236


إلى تفسير الغُنم في الآية المباركة لا بمعنى أرباح المكاسب، بل بمعنىً وسط من معاني الغنم، وهو الذي قد يعبّر عنه في اللغة العربيّة «الفوز بلا مشقّة»، وقد يعبّر عنه في اللغة الفارسيّة بــ«مال بادآورده».

وكلّ الرواية ما يلي:

صحيحة عليّ بن مهزيار قال: «كتب إليه أبو جعفر(عليه السلام) ـ وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكّة ـ قال: إنّ الذي أوجبت في سنتي هذه، وهذه سنة عشرين ومئتين فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كلّه خوفاً من الانتشار، وسأُفسّر لك بعضه (وفي بعض النسخ بقيّته) إن شاء الله. إنّ مواليّ ـ أسأل الله صلاحهم ـ أو بعضهم قصّروا فيما يجب عليهم، فعلمت ذلك فأحببتُ أن اُطهّرهم واُزكّيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس، قال الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(1)، ولم اُوجب ذلك عليهم في كلّ عام، ولا اُوجب عليهم إلّا الزكاة التي فرضها الله عليهم، وإنّما أوجبت الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضّة التي قد حال عليهما الحول ولم اُوجب ذلك عليهم في متاع، ولا آنية، ولا دوابّ، ولا خدم، ولا ربح ربحه في تجارة، ولا ضيعة إلّا ضيعة ساُفسّر لك أمرها تخفيفاً منّي عن مواليّ، ومنّاً منّي عليهم; لما يغتال السلطان من أموالهم، ولما ينوبهم في ذاتهم. فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام. قال الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى


(1) سورة التوبة، الآية: 103 ـ 105.

237


وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ﴾(1)، والغنائم والفوائد ـ يرحمك الله ـ فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، ومثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله، ومثل مال يؤخذ لا يعرف له صاحب، وما صار إلى مواليّ من أموال الخرّميّة الفسقة، فقد علمت أنّ أموالاً عظاماً صارت إلى قوم من مواليّ، فمن كان عنده شيء من ذلك فليوصل إلى وكيلي، ومن كان نائياً بعيد الشقّة فليتعمّد (فليعمد خ ل) لإيصاله ولو بعد حين، فإنّ نيّة المؤمن خير من عمله. فأمّا الذي اُوجب من الضياع والغلاّت في كلّ عام فهو نصف السدس ممّن كانت ضيعته تقوم بمؤونته، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤونته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك»(2).

ونحن نشرح هذه الفقرات كالتالي:

قوله(عليه السلام): «أحببت أن اُطهّركم واُزكّيكم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس، قال الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم...﴾» ليس المقصود من ذلك الاستشهاد لوجوب الخمس بهذه الآية المباركة; إذ لا شكّ في أنّ هذه الآية المباركة تنظر إلى الزكاة لا الخمس. صحيحٌ أنّ الصدقة لها في ذاتها معنىً عام يشمل كلّ ما يعطى في سبيل الله ولو كان خمساً، ولا تختصّ بالصدقة المصطلحة عندنا، لكنّ هذه الآية المباركة واردة في تشريع الزكاة دون الخمس، وانّما المقصود من هذا الكلام بيان: أنّ ما يُفرَض عليكم من صدقة يكون لأجل تطهيركم، فالخمس الذي اُوجبه عليكم والذي هو قسم من


(1) سورة الأنفال، الآية: 41.

(2) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

238


أقسام الصدقة تطهير وتزكية لكم.

قوله(عليه السلام): «وإنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضّة التي قد حال عليهما الحول، ولم اُوجب ذلك عليهم في متاع، ولا آنية، ولا دوابّ، ولا خدم، ولا ربح ربحه في تجارة، ولا ضيعة إلّا ضيعة ساُفسّر لك أمرها...» هذا الكلام شاهد داخليّ في نفس الرواية على أنّ المقصود بنصف السدس في آخر الرواية في غلاّت الضيعة هو الخمس قد خفّفه(عليه السلام) إلى حدّ نصف السدس، وليس ذلك ماليّة جديدة غير الخمس; لأنّ قوله(عليه السلام): «إلّا ضيعة ساُفسّر لك أمرها» استثناء من نفي الخمس في قوله: «ولم اُوجب ذلك عليهم». ولدينا أيضاً شاهد خارجي على ذلك وهو قوله في الرواية الرابعة من نفس الباب الناظرة إلى تفسير هذه الرواية الخامسة: «فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة مؤونة الضيعة وخراجها لا مؤونة الرجل وعياله، فكتب وقرأه عليّ بن مهزيار: عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله، وبعد خراج السلطان» وقد ذكرها في تفسير المؤونة بلحاظ نصف السدس الذي يقول عنه إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ: أقرأني عليٌّ كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضياع: أنّه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤونة، فلم يعرف إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ هل هذه مؤونة التحصيل أو مؤونة الصرف؟ وكانت خلاصة الجواب: أنّ المستثنى من الخمس كلتا المؤونتين، فأنت ترى أنّه كان من المسلّم عند السائل والمجيب أنّ نصف السدس هذا هو الخمس المخفّف، وليس شيئاً آخر.

قوله: «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام، قال الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم...﴾ والغنائم والفوائد ـ يرحمك الله ـ فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، ومثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله، ومثل مال يؤخذ لا يعرف له صاحب، وما

239

112 ـ أمّا الهبة الاعتياديّة فتلحق بأرباح المكاسب، وتخمّس في آخر السنة


صار إلى مواليّ من أموال الخرّميّة الفسقة، فقد علمت أنّ أموالاً عظاماً صارت إلى قوم من مواليّ...» ليس المقصود من هذه الغنائم أرباح التجارة، إذ نفى(عليه السلام) قبل هذه العبارة الخمس من أرباح تجارتهم، وليس المقصود بها غلاّت الضياع، إذ اُتي في آخر الحديث أنّ عليها نصف السدس، وليس المقصود غنيمة تخمّس بعد مرور سنة إن زادت على مؤونة الصرف; لأنّه قد أدخلها(عليه السلام) في الآية الشريفة: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم...﴾أي: ألحقها بغنيمة الحرب التي لا تُستثنى منها المؤونة. ويجب أن نفهم مقصوده(عليه السلام) من هذه الغنيمة عن طريق انتزاع القاسم المشترك بين الأمثلة التي ذكرها، وهو الأموال العظام التي تغتنم بلا مشقّة، أي: ما يعبّر عنه في اللغة العربيّة بتعبير: «الفوز بلا مشقّة» أو ما يعبّر عنه باللغة الفارسيّة بتعبير: «مال بادآورده».

