139

للموقوف عليهم الشفعة على الأقوى وإن كان الموقوف عليه واحداً، وإذا بيع الوقف في مورد يجوز بيعه ففي ثبوت الشفعة للشريك قولان، أقربهما ذلك.

(مسألة: 8) يشترط في ثبوت الشفعة أن تكون العين المبيعة مشتركةً بين اثنين، فإذا كانت مشتركةً بين ثلاثة فما زاد وباع أحدهم لم تكن لأحدهم شفعة. نعم، إذا باعوا جميعاً إلّا واحداً منهم كان للواحد الشفعة، وإذا كانت بين شريكين فباع أحدهما بعض حصّته ثبتت الشفعة للآخر.

 

فصل في الشفيع:

(مسألة: 1) يعتبر في الشفيع الإسلام إذا كان المشتري مسلماً، فلا شفعة للكافر على المسلم وإن اشترى من كافر، وتثبت للمسلم على الكافر، وللكافر على مثله.

(مسألة: 2) يشترط في الشفيع أن يكون قادراً على أداء الثمن، فلا تثبت للعاجز عنه وإن بذل الرهن أو وجد له ضامن، إلّا أن يرضى المشتري بذلك. نعم، إذا ادّعى غيبة الثمن اُجِّل ثلاثة أيّام، وإذا ادّعى أنّ الثمن في بلد آخر اُجِّل بمقدار وصول المال إليه وزيادة ثلاثة أيّام، فإن انتهى الأجل فلا شفعة، ويكفي في الثلاثةأيّام التلفيق، كما أنّ مبدأها زمان الأخذ بالشفعة، لا زمان البيع.

(مسألة: 3) إذا كان التأجيل ثلاثة أيّام أو إلى زمان نقل الثمن من البلد الآخر حيث يدّعي وجوده فيه يوجب الضرر على المشتري فالظاهر سقوط الشفعة(1).

(مسألة: 4) إذا كان الشريك غائباً عن بلد البيع وقت البيع جاز له الأخذ بالشفعة إذا حضر البلد وعلم بالبيع وإن كانت الغيبة طويلة، وإذا كان له وكيل مطلق في البلد أو في خصوص الأخذ بالشفعة جاز لذلك الوكيل الأخذ بالشفعة عنه.



(1) قال اُستاذنا الشهيد ـ ونِعْم ما قال ـ: «لا يخلو من إشكال. نعم، إذا كان البلد الآخر بعيداً على نحو يستوجب السفر إليه تأجيلاً غير متعارف فلا شفعة».

140

(مسألة: 5) تثبت الشفعة للشريك وإن كان سفيهاً أو صبيّاً أو مجنوناً، فيأخذ لهم الوليّ، بل إذا أخذ السفيه بإذن الوليّ صحّ، وكذا الصبيّ على احتمال قويّ.

(مسألة: 6) تثبت الشفعة للمفلَّس إذا رضي المشتري ببقاء الثمن في ذمّته، أو استدان الثمن من غيره، أو دفعه من ماله بإذن الغرماء.

(مسألة: 7) إذا أسقط الوليّ على الصبيّ أو المجنون أو السفيه حقّ الشفعة لم يكن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والرشد والعقل، وكذا إذا لم يكن الأخذ بها مصلحةً فلم يطالب، أمّا إذا ترك المطالبة بها مساهلةً منه في حقّهم فالظاهر أنّ لهم المطالبة بها بعد البلوغ والرشد.

(مسألة: 8) إذا كان المبيع مشتركاً بين الوليّ والموَلّى عليه فباع الوليّ عنه جاز له أن يأخذ بالشفعة على الأقوى(1)، وكذا إذا باع الوليّ عن نفسه فإنّه يجوز له أن يأخذ بالشفعة للمولّى عليه(2)، وكذا الحكم في الوكيل إذا كان شريكاً مع الموكِل(3).

 

فصل في الأخذ بالشفعة:

(مسألة: 1) الأخذ بالشفعة من الإنشائيّات المعتبر فيها الإيقاع، ويكون بالقول، مثل أن يقول: أخذت المبيع المذكور بثمنه، وبالفعل، مثل أن يدفع الثمن ويستقلّ بالمبيع.



(1) بيع الوليّ لحصّة المولّى عليه يكون غالباً قرينةً عرفيّةً على إسقاطه لحقّ نفسه في الشفعة. نعم، فيما لو لم تتمّ هذه القرينة كما لو باع حصّة المولّى عليه بثمن اعتقد أنّه أكثر من ثمن المثل بكثير، فلم يرده لنفسه، ثمّ تبيّن له عدمه، صحّ ما في المتن.

(2) هنا أيضاً قد يكون بيع الوليّ لحصّة نفسه قرينةً على إسقاط حقّ المولّى عليه، ولكن حينما تنتفي هذه القرينة كما لو كان غافلاً عن أنّ من صالح المولّى عليه جعل البيع له، ثمّ التفت إلى ذلك يصحّ ما في المتن.

(3) يعني وكيلاً مطلقاً، أي: حتّى في الأخذ بالشفعة. وهنا أيضاً تأتي نفس الملاحظة التي شرحناها في الوليّ في التعليقين السابقين.

141

(مسألة: 2) لا يجوز للشفيع أخذ بعض المبيع وترك بعضه، بل إمّا أن يأخذ الجميع أو يدع الجميع.

(مسألة: 3) الشفيع يأخذ بقدر الثمن، لا بأكثر منه، ولا بالأقلّ، ولا يلزم أن يأخذ بعين الثمن، بل له أن يأخذ بمثله إن كان مثليّاً، وفي ثبوت الشفعة في الثمن القيميّ بأن يأخذ المبيع بقيمته قولان، أقواهما العدم(1).

(مسألة: 4) إذا غُرِّم المشتري شيئاً من اُجرة الدلاّل أو غيرها، أو تبرّع به للبائع من خلعة ونحوها لم يلزم الشفيع تداركه، وإذا حطّ البائع شيئاً من الثمن للمشتري لم يكن للشفيع تنقيصه.

(مسألة: 5) الأقوى لزوم المبادرة إلى الأخذ بالشفعة، فيسقط مع المماطلة والتأخير بلا عذر، ولا يسقط إذا كان التأخير عن عذر، كجهله بالبيع، أو جهله باستحقاق الشفعة، أو توهّمه كثرة الثمن فبان قليلا، أو كون المشتري زيداً فبان عمراً، أو أنّه اشتراه لنفسه فبان لغيره أو العكس، أو أنّه واحد فبان اثنين أو العكس، أو أنّ المبيع النصف بمئة فتبيّن أنّه الربع بخمسين، أو كون الثمن ذهباً فبان فضّة، أو لكونه محبوساً ظلماً أو بحقٍّ يعجز عن أدائه، وكذا أمثال ذلك من الأعذار.

