المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

119

وإنّما لها علاقة بإثبات تجرّد النفس البشريّة عن المادّة.

وتوضيح ذلك: أنّه لو فرض أنّ الإبصار عبارة عن وقوع شعاع خاصّ من العين على المرئي فهذا لا يعني دخول الوسيع في الضيّق، إلّا أنّ هذه الفرضيّة قد ثبت بطلانها علميّاً؛ حيث أثبت العلم أنّ الإبصار يتم بانعكاس الأشعّة الضوئيّة من المرئيّات على العين وليس العكس؛ ولذا قد تتم رؤية الشيء بعد فنائه فنحن لا نرى نجماً من نجوم السماء إلّا حين تصل الموجات الضوئيّة الصادرة عنه إلى الأرض بعد عدّة سنين من انطلاقها من مصدرها، فتقع على شبكيّة العين حتّى لو فرض زوال النجم من محلّه.

ولو فرض أنّ الإبصار يتمّ بدخول مادّة عن المرئي في العدسة أو في المخّ متحجّمة بحجم المادّة المرئيّة الواسعة خارجاً فهذا يعني دخول الوسيع في الضيّق، إلّا أنّه من المستحيلات الذاتيّة ولا يمكن أن يكون، فينحصر الأمر في أنّ عملية الإبصار ـ بالمعنى الذي يكون نوعاً من الإدراك لا بمعنى مجرّد وقوع شعاع على الباصرة ـ ليست إلّا أمراً مجرّداً عن المادّة، وبالتالي لا تقع إلّا على مركز مجرّد وهو النفس، أمّا إشعاع المادّة على الباصرة فإن هو إلّا مقدّمة علميّة للإدراك، فينحصر تصحيح هذه الرواية بحملها على التكلّم مع السائل بقدر فهمه(1)، فلعلّه لم يكن يستطيع أن يدرك أنّ عدم شمول القدرة للمستحيل لا يعني نقصاً في القدرة، فلو كان يسمع من الإمام(عليه السلام)ذلك لكان يشنّع على الموحّدين بأنّهم لا يستطيعون إثبات القدرة الكاملة لله، فأجابه بقدر إدراكه.

وقد ورد هذا المضمون أيضاً في رواية اُخرى طريفة وهي: «أنّ عبدالله الديصاني أتى هشام بن الحكم فقال له: ألك ربّ؟ فقال: بلى. قال: قادر؟ قال:


(1) راجع فلسفتنا: 362 ـ 364.