521

في المائة، ففي هذه الحالة يجب أن يختار الصلاة إلى إحدى الجهتين الاُولَيَين.

الانحراف عن القبلة:

(6) من صلّى إلى غير القبلة ملتفتاً إلى أنّ صلاته ليست إلى القبلة بطلت صلاته، سواء كان عالماً بأنّ الشارع الأقدس قد أوجب الصلاة إلى القبلة متذكراً لذلك، أو كان جاهلا بهذا الحكم من الأساس، أو كان عالماً به منذ البداية ولكن نسي هذا الحكم حين الصلاة فاتّجه إلى غير القبلة.

(7) وقد يصلّي إلى غير القبلة وهو يتخيّل خطأً أنّه يصلّي إلى القبلة، فماذا يصنع إذا اتّضح له الحال بعد أن فرغ من صلاته؟

والجواب: أنّه إذا كان قد اتّضح له الحال بعد ذهاب الوقت المحدّد لتلك الصلاة صحّت صلاته ولا شيء عليه، وإذا اتّضح له الحال قبل ذهاب الوقت وجبت عليه الإعادة إذا كان انحرافه عن القبلة كثيراً؛ على نحو صارت القبلة إلى يمينه أو شماله أو خلفه. وأمّا إذا كان الانحراف عن القبلة أقلّ من ذلك فلا تجب الإعادة.

(8) وقد تسأل: ما هو الحكم إذا اتّضح للمصلّي واقع الحال وهو في أثناء الصلاة؟

والجواب: إذا كان ما تقدم من صلاته منحرفاً عن القبلة كثيراً ـ على النحو الذي أشرنا إليه قبل لحظة ـ قطع صلاته وأعادها، وإلّا اعتدل إلى القبلة لما بقي، وصحّ ما مضى من صلاته ولا إعادة عليه.

522

الملابس

الواجب من الملابس:

(9) يجب على المصلّي إذا كان رجلا أن يرتدي (يلبس) من الملابس حال الصلاة ما يستر به عورته، سواء صلّى في مكان مكشوف، أو مكان منفرد ليس معه أحد، فإنّ ذلك من الآداب الواجبة في الصلاة على أيّ حال، فلا يسوغ له أن يصلّي عارياً.

ويجب على المرأة إذا صلّت أن تستر جسمها بالكامل، عدا الوجه والكفين والقدمين، وهذا الستر واجب في كلّ الصلوات، عدا الصلاة على الميّت، وواجب في ركعات الاحتياط والأجزاء المنسية، دون سجود السهو.

(10) وعورة الرجل في الصلاة القبل، وهو القضيب والبيضتان، والدبر وهو الحلقة المعلومة، وما عدا ذلك ممّا بين القبل والدبر وحولهما فلا يجب ستره، إلّا إذا توقّف العلم واليقين بستر العورة على ستر أطرافها.

وعلى هذا الأساس يكفي للرجل أن يصلّي في قميص واحد يمتّد على نحو يستر القبل والدبر، كما يكفيه أن يصلّي في مئزر يشدّه على وسطه، أو في سروال.

(11) وأمّا المرأة فتستر ـ على ما تقدّم ـ جسمها بما فيه من شعر، عدا الوجه والكفين إلى الزندين، والقدمين إلى الساقين ظهراً وبطناً، وعلى هذا الأساس يمكن للمرأة أن تلبس ثوباً يستر جسدها، وشيئاً يشبه الخمار تستر به رأسها ورقبتها، بل يكفيها ثوب واحد إذا كان مُصمّماً على نحو يستر منها كلّ ما يجب عليها ستره.

523

(12) والستر الواجب في الصلاة لا يتحقّق بملابس رقيقة لا تستر لون البشرة، بل يجب أن يكون لها من السُمك والتماسك ما يستر بها اللون.

(13) وإذا لم تتوفّر لدى المصلّي ملابس وجب عليه أن يتستّر بغير الملابس ممّا يتيسّر له، كورق الشجر، أو طين، أو نحو ذلك، ويصلّي حينئذ صلاته الاعتيادية.

(14) وإذا لم يتيسّر له الستر حتّى بالورق ونحوه فقد يكون في موضع يعرّضه للنظر، وقد يكون في موضع بعيد عن الناظرين، فإن كان في موضع يعرّضه للنظر صلّى جالساً مومياً إلى الركوع والسجود؛ حرصاً على عدم التكشّف مهما أمكن، وإن كان في موضع بعيد صلّى الصلاة الاعتيادية، والأجدر به أن يضيف إلى ذلك الصلاةَ مرّةً اُخرى جالساً مومياً إلى الركوع والسجود (1).