(مسألة: 6) المبادرة اللازمة في استحقاق الأخذ بالشفعة يراد منها المبادرة على النحو المتعارف الذي جرت به العادة، فإذا كان مشغولا بعبادة واجبة أو مندوبة لم يجب عليه قطعها، وإذا كان مشغولا بأكل أو شرب لم يجب قطعه، ولا يجب عليه الإسراع في المشي، ويجوز له إن كان غائباً انتظار الرفقة إذا كان الطريق مخوفاً، أو انتظار زوال الحرِّ أو البرد إذا جرت العادة بانتظاره، وقضاء وطره من الحمّام إذا علم بالبيع وهو في الحمّام، وأمثال ذلك ممّا جرت العادة



(1) قد حقّقنا في محلّه عدم انقسام الأجناس إلى قسمين: مثليّ وقيميّ، فالصحيح في المقام أنّ من له حقّ الشفعة له أن يأخذ بحقّه، وأن يرجع إلى دفع القيمة يوم الأداء.

142

بفعله لمثله. نعم، يشكل مثل عيادة المريض وتشييع المؤمن ونحو ذلك إذا لم يكنتركه موجباً للطعن فيه، وكذا الاشتغال بالنوافل ابتداءً، والأظهر السقوط(1).

(مسألة: 7) إذا كان غائباً عن بلد البيع وعلم بوقوعه وكان يتمكّن من الأخذ بالشفعة بالتوكيل فلم يبادر إليه سقطت الشفعة.

(مسألة: 8) لا بدّ في الأخذ بالشفعة من إحضار الثمن، ولا يكفي قول الشفيع: « أخذت بالشفعة » في انتقال المبيع إليه، فإذا قال ذلك وهرب أو ماطل أو عجز عن دفع الثمن بقي المبيع على ملك المشتري، لا أنّه ينتقل بالقول إلى ملك الشفيع وبالعجز أو الهرب أو المماطلة يرجع إلى ملك المشتري.

(مسألة: 9) إذا باع المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة لم تسقط، بل جاز للشفيع الأخذ من المشتري الأوّل بالثمن الأوّل فيبطل الثاني، ولا تجزي الإجازة منه في صحّته له، وله الأخذ من المشتري الثاني بثمنه فيصحّ البيع الأوّل، وإذا زادت العقود على الاثنين: فإن أخذ بالسابق بطل اللاحق، وإن أخذ باللاحق صحّ السابق، وإن أخذ بالمتوسّط صحّ ما قبله وبطل ما بعده.

(مسألة: 10) إذا تصرّف المشتري بالمبيع بغير البيع من وقف، أو هبة لازمة أو غير لازمة، أو بجعله صداقاً، أو غير ذلك ممّا لا شفعة فيه كان للشفيع الأخذ بالشفعة بالنسبة إلى البيع، فتبطل التصرّفات اللاحقة له.

(مسألة: 11) الشفعة من الحقوق، فتسقط بالإسقاط، ويجوز تعويض المال بإزاء إسقاطها وبإزاء عدم الأخذ بها، لكن على الأوّل لا يسقط إلّا بالإسقاط، فإذا لم يسقطه وأخذ بالشفعة صحّ وكان آثماً ولم يستحقَّ المال المبذول، وعلى الثاني إذا أخذ بالشفعة لم يصحّ، والمشهور أنّه يصحّ الصلح عليه نفسه، فيسقط بذلك لا بالإسقاط،



(1) ما لم يصدق عنوان المماطلة والتسويف لا يسقط.

143

ولا يخلو من إشكال(1)، والظاهر أنّه لا إشكال في أنّه لا يقبل الانتقال إلى غير الشفيع.

(مسألة: 12) إذا باع الشريك نصيبه قبل الأخذ بالشفعة فالظاهر سقوطها(2)، خصوصاً إذا كان بيعه بعد علمه بالشفعة.

(مسألة: 13) المشهور اعتبار العلم بالثمن في جواز الأخذ بالشفعة، فإذا أخذ وكان جاهلا به لم يصحّ، لكنّ الصحّة لا تخلو من وجه إلّا أن يكون الجهل مانعاً من القدرة على تسليم الثمن.

(مسألة: 14) إذا تلف تمام المبيع قبل الأخذ بالشفعة سقطت، وإذا تلف بعضه دون بعض لم تسقط وجاز له أخذ الباقي بتمام الثمن من دون ضمان على المشتري، وإذا كان التلف بعد الأخذ بالشفعة: فإن كان التلف بفعل المشتري ضمنه، وإن كان بغير فعله ففيه إشكال، والأحوط الضمان(3).

(مسألة: 15) الشفعة تورَث كما يورث المال على الأقوى، وليس لبعض الورثة الأخذ بها ما لم يوافقه الباقون، وإذا أسقط بعضهم حقّه: ففي سقوط حقّ الباقي أو بقائه فله أن يأخذ بمقدار حقّه أو استقلاله بالحقّ فله أن يأخذ بالجميع وجوه، أقواها الأوّل(4).

 



(1) بل الظاهر أنّه هو الصحيح.

(2) المقصود: أنّ من يريد أن يُعمل حقّ الشفعة لو باع نصيبه، فقد خرج عن كونه شريكاً، فلا شفعة له.

(3) أفاد اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) ـ ونِعْم ما أفاد ـ: «أنّ الظاهر عدم الضمان، إلّا مع فرض احتفاظ المشتري بالمبيع تحت يده بوجه غير مشروع».

(4) الظاهر أنّ الشفعة لا تورث(1).


(1) لخبر طلحة بن زيد. الوسائل، ج 25 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 12 من الشفعة، ص 407.

144

(مسألة: 16) إذا أسقط الشفيع حقّه قبل البيع لم يسقط، وكذا إذا شهد على البيعأو بارك للمشتري، إلّا أن تقوم القرينة على إرادة الإسقاط بعد البيع(1).

(مسألة: 17) إذا كانت العين مشتركةً بين حاضر وغائب وكانت حصّة الغائب بيد ثالث فباعها بدعوى الوكالة عن الغائب جاز الشراء منه والتصرّف فيه، وهل يجوز للشريك الحاضر الأخذ بالشفعة بعد اطّلاعه على البيع؟ إشكال وإن كان أقرب، فإذا حضر الغائب وصدّق فهو، وإن أنكر كان القول قوله بيمينه، فإذا حلف انتزع الحصّة من يد الشفيع، وكان له الاُجرة إن كانت ذات منفعة مستوفاة، أو مطلقاً على قول(2)، فإن دفعها إلى المالك رجع بها على مدّعي الوكالة.

(مسألة: 18) إذا كان الثمن مؤجّلا جاز للشفيع الأخذ بالشفعة بالثمن المؤجّل، وفي وجوب إلزامه بالكفيل إشكال(3)، ويجوز أيضاً الأخذ بالثمن حالا إن رضي المشتري به(4).



