113

 

قدرته (عز وجل) واستغناؤه

 

تثبت القدرة المطلقة له عزّ وجلّ بنفس الأدلّة الثلاثة الماضية:

 

فأوّلاً ـ الدليل النقلي القطعي:

وأقتصر على ذكر عدد من الآيات التي اشتملت في مضمونها على الدليل العلمي للقدرة، قال الله تعالى:

1 ـ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَات وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الاَْمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْء عِلْماً﴾(1).

2 ـ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾(2).

3 ـ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِر عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِير﴾(3).

 

ثانياً ـ الدليل الفلسفي:

يمكن أن نستفيد هنا من برهان الصدّيقين الذي استندنا إليه في إثبات الله تعالى وفي إثبات التوحيد، فإنّ الوجود المستقلّ لا حدّ له؛ لأنّ الحدّ يأتي من الماهية وهي أمر عدمي، فإذا لم يكن له حدّ كان كمالاً مطلقاً، والكمال


(1) س 65 الطلاق، الآية: 12.

(2) س 17 الإسراء، الآية: 99.

(3) س 46 الأحقاف، الآية: 33.

114

المطلق لا ضعف فيه ولا ينقصه شيء دخيل في القدرة، وبالتالي لا تنقصه القدرة ولايحتاج إلى شيء.

 

ثالثاً ـ الدليل العلمي:

وهو نفس الدليل العلمي الذي أثبتنا به وجود الله وأثبتنا به علمه وحكمته؛ إذ نقول: كيف يمكن هذا الخلق العظيم مع أوسع آيات القصد والتدبير، ومع أرقى ما يتصوّر من الإتقان والإحكام من دون قدرة واسعة لا يحدّها شيء؟! وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَات وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الاَْمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِير﴾ فالله هو الذي خلق السماوات السبع والأرض بقشورها أو الأرضين السبع ودبّر الأمر في كلّ سماء وأرض كما أشار إلى ذلك في هذه الآية بقوله: ﴿يَتَنَزَّلُ الاَْمْرُ بَيْنَهُنَّ﴾، وبقوله في آية اُخرى: ﴿يُدَبِّرُ الاَْمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الاَْرْض﴾(1)، وبقوله في آية ثالثة: ﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا﴾(2)، فلو قطع التدبير لحظة واحدة عن كلّ هذا لهلك العالم بأجمعه، وكلّ ما نراه أو نرى إشعاعاً منه من الكواكب والنجوم إنّما هي في السماء الدنيا؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَة الْكَوَاكِب﴾(3)، وقوله تعالى:﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيح﴾(4)، وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيح﴾(5). وهذه النجوم التي في السماء حسب التعبير المرويّ عن إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام): لها مدائن مثل المدائن التي في الأرض، مربوطة كلّ مدينة إلى عمود مربوط من


(1) س 32 السجدة، الآية: 5.

(2) س 41 فصّلت، الآية: 12.

(3) س 37 الصافّات، الآية: 6.

(4) س 41 فصّلت، الآية: 12.

(5) س 67 الملك، الآية: 5.

115

نور، طول ذلك العمود في السماء مسيرة مئتين وخمسين سنة(1)، ولعلّ المقصود بالعمود الرابط قوّتا الجاذبة والدافعة.

أقول: كلّ هذا ـ ونسبته إلى جميع آيات النظم والإحكام أقلّ من نسبة القطرة إلى البحر ـ أليس دليلاً على قدرة الله سبحانه التي لا يحدّها حدّ؟

وينفعنا في المقام ما مضى في بحث إثبات الصانع من حديث لنا حول دلائل القصد والحكمة فراجع.

وحاصل الكلام: أنّ الدليل العلمي على علم الله سبحانه وعلى قدرته هو عين الدليل العلمي على وجوده سبحانه، وهو عبارة عن دلائل القصد والحكمة المنبثّة في العالم أجمعه، ولا نريد أن ندخل في شرح ذلك؛ لأنّه مضى منّا في بحث إثبات الصانع قدر من البيان حول دلائل القصد والحكمة، فهنا نحيلك على ذاك البحث المشروح نسبيّاً، على الرغم من أنّ ما مضى لو قيس بواقع دلائل القصد والحكمة في العالم لكانت النسبة أضأل من نسبة القطرة إلى البحر، ونحيلك أيضاً على البحث الرائع الممتع لاُستاذنا الشهيد(قدس سره) في أواخر كتاب فلسفتنا تحت عنوان: «المادّة والوجدان» والذي ورد في أواخره قوله:

«وأخيراً فلنقف لحظة عند علم النفس لنطلّ على ميدان جديد من ميادين الإبداع الإلهي، ولنلاحظ من قضايا النفس بصورة خاصّة قضيّة الغرائز التي تنير للحيوانات طريقها وتسدّدها في خطواتها؛ فإنّها من آيات الوجدان البيّنات على أنّ تزويد الحيوان بتلك الغرائز صنع مدبّر حكيم وليس صدفة عابرة، وإلّا فمن علّم النحل بناء الخلايا المسدّسة الأشكال، وعلّم كلب البحر بناء السدود على الأنهار، وعلّم النمل المدهشات في إقامة مساكنه، بل من علّم ثعبان البحر


(1) تفسير البرهان 4: 15 نقلاً عن تفسير علي بن إبراهيم.