(15) وإذا انكشف شيء ممّا يجب ستره على المصلّي وهو يؤدّي الفريضة لخالقه وعلم بذلك فتهاون وأهمل بطلت صلاته. أمّا إذا كان جاهلا أو ذاهلا لم يعرف شيئاً ممّا حدث إلّا بعد أن انتهى وأتمّ صلاته فلا شيء عليه، حتّى ولو اتّسع الوقت لإعادة الصلاة واستئنافها من جديد، وكذلك إذا لم يكن يعرف أنّ الستر واجب في الصلاة؛ فلم يهتمّ بستر ما انكشف منه حتّى أنهى صلاته، ثمّ علم بأنّ الستر واجب على المصلّي فإنّ صلاته صحيحة.

(16) وإذا علم المصلّي أثناء الصلاة بأنّ شيئاً ممّا يجب ستره مكشوف قطع صلاته وأعادها متستراً، وكذلك إذا صلّى متكشفاً وهو لا يعرف أنّ الستر واجب على المصلّي وعرف بذلك أثناء الصلاة فإنّه يعيد صلاته.

 


(1) لا يترك هذا الاحتياط.
524

شروط ملابس المصلّي:

قد يلبس المصلّي ثوباً واحداً في الصلاة يتستّر به، وقد يلبس ملابس متعدّدةً، كالسروال والقميص والعباءة مثلا، وعلى أيّ حال فيجب أن تتوفّر في ملابس المصلّي عندنا الشروط التالية:

الأول: الطهارة، وقد تقدّم تفصيل ذلك في فصل أنواع النجاسات الفقرة (54)، وتقدّمت بعض الاستثناءات في الفقرة (78) وما بعدها من ذلك الفصل.

(17) الثاني: أن لا يكون شيء من ملابسه مأخوذاً من حيوان لا يسوغ أكل لحمه، كوبر السباع وجلودها إذا صنعت منها الملابس. فإنّ الصلاة فيها غير سائغة؛ حتى ولو ذبح السبع وذكّيَ بطريقة شرعية ما دام لا يسوغ أكل لحمه، وأكثر من هذا أنّ وقوع شيء من حيوان لا يسوغ أكل لحمه أو من فضلاته على ملابس المصلّي أو بدنه يُبطل الصلاة، فإذا صلّى الإنسان وعلى بدنه أو ملابسه شعرة من قطٍّ بطلت صلاته؛ على الرغم من أنّها طاهرة.

(18) ولا يشمل ذلك أيّ شيء من حيوان لا لحم له وإن حرم أكله، كالبعوضة والبرغوث والنملة والعسل والشمع وما تنتجه دودة القزّ، كما لا يشمل الصدف وهو غلاف اللؤلؤ.

(19) وكذلك لا يشمل أيّ شيء من الإنسان كشعره ولبنه وريقه، فتصحّ الصلاة مع وقوع شعرة إنسان آخر أو قطرة من لبن امرأة على ملابس المصلّي أو بدنه.

(20) ويستثنى من الحيوانات التي لا يسوغ أكل لحمها: الحيوانات المائية

525

بما فيها الخزّ(1)، فإنّ استعمال المصلّي حال الصلاة لملابس مأخوذة منها جائز، حتّى ولو كانت تلك الحيوانات ممّا لا يسوغ أكل لحمها.

(21) ومن شكّ في أنّ هذا اللباس هل هو من حيوان أو من غير الحيوان؟ أو علم بأنّه من الحيوان ولكنّه لا يدري هل هو من الحيوان غير المأكول كي لاتسوغ الصلاة فيه أو من المأكول المذكى شرعاً كي تسوغ وتصحّ؟ فله أن يلبسه ويصلّي فيه (2).

(22) الثالث: أن لا يكون شيء من ألبسة المصلّي ـ إذا كان رجلا ـ من الحرير الحيواني، ونقصد بالحرير الحيواني: الإبريسم الذي تنتجه دودة القز، ويسمّى بالحرير الطبيعي تمييزاً له عن الحرير الصناعي، فلا يشمل إذن كلّ ما كان ناعماً من الأقمشة وإن سمّي حريراً في العرف الآن.

وبكلمة اُخرى يُلخّص بها هذا الشرط والشرط الذي سبقه: أنّ الأقمشة المتّخذة من النباتات ـ كالأقمشة المأخوذة من القطن أو الكتّان ـ سائغة للمصلّي عموماً، والأقمشة التي كانت موادّها مصنّعةً ـ كالنايلون مثلا ـ سائغة للمصلّي أيضاً عموماً، وأمّا الأقمشة المتّخذة من الحيوان فيجب أن يراعى فيها أن لا تكون مادّتها جزءً لحيوان لا يسوغ أكل لحمه، وأن لا تكون من الحرير الذي تنتجه دودة القزّ.