(1) احتمال القرينيّة قد يكون موجوداً في المباركة للمشتري، ولكن وجوده في مجرّد الشهادة على البيع بعيد جدّاً.

(2) هذا القول ضعيف(1).

(3) الصحيح هو جواز إلزامه بالكفيل.

(4) الغالب هو: أنّ حقّ التأجيل إنّما يجعل للمشتري، لا للبائع، فإن كان كذلك، فلا داعي لا شتراط رضا المشتري بالتعجيل؛ إذ يجوز للشفيع أن يعطي برضاه لشريكه ما هو أغلى من الثمن الذي باعه على المشتري الأوّل بعنوان التبرّع والإحسان، لا بعنوان الاستحقاق، ولا علاقة للمشتري الأوّل بذلك، فكون الثمن النقديّ أغلى من الثمن المؤجّل لا يخلق مشكلة في المقام إن كان بعنوان الإحسان البحت.


(1) لأنّه ليس هو الذي فوّت الاستيفاء على المالك الغائب، وقد ذكرنا شرح الكلام في مثل ذلك في كتابنا في البيع المخطوط.

145

(مسألة: 19) المشهور أنّ الشفعة لا تسقط بالإقالة، فإذا تقايلا جاز للشفيع الأخذ بالشفعة فينكشف بطلان الإقالة، فيكون نماء المبيع بعدها للمشتري، ونماء الثمن للبائع كما كان الحال قبلها كذلك، ولكنّه لا يخلو من إشكال(1).

(مسألة: 20) إذا كان للبائع خيار ردِّ العين فالظاهر ثبوته وسقوط الشفعة(2)، أ مّا ثبوت سائر الخيارات معها فمحلّ إشكال(3).

(مسألة: 21) إذا كانت العين معيبةً فإن علمه المشتري فلا خيار له ولا أرش، فإذا أخذ الشفيع بالشفعة: فإن كان عالماً به فلا شيء له، وإن كان جاهلا كان له



(1) الصحيح هو ما قاله المشهور.

(2) لو أعمل الشفيع شفعته قبل إرجاع البائع للعين، لم تبقَ عين لدى المشتري حتّى يمكن للبائع إعمال خيار ردّ العين، ولو أعمل البائع فسخ العقد قبل إعمال الشفيع شفعته، سقط حقّ الشفعة؛ لأنّ الخيار متعلّق بالعقد، فبإعماله قد أزال العقد.

(3) لا تنافي بين حقّ الشفعة وتلك الخيارات، فكلاهما يثبتان في عرض واحد، فإن أعمل البائع خياره وأزال العقد قبل إعمال الشفيع شفعته، ارتفع موضوع حقّ الشفعة، وإن فسخ البائع بعد إعمال الشفيع شفعته أو مقارناً لإعمال الشفيع شفعته، فبما أنّ حقّ الشفعة له تعلّق بالعين، تصبح العين ـ أعني: حصّة الشريك ـ ملكاً للشفيع، ويرجع الفاسخ إلى المثل أو القيمة.

أمّا لو كان ذو الخيار هو المشتري، ففسخه لا يعني رفع موضوع الشفعة، وإنّما فسخه تصرّف مترتّب على بيع البائع، فلو فسخ ثمّ أخذ الشريك بالشفعة، انكشف بطلان الفسخ؛ لأنّ إعمال الشفعة يُلغي كلّ ما يترتّب على العقد الذي أعمل الشفيع شفعته بلحاظه، ولو أعمل الشفيع شفعته ثمّ أعمل المشتري خياره، فإمّا أنّ خياره كان منوطاً ببقاء العين، كخيار العيب ـ مثلاً ـ أو لا، ففي الأوّل لا يبقى مجال لفسخه، وفي الثاني يرجع البائع على المشتري بالمثل أو القيمة.

146

الخيار في الردّ، وليس له اختيار الأرش(1)، وإذا كان المشتري جاهلا كان له الأرش، ولا خيار له في الردّ(2)، فإذا أخذ الشفيع بالشفعة لم يبعد رجوعه على المشتري بالأرش(3) حتّى إذا كان قد أسقطه عن البائع، وإذا اتّفق اطّلاع المشتري على العيب بعد أخذ الشفيع فالظاهر أنّ له أخذ الأرش(4)، وعليه دفعه إلى الشفيع(5)، وإذا اطّلع الشفيع عليه دون المشتري فليس له مطالبة البائع بالأرش، ولا يبعد جواز مطالبة المشتري به(6).



(1) حقّ الردّ ثابت له بمقتضى القاعدة بسبب جهله؛ لأنّ رضاه في نظر العقلاء رضىً معيب، فبحكم العقلاء يكون له حقّ التراجع، وهذا الحقّ العقلائيّ ممضى بلا ضرر، وأمّا الأرش فلا دليل عليه.

(2) بل له خيار الفسخ قبل أخذ الشريك بالشفعة، فإن لم يفسخ حتّى أخذ الشريك بها، فقد ارتفع موضوع الخيار؛ لأنّ أصل المعاملة ابتعدت عنه، وإن فسخ ثمّ أخذ الشريك بها، كانت الشفعة كاشفة عن بطلان الفسخ؛ لأنّ الأخذ بالشفعة يبطل جميع التصرّفات الاعتباريّة المترتّبة على التصرّف الذي سلبه الشفيع عن شريكه.

(3) لم أعرف وجهاً مقبولاً لرجوعه على المشتري بالأرش.

(4) بعد أن عجز عن ردّ العين.

(5) أي: دفعه ولو ببدله، ولا يجب عليه دفعه بشخصه.

(6) لم أهتدِ إلى وجه مقبول لرجوعه على المشتري بالأرش كما أشرنا إلى ذلك في التعليق على قول المصنّف: «لم يبعد رجوعه على المشتري بالأرش» من هذه المسألة.

147

المعاملات

3

 

 

 

كتاب الإجارة

 

 

 

○  شروط المتعاقدين والعوضين وأحكامها.

○  لزوم الإجارة والأحكام التابعة لها.

○  الأحكام الراجعة إلى التسليم أو القبض.

○  الضمان في الإجارة وأحكام اُخرى.

○  مسائل متفرّقة.

148

 

 

149

 

 

 

 

 

وهي المعاوضة على المنفعة، عملا كانت أو غيره، فالأوّل مثل إجارة الخيّاط للخياطة، والثاني مثل إجارة الدار.

(مسألة: 1) لا بدّ فيها من الإيجاب والقبول(1)، فالإيجاب مثل قول الخيّاط: آجرتك نفسي، وصاحب الدار: آجرتك داري، والقبول قول المستأجر: قبلت، ويجوز وقوع الإيجاب من المستأجر، مثل: استأجرتك لتخيط ثوبي، واستأجر دارك، فيقول المؤجر: قبلت.