ومن هنا يتّضح: أنّ الاستدلال بهذه الرواية على ثبوت الخمس في الهبة مشكل; فإنّ المقصود بالجائزة ليست هي الهبة الاعتياديّة، وانّما المقصود: الجائزة التي لها خطر والتي تعتبر فوزاً بلا مشقّة أو «مال باد آورده»، والهبة الاعتياديّة لو كان يجب تخميسها فهي ملحقة بأرباح المكاسب التي لو بقيت سنة ولم تصرف في المؤونة، وجب تخميسها. وهناك رواية اُخرى تفسّر الغنيمة الواردة في الآية المباركة بالمعنى العام الشامل حتّى لأرباح المكاسب، وهي رواية حكيم مؤذّن بني عيس، أو بني عبس، أو بني عيسى عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «قلت له: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾قال: هي والله الإفادة يوماً بيوم، إلّا أنّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكوا»(1). إلّا أنّ في السند محمّد بن سنان، مضافاً إلى الدغدغة الموجودة في سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال على أنّ الراوي المباشر وهو حكيم المؤذّن مجهول.


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 8.

240

لو زادت على المؤونة (1).


(1) ويمكن الاستدلال لثبوت الخمس في الهبة الاعتياديّة لو بقيت بعد السنة ولم تصرف في المؤونة بوجوه:

الأوّل: الآية المباركة بدعوى: أنّ الغنيمة تشملها: إمّا لإطلاقها لغةً، أو لما عرفت من تفسير رواية حكيم مؤذّن بني عيس للآية بالمعنى العامّ للغنيمة(1). وكون غنيمة الحرب المتيقّنة في الآية لا تستثنى منها مؤونة السنة لا يضرّ باستثنائها من الهبة لو ثبت بدليل من خارج الآية هذا الاستثناء، كما ثبت في أرباح المكاسب.

ويرد على هذا الاستدلال: أ نّا لو سلّمنا إطلاق كلمة الغنيمة لغة فالموصول في الآية، وكذلك كلمة شيء يكون من الأسماء المبهمة والتي تتلوّن بلون موردها، وهو غنيمة الحرب، ولا يتمّ لها إطلاق. وأمّا رواية حكيم مؤذّن بني عيس فقد عرفت سقوطها سنداً.

الثاني: صحيحة عليّ بن مهزيار(2) ووجه الاستدلال بها: إمّا هو التمسّك بإطلاق قوله: «فأمّا الغنائم والفوائد»، فلو لم يكن للغنيمة إطلاق فللفائدة إطلاق يشمل الهبة بلا إشكال، وكذلك إطلاق قوله: «والفائدة يفيدها». إلّا أنّ إطلاقاً من هذا القبيل في الصحيحة مقيّد بقوله: «والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر فخرجت منها الهبة التي ليس لها خطر». وإمّا هو ما قاله السيّد الخوئيّ(قدس سره)من احتمال التعدّي إلى غير الخطير بعدم القول بالفصل، وحمل قيد الخطر في الرواية على أن يكون المبلغ مبلغاً يبقى بعد السنة وبعد استثناء مؤونة السنة، أمّا الجائزة المختصرة فهي تنصرف عادةً في داخل السنة فلا يتعلّق بها الخمس.

وبالمقابل أيضاً يمكن الاستدلال بهذه الصحيحة على عدم تعلّق الخمس بالهديّة الاعتياديّة بدليل أنّها خصّصت الخمس بالجائزة التي لها خطر.


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 8.

(2) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

241


والظاهر: أنّه لا يمكن الاستدلال بهذه الصحيحة لا على إثبات الخمس على الهديّة المتعارفة، ولا على نفيه عنها; فإنّها إنّما وردت لإثبات الخمس على الجائزة التي لها خطر، وإدخالها في مفهوم الغنيمة بالمعنى المتوسّط الذي شرحناه مع التصريح بعدم فرضه(عليه السلام)للخمس على أرباح التجارة، فلعلّ الهبة الاعتياديّة ملحقة بأرباح التجارة، وحينما طالب الإمام المتأخّر بخمس أرباح التجارة وإنهاء هذا التخفيف لعلّ الهبة أيضاً وجب تخميسها في نهاية السنة.

والثالث: رواية حكيم مؤذّن بني عيس الدالة على وجوب الخمس في الإفادة يوماً بيوم(1). أمّا التحليل الوارد في ذيلها فقد رفع في زمان الإمام الهادي(عليه السلام) على ما دلّت عليه صحيحة أبي عليّ بن راشد(2).

والجواب: ما مضى من سقوط رواية حكيم سنداً.

والرابع: رواية عليّ بن الحسين بن عبد ربّه قال: «سرّح الرضا(عليه السلام) بِصِلَة إلى أبي، فكتب إليه أبي: هل عليّ فيما سرّحت إليَّ خمس؟ فكتب إليه: لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس»(3). فلو كانت الهبة فارغة عن الخمس، لم يكن معنىً لتعليل عدم الخمس في صلة الرضا(عليه السلام)بأنّه لا خمس فيما سرّح به صاحب الخمس.

إلّا أن يقال: لعلّ صلته(عليه السلام) كانت من الجائزة التي لها خطر.

وعلى أيّ حال، فسند الحديث ساقط بسهل بن زياد، مضافاً إلى أنّ الراوي المباشر وهو عليّ بن الحسين بن عبد ربّه لا دليل على وثاقته، لو لم نقبل بكفاية وكالته عن الإمام


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 8.

(2) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 3.

(3) الوسائل، ب 11 ممّا يجب فيه الخمس، ح 2.

242

113 ـ وقد حُلِّل للشيعة في أيّام الغيبة أمران:

أحدهما: الغنائم أو خصوص الجواري المَسْبيّة من قِبَل حكومة إسلاميّة سنّيّة غنمتها من الكفّار بمثل الحرب، ثُمّ انتقلت منها إلى الشيعيّ. والمتيقّن من ذلك هي الجواري لا مطلق الغنائم.

وثانيهما: الخمس المتعلّق بمال مَن لا يخمّس حينما ينتقل إلى الشيعيّ بغير الإرث (1).


العسكري(عليه السلام) في الوثاقة.

والخامس: عموم موثّقة سماعة «سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الخمس، فقال: في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير»(1). وهذا الدليل تامّ لا إشكال فيه.

والسادس: التعدّي العرفي من أدلّة تعلّق الخمس بأرباح المكاسب حتّى الصانع بيده والتاجر عليه إلى الهبة المجانيّة التي لا تعب فيها ولا نصَب بالأولويّة العرفيّة. وهذا الوجه أيضاً تامّ.

فالظاهر ثبوت الخمس في الهبة كثبوته في أرباح المكاسب في غير التي لها خطر، أمّا التي لها خطر فثبوت الخمس فيها يكون كثبوته في غنيمة الحرب.

