وذاك يقتضي بإطلاقه أن المنكر إن لم يحلف، ولم يردّ اليمين على صاحب الحقّ فلا حقّ له، سواء حلف المدّعي أو لا، ويتساقطان بالتعارض.
أقول: إنّ حديث عبيد بن زرارة لو تمّ سنداً ودلالةً تقدّم على حديث هشام؛ لأنّ حديث هشام قابل للتقييد بحديث عبيد بن زرارة بخلاف العكس، فإنّ تقييد حديث عبيد بن زرارة يعني أنّه إن امتنع المنكر عن اليمين والردّ فلا حقّ له بشرط أن يحلف المدّعي، وهذا _ كما ترى _ يعني إسقاط العنوان المأخوذ في الحديث، وهو امتناع المنكر عن اليمين والردّ عن الأثر لا تقييده، فإنّ حلف المدّعي كافٍ في سقوط حقّ المنكر حتى في فرض ردّ المنكر لليمين عليه، فالأثر استند إلى حلف المدّعي لا نكول المنكر، وهذا خلاف قانون التقييد.
وقد يخطر بالبال الاستدلال على كفاية نكول المنكر للحكم عليه بما مضى في حديث محمد بن مسلم من قوله:
«فإن ردّ اليمين على صاحب الحقّ، فلم يحلف، فلا حقّ له»، وما مضى في حديث جميل من قوله: «وإن لم يقم البيّنة فردّ عليه الذي ادّعى عليه اليمين فأبى، حقّ له»، وذلك تمسّكاً بمفهوم الشرط؛ حيث أخذ قيد الردّ في شرط الحكم بنفي الحقّ للمدّعي، ومفهومه أنّه لدى نكول المنكر عن اليمين والردّ يثبت الحقّ للمدّعي.
وفيه: أنّه لا أقلّ من احتمال أنّ الشرط كان هو نكول المدّعي، وأنّ ردّ اليمين كان موضوعاً للقضيّة الشرطيّة، وكان ذكره تمهيداً لذكر قبول اليمين أو النكول عنها من قبل المدّعي، فيكون معنى الحديث: أنّه في حالة ردّ المنكر لليمين على المدّعي لو لم يحلف المدّعي، فلا حقّ له، ولو حلف أخذ الحقّ.
وقد يستدلّ أيضاً على كفاية نكول المنكر للحكم في صالح المدّعي بما ورد من
«أنّ البيّنة على المدّعي واليمين على من ادّعي عليه» بدعوى أنّ التفصيل قاطع للشركة، وأنّ هذا دلّ على حصر من عليه اليمين بالمنكر، فالمدّعي ليس عليه الحلف، خرج من ذلك فرض ردّ اليمين من قبل المنكر، أمّا فرض عدم ردّه فهو باقٍ تحت الإطلاق، وعدم توجّه الحلف إلى المدّعي يعني أنّ الحكم لصالحه سيكون بدون تحليفه، وهو معنى كفاية نكول المنكر في الحكم لصالح المدّعي.
إلا أنّ هذا قابل للنقاش، فإنّ الظاهر أو المحتمل من قوله (صلى الله عليه و آله): «البيّنة على المدّعي، واليمين على من أنكر» هو بيان ما على كلّ واحد منهما بالطبع الأوّلي مع السكوت عمّا هي الوظيفة بعد النكول.
وبالإمكان أيضاً أن يستدلّ على كفاية نكول المنكر في الحكم عليه بأنّه لو لم يكفِ ذلك للحكم عليه لكان معنى ذلك أنّه يجوز للحاكم ردّ اليمين على المدّعي، فالمهمّ هو الردّ، أمّا خصوصيّة كون الردّ بطلب من المنكر فلا أثر لها في الحكم، وهذا خلاف ظاهر أخذ قيد ردّ المدّعى عليه في الموضوع في روايتي محمد بن مسلم وجميل.
والجواب: أنّ ذكر هذا قد يكون وارداً مورد الغالب، باعتبار أنّ المنكر إذا امتنع عن التحليف فسيردّ عادةً الحلف على المدّعي، فإنّ ردّ الحلف على المدّعي أصلح له من الحكم للمدّعي من دون تحليفه؛ إذ مع تحليفه يحتمل نكول المدّعي الذي هو في صالح المنكر.
القول الثاني _ أنّ نكول المنكر يوجب توجيه الحاكم لليمين إلى المدّعي، فإن حلف أخذ الحقّ، وإلا حكم لصالح المنكر، ولا يحكم لصالح المدّعي بمجرّد نكول المنكر، ويمكن الاستدلال على ذلك بأمور:
الأول _ إطلاق ما مضى من حديث هشام: «تردّ اليمين على المدّعي»(1).
الثاني _ ما جاء في مباني تكملة المنهاج(2) من الاستدلال بروايات أنّ القضاء إنّما يكون بالبيّنات والأيمان، وهذا يعني بإطلاقه أنّه لو لم يحلف المنكر ولم يمتلك المدّعي البيّنة وصلت النوبة إلى يمين المدّعي.
ويمكن الإيراد على ذلك:
أوّلاً _ بأنّ روايات القضاء بالبيّنة والأيمان قد فسّرت بروايات البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر، فلنفرض أنّ قوله (صلى الله عليه و آله): «البيّنة على المدّعي، واليمين على من أنكر» لم يدل على كفاية نكول المنكر في الحكم للمدّعي بلا حاجة إلى يمينه، لكنّه قد دلّ على أنّ البيّنات والأيمان _ المذكورتين في روايات القضاء بالبيّنة والأيمان _ أُولاهما على المدّعي، والثانية على المنكر، فإثبات اليمين على المدعي بعد نكول المنكر بروايات القضاء بالبيّنة والأيمان في غير محلّه.
إلا أنّ هذا الإيراد يتوقف على أن تكون روايات البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر ناظرة إلى تفسير روايات القضاء بالبيّنة والأيمان، أو دالّة على حصر اليمين بالمنكر من باب أنّ التفصيل قاطع للشركة، أمّا لو لم تقبل النظر ولم تقبل الدلالة على الحصر بلحاظ ما بعد النكول _ كما مضى _ ففي ما بعد النكول نعود مرّة أُخرى إلى إطلاق قوله (صلى الله عليه و آله): «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان».
وعلى أيّ حال فهذا الإيراد من الواضح عدم وروده على مثل رواية سليمان بن خالد عن الصادق (عليه السلام) عن علي (عليه السلام): «أنّ نبيّاً من الأنبياء شكا إلى ربّه فقال: يا
(1) وسائل الشيعة، ج18، ص176، الباب 7 من كيفيّة الحكم، ح3.
(2) ج1، ص16.
ربّ كيف أقضي فيما لم أرَ ولم أشهد؟ قال: فأوحى اللّه إليه: احكم بينهم بكتابي، وأضفهم إلى اسمي، فحلّفهم به، وقال: هذا لمن لم تقم له بيّنة»(1). فإن هذا ظاهر في النظر إلى المدّعي الذي لا يمتلك البيّنة.