 

[شروط المتعاقدين والعوضين وأحكامها:]

(مسألة: 2) يشترط في المتعاقدين أن لا يكون أحدهما محجوراً عن التصرّف لصغر، أو جنون، أو سفه، أو تفليس، أو رقّ. كما يشترط أن لا يكون أحدهما مكرهاً على التصرّف إلّا أن يكون الإكراه بحقّ.

(مسألة: 3) يشترط في كلٍّ من العوضين اُمور:

الأوّل: أن يكون معلوماً بحيث لا يلزم الغرر على الأحوط، فالاُجرة إذا كانت من المكيل أو الموزون أو المعدود لا بدّ من معرفتها بالكيل أو الوزن أو العدّ، وما يعرف منها بالمشاهدة لا بدّ من مشاهدته أو وصفه على نحو ترتفع الجهالة، وأ مّا المنفعة



(1) ولو بالمعاطاة بعد التوافق السابق على المدّة، أو كيفيّة العمل، أو كمّيّته، أو نحو ذلك.

150

فالعلم بها: إمّا بتقدير المدّة(1) مثل سكنى الدار سنةً أو شهراً، أو المساحة مثل ركوب الدابّة فرسخاً أو فرسخين. وإمّا بتقدير موضوعها مثل خياطة الثوب المعلوم طوله وعرضه ورقّته وغلظته، ولا بدّ من تعيين الزمان في جميع ذلك(2)، فإذا استأجر الدار للسكنى سنةً والدابة للركوب فرسخاً والخياط لخياطة الثوب المعيَّن من دون تعيين الزمان بطلت الإجارة، إلّا أن تكون قرينة على التعيين، كالإطلاق الذي هو قرينة على التعجيل.

الثاني: أن يكون مقدوراً على تسليمه، فلا تصحّ إجارة العبد الآبق، وإذا ضمّ ضميمةً فالأقرب البطلان(3).



(1) قد يتّفق عدم الحاجة في رفع الغرر إلى تعيين الزمان أو المساحة، كما إذا استأجر سيّارة للحجّ باُجرة محدّدة، فإنّ الإجارة تصحّ ولو لم يكن لدى المستأجر علم بخصوصيّة السفر مدّةً أو امتداداً، فإنّ لهذه الاُجرة بعنوانها قيمة سوقيّة متعارفة.

(2) أفاد اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): لا يجب تعيين الزمان، ومع عدم التعيين يكون المملوك بالإجارة للمستأجر من ناحية الزمان على نحو الكلّيّ في المعيّن، ويجوز له إلزام الطرف بتطبيقه على الفرد الأوّل. ونِعْم ما أفاده(رحمه الله). وهذا يعني أنّه لو آجر الدار سنة مثلاً بشكل الكلّيّ في المعيّن جاز للمستأجر إلزام المؤجر بتطبيقه على السنة الاُولى.

(3) إن كان من المقطوع به عدم إمكان تحصيل المستأجر إيّاه للاستفادة، فعدم إمكان رفع الإشكال بضمّ الضميمة له وجه معقول، ولعلّ هذا هو مورد قصد المصنّف(رحمه الله). وأمّا إن كان من المحتمل إمكان تحصيله وإنّما المشكلة مشكلة الغرر والمخاطرة، فعدم كفاية ضمّ الضميمة لحلّ الإشكال موقوف على الإيمان بعموميّة النهي عن الغرر، واحتياج كفاية ضمّ الضميمة إلى نصّ خاصّ، وهو غير وارد إلّا في باب البيع(1) أو باب بيع أثمار الأشجار(2)،


(1) الوسائل، ج 17 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 8 و 10 و 11 و 12 من عقد البيع وشروطه.

(2) الوسائل، ج 18 بحسب تلك الطبعة، في أبواب بيع الثمار.

151

الثالث: أن تكون العين المستأجرة ذات منفعة، فلا تصحّ إجارة الأرض التي لا ماء لها للزراعة.

الرابع: أن تكون العين ممّا يمكن الانتفاع بها مع بقائها، فلا تصحّ إجارة الخبز للأكل.

الخامس: أن تكون المنفعة محلّلة، فلا تصحّ إجارة المساكن لإحراز المحرّمات، ولا الجارية للغناء.

السادس: إمكان حصول المنفعة للعين المستأجرة، فلا تصحّ إجارة الحائض لكنس المسجد(1).

(مسألة: 4) إذا آجر مال غيره توقّفت صحّة الإجارة على إجازة المالك، وإذا آجر مال نفسه وكان محجوراً لسفه أو رقٍّ توقّفت على إجازة الوليّ، وإذا كان مكرَهاً توقّفت على الرضا لا بداعي الإكراه، وإذا آجر السفيه نفسه لعمل ففي الصحّة إشكال، والأحوط الاستئذان من الوليّ.

(مسألة: 5) إذا استأجر دابّةً للحمل فلا بدّ من تعيين الحمل، وإذا استأجر دابّةً للركوب فلا بدّ من تعيين الراكب، وإذا استأجر دابّةً لحرث جريب من الأرض فلا بدّ من تعيين الأرض. نعم، إذا كان اختلاف الراكب أو الحمل أو الأرض لا يوجب اختلافاً في الماليّة لم يجب التعيين(2).

(مسألة: 6) إذا قال: آجرتك الدار شهراً أو شهرين بطلت الإجارة، وكذا إذا



ولكن الواقع أنّ نصّاً صحيحاً على المنع عن الغرر بإطلاقه غير موجود، وإنّما النصّ الصحيح وارد في البيع، أو في بيع أثمار الأشجار، وكلاهما مخصوصان بعدم ضمّ الضميمة.

(1) لو كان كنس المسجد حراماً على الحائض، صحّ هذا الكلام، ولكن كنس المسجد ليس حراماً عليها، وإنّما هو متوقّف على مقدّمة محرّمة، وهذا لا يبطل الإجارة.

(2) ولو لاحظ في الاستيجار تمام المراتب، صحّ أيضاً كما أفاده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله).

152

قال: آجرتك كلّ شهر بدرهم(1)، وإذا قال: آجرتك شهراً بدرهم فإن زدت فبحسابه: فإن أراد المعنى الأوّل بطلت، وإن أراد الإجارة في الشهر الأوّل والإجارة ثانياً في الباقي صحّت في الأوّل وبطلت في الزائد(2)، هذا إذا كان بعنوان الإجارة، أ مّا إذا كان بعنوان الجعالة بأن تكون الاُجرة مبذولةً بإزاء إباحة المنفعة لا المنفعة نفسها فلا بأس على إشكال، ولعلّ مرجع الإباحة بالعوض إلى هذا أيضاً فيكون العوض للإباحة، لا للمباح(3).



(1) مع فرض العلم بوقوع الاستيلاء من المستأجر والشكّ في مدّة الاستيلاء يمكن أن يريد بهذا الكلام الإيجار بمقدار مدّة الاستيلاء مع تعيين ثمن الاُجرة بمقياس كلّ شهر بدرهم، فإن اُريد هذا المعنى ولم يكن ضبط مجموع المدّة مقوّماً لماليّة المنفعة، لم يبقَ غرر أو إشكال في هذه الإجارة.

