61

الثاني: أن يتواجد الدم فترةً وينقطع، وقبل أن يستمرّ الانقطاع عشرة أيّام يعود الدم من جديد.

وأمّا إذا كانت فترة الانقطاع عشرة أيّام فكلا الدمين حيض، وفقاً للقواعد السابقة، ولا ينطبق عليه حكم تجاوز الدم للعشرة(1).

في الحاجة إلى غسل الحيض:

(44) دم الحيض لا صلاة معه ولا صيام، فلا تجب الصلاة اليوميّة ولا صلاة الآيات، ولا صيام شهر رمضان على الحائض إلى أن تنقى من دم الحيض، فيجب عليها حينئذ ما يجب على غيرها من صلاة وصيام، ولكن لا تصحّ منها الصلاة إلّا إذا اغتسلت غسل الحيض؛ لأنّ دم الحيض يسبّب حدثاً شرعيّاً، ويعتبر هذا الحدث مستمرّاً حتّى بعد النقاء إلى أن تغتسل المرأة، ولا يصحّ الغسل منها ولا يرفع هذا الحدث إلّا إذا وقع بعد النقاء من دم الحيض.

(45) وكلّ ما يعتبر غسل الجنابة شرطاً لصحّته من العبادات فغسل الحيض شرط لصحّته أيضاً، باستثناء صيام شهر رمضان، فإنّ المرأة إذا نقت من الدم قبل طلوع الفجر من شهر رمضان ولم تغتسل حتّى طلع عليها الفجر فصامت واغتسلت بعد الطلوع صحّ صومها، خلافاً لما تقدّم عن الجنب في ليل شهر رمضان من أنّه يجب عليه أن يغتسل قبل طلوع الفجر.



(1) ذكرت هنا في كتاب الفتاوى الواضحة عشر حالات لتكميل وتطبيق القواعد المتقدّمة، وللوقوف على ذلك راجع: 265 ـ 268 من الكتاب ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ الفقرة: (79).

62

ما يحرم بالحيض:

(46) يحرم على الحائض كلّ ما يحرم على الجنب، ممّا تقدّم في (غسل الجنابة)، وأيضاً يحرم عليها وعلى زوجها الاتّصال بالجماع، فلا يحلّ للزوج أن يجامع زوجته إلّا بعد نظافتها ونقائها من دم الحيض، فإذا نقت من الدم واغتسلت منه الغسل الشرعي، أو غسلت مخرج الدم ـ على الأقلّ ـ كان الاتّصال الجنسي بها سائغاً، وإذا عصى الزوج وغلبته شهوته فوطأ أثم، ولا كفّارة عليه ولا عليها، وله أن يستمتع بغير الجماع كيف يشاء، ويكره له أن يستمتع بأيّ شيء بين ركبتها وسرّتها (وهي التجويف الصغير المعهود في وسط البطن).

(47) وإذا قارب الزوج زوجته قبل الحيض أو في أثناء الحيض اجتمع عليها أثر الحيض وأثر الجنابة، فإذا اغتسلت من الجنابة حال الحيض صحّ غسلها وارتفع أثر الجنابة، وبقي أثر الحيض.

أحكام اُخرى بشأن الحائض:

(48) على الحائض أن تقضي بعد الطهر كلّ ما فاتها من الصيام الواجب، سواء وجب وفاءً لشهر رمضان المبارك أم لنذر، كما لو نذرت صيام الجمعة من أوّل الشهر القادم فحاضت فيه فعليها أن تفطر وتقضيه، ولا يجب عليها أن تقضي الصلوات الخمس والصلاة المنذورة وصلاة الآيات.

ويبطل طلاق الحائض، إلّا أن تكون حاملاً أو غير مدخول بها، أو كان زوجها غائباً عنها، على تفصيل مذكور في محلّه.

وتصحّ من الحائض في حال الحيض الأغسال المندوبة، وكذلك الوضوء.

63

في المستحاضة وأحكامها

دم الاستحاضة:

(49) الاستحاضة لغة من الحيض، أمّا فقهيّاً فهي على عكس الحيض، وقد عرفنا سابقاً أنّ كلّ دم تراه المرأة في غير حالة الولادة ولم يكن حيضاً ولا دم جرح أو قرح أو بكارة فهو دم استحاضة.

ودم الاستحاضة يخالف دم الحيض في الصفات غالباً؛ لأنّه في الأكثر أصفربارد رقيق يخرج بفتور بلا قوّة ولذع ولكنّه قد يكون أحياناً بصفات الحيضتماماً.

ولا يشترط في دم الاستحاضة شيء من الشروط العامّة الأربعة لدم الحيض المتقدّمة، فهو قد يعرض للاُنثى قبل سن التاسعة، وبعد سن الخمسين ـ على كلام لنا قد تقدّم في هذا الشرط بالنسبة إلى دم الحيض ـ وعقيب تمام الحيض بلا فاصل، أو قبل أن يتخلّل بين الحيضتين عشرة أيّام من طهر.

ولا حدّ لقليل دم الاستحاضة، فقد يمكث يوماً أو بعض يوم، ولا لأكثره، فقد يستمرّ شهوراً أو سنين.

(50) ويعتبر دم الاستحاضة حدثاً شرعاً، فإذا كانت المرأة على وضوء ـ مثلاً ـ وخرج منها دم الاستحاضة ولو بواسطة القطنة بطل وضوؤها وعليها أن تتطهّر على التفصيل الذي سيأتي، وإذا لم يظهر دم الاستحاضة ويبرز إلى الخارج فلا أثر له حتّى لو تحرّك من مكانه إلى فضاء ذلك المكان الخاصّ.

64

أقسام المستحاضة وبعض أحكامها:

(51) تنقسم المستحاضة بالنظر إلى قلّة ما تراه من الدم وكثرته إلى ثلاثة أقسام: صغرى، ووسطى، وكبرى، ويقوم هذا التقسيم على أساس ما يجب عليها من اختبار نفسها بقطنة تضعها في ذلك المكان وتتركها بعض الوقت:

1 ـ المستحاضة الصغرى: وهي أن تتلوّث القطنة بدم لا يسيل منها ولا يستوعبها، وحكمها أن تُطهّر المكان، أي ظاهر الفرج، لو تلوّث الظاهر بأكثر من الدرهم، وأن تتوضّأ لكلّ صلاة، واجبة كانت أو مستحبّةً، ولا يجب عليها أن تجدّد الوضوء لركعات الاحتياط والأجزاء المنسيّة من الصلاة، ولا لسجود السهو، ولا يسوغ لها أن تصلّي صلاتين بوضوء واحد.