وثانياً _ بأنّ روايات القضاء بالبيّنة والأيمان لا تدل على حصر وسائل القضاء بشكل مطلق بالبيّنة واليمين؛ بحيث يكون القضاء بالقرعة أو بقاعدة العدل والإنصاف أو نحو ذلك تخصيصاً لها، وإنّما المفهوم منها عرفاً بمناسبات الحكم والموضوع أنّ القاضي لا يتجاوز هاتين الوسيلتين إلى غيرهما في عرضهما، أمّا لو انتفت الوسيلتان فليس المفهوم عرفاً من هذه الروايات إيقاف القضاء، وفيما نحن فيه قد انتفت البيّنة لعدم امتلاك المدّعي للبيّنة، وانتفت اليمين بنكول المنكر، فإذا حكم القاضي بالنكول لصالح المدّعي لم يكن تخصيصاً لروايات القضاء بالبيّنات والأيمان.
ويمكن الجواب على ذلك بأنّ اليمين لم تنتف بعدُ، لإمكان عرضها على المدّعي.
وعلى أيّ حال فمن الواضح عدم ورود هذا الإشكال أيضاً على مثل ما عرفته من رواية سليمان بن خالد الناظرة إلى يمين المدّعي عند عدم وجدانه للبيّنة.
وثالثاً _ بأنّ الحكم بمجرّد نكول المنكر لا ينافي قاعدة كون القضاء بالبيّنات والأيمان، فإنّ هذا أيضاً قضاء باليمين؛ لأنّ القاضي قد وجّه اليمين إلى المنكر حسب الفرض، ولكنّه نكل عن اليمين، فالقضاء بالنكول قضاء باليمين نكولاً.
إلا أنّ الواقع أنّ هذا خلاف الظاهر، فإنّ ظاهر القضاء باليمين هو القضاء استناداً إلى ذات اليمين، لا النكول عنها.
(1) وسائل الشيعة، ج18، ص167، الباب الأول من كيفيّة الحكم، ح1.
الثالث _ ما جاء أيضاً في مباني تكملة المنهاج(1) من أنّ الأصل يقتضي عدم جواز الحكم بمجرّد النكول.
ويمكن أن يورد على ذلك بأنّ المدّعي لو حلف بعد نكول المنكر فلا إشكال في أنّ الحقّ للمدّعي: إمّا بنكول المنكر، أو بحلف المدّعي، أمّا لو نكل هو أيضاً فقد دار الأمر بين الحكم بنكول المنكر والحكم بنكول المدّعي،والروايات الدالّة على الحكم بنكول المدّعي إنّما كانت واردةً في ردّ اليمين من قبل المنكر على المدّعي، والمفروض الآن عدم الردّ من قبله، فإذا كان الحكم بنكول المنكر هنا خلاف الأصل فالحكم بنكول المدّعي أيضاً خلاف الأصل.
ولكن من المحتمل أن يكون مقصود السيد الخوئي بالأصل فيما يفترضه من أنّ الحكم بنكول المنكر خلاف الأصل هو الأصل الذي يكون دائماً في جانب المنكر، حيث إنّ المنكر هو من وافق قوله الأصل فكأنّه يقول: إنّ الأصل الذي هو في جانب المنكر حجّة للحاكم، وإنّما سقط عن الحجّية يقيناً حينما توجد للمدّعي البيّنة، أو حلف المدّعي، أمّا إذا نكل المدّعي والمنكر معاً فلا دليل على سقوط أصل المنكر عن الحجّية، فيحكم الحاكم اعتماداً على أصل المنكر، وهذا يعني أنّ مجرّد نكول المنكر لا يكفي للحكم ضدّه، بل لابدّ من توجيه الحاكم للحلف إلى المدّعي.
وبعبارة أُخرى يمكن أن يكون المقصود بالأصل هو أصالة عدم نفوذ حكم الحاكم بمجرّد نكول المنكر، ولا تعارض بأصالة عدم نفوذ حكم الحاكم بنكول المدّعي بعد نكول المنكر؛ لأنّ كون الأصل الذي هو في جانب المنكر دليلاً على حقّانيّة كلامه منضمّاً إلى ما دلّ على القضاء بالحقّ، يكون كاسراً لأصالة عدم
(1) ج1، ص16 _ 17.
نفوذ حكم الحاكم.
وقد اتّضح بمجموع ما ذكرناه أنّ الأقوى أنّ نكول المنكر لا يكفي للحكم عليه، بل يردّ الحاكم اليمين على المدّعي، فإن حلف أخذ الحقّ، وإلا ثبت الحقّ للمنكر.
وهذا لا يعني ما ينافي بحثنا السابق حيث أثبتنا هناك أنّ الحاكم لا يستبدّ بالتحليف، وإنّما التحليف يكون بموافقة من هو المحروم فعلاً من الحقّ المتنازع عليه، فنحن ما زلنا على هذا الكلام، فلو أنّ المنكر كان هو المحروم فعلاً من الحقّ المتنازع فيه، فأراد أن لا يحلف ولا يردّ الحلف، بل يؤجّل الدعوى من دون أن يأخذ الحقّ من المدّعي، كان له ذلك، أمّا لو ما يكن هو المحروم من الحقّ المتنازع فيه أو لم يوافق على التأجيل وقد نكل عن الحلف، فهنا يردّ الحاكم اليمين على المدّعي.
ولو رُدّ اليمينُ على المدّعي فحلف ثم أقام المنكر البيّنة، فبناءً على رأينا من أنّ المنكر لا يكتفى منه بالبيّنة، من الواضح أنّ الحكم سوف يكون وفقاً ليمين المدّعي، أمّا بناءً على أنّ بيّنة المنكر كبيّنة المدّعي تكفي للحكم على طبقها قد يقال: إنّ بيّنة المنكر تُلغي يمين المدّعي؛ لأنّها تثبت الحقّ، والحاكم يجب أن يحكم بالحقّ، والمتفاهم عرفاً بمناسبات الحكم والموضوع أنّ اليمين إنّما جعل على المدّعي بعد العجز عمّا يثبت الحقّ.
وقد يقال: إنّ الحكم سيكون وفق يمين المدّعي لا بيّنة المنكر، إمّا بدعوى أنّ المفهوم عرفاً من دليل ردّ اليمين على المدّعي هو ردّ يمين المنكر بكلّ خصائصها عليه، ومن خصائصها إسقاط حقّ الخصم بحيث ليست له بعد ذلك إقامة البيّنة، وإمّا بدعوى أنّ دليل حجّية البيّنة لا إطلاق له إلا بمعونة الارتكاز العرفي، ولئن سلّمنا موافقة الارتكاز العرفي لسماع البيّنة من المنكر لا نسلّم بها بعد تحليف المدّعي.
ثم إنّ المنكر لو ردّ اليمين أو نكل، ثم بذل اليمين قبل حلف المدّعي، حكم الحاكم وفق يمينه؛ لشمول إطلاقات أدلّة يمين المنكر لذلك.
عدم تمكّن المدّعي من الحلف
بقي الكلام في أنّه لو لم يمكن للمدّعي الحلف فماذا سيكون حكم الردّ عليه؟
وقد ذُكر لذلك تصويران:
الأول _ أن يكون المدّعي غير جازم بالدعوى، كما لو قلنا بجواز رفع الدعوى رغم عدم الجزم.