(2) بل أمكن التصحيح بالشكل الذي مضى في التعليق السابق.

(3) تصوّر المصنّف(رحمه الله)مقابلة كلّ شهر بدرهم بأشكال ثلاثة:

الأوّل: إجارة كلّ شهر بدرهم. وقد أفتى في ذلك بالبطلان كما مضى.

والثاني: الجعالة، وفسّرها بجعل الثمن مبذولاً بإزاء إباحة المنفعة، لا نفس المنفعة. وقال بشأنه: «فلا بأس على إشكال»، ولعلّ المقصود الإشكال في تصوير الجعالة بهذا المعنى.

والثالث: الإباحة بالعوض. واحتمل رجوع ذلك إلى ما أسماه بالجعالة، أي: الشكل الثاني.

أقول: إنّ الإباحة بعوض، أو جعل الإجارة بإزاء إباحة المنفعة ليس جعالة، بل إنّ مرجع ذلك ـ كما أفاده اُستاذنا الشهيد ـ إمّا إلى كون العوض قيداً للإباحة، وهذا يعني: أنّ الإباحة مشروطة بدفع العوض، وإمّا إلى كون العوض قيداً لمتعلّق الإباحة، وهذا يعني: إباحة المالك الانتفاع بماله على وجه الضمان مع تعيين ما به الضمان.

أمّا لو أرجعنا ذلك إلى الجعالة بأن جعل المنتفع درهماً مثلاً لمالك الدار إن أباح له

153

(مسألة: 7) إذا قال: «إن خِطتَ هذا الثوب بدَرز فلك درهم، وإن خِطتهبدَرزين فلك درهمان»: فإن قصد الجعالة كما هو الظاهر صحّ(1)، وإن قصدالإجارة بطل، وكذا إن قال: «إن خِطته هذا اليوم فلك درهم، وإن خطته غداً فلك نصف درهم». والفرق بين الإجارة والجعالة: أنّ في الإجارة إشغال ذمّة العامل بالعمل للمستأجر حين العقد، وكذا إشغال ذمّة المستأجر بالعوض، ولأجل ذلك صارت عقداً، وليس ذلك في الجعالة، فإنّ اشتغال ذمّة المالك بالعوض يكون بعد عمل العامل من دون إشغال لذمّة العامل بالعمل أبداً، ولأجل ذلك صارت إيقاعاً.

(مسألة: 8) إذا استأجره على عمل مقيَّد بقيد خاصٍّ من زمان، أو مكان، أو آلة، أو وصف فجاء به على خلاف القيد بطلت الإجارة(2) إن لم يمكن العمل ثانياً



المنفعة، لزم من ذلك إباحة المنفعة له حتّى ولو عصى ولم يملّكه درهماً خارجيّاً، وهذا خلاف المقصود يقيناً.

نعم، يمكن تصوّر الجعالة بنحو لا يلزم منه هذا المحذور بفرض المنفعة جُعلاً من قبل مالك الدار لمن ملّكه درهماً مثلاً.

(1) ولو قصد الاستئجار لدرز واحد مع شرط أن يكون للأجير درهم آخر لو خاط الثوب بدرزين، صحّ أيضاً، كما أفاده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله).

(2) إن لم يمكن تدارك القيد، بطلت الإجارة في صورة وقوعها على العمل الخارجيّ.

أمّا في صورة وقوعها على الذمّة، فلا تلف للكلّيّ في الذمّة، فالأجير يستحقّ تمام الاُجرة، والمستأجر يستحقّ العمل الخاصّ، وحيث إنّه لا يمكن تسليمه فيستحقّ المستأجر اُجرة مثله، وهي قد تساوي الاُجرة المسمّاة، وقد تنقص، وقد تزيد.

نعم، لو كان من أوّل الأمر عاجزاً عن الإتيان بذاك المقيّد في وقته، ولم يكن العجز نتيجة تأخير الأجير، فهذا يكشف عن بطلان الإيجار.

154

ولم يستحقّ شيئاً. وإن أمكن وجب الإتيان بالعمل ثانياً على النهج الذيوقعت عليه الإجارة، وإذا استأجره على عمل بشرط بأن كان إنشاء الشرط في ضمن عقد الإجارة كما استأجره على خياطة ثوبه واشترط عليه قراءة سورة من القرآن، فخاط الثوب ولم يقرأ السورة كان له فسخ الإجارة، وعليه حينئذ اُجرة المثل، وله إمضاؤها ودفع الاُجرة المسمّاة. والفرق بين القيد والشرط: أنّ القيد مايذكر في العقد مقيّداً به العمل مع وحدة الإنشاء(1)، سواء امتنع أن يكون موضوعاً لإنشاء مستقلٍّ مثل الزمان والمكان ونحوهما، أم لم يمتنع، مثل أن يستأجره على الخياطة قارئاً للقرآن. والشرط ما كان موضوعاً لإنشاء مستقلٍّ في ضمن إنشاء العقد، مثل أن يستأجره على خياطة الثوب وفي ضمن العقد يقول: وعليك قراءة القرآن في حال الخياطة أو في حال اُخرى.

(مسألة: 9) إذا استأجر منه دابّةً إلى « كربلاء » بدرهم واشترط له على نفسه أنّه إن أوصله نهاراً أعطاه درهمين صحّ، وكذا العكس بأن استأجرها بدرهمين واشترط عليه أن يعطيه درهماً واحداً إن لم يوصله نهاراً، أ مّا إذا استأجرها على أن يوصله نهاراً بدرهمين أو ليلا بدرهم بحيث تكون الإجارة على أحد الأمرين مردّداً بينهما فالإجارة باطلة.



(1) ينبغي أن يكون المقصود بوحدة الإنشاء وتعدّده تميّزه وعدم تميّزه، وإلّا فالشرط أيضاً لا يكون بإنشاء مستقلّ بمعنى الكلمة؛ لأنّ الشرط وإن لم يكن قيداً في الإنشاء الأوّل، لكن الالتزام بالشرط قيد فيه، والإنصاف أنّ تشخيص القيد عن الشرط أسهل من تشخيص استقلال الإنشاء وعدم استقلاله بالمعنى الذي ذكرناه من تميّزه وعدم تميّزه.

ولا فرق بين مثل الزمان والمكان ممّا هو من شؤون العمل ومثل قراءة القرآن التي هي منفصلة عن العمل، ففي كليهما يمكن التقييد ويمكن الشرط.

155

(مسألة: 10) إذا استأجره على أن يوصله إلى « كربلاء » وكان من نيّته زيارة النصف من شعبان ولكن لم يذكر ذلك في العقد استحقّ الاُجرة وإن لم يوصله ليلة النصف.