 


(1) دابّة من دوابّ الماء تمشي على أربع تشبه الثعلب، وترعى من البر وتنزل البحر، لها وَبَر [ كان] يصنع منه الثياب قديماً. وقد تصنع الثياب من جلودها أيضاً.(منه (رحمه الله)).
(2) الظاهر أنّ المقصود: إحراز التذكية على كلا التقديرين كي يتمحّض الشكّ في الشك من ناحية حرمة الأكل، ولا يجري عليه حكم الشك في التذكية والذي قد يكون محكوماً بأصالة عدم التذكية.
526

(23) وإنّما تبطل الصلاة في الملابس الحريرية إذا كانت حريراً خالصاً، وأمّا إذا كانت خليطاً من حرير وغيره كالقطن والصوف فيجوز لبسها للمصلّي، إلّا إذا كانت كميّة المادّة الاُخرى التي خلطت مع الحرير ضئيلةً إلى درجة تؤدّي إلى عدم الاعتراف بوجودها في العرف العامّ وعدّ الثوب حريراً خالصاً.

(24) وقد تسأل: هل يسوغ أن تكون بطانة الثوب من الحرير الخالص، أو تزيينه بخيوط منه، أو تكون حواشيه وأطرافه من الحرير، أو أزراره وما يشبهها من خيوط تربط بعض أطرافه ببعض ؟

والجواب: أمّا البطانة فلا، وما عداها كالأزرار وغيرها ممّا جاء في السؤال فلا بأس به ما دام اسم الملبوس لايصدق عليه.

(25) ومن شكّ في أنّ هذا الثوب هل هو من الحرير أو من القطن مثلا ؟ أو شكّ أنّه هل هو من الحرير الطبيعي، أو من الحرير المصنوع ؟ أو علم أنّه من الحرير الطبيعي ولكنّه شكّ في أنّه هل هو حرير محض أو مخلوط بغيره ؟ يسوغ له أن يصلّي فيه (1).

(26) وكلّ ما حَرُمَ على المصلّي أن يصلّي فيه من الحرير حرم عليه أن يلبسه في غير الصلاة أيضاً، على ما يأتي في القسم الثالث من هذه الفتاوى إن شاء الله تعالى.

(27) هذا بالنسبة إلى الرجال. وأمّا بالنسبة إلى النساء فيباح لهنّ لبس الحرير في الصلاة وغير الصلاة.

الرابع: (28) أن لا يكون شيء ممّا يلبسه ذهباً إذا كان المصلّي رجلا حتّى


(1) على أن لا يكون تركه للفحص عن حقيقة الأمر من قبيل إغماض العين عن رؤية أمر واضح وسهل الوصول إليه.
527

ولو كان خاتماً من ذهب، فإنّ الصلاة حال التختّم به غير سائغة. وكذا ما يشبه السوار الذي تثبت ساعة اليد عليه، فإنّه إذا كان ذهبياً فلا يسوغ للمصلّي لبسه، ويقرب منها السلسلة الذهبية التي تعلّق بها الساعة التي توضع في الجيب ويثبت طرف السلسلة في موضع من القميص أو غيره، فإنّ الجدير بالمكلف احتياطاً ووجوباً عدم استعمال هذه السلسلة حال الصلاة أيضاً.

(29) ويسوغ للمصلّي حمل الساعة الذهبية في الجيب، كما يسوغ أن تكون له سِنٌّ ذهبية، سواء كانت ظاهرةً أو خفية، كما لا بأس بالزِرّ من ذهب أيضاً، وبالشارات العسكرية الذهبية التي تعلّق على ملابس العسكريّين فإنّ كلّ ذلك ليس لبساً للذهب.

والمقياس لِلبس الذهب: أن يكون للذهب إحاطةٌ ببدن المصلّي، أو بجزء من بدنه، فالخاتم له إحاطة بإصبع المصلّي، والسوار له إحاطة بمعصم المصلّي، وليس كذلك الساعة المحمولة أو الزِرّ الذي يُزَرّرُ به الثوب.

(30) وكما لا يسوغ لبس الخاتم الذهبي إذا كان كلّه ذهباً خالصاً كذلك إذا كان مشتملا على غير الذهب أيضاً، إذا كانت نسبة غير الذهب ليست كبيرةً على نحو يعتبر الخاتم خاتماً من ذهب في العرف العامّ، وأمّا إذا زادت نسبة غير الذهب فيه إلى درجة لم يعتبر كذلك فلبسه في الصلاة سائغ، وإذا كان الخاتم ذهبياً وطُلِيَ بطلاء فضّيّ أو بطلاء من معدن آخر فلا تسوغ الصلاة فيه لمجرّد ذلك.

(31) وتسوغ الصلاة في خاتم من بلاتين، أو خاتم من ذهب مزج ذهبه بمعدن أبيض كفضّة أو بلاتين حتّى أصبح لونه أبيض.

(32) وكلّ ما لا تسوغ الصلاة فيه من الذهب لا يجوز لبسه، حتّى في غير حالة الصلاة، على ما يأتي في القسم الثالث من الفتاوى الواضحة (السلوك الخاصّ) إن شاء الله تعالى.

528

(33) هذا كلّه بالنسبة إلى الرجال. وأمّا النساء فيباح لهنّ الذهب في الصلاة وغيرها.