والثاني _ أن يكون المدّعي مدّعياً لغيره كولي اليتيم الذي يدّعي مالاً لليتيم؛ حيث قد يقال: لا ينفذ حلفه بشأن اليتيم، وإنَّ حَلْفَ كلِّ شخص إنّما ينفذ بشأنه هو دون غيره. فقد يقال: إنّ المنكر يتخيّر هنا بين الحلف والنكول؛ لعدم إمكان الردّ.
وقد يقال: إنّ للمنكر الردّ تمسّكاً بإطلاق دليل ردّ الحلف على المدّعي وإن كان المدّعي مجبوراً على النكول، فبالتالي يثبت الحقّ للمنكر.
وقد يقال في الفرع الثاني: إنّ كون المال لغيره لا يمنع عن الحلف ما دام جازماً.
وقد يقال ردّاً على الكلام الثاني: إنّ دليل الردّ منصرف إلى فرض إمكان تقبّل الردّ من قبل المدّعي بأن يحلف هو، والمفروض في المقام أنّه لا يستطيع الحلف، فليس المورد مشمولاً لدليل الردّ.
وتحقيق الحال: تارةً يقع في الفرع الأول، وأُخرى في الفرع الثاني:
أمّا الفرع الأول _ وهو فرض عدم الجزم بالدعوى فالمرافعة مع عدم الجزم بالدعوى تكون بأحد وجوه ثلاثة:
1_ في باب الاتّهام بالقتل، والقضاء في ذلك له نظامه الخاص مضى بحثه فيما سبق، وتبيّن أنّه لو لم يمتلكا البيّنة ولا قسامة خمسين بَرِئت ساحة المتّهم.
2_ فيما إذا كانت القضيّة مشكوكة للطرفين، كما في الولد المردّد بين شخصين واقعا امرأة في طُهر واحد، أو في المال الذي أوصى الميّت به لأحدهما ولم يُعرف لأيّهما
أوصى، ونحو ذلك، وقد مضی البحث في هذا، وأنّه متى تصل النوبة إلى القرعة؟ ومتى تصل النوبة إلى قاعدة العدل والإنصاف؟ وأنّ هذا ليس من باب المدّعي والمنكر أو التداعي بالمعنى المألوف، ولا موضوع هنا لردّ اليمين على المنكر.
3_ في رفع الدعوى بالمعنى المتعارف بغير الاتّهام بالقتل. والصحيح عدم إمكانيّة رفع الدعوى؛ لأنّ الأصل الذي يكون إلى جانب المنكر يكون حجّةً على المدّعي الذي لا يمتلك البيّنة، أمّا لو امتلك بيّنة لم يمكنه إحضارها فعليه دعوى الملكية الظاهرية، وهو جازم بالدعوى وبإمكانه الحلف عليها.
والحاصل أنّه مع ثبوت نقيض الدعوى شرعاً على المدّعي باعترافه بعدم الجزم لا دليل على صحّة إقامة الدعوى ونفوذ القضاء.
ولو تنزّلنا عن ذلك ورفع الدعوى إلى القاضي بلا جزم ولا بيّنة جاز للمنكر ردّ اليمين عليه؛ لأنّ عدم قدرته على الحلف لا علاقة له بوظيفة المنكر، ومقتضى إطلاق دليل الردّ أنّ له الردّ، ولو ردّ لاضطرّ المدّعي إلى النكول وحكم الحاكم لصالح المنكر.
وأمّا الفرع الثاني _ وهو ما لو ادّعى للغير الغائب أو الميّت أو الصغير مثلاً، فلا يبعد أن يقال بالتفصيل بين ما إذا كان وليّاً على المدّعى له وما إذا لم يكن وليّاً عليه، ففي الثاني لا يعتبر هذا مدّعياً وإنّما يعتبر شاهداً للغير، فلو ضمّ إليه شاهد آخر حكم القاضي للمدّعى له بسبب البيّنة _ لو قلنا بحجّيتها في مقابل أصل المنكر أو يده رغم عدم وجود مدّعٍ في المقام، كما لا تبعد مساعدة الارتكاز العقلائي على ذلك _ ولو لم يضمّ إليه شاهد آخر فلا مبرّر لتحليف المنكر أصلاً؛ لعدم وجود مدّعٍ في المقام.
وفي الأول يعتبر هذا مدّعياً بالولاية، وبإمكانه الحلف لو ردّ اليمين عليه؛ لأنّه جازم بدعواه.
رفع الدعوى من قبل الصبي المميّز
وبهذه المناسبة لا بأس بأن نتعرّض لمسألة ما إذا كان الصبي مميّزاً، وتبنّى هو رفع الدعوى لا وليّه، فلو أقام بيّنةً نفذت وإن كان أحد فرديها هو الولي، وإلا فلو حلف المنكر نفذ حلفه، وإن ردّ عليه الحلف وكان الحقّ المتنازع فيه في يد المنكر أُجّلت الدعوى إلى حين البلوغ كي تكون يمينه شرعيّة، أو تبنّى الولي الدعوى كي يستطيع الحلف، وإن كان الحقّ المتنازع فيه في يد الطفل تبنّى الولي الدعوى، أو يسلّم الحقّ موقّتاً إلى المنكر إلى أن يبلغ الطفل، ولو لم يسلّمه الطفل أجبره الولي على ذلك، ولو لم يوافق الولي على إجبار الطفل ولا على تبنّي الدعوى أعمل السلطان ولايته في أخذ الحقّ وتسليمه موقّتاً إلى المنكر.
سكوت المنكر عن أصل الإنكار
وفي ختام البحث عن كيفيّة دوران اليمين بين المدّعي والمنكر لا بأس بالتعرض لمسألة فرض سكوت المنكر عن أصل الإنكار فضلاً عن اليمين، وإن بقي _ عملاً _ كالمنكر باعتبار عدم استسلامه عملاً لدعوى المدّعي، فهل ترجع اليمين عندئذٍ إلى المدّعي أو لا؟
مثاله: ما لو ادّعى زيد على عمرو أنّ له عليه ديناً قد أقرضه إيّاه، فكان موقف عمرو هو السكوت المطلق، فقد يقال بإجباره على الجواب، فإن عاند يسجن إلى أن يجيب ويكسر السكوت، وقد يقال بضربه تعزيراً؛ لأنّ الجواب واجب عليه، وخير ما يمكن أن يكون دليلاً على شيء من هذا القبيل ما جاء في حديث عبدالرحمان بن أبي عبداللّه: «... ولو كان حيّاً لأُلزم اليمين، أو الحقّ، أو يردّ اليمين إليه»(1). بدعوى
(1) وسائل الشيعة، ج18، ص173، الباب 4 من كيفيّة الحكم، الحديث الوحيد في الباب.