 

فصل [في لزوم الإجارة والأحكام التابعة لها]:

وفيه مسائل:

(مسألة: 11) الإجارة من العقود اللازمة لا يجوز فسخها إلّا بالتراضي بينهما، أو يكون للفاسخ الخيار. نعم، الإجارة المعاطاتيّة جائزة(1) ما لم تلزم بأحد الملزمات المتقدّمة في البيع.

(مسألة: 12) إذا باع المالك العين المستأجرة قبل تمام مدّة الإجارة لم تنفسخ الإجارة، بل تنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدّة الإجارة، وإذا كان المشتري جاهلا بالإجارة أو معتقداً قلّة المدّة فتبيّن زيادتها كان له فسخ البيع، وليس له المطالبة بالأرش، وإذا فسخت الإجارة رجعت المنفعة إلى البائع على القول المشهور، ولكن الأظهر رجوعها إلى المشتري. نعم، يكون للبائع الخيار في فسخ البيع(2)، ولا فرق فيما ذكرنا من عدم انفساخ الإجارة بالبيع بين أن يكون البيع على المستأجر وغيره.



(1) بل هي لازمة كالعقد اللفظيّ.

(2) بل الأقوى رجوع المنفعة إلى البائع(1).


(1) كأنّ الوجه في القول برجوعها إلى المشتري أنّ المنفعة بطبيعتها تتبع في الملك العين، والإجارة كانت مانعة عن ذلك وقد ارتفعت. ولكن الواقع أنّ هذه التبعيّة وإن كانت بطبيعتها الأوّليّة ثابتة ولكن المالك هو الذي فصل بينهما ببيعه للعين مسلوبة المنفعة، فترجع المنفعة إليه.

156

(مسألة: 13) إذا باع المالك العين على شخص وآجرها وكيله مدّةً معيّنةً على شخص آخر واقترن البيع والإجارة زماناً صحّا جميعاً(1).

(مسألة: 14) المشهور أنّه لا تبطل الإجارة بموت المؤجر، وفيه إشكال(2)، ولا تبطل بموت المستأجر. نعم، إذا استأجر داراً على أن يسكنها بنفسه(3) فمات



(1) الظاهر صحّة البيع، وبقاء المنفعة الواقعة مورداً للإجارة ملكاً للبائع(1).

(2) مقتضى القاعدة عدم البطلان، والإشكال ينشأ من رواية إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ(2).

(3) في العبارة غموض، وكأنّ المقصود: أنّه إذا استأجر داراً وقيّده المؤجر بأن يسكنها بنفسه فمات، بطلت الإجارة.

والصحيح: أنّ هذا التقييد لو كان بمعنى الاشتراط، فتخلّف الشرط لا يوجب البطلان، فمنفعة البيت صارت ملكاً للمستأجر، وكأنّه كانت للمؤجر مصلحة في أن يبقى المستأجر ساكناً في البيت؛ لأنّه سيحافظ على البيت مثلاً، ولكن المستأجر عجز عن العمل بالشرط؛ لأنّه مات، فيصبح للمؤجر خيار تخلّف الشرط.

وعبارة اُستاذنا(رحمه الله) التي علّق بها على هذا الكلام تحت رقم (16) أيضاً غامضة، وكأنّ مقصوده ما يلي:


(1) صحّة البيع في انتقال ملك العين إلى المشتري تكون لعدم مزاحم له في ذلك، ولكن البيع والإجارة يتزاحمان في انتقال المنفعة إلى المشتري أو المستأجر، فلا يثبت نفوذ هذا ولا تلك، فتبقى المنفعة في ملك البائع.

(2) الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 25 من الإجارة، ص 136 ـ 137. ووجه الإشكال احتمال البناء على وثاقة إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ مع احتمال البناء على دلالة الرواية على بطلان الإجارة بموت المؤجر.

157

بطلت الإجارة، وكذا إذا آجر نفسه للعمل بنفسه فمات فإنّها تبطل(1)، وكذا إذاآجر البطن السابق من الموقوف عليهم العين الموقوفة، فانقرضوا قبل انتهاء مدّة الإجارة، وإذا آجرها البطن السابق ولايةً منه على العين لمصلحة البطون جميعها لم تبطل بانقراضه، وكذا إذا آجر نفسه للعمل بلا قيد المباشرة، فإنّها لا تبطل بموته(2)، ويجب أداء العمل من تركته كسائر الديون.

(مسألة: 15) إذا آجر الوليّ مال الصبيّ في مدّة تزيد على زمان بلوغه صحّ، وإذا آجر الوليّ الصبيَّ كذلك ففي صحّتها في الزيادة إشكال، إلّا إذا قضت ضرورة الصبيّ بذلك(3).



إنّ تقييد المؤجر للمستأجر بسكناه له في الدار يكون له أحد معنيين:

الأوّل: الشرط، وتخلّفه لا يوجب إلّا خيار الفسخ.

والثاني: أنّ الحصّة التي ملّكها المؤجر من منافع الدار للمستأجر إنّما هي حصّة سكناه في الدار، فهنا قد يقال بصحّة الإجارة من دون حقّ الفسخ؛ لأنّ غاية ما وقع أنّ المستأجر لم يستفد من المنفعة التي ملّكها المؤجر حتّى مات، وطبعاً ليس من اللازم على المستأجر أن ينتفع بالمنفعة التي ملكها. ولكن الأقرب بطلان الإجارة؛ لأنّ موته كشف عن أنّ الدار لم تكن مشتملة على هذه المنفعة.

(1) أفاد اُستاذنا(رحمه الله) ـ ونِعْم ما أفاد ـ: أنّه لو مات وكان عمره لا يتّسع للقيام بالعمل، فالإجارة باطلة، ولو مات وكان عمره يتّسع للعمل، ولكنّه لم يعمل إلى أن مات، انفسخت الإجارة.

(2) هذا فيما إذا استقرّ العمل في ذمّته، بأن يكون المملوك العمل في ذمّته مع فرض قدرة الأجير في حياته على تطبيق ما في ذمّته على الخارج.

أمّا إذا كان المملوك العمل الخارجيّ للأجير الشامل للمباشرة والتسبّب، ثمّ مات، فهذا حكمه حكم ما مضى في من آجر نفسه للعمل فمات من: البطلان أو الانفساخ.

(3) المفروض أن يكون مقصوده(رحمه الله)من اقتضاء الضرورة هي الضرورة التي يعلم بعدم رضا الشارع بتعطيلها، كما في سائر الاُمور الحسبيّة.

158

(مسألة: 16) إذا آجرت المرأة نفسها للخدمة مدّةً معيّنةً فتزوّجت في أثنائها لم تبطل الإجارة وإن كانت الخدمة منافيةً لحقّ الزوج، وإذا آجرت نفسها بعد التزويج توقّفت صحّة الإجارة على إجازة الزوج فيما ينافي حقّه، ونفذت الإجارة فيما لا ينافي حقّه.