(34) ولا يجوز للمكلّف أن يغتصب ثوباً أو أيّ شيء آخر ويلبسه بدون إذن صاحبه، وإذا لبسه كان آثماً، سواء أصلّى فيه أم لا، ولكن إذا صلّى فيه لم تبطل صلاته وإن أثم وعصى لتهاونه بأموال غيره.

(35) وقد يصلّي الإنسان في ما هو مأخوذ من حيوان لا يسوغ أكل لحمه، أو في ثوب حريري، أو في خاتم من ذهب ـ مثلا ـ ناسياً أو جاهلا بأنّ ذلك لا يسوغ له شرعاً، وفي هذه الحالة تصحّ صلاته، ولا إعادة عليه إذا التفت أو علم بالحكم بعد الفراغ من صلاته. وأمّا إذا التفت أو علم بالحكم في أثناء الصلاة فعليه الإعادة.

(36) من لم يجد إلّا ثوباً متنجّساً ولا يتمكّن من تطهيره صلّى فيه وصحّت صلاته.

(37) ومن لم يجد إلّا ثوباً مادته مأخوذة من حيوان لا يسوغ أكل لحمه وجب عليه أن ينزعه حال الصلاة، ويحاول أن يتستّر بورق ونحوه إن أمكن ويصلّي بدون ثوب (1).

(38) ومن لم يجد إلّا ثوباً من الحرير الخالص تركه وصلّى عارياً؛ محاولا



(1) هذا الكلام لا إشكال فيه لو وجد الورق أو الطين ونحوه لستر العورة، أمّا لو لم يجد ذلك ودار الأمر بين أن يعمل بوظيفة العاري أو يصلّي بالساتر المأخوذ من حيوان لا يؤكل لحمه فالأحوط الجمع بتكرار الصلاة مرّةً بهذا الثوب واُخرى عارياً، وإن كان الأقوى كفاية صلاة العاري.

529

أن يتستّر بورق ونحوه (1)، وإذا كان مضطرّاً إلى لبس ذلك الثوب لمرض أو لأيّ سبب آخر طيلة الوقت المضروب للصلاة على نحو لايتيسّر له نزعه طيلة هذه المدة صلّى فيه.

(39) وإذا كان عنده ثوبان أحدهما يحرم لبسه في كلّ الأحوال ولا تسوغ الصلاة فيه ـ كثوب الحرير المحض ـ والآخر ثوب يسوغ لبسه في الصلاة وغير الصلاة، وتعذّر التمييز بينهما والتعيين ولا ثالث تركهما معاً وصلّى عارياً؛ محاولا ستر عورته بورق ونحوه.

(40) وإذا كان كلّ من الثوبين يجوز لبسه في غير الصلاة، ولكن أحدهما لا يسوغ الصلاة فيه ـ كثوب اُخذت مادته من وبر السباع ـ والآخر تصحّ الصلاة فيه كثوب القطن الطاهر وجب على المكلّف إذا لم يميّز بينهما أن يصلّي تارةً في هذا؛ وتارةً في الآخر.

(41) ويسوغ لمن عجز عن الثوب الساتر المطلوب شرعاً أن يبادر إلى الصلاة في أوّل وقتها؛ عارياً أو مع الثوب الساتر الاضطراري؛ وفقاً لما تقدّم من حالات وأحكام؛ حتّى ولو احتمل زوال العذر وارتفاعه في آخر الوقت.

وإذا صلّى في أوّل الوقت، وبعد الفراغ وجد الثوب الساتر المطلوب شرعاً وارتفع العذر والاضطرار فلا تجب الإعادة، إلّا في الحالات التي تجب فيها على العاجز أن يصلّي مومياً إلى الركوع والسجود.



(1) إن أمكن التستّر بمثل الورق فلا إشكال في ذلك، وإلّا فالأحوط الجمع بين الصلاة مع الساتر الذي هو من الحرير تارةً وصلاة العاري تارةً اُخرى، وإن كان الأقوى كفاية صلاة العاري.

530

أين يُصَلّي الإنسان؟

 

(42) يجب على المصلّي أن يختار موضعاً للصلاة يُتاحُ له فيه أن يؤدّي صلاته بكلّ واجباتها وهو مستقرّ، أي أن لا يكون مضطرباً كالذي يميل يمنةً تارةً ويسرةً تارةً اُخرى، فإذا لم يكن الموضع كذلك فلا يصلّي فيه، كالموضع المائج والمضطرب الذي يميل بالإنسان إلى هذا الجانب وذاك، ومثاله: الطائرة حال الطيران، والسيارة، أو السفينة، أو القطار، أو على ظهر الدابّة حال السير إذا استدعى ذلك اضطراب المصلّي وتمايله، أو عدم الاتّجاه إلى القبلة.