116

أن لا يضع بيضه إلّا في بقعة من قاع البحر تقرب نسبة الملح فيها 35% وتبعد عن سطح البحر بما لا يقلّ عن 1200 قدم، ففي هذه البقعة يحرص الثعبان على رمي بيضه حيث لا ينضج إلّا مع توافر هذين الشرطين؟

ومن الطريف ما يحكى من أنّ عالماً صنع جهازاً خاصّاً، وزوّده بالحرارة المناسبة وببخار الماء وسائر الشروط التي تتوفّر في عملية طبيعيّة لتوليد كتاكيت من البيض، ووضع فيه بيضاً ليحصل منه على دجاج، فلم يحصل على النتيجة المطلوبة، فعرف من ذلك أنّ دراسته لشرائط التوليد الطبيعي ليست كاملة، فأجرى تجارب اُخرى على الدجاجة حال احتضانها البيض، وبعد دقّة فائقة في الملاحظة والفحص اكتشف أنّ الدجاجة تقوم في ساعات معيّنة بتبديل وضع البيضة وتقليبها من جانب إلى جانب، فأجرى التجربة في جهازه الخاص مرّة اُخرى مع إجراء تلك العمليّة التي تعلّمها من الدجاجة فنجحت نجاحاً باهراً، فقل لي بوجدانك: من علّم الدجاجة هذا السرّ الذي خفي على ذلك العالم الكبير، أو من ألهمها هذه العمليّة الحكيمة التي لا يتم التوليد إلّا بها؟»(1).

 

إشكالان وجوابهما:

الأوّل: القدرة متقوّمة بالاختيار وقرائن النظم والتدبير والعظمة تنسجم مع الجبر أيضاً، فهل من دليل على الاختيار؟ وأقصد بذلك اختيار الله سبحانه وتعالى، أي إنّ البحث هنا بحث صغروي ولا علاقة له بالبحث الكبروي عن الجبر والاختيار، فلنفترض أنّنا قد انتهينا في بحث الجبر والاختيار من معقولية الاختيار وإبطال شبهات ضرورة الجبر، بل حتّى من البحث الصغروي لاختيار


(1) فلسفتنا: 347 ـ 348.

117

الإنسان بحجة: أنّ اختياره معلوم حضوريّ لنفوسنا أو محسوس لنا بالوجدان، فبعد كلّ هذا يبقى سؤال صغروي عمّا هو الدليل على أنّ الله سبحانه وتعالى فاعل بالاختيار؟

وبالإمكان أن يقال في المقام: إنّ الجبر نقص وهذا خلاف كمال الوجود المستقل الذي أثبتناه ببرهان الصدّيقين.

إلّا أنّ هذا يعتبر رجوعاً إلى برهان الصدّيقين، ونحن نبحث عن برهان مستقلّ عن ذاك البرهان.

والجواب: أنّه مضى منّا في إثبات حدوث العالم عدد من البراهين على حدوثه، وكان منها ما يرجع إلى استنباط العلم الحديث الذي اكتشف محدوديّة الطاقة الحراريّة للعالم، وأنّه متّجه إلى البرود باستمرار، وأنّه لو كان قديماً لكانت الطاقة الحراريّة والحركة الدائبة زائلتين منذ زمن طويل.

فإذا ثبت الحدوث ثبت الاختيار لله سبحانه وتعالى؛ لأنّه لو كان نشوء العالم منه كنشوء المعلول القهري من علّته لكان العالم قديماً بقدم علّته ولم يكن حادثاً.

الثاني: لو كانت قدرته سبحانه وتعالى مطلقة لزم من ذلك قدرته على مثل الجمع بين النقيضين وإدخال العالم من دون تصغيره في البيضة من دون تكبيرها، وما إلى ذلك من المستحيلات.

والجواب على ذلك: هو أنّ عدم شمول قدرته سبحانه وتعالى للمستحيلات الذاتيّة لا يعني نقصاً في قدرته، بل يعني أنّ المستحيل ليست له أرضيّة قبول القدرة، وعدم امتداد القدرة إلى ما ليست له قابليّة ذلك لا يعني تحديداً في طرف القدرة.

وقد ورد مثال إدخال العالم في البيضة من دون تكبير البيضة أو تصغير

118

العالم في بعض الروايات من قبيل:

1 ـ ما عن ابن اُذينة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «قيل لأمير المؤمنين(عليه السلام): هل يقدر ربّك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن تصغر الدنيا أو تكبر البيضة؟ قال: إنّ الله تبارك وتعالى لاينسب إلى العجز، والذي سألتني لا يكون»(1)، وكأنّ هذه الرواية إشارة إلى ما قلنا من أنّ تعلق القدرة بهذا المثال يعني تعلّقها بالمحال الذاتي، وهذا لا يكون لا لنقص في القدرة بل لعدم قابلية المحل.

2 ـ ما عن أبان بن عثمان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «جاء رجل إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)فقال: أيقدر الله أن يدخل الأرض في بيضة ولا تصغر الأرض ولا تكبر البيضة؟ فقال له: ويلك إنّ الله لا يوصف بالعجز، ومن أقدر ممّن يلطّف الأرض ويعظّم البيضة»(2)، وكأنّها أيضاً إشارة إلى نفس المعنى الذي ذكرناه، مضافاً إلى تنبيه وجدان السائل باعترافه الضمني بالقدرة غير المتناهية لله تعالى في سؤاله؛ حيث فرض قدرته على تصغير الأرض وتكبير البيضة، وركّز السؤال على إدخال الأرض في البيضة من دون تصغير وتكبير.

3 ـ ما عن البزنطي قال: «جاء رجل إلى الرضا(عليه السلام) فقال: هل يقدر ربّك أن يجعل السماوات والأرض وما بينهما في بيضة؟ قال: نعم وفي أصغر من البيضة وقد جعلها في عينك وهي أقل من البيضة؛ لأنّك إذا فتحتها عاينت السماء والأرض وما بينهما ولو شاء لأعماك عنها»(3).

وهذه الرواية يمكن أن تحمل على محمل تكلّم الإمام(عليه السلام) على مستوى فهم المخاطب السائل، وإلّا فمسألة الإبصار لا علاقة لها بدخول الوسيع في الضيّق،


(1) البحار 4: 143، الباب 4 من أبواب الصفات من كتاب التوحيد، الحديث 10.

(2) المصدر السابق، الحديث 11.

(3) المصدر السابق، الحديث 12.

119

وإنّما لها علاقة بإثبات تجرّد النفس البشريّة عن المادّة.

وتوضيح ذلك: أنّه لو فرض أنّ الإبصار عبارة عن وقوع شعاع خاصّ من العين على المرئي فهذا لا يعني دخول الوسيع في الضيّق، إلّا أنّ هذه الفرضيّة قد ثبت بطلانها علميّاً؛ حيث أثبت العلم أنّ الإبصار يتم بانعكاس الأشعّة الضوئيّة من المرئيّات على العين وليس العكس؛ ولذا قد تتم رؤية الشيء بعد فنائه فنحن لا نرى نجماً من نجوم السماء إلّا حين تصل الموجات الضوئيّة الصادرة عنه إلى الأرض بعد عدّة سنين من انطلاقها من مصدرها، فتقع على شبكيّة العين حتّى لو فرض زوال النجم من محلّه.

ولو فرض أنّ الإبصار يتمّ بدخول مادّة عن المرئي في العدسة أو في المخّ متحجّمة بحجم المادّة المرئيّة الواسعة خارجاً فهذا يعني دخول الوسيع في الضيّق، إلّا أنّه من المستحيلات الذاتيّة ولا يمكن أن يكون، فينحصر الأمر في أنّ عملية الإبصار ـ بالمعنى الذي يكون نوعاً من الإدراك لا بمعنى مجرّد وقوع شعاع على الباصرة ـ ليست إلّا أمراً مجرّداً عن المادّة، وبالتالي لا تقع إلّا على مركز مجرّد وهو النفس، أمّا إشعاع المادّة على الباصرة فإن هو إلّا مقدّمة علميّة للإدراك، فينحصر تصحيح هذه الرواية بحملها على التكلّم مع السائل بقدر فهمه(1)، فلعلّه لم يكن يستطيع أن يدرك أنّ عدم شمول القدرة للمستحيل لا يعني نقصاً في القدرة، فلو كان يسمع من الإمام(عليه السلام)ذلك لكان يشنّع على الموحّدين بأنّهم لا يستطيعون إثبات القدرة الكاملة لله، فأجابه بقدر إدراكه.

وقد ورد هذا المضمون أيضاً في رواية اُخرى طريفة وهي: «أنّ عبدالله الديصاني أتى هشام بن الحكم فقال له: ألك ربّ؟ فقال: بلى. قال: قادر؟ قال:


(1) راجع فلسفتنا: 362 ـ 364.

120

نعم قادر قاهر. قال: يقدر أن يدخل الدنيا كلّها في البيضة لا تكبر البيضة ولا تصغر الدنيا؟ فقال هشام: النظرة. فقال له: قد أنظرتك حولاً. ثُمّ خرج عنه، فركب هشام إلى أبي عبدالله(عليه السلام) فاستأذن عليه، فأذن له فقال: يابن رسول الله، أتاني عبدالله الديصاني بمسألة ليس المعوّل فيها إلّا على الله وعليك. فقال له أبو عبدالله(عليه السلام): عمّاذا سألك؟ فقال: قال لي: كيت وكيت. فقال أبو عبدالله(عليه السلام): يا هشام، كم حواسّك؟ قال: خمس. فقال: أيّها أصغر؟ فقال: الناظر. قال: وكم قدر الناظر؟ قال: مثل العدسة أو أقل منها. فقال: يا هشام، فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى. فقال: أرى سماءً وأرضاً ودوراً وقصوراً وتراباً وجبالاً وأنهاراً. فقال له أبو عبدالله(عليه السلام): إنّ الذي قدر أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقلّ منها قادر أن يدخل الدنيا كلّها البيضة لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة. فانكبّ هشام عليه وقبّل يده ورأسه ورجليه وقال: حسبي يابن رسول الله. فانصرف إلى منزله وغدا عليه الديصاني، فقال له: يا هشام، إنّي جئتك مسلّماً ولم أجئك متقاضياً للجواب. فقال له هشام: إن كنت جئت متقاضياً فهاك الجواب. فخرج عنه الديصاني فاُخبر أنّ هشاماً دخل على أبي عبدالله(عليه السلام) فعلّمه الجواب، فمضى عبدالله الديصاني حتّى أتى باب أبي عبدالله(عليه السلام)فاستأذن عليه فأذن له فلمّا قعد قال له: يا جعفر بن محمّد، دلّني على معبودي؟ فقال له أبو عبدالله(عليه السلام): ما اسمك؟ فخرج عنه ولم يخبره باسمه. فقال له أصحابه: كيف لم تخبره باسمك؟ قال: لو كنت قلت له: عبدالله كان يقول: من هذا الذي أنت له عبد؟ فقالوا له: عد إليه فقل له يدلّك على معبودك ولا يسألك عن اسمك. فرجع إليه فقال له: يا جعفر، دلّني على معبودي ولا تسألني عن اسمي. فقال له أبو عبدالله(عليه السلام): اجلس. وإذا غلام له صغير في كفّه بيضة يلعب بها، فقال أبو عبدالله(عليه السلام): ناولني ياغلام البيضة، فناوله إيّاها فقال له أبو عبدالله(عليه السلام): يا ديصاني، هذا حصن مكنون له جلد غليظ،

121

وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضّة ذائبة، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضّة الذائبة، ولا الفضّة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة، هي على حالها لم يخرج منها مصلح فيخبر عن إصلاحها، ولا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها، لا تدري للذكر خلقت أم للاُنثى، يتفلّق عن مثل ألوان الطواويس أترى لها مدبّراً؟ قال: فأطرق مليّاً ثُمّ قال: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّك إمام وحجّة من الله على خلقه، وأنا تائب ممّا كنت فيه»(1).

 

 

 

* * *

 


(1) البحار 4: 140 ـ 141، الباب 4 من أبواب الصفات من كتاب التوحيد، الحديث 7.

122

 

صدق الله(عز وجل)

 

﴿اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً﴾(1).

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً﴾(2).

الصدق حينما ينسب إلى الخبر يعني مطابقته للواقع، وحينما ينسب إلى الوعد يعني وفاءه بالوعد، والظاهر أنّ المقصود بالصدق في الآيتين ما يعمّ المعنيين، بل إنّ خلف الوعد في الله تعالى يستلزم الكذب بالمعنى الأوّل لا محالة؛ لأنّ خلف الوعد إمّا أن ينشأ من البداء بمعناه الحقيقي أو العجز عن الوفاء، والبداء ينشأ من ظهور ما كان مجهولاً لديه قبل ذلك، وقد مضى أنّ الله تعالى منزّه عن الجهل والعجز، وإمّا أن ينشأ من تعمّد المخالفة من حين الوعد، وهذا راجع إلى الكذب.

وعلى أيّة حال فالبحث عن الصدق شقّ من البحث عن العدل أفردناه بالذكر لأهمّيته الخاصّة.

ولولا الصدق لبطل الاعتماد على جميع الأدلّة النقليّة كتاباً وسنّة؛ لأنّنا نحتمل الكذب فيها جميعاً؛ ولبطل الوعد بمجيء يوم القيامة وبالجنّة والنار؛ ولبطلت النبوّة والإمامة بمعناهما المتضمّنين للهداية؛ لاحتمال أنّهما اُرسلا للتضليل، ولا يمكن إثبات نفس الصدق بالدليل النقلي؛ لأنّه دور واضح.


(1) س 4 النساء، الآية: 87 .

(2) س 4 النساء، الآية: 122.

123

إلّا أنّ العقل مستقلّ بالحكم بصدق الله عزّ وجلّ بأحد بيانين:

البيان الأوّل: أنّ الكذب نقص عظيم لا يصدر إلّا من الشخص الخسيس والمنحطّ، فأنت لا ترى في البشر من هو كاذب إلّا في السفلة والساقطين، فنسبة الكذب إلى الله تعني نسبة النقص والسقوط والخسّة والانحطاط، وما مضى من برهان الصدّيقين على كونه كمالاً مطلقاً لأنّه الوجود المستقل بذاته برهان على أنّه أعلى وأجلّ من الكذب، تعالى الله علوّاً كبيراً.

والبيان الثاني: أنّ الكذب لا يصدر من العاقل إلّا بأحد سببين: إمّا الجهل، وإمّا الحاجة التي يريد علاجها عن طريق الكذب، وقد مضى في الأبحاث السابقة البرهان على علمه وعلى قدرته.

 

 

 

* * *

124

 

عدل الله(سبحانه وتعالى)

 

قد جعل العدل لدى الشيعة أصلاً من اُصول العقائد، مع أنّه صفة من صفات الفعل كباقي صفات الفعل؛ ولعلّ السبب في إفراده بالذكر في مقابل أصول التوحيد والنبوّة والمعاد أمران:

الأوّل: أمر واقعي، وهو أنّ العدل أمر لو اُنكر لانهارت مبادئ واُصول كثيرة، ولانهارت أيضاً تربية البشرية، فمن المحتمل أنّ الله تعالى يعاقب المطيعين ويثيب العاصين، وهذا معناه انهيار اُصول الدين وفروعه تماماً، ولا يبقى معنى لبعث الأنبياء وإنزال الأحكام ولا للتصديق بيوم الجزاء.

الثاني: أمر تاريخي، وهو أنّ قسماً من السنّة أصرّوا على نفي هذا الوصف عن الله تعالى، إمّا على أساس إنكار الحسن والقبح العقليين أو على الأقل إنكار دركهما لنا، وإمّا على أساس الإيمان بالجبر وعدم الإيمان بالاختيار ممّا لا يُبقي مجالاً لدعوى كون مجازاة فاعلي الشرّ عدلاً، وإمّا على أساس أنّ مالكيّة الله سبحانه وتعالى لعبيده تعطيه حقّ أن يفعل بهم ما يشاء من دون أن يبقى معنى للظلم في ما إذا عاقبهم بلا ذنب.

وهذا كلّه أوجب تأكيد العدليّة على عدل الله سبحانه وتعالى، وعدّ الشيعة العدل أصلاً من اُصول العقائد، فوجود الحسن والقبح العقليين وجدانيّ عندهم، وكذلك الاختيار، بل لا نظن بمنكري الحسن والقبح العقليين أو منكري الاختيار أن يمشوا في تصرفاتهم العمليّة على مبانيهم العقلية في الحسن والقبح أو الجبر والاختيار، فلا نظنّهم مثلاً أن يسكتوا عن لوم من يضرب يتيمهم من

125

دون أن يكون قد صدر منه ما يعدّ ذنباً، أو يتركوا مديح من يساعد ضعفاءهم تلبيةً لوجدان الخير والرأفة.

وأمّا مالكيّة الله سبحانه وتعالى لعبيده فممّا لا شك فيها؛ ولكنها لا تنفي قبح ظلمهم بمثل التعذيب من دون ذنب، فإنّ هذه المالكيّة تعني الجدة ولا تعني حقّ التعذيب والإيذاء، فلو افترضنا أنّ الأب كان هوالخالق الحقيقي للولد ولم يكن مجرّد مقدّمة إعدادية لخلقه، وقلنا: إنّ هذا يستوجب ملكه إيّاه أو جدته له، فهذا لا يبرّر للوجدان أن يحكم بجواز ضربه وإيذائه من قبل الأب بدون صدور ذنب منه، لا لشيء إلّا لأنّ أباه خالقه أو مالكه.

وعلى أيّة حال فدليلنا على عدل الله سبحانه وتعالى هو نفس الدليلين اللذين أسلفناهما لإثبات صفة الصدق لكلام الله سبحانه، بل الصدق شعبة من شعب العدل وإثباته فرع من فروع إثبات العدل. فالدليل على العدل:

أوّلاً: أنّ الظلم نقص عظيم وخساسة ليس فوقها خساسة، ولا يكون ممن ثبت ببرهان الصدّيقين أنّه هو الوجود المستقل الكامل؛ لأنّ النقص لا يكون إلّا بشوب الوجود بالحدود الماهويّة، وذلك لا يكون إلّا في ما ليس وجوده ثابتاً بذاته.

ثانياً: أنّ الظلم لا يصدر من عاقل إلّا بسبب الجهل بقبحه أو بسبب الإحساس بنقص يحتاج إلى تداركه بالظلم، وقد مضى إثبات علمه وقدرته واستغنائه وتنزّهه عن الجهل والحاجة.

فهذان الدليلان الوجدانيان يثبتان وجدانيّة عدل الله سبحانه وتعالى.

ومن الطريف أنّ بعض آيات العدل في القرآن الكريم تشير إلى دلالة الوجدان على ذلك كقوله تعالى:

 

126

1 ـ ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّار﴾(1).

2 ـ﴿أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُون﴾(2).

 

شبهة اُخرى وردّها

 

هناك شبهة حول مسألة العدل غير الشبهات الثلاث الماضية، تختلف عنها في أنّ تلك الشبهات كان منشؤها أخطاء فنّية في الفكر من القول بالجبر، أو إنكار الحسن والقبح العقليين أو تخيل استلزام المالكيّة لجواز أن يفعل بالمملوك ما يشاء، وأمّا هذه الشبهة فتنشأ من مجرد البساطة في الفكر والجهل بحقائق الاُمور، ولهذه الشبهة تقريبان:

الأوّل: أن يقال: إنّ اختلاف الطاقات والقابليّات يعتبر ظلماً، فلماذا نرى شخصاً ذكيّاً أو قويّاً أو حادّ البصر أو السمع أو نشطاً، والآخر بليداً أو ضعيفاً أو ضعيف البصر أو السمع أو كسلاً؟ وما هو ذنب الناقص الذي لم يُعط ذاك الكمال، في حين قد اُعطي صاحبه ذلك؟ ومن هذا النمط أيضاً الناقص في الأعضاء ذاتاً كمن ولد وهو أعمى أو به عرج أو تشويه في الخلقة أو ما إلى ذلك.

الثاني: أن يقال: إنّ مصائب الدنيا ومحنها ظلم للعباد، كالفقر والمرض وما إلى ذلك من المحن والابتلاءات.


(1) س 38 ص، الآية: 28.

(2) س 45 الجاثية، الآية: 21.

127

والفرق بين الوجهين: أنّ الأوّل ينظر إلى المشاكل الذاتيّة كالبلادة أو المعتوهية أو النقص في الخلقة، والثاني ينظر إلى المشاكل العرضيّة كالفقر أو المرض أو الزلازل أو الطوفان أو الطاعون أو القحط أو ما إلى ذلك.

وقد يجاب عن الأوّل فلسفيّاً: بأنّ الذاتي لا يعلّل، وأنّ الله تعالى لم يسلب من الناقص شيئاً كي يكون ذلك ظلماً، وإنّما كان بذاته ناقصاً، والله خلقه، وهذا معنى ما قد يقال: إنّ الله لم يجعل المشمش مشمشاً بل أوجده.

إلّا أنّ هذا الجواب إن تمّ لم يشمل الوجه الثاني.

أمّا الجواب الشامل لكلا الوجهين فحاصله: جهل البشر بالمصالح والمفاسد، فربّما تكون المصلحة في العمى، ولو كان الأعمى بصيراً لانهمك في معاصي العين مثلاً، وربّما تكون المصلحة في الفقر كما إذا كان هذا الإنسان ليطغى أن رآه استغنى.

وقد دلّت على ذلك روايات عديدة من قبيل ما ورد في الكافي عن أبي عبيدة الحذّاء بسند صحيح عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): قال الله عزّ وجلّ: إنّ من عبادي المؤمنين عباداً لا يصلح لهم أمر دينهم إلّا بالغنى والسعة والصحّة في البدن فأبلوهم بالغنى والسعة وصحّة البدن فيصلح عليهم أمر دينهم.

وإنّ من عبادي المؤمنين لعباداً لا يصلح لهم أمر دينهم إلّا بالفاقة والمسكنة والسقم في أبدانهم، فأبلوهم بالفاقة والمسكنة والسقم فيصلح عليهم أمر دينهم، وأنا أعلم بما يصلح عليه أمر دين عبادي المؤمنين.

وإنّ من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي، فيقوم من رقاده ولذيذ وساده فيتهجّد لي الليالي فيتعب نفسه في عبادتي، فأضربه بالنعاس الليلة

128

والليلتين نظراً منّي له وإبقاءً عليه، فينام حتّى يصبح فيقوم وهو ماقت لنفسه زارئٌ عليها، ولو اُخلّي بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله العجب من ذلك، فيصيّره العجب إلى الفتنة بأعماله، فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله ورضاه عن نفسه حتّى يظنّ أنّه قد فاق العابدين وجاز في عبادته حدّ التقصير، فيتباعد منّي عند ذلك وهو يظنّ أنّه يتقرّب إليّ، فلا يتّكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي، فإنّهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم وأفنوا أعمارهم في عبادتي كانوا مقصّرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من: كرامتي والنعيم في جنّاتي ورفيع درجاتي العلى في جواري، ولكن فبرحمتي فليثقوا وبفضلي فليفرحوا وإلى حسن الظنّ بي فليطمئنّوا؛ فإنّ رحمتي عند ذلك تداركهم، ومَنّي يبلّغهم رضواني ومغفرتي تلبسهم عفوي، فإنّي أنا الله الرحمن الرحيم وبذلك تسمّيت»(1).

وفي حديث آخر عن الصادق(عليه السلام) قال الله عزّ وجلّ: «عبدي المؤمن لا أصرفه في شيء إلّا جعلته خيراً له، فليرض بقضائي وليصبر على بلائي وليشكر نعمائي، أكتبه يا محمّد من الصدّيقين عندي»(2).

وفي حديث ثالث عن الصادق(عليه السلام) بسند صحيح إنّ فيما أوحى الله عزّ وجلّ إلى موسى بن عمران(عليه السلام): «يا موسى بن عمران، ما خلقت خلقاً أحبّ إليّ من عبدي المؤمن، فإنّي إنّما أبتليه لما هو خير له، واُعافيه لما هو خير له، وأزوي عنه ما هو شرّ له لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي، فليصبر على


(1) الكافي 2: 60 ـ 61، باب الرضا بالقضاء من كتاب الايمان والكفر، الحديث 4.

(2) المصدر السابق، الحديث 6.

129

بلائي وليشكر نعمائي وليرض بقضائي، أكتبه في الصدّيقين عندي إذا عمل برضائي وأطاع أمري»(1).

وفي حديث رابع عن ابن أبي يعفور بسند صحيح عن الصادق(عليه السلام) قال: «عجبت للمرء المسلم لا يقضي الله عزّ وجلّ له قضاءً إلّا كان خيراً له، وإن قرّض بالمقاريض كان خيراً له، وإن ملك مشارق الأرض ومغاربها كان خيراً له»(2).

والآيات القرآنيّة التي تشير إلى جهل الناس بالمصالح والمفاسد عديدة من قبيل:

1 ـ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون﴾(3).

2 ـ قال عزّ وجلّ في سياق إرث الآباء والأولاد: ﴿آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً﴾(4).

3 ـ ورد في قصّة موسى(عليه السلام) مع عبد من عباد الله ـ الذي قال عزّ وجلّ بشأنه: ﴿آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً﴾(5) ـ: أنّ موسى(عليه السلام) ناقشه في المسائل الثلاث المعروفة والمذكورة في القرآن بقوله تعالى: ﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً﴾(6)، وقوله: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْس لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً﴾(7)، وقوله:﴿لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً﴾(8)، ثُمّ أجابه ذاك العبد ببيان مصالح تلك الأعمال.

 


(1) المصدر السابق، الحديث 7.

(2) المصدر السابق: 62، الحديث 8.

(3) س 2 البقرة، الآية: 216.

(4) س 4 النساء، الآية: 11.

(5) س 18 الكهف، الآية: 65.

(6) س 18 الكهف، الآية: 71.

(7) س 18 الكهف، الآية: 74.

(8) س 18 الكهف، الآية: 77.

130

وحاصل الكلام أنّ في البلايا والمحن مصالح وملاكات لا نعلمها ويعلمها الله تعالى، وقد ذكر بعض تلك المصالح في الآيات والروايات منها:

 

1 ـ الامتحان:

قال الله تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين﴾(1).

وقد ورد عن محمّد بن قيس بسند صحيح قال: «سمعت أبا جعفر(عليه السلام) يقول: إنّ ملكين هبطا من السماء فالتقيا في الهواء، فقال أحدهما لصاحبه: في ما هبطت؟ قال: بعثني الله عزّ وجلّ إلى بحر إيل أحشر سمكة إلى جبّار من الجبابرة اشتهى عليه سمكة في ذلك البحر، فأمرني أن أحشر إلى الصيّاد سمك البحر حتّى يأخذها له ليبلغ الله عزّ وجلّ غاية مناه في كفره(2)، ففي ما بعثت أنت؟ قال: بعثني الله عزّ وجلّ في أعجب من الذي بعثك فيه، بعثني إلى عبده المؤمن الصائم القائم المعروف دعاؤه وصوته في السماء لاُكفئ قدره التي طبخها لإفطاره ليبلغ الله في المؤمن الغاية في اختبار إيمانه»(3).

وهذا محتمل روايات شدّة البلاء بشدّة الإيمان، فكلّما قوي إيمان الشخص وخرج من الامتحان الأدنى استحقّ الامتحان الأعلى؛ لتصعد درجات إيمانه، من قبيل ما ورد بسند صحيح عن هشام بن سالم عن الصادق(عليه السلام) أنّه قال: «إنّ أشدّ الناس بلاءً الأنبياء ثُمّ الذين يلونهم ثُمّ الأمثل فالأمثل»(4)، فحال الإنسان


(1) س 29 العنكبوت، الآية: 2 ـ 3.

(2) كأنّه إشارة إلى الاستدراج.

(3) البحار 67: 229، باب شدّة ابتلاء المؤمن وعلّته، الحديث 40.

(4) الكافي 2: 252، باب شدّة ابتلاء المؤمن، الحديث 1.

131

في صعوده مدارج الإيمان حال الطالب في المدرسة، كلّما يصعد من مستوى من دروسه العلميّة والفكريّة إلى مستوى أرقى يصل في امتحاناته أيضاً إلى ما هو أشدّ وأصعب.

 

2 ـ التنبيه والتأديب:

قال الله تعالى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الاَْدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الاَْكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون﴾(1)، وقال عزّ من قائِل: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون﴾(2)، وليس ذلك خاصّاً بالمجرمين أو الفسقة بل يتصوّر حتّى بشأن الأولياء والأنبياء في مستوى حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين كما اتّفق في القصّة المعروفة ليونس(عليه السلام)، وكما ورد في قصّة يعقوب(عليه السلام): من أنّ ما أصابه من البلاء كان نتيجة غفلة له عن التصدّق على فقير مؤمن صائم هتف على بابه مراراً وهم يسمعونه وجهلوا بحاله ولم يصدّقوه، فلمّا يئس أن يطعموه وغشيه الليل استرجع واستعبر وشكا جوعه إلى الله عزّ وجلّ، وبات طاوياً وأصبح صائماً جائعاً صابراً حامداً لله تعالى، وبات يعقوب(عليه السلام) وآل يعقوب شباعاً بطاناً، وأصبحوا وعندهم فضلة من الطعام، فكانت نتيجة ذلك أنّه نزل عليهم البلاء المعروف، وأوحى فيما أوحى الله إليه في صبيحة تلك الليلة: «لقد أذللت يا يعقوب عبدي ذلّة استجررت بها غضبي واستوجبت بها أدبي ونزول عقوبتي وبلواي عليك وعلى ولدك ... أوَ ما علمت يا يعقوب أنّ العقوبة والبلوى إلى أوليائي أسرع منها إلى أعدائي؟ وذلك حسن


(1) س 32 السجدة، الآية: 21.

(2) س 30 الروم، الآية: 41.

132

النظر منّي لأوليائي واستدراج منّي لأعدائي»(1).

 

3 ـ كفّارة الذنوب:

ورد عن إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام): «ما من الشيعة عبد يقارف أمراً نهيناه عنه فيموت حتّى يبتلى ببليّة تمحّص بها ذنوبه، إمّا في مال وإمّا في ولد وإمّا في نفسه حتّى يلقى الله عزّ وجلّ وما له ذنب، وإنّه ليبقى عليه الشيء من ذنوبه فيشدّد به عليه عند موته»(2).

وقصّة السمكة التي مضى ذكرها آنفاً وردت بشكل آخر مشتمل على مسألة كفّارة الذنب ولعلّهما قصّتان، فعن مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: «ولقد سمعت محمّداً رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: إنّه كان فيما مضى قبلكم رجلان، أحدهما مطيع لله مؤمن والآخر كافر به مجاهر بعداوة أوليائه وموالاة أعدائه، وكلّ واحد منهما مَلِك عظيم في قطر من الأرض، فمرض الكافر، فاشتهى سمكة في غير أوانها؛ لأنّ ذلك الصنف من السمك كان في ذلك الوقت في اللجج بحيث لا يقدر عليه، فآيسته الأطبّاء من نفسه، وقالوا: استخلف في ملكك من يقوم به، فلست بأخلد من أصحاب القبور، فإنّ شفاءك في هذه السمكة التي اشتهيتها ولا سبيل إليها. فبعث الله مَلَكاً وأمره أن يزعج تلك السمكة إلى حيث يسهل أخذها، فاُخذت له تلك السمكة فأكلها وبرئ من مرضه وبقي في ملكه سنين بعدها.

ثُمّ إنّ ذلك الملِك المؤمن مرض في وقت كان جنس ذلك السمك بعينه لا يفارق الشطوط التي يسهل أخذه منها مثل علّة الكافر، فاشتهى تلك السمكة


(1) البحار 12: 271 ـ 272.

(2) البحار 67: 230، باب شدّة ابتلاء المؤمن وعلّته، الحديث 43.

133

ووصفها له الأطبّاء، وقالوا: طب نفساً فهذا أوانه تؤخذ لك فتأكل منها وتبرأ. فبعث الله ذلك المَلَك فأمره أن يزعج جنس تلك السمكة عن الشطوط إلى اللجج لئلاّ يقدر عليه، فلم توجد حتّى مات المؤمن من شهوته وبعدم دوائه.

فعجب من ذلك ملائكة السماء وأهل ذلك البلد في الأرض حتّى كادوا يفتنون؛ لأنّ الله تعالى سهّل على الكافر ما لا سبيل له إليه وعسّر على المؤمن ما كان السبيل إليه سهلاً، فأوحى الله إلى ملائكة السماء وإلى نبيّ ذلك الزمان في الأرض: أ نّي أنا الله الكريم المتفضّل القادر، لا يضرّني ما اُعطي ولا ينقصني ما أمنع ولا أظلم أحداً مثقال ذرّة، فأمّا الكافر فإنّما سهّلت له أخذ السمكة في غير أوانها ليكون جزاءً على حسنة كان عملها، إذ كان حقّاً ألاّ اُبطل لأحد حسنة حتّى يرد القيامة ولا حسنة في صحيفته ويدخل النار بكفره، ومنعت العابد تلك السمكة بعينها لخطيئة كانت منه، فأردت تمحيصها عنه بمنع تلك الشهوة وإعدام ذلك الدواء، وليأتيني ولا ذنب عليه فيدخل الجنّة»(1).

 

4 ـ رفع الدرجات:

ورد عن أبي يحيى الحنّاط عن عبدالله بن أبي يعفور «قال: شكوت إلى أبي عبدالله(عليه السلام) ما ألقى من الأوجاع ـ وكان مسقاماً (2)ـ فقال لي: يا عبدالله، لو يعلم المؤمن ما له من الأجر في المصائب لتمنّى أنّه قُرّض بالمقاريض»(3)، وعن فضيل بن يسار عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «إنّ في الجنّة منزلة لا يبلغها عبد إلّا


(1) اُنظر البحار 67: 233 ـ 234، باب شدّة ابتلاء المؤمن وعلّته، الحديث 48.

(2) كأنّ هذا كلام أبي يحيى الحنّاط يعني أنّ عبدالله بن أبي يعفور كان مسقاماً.

(3) الكافي 2: 255، باب شدّة ابتلاء المؤمن من كتاب الإيمان والكفر، الحديث 15.

134

بالابتلاء في جسده»(1).

وثلاثة من هذه الملاكات الأربعة: الامتحان، وكفّارة الذنب، ورفع الدرجات تناسب المؤمن أكثر ممّا تناسب الفاسق، وواحد منها وهو التنبيه، إن كان بمعنى التذكير فحسب ناسب المؤمن أيضاً، كما ورد في صحيحة محمّد بن مسلم قال: «سمعت أبا عبدالله(عليه السلام)يقول: المؤمن لا يمضي عليه أربعون ليلة إلّا عرض له أمر يحزنه يذكَّر به»(2).

وإن كان بمعنى العذاب ناسب الفاسق والفاجر، وعليه فأكثر الوجوه الماضية حتّى الآن تناسب المؤمن؛ ولهذا ترى بعض الروايات تؤكّد على ضرورة ابتلاء المؤمن ببعض البلاء والمحن، من قبيل: ما عن ذريح المحاربي عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «كان عليّ بن الحسين(عليه السلام) يقول: إنّي لأكره للرجل أن يعافى في الدنيا فلا يصيبه شيء من المصائب»(3)، وما عن أبي داود المسترق قال: «قال أبو عبدالله(عليه السلام): دُعي النبي(صلى الله عليه وآله) إلى طعام، فلمّا دخل منزل الرجل نظر إلى دجاجة فوق حائط قد باضت فتقع البيضة على وتد في حائط فثبتت عليه ولم تسقط ولم تنكسر، فتعجّب النبيّ(صلى الله عليه وآله) منها، فقال له الرجل: أعجبت من هذه البيضة فوالذي بعثك بالحقّ ما رزئت شيئاً قطّ. قال: فنهض رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولم يأكل من طعامه شيئاً وقال: من لم يُرزأ فما لله فيه من حاجة»(4)، وماعن عبدالرحمن وأبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): لا حاجة لله في من ليس له في ماله وبدنه نصيب»(5).

 


(1) المصدر السابق، الحديث 14.

(2) المصدر السابق: 254، الحديث 11.

(3) المصدر السابق: 256، الحديث 19.

(4) المصدر السابق: 256، الحديث 20.

(5) المصدر السابق، الحديث 21.

135

5 ـ المجازاة وإنزال العذاب:

وهذا ما يناسب الفسقة والفجرة، قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً * وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوح وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً﴾(1)، وقال عزّ وجلّ: ﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَان فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُون﴾(2)، وقال عزّ من قائِل: ﴿فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الاَْرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون﴾(3).

وفي الحديث عن إبراهيم بن أبي زياد عن الصادق(عليه السلام) قال: «إنّ الله تعالى إذا غضب على اُمّة ثُمّ لم ينزل بها العذاب أغلى أسعارها وقصّر أعمارها، ولم تربح تجارها ولم تغزر أنهارها ولم تزك ثمارها، وسلّط عليها شرارها وحبس عليها أمطارها»(4).

وعن العبّاس بن عليّ الشامي قال: «سمعت الرضا(عليه السلام) يقول: كلّما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون اُحدث لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون»(5).

وعن محمّد بن القاسم بن الفضيل بن يسار عن أبيه عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه


(1) س 17 الإسراء، الآية: 16 ـ 17.

(2) س 16 النحل، الآية: 112.

(3) س 29 العنكبوت، الآية: 40.

(4) البحار 73: 353، باب الذنوب وآثارها، الحديث 57.

(5) المصدر السابق: 354، الحديث 58.

136

قال: «من يموت بالذنوب أكثرممّن يموت بالآجال، ومن يعيش بالإحسان أكثر ممّن يعيش بالأعمار»(1).

وعن أبي حمزة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «وجدنا في كتاب رسول الله(صلى الله عليه وآله): إذا ظهر الزنا من بعدي كثر موت الفجأة، وإذا طُفّف المكيال والميزان أخذهم الله بالسنين والنقص، وإذا منعوا الزكاة منعت الأرض بركاتها من الزرع والثمار والمعادن كلّها، وإذا جاروا في الأحكام تعاونوا على الظلم والعدوان، وإذا نقضوا العهد سلّط الله عليهم عدوّهم، وإذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار، وإذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ولم يتّبعوا الأخيار من أهل بيتي سلّط الله عليهم شرارهم، فيدعو خيارهم فلا يستجاب لهم»(2).

 

تنبيهات:

التنبيه الأوّل: إنّ في المصائب التي تعتبر جزاءً للأعمال وعقوبة عليها يحتمل الارتباط التكويني بينها وبين الأعمال، بأن يكون مثلاً موت الفجأة أثراً وضعيّاً لظهور الزنا، والقحط أثراً وضعيّاً لتطفيف المكيال والميزان وهكذا، وكذلك الخيرات والبركات التي ربطت بأعمال الخير يحتمل ارتباطها بها تكويناً، بأن تكون أثراً وضعيّاً لها، قال الله تعالى:﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَات مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا


(1) المصدر السابق، الحديث 59.

(2) الكافي 2: 374، باب في عقوبات المعاصي العاجلة من كتاب الإيمان والكفر، الحديث 2.

137

يَكْسِبُون﴾(1)، وقال عزّ وجلّ: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُون﴾(2)، وقال عزّ من قائِل: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾(3).

وكذلك ما تورث الذنوب من سلب التوفيقات الخيريّة لا يبعد أن تكون باقتضاءات تكوينيّة وآثار وضعيّة، وقد ورد عن الصادق(عليه السلام): «إنّ الرجل ليذنب الذنب فيحرم صلاة الليل، وإنّ عمل الشرّ أسرع في صاحبه من السكّين في اللحم»(4)، وعن ابن نباتة قال: «قال أمير المؤمنين(عليه السلام): ما جفّت الدموع إلّا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلّا لكثرة الذنوب»(5).

التنبيه الثاني: إنّ روايات كون صلاح المؤمن أحياناً في البلاء والمصيبة ـ لكفّارة ذنب أو لإعلاء درجة أو لتنبيه أو لتذكير أو نحو ذلك ـ لا يعني نفي الدعاء باعتبار أنّ الله حينما بلى المؤمن بهذا البلاء كان له فيه الخير فلا معنى لدعاء المؤمن لكشف ذلك الكرب، فإنّ الجواب: أنّ الدعاء بنفسه يساعد على نفس فائدة البلاء من غفران الذنب أو رفع الدرجات أو القرب إلى الله، فإنّ الدعاء نوع من العبادة ونحن مأمورون به.

وكذلك لا يعني نفي العلاج بالأسباب الطبيعيّة، فإنّنا مأمورون بمتابعة الأسباب الطبيعيّة مع حفظ حالة التوكّل على الله سبحانه وتعالى والثقة به.

 


(1) س 7 الأعراف، الآية: 96.

(2) س 5 المائدة، الآية: 66.

(3) س 13 الرعد، الآية: 11.

(4) البحار 73: 358، باب الذنوب وآثارها، الحديث 74.

(5) المصدر السابق: 354، الحديث 60.