(1) وبعد أن اتّضح وجوب الخمس إلهيّاً في أرباح المكاسب ـ سواء آمنّا بما بحثناه أخيراً من إلحاق الهبة بها أو لا ـ ينبغي البحث عن أخبار التحليل.

إذ قد يقال: إنّ خمس أرباح المكاسب وإن كان واجباً في التشريع الإلهيّ، إلّا أنّ الشيعة هم في حلّ من ذلك إلى ظهور الحجّة عجّل الله تعالى فرجه.

ومن هنا لا بدّ لنا من بحث ما يسمّى بأخبار التحليل لكي نرى هل يتمّ منها سنداً


(1) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 6.

243


ودلالة؟ وما هي حدود دلالة كلّ واحد منها؟ وما هو تأريخ صدوره، أفلا يكون تأريخه قبل التشديد من قبل إمام متأخّر الدالّ على انتهاء التحليل لو كان؟ أو ماذا؟ فنقول وبالله التوفيق:

الرواية الاُولى: صحيحة الفضلاء الثلاثة: أبي بصير وزرارة ومحمّد بن مسلم كلّهم عن أبي جعفر(عليه السلام) «قال: قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام): هلك الناس في بطونهم وفروجهم; لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا، ألا وإنّ شيعتنا من ذلك وآباءهم في حلّ»(1). وفي نسخة الصدوق بدل «آباءهم» ورد «أبناءهم».

ويمكن النقاش في دلالة هذه الصحيحة على إباحة خمس أرباح المكاسب بعدّة وجوه:

الأوّل: أنّ الظاهر: أنّ المقصود بالناس في قوله: «هلك الناس» هم العامّة، كما هو مصطلح في روايات أهل البيت(عليهم السلام) خاصّة وأنّ هذه الكلمة وقعت في هذا الحديث في مقابل التعبير بــ«شيعتنا»، فالظاهر: أنّ المقصود: أنّ حقّ الأئمّة(عليهم السلام) الواقع تحت يد العامّة أوجب هلاكهم، وأنّ الشيعة يكونون من ذلك في حلّ. وكلمة «ذلك» ظاهرة في الرجوع إلى ذاك الحقّ الذي وقع في يد العامّة، فلو دلّ الحديث على تحليل خمس الأرباح فهو يدلّ على ما هو المعروف لدى أصحابنا من أنّ الخمس المتعلّق بالسنّة لو انتقل بتعامل ونحوه إلى الشيعة فهم من ذلك في حلّ. وهذا أجنبيّ عمّا نحن فيه.

والثاني: أنّ كلمة «وآباءهم» أو كلمة «وأبناءهم» في ذيل الرواية وهو الجزء المشتمل على التحليل قرينة على أنّ هذا التحليل راجع إلى الفيء وخمس الغنيمة الحاصل من قبل السلطات الإسلاميّة الجائزة، لكي يطهر نسب الشيعة، ولا يكونوا أولاد


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 1.

244


زنا، فلا علاقة للرواية بما نحن فيه.

والثالث: أنّ مقتضى الجمع بين تحليل أمير المؤمنين(عليه السلام) وتثبيت الأئمّة المتأخّرين للخمس على أرباح المكاسب: إمّا هو انتهاء أمر التحليل في زمن الأئمّة المتأخّرين; أو اختصاص التحليل بما مضى في أحد الجوابين الأوّلين، وعدم ارتباطه بخمس الأرباح.

الرواية الثانية: صحيحة عليّ بن مهزيار قال: «قرأت في كتاب لأبي جعفر(عليه السلام) من رجل يسأله أن يجعله في حلّ من مأكله ومشربه من الخمس، فكتب بخطّه: من أعوزه شيء من حقّي فهو في حلّ»(1).

وهذا الحديث وإن كان راجعاً لمطلق حقّه(عليه السلام) ولا يختصّ بالخمس، إلّا أنّه لا شكّ في شموله للخمس; لأنّ مورد السؤال كان هو الخمس.

وهذا الحديث يختلف مفاده عن ما هو المطلوب من أخبار التحليل من افتراض تحليل الخمس للشيعة وذلك:

أوّلاً: لاختصاصه بفرض الإعواز، سواء افترض أنّ المقصود بالإعواز هو الفقر، أو افترض أنّه أعمّ من الفقر الشرعي; لأنّه ربّما يقصد الإعواز والاحتياج بشأن غير الفقير الشرعي كما لو كانت له تجارة مربحة مثلاً وإعطاء حقّ الإمام كان يُخسره تلك التجارة.

وثانياً: لعدم اختصاصه بالشيعة، فإنّ من أعوزه من حقّه(عليه السلام) قد يكون غير شيعيّ.

إلّا أن يقال بانصراف الكلام إلى الشيعة; لأنّ غير الشيعي لا ينتظر في عمله صدور تحليل من قبل الإمام(عليه السلام).

وعلى أيّ حال، فبالإمكان أن يقال: إنّ هذا التحليل مخصوص بزمان الإمام الجواد(عليه السلام)بدليل أنّه عبّر بتعبير: «شيء من حقّي» ولم يعبّر بتعبير: «شيء من حقّنا».


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 2.

245


وممّا يؤيّد اختصاص هذا التحليل بزمان الإمام الجواد(عليه السلام) صدور تحليل آخر في الخمس واضح اختصاصه بزمانه، وذلك في صحيحة اُخرى لعليّ بن مهزيار عن الإمام الجواد(عليه السلام)(1) دلّت على تحليل الزائد على نصف السدس من أرباح المكاسب، فمن الواضح أنّ هكذا تحليل لا يوجد في زمان أيّ إمام آخر، فإنّه إمّا لا يوجد تحليل للخمس على الشيعة، أو يوجد تحليل لتمام المبلغ لو صحّ ما يُطلَب من أخبار التحليل.

ولو شُكَّ في أنّ التحليل لحقّ الإمام(عليه السلام) هل هو خاصّ بزمن الإمام الجواد، أو لا؟ فقد يقال باستصحاب التحليل إلى زماننا هذا.

إلّا أنّ استصحاب عدم النسخ بناءً على تسليمه في نفسه لا يجري في المقام; لأنّ أصل الإباحة المجعولة جعلاً ولائيّاً لا ندري هل هي إباحة خاصّة بذاك الزمان أو عامّة لمطلق ما قبل الظهور؟ فلو كانت خاصّة بذاك الزمان، فثبوتها فيما بعد ذاك الزمان بحاجة إلى جعل آخر، وتصبح الإباحة الثانية عندئذ غير الاُولى، فلا تثبت بالاستصحاب.