2 ـ المستحاضة الوسطى: وهي أن يغمر الدم القطنة كلّها أو جلّها دون أن يسيل منها، وحكمها أن تبدّل القطنة، أو تطهّرها مع المكان والخرقة التي تشدّها عادةً في هذه الحالة وأمثالها من المناديل النسائيّة، وأيضاً يجب عليها غسل واحد كلّ يوم قبل صلاة الفجر، والوضوء لصلاة الفجر، قبل الغسل أو بعده. والوضوء لكلّ صلاة، ولا تصلّي صلاتين بوضوء واحد، كما تقدّم في الصغرى.

3 ـ المستحاضة الكبرى: وهي أن ينفذ الدم من القطنة ويسيل إلى الخرقة أو الفخذين أو أيّ طرف من بدنها أو ثوبها، وحكمها أن تبدّل الخرقة والقطنة، أو تطهّرهما وتطهّر المكان، وأن تغتسل ثلاثة أغسال: واحد لصلاة الفجر، وآخر تجمع به بين الظهرين (الظهر والعصر)، وثالث تجمع به بين العشائين (المغرب والعشاء)، وغسل الاستحاضة الكبرى يغنيها عن الوضوء.

(52) وفي سائر الأحوال يجب أن تعجّل وتبادر إلى الصلاة بعد قيامها وتأديتها لما وجب عليها من غسل ووضوء ـ ويستثنى من ذلك غسل المستحاضة المتوسّطة،فيجوز الفصل بينه وبين الصلاة، ولو فصلت بينهما يجب تأخير الوضوء عن الغسل؛

65

لأنّه لا يجوز لها الفصل بين الوضوء والصلاة ـ ومع ذلك يسوغ لها أن تأتي بالمستحبّات قبل الصلاة كالأذان والإقامة، وفي أثنائها أيضاً كالقنوت.

فإذا تسامحت فلم تبادر إلى الصلاة على الوجه الذي قرّرناه وجب عليها أن تعيد عمليّة الطهارة من جديد، وتبادر إلى الصلاة عقيبها.

(53) وإذا فعلت المستحاضة ما يجب عليها أن تفعله من أجل الصلوات اليوميّة جاز لها أن تصلّي أيّ صلاة اُخرى على أن تتوضّأ لكلّ صلاة، ولا حاجة بها إلى إعادة الغسل حتّى ولو كانت ذات استحاضة كبرى.

(54) إذا تحوّلت الاستحاضة من قسم إلى قسم أشدّ منه ـ لتزايد الدم ـ وجب عليها أن تؤدّي منذ ذلك الحين عمليّة الطهارة وفقاً لاستحاضتها الحاليّة.

ومثال ذلك: امرأة استحاضتها وسطى وقد اغتسلت قبل صلاة الصبح، ثمّ عند الغروب وجدت استحاضتها كبرى فيجب عليها أن تغتسل لصلاتي المغرب والعشاء.

(55) وإذا تحوّلت الاستحاضة من قسم إلى قسم أدنى منه وجب عليها أن تؤدّي لأوّل مرّة عمليّة الطهارة وفقاً لحالتها السابقة، ثمّ تعمل على أساس استحاضتها الحاليّة.

ومثال ذلك: مستحاضة باستحاضة كبرى وأثبت الاختبار أنّ استحاضتها صارت صغرى عند الظهر ـ مثلاً ـ فيجب عليها أن تغتسل وتصلّي الظهر والعصر، ولا حاجة بها بعد ذلك للغسل لصلاتي المغرب والعشاء، بل تكتفي بالوضوء لكلّ صلاة.

وكذلك المستحاضة الوسطى لو انتقلت بعد صلاة الصبح ـ مثلاً ـ إلى الصغرى وجب عليها الغسل لليوم الآتي بلا إشكال، والأحوط تقديم الغسل على صلاة الظهر لنفس اليوم الحاضر، بل لإعادة صلاة الصبح لو كان الوقت يسمح بذلك.

(56) يسوغ للمرأة المستحاضة بشتّى أقسامها أن تدخل المساجد وتمكث فيها، وتقرأ سور العزائم وآيات السجدة منها، سواء أدّت ما يجب عليها من عمليّة الطهارة لصلواتها اليوميّة، أم لا.

66

وطلاق المستحاضة حتّى الكبرى جائز وصحيح، على العكس من الحائض. ولا يسوغ للمرأة المستحاضة بشتّى أقسامها أن تمسّ كتابة المصحف الشريف بدون أن تؤدّي عمليّة الطهارة المناسبة لها، بل الأحوط وجوباً تركه وإن أدّت عمليّة الطهارة المناسبة لها على وجه يسوغ لها فعلاً أن تصلّي بتلك الطهارة(1).

(57) إذا أصبحت المرأة مستحاضةً بالاستحاضة الوسطى قبل الفجر أو بعد الفجر ولم تغتسل لصلاة الصبح ـ بأن كانت نائمةً مثلاً ـ وجب عليها أن تغتسل لصلاة الظهرين، وهكذا.

وإذا أصبحت المرأة مستحاضةً بالاستحاضة الوسطى بعد صلاة الصبح وجب عليها أن تغتسل عندما تريد أن تصلّي الظهر والعصر، ولا تعيد الغسل لصلاتي المغرب والعشاء. وإذا أصبحت المرأة مستحاضةً كذلك بعد صلاتي الظهر والعصر وجب عليها أن تغتسل عندما تريد أن تصلّي المغرب والعشاء.

(58) إذا فعلت المستحاضة الكبرى أو الوسطى ما يجب عليها من غسل جاز لزوجها أن يقاربها، ولا يقاربها بدون ذلك على الأحوط وجوباً.

وأمّا المستحاضة الصغرى فيجوز لزوجها مقاربتها على كلّ حال.

(59) يصحّ الصوم من المستحاضة الصغرى والوسطى والكبرى سواء تطهّرت بوضوء أو بغسل أم لا(2).



(1) هناك أحكام عامّة اُخرى لدم الاستحاضة مذكورة في كتاب الفتاوى الواضحة تركناها مراعاةً للاختصار، راجع للوقوف عليها الكتاب: 273 ـ 275 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (92) ـ (95).

(2) هناك تفاصيل وأحكام اُخرى للوسطى والكبرى مذكورة في المصدر السابق: 276 ـ 277، الفقرة: (99) ـ (101) تركناها مراعاةً للاختصار، فراجع لها المصدر مراعياً الهامش.