وأمّا إذا كان بإمكان الإنسان أن يؤدّي الصلاة في هذه الحال بكامل أجزائها وشروطها مستقراً ومستقبلا للقبلة على الوجه المطلوب فلا مانع من أن يصلّي في تلك المواضع.

(43) وإذا ركب الشخص قطاراً أو طائرةً قبل دخول وقت الفريضة، ثمّ دخل وقتها ولم يكن يتمكّن من الصلاة بصورة مستقرّة وكاملة في ذلك الموضع وجب عليه تأجيل الصلاة إلى حين وقوف القطار أو الطائرة إذا كان في الوقت متّسع.

وأمّا إذا كانت الطائرة أو القطار لايتوقّفان إلّا بعد انتهاء الوقت وجب على المسافر أداء الصلاة حال الركوب، مع مراعاة الاستقبال بقدر الإمكان؛ بأن يستقبل القبلة حين يكبرّ تكبيرة الإحرام، ويتحرّك نحو القبلة كلّما غيرّت الطائرة أو القطار اتّجاه السفرة، وإذا لم يتيسّر له الحفاظ على القبلة فليحاول استقبالها عند تكبيرة الإحرام على الأقلّ.

(44) وقد تسأل: إذا كان المسافر ليلا يعلم بأنّه سيصل المحطّة قبل طلوع

531

الشمس، ولكن بفترة قصيرة لاتسع إلّا ركعةً واحدةً من صلاة الصبح، وتقع الركعة الثانية بعد طلوع الشمس فهل يفضّل الصلاة في الطائرة أو الانتظار إلى الوصول إلى المحطّة؟

والجواب: أنّ الصلاة في الطائرة أو القطار إذا كانت ينقصها الاستقرار والاستقبال معاً أو الاستقبال فقط وجب عليه الانتظار، وإذا كانت ينقصها الاستقرار فقط فضّل ـ وجوباً ـ الصلاة في الطائرة أو غيرها من الوسائط (1).

(45) وإذا كان مسافراً في سيارة ويمكنه أن يطلب من صاحب السيارة التوقّف ريثما يصلّي فلا يسوغ له أن يكتفي بالصلاة التي لا استقبال فيها أو لا استقرار.

وقد يحلّ وقت الفريضة على الإنسان قبل موعد تحرّك الطائرة أو القطار ـ مثلا ـ والسفرة تمتدّ إلى حين انتهاء الوقت، ففي هذه الحالة يجب عليه أن يبادر إلى الصلاة قبل ركوبه إذا لم يكن قادراً على الصلاة الكاملة أثناء تحرّك القطار أو الطائرة.

(46) وهذا كلّه بالنسبة إلى صلاة الفريضة. وأمّا صلاة النافلة فيسوغ للإنسان أن يصلّيها وهو مسافر في قطار أو سيارة أو غيرها، ولا يطالَب بالاستقرار أو الاستقبال (2).

(47) ومن أراد الصلاة في العتبات المقدّسة في نفس الروضة الشريفة التي فيها الضريح فعليه أن لا يتقدّم في موضع صلاته على قبر المعصوم. وإن


(1) الأحوط وجوباً أن يصلّي مرّتين: أوّلاً بالصلاة الفاقدة للاستقرار في الواسطة، وثانياً بالصلاة المستقرة التي يدرك بها ركعةً من الوقت.
(2) على تفصيل مضى في تعليقنا على البند (2).
532

تعذّرت الصلاة عليه إلّا متقدّماً لشدّة الزحام صلاّها في المكان التابع (الرواق مثلا)، ولا يضرّ التقدّم هنا مع وجود حائط ونحوه يفصل بين الضريح وموضع الصلاة.

(48) وإذا صلّى الإنسان في موضع يملكه شخص آخر وكانت صلاته بإذن المالك صحّت بلا ريب، وإلّا فقد تبطل في بعض الأحيان. ويأتي توضيح ذلك وتفصيله في أحكام السجود.

(49) ولا بأس بصلاة الرجل وإلى يمينه أو شماله أو أمامه امرأة تصلّي، سواء أكانت زوجته أو قريبته أم أجنبية قربت منه مكاناً أو بعدت (1).

(50) وتجوز الصلاة ـ واجبةً كانت أو مستحبّةً ـ في جوف الكعبة المكرّمة.



(1) لو صلّى أحدهما إلى جنب الآخر فالأحوط أن لا يقلّ الفاصل بينهما عن ذراع اليد والأفضل الفصل بأكثر من عشرة أذرع، ولو صلّى الرجل أمام المرأة فالأحوط أن يتقدّم عليها ـ على الأقل ـ بمقدار ما يكون سجودها أنزل من صدره، ولو صلّت المرأة أمام الرجل فالأحوط أن لا يقلّ الفاصل بين سجود الرجل وقدم المرأة عن عظم الذراع وإن كان الأفضل أن يكون الفاصل أكثر من عشرة أذرع.

وكل هذه الشروط تسقط في مسجد الحرام في زحام الحج.