على أن هناك نصّاً صحيحاً عن الحجّة ـ عجّل الله فرجه ـ صريحاً في أنّ تلك الإباحة لو كانت فإمّا كانت خاّصة بذاك الزمان، أو نسخت بعد ذلك، وهو ما رواه الصدوق(قدس سره) في إكمال الدين عن أربعة من مشايخه، وهم محمّد بن أحمد الشيباني(2) وعليّ بن أحمد بن محمّد الدقّاق، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدّب، وعليّ بن عبدالله الورّاق جميعاً عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي قال: «كان فيما ورد عليّ من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري ـ قدّس الله روحه ـ في جواب مسائلي إلى صاحب الدار(عليه السلام) ... وأمّا ما سألت عنه من أمر الضياع التي لناحيتنا هل يجوز القيام بعمارتها وأداء


(1) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

(2) وفي نسخة الوسائل السناني.

246


الخراج منها، وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية احتساباً للأجر وتقرّباً إليكم؟ فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه، فكيف يحلّ ذلك في مالنا؟! من فعل شيئاً من ذلك من غير أمرنا فقد استحلّ منّا ما حرم عليه، ومن أكل من مالنا شيئاً فإنّما يأكل في بطنه ناراً وسيصلى سعيراً»(1).

فإنّ هذا الحديث المتأخّر يضادّ التحليل الوارد في حديث: «من أعوزه شيء من حقّي» تماماً. ولا يمكن الجمع بينهما إلّا بفرض انتهاء زمن التحليل.

فمثلاً لا يمكن أن يقال: إنّ ذاك التحليل كان في الخمس، وهذا مطلق لكلّ حقّ فيخرج من إطلاقه الخمس ; لأنّ ذاك الحديث أيضاً عبّر بالحقّ، ولم يعبّر بالخمس وإن كان مورده الخمس.

ولا يمكن أن يقال: إنّ ذاك الحديث ينصرف إلى التحليل للشيعي، وهذا يتكّلم عمّن يأكل حقّ الإمام من دون إذنه، والشيعي خارج موضوعاً عن ذلك; لأنّه مأذون بحكم الحديث الأوّل ; وذلك لأنّ هذا الحديث أيضاً ناظر إلى الشيعي بدليل قوله: «وأداء الخراج منها وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية» فإنّ غير الشيعي لا يؤدّي الخراج إلى الإمام; ولا يصرف ما يفضل عن حاجته إلى الناحية.

ولا يمكن أن يقال: إنّ ذاك الحديث حلّل لمن أعوزه، فيخرج من إطلاق هذا الحديث مقدار الإعواز.

فإنّ قوله: «وصرف ما يفضل من دخلها» أقرب شيء إلى أن يقول: «وصرف ما يفضل على مبلغ الإعواز».

فالأمر منحصر في أنّ ذاك التحليل كان مخصوصاً بزمان الإمام الجواد(عليه السلام) ولم يبقَ إلى


(1) الوسائل، ب 3 من الأنفال، ح 7.

247


زمان الإمام الحجّة عجّل الله فرجه.

هذا هو الكلام من ناحية الدلالة.

وأمّا من ناحية السند فهذا الحديث قد رواه الصدوق(قدس سره) عن أربعة من مشايخه(رحمهم الله)وقد ترضّى هو على أكثرهم، ونحن وإن كنّا لا نمتلك دليلاً على وثاقة واحد منهم لكننا لا نحتمل أنّ أربعة من مشياخ الشيخ الصدوق(قدس سره)يتّفقون على الكذب، وهؤلاء الأربعة قد نقلوا الحديث عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي، وهو رجل لا يختلف في وثاقته اثنان، وهو ينقل مباشرة توقيع الإمام ـ عجّل الله فرجه ـ إليه على يد محمّد بن عثمان العمري، فالرواية شبه قطعيّة.

الرواية الثالثة: صحيحة يونس بن يعقوب «قال: كنت عند أبي عبدالله(عليه السلام)فدخل عليه رجل من القمّاطين، فقال: جعلت فداك، تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعلم أنّ حقّك فيها ثابت، وإنّا عن ذلك مقصّرون. فقال أبو عبدالله(عليه السلام): ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم»(1).

وهذا الحديث بنقل الشيخ الطوسيّ(رحمه الله) وإن كان ضعيفاً بسبب محمّد بن سنان، أو محمّد بن سالم، لكنّه تامّ في سند الصدوق(رحمه الله); إذ ليس فيه من يتوقّف من أجله، إلّا حكم بن مسكين الذي لم يرد توثيق بشأ نه، إلّا أنّه يكفيه أنّ كلاًّ من محمّد بن أبي عمير والبزنطي وهما من الثلاثة الذين لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقه قد رويا عنه. هذا حال السند.

وأمّا من ناحية الدلالة، فالظاهر أنّ هذه الرواية أجنبيّة عن المقام، فإنّ الظاهر منها أنّ المقصود: أنّنا ما دمنا غير قادرين على أخذ الخمس ممّن انتقل المال منه إلى الشيعيّ المتديّن: إمّا لأنّه من السنّة ولا يؤمن بخمس أهل البيت(عليهم السلام)، وإمّا لأنّه شيعيّ فاسق


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 6.

248


فلا يدفع الخمس، فليس من الانصاف أن نأخذه ممّن انتقل إليه، فإنّ هذا يعني تكليف الشيعيّ المتديّن بما كان على غيره، وتوجيه الضرر إليه. وهذا كما ترى لا علاقة له بتحليل خمس أرباح المكاسب لنفس الشخص الذي تعلّق بماله الخمس.

ثُمّ لو فرضت دلالة هذه الرواية عن الإمام الصادق(عليه السلام) على تحليل خمس أرباح المكاسب، فقد مضى منّا ذكر الصحاح الدالّة على المطالبة بخمس أرباح المكاسب عن الصادق(عليه السلام)، ومن بعده ولا يمكن الجمع بينها وبين هذا التحليل، إلّا بحمل جملة «ما أنصفناكم...» على مثل المعنى الذي عرفت، وإلّا فهل أنّ الأئمّة(عليهم السلام) أحياناً ينصفون وأحياناً لا ينصفون؟!

وهنا نكتة هامّة ينبغي إلفات النظر إليها، وهي أنّ عدم وجوب التخميس على المنتقل إليه في هذه الصحيحة هل يختصّ بما انتقل إليه ممّن لا يخمّس بمثل البيع، أو الهبة، أو يشمل حتّى الانتقال بالإرث، فلو مات من لا يخمّس بعد أن تعلّق بماله الخمس فعلى الوارث الشيعي المتديّن أن يخرج خمسه أو لا؟

الظاهر: أنّ الوارث لا يعفى عن تخميس مال المورِّث لو كان قد تعلّق به الخمس قبل موته.

