بعض أدلّة المجموعيّة، لكان الثاني حاكماً على الأوّل; لأنّ الأوّل لم يكن إلّا تمسّكاً بالإطلاق، فيكون الثاني مقيّداً له.

على أنّ الإطلاق أو الإطلاقين اللذين ذكرهما غير واضح، فإنّه وإن كان لا ينبغي الإشكال في انحلاليّة الربح، فكلّ ربح موضوع للتخميس، ولا ينبغي الإشكال في انحلاليّة المؤونة المستثناة بتبع انحلاليّة المستثنى منه، فلكلّ ربح استثناؤه، ولكن الكلام في تصوير السنة، هل هي سنة حقيقيّة انحلاليّة، أو هي سنة جعليّة مجموعيّة، أو سنة حقيقيّة مجموعيّة؟ وهذا البيان قاصر عن توضيح ذلك.

ويمكن الاستدلال على ما يريده السيّد الخوئيّ(قدس سره) من انحلاليّة السنة برواية أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام)، وفي آخرها: «وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال، إنّما يبيع منه الشيء بمئة درهم أو خمسين درهماً، هل عليه الخمس؟ فكتب: أمّا

280


ما أكل فلا، وأمّا البيع فنعم، هو كسائر الضياع»(1).

فلو كانت السنة مجموعيّة، لكان عليه أن يفصّل بين ما لو كانت الفاكهة قد اُكلت في داخل السنة أو بعد انتهائها، في حين أنّه لو كانت السنة انحلاليّة فحتماً كانت الفاكهة وأكلها في داخل السنة; إذ لم يكن قد مضت عليها سنة يقيناً.

ولكن العيب في السند; لأنّ الرواية قد رواها محمّد بن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب محمّد بن عليّ بن محبوب، عن أحمد بن هلال، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام)، فلو ثبتت لدينا تماميّة سند السرائر إلى كتاب محمّد بن عليّ بن محبوب، بقيت المشكلة في أحمد بن هلال العبرتائي.

هذا، وهناك طريقان لتصحيح سند صاحب السرائر إلى محمّد بن عليّ بن محبوب.

الطريق الأوّل: مؤتلف من مقدّمتين:

المقدّمة الاُولى: أن نفحص عن أسانيد علمائنا التي تثبت السند بين محمّد بن إدريس والشيخ الطوسيّ لمعرفة أنّ محمّد بن إدريس يروي ما يروي عن الشيخ الطوسيّ من قبيل:

أ ـ إجازة الشهيد الأوّل للشيخ ابن الخازن الحائريّ، قال: وبهذا الإسناد عن فخار وابن نما مصنّفات الشيخ العلاّمة المحقّق فخرالدين أبي عبدالله محمّد بن إدريس الحلّي الربعي صاحب السرائر في الفقه... وبهذا لإسناد عن ابن رطبة مصنّفات ومرويّات الشيخ المفيد أبي عليّ ابن شيخنا أبي جعفر إمام المذهب بعد الأئمّة محمّد بن الحسن الطوسيّ وهو يروي جميع مصنّفات والده ومرويّاته(2).

ب ـ إجازة الشهيد الأوّل للشيخ شمس الدين أبي جعفر محمّد بن الشيخ تاج الدين


(1) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 10.

(2) راجع البحار، ج107 من الطبعة المشتملة على ثلاثة مجلّدات الفهارس في الأثناء، ص189.

281


أبي محمّد عبدالعليّ بن نجدة، قال: وعن ابن إدريس(قدس سره)مصنّفات الشيخ الإمام السعيد أبي جعفر الطوسيّ بحقّ رواياته عن عربي بن مسافر العبادي، عن إلياس بن هشام الحايري عن المفيد أبي عليّ ابن الشيخ أبي جعفر الطوسيّ عن والده(1).

ج ـ إجازة الشهيد الثاني الشيخ البهائي قال: وعن ابن صالح وعن ابن إدريس كليهما عن الحسين بن رطبة عن أبي عليّ عن والده بجميع ما صنّفوه ورووه(2).

د ـ إجازة المحقّق الكركي للقاضي صفيّ الدين، قال: وأمّا مصنّفات الشيخ الإمام محمّد بن الحسن الطوسيّ، فإنّي أرويها بطرق متكثّرة لا تكاد تتناهى، منها الطرق المتقدّمة المتّصلة بالشيخ السعيد فخرالدين أبي عبدالله محمّد بن إدريس الربعي...(3).

هـ ـ إجازة الشيخ أحمد العاملي للمولى عبدالله التستري، قال: فمن ذلك كتب الشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ عن ابن إدريس...(4).

المقدّمة الثانية: أنّ للشيخ الطوسيّ(رحمه الله) أسانيد إلى جميع كتب محمّد بن عليّ بن محبوب، وبعضها تامّ من قبيل: «جماعة عن محمّد بن عليّ بن الحسين عن أبيه، ومحمّد


(1) المصدر نفسه، ص 197.

(2) المصدر نفسه، ج 108، ص 163.