67

في النفاس وأحكامه

(60) النفاس بكسر النون، وهو لغةً ولادة المرأة، فمتى ولدت قيل: هي نفساء، ووليدها منفوس. ودم النفاس في عرف الفقهاء: هو الدم الذي يقذفه الرحم بسبب الولادة، فإن ولدت ولم ترَ الدم إطلاقاً، أو رأته بسبب مرض أو بسبب غير الولادة فلا نفاس حتّى ولو خرج من الرحم بالذات.

(61) النفساء لها أحكام تشابه أحكام الحائض، وتترك العبادات، وعليها غسل عند نقائها يسمّى بغسل النفاس.

(62) يتحقّق النفاس بالسقط تماماً كما يتحقّق بالولادة، فإذا أسقطت المرأة حملها ورأت الدم بسببه أجرت عليه أحكام دم النفاس.

(63) لا حدّ لأقلّ النفاس، فيتحقّق بالقطرة، وإذا قضت عشرة أيّام من تاريخ الولادة ولم ترَ فيهنّ دماً فلا نفاس حتّى ولو رأت بعد العشرة دماً كثيراً وغزيراً.

أمّا أكثر النفاس فعشرة أيّام ابتداءً من رؤية الدم، لا من تاريخ الولادة، وعلى هذا فإذا لم ترَ الدم ـ مثلاً ـ إلّا في اليوم السابع من ولادتها كان هذا اليوم السابع هو اليوم الأوّل من الأيّام العشرة التي هي الحدّ الأقصى للنفاس مع فرض الاحتفاظ باستناده إلى الولادة، وتكون نهايتها بنهاية اليوم السابع عشر من تاريخ الولادة.

(64) الدم الذي تراه المرأة حين الطلق وقبل الولادة ليس بنفاس، سواء اتّصل بدم الولادة أم انفصل عنه، وأيضاً ما هو بحيض، إلّا مع العلم بأنّه حيض، وإنّما هو استحاضة. وأمّا ما تراه الحامل من دم قبل الطلق فيطبّق عليه حكم دم الحامل.

(65) لا يشترط أن يفصل بين دم الحيض الذي تراه المرأة قبل الولادة ودم النفاس عشرة أيّام؛ لأنّ هذه العشرة شرط للطهر بين حيضتين؛ لا بين حيض ونفاس.

(66) متى انقطع الدم عن النفساء ونقت اغتسلت وانتهى بذلك نفاسها؛ حتّى ولو

68

كان انقطاعه بعد فترة قصيرة من وقت الولادة، كيوم أو أقلّ من ذلك؛ لما تقدّم من أنّه لا حدّ لأقلّ النفاس.

(67) النفساء إذا كانت ذات عادة عدديّة أقلّ من عشرة أيّام واستمرّ بها دم النفاس وتجاوز عن عدد أيّام عادتها: فإن كانت على يقين بأنّه سيستمرّ حتّى يتجاوز عشرة أيّام من ابتداء رؤية الدم أنهت نفاسها واغتسلت، وجعلت نفسها مستحاضة، وإذا كانت تأمل انقطاع الدم قبل تجاوز العشرة أضافت إلى نفاسها يومين أو أكثر ـ حسب اختيارها ـ على أن لا يزيد المجموع على عشرة، واعتبرت نفسها بعد ذلك مستحاضة.

(68) النفساء إذا لم تكن ذات عادة عدديّة واستمرّ بها الدم واصلت نفاسها، واستمرّت في ترك العبادة ما لم يتجاوز عشرة أيّام، فإذا انقطع دون أن يتجاوز العشرة كان ذلك نفاسها، ومثلها أيضاً ذات العادة العدديّة إذا كان عدد عادتها عشرة أيّام.

(69) إذا استمرّ الدم بالنفساء وتجاوز عشرة أيّام: فإن كانت ذات عادة عدديّة جعلت أيّام عادتها نفاساً والباقي استحاضة، وهذا يعني أن تقضي ما تركته بعد أيّام عادتها من عبادة. وإذا لم تكن ذات عادة عدديّة جعلت الأيّام العشرة كلّها نفاساً وما بعدها استحاضة.

(70) النفساء كالحائض يجب عليها كلّما احتملت انقطاع دم النفاس أن تختبر حالها وتفحص بقطنة، كما تقدّم في أحكام الحيض.

(71) إذا استمرّ الدم بالنفساء وتجاوز العشرة وبقي مستمرّاً مدّةً طويلة وأخذت تعمل عمل المستحاضة فكيف تستطيع أن تعرف أنّ عادتها الشهريّة قد جاءتها بعد نفاسها؟ ومتى تجعل الدم حيضاً؟

والجواب: أنّ هذه المرأة إذا كانت ذات عادة وقتيّة تظلّ على الاستحاضة إلّا في حالتين:

الاُولى: أن ترى الدم في أيّام عادتها، فتعتبره حيضاً ولو لم يكن بصفة الحيض.

69

الثانية: أن تراه بصفة الحيض في غير أيّام العادة متميّزاً بلونه وشدّته عمّا سبقه من دم، فقبل ثبوت طروء الحيض عليها نفتي بكون هذا الدم دم الحيض. وأمّا بعد ذلك فحالها حال الحائض الاعتياديّة التي استمرّ بها الدم بعد انتهاء أيّام العادة والتي يكون حكمها هو الرجوع إلى وقت العادة لا التمييز.

وإذا لم تكن ذات عادة وقتيّة: فإن تميّز بعض الدم بصفة الحيض وكان واجداً لشروطه العامّة اعتبرته حيضاً، وإن كان كلّه فاقداً لصفة الحيض ظلّت على استحاضتها. وإن كان كلّه واجداً لصفة الحيض أصبح حكمها حكم المضطربة، وقد تقدّم في أحكام الحيض، وهو: أن تجعل حيضها في كلّ شهر ستّة أو سبعة أيّام حسب اختيارها، وتعتبر نفسها في غير تلك المدّة من أيّام الشهر مستحاضة.

(72) حكم النفساء والحائض واحد ـ في بعض المحرّمات بالفتوى وفي بعضها بالاحتياط الوجوبي ـ من تحريم مسّ كتابة المصحف، وقراءة آية السجدة من العزائم، والمكوث في المسجد، والوطء، وعدم صحّة الطلاق، ومن المحرّمات وضع شيء في المسجد.

وكما لا تكلّف الحائض بالصلاة والصيام ولا يصحّان منها كذلك النفساء تماماً تترك الصلاة والصيام مادامت في نفاسها، وتقضي بعد ذلك الصيام دون الصلاة، ويباح للنفساء ما يباح للحائض(1).