وتوضيح ذلك: هو أنّ السرّ في كون تكليفهم(عليهم السلام) للشيعيّ المتديّن بتخميس ما انتقل إليه من غيره هو أنّ هذا إضرار به بتحميله ما وجب على غيره; إذ لو كان الإمام(عليه السلام) قادراً على أخذ الخمس من المنتقل منه، لكان يصل إلى هذا الشيعيّ المتديّن ما اُعطي بعنوان الهبة أو البيع مصفّىً، ولم يكن يخسر هذا خمسه، ولكن الإمام لم يقدر على ذلك أو لم يفعله، فلو أخذ الخمس من المنتقل إليه بدلاً عن المنتقل عنه، لكان هذا تحميلاً مخالفاً للانصاف. أمّا لو أخذ منه خمس ما ورثه بدلاً عن أخذه من المورّث، لم يكن ذلك تحميلاً إضافيّاً عليه; إذ لو كان قد أخذه من المورّث لكان نفس النقص الذي يرد بأخذه من

249


الوارث وارداً عليه. وهذا عبارة عن أصل مسألة تعلّق الخمس بالمال من دون رجوعه إلى تحميل ما على المنتقل عنه على المنتقل إليه، في حين أنّ الفرق في غير فرض الإرث واضح بين الأخذ من هذا أو ذاك.

الرواية الرابعة: صحيح الفضيل عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «من وجد برد حبّنا في كبده فليحمد الله على أوّل النعم، قال: قلت: جعلت فداك ما أوّل النعم؟ قال: طيب الولادة، ثُمّ قال أبو عبدالله(عليه السلام): قال أمير المؤمنين(عليه السلام)لفاطمة(عليها السلام): أحلّي نصيبكِ من الفيء لآباء شيعتنا ليطيبوا، ثُمّ قال أبو عبدالله(عليه السلام): إنّا أحللنا اُمّهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا»(1).

ومن الواضح كون الرواية بعيدة عن باب أرباح المكاسب، ومخصوصة بفيء الحرب أو الجواري المؤسّرة لتطييب نسب الشيعة. ولو فرضت دلالة إطلاق الرواية على تحليل خمس أرباح المكاسب من قبل عليّ وفاطمة(عليهما السلام) فقد مضت بعض الصحاح الدالّة على مطالبة الأئمّة المتأخّرين عنه بخمس أرباح المكاسب، فهي: إمّا ناسخة للتحليل بالنسبة لخمس أرباح المكاسب، أو موجبة لحمل تحليلهما(عليهما السلام)على ما قلناه من غنائم الحرب أو الجواري منها.

الرواية الخامسة: صحيحة أبي سيّار مسمع بن عبدالملك قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): إنّي كنت ولّيت الغوص فأصبت أربعمئة ألف درهم، وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم، وكرهت أنّ أحبسها عنك، وأعرض لها وهي حقّك الذي جعل الله تعالى لك في أموالنا، فقال: وما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلّا الخمس؟! يا أبا سيّار، الأرض كلّها لنا، فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا، قال: قلت له: أنا أحمل إليك المال كلّه، فقال لي: يا أبا سيّار، قد طيّبناه لك وحلّلناك منه، فضمّ إليك مالك، وكلّ ما كان في أيدي شيعتنا من


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 10.

250


الأرض فهم فيه محلّلون، ومحلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا، فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم، فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم حتّى يقوم قائمنا، فيأخذ الأرض من أيديهم، ويخرجهم منها صغرة»(1).

قوله: «فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم، فإنّ كسبهم من الأرض حرام...» هذه العبارة واردة في نسخة الشيخ(قدس سره) ولكن في نسخة الكافي ما يلي:

«فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم. وأمّا ما كان في أيدي غيرهم فإنّ كسبهم من الأرض حرام...» والظاهر: أنّ نسخة الكافي هي الصحيحة; إذ لا معنى لجملة: «فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم» لوضوح أنّ طسق ما في أيدي سواهم ليس عليهم، فالصحيح: «يجبيهم طسق ما كان في أيديهم»، فالمعنى أنّه يأخذ اُجرة الأرض التي في أيدي الشيعة منهم ويترك الأرض لهم.

وقد ورد التحليل في هذه الرواية في موردين:

الأوّل: قوله(عليه السلام): «يا أبا سيّار، قد طيّبناه لك وحلّلناك منه» ولكن هذا التحليل خاصّ بالأنفال، فإنّه يحلّل الأرض وما يستخرج منها بعد ما ذكر أنّها لأهل البيت(عليهم السلام)، ولا علاقة له بخمس أرباح المكاسب، على أنّ هذا التحليل تحليل شخصيّ خاصّ بأبي سيّار.

والثاني: قوله(عليه السلام): «وكلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون، ومحلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا» وهذا: إمّا راجع إلى اُجرة الأرض ولا علاقة له بالخمس، وإمّا شامل أيضاً لما أخرج الله من الأرض، أي: الأنفال، ولا علاقة له بأرباح المكاسب.


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 12.

251


ولو فرض إطلاق للرواية لخمس أرباح المكاسب، رفعنا اليد عنه بالصحاح الدالّة على وجوب تخميسها التي مضت من نفس الإمام الصادق(عليه السلام) ومن بعده.

الرواية السادسة: صحيحة زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال: «إنّ أمير المؤمنين(عليه السلام)حلّلهم من الخمس ـ يعني الشيعة ـ ليطيب مولدهم»(1).

وهذه الرواية لا علاقة لها بأرباح المكاسب بقرينة قوله: «ليطيب مولدهم»، فإنّ التحليل لأجل أن يصبحوا أولاد حلال، فالمراد هو التحليل في دائرة غنائم الحرب أو السبايا من الغنائم خاصّة.

الرواية السابعة: صحيحة ضريس الكناسي قال: «قال أبو عبدالله(عليه السلام): أتدري من أين دخل على الناس الزنا؟ فقلت: لا أدري. فقال: من قبل خمسنا أهل البيت، إلّا لشيعتنا الأطيبين، فإنّه محلّل لهم ولميلادهم»(2).

وقد شكّك اُستاذنا الشهيد(قدس سره) في سند هذا الحديث بأنّ ضريس الكناسي مردّد بين ضريس بن عبدالملك الثقة وضريس بن عبدالواحد الذي لم تثبت وثاقته.

ولكن السيّد الخوئيّ(قدس سره) ذكر في معجم الرجال في ترجمة ضريس الكناسي: أنّ كلمة ضريس الكناسي، وكذلك كملة ضريس متى ما اُطلقت في الروايات تنصرف إلى ضريس بن عبدالملك، فإنّه المعروف والمشهور بين الرواة، وضريس بن عبدالواحد وإن كان كناسيّاً أيضاً، إلّا أنّه ينصرف عنه اللفظ لعدم اشتهاره، بل لم نجد له ولا رواية واحدة.