(مسألة: 17) إذا آجر عبده أو أمته للخدمة ثمّ أعتقه قبل انتهاء مدّة الإجارة لم تبطل الإجارة، وتكون نفقته في كسبه إن أمكن له الاكتساب لنفسه في غير زمان الخدمة، وإن لم يمكن فعلى المسلمين كفاية(1).

(مسألة: 18) إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيباً: فإن كان عالماً به حين العقد فلا أثر له، وإن كان جاهلا به: فإن كان موجباً لفوات بعض المنفعة كخراب بعض بيوت الدار قسِّطت الاُجرة، ورجع على المالك بما يقابل المنفعة الفائتة(2)، وإن كان موجباً لعيب في المنفعة مثل عرج الدابّة كان له



(1) الأحوط وجوباً أن ينفق عليه المولى(1)، وإن تعذّر على الأجير الحصول على النفقة على تقدير الوفاء بالإجارة؛ لأنّ المولى لم ينفق عليه، وكان كسبه بقدر الحاجة اللازمة لنفسه مزاحماً للعمل بالإجارة، انفسخت الإجارة بمقدار التزاحم، ورجع المستأجر على المولى بما يقابله من الاُجرة.

(2) وهذا لا علاقة له بالأرش، وإنّما هو عبارة عن انحلال الاُجرة على المنافع التي أصبحت الاُجرة مقابلة لها، كما مثّل المصنّف بخراب بعض بيوت الدار مع فرض كون المنفعة المملَّكة عبارة عن منفعة السكنى، أمّا لولم يوجب العيب تفويتاً لبعض المنافع المملَّكة، لم يثبت حكم التقسيط.


(1) الوجه في هذا الاحتياط أنّ المولى في فترة الاحتياط المعجّزة له من الاكتساب قد عجّزه عن ذلك بإنفاذ مولويّته عليه.

159

الخيار في الفسخ، وفي ثبوت الأرش إشكال، وإن لم يوجب شيئاً من ذلك لكن يوجب نقص الاُجرة كان له الخيار ولا أرش، وإن لم يوجب ذلك أيضاً فلا خيار ولا أرش. هذا إذا كانت العين شخصيّة، أ مّا إذا كان كلّيّاً وكان المقبوض معيباً(1) كان له المطالبة بالصحيح ولا خيار في الفسخ، وإذا تعذّر الصحيح كان له الخيار في أصل العقد، وإذا وجد المؤجر عيباً في الاُجرة وكان جاهلا به كان له الفسخ، وفي جواز مطالبته بالأرش إشكال، وإذا كانت الاُجرة كلّيّاً فقبض فرداً معيباً منها فليس له فسخ العقد، بل له المطالبة بالصحيح، فإن تعذّر كان له الفسخ.

(مسألة: 19) يجري في الإجارة خيار الغبن، وخيار الشرط حتّى للأجنبيّ، وخيار العيب، وخيار الاشتراط، وتبعّض الصفقة، وتعذّر التسليم، والتفليس، والتدليس، والشركة، وخيار ما يفسد ليومه، وخيار شرط ردّ العوض نظير شرط ردّ الثمن. ولا يجري فيها خيار المجلس، ولا خيار الحيوان، ولا خيار التأخير ثلاثة أيّام(2).



(1) يعني عيباً كان يوجب حقّ الفسخ في فرض العين الشخصيّة.

(2) ظاهر ما يسمّى بروايات خيار التأخير(1): أنّ المشتري لو استمهل البائع في تسليم الثمن حتّى يأتي به أنّ البيع يبقى لازماً له ثلاثة أيّام، فإذا تأخّر أكثر من ذلك بطل البيع، فسواء أفتينا به أو أفتينا بما قالوه من خيار الفسخ فدليله خاصّ بالبيع، وأمّا في باب الإيجار، فلا يوجد إلّا الشرط الضمنيّ العقلائيّ الذي يتعارف عليه المجتمع من مدى حقّ التأخير لدى الاستمهال، أو التحديد الصريح بينهما لمدّة التأخير، فيصبح للمؤجر بعد ذلك خيار تخلّف الشرط.


(1) راجع الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 9 من الخيار.

160

 

فصل [في الأحكام الراجعة إلى التسليم أو القبض]:

إذا وقع عقد الإجارة ملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان والعمل في الإجارة على الأعمال بنفس العقد، وكذا المؤجر والأجير يملكان الاُجرة بنفس العقد، لكن ليس للمستأجر المطالبة بالمنفعة أو العمل إلّا في حال تسليم الاُجرة، وليس للأجير والمؤجر المطالبة بالاُجرة إلّا في حال تسليم المنفعة، ويجب على كلٍّ منهما تسليم ما عليه تسليمه، إلّا إذا كان الآخر ممتنعاً عنه، وتسليم المنفعة يكون بتسليم العين وتسليم العمل بإتمامه قبل تسليم العين(1)، وقبل إتمام العمل ليس للمؤجر المطالبة بالاُجرة إلّا إذا كان قد اشترط تقديم الاُجرة صريحاً، أو كانت العادة جاريةً على ذلك. وكذا ليس للمستأجر المطالبة بالعين المستأجرة أو العمل المستأجر عليه مع تأجيل الاُجرة إلّا إذا كان قد شرط ذلك وإن كان لأجل جريان العادة عليه، وإذا امتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة مع بذل المستأجر الاُجرة أجبره المستأجر على تسليم العين، فإن لم يمكن إجباره كان للمستأجر الفسخ وأخذ الاُجرة إذا كان قد دفعها، وله إبقاء الإجارة والمطالبة بقيمة المنفعة الفائتة. وكذا إن دفع المؤجر العين ثمّ أخذها من المستأجر بلا فصل أو في أثناء المدّة، ومع الفسخ في الأثناء يرجع بتمام الاُجرة، وعليه اُجرة المثل لمامضى، وكذا الحكم فيما إذا امتنع المستأجر من تسليم الاُجرة مع بذل المؤجر للعين المستأجرة.

(مسألة: 20) الأقوى أنّه لا فرق في كون تسليم العمل بإتمامه بين أن يكون مثل الحجّ الاستئجاريّ، وبناء الجدار، وحفر البئر في داره، وأن يكون مثل خياطة



(1) ولكن حبسها من غير ناحية الاحتياط للاُجرة يوجب عدم استحقاق الأجير للمطالبة بالاُجرة، كما أفاده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله).

161

ثوبه، وكتابة كتابه، ونحو ذلك ممّا كان العمل المستأجر عليه في عين المستأجر التي هي بيد الأجير، فإذا تلف الثوب ـ مثلا ـ بعد تمام خياطته قبل دفعه إلى المستأجر استحقّ المطالبة بالاُجرة، فإذا كان الثوب مضموناً على الأجير استحقّ عليه المالك قيمة الثوب مخيطاً، وإلّا لم يستحقّ عليه شيئاً، ولا يجوز للأجير بعد إتمام العمل حبس العين إلى أن يستوفي الاُجرة، وإذا حبسها ضَمِنها إن تلفت(1).

(مسألة: 21) إذا تلفت العين المستأجرة قبل انتهاء المدّة بطلت الإجارة، فإن كان التلف قبل القبض أو بعده بلا فصل لم يستحقَّ المالك على المستأجر شيئاً، وإن كان بعد القبض بمدّة قسِّطت الاُجرة على النسبة، وكان للمالك حصّة من الاُجرة على نسبة(2) المدّة. هذا إذا تلفت العين بتمامها، وأ مّا إذا تلف بعضها تبطل الإجارة بنسبته من أوّل الأمر أو في أثناء المدّة(3).

(مسألة: 22) إذا حصل الفسخ في أثناء المدّة فالأقوى كونه موجباً لانفساخ العقد في جميع المدّة(4)، فيرجع المستأجر بتمام المسمّى، ويكون للمؤجر اُجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى.

(مسألة: 23) إذا قبض المستأجر العين المستأجرة ولم يستوفِ منفعتها حتّى



(1) نعم، يجوز الحبس لاستيفاء الاُجرة، ولا ضمان عندئذ.

(2) وكان للمستأجر خيار الفسخ، فإن فسخ رجع عليه المالك باُجرة المثل لما استوفاه.

(3) وللمستأجر الخيار الذي مضى في البند السابق.

(4) إلّا إذا جعل المتعاملان خياراً يقتضي التبعيض، كما لو جعلا الخيار في ردّ ما بقي من المنفعة بدفع ما يقابلها من الاُجرة، وكذا الحال في خيار العيب لو اختصّ بالجزء المتأخّر من المنفعة. نعم، قد يثبت بسبب إعمال مثل هذا الخيار خيار تبعّض الصفقة الموجب لفسخ العقد في جميع المدّة، كما أفاده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله).

162

انقضت مدّة الإجارة، كما إذا استأجر دابّةً أو سفينةً للركوب أو حمل المتاع فلم يركبها ولم يحمل متاعه عليها، أو استأجر داراً وقبضها ولم يسكنها حتّى مضت المدّة استقرّت عليه الاُجرة، وكذا إذا بذل المؤجر العين المستأجرة فامتنعالمستأجر من قبضها واستيفاء المنفعة منها حتّى انقضت مدّة الإجارة، وكذاالحكم في الإجارة على الأعمال، فإنّه إذا بذل الأجير نفسه للعمل وامتنع المستأجر من استيفائه، كما إذا استأجر شخصاً لخياطة ثوبه في وقت معيّن، فهيّأ الأجير نفسه للعمل، فلم يدفع المستأجر إليه الثوب حتّى مضى الوقت، فإنّه يستحقّالاُجرة، سواء اشتغل الأجير في ذلك الوقت بشغل لنفسه أو غيره أم لميشتغل، كما لا فرق على الأقوى في الإجارة الواقعة على العين بين أن تكونالعين شخصيّةً مثل أن يؤجره الدابّة، فيبذلها المؤجر للمستأجر، فلا يركبها حتّى يمضي الوقت، وأن تكون كلّيّةً، كما إذا آجره دابّةً كلّيّةً فسلّم فرداً منها إليه أوبذله له حتّى انقضت المدّة، فإنّه يستحقّ تمام الاُجرة على المستأجر، كمالافرق في الإجارة الواقعة على الكلّيّ بين تعيين الوقت وعدمه إذا كان قدقبض فرداً من الكلّيّ بعنوان الجري على الإجارة، فإنّ الاُجرة تستقرّ على المستأجر في جميع ذلك وإن لم يستوفِ المنفعة. هذا إذا كان عدم الاستيفاء باختياره، أ مّا إذا كان لعذر: فإن كان عامّاً مثل نزول المطر المانع من السفر علىالدابّة أو في السفينة(1) حتّى انقضت المدّة بطلت الإجارة، وليس على



(1) إن كان العذر يعدّ قصوراً للعين عن الانتفاع بها، كما في مثال نزول المطر المانع من السفر، فصحّة ما في المتن واضحة، وإن لم يكن كذلك، كما لو كان المانع عن السفر مثلاً وجود قطّاع الطريق، فهناك مورد للتأمّل في بطلان الإجارة؛ لعدم قصور في العين عن الانتفاع بها، ولكن لا يبعد أيضاً بطلان الإجارة؛ لعدم الماليّة، كما أفاده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله).

163

المستأجر شيء من الاُجرة. وإن كان العذر خاصّاً بالمستأجر كما إذا مرض فلميتمكّن من السفر فالأقوى أنّه كالعامّ تبطل به الإجارة إذا اشترطت مباشرته في الاستيفاء(1)، وأ مّا إذا لم تشترط المباشرة لم تبطل، فإذا استأجره لقلع ضرسه فبرئ من الألم بطلت الإجارة(2).

(مسألة: 24) إذا لم يستوفِ المستأجر المنفعة في بعض المدّة جرت الأقسام المذكورة بعينها وجرت عليه أحكامها.

(مسألة: 25) إذا غصب العين المستأجرة غاصب فتعذّر استيفاء المنفعة: فإن كان الغصب قبل القبض تخيّر المستأجر بين الفسخ فيرجع على المؤجر بالاُجرة إن كان قد دفعها إليه، والرجوع على الغاصب باُجرة المثل، وإن كان الغصب بعد القبض تعيَّن الثاني.

(مسألة: 26) المشهور أنّ إتلاف المستأجر للعين المستأجرة بمنزلة قبضها واستيفاء منفعتها، فتلزمه الاُجرة، وإذا أتلفها المؤجر تخيّر المستأجر بين الفسخ والرجوع عليه بالاُجرة، وبين الرجوع عليه بقيمة المنفعة، وإذا أتلفها الأجنبيّ رجع المستأجر عليه بالقيمة(3)، ولكنّه لا يخلو من إشكال ؛ لاحتمال البطلان في



(1) لا يبعد التفصيل بين فرض قيديّة المباشرة فتبطل الإجارة؛ لعدم الماليّة للحصّة الخاصّة وفرض الاشتراط فلا تبطل، فلو استفاد المستأجر من العين لا بالمباشرة، كان للمؤجر خيار الفسخ.

(2) إن كان الاستيجار لقلع ضرسه وكان الألم حيثيّة تعليليّة، فوجه القول بالبطلان سقوط العمل عن الماليّة، وإن كان الاستيجار لقلع الضرس المؤلم على نحو القيد، فوجه البطلان واضح، وهو تعذّر العمل المستأجر عليه.

(3) وإذا كان إتلاف الأجنبيّ قبل القبض، صحّ أيضاً للمستأجر الفسخ والرجوع على