المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

683

أنّ هذا يدل على أنّه يجب على المنكر أحد الأمور الثلاثة: اليمين، أو الاستسلام للحقّ الذي يدعيه المدّعي، أو ردّ اليمين إلى المدّعي. والسكوت يعني مخالفة هذا الجواب، فيجبر على كسر السكوت، أو يضرب تعزيراً مثلاً، إلا أنّ هذا ضعيف سنداً بياسين الضرير، وغير تام دلالةً أيضاً؛ إذ من المحتمل كون صيغة «يردّ» مبنية للمفعول، أي: تردّ اليمين إلى المدّعي ولو من قبل الحاكم، وعندئذٍ فالحديث لم يدل على وجوب الجامع بين الأمور الثلاثة على المنكر. وبعد تسليم كون «يردّ» بصيغة المبني للفاعل نقول: من المحتمل كون المقصود بقوله: «الحقّ» أنّ الحاكم يحكم _ على تقدير نكوله عن اليمين بلا ردّ _ بكون الحقّ للمدّعي، لا أنّ المنكر هو يستسلم للحقّ، فأيضاً لم يدل الحديث على وجوب الجامع بين الأمور الثلاثة عليه.

والحاصل أنّه لا دليل على وجوب الجواب على المنكر، وكون سكوته حراماً يجبر على كسره بحبس أو بضرب أو غير ذلك.

نعم، قد يقال: إنّ إصراره على السكوت يجعله بحكم الناكل، فيلتحق في الحكم بالبحث الماضي، وذلك لأنّ الذي نكل عن اليمين فحسب لئن حكم عليه بإعطاء الحقّ للمدّعي أو بتوجيه الحلف من قبل الحاكم إلى المدّعي، فهذا الذي سكت عن أصل الجواب وعن الحلف يكون أولى بذلك.

وقد يقال في مقابل هذا الكلام: إنّ الأولويّة ممنوعة ما دمنا نحتمل أنّه لو تكلّم لخرج عن كونه منكراً وأصبح مدّعياً لا يمين عليه، كما لو ادّعى عليه زيد: أنّه مدين له بكذا بإقراضه إيّاه، فسكت المدّعى عليه؛ لأنّه كان يعتقد أداءه للدين، فرأى أنّه لو أنكر أصل الدين كان كاذباً، ولو أجاب بدعوى الأداء أصبح مدّعياً، فاختار السكوت، فمع احتمال من هذا القبيل كيف نفترض أنّه أولى من الناكل في حكم النكول؟!