ويقصد(قدس سره) بقوله: «لم نجد له ولا رواية واحدة» عدم وجدان رواية واحدة باسم ضريس بن عبدالواحد بالصريح. وأمّا ما كان باسم ضريس الكناسي أو باسم ضريس،


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 15.

(2) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 3.

252


فالمفروض تردّده بينهما لولا الانصراف، إذن فلم نعرف له ولا رواية واحدة.

وعلى أيّ حال، فهذه الرواية أيضاً أجنبيّة عن خمس أرباح المكاسب; فإنّ ما فيها من التعبير بدخول الزنا على الناس، وكذلك التعبير بأنّه محلّل لهم ولميلادهم شاهد للنظر إلى غنائم الحرب أو خصوص الجواري السبايا.

الرواية الثامنة: رواية الحارث بن المغيرة النصري عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «قلت له: إنّ لنا أموالاً من غلاّت وتجارات ونحو ذلك، وقد علمت أنّ لك فيها حقّاً. قال: فلِمَ أحللنا إذن لشيعتنا إلّا لتطيب ولادتهم، وكلّ من والى آبائي فهم في حلّ ممّا في أيديهم من حقّنا، فليبلّغ الشاهد الغائب»(1).

وهذا الحديث بحسب ظاهر ما في الوسائل لا يخلو سنده عن نقاش; لأنّ صاحب الوسائل جعل هذه الرواية هي الحديث التاسع من الباب الرابع من الأنفال، وظاهر ذلك أنّ الضمير في قوله في أوّل السند: «عنه عن أحمد بن محمّد» يرجع إلى عليّ بن الحسن بن فضّال الوارد في الحديث الثامن من ذلك الباب، فيكون المعنى: «وبإسناده عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن أحمد بن محمّد...» فيأتي فيه إشكالنا في سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال، ولكن لو أردنا حمل عبارة صاحب الوسائل على الصحّة، يجب أن نرجع الضمير إلى الروايات السابقة على الرواية الثامنة والتي كانت جميعاً بإسناد الشيخ إلى سعد بن عبدالله، فإنّ سند الشيخ في التهذيب في هذا الحديث إلى الحارث بن المغيرة النصري ما يلي:

«سعد بن عبدلله عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي عمارة، عن الحارث بن المغيرة النصري»، فإشكال سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 9.

253


يرتفع من البين.

تبقى ملاحظة هذا السند الموجود في التهذيب فنقول: إنّ أحمد بن محمّد في نقل سعد بن عبدالله سواء حمل على أحمد بن محمّد بن عيسى أو على أحمد بن محمّد بن خالد فهو ثقة(1). وأمّا أبو عمارة فلا نعرفه بالضبط من هو؟ ولكن يكفي في توثيقه أنّ الراوي عنه لهذه الرواية هو أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، وعليه فسند الرواية تامّ.

وأمّا من ناحية الدلالة، فالرواية مشتملة على تهافت غريب بين السؤال والجواب; إذ إنّ السؤال ظاهر في السؤال عن أرباح المكاسب، وحقّ الإمام في أرباح المكاسب لمكان كلمة: «وتجارات» عبارة عن خمس أرباح المكاسب، والجواب ظاهر في النظر إلى غنائم الحرب أو السبايا; لمكان كلمة: «لتطيب ولادتهم». وهذا يكشف: إمّا عن خطأ في التعبير مغيّر للمعنى، أو عن كذب الرواية رغم تصحيحنا لسندها فنّيّاً بسبب رواية البزنطي عن أبي عمارة الذي لا نعرفه.

وعليه فهذه الرواية ساقطة من الحساب، ولا يمكن تفسير كلمة: «لتطيب ولادتهم» بمعنى حلّيّة أكل الآباء كي لا يؤثّر أكلهم للطعام الحرام الأثر التكويني السيّء على طينة الأولاد، فإنّ هذا التأثير إن كان لا يختصّ بالخمس بل يكون في كلّ أكل حرام، وما أكثر


(1) لا يخفى: أنّ كلمة «أحمد بن محمّد» غير موجودة في التهذيب طبعة الآخوندي، ج 4، ص 143، ح 399، بل سعد بن عبدالله يروي هذه الرواية مباشرة عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، ولكن الظاهر: أنّ هذه النسخة غير صحيحة، والصحيح ما ورد في الوسائل، وفي التهذيب النسخة التي صحّحها وعلّق عليها علي أكبر الغفاري، وهو أحمد بن محمّد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر; وذلك لأنّ وضع الطبقة لا يسمح بنقل سعد بن عبدالله عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر مباشرة.

254


من الشيعة من يأكل الحرام من ربا وغيره ما عدا مثل العدول الصلحاء، فهل إنّ الإمام حلّل كلّ أكل حرام للشيعة، أم هل هناك خصوصيّة لمسألة الخمس؟!

والخلاصة: أنّه لا إشكال في أنّ المفهوم عرفاً من طيب الولادة طيبها من الزنا أو من الشبهة حينما يفترض عدم عمد الشيعيّ، والذي يخرجه من الزنا ويوقعه في الوطي بالشبهة.

ثُمّ لو فرضت تماميّة دلالة شيء من هذه الروايات على تحليل خمس أرباح المكاسب للشيعة فهي منسوخة بالإيجاب الوارد في صحيح ريّان بن الصلت عن أبي محمّد العسكري(عليه السلام) حيث قال: «كتبت إلى أبي محمّد(عليه السلام): ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلّة رحى أرض في قطيعة لي، وفي ثمن سمك، وبردي، وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب: يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى»(1).

وكذلك هي منسوخة بالإيجاب الوارد في صحيح أبي عليّ بن راشد(2) الذي هو على الأكثر عن الإمام الهادي(عليه السلام); لأنّ الإمام الجواد(عليه السلام) على ما يظهر من رواية عليّ بن مهزيار المفصّلة(3) لم يوجب الخمس على أرباح المكاسب.

نعم نستثني من هذه النكتة ـ أعني: نكتة النسخ ـ الرواية الخامسة، وهي صحيحة أبي سيّار; لأنّها لو دلّت على تحليل خمس أرباح المكاسب، فقد صرّحت باستمرار التحليل إلى قيام القائم عجّل الله فرجه، فتعارض ـ لو تمّت ـ صحيحة ريّان بن الصلت وصحيحة أبي عليّ.


(1) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 9.

(2) ح 3 من نفس الباب.

(3) أعني: ح 5 من ذاك الباب.

255


وكذلك نستثني من هذه النكتة الرواية التاسعة الآتية; لأنّها من الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه.

الرواية التاسعة: مكاتبة إسحاق بن يعقوب مع الحجّة عجّل الله تعالى فرجه فيما ورد عليه من التوقيعات بخط صاحب الزمان(عليه السلام): «أمّا ما سألت عنه من أمر المنكرين لي... ـ إلى أن قال: ـ وأمّا المتلبّسون بأموالنا فمن استحلّ منها شيئاً فأكله، فإنّما يأكل النيران. وأمّا الخمس فقد اُبيح لشيعتنا وجُعلوا منه في حلّ إلى أن يظهر أمرنا، لتطيب ولادتهم ولا تخبث»(1).

وهذه الرواية وإن رواها في الوسائل في الباب 4 من الأنفال عن إكمال الدين، عن محمّد بن محمّد بن عصام الكليني، عن إسحاق بن يعقوب، ولا دليل على وثاقة محمّد بن محمّد بن عصام الكليني، ولكن صاحب الوسائل قد نقل في الباب الحادي عشر من صفات القاضي، ح 9 سنداً آخر لهذه الرواية، فإنّه هناك ذكر مقطعاً من هذه الرواية مرتبطاً بذاك الباب، وقد نقل ذلك عن إكمال الدين بالشكل الذي نقلناه هنا، ثُمّ قال: ورواه الشيخ(قدس سره)في كتاب الغيبة عن جماعة، عن جعفر بن محمّد بن قولويه وأبي غالب الزراري وغيرهما، كلّهم عن محمّد بن يعقوب.

أقول: وبالفعل قد ورد التوقيع بطوله في كتاب الغيبة للطوسيّ(رحمه الله)(2)، والظاهر: أنّ الجماعة الواردة في عبارة الطوسيّ أحدهم المفيد، فإنّ الشيخ يروي جميع كتب وروايات جعفر بن محمّد بن قولويه وأبي غالب الزراري عن جماعة أحدهم المفيد.

وجاء في موضع آخر من كتاب الغيبة(3) ذكر سند الحديث من دون ذكر متنه، وفيه


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 16.

(2) ص 177 من طبعة مطبعة النعمان في النجف الأشرف.

(3) ص 220.

256


بدلاً عن كلمة: «وغيرهما» كلمة: «وأبي محمّد التلعكبري»، وكلّ هؤلاء الثلاثة ثقاة أجلاّء، إذن فالحديث إلى محمّد بن يعقوب شبه قطعي; لأنّه يرويه جماعة أحدهم المفيد عن جماعة من الأجلاّء عن محمّد بن يعقوب الكليني. وليس النقل شفهيّاً حتّى يحتمل التغيير خطأً في بعض عبائر الرواية ضمن الطبقتين، بل هو توقيع مكتوب.

وقد تذكر هنا شبهة وهي أنّه لو كان الكليني راوياً لهذه الرواية، فكيف لم يذكرها في الكافي مع أنّ الكافي كتاب مهمّ، وهذه الرواية رواية مهمّة، فإنّها توقيع من الإمام الحجّة مشتمل على مسائل كثيرة؟! فعدم ذكرها في الكافي شاهد للكذب.

والجواب: أنّ مجرّد عدم ذكر الكليني لهذه الرواية في الكافي ليس شاهداً على أن لا تكون هذه الرواية من روايات له(رحمه الله) لم تضبط في الكافي، ولعلّ الرواية وصلت الكليني بعد تأليف الكافي، على أنّه قد تكون نكتة عدم ذكر هذه الرواية في الكافي أنّ زمان الكليني كان زمان الغيبة الصغرى، وكان للإمام الحجّة نوّاب آنذاك، والكافي كتاب عام قد يصل إلى يد الأعداء، فكان نقل هذه الرواية فيه يلقي ضوءاً على النوّاب، وقد يؤدّي ذلك إلى معرفة النائب وإيذائه للفحص عن الحجّة الذي لم يكونوا قد رأوا شاهداً حتّى ذاك الوقت على أصل ولادته.

وبعد أن اتّضح: أنّ صدور هذه الرواية عن الكليني شبه القطعي تبقى المشكلة السنديّة في إسحاق بن يعقوب الذي روى عنه الكليني هذه الرواية.

وفي بالي أنّ صاحب كتاب قاموس الرجال يُبرز في كتابه احتمال: أنّ إسحاق بن يعقوب كان أخاً للكليني، وأنّه رآى ـ أعني التستري(قدس سره) ـ في بعض النسخ والمتون في آخر التوقيع قوله عجّل الله فرجه: «والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب الكليني»، ولكن لو ثبتت هذه النسخة، وثبت أنّ المقصود بذلك أخ الكليني صاحب الكافي، فهذا لا يكون دليلاً على وثاقته.

257


ويمكن رفع هذا النقص عن السند بإثبات وثاقة إسحاق بن يعقوب، وذلك بأن يقال: إنّه يدور أمر إسحاق بن يعقوب بين أن يكون رجلاً من الأجلاّء الخواصّ وبين أن يكون رجلاً خبيثاً من الفسّاق، ولا يوجد احتمال وسط بينهما بشأ نه; إذ لو كان صادقاً في صدور هذا التوقيع إليه في زمن كان القرار على أن لا يكتب الحجّة شيئاً لأحد إلّا إذا كان من الخواصّ خوفاً من انتشار ولادته، فهذا دليل على أنّه من الخواصّ والأجلاّء، ولو كان كاذباً في افتعال توقيع من هذا القبيل كان إذن من الخبثاء الفسّاق الذين لا يلتزمون بدين ولا حياء، ولا يحتمل بشأن الكليني(قدس سره) أن يروي رواية عن رجل من دون الفحص عن حاله ولو بمقدار أن يعرف عدم كونه من الفسّاق والكَذَبة، كما لا يحتمل بشأ نه أنّه فحص عن ذلك فخفي عليه الأمر فيتعيّن الأوّل.

هذا تمام الكلام في هذه الرواية من ناحية السند.

وأمّا من ناحية الدلالة، فمن الواضح عدم تماميّة الدلالة على تحليل خمس أرباح المكاسب; فإنّه:

أوّلاً: أنّ قول الإمام(عليه السلام): «وأمّا الخمس فقد اُبيح لشيعتنا» ليس كلاماً ابتدائيّاً من الإمام، فإنّ هذا التوقيع جاء جواباً عن أسئلة إسحاق بن يعقوب، ولا يعلم أنّ السؤال الذي كان هذا جواباً له كان يشمل خمس أرباح المكاسب، فلعلّ سؤاله كان عن خمس غنائم الحرب أو الجواري السبايا.

وثانياً: أنّ في نفس هذا الجواب قرينة على أنّ المسألة هي مسألة غنائم الحرب أو الجواري السبايا، وهي قوله(عليه السلام): «لتطيب ولادتهم ولا تخبث».