533

النيّة

العناصر الثلاثة للنيّة:

(51) النيّة شرط لكلّ صلاة، ونريد بها: أن تتوفّر العناصر التالية:

أوّلا: نية القربة؛ لأنّ الصلاة عبادة، وكل عبادة لا تصحّ بدون نية القربة، كما تقدّم في فصل أحكام عامّة للعبادات فقرة (1).

ثانياً: الإخلاص في النيّة، ونعني بذلك: عدم الرياء، فالرياء في الصلاة محرّم ومبطل لها، وقد تقدم تفصيل ذلك في فصل أحكام عامّة للعبادات فقرة (8).

ثالثاً: أن يقصد المصلّي الاسم الخاصّ للصلاة التي يريد أن يصلّيها، المميِّز لها شرعاً إذا كان لها اسم كذلك، كصلاة الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء، ونوافلها، وصلاة الليل، وصلاة الآيات، وصلاة الجمعة، وصلاة العيد، وصلاة الاستسقاء، وهكذا. وإذا كانت مجرّد صلاة ركعتين مستحبّة استحباباً عاماً ـ إذ أنّ صلاة ركعتين مستحبّة على العموم ـ اكتفى بنيّة أن يصلّي ركعتين قربةً إلى الله تعالى.

وعلى هذا الأساس تعرف أنّ من أراد أن يصلّي إحدى الفرائض؛ أو إحدى الصلوات التي لها اسم خاصّ مميّز لها شرعاً فعليه أن يقصد ذلك الاسم، سواء كانت فريدةً ولم يكن لها شريكة في العدد والكمّ ـ كصلاة المغرب ـ أو كانت هناك صلاة اُخرى مماثلة لها، كصلاة الفجر التي تماثلها تماماً نافلة الفجر.

وبكلمة: أنّ هذا القصد واجب بنفسه، سواء كان يحصل الاشتباه بدون هذا القصد أوْ لا.

هذه هي عناصر النيّة الثلاثة.

534

(52) والعنصران الأول والثاني لابدّ من مقارنتهما لكلّ أجزاء الصلاة من تكبيرة الأحرام إلى آخر الأجزاء، ولا نعني بالمقارنة أن لاتتقدّم النية على الصلاة، بل أن لاتتأخّر عن أوّل جزء من أجزائها وهو تكبيرة الإحرام. فمن نوى أن يصلّي قربةً إلى الله تعالى، ولكن أخّره عن تكبيرة الإحرام الفحصُ عن التربة ـ مثلا ـ ثمّ وجدها فكبّر على أساس تلك النية صحّت صلاته.

كما أنّ مقارنة النيّة لكلّ الأجزاء لايعني أنّ المصلّي يجب أن يكون منتبهاً إلى نيّته إنتباهاً كاملا كما كان في اللحظة الاُولى، فلو نوى وكبرّ ثمّ ذهل عن نيته وواصل صلاته على هذه الحال من الذهول صحّت صلاته ما دامت النية كامنةً في أعماقه، على نحو لو سأله سائل ماذا تفعل ؟ لانتبه فوراً إلى أنّه يصلّي قربةً إلى الله تعالى.

(53) وأمّا العنصر الثالث في النية ـ وهو قصد الاسم الخاصّ للصلاة المميِّز لها شرعاً ـ فيجب أن يستمرّ مع الصلاة أيضاً، فإذا نوى المصلّي في الأثناء صلاةً اُخرى وأتمّها على هذا الأساس بطلت صلاته؛ إلّا في حالتين:

(54) الاُولى: أن يكون ذلك ذهولا أو نسياناً، كما إذا أقام صلاة الصبح كفريضة واجبة، وفي أثنائها تخيّل أنّها نافلة وأتمّها قاصداً بها النافلة فإنّ الصلاة في هذه الحال تصحّ صبحاً كما نواها من قبل، وإذا أقامها نافلةً منذ البداية وفي الأثناء تخيّل أنّه يصلّي الصبح الواجبة وأتمّها كذلك صحّت نافلته كما نواها أوّلا.

وبكلمة: تقاس الصلاة بالباعث الأول، ولا أثر لمجرّد التصوّر والتخيّل الطارئ الناشئ من الغفلة والنسيان.

(55) الثانية: أن يبدِّل نيّته إلى الصلاة الاُخرى في حالات يسوغ فيها نقل النية من صلاة إلى صلاة اُخرى، ويسمّى ذلك فقهيّاً بالعدول.

535

فمنها: أن يصلّي العصر ويتذكّر أنّه لم يصلّ الظهر، فيعدل إليها ويكمّلها ظهراً، ثمّ يصلّي العصر.

ومنها: أن يصلّي العشاء ويتذكّر قبل الركوع الأخير أنّه لم يصلّ المغرب،فيعدل إليها ويكمّلها مغرباً، ثمّ يصلّي العشاء.