وصورة الغسل من النفاس تماماً كصورة الغسل من الحيض والاستحاضة والجنابة. وقد تقدّمت كيفيّة الغسل على العموم في الأحكام العامّة للغسل.



(1) تركنا بعض التفاصيل والأحكام في النفاس اختصاراً، وللوقوف عليها راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 279 ـ 280 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (107) ـ (108) مع مراعاة الهامش، وأيضاً: 281، الفقرة: (115).

70

في أحكام الأموات

إذا مات المسلم توجّهت على الأحياء واجبات على سبيل الكفاية، متى قام بها البعض سقطت عن الكلّ، وإذا تركوا جميعاً كانوا مسؤولين ومحاسبين.

الاحتضار:

(73) الاحتضار يكون عند حصول الأجل وزهق الأرواح (أعاننا الله عليه)، والأحوط أن يُلقى المحتضر على ظهره حين النزع، وباطن قدميه إلى القبلة، بحيث لو جلس لاستقبل القبلة بوجهه والجانب الأمامي منه.

وجوب الغسل:

(74) يجب تغسيل الميّت قبل أن يدفن، وإذا دفن بلا غسل لأيّ سبب كان ـ عمداً أو خطأً ـ ولا مضرّة على بدنه من نبش قبره ولا هتك لستره وكرامته ولا شقاق وقتال بين أهله وجب نبشه وإخراجه من القبر وتغسيله إن أمكن، وإلّا يُمّمَ بكيفيّة خاصّة.

مَن يجب تغسيله؟

(75) يجب تغسيل الميّت المسلم إلّا أن يكون شهيداً ـ لاشتراكه في معركة سائغة مشروعة من أجل الإسلام، ولم يدركه المسلمون وبه رمق من الحياة ـ أو يكون قد قتل بحقّ قصاصاً أو رجماً، فإنّ الشهيد ـ بالمعنى المذكور ـ يدفن بعد الصلاة عليه في دمائه وثيابه بلا تغسيل ولا تحنيط، ولا تكفين، وأمّا مَن يُقتل بحقّ قصاصاً أو رجماً

71

فإنّه يؤمر بأن يَغتسِل تماماً كغسل الأموات بالكامل، ثمّ يحنّط ويكفّن كأنّه ميّت،وبعد ذلك كلّه يقدّم للقتل أو للرجم.

وبحكم المسلمين في وجوب التغسيل أطفالهم ومجانينهم، حتّى السقط إذا تمّت له ستّة أشهر يجب تغسيله كالكبير، بل يجب ـ ولو احتياطاً ـ تغسيله قبل ذلك أيضاً إذا صدق عنوان استواء الخلقة.

ولا فرق في الميّت المسلم بين الشيعي والسنّي، فالشرط هو إسلام الميّت مهما كان نوع مذهبه، وأمّا الكافر فلا يجب تغسيله.

على مَن يجب التغسيل؟

(76) يجب تغسيل الميّت على كلّ بالغ عاقل قادر على أداء هذا الواجب. والوجوب هنا كفائي، بمعنى أنّ الواجب يؤدّى ويحصل بقيام بعض الأفراد به، ويسقط عندئذ عن الآخرين، وإذا لم يؤدّ الواجب من قبل أحد كانوا جميعاً آثمين.

كيفيّة الغسل:

(77) يغسّل الميّت ثلاث مرّات:

الاُولى: بالماء مع قليل من السدر. (والسدر: شجر النبق).

والثانية: بالماء مع قليل من الكافور. (والكافور: مادّة عطريّة تُستخرج من شجرة الكافور).

والثالثة: بالماء الخالص دون أن يضاف إليه شيء.

ويجب أن لا يكثر السدر والكافور في الماء خشية أن يصير الماء مضافاً، وأن لا يقلّل خشية أن لا يصدق الوضع والخلط.

72

ومن مات وهو محرِم ولم يكن قد حلّ له الطيب فلا يسوغ أن يوضع شيء من الكافور بماء غسله ولا يحنّط به. وأيضاً يحرم تطييبه أو تطييب كفنه بكلّ ذي رائحة عطرة.

(78) وكما يجب الترتيب بين هذه الأغسال الثلاثة كذلك يجب بين الأعضاء الثلاثة، فيبدأ الغاسل بالرأس مع الرقبة، ثمّ بالجانب الأيمن، ثمّ بالجانب الأيسر. ولابدّ من نيّة القربة في كلّ غسل من الأغسال الثلاثة(1).

شروط الغسل:

(79) لابدّ في غسل الميّت من أن يكون الماء مطلقاً وطاهراً، كما لابدّ أيضاً من طهارة السدر والكافور، وإباحة الجميع، مع عدم الحاجب على بدن الميّت.

(80) ويجب عند تغسيل أيّ موضع من بدن الميّت أن تُزال عنه النجاسة. وإذا أصابت النجاسة موضعاً من جسد الميّت قد غسل أو بعد الفراغ من الغسل فلا تجب إعادة الغسل، وإنّما يجب تطهير ذلك الموضع مادام لم يدفن الميّت تحت الثرى، وإذا خرج من الميّت بول أو مني فلا يعاد غسله؛ حتّى ولو حدث ذلك قبل أن يحمل إلى حفرته، ويكتفى بتطهير المحلّ.

شروط المغَسّل:

(81) وهي اُمور:

الأوّل: البلوغ، فلا يجزي غسل الميّت من الصبي، حتّى ولو غسّله على أكمل وجه، بمعنى أنّ البالغين لا يمكنهم الاكتفاء بذلك.



(1) لمعرفة تفاصيل اُخرى وحكم ما لو تعذّر السدر والكافور أو الغسل راجع الفتاوى الواضحة: 287 ـ 289 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (127) ـ (131) مع مراعاة الهامش.

73

الثاني: العقل، فلا يجزي الغسل من المجنون.

الثالث: الإسلام، فلا يجزي الغسل من الكافر.

الرابع: المماثلة بين الميّت والغاسل، فالذكر يغسّله ذكر، والاُنثى تغسّلها مثلها(1)؛ ما عدا الزوج والزوجة فإنّ لكلٍّ منهما أن يغسّل الآخر.

وأيضاً يسوغ لكلٍّ من الذكر والاُنثى أن يغسّل الطفل غير المميّز، حتّى ولو تجاوز عمره ثلاث سنين، صبيّاً كان أم صبيّة، ونريد بغير المميّز هنا: مَن لم يبلغ السنّ التي يحتشم فيها.

الخامس: أن يكون الغاسل وليّاً للميّت، أو مأذوناً من قبل الولي، وهذا يعني أنّه إذا كان الغاسل وليّاً للميّت صحّ الغسل منه، ولا يحتاج إلى إذن وترخيص من غيره؛ لأنّه الولي، وإن كان الغاسل غير وليّ للميّت وجب عندئذ الاستئذان منه كشرط لصحّة الغسل.

والولي هنا الزوج ـ في ما يعود إلى موت الزوجة ـ فإنّه يُقدّم حتّى على الآباء والأبناء، ومن بعده الفئة الاُولى رتبةً في الميراث، ومن بعدها الثانية، ثمّ الثالثة على التفصيل الموجود في أحكام الإرث. والبالغون في كلّ فئة مقدّمون على غيرهم. وكذلك الأكبر سنّاً إذا كان الفاصل السنّيّ بنحو يجعله أولى عرفاً فالأحوط وجوباً أن يفترض أولى شرعاً أيضاً.

وإذا كانت الفئة تشتمل على ذكور وإناث فالذكورة توجب الأولويّة في العرف المتشرّعي، والأحوط وجوباً أن تعطى له الأولويّة الشرعيّة أيضاً. وإذا كانت الاُنثى هي الأكبر فالأحوط الجمع بين استجازة الاُنثى الأكبر وأكبر الذكور.



(1) لمعرفة حكم ما إذا لم يوجد مماثل مسلم مؤمن مع وجود مَحرم مؤمن غير مماثل وبعض التفاصيل الاُخرى راجع المصدر السابق: 290، الفقرة: (137) مع مراعاة الهامش.

74

وإذا امتنع الولي أن يباشر بنفسه وأن يأذن به إلى غيره سقط اعتبار إذنه، وصحّ تغسيل الميّت من غير إذن، وكذلك أيضاً إذا تعذّر الاستئذان منه، كما إذا كان غائباً ولا يتاح الاتّصال به فلا ينتظر عندئذ إذنه(1).

الحنوط:

(82) التحنيط عند الفقهاء: مسح الكافور براحة الكفّ على الأعضاء السبعة من الميّت التي يسجد عليها المصلّي، وهي: الجبهة، والكفّان، والركبتان، وإبهاما الرجلين. ويكره أن يوضع شيء منه في عين الميّت أو أنفه أو اُذنه أو على وجهه.

وتجب عمليّة التحنيط لكلّ ميّت يجب تغسيله، باستثناء المحرِم لحجٍّ أو عمرة إذا مات، فإنّه لا يحنّط على ما تقدّم. وموضع التحنيط بعد الغسل (وإذا كان الميّت ممّن يُيَمّم بدلاً عن الغسل فالتحنيط بعد التيمّم) وقبل التكفين أو في أثنائه.

ولابدّ أن يكون الكافور طاهراً، ومباحاً، ودقيقاً لا خشناً، وذا رائحة.

ولا تجب النيّة في التحنيط، ويجزي صدوره من كلّ بالغ عاقل مهما كان نوع دينه أو مذهبه، بل يجزي صدوره من غير البالغ العاقل أيضاً إذا أحسن العمل وأتقنه.

الكفن:

(83) بعد أن يغسَّل الميّت المسلم ويحنَّط على الوجه المتقدّم يجب تكفينه بثلاث قطع، ذكراً كان أم اُنثى أم خُنثى، عاقلاً أم غير عاقل، كبيراً أم صغيراً، حتّى السقط إذا استوت خلقته عرفاً، وإلّا يُلَفّ كيف اتّفق ويدفن على الأحوط استحباباً.



(1) تركنا بعض التفاصيل والاستثناءات في المقام اختصاراً، ولمعرفتها راجع المصدر السابق: 291 ـ 292، الفقرة: (139).

75

والقطعة الاُولى من الثلاث: تسمّى «المئزر» يلفّ الميّت من السرّة إلى الركبة، والامتداد إلى الركبة أحوط استحباباً، ويكفي مسمّى المئزر، ويستحبّ أن يكون المئزر مغطّياً للصدر والرجلين.

والثانية: «القميص» من أعلى الكتفين إلى نصف الساق على الأحوط استحباباً، ويكفي مسمّى القميص.

والثالثة: «الإزار» يغطّي البدن بالكامل من أعلى الرأس حتّى نهاية القدم.

والشرط في كلّ قطعة أن تستر ما تحتها.

(84) التكفين كالتغسيل من حيث وجوب الإذن والرخصة من الولي، أمّا نيّة القربة فهي شرط في التغسيل، لا في التكفين.

ويجزي التكفين من أيّ شخص صدر، سواء كان صغيراً أم كبيراً إذا أحسن العمل وأتقنه.

وإذا تعذّر وجود القطع الثلاث أجزأ ما أمكن منها ولو ثوباً واحداً يستر كلّ البدن، وإذا تعذّر الساتر الغامر لكلّ البدن فما يستر الأكثر، وإذا لم يتيسّر إلّا ما يستر العورة تعيّن استعماله(1).

الصلاة:

(85) بعد غسل الميّت وتحنيطه وتكفينه تجب الصلاة عليه وجوباً كفائيّاً إن كان من المسلمين وأهل القبلة، شيعيّاً كان أم سنّيّاً تقيّاً حتّى الشهيد أم شقيّاً حتّى المنتحِر،



(1) لمعرفة شروط الكفن وتفاصيلها راجع المصدر السابق: 294 ـ 295، الفقرة: (143) مع مراعاة الهامش.

76

ذكراً كان أم اُنثى، عاقلاً أم مجنوناً، كبيراً أم صغيراً إذا بلغ سنّ السادسة، أو كان قدتعلّم أو تفهّم معنى الصلاة قبل هذه السنّ.

والصلاة على الميّت عبادة لا تصحّ بدون نيّة القربة. ويعتبر في المصلّي كلّ الشروط التي تقدّمت أنّها معتبرة في المغسّل، سوى المماثلة في الذكورة والاُنوثة فإنّها شرط في المغسّل، وليست شرطاً في المصلّي.

شروط الصلاة:

(86) أمّا شروط الصلاة على الميّت فهي: أن توجد جثّته وتحضر بالفعل، حيث لا صلاة على غائب. وأن يوضع مستلقياً على ظهره، مستورَ العورة بأكفانه أو بشيء آخر إن تعذّر الكفن، وأن يستقبل المصلّي القبلة، ويقف خلف الجنازة محاذياً لها غير بعيد عنها، ورأس الميّت إلى جهة يمين المصلّي، مع عدم الحائل بين المصلّي والميّت، وأن تكون الصلاة من قيام لا من قعود، إلّا لمبرّر شرعي.

وليست الطهارة شرطاً في صحّة الصلاة على الميّت، فتصحّ ممّن لم يكن على وضوء، ومن الجنب، وممّن كان بدنه أو ثوبه نجساً، كما أنّ إباحة اللباس ليست شرطاً فيها، ولا إباحة المكان.

كيفيّة الصلاة:

(87) متى تمّ ما استعرضناه من شروط نوى المصلّي أنّه يصلّي على الميّت قربةً إلى الله تعالى، وكبّر خمساً ـ ويحتمل في المخالف جواز الاكتفاء بأربع تكبيرات، والأحوط وجوباً الخَمس ـ بعدد الفرائض اليوميّة، ويأتي بعد التكبيرة الاُولى

77

بالشهادة لله بالوحدانيّة، ولمحمّد(صلى الله عليه وآله) بالرسالة، وبعد الثانية يصلّي على النبيّ المختار وآله، وبعد الثالثة يدعو للمؤمنين والمؤمنات، وبعد الرابعة يدعو للميّت، ثمّ يختم بالخامسة.

وهذه الصياغة لكيفيّة الدعاء بعد التكبيرات غير واجبة، بل يكفي مسمّى الدعاء والتسبيح والتحميد والتهليل بعد كلّ تكبيرة ما عدا الخامسة، إلّا أنّه يستحبّ الدعاء للميّت، وخاصّةً أن يكون بعد الكبيرة الرابعة، وأن يصلّي قبل ذلك على النبي(صلى الله عليه وآله).

وأفضل من الوجه المعروف الجمع بعد كلّ تكبيرة ـ عدا التكبيرة الأخيرة ـ بين الشهادتين، ثمّ الصلاة على محمّد وآله، ثمّ الدعاء للمؤمنين، ثمّ الدعاء للميّت.

هذا بالنسبة إلى المؤمن.

ولابدّ من التتابع وعدم الفاصل بين التكبيرات الخمس وما يتبعها من شهادة وصلاة على النبيّ وأدعية، ولابدّ من هذا التتابع لحفظ هيئة الصلاة وصورتها، ومن أجل ذلك أيضاً يترك الكلام الخارج منها ـ إذا كان ماحياً لصورتها ـ وفعل أيّ شيء تنمحي معه صورتها وتذهب بهيبة الدعاء والتضرّع لله(1).

الدفن:

(88) يجب دفن كلّ ميّت مسلم ـ ذكراً كان أم اُنثى ـ وجوباً كفائيّاً بالمعنى المتقدّم في الغسل، وكذلك يجب دفن أطفالهم ودفن السقط منهم أيضاً إذا استوت خلقته



(1) لمعرفة باقي أحكام الصلاة على الميّت ولاتّضاح صورة من هذه الصلاة راجع المصدر السابق: 297 ـ 300، الفقرة: (147) ـ 152) مع مراعاة الهامش.

78

عرفاً، وإلّا فإنّه يلفُّ بخرقة ويدفن على الأحوط استحباباً، وإذا انفصل من الإنسان بعد موته وقبل دفنه شيء كالظفر أو السنّ والشعر فيجب دفنه، ولابدّ من جعله فيكفنه ودفنه معه، فإن لم يمكن ذلك كما لو كان قد دُفن الميّت فالأحوط وجوباً دفنه مستقلاًّ، هذا في الأجزاء التابعة كالظفر والسنّ والشعر، أمّا في الأجزاء المهمّة فلا شكّ في وجوب الدفن.

(89) هناك نكتة هامّة مؤثّرة في كثير من أحكام الميّت لابدّ من لفت النظر إليها، وتوضيحها: أنّ الموت موتان: موت القلب وموت المخّ.

وهما في غالب الأحيان مجتمعان في الميّت كما هو الحال في غالب الأموات، فهما يتقارنان فيهم أو يتقدّم ويتأخّر أحدهما عن الآخر بشيء يسير. والأحكام في فرض الاجتماع واضحة لا غبار عليها.

وقد يتّفق موت المخّ مع بقاء القلب نابضاً في مدّة مديدة من الزمن، وهذا يتّفق في ما إذا مات المخّ واُبقي القلب نابضاً بالأدوات والآلات وهذا ما يسمّى عادة بالموت السريريّ، ويفعلون ذلك عادة في ما إذا أرادوا الاستفادة من أعضائه للأحياء فيُخرجون العين ـ مثلاً ـ سالمةً لإهدائها أو بيعها للعميان، وكذلك أعضاء اُخرى.

وهذا حكمه الشرعيّ الأوّلي بشأن المسلم الميّت سريريّاً هو الحرمة؛ لأنّه يجب دفنه بجميع أعضائه، إلّا إذا توقّف واجب أهمّ على ذلك فيجوز، ولكن لهذا المسلم حقّ الدية.

وأمّا بلحاظ باقي أحكام الميّت فأحكام الإرث تجري من حين الموت السريريّ برغم أنّ القلب ينبض بالحياة، وكذلك وجوب تجهيزه وغُسله والصلاة عليه ودفنه

79

إن كان مسلماً، وبدنه نجس ما لم يغسّل بلا إشكال، ولكن مسّه لا يوجب غسل مسّ الميّت؛ لأنّه لم يبرُد.

وقد يتّفق عكس ذلك، أي: أنّ القلب يصاب بسكتة ولكنّ المخّ لم يمت بعدُ كما قيل: «إنّ امرأة اُصيبت بسكتة قلبيّة ثمّ رجعت بفاصل نصف ساعة»، ونُقل عن الأطبّاء أنّ هذه حالة نادرة وغريبة، يعني: أنّ المخّ يموت عادة بعد سكتة القلب بأقلّ من هذا المقدار من الزمان.

وعلي أيّ حال فمتى ما اتّفق شيء من هذا القبيل فهذا الشخص مادام لم يمت مخّه يعدّ حيّاً وليس حكمه حكم الأموات.

كيفيّة الدفن:

(90) بعد تغسيل الميّت وتحنيطه والصلاة عليه يدفن؛ وذلك بمواراته في حفرة من الأرض تمنع عنه الطيور والوحوش، وتكفّ رائحته وضرره عن الناس.