الرواية العاشرة: صحيحة أبي سلمة سالم بن مكرّم وهو أبو خديجة عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «قال رجل وأنا حاضر: حلّل لي الفروج، ففزع أبو عبدالله(عليه السلام)، فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنّما يسألك خادماً يشتريها، أو امرأة يتزوّجها، أو ميراثاً

258


يصيبه، أو تجارة، أو شيئاً اُعطيه. فقال: هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم والغائب والميّت منهم والحيّ وما يولد منهم إلى يوم القيامة، فهو لهم حلال. أما والله لا يحلّ إلّا لمن أحللنا له، ولا والله ما أعطينا أحداً ذمّة، وما عندنا لأحد عهد، ولا لأحد عندنا ميثاق»(1).

وعدم ارتباط الرواية بخمس أرباح المكاسب، واختصاصها بالغنيمة أو بخصوص الجواري السبايا من قبل العامّة واضح: أوّلاً: بقرينة قوله: «حلّل لي الفروج»، وثانياً: بقرينة قوله: «وما يولد منهم إلى يوم القيامة، فهو لهم حلال»، فإنّ غاية ما يحتمل حلّيّته من خمس أرباح المكاسب هو آخر الغيبة، ولا يحتمل حلّيّته إلى يوم القيامة، وتحليل الجواري السبايا أو الغنائم التي تكون عن طريق قتال العامّة للكفّار وإن كان ينقطع موضوعاً بظهور الحجّة عجّل الله فرجه، لكن تعني هذه العبارة: أنّ التحليل الذي صدّرناه للشيعة بالنسبة للغنائم أو الجواري السبايا يكون أثره ثابتاً إلى يوم القيامة، فأولادهم إلى يوم القيامة أولاد حلال.

هذا تمام الكلام في أخبار التحليل التامّة سنداً، وقد عرفت عدم تماميّة شيء منها دلالة على تحليل خمس أرباح المكاسب، على أنّه قد ورد في زمن متأخّر عن أكثرها ما دلّ على عدم التحليل لخمس أرباح المكاسب.

بقيت في المقام أخبار اُخرى غير نقيّة السند، ونحن نذكرها تكميلاً للبحث فنقول:

الرواية الحادية عشرة: رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما «قال: إنّ أشدّ ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربّ خمسي. وقد طيّبنا ذلك لشيعتنا، لتطيب ولادتهم ولتزكو أولادهم»(2).


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 4.

(2) الوسائل ب 4 من الأنفال ح 5.

259


وفي سند الشيخ والكليني وقع محمّد بن سنان وصباح الأزرق، والثاني وإن وردت رواية محمّد بن أبي عمير عنه بسند تامّ، فيدلّ ذلك على وثاقته، ولكن يبقى ضعف السند بمحمّد بن سنان الذي لم تثبت وثاقته.

وأمّا سند الصدوق فهو غير مشتمل على هذين الشخصين، ولكنّه مشتمل على عليّ بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه ولم تثبت وثاقتهما.

وأمّا من حيث الدلالة فالذي يهدم الدلالة قوله: «لتطيب ولادتهم ولتزكو أولادهم» وفي نسخة الكافي (ولادتهم)» ممّا يشهد للاختصاص بغنائم الحرب أو الجواري المسبيّة.

الرواية الثانية عشرة: رواية داود الرقّي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «سمعته يقول: الناس كلّهم يعيشون في فضل مظلمتنا، إلّا أ نّا أحللنا شيعتنا من ذلك»(1).

والسند ضعيف بداود الرقّي الذي لم تثبت وثاقته، والدلالة غير تامّة; لأنّ المراد من الناس هنا هو العامّة، وإنّ إرادة العامّة من كلمة الناس استعمال شايع في الروايات، وهنا توجد القرينة على ذلك، وهي قرينة المقابلة بين الناس وشيعتنا، واسم الإشارة في «من ذلك» راجع إلى ما يعيش فيه الناس من فضل مظلمتهم. فالمعنى: أنّنا أحللنا شيعتنا من تلك المظلمة والحقوق التي تكون في أموال العامّة، وهذا يعني تحليل الشيعة عن الحقوق التي تكون في أموال العامّة فتنتقل إليهم. وهذا التفسير الذي ذكرناه للرواية إن لم يكن هو الظاهر، فلا أقلّ من احتماله وإجمال الرواية.

ولو فرض الإطلاق في ذلك لخمس أرباح المكاسب المتعلّق بالشيعيّ، فهذا التحليل منسوخ بما مضى من صحيحة أبي عليّ بن راشد والتي هي على الأكثر عن الإمام الهادي،


(1) المصدر نفسه، ح 7.

260


وصحيحة ريّان بن الصلت عن الإمام العسكري(عليه السلام). ونكتة النسخ تأتي في أكثر الروايات القادمة أيضاً لو كان لها إطلاق لخمس أرباح المكاسب، فلا نعيد.

الرواية الثالثة عشرة: رواية حكيم مؤذّن بني عيس (أو بني عبس أو ابن عيسى) عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «قلت له: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾ قال: هي والله الإفادة يوماً بيوم، إلّا أنّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكوا»(1).

والسند ساقط بمحمّد بن سنان وحكيم المؤذّن.

الرواية الرابعة عشرة: رواية معاذ بن كثير بيّاع الأكيسة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «موسّع على شيعتنا أن ينفقوا ممّا في أيديهم بالمعروف، فإذا قام قائمنا حرم على كلّ ذي كنز كنزه حتّى يأتوه به يستعين به»(2).

وفي السند محمّد بن سنان، والراوي المباشر معاذ بن كثير، فلو صحّحنا الثاني بِعَدّ المفيد إيّاه من شيوخ الفقهاء الصالحين، أو بتوثيق النجاشي لمعاذ بن مسلم بن أبي سارة بناءً على اتحاده مع معاذ بن كثير، فمحمّد بن سنان لا دليل على توثيقه.

أمّا من حيث الدلالة فالرواية أجنبيّة عن المقام، فإنّها ظاهرة في النظر إلى فرض جعل الإمام الحجّة عجّل الله فرجه ضرائب على أموال شيعته لتقوية أمره، لا إلى خمس أرباح المكاسب.

الرواية الخامسة عشرة: ما عن الحارث بن المغيرة النصري، قال: «دخلت على أبي جعفر(عليه السلام)، فجلست عنده، فإذا نجيّة قد استأذن عليه، فأذن له، فدخل، فجثا على ركبته، ثُمّ قال: جعلت فداك إنّي اُريد أن أسألك عن مسألة والله ما اُريد بها إلّا فكاك رقبتي من


(1) المصدر نفسه، ح 8.

(2) المصدر نفسه، ح 11.