ومنها: أن يصلّي صلاةً ويتذكّر أنّ عليه صلاة قضاء سابقةً عليها زماناً، ويمكن أن تتطابق مع ما أدّاه، فيسوغ له العدول إليها.

(56) وقد تسأل: إذا عدل المصلّي بنيّته إلى صلاة اُخرى حيث لا يسوغ له العدول، كمن نوى الظهر في صلاته ثمّ انتقل بنيته إلى العصر، وبعد هذا العدول بدا له أن يرجع إلى نيته الاُولى، وبالفعل عاد ورجع إلى نية الظهر فهل تصحّ صلاته في هذا الفرض ؟

الجواب: إن لم يأتِ بشيء على الإطلاق في هذه الحالة فصلاته صحيحة، وإن أتى بشيء: فإن كان الفعل المأتي به لايقبل التدارك ـ كالركوع ـ بطلت الصلاة، ولا أثر لإتمامها وإكمالها. وإن كان من النوع الذي يقبل التدارك، كما لو تشهّد ـ مثلا ـ بنية العصر ثمّ عاد إلى نية الظهر فصلاته صحيحة، وعليه أن يعيد تشهّده بنية الظهر؛ وصحّت منه ظهراً.

وستعرف في باب الخلل ما الذي يقبل التدارك وما الذي لايقبل.

(57) وإذا قصد المصلّي الاسم الخاصّ المميّز للصلاة شرعاً فليس من الضروريّ أن يعيّن كونها لأيّ يوم، فمن علم أنّ عليه فريضةً يوميةً واحدةً كالظهر ـ مثلا ـ ولكن لا يدري هل هي لهذا اليوم، أو ليوم مضى كان قد تركها فيه لسبب أو لآخر ؟ عليه أن يصلّيها قاصداً اسمها الخاصّ، وهو صلاة الظهر، وليس عليه أن

536

يحدّد أنّها لهذا اليوم أو ليوم مضى (1).

 


(1) أمّا لو توقّف تطبيق الامتثال على الصلاة الأدائيّة أو صلاة اليوم الحاضر على نيّة صلاة هذا اليوم وجبت هذه النيّة.
توضيح ذلك: أنّ التردّد بين صلاتين متماثلتين يتصور بعدّة أنحاء:
الأوّل: أن يعلم بأنّ معلومه له تعيّن في الواقع رغم جهله به، مثاله: لو علم أنّ عليه صلاة ظهر واحدةً وليس عليه أكثر من ذلك فتلك الصلاة لها تعيّن في صفحة الواقع يقيناً وإن لم يعلمها هو، وهنا لا إشكال في كفاية نيّة صلاة الظهر ـ مثلاً ـ بلا حاجة إلى تعيين اليوم أو تعيين القضاء والأداء ونحو ذلك مادام العنوان لم يثبت كونه مقوّماً للمأمور به المشروط بالنيّة.
ومثاله الآخر: ما لو كان عليه أكثر من واحدة ولكنّ المكلّف أشار بعنوان ما إلى ما جعل المتعلّق معيّناً في صفحة الواقع، كما لو نوى الصلاة التي حلّ وجوبها عليه في حين كونه في الغرفة الفلانية وتلك لم تكن إلّا صلاةً واحدة، وعندئذ لا تبقى في المقام أيضاً حاجة إلى نيّة عنوان آخر كالقضاء.
الثاني: أن لا يعلم بتعيّن للمعلوم في صفحة الواقع، أو يعلم بعدم تعيّنه ولكن كلا الطرفين كانا قضاءً، كما لو كان قد فاته ظهران ليومين، وهنا لا يجب التعيين في النيّة بأن ينوي قضاء اليوم الفلاني أو قضاء اليوم الآخر مادام أنّ الثابت في الذمّة ذات القضاء وليست خصوصيّة اليوم وقلنا بعدم وجوب الترتيب في قضاء الفوائت إلّا المرتّبة فيما بينها.
الثالث: نفس الفرض السابق بفرق أنّ أحد الطرفين كان قضاءً والثاني كان أداءً، كما لو كان عليه ظهران أحدهما للأمس والثاني لهذا اليوم وبين الواجبين فرق وهو أنّ الثاني مضيّق، إذ لابدّ من الإتيان به قبل الغروب ـ مثلاً ـ في حين أنّ متعلّق الحكم الأوّل موسّع، وهنا لا سبيل لتعيّن الامتثال على الثاني حتّى يسقط عنه قيد الإتيان في الوقت المعيّن الثابت في ذمّته إلّا عن طريق التعيين بالنيّة فيجب، ولا نعني بذلك نيّة الأداء حتماً، بل تكفي نيّة اليوم، ويظهر أثر الفرق بين نيّة الأداء ونيّة اليوم فيما إذا شكّ في انتهاء الوقت، ووجب تمييز الصلاة على

537

(58) وإذا تخيّل وتوهّم أنّ الفريضة التي عليه ليوم مضى، فنواها معتقداً أنّها ليوم مضى، وبعد أن أدّاها وأتى بها بهذا الاعتقاد انكشف أنّها لليوم الحالي لا للماضي صحّت صلاته، ولا إعادة عليه. ومثله: ما لو تخيّل أنّها لليوم الحالي فتبيّن أنها للسابق.