ويجب أن يُلقى في حفرته على جانبه الأيمن؛ موجّهاً وجهه والجانب الأمامي من بدنه إلى القبلة، فيكون رأسه إلى اليمين، ورجلاه إلى اليسار بالنسبة إلى القبلة. ومع الجهل بالقبلة والعجز عن معرفتها فأيّ جهة يظنّ بأنّها هي يوجّه الميّت إليها، وإذا تعذّر العلم والظنّ معاً فإلى أيّ جهة يوجّه فهي كافية ومجزية.

ومن ركب البحر ومات ولا سبيل إلى تأخير جثمانه لمكان الضرر، ولا إلى دفنه في الأرض لبعد المسافة وضع في وعاء صلب يتّسع لجثمانه، واُحكم من كلّ جهاته، وسدّت جميع ثغراته، واُلقي في البحر. هذا بعد غسله وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه.

80

مكان الدفن:

(91) الدفن يجب أن يكون في الأرض كما عرفنا، فلا تجزي مواراته في داخل صندوق ونحوه؛ حتّى ولو جعل الصندوق في بطن الأرض. كما لا يتحقّق الدفن المطلوب شرعاً بوضع الميّت في موضع والبناء عليه فإنّ هذا لا يجوز، حتّى ولو كان الدافع إليه دافعاً مؤقّتاً لانتظار فرصة لنقله إلى المشاهد المشرّفة؛ فإنّ في ذلك تأجيلاً للدفن الواجب شرعاً، فلا مناصَ إذن عن مواراة الميّت في الأرض.

ويجب أن تلاحظ في الأرض التي يدفن فيها الميّت اُمور منها:

أن يكون المكان مباحاً شرعاً، فلا يسوغ الدفن في أرض يملكها الغير بدون إذنه، ولا في أرض موقوفة لغير الدفن(1).

الغسل من مسّ الميّت

(92) مَن مسّ ميّتاً قبل أن يبرد جسمه وتذهب حرارته فلا غسل عليه بهذا المسّ واللمس. أجل، يتنجّس العضو والجزء الذي لمس الميّت إذا كان هو أو جسم الميّت الملموس نديّاً رطباً وتفاعل الماسّ والممسوس بسراية النداوة من أحدهما إلى الآخر، وعندئذ يجب تطهير العضو الماسّ فقط.

وأيضاً مَن مسّ ميّتاً مسلماً بعد غسله فلا شيء عليه إطلاقاً؛ حتّى ولو كان المسّ بنداوة ورطوبة.



(1) أمّا باقي ما يجب ملاحظته في مكان الدفن وغير ذلك من أحكام وتفاصيل عائدة إلى الأموات وتجهيزهم، فنتركه للاختصار. راجع لذلك المصدر السابق: 302 ـ 308، الفقرة: (154) ـ (165) مع مراعاة الهامش.

81

ومن مسّ ميّتاً بعد أن يبرد جسمه وقبل أن يغسل غسل الأموات وجب عليه غسل العضو الماسّ إن تنجّس بالمسّ، كما لو كان بنداوة ورطوبة ووجب عليه أيضاً الغسل من مسّ الميّت.

(93) لا فرق في ذلك من ناحية الميّت الممسوس بين أن يكون الميّت ذكراً أو اُنثى، عاقلاً أو مجنوناً، كبيراً أو صغيراً، حتّى ولو كان سقطاً دبّت فيه الحياة، ولا فرق من ناحية العضو الذي يمسّ به الميّت بين أن يكون المسّ باليد أو بغيرها من المواضع التي يتواجد فيها عادةً حاسّة اللمس، والأحوط وجوباً في فرض اللمس بما لا تتواجد فيه حاسّة اللمس الغسل أيضاً.

ولا فرق من ناحية العضو الممسوس بين أن يكون جزءاً ظاهراً للعيان من البدن كاليد والوجه ـ بل وحتّى الظفر والسن والشعر ـ وبين مسّ الجزء المستتر، كاللسان والأمعاء على فرض بروزها، أو ظهور شيء منها بطعنة في البطن ونحوها، ففي كلّ هذه الحالات يجب غسل مسّ الميّت.

(94) وإذا انفصل جزء من بدن الميّت فالأحوط وجوباً الغسل بمسّه ولمسه سواء كان عظماً أو مشتملاً على العظم أم لا.

(95) ويجوز لمن مسّ الميّت ووجب عليه الغسل بسبب ذلك أن يدخل المساجد والعتبات المقدّسة ويمكث فيها ما شاء وأن يقرأ آيات السجدة من سور العزائم.

(96) وكلّ عمل مشروط بالطهارة من الحدث الأصغر ـ أي الوضوء ـ فهو مشروط بهذا الغسل، كالصلاة وغيرها على ما تقدّم في الوضوء.

(97) وكلّ ما يحرم على المحدث بالحدث الأصغر حتّى يتوضّأ، يحرم أيضاً على مَن يجب عليه هذا الغسل حتّى يغتسل، فيحرم عليه مسّ كتابة المصحف الشريف.

وكيفيّة الغسل من مسّ الميّت هي الكيفيّة العامّة للغسل التي تقدّمت.

82

الأغسال المستحبّة

(98) الأغسال المستحبّة كثيرة، مَن فعلها فهو مأجور، ومَن تركها ليس بمأزور، وأهمّها: غسل الجمعة، واستحبابه مؤكّد في الدين، ويسوغ الإتيان به من طلوع الفجر إلى آخر النهار، ولكنّ الغسل قبل الظهر أفضل من تأخيره إلى بعد الظهر ـ ويحتمل أن تكون هذه الأفضليّة مقدّميّة، أي لدرك الصلاة في أوّل الوقت مع الغسل ـ فإن أخّره نوى به ما هو المطلوب، سواء كان أداءً أو قضاءً، وإذا لم يتيسّر الماء في يوم الجمعة قضاه يوم السبت،وكذلك إذا فاته الغسل يوم الجمعة بأيّ سبب آخر.

(99) ومن الأغسال المستحبّة: غسل يوم عيد الفطر وغسل يوم عيد الأضحى، وغسل اليوم الثامن من ذي الحجّة، وغسل اليوم التاسع منه (يوم عرفة)، وغسل الليلة الاُولى من شهر رمضان، والليلة السابعة عشرة، والليلة التاسعة عشرة، وليلة الحادي والعشرين، وليلة الثالث والعشرين، والغسل عند إرادة الإحرام، وعند دخول الحرم، وعند دخول مكّة، وعند دخول المدينة، وعند دخول البيت الحرام، وغسل المباهلة وغسل الاستسقاء، وغسل الاستخارة، وغسل التوبة؛ إذ يستحبّ للمذنب إذا تاب من ذنبه أن يغتسل وينوي بذلك أنّه يغتسل غسل التوبة قربةً إلى الله تعالى(1).