أنّ هذا يدل على أنّه يجب على المنكر أحد الأمور الثلاثة: اليمين، أو الاستسلام للحقّ الذي يدعيه المدّعي، أو ردّ اليمين إلى المدّعي. والسكوت يعني مخالفة هذا الجواب، فيجبر على كسر السكوت، أو يضرب تعزيراً مثلاً، إلا أنّ هذا ضعيف سنداً بياسين الضرير، وغير تام دلالةً أيضاً؛ إذ من المحتمل كون صيغة «يردّ» مبنية للمفعول، أي: تردّ اليمين إلى المدّعي ولو من قبل الحاكم، وعندئذٍ فالحديث لم يدل على وجوب الجامع بين الأمور الثلاثة على المنكر. وبعد تسليم كون «يردّ» بصيغة المبني للفاعل نقول: من المحتمل كون المقصود بقوله: «الحقّ» أنّ الحاكم يحكم _ على تقدير نكوله عن اليمين بلا ردّ _ بكون الحقّ للمدّعي، لا أنّ المنكر هو يستسلم للحقّ، فأيضاً لم يدل الحديث على وجوب الجامع بين الأمور الثلاثة عليه.
والحاصل أنّه لا دليل على وجوب الجواب على المنكر، وكون سكوته حراماً يجبر على كسره بحبس أو بضرب أو غير ذلك.
نعم، قد يقال: إنّ إصراره على السكوت يجعله بحكم الناكل، فيلتحق في الحكم بالبحث الماضي، وذلك لأنّ الذي نكل عن اليمين فحسب لئن حكم عليه بإعطاء الحقّ للمدّعي أو بتوجيه الحلف من قبل الحاكم إلى المدّعي، فهذا الذي سكت عن أصل الجواب وعن الحلف يكون أولى بذلك.
وقد يقال في مقابل هذا الكلام: إنّ الأولويّة ممنوعة ما دمنا نحتمل أنّه لو تكلّم لخرج عن كونه منكراً وأصبح مدّعياً لا يمين عليه، كما لو ادّعى عليه زيد: أنّه مدين له بكذا بإقراضه إيّاه، فسكت المدّعى عليه؛ لأنّه كان يعتقد أداءه للدين، فرأى أنّه لو أنكر أصل الدين كان كاذباً، ولو أجاب بدعوى الأداء أصبح مدّعياً، فاختار السكوت، فمع احتمال من هذا القبيل كيف نفترض أنّه أولى من الناكل في حكم النكول؟!
وبالإمكان أن يقال: إنّنا إمّا أن نبني في باب النكول على الحكم على المنكر بمجرّد النكول من دون تحليف الحاكم للمدّعي، أو نبني فيه على تحليف الحاكم للمدّعي:
فإن بنينا على الحكم على المنكر بمجرّد النكول لبعض الأدلّة الواردة في باب النكول التي مضى الكلام عنها، فقياس المقام بباب النكول قياس مع الفارق، ولا أولويّة في المقام؛ لما عرفت من احتمال كون كلامه _ لو تكلّم _ موجباً لانقلابه إلى المدّعي. إذاً فالمرجع هو رواية «أضفهم إلى اسمي»(1)، وبه يثبت أنّ الوظيفة في المورد هي تحليف المدّعي.
نعم، لو فرض عدم تطرّق احتمال كون التكلّم سيحوّله إلى المدّعي، فلا بأس بإلحاقه بالناكل بدعوى أنّ الساكت إن لم يكن عرفاً بأولى من الناكل في الحكم عليه فلا أقلّ من المساواة.
وإن بنينا على أنّ الحكم في نكول المنكر هو ردّ الحاكم لليمين على المدّعي فالظاهر أنّ نفس الحكم يثبت في المقام؛ لأنّ أكثر أدلّة ردّ الحاكم لليمين _ لدى نكول المنكر _ على المدّعي تشمل المورد أيضاً وتدل على ردّ اليمين فيه إلى المدّعي، فإنّ عمدة أدلّة ردّ اليمين لدى نكول المنكر ما يلي:
1_ رواية تردّ اليمين على المدّعي(2).
2_ رواية «أضفهم إلى اسمي»(3).
3_ كون الأصل مع المنكر، فالحكم عليه قبل يمين المدّعي خلاف الأصل.
والوجه الثاني والثالث يشملان المورد _ كما هو واضح _، والوجه الأول أيضاً قد
(1) وسائل الشيعة، ج18، ص167، الباب الأول من كيفيّة الحكم، ح1.
(2) نفس المصدر، ص 176، ح3.
(3) نفس المصدر، ص167، ح1.
يقال بشمول إطلاقه للمقام وإن كان بالإمكان المناقشة في إطلاقه باعتبار أنّ قوله: «تردّ اليمين إلى المدّعي» يشتمل على محذوف، أي: تردّ اليمين على المدّعي في الحالات الفلانيّة، وافتراض أنّ من تلك الحالات فرض سكوت المنكر عن أصل الجواب غير واضح؛ لأنّ حذف المتعلّق لا يفيد العموم في فرض وجود مناسبة لانصرافه إلى غير المورد المطلوب، وندرة فرض السكوت كافيةً لمناسبة من هذا القبيل.
والتحقيق أن يقال: إنّ احتمال تحوّل الساكت إلى المدّعي في نفس النزاع لو نطق غير وارد إطلاقاً، وإنّما الوارد هو احتمال تحوّله إلى المقرّ، واحتمال بقائه منكراً، وتوضيح ذلك: إنّ المدّعي حينما ادّعى عليه الدين كانت دعواه منحلّةً في الحقيقة إلى دعويين: الأُولى _ دعوى الإقراض _ مثلاً _. والثانية _ دعوى عدم الأداء. وصاحبه لو أنكر الإقراض لم تصل النوبة إلى البحث عن الأداء: وكان الأول مدّعياً والثاني منكراً. ولو أقرّ بالإقراض وادّعى الأداء انتهى النزاع الأول، وتركّز النزاع على مسألة الأداء وعدمه، فالأوّل منكر والثاني مدّعٍ، ولو سكت نهائيّاً عن الكلام فعلى الحاكم أن يصفّي أوّلاً حساب الإقراض، فإن ثبت لديه الإقراض وصلت النوبة إلى تصفية حساب الأداء، وإلا فلا موضوع للنزاع الثاني، وهذا الساكت بالنسبة للدعوى الأُولى يستحيل تحويله _ لو نطق _ إلى المدّعي، بل إمّا سيكون منكراً، أو مقرّاً، فصحّ القول بأنّ الساكت كالناكل أو أشدّ، فإن قلنا في الناكل بالحكم عليه من دون تحليف المدّعي قلنا به هنا أيضاً، وإن قلنا بتحليف المدّعي قلنا به هنا أيضاً. هذا لو آمنّا بانحلال دعوى الدين إلى دعوى سبب الدين ودعوى عدم الأداء، أو صرّح المدّعي بالسبب وبعدم الأداء. أمّا لو لم يصرّح بذلك، ولم نقل بالانحلال، فهنا دعوى المدّعي عبارة عن كون المدّعى عليه مديناً له، والمدّعى عليه أيضاً سوف لن يتحوّل بالإجابة على نصّ الدعوى إلى المدّعي، بل إمّا أن يقرّ بالدين أو ينكره، وإنّما
يتحوّل إلى المدّعي لو فصّل بأكثر من نصّ الدعوى، فقال: كنت مديناً له ثم وفّيت، وهذا أيضاً يعني في الحقيقة تحوّل النزاع من كونه نزاعاً على الدين إلى نزاع جديد، وهو النزاع على الوفاء، لا تحوّلاً للمنكر إلى المدّعي في نفس النزاع الأول. إذاً فسكوته في النزاع الأول كالنكول أو أشدّ؛ إذ كان عليه على تقدير الإجابة أن يقرّ أو ينكر، ويحلف على الإنكار.
وكلّ ما ذكرناه حتى الآن كان في فرض ما إذا لم يكن ظهور عمل الساكت _ كإبائه عن أداء الدين مثلاً _ دالاً عرفاً على إنكاره لما ادّعاه الخصم، وإلا كان هذا مصداقاً حقيقيّاً للناكل، وَلَحِقَهُ حكمُه بوضوح.
وقد يفترض أنّ المدّعى عليه يصرّح بالإنكار، أو يدل ظهور عمله على الإنكار، لكن لم يكن ذلك إنكاراً لما ادّعى عليه المدّعي من إقراضه إيّاه مثلاً، وإنّما كان إنكاراً للنتيجة وهي كونه مديناً له، كما لو خشي المدّعى عليه أنّه لو تكلّم حول الإقراض لتحوّل إلى رجل كاذب فيما لو أنكر الإقراض، أو الى المدّعي في النزاع الثاني فيما لو اعترف بالإقراض وادّعى أداء الدين، فرأى أن يقتصر على مجرّد إنكار كونه مديناً له، فهل يلحق هذا بالساكت؛ لأنّه سكت عن دعوى الإقراض، أو يعتبر منكراً؛ لأنّه أنكر كونه مديناً؟ الظاهر هو الأول؛ لأنّ النزاع _ كما عرفت _ يدور أوّلاً حول الإقراض، فلو ثبت الإقراض دار النزاع حول الأداء، وهو بالنسبة للنزاع الأول ساكت، وقد عرفت أنّ الساكت حكمه حكم الناكل.
وأمّا لو قال: إنّني غير عالم بالإقراض، وإنّما أنا عالم بأنّي لست مديناً له، وهذا يعني: إمّا أنّه لم يقرضني، أو أنّي قد وفيتُ الدين، فهل يكفيه الحلف على عدم الدين، أو يدخل هذا فيما يأتي _ إن شاء اللّه _ من مسألة إنكار المنكر للعلم بما يدّعيه المدّعي؟ الظاهر هو الثاني؛ لما عرفت من أنّ النزاع في الأداء إنّما تصل النوبة
إليه بعد فرض ثبوت القرض، فالنزاع أوّلاً يتركّز على القرض وهو ينكر العلم به.
وعلى أيّ حال فنحن حتى الآن فرضنا أنّ الساكت غير الناكل، فبحثنا عن مدى إلحاق الساكت بالناكل في الحكم إمّا لكون أدّلة حكم الناكل شاملةً للساكت، أو للتعدّي إليه بمثل الأولويّة، أو المساواة في الفهم العرفي.
والآن نريد أن نقول: إنّ الساكت الممتنع عن الحلف وعن ردّ الحلف على المدّعي ناكلٌ حقيقةً، فيشمله حكمه جزماً، وذلك لأنّ أدلّة اليمين لم يرد فيها عنوان أنّ اليمين على المنكر؛ حتى يقال: إنّ الساكت ليس منكراً، فلم تثبت عليه اليمين كي يكون ناكلاً، وإنّما ورد فيها: أنّ اليمين على المدعى عليه(1)، وهذا الساكت مدّعىً عليه بلا إشكال، فعليه اليمين، فإذا لم يحلف ولم يردّ اليمين كان ناكلاً لا محالة، كما أنّ بعض أدلّة الحكم على الناكل بمجرّد نكوله كان قد أُخذ فيه عنوان المدّعى عليه.
اليمين بين المتداعيين
البحث الثاني _ كيف يدار اليمين بين المتداعيين؟
قد مضى منّا خلال بحث البيّنة في المتداعيين ذكر مواطن تحليفهما، أو تحليف أحدهما، ففي مواطن تحليفهما لا مورد للبحث عن أنّه كيف يدار اليمين بينهما؛ إذ إنّ المفروض تحليفهما معاً، وفي مواطن تحليف أحدهما الذي يعيّن بالقرعة، أو بأكثريّة عدد البيّنة التي يمتلكها يكون المفهوم عرفاً من دليل توجيه الحلف إليه أنّه بمنزلة المنكر، فيدار اليمين بينه وبين صاحبه بالنحو الذي عرفته من كيفيّة دوران اليمين بينه وبين المنكر.
(1) راجع وسائل الشيعة، ج18، الباب 3 من كيفيّة الحكم.
كيفية الإحلاف
البحث الثالث _ في كيفيّة الإحلاف.
ونبحث في ذلك مسائل ثلاثاً:
1_ بأيّ اسم يقع التحليف؟
2_ مدى دخول التوكيل في التحليف أو الحلف.
3_ ما هو متعلّق الحلف؟
بأيّ اسم يقع التحليف؟
المسألة الأُولى: بأيّ اسم يقع التحليف؟
لا خلاف _ في الجملة _ في أنّ التحليف في باب القضاء يجب أن يكون تحليفاً باللّه تعالى.
وقد يستدلّ على ذلك بروايات كثيرة واردة في النهي عن الحلف بغير اللّه من قبيل: ما عن علي بن مهزيار _ بسند تام _ قال: «قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) جُعلت فداك في قول اللّه (عزوجل):﴿وَاَللَّيْلِ إِذٰا يَغْشىٰ﴿وَاَلنَّهٰارِ إِذٰا تَجَلّٰى﴾(1)، وقوله(عزوجل): ﴿وَالنَّجْمِ إِذٰا هَوىٰ﴾(2)، وما أشبه هذا؟ فقال: إنّ اللّه (عزوجل) يقسم من خلقه بما شاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به (عزوجل)»(3).
وما عن محمد بن مسلم قال: «قلت لأبي جعفر(عليه السلام) قول اللّه (عزوجل): «والليل إذا يغشى»، «والنجم إذا هوى»، وما أشبه ذلك؟ فقال: إنّ للّه (عزوجل) أن يقسم من خلقه
(1) والليل: 2_1 .
(2) والنجم:1.
(3) وسائل الشيعة، ج16، ص159، الباب 30 من كتاب الأيمان، ح1.
بما شاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به»(1). وغيرهما من الروايات(2).
ووجه الاستدلال بهذه الروايات هو دعوى انصراف أدلّة نفوذ اليمين في القضاء إلى اليمين المشروع وغير المحرَّم، فإذا ضممنا ذلك إلى حرمة الحلف بغير اللّه المستفادة من هذه الروايات ثبت المطلوب.
ولكن هذه الروايات معارضة بروايات أُخرى دلّت على جواز الحلف بغير اللّه، من قبيل ما عن أبي جرير القمّي _ بسند تام _ قال: «قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك قد عرفت انقطاعي إلى أبيك ثم إليك، ثم حلفت له وحقّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) وحقّ فلان وفلان حتى انتهيت إليه أنّه لا يخرج ما تخبرني به إلى أحد من الناس، وسألته عن أبيه: أحيّ هو أم ميّت؟ قال: قد واللّه مات. إلى أن قال: قلت: فأنت الإمام؟ قال: نعم»(3).
و ما عن علي بن مهزيار _ بسند تام _ قال: «قرأت في كتاب أبي جعفر (عليه السلام) إلى داود بن القاسم: أنّي قد جئتك وحياتك»(4) وغيرهما من الروايات(5).
والجمع بينهما بحمل النواهي على عدم نفوذ الحلف في القضاء غير عرفي، خاصّةً بالنسبة لما ورد في المقايسة بين قسم اللّه وقسم مخلوقاته.
والجمع بينهما بحمل النهي على الكراهة أو فرض تعارضهما وتساقطهما يبطل الاستدلال بروايات النهي على المقصود، كما أنّ بالإمكان إبطال دلالة روايات النهي
(1) نفس المصدر، ص160، ح3.
(2) راجع نفس المصدر، الباب 6 و30 و31 .
(3) نفس المصدر، الباب 30 من كتاب الأيمان، ح7.
(4) نفس المصدر، ص163، ح14.
(5) راجع نفس الباب.
على الحرمة أيضاً باحتمال اكتنافها بقرينة لبيّة كالمتصل توجب الحمل على الكراهة، وهي ثبوت سيرة المتشرعة وقتئذٍ _ كما في يومنا هذا _ على الحلف للتأكيد على الكلام في غير القضاء بغير اللّه، وهذه قرينة يغفل عن ذكرها عادةً، فليس ترك ذكرها خيانةً من قِبَلِ الراوي الثقة، ولا نؤمن بأصالة عدم القرينة كأصل مستقل. وبهذا يبطل الاستدلال أيضاً بهذه الروايات على عدم نفوذ اليمين بغير اللّه في القضاء.
وهناك طائفة أُخرى من الروايات قد يستدلّ بها على المقصود، وهي روايات النهي عن تحليف الكتابيّين بغير اللّه، من قبيل ما عن سليمان بن خالد _ بسند تام _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «لا يحلف اليهودي ولا النصراني ولا المجوسي بغير اللّه؛ إنّ اللّه (عزوجل) يقول: «فاحكم بينهم بما أنزل اللّه»(1).
وما عن الحلبي _ بسند تام _ قال: «سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن أهل الملل يُستحلفون؟ فقال: لا تحلّفوهم إلا باللّه (عزوجل)»(2).
وما عن سماعة _ بسند تام _ قال: «سألته هل يصلح لأحد أن يحلِّف أحداً من اليهود والنصارى والمجوس بآلهتهم؟ قال: لا يصلح لأحد أنّ يحلّف أحداً إلا باللّه (عزوجل)»(3).
وما عن جراح المدائني عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «لا يحلف بغير اللّه» وقال: «اليهودي والنصراني والمجوسي لا تحلّفوهم إلا باللّه (عزوجل)»(4).
إلا أنّ هذه الروايات معارضة بما دلّ على جواز تحليف الكتابيّين بما يعتقدون به في الحلف من قبيل:
(1) وسائل الشيعة، ج16، ص164، الباب 32 من كتاب الأيمان، ح1.
(2) نفس المصدر، ص165 _ 167، ح2 و6 و14 على اختلاف يسير في العبارة.
(3) نفس المصدر، ص165، ح5.
(4) نفس المصدر، ص164، ح2.
1_ ما عن السكوني _ بسند غير تام _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام) «أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) استحلف يهودياً بالتوراة التي أُنزلت على موسى (عليه السلام)»(1).
2_ وما عن محمد بن مسلم _ بسند تام _ عن أحدهما (عليهماالسلام) قال: «سألته عن الأحكام، فقال: في كلّ دين ما يستحلفون به»(2).
3_ وما عن محمد بن قيس قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: قضى علي (عليه السلام) فيمن أستحلف أهل الكتاب بيمين صبر: أن يُستحلف بكتابه وملّته»(3).
4_ وما عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه: «أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يستحلف اليهود والنصارى بكتابهم ويستحلف المجوس ببيوت نيرانهم»(4).
وجمع السيد الخوئي بين الطائفتين بحمل النهي على التحليف بغير ما جرت عادتهم بالحلف به تقييداً لطائفة النهي بطائفة جواز تحليفهم بما يحلفون به عادةً(5)، إلا أنّ هذا الجمع لا يناسب التعليل الوارد في حديث سليمان بن خالد، بل لا يناسب جميع روايات النهي؛ فإنها ناظرة عادةً إلى ما جرت عادتهم على الحلف به، وحملُها على تحليفهم بخصوص ما لم يعتادوا في دينهم الحلفَ به ليس عرفياً.
ثم جمع بينهما _ بعد فرض التنزُّل عن الجمع الأول _ بحمل النهي على الكراهة. وهذا أيضاً لا يناسب التعليل الوارد في حديث سليمان بن خالد. ولو تمّ هذا الجمع سقط الاستدلال بروايات النهي على المقصود من عدم صحّة الحلف بغير اللّه. وهذا
(1) وسائل الشيعة، ج16، ص165، الباب 32 من كتاب الأيمان، ح4.
(2) نفس المصدر، ص166، ح7 و9، مضمراً.
(3) نفس المصدر، ص166، ح8.
(4) نفس المصدر، ص166، ح12.
(5) راجع مباني تكملة المنهاج، ج1، ص26.
ليس إشكالاً على السيد الخوئي؛ لأنّه لم يذكر في كتابه الاستدلال بروايات النهي عن تحليف الكتابي بغير اللّه على عدم صحّة الحلف بغير اللّه.
وذكر السيد الخوئي في مسألة جواز تحليف الكتابي بما يعتقد به في دينه: أنّه لو تعارضت الطائفتان وتساقطتا رجعنا إلى إطلاق أدلّة القضاء بالأيمان.
أقول: احتمال انصراف أدلّة القضاء بالأيمان إلى الحلف باللّه بالارتكاز موجود، وخاصّةً بعد وضوح عدم نفوذ الحلف بكلّ شيء، وهذا ليس من القرائن التي يمكن نفيها بأصالة عدم القرينة؛ بناءً على ما هو الحقّ من أنّ أصالة عدم القرينة ترجع في روحها إلى كون حذفها خيانةً تُنفى بأمانة الناقل؛ فإنّ ترك نقل الارتكاز لا يعدّ خيانةً.
ويمكن الاستدلال على اشتراط كون الحلف في القضاء باللّه برواية السكوني قال: «إذا قال الرجل: أقسمت أو حلفت فليس بشيء حتى يقول: أقسمت باللّه أو حلفت باللّه»(1)، بناءً على أنّ قوله: «ليس بشيء» ينفي _ ولو بإطلاقه _ الأثر القضائي، إلا أنّ سند الحديث ضعيف بالنوفلي.
والصحيح: أنّ الحلف في القضاء لابدّ أن يكون باللّه تعالى، والدليل على ذلك أمران:
الأول _ رواية سليمان بن خالد التامّة سنداً عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «في كتاب علي (عليه السلام): أنّ نبيّاً من الأنبياء شكا إلى ربّه فقال: يا ربّ كيف أقضي فيما لم أَرَ ولم أشهد؟ قال: فأوحى اللّه إليه: احكم بينهم بكتابي وأضفهم إلى اسمي فحلّفهم به، وقال: هذا لمن لم تقم له بيّنة»(2).
(1) وسائل الشيعة، ج16، ص142، الباب 15 من كتاب الأيمان، ح3.
(2) نفس المصدر، ج18، ص167، الباب الأول من كيفيّة الحكم، ح1.
والثاني _ الأصل؛ لأنّ نفوذ الحلف باللّه في القضاء لا شكّ فيه، أمّا نفوذ الحلف بغير اللّه فلو شككنا فيه كان مقتضى الأصل عدم النفوذ.
لا يقال: إنّ الأصل في طرف المنكر يقتضي جواز الحلف بغير اللّه؛ لأنّ المنكر كلامه مطابق للأصل، ومقتضى حجّية أصل المنكر على الحاكم جواز حكمه لصالح المنكر بلا تحليف أصلاً، ولكن ثبت قيد التحليف بالنصّ، وهذا القيد مردّد بين الأقلّ _ وهو مطلق التحليف _ والأكثر _ وهو التحليف باللّه _. ومن الواضح أنّه متى ما دار الأمر في المقيّد المنفصل بين الأقلّ والأكثر يقتصر على الأقلّ.
فإنّه يقال: إنّ المفهوم عرفاً من دليل تحليف المنكر أنّ الحجّة القضائية _ في غير مورد النكول على الأقلّ _ إنّما هي اليمين، أو أنّ اليمين _ على الأقلّ _ جزء الحجّة، ولم يعدّ أصل المنكر وحده حجّةً بالحجّية القضائية، واليمين الحجّة تردّد أمرها بين الحلف باللّه ومطلق الحلف، والقدر المتيقن هو الحلف باللّه، وما عداه مشكوك الحجّية والنفوذ، والأصل عدم الحجّية والنفوذ، ولم تكن اليمين مجرّد قيد للحجّية القضائية للأصل حتى ننفي القيد الزائد _ وهو خصوص الحلف باللّه _ بالإطلاق. هذا كلّه في المسلم.
وأمّا الكتابي فهو باعتبار إيمانه باللّه يكون مشمولاً لإطلاق رواية سليمان بن خالد: «أضفهم إلى اسمي، وحلّفهم به»، وكذلك الأصل الذي ذكرناه يقتضي تحليفه باللّه، وروايات تحليفه بغير اللّه قد عرفت ابتلاءها بالمعارض مع عدم تماميّة جمع عرفي.
أمّا غير الكتابي فباعتبار عدم مصونيّة دمه وماله لا تصل النوبة إلى القضاء له من قبل قاضي المسلمين في غالب الأحيان، ولكن مع ذلك قد تصل النوبة إلى القضاء في بعض الموارد:
منها: ما لو كان في أمان بتعاهد معيّن مع المسلمين في ماله ونفسه، فوقع النزاع
بينه وبين مسلم في مال معيّن هل هو له أو للمسلم، فتحاكما إلى قاضي المسلمين. أمّا التحاكم على مثل الجرح والقطع أو إتلاف المال مثلاً فقد يقال: لا مورد للقضاء فيه لعدم مصونيّة له بمعنى يوجب الضمان، غاية ما هناك الحرمة التكليفيّة لأكل ماله أو للجرح أو القطع لكونه في أمان، أو لافتراض أنّ إيذاءه بالجرح والقطع من قبل فرد مسلم غير جائز حتى لولا الأمان؛ لأنّ عدم مصونيّته في هذه الأمور يعني عدم ضمان الدية، لا جواز الإيذاء تكليفيّاً، ومجرّد الحرمة التكليفيّة لا تكفي موضوعاً للقضاء إلا في المال الخارجي الذي يترتّب على ملكيّة الكافر له وجوب تسليمه إليه ما دام في أمان.
ومنها: ما لو وقع النزاع بينه وبين كافر آخر مثله بناءً على أنّ هدر دمه أو ماله إنّما هو في مقابل المسلم، لا في مقابل كافر آخر مثله، وتحاكما عند قاضي المسلمين، والقاضي وإن لم يجب عليه حفظ ماله بالقضاء؛ لأنّه ليس تحت أمان المسلمين، لكن هذا لا يحرّم عليه القضاء، فرغب أن يقضي بينهما بالحقّ.
وعلى أيّ حال ففي مورد من هذا القبيل لو وصلت النوبة إلى يمين الكافر ولم يكن مؤمناً باللّه تعالى فإحلافه باللّه لا موضوع له؛ إذ لا يشكّل إحراجاً بالنسبة إليه، والمتبادر عرفاً من دليل القضاء باليمين هي اليمين التي من شأنها إحراج الحالف.
ولا يبعد القول هنا بأنّ مقتضى إطلاق دليل القضاء باليمين هو تحليفه بما يعتقد به، ولو لم يعتقد بشيء لا سبيل إلى القضاء له باليمين، وليس ذلك مشكلةً في المقام؛ لأنّ القضاء له من قبل القاضي غير واجب، ولو كان في أمان فأمانه لا يشمل القضاء له بوجه غير مشروع، فعدم إمكان إثبات حقّه يكون لتقصير منه لا من قاضي المسلمين.
التوكيل في الحلف والتحليف
المسألة الثانية _ مدى دخول التوكيل في الحلف أو التحليف:
لا ينبغي الإشكال في عدم قبول الحلف للتوكيل، فإنّ الأدلّة دلّت على تحليف المنكر مثلاً، وحلف الوكيل لا ينسب إلى الموكّل حقيقةً كما في الاعتباريات من قبيل البيع، حيث ينسب بيع الوكيل إلى الموكّل حقيقةً.
نعم، قد يدّعى في مثل القبض أو الإحياء دخول التوكيل فيه رغم عدم انتساب قبض الوكيل أو إحيائه إلى الموكّل حقيقةً، وذلك بدعوى قيام السيرة على ذلك، ولكن من الواضح عدم سيرة من هذا القبيل في باب الحلف.
وأمّا التوكيل في باب التحليف فإن قصد به أن يطلب الحاكم من شخص آخر توجيه الحلف إلى المنكر _ مثلاً _ أمام الحاكم، فالظاهر أنّ هذا لا إشكال فيه فإنّ التحليف وإن كان وظيفة الحاكم، لكن لا يفهم عرفاً من تحليف الحاكم عدا أن يكون الحلف موجّهاً إلى الحالف بأمر الحاكم وبسماعٍ منه ولو كان الأمر بالواسطة؛ فإنّ طلب الحاكم من غيره تحليفَ المنكر، يعني في الحقيقة طلب الحلف من المنكر من قبل الحاكم من قبيل الأمر بالأمر الذي يكون الهدف الأصلي منه طلب متعلّق الأمر، لا الأمر بالأمر الذي يكون الهدف الأصلي منه طلب ذات الأمر.
وإن قصد به توكيل أحد لتحليفه في غياب الحاكم ومن دون سماعه فالظاهر أنّ هذا لا يصدق عليه تحليف الحاكم، والقدر المتيقّن من نفوذه إنّما هو تحليف الحاكم المفهوم من قوله: «حلِّفهم به»(1)، فإنّ سماع المحلِّف مقوِّم عرفاً لما يفهم من كلمة التحليف، ولو بمناسبات الحكم والموضوع.
(1) وسائل الشيعة، ج18، ص167، الباب الأول من كيفيّة الحكم، ح1.
تحديد متعلّق الحلف
المسألة الثالثة _ في ما هو متعلَّق الحلف:
لا إشكال في الجملة في أنّ متعلَّق الحلف هو الأمر المتنازع فيه، فالمنكر _ مثلاً _ يحلف على نفيه أو على نفي العلم به، أما لو عُلم أنّه ورّى في حلفه فلا قيمة لهذا الحلف؛ إذ المفهوم عرفاً من أدلّة تحليف المنكر _ مثلاً _ إنّما هو التحليف على نفس القضيّة المتنازع فيها كما هو واضح.
واستدلّ السيد الخوئي على سقوط الحلف لو عُلم بالتورية _ إضافةً إلى ما مضى _ بما ورد عن إسماعيل بن سعد الأشعري _ بسند تام _ عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل حلف وضميره على غير ما حلف؟ قال: اليمين على الضمير» ورواه الصدوق باسناده عن إسماعيل بن سعد وزاد: «يعني على ضمير المظلوم»(1).
وبما أنّ هذا التفسير قد يجعل الحديث دالّاً على عكس المقصود، أو على الأقلّ يجعله غير دالٍّ على المقصود حاول السيد الخوئي التخلّص منه تارةً باحتمال كون هذا التفسير من الشيخ الصدوق (رحمه الله) ولا حجّية فيه، وأُخرى بأنّ سند الصدوق إلى إسماعيل بن سعد مجهول. واستدلّ أيضاً بما عن صفوان بن يحيى _ بسند تام _ قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يحلف وضميره على غير ما حلف عليه؟ قال: «اليمين على الضمير»(2).
أقول: الظاهر أنّ الحديثين أجنبيّان عمّا نحن فيه ولا يدلّان على المقصود ولا على عكس المقصود، فإنّ عدم ذكر فرض النزاع أو المرافعة أو القضاء في الحديث يجعل
(1) وسائل الشيعة، ج16، ص149، الباب 21 من الأيمان، ح1.
(2) نفس المصدر، ص150، ح2. وكلام السيد الخوئي في المقام موجود في مباني تكملة المنهاج، ج1، ص 27 _ 28.
المفهوم عرفاً منه كون السؤال عن أنّ الحالف لو جرى على لسانه خطأً الحلفُ على غير ما كان يقصده، فهل ينعقد الحلف على ما كان يقصد أو على ما نطق به؟ وكان الجواب أنّه ينعقد على ما كان يقصد، أمّا فرض النزاع والمرافعة والقضاء فيعتبر بحاجة إلى مؤونة زائدة في البيان.
وأمّا تفسير ذلك في ذيل الحديث الأول بأنّه «يعني: على ضمير المظلوم»، فإن كان من الراوي وبياناً لما فهمه _ ولو بالقرينة _ من كلام الإمام (عليه السلام) فهذا يجعل الحديث أجنبيّاً عمّا نحن فيه، فلا يمكن حمله على نفي نفوذ الحلف في القضاء؛ لأنّ هذا يكون مضرّاً بالمظلوم لا في صالحه، وهذا لا يناسب لهجة: «على ضمير المظلوم»؛ فالظاهر أنّ المقصود هو أنّهما لو ترافعا إلى القاضي وظلمه صاحبه بيمين فاجرة، وورّى في يمينه كي ينجو من إثم اليمين الفاجرة، فهو لم ينج من إثمها؛ لأنّ اليمين تحسب عنداللّه على ضمير المظلوم؛ أي أنّ عليه عقاب اليمين الكاذبة على ما تنازع فيه مع المظلوم، ولو كان هو مظلوماً وترافعا عند حاكم الجور فحلف مورّياً لم يُبتلَ بإثم اليمين الفاجرة؛ لأنّ اليمين على ضمير المظلوم، فهذا نظير ما ورد عن مسعدة بن صدقة قال : «سمعت أبا عبداللّه (عليه السلام) يقول وسئل عمّا يجوز وعمّا لا يجوز من النيّة والإضمار في اليمين فقال: يجوز في موضع، ولا يجوز في آخر، فأمّا ما يجوز فإذا كان مظلوماً فما حلف به ونوى اليمين فعلى نيّته، وأمّا إذا كان ظالماً فاليمين على نيّه المظلوم»(1).
وعلى أيّ حال فلا ينبغي الإشكال في أنّ التورية لو عُلمت أوجبت عدم الاعتناء بما وقع من اليمين، وأن اليمين يجب أن تكون على المتنازع فيه.
(1) نفس المصدر، ص149، الباب 20 من الأيمان، الحديث الوحيد في الباب.
اليمين على نفي العلم
ولكنّ الكلام يقع في أنّ اليمين هل يجب أن تكون على نفي المتنازع فيه أو إثباته مباشرةً، أو يجوز أن تكون على نفي العلم بالواقع؟
ولا إشكال في طرف المدّعي حين تردّ عليه اليمين أنّ عليه اليمين على الواقع لا على نفي العلم، فلو قلنا بصحّة رفع الدعوى من دون جزم من قبل المدّعي، فرفع الدعوى وهو شاكّ، وقلنا بجواز ردّ المنكر اليمين عليه، يتعيّن عليه النكول، ولا يفيده الحلف على نفي العلم؛ لأنّ نفي العلم لا يثبت الحقّ له كي يحكم الحاكم لصالحه لمجرّد حلفه على نفي العلم كما هو واضح.
فالكلام إنّما يقع في طرف المنكر الذي قد يقال بأنّه يكفيه نفي العلم؛ لأنّ الأصل معه، فهل الصحيح كفاية نفي العلم والحلف عليه، أو لابدّ أن يكون الحلف على نفي الواقع، ولو كان شاكاً تعيّن عليه ردّ اليمين أو النكول، أو يفصّل بين ما لو ادّعى العلم فيحلف على نفي الواقع، أو ادّعى الشكّ فيحلف على نفي العلم؟
قد يستدلّ على اشتراط كون الحلف على نفي الواقع ببعض الروايات من قبيل:
1_ رواية محمد بن مسلم التامّة سنداً في الأخرس المشتملة على قصّة كتابة أمير المؤمنين (عليه السلام) الحلف على نفي الواقع وغَسله، وأمر الأخرس بشرب مائه، فامتنع، فألزمه الدين(1).
ويرد عليه: أوّلاً _ أنّه لعلّ الأخرس كان يدّعي الجزم بالواقع، فلا يدل الحديث _ في صورة ما لو كان المنكر مدّعياً للشكّ _ على عدم كفاية الحلف على نفي العلم وضرورة ردّه للقسم أو نكوله.
(1) وسائل الشيعة، ج18، ص222، الباب 33 من كيفيّة الحكم، ح1.