هذه صورة موجزة للعناصر الثلاثة للنية.

أسئلة حول العناصر الثلاثة:

وقد تُطرح عدّة تساؤلات بهذا الصدد:

(59) فأولا: أنّ بعض الصلوات واجبة، وبعضها مستحبّة، فهل من الضروريّ للمصلّي حين يصلّي أن يستحضر في نيّته أنّ هذه الصلاة التي يصلّيها واجبة أو مستحبّة؟

والجواب: أنّه لا يلزم ذلك ما دام ناوياً امتثال أمر الله.

(60) وثانياً: أنّ الرياء قد يكون في أصل الصلاة وأجزائها الواجبة، كأن يصلّي رياءً فتبطل صلاته، وقد يكون في مستحبّاتها وآدابها، كإنسان يصلّي لله ـ على أيّ حال ـ ولكنّه يحرص على أن يؤدّي صلاته بآداب ومستحبّات إضافية من أجل الرياء، فهل تبطل صلاته من الأساس لأجل هذا الرياء؟

والجواب: أنّ المستحبّ: تارةً يتمثّل في فعل معيّن يتميّز عن واجبات الصلاة كالقنوت، واُخرى يتمثّل في حالة عامّة تتّصف بها الصلاة، من قبيل كونها



تقدير بقاء الوقت عن الصلاة القضائيّة، فعندئذ ليس عليه أن ينوي الأداء، ويكفي أن ينوي صلاة هذا اليوم الذي يحتمل انتهاءه ويحتمل عدم انتهائه.
538

في المسجد، أو إيقاعها في أوّل الوقت، ونحو ذلك. ففي الحالة الاُولى لا تبطل الصلاة بالرياء في فعل المستحبّ، ولكنّ المكلّف يأثم من أجل ريائه. وفي الحالة الثانية صورتان:

الاُولى: أن يكون المكلّف قاصداً التمويه والتدليس على كلّ حال، صلّى أم لم يصلّ.

ومثاله: أن يقصد التواجد في المسجد رياءً ليوهم الآخرين بأنّه من روّاد المساجد، وخلال ذلك يعنّ له أن يصلّي لله، فإذا أدّى الصلاة في هذه الحال تكون صلاته صحيحة.

الثانية: أن يقصد التدليس والرياء من أجل الصلاة.

ومثاله: أن يقصد المصلّي من التواجد في المسجد أن يُظهِرَ للآخرين رياءً حرصه على اختيار الأفضل لصلاته، وعندئذ تكون صلاته باطلة.

وثالثاً: (61) قد يدخل الإنسان في الصلاة ويأتي بشيء منها، ثمّ ينوي قطعها والخروج منها، أو ينوي فعل ما لا يسوغ فعله في أثنائها، فما هو الحكم في ذلك ؟

الجواب:إذا عاد إلى نيّته الاُولى قبل أن يأتي بشيء من الصلاة أو بما ينافيها ويبطلها صحّت صلاته إذا أتمّها على الوجه المطلوب، وإذا أتمّ الصلاة وهو على نية القطع أو على نية فعل المنافي والمبطل بطلت صلاته، حتّى ولو لم يفعل شيئاً محسوساً ينافيها، بل حتى ولو كان متردّداً بين القطع والإتمام.

وإذا أتى بشيء من الصلاة بعد نيّة القطع ثمّ عاد إلى نيته الاُولى فينظر:

هل أتى في تلك الحالة بالركوع أو السجود، أو أتى بشيء آخر من أفعال الصلاة كالتشهد والفاتحة والذكر ؟

ففي الحالة الاُولى تبطل صلاته على أيّ حال، وفي الحالة الثانية تبطل

539

الصلاة إن نوى بذلك التشهّد ـ مثلا ـ أنّه جزء من هذه الصلاة التي نوى قطعها، وإن لم ينوِ ذلك وإنّما أتى به كشيء مستقلٍّ عن الصلاة فبإمكانه إذا عدل عن نية القطع أن يعيد ثانيةً ما أتى به حالها، ويواصل صلاته ولا شيء عليه.

حالات من الشكّ:

(62) قد يبدأ الإنسان صلاته وهو يشكّ في قدرته على إكمالها.

ومثاله: أن يصلّي المكلّف في مكان مقدّس يكثر فيه الزحام ـ كما يحدث ذلك أيام الحجّ وموسم الزيارات ـ محتملا وراجياً أن يؤدّي صلاته بالكامل، وهو في حال الاستقرار غير مضطرب يمنةً ويسرةً، فإذا اتّفق وصادف الاستقرