المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

679

نفوذ حكم الحاكم.

وقد اتّضح بمجموع ما ذكرناه أنّ الأقوى أنّ نكول المنكر لا يكفي للحكم عليه، بل يردّ الحاكم اليمين على المدّعي، فإن حلف أخذ الحقّ، وإلا ثبت الحقّ للمنكر.

وهذا لا يعني ما ينافي بحثنا السابق حيث أثبتنا هناك أنّ الحاكم لا يستبدّ بالتحليف، وإنّما التحليف يكون بموافقة من هو المحروم فعلاً من الحقّ المتنازع عليه، فنحن ما زلنا على هذا الكلام، فلو أنّ المنكر كان هو المحروم فعلاً من الحقّ المتنازع فيه، فأراد أن لا يحلف ولا يردّ الحلف، بل يؤجّل الدعوى من دون أن يأخذ الحقّ من المدّعي، كان له ذلك، أمّا لو ما يكن هو المحروم من الحقّ المتنازع فيه أو لم يوافق على التأجيل وقد نكل عن الحلف، فهنا يردّ الحاكم اليمين على المدّعي.

ولو رُدّ اليمينُ على المدّعي فحلف ثم أقام المنكر البيّنة، فبناءً على رأينا من أنّ المنكر لا يكتفى منه بالبيّنة، من الواضح أنّ الحكم سوف يكون وفقاً ليمين المدّعي، أمّا بناءً على أنّ بيّنة المنكر كبيّنة المدّعي تكفي للحكم على طبقها قد يقال: إنّ بيّنة المنكر تُلغي يمين المدّعي؛ لأنّها تثبت الحقّ، والحاكم يجب أن يحكم بالحقّ، والمتفاهم عرفاً بمناسبات الحكم والموضوع أنّ اليمين إنّما جعل على المدّعي بعد العجز عمّا يثبت الحقّ.

وقد يقال: إنّ الحكم سيكون وفق يمين المدّعي لا بيّنة المنكر، إمّا بدعوى أنّ المفهوم عرفاً من دليل ردّ اليمين على المدّعي هو ردّ يمين المنكر بكلّ خصائصها عليه، ومن خصائصها إسقاط حقّ الخصم بحيث ليست له بعد ذلك إقامة البيّنة، وإمّا بدعوى أنّ دليل حجّية البيّنة لا إطلاق له إلا بمعونة الارتكاز العرفي، ولئن سلّمنا موافقة الارتكاز العرفي لسماع البيّنة من المنكر لا نسلّم بها بعد تحليف المدّعي.

ثم إنّ المنكر لو ردّ اليمين أو نكل، ثم بذل اليمين قبل حلف المدّعي، حكم الحاكم وفق يمينه؛ لشمول إطلاقات أدلّة يمين المنكر لذلك.