(3) المصدر نفسه، ج 108، ص 74.

(4) المصدر نفسه، ج 109، ص 90.

وأيضاً:

و ـ ج 110، ص 70.

ز ـ ج 110، ص 89.

ح ـ ج 110، ص 162.

282


بن الحسن عن أحمد بن إدريس عنه».

والنتيجة: أنّه إذن فصاحب السرائر ينتهي له سند تامّ إلى جميع كتب محمّد بن عليّ بن محبوب.

إلّا أنّ هذا الطريق لتصحيح سند السرائر إلى محمّد بن عليّ بن محبوب لا قيمة له.

وتوضيح ذلك: أنّه لو كان الشيخ الطوسيّ من ناحية التأريخ متأخّراً عن صاحب السرائر، وكان له سند تامّ إلى كتب محمّد بن عليّ بن محبوب يمرّ بمحمّد بن إدريس صاحب السرائر، فهذا بنفسه يعني أنّ محمّد بن إدريس له سند تامّ إلى كتب محمّد بن عليّ محبوب ولم يكن هناك غبار على ذلك، ولكن المسألة على العكس: أي، أنّ صاحب السرائر، أعني: محمّد بن إدريس هو المتأخّر عن الشيخ الطوسيّ، فحاله حالنا، فإنّنا نحن أيضاً لدينا أسانيدنا الصحيحة إلى الشيخ الطوسيّ عن طريق مشايخ إجازاتنا، ولكن هذا لا يبرّر لنا أن نعمل بنسخة نحصل عليها من كتب محمّد بن عليّ بن محبوب; إذ ما يدرينا أنّ هذه النسخة بنفسها كانت موجودة لدى الشيخ الطوسيّ الذي ساق لنفسه سنداً صحيحاً إلى كتب محمّد بن عليّ بن محبوب، فبالنسبة لمحمّد بن إدريس الذي له سند صحيح إلى الشيخ الطوسيّ كيف نعرف أنّ ما حصل عليه من نسخة كتاب محمّد بن عليّ بن محبوب هي نسخة الشيخ الطوسيّ حتّى يتمّ السند؟!

الطريق الثاني: أنّ صاحب السرائر ذكر ما نصّه:

«ومن ذلك ما استطرفناه من كتاب نوادر المصنّف تصنيف محمّد بن عليّ بن محبوب الأشعريّ القميّ، وهذا الكتاب كان بخطّ شيخنا أبي جعفر الطوسيّ(رحمه الله)مصنّف كتاب النهاية، فنقلت هذه الأحاديث من خطّه من الكتاب المشار إليه»(1).


(1) السرائر، ج 3، ص 601.

283


إلّا أنّ الذي ينبغي لنا هو أن نتأكّد بمراجعة السرائر أنّ هذا التعبير يشمل روايتنا المقصودة في المقام.

والسيّد الخوئيّ(قدس سره) متأكّد من ذلك، فإنّه ذكر في فصل وجوب الخمس على الهبة والهديّة(1) استدلاله بهذه الرواية على ثبوت الخمس في الهبة والهديّة، وقال: «أمّا الدلالة فظاهرة، كما أنّ السند صحيح، فإنّ ابن إدريس وإن ذكر في آخر السرائر فيما سمّاه بالنوادر طرقه إلى أرباب الكتب، ولم تثبت لدينا صحّة شيء منها، فلا يعتمد عليها، لا سيّما وأنّ في بعضها كطريقه إلى أبان بن عثمان شيئاً لا يمكن تصديقه، ولكن خصوص طريقه إلى محمّد بن عليّ بن محبوب صحيح; لأنّه يرويه عمّا رآه من خطّ الشيخ، وطريق الشيخ إلى ابن محبوب صحيح، وقد روى هذه الرواية من طريق ابن محبوب.

وأمّا أحمد بن هلال فهو وإن كان فاسقاً ينسب إلى الغلوّ مرّة وإلى النصب اُخرى، بل عن شيخنا الأنصاريّ(قدس سره): (أنّ مثله لم يكن يتديّن بدين لِما بين النسبتين من بُعد المشرقين) ولكن الظاهر أنّه ثقة في نقله وإن كان فاسداً في عقيدته، حيث توقّف على أبي جعفر ولم يقبل نيابته عن الإمام; لأنّه كان يرى نفسه أحقّ بالنيابة; إذ لا ينافي ذلك ما نصّ عليه النجاشي من كونه صالح الرواية».

أقول: قد ذكر النجاشي في ترجمته لأحمد بن هلال: أنّه صالح الرواية، يعرف منها وينكر، وقد روي فيه ذموم من سيّدنا أبي محمّد العسكريّ(عليه السلام).

واستفاد السيّد الخوئيّ(قدس سره) من قول النجاشي: «صالح الرواية» أنّه في نفسه ثقة، قال: ولا ينافيه قوله: «يعرف منها وينكر»; إذ لا تنافي بين وثاقة الرجل وروايته اُموراً منكرة


(1) على ماورد في كتاب المستند، ج1، ص212 بحسب طبعة لطفي في المطبعة العلميّة بقم.