(1) راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 312 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (172) مع مراعاة الهامش، لمعرفة بعض التفاصيل بشأن الأغسال المستحبّة.

83

التيمّم

(1) التيمّم: هو مسح الجبهة وما حولها إلى الحاجبين بباطن الكفّين، ومسح ظاهر كلٍّ من الكفّين بباطن الاُخرى.

وهو كالوضوء والغسل عبادة لا يصحّ إلّا بنيّة القربة، ويعبّر عنه بالطهارة الترابيّة؛ لأنّه يستعمل فيه التراب تمييزاً له عن الطهارة المائيّة. وأعضاء التيمّم هي المواضع التي يقع المسح عليها أو بها، وتتكوّن من: الجبهة والجبين وباطن الكفّين وظاهرهما.

(2) ويعتبر التيمّم بديلاً عن الوضوء، فمن حصل منه ما يوجب الوضوء تيمَّمَ عوضاً عن الوضوء في حالة عدم تيسّر الوضوء له. كما يعتبر بديلاً عن الغسل أيضاً، فمن حصل منه ما يوجب الغسل تيمَّم عوضاً عن الغسل في حالة عدم تيسّر الغسل، ولهذا يسمّى بالطهارة الاضطراريّة، وفي ما يلي بعض التفاصيل:

مسوّغات التيمّم:

(3) إذا لم يتيسّر الماء أو لم يتيسّر استعماله فيسوغ التيمّم، فهناك إذن مسوّغان رئيسيان للتيمّم، وسوف نتكلّم عنهما تباعاً.

عدم تيسّر الماء:

المسوغ الأوّل: عدم تيسّر الماء الذي يصحّ الوضوء به، ونعني بعدم تيسّر الماء: إحدى الحالات التالية:

(4) الحالة الاُولى: أن لا يوجد الماء في كلّ المساحة التي يقدر المكلّف على

84

الوصول إليها والتحرّك ضمنها مادام وقت الصلاة باقياً، ولا فرق في ذلك بين أن لايوجد ماء بحال أو يوجد منه مقدار يسير لا يكفي لما هو المطلوب من الوضوء أو الغسل، أو يوجد منه ما لا يسوغ الوضوء أو الاغتسال به، كماء نجس أو ماء مغصوب.

(5) الحالة الثانية: أن يكون الماء موجوداً في تلك المساحة، ولكن يصعب الوصول إليه بدرجة يحسّ الإنسان عند محاولة ذلك بالمشقّة الشديدة والحرج، سواء كانت المشقّة جسديّة ـ كما إذا كان الماء في موضع بعيد ـ أو معنويّة، كما إذا كان الماء ملكاً لشخص ولا يأذن بالتصرّف فيه إلّا أن يتذلّل له الإنسان ويعامله بما يشقّ عليه.

(6) الحالة الثالثة: أن يكون الماء موجوداً في تلك المساحة، وقد لا يكون بعيداً أيضاً ولكنّ محاولة الوصول إليه تعرّض الإنسان للضرر أو الخطر، كما إذا كان الإنسان في صحراء وكان الماء على مقربة من سباع مفترسة.

(7) الحالة الرابعة: أن يكون الماء موجوداً في تلك المساحة، ولكنّه ملك لشخص لا يأذن لهذا المكلّف المريد للوضوء بالتوضّؤ منه إلّا إذا دفع ثمناً مجحفاً يضرّ بحاله من الناحية الماليّة.

(8) الحالة الخامسة: أن يكون الماء موجوداً في تلك المساحة، ولكنّ الوصول إليه يتوقّف على ارتكاب اُمور محرّمة، كما إذا كانت الآلة التي يستعملها في الحصول على الماء مغصوبةً وإن كان الماء مباحاً.

ونلاحظ أنّ المكلّف في الحالة الاُولى لا يمكن أن يحصل منه الوضوء، فالواجب عليه هو التيمّم، وفي الحالات الأربع التالية (الثانية إلى الخامسة) قد يمكن أن يتوضّأ ولكنّ الشارع مع هذا لم يأمره به، بل سوّغ له التيمّم، لكنّ المكلّف إذا أصرّ على الوضوء وحصل على الماء متحمّلاً كلّ المضاعفات والصعوبات وجب عليه عندئذ أن يتوضّأ به، وصحّ منه الوضوء.

85

عدم تيسّر استعمال الماء:

المسوّغ الثاني للتيمّم: عدم تيسّر استعمال الماء على الرغم من وجوده وتوفّره، ونعني بعدم تيسّر استعمال الماء: إحدى الحالات التالية:

(9) الحالة الاُولى: أن يكون التوضّؤ أو الاغتسال من الماء لأجل الصلاة غير ممكن؛ لضيق الوقت عن استيعاب الوضوء والصلاة معاً، أو الغسل والصلاة معاً.

(10) الحالة الثانية: أن يكون التوضّؤ أو الاغتسال للصلاة ـ مثلاً ـ ممكناً، ولكنّه مضرّ بالإنسان من الناحية الصحّيّة؛ نظراً لمرضه، أو لأيّ سبب آخر، والضرر الصحّي يشمل نشوء المرض وتفاقمه وطول أمده.

(11) الحالة الثالثة: أن يكون استعمال الماء في الوضوء أو الغسل ممكناً ولا ضرر صحّي، ولكنّه شاقّ على المكلّف وسبب للحرج، كما إذا كان الماء والجوّ بارِدَين بدرجة يتألّم الإنسان عند استعمال ذلك الماء ألماً شديداً محرجاً له.

(12) الحالة الرابعة: أن يكون استعمال الماء في الوضوء أو الغسل يؤدّي إلى التعرّض للعطش على نحو يوقع المتوضّئ في الخطر أو الضرر أو الحرج، والألم الشديد.

وقد لا يكون المتعرّض لضرر العطش أو خطره نفس المتوضّئ شخصيّاً، بل شخصاً آخر ممّن تجب صيانته، أو كائناً حيّاً ممّن يهمّه أمره، أو يضرّه فقده كفرسه، أو يجب عليه حفظه، كما إذا اُودع لديه حيوان.

(13) الحالة الخامسة: أن يكون على بدن المكلّف نجاسة، أو على ثوبه الذي لا يملك غيره للستر الواجب في الصلاة وعنده ماء يكفي لإزالة النجاسة فقط أو للوضوء فقط، فيسوغ للمكلّف أن يغسل بدنه وثوبه من النجاسة ويتيمّم للصلاة، كما