284


من جهة كذب من حدّثه بها.

وقد نقلنا عن السيّد الخوئيّ عن خمس المستند ـ قبل أسطر ـ: «أنّ أحمد بن هلال وقف على أبي جعفر ولم يقبل نيابته عن الإمام; لأنّه كان يرى نفسه أحقّ بالنيابة; ولا ينافي هذا ما نصّ عليه النجاشي من كونه صالح الرواية»، ولكنّنا نقول: إنّ وقوفه على أبي جعفر ـ أي: عدم تسليمه لنيابة محمّد بن عثمان العمري عن الإمام صاحب الزمان ـ إنّما هو في عصر الغيبة، وهو الذي أدّى إلى انفضاحه لدى الشيعة، ثُمّ ظهر التوقيع على يد أبي القاسم حسين بن روح بلعنه والبراءة منه في جملة من لعن، ولكن روايات ذمّه واردة قبل ذلك عن أبي محمّد العسكري(عليه السلام) حينما كان يعتبر في ظاهر حاله من أصحاب أبي محمّد وكان الشيعة لا يصدّقون بذمّه، وقد كان من شأ نه أنّه كان قد حجّ أربعاً وخمسين حجّة، عشرون منها على قدميه، وكان رواة أصحابنا بالعراق لقوه وكتبوا منه، فأنكروا ما ورد في مذمّته، فحملوا القاسم بن العلا على أن يراجع في أمره، فخرج إليه: قد كان أمرنا نفذ اليك(1) في المتصنّع ابن هلال لا رحمه الله بما قد علمت ولم يزل، لا غفر الله له ذنبه، ولا أقال عثرته، تداخل (يداخل خَ لَ) في أمرنا بلا إذن منّا ولا رضى، يستبدّ برأيه فيتحامى من ذنوبه، لا يمضي من أمره إيّاه إلّا ما يهواه ويريده، أرداه الله بذلك في نار جهنّم، فصبرنا عليه حتّى يبتر الله(2) بدعوتنا عمره وكنّا قد عرّفنا خبره قوماً من موالينا لا رحمه الله، وأمرناهم بإلقاء ذلك إلى الخواصّ من موالينا، ونحن نبرأ إلى الله من ابن هلال لا رحمه الله وممّن لا يبرأ منه. وأعلِم الإسحاقي(3) سلّمه الله وأهل بيته بما أعلمناك من


(1) في معجم الرجال فيما عندي من النسخة «نفذ إليه» وهو غلط وفيه أغلاط اُخرى.

(2) فيما عندي من نسخة المعجم «حتّى بتر الله» وهو غلط.

(3) يعني: أحمد بن إسحاق بن سعد القميّ.

285


حال هذا الفاجر وجميع من كان سألك ويسألك عنه من أهل بلده، والخارجين، ومن كان يستحقّ أن يطّلع على ذلك، فإنّه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يروي عنّا ثقاتنا، قد عرفوا بأ نّا نفاوضهم سرّنا ونحمله إيّاه إليهم، وعرفنا ما يكون من ذلك إن شاء الله تعالى. قال: وقال أبو حامد: فثبت قوم على إنكار ما خرج فيه، فعاودوه فيه فخرج: لا شكر الله قدره، لم يدع المرء ربّه بأن لا يزيغ قلبه بعد أن هداه، وأن يجعل ما منّ به عليه مستقرّاً ولا يجعله مستودعاً، وقد علمتم ما كان من أمر الدهقان(1) عليه لعنة الله وخدمته وطول صحبته، فأبدله الله بالإيمان كفراً حين فعل ما فعل، فعاجله الله بالنقمة ولم يمهله، والحمد لله لا شريك له، وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم.

وذكر الشيخ الطوسيّ في التهذيب: «أنّ أحمد بن هلال مشهور بالغلوّ واللعنة، وما يختصّ بروايته لا نعمل به»(2).

وقال في الاستبصار: «أحمد بن هلال ضعيف فاسد المذهب لا يلتفت إلى حديثه فيما يختصّ بنقله»(3).

ويمكن الاستدلال لصالح السيّد الخوئيّ(قدس سره) بلا حاجة إلى هذه الرواية، وذلك ببيان: أنّه لا إشكال في أنّ الربح الذي هو موضوع للخمس انحلاليّ، فمن خمّس بعض أرباحه ولم يخمّس البعض كان مطيعاً وعاصياً في وقت واحد، ولا إشكال في أنّ استثناء المؤونة يتبع المستثنى منه، فحينما كان كلّ ربح موضوعاً مستقلاًّ للخمس، فلا محالة تكون المؤونة بالنسبة لكلّ من الأرباح استثناءً من ذاك الربح، فيتعدّد الاستثناء بتعدّد المستثنى


(1) يعني: عروة بن يحيى الدهقان.

(2) التهذيب، ج 9، باب الوصيّة لأهل الضلال، ذيل الحديث 812.

(3) الاستبصار، ج 3، باب ما يجوز شهادة النساء فيه وما لا يجوز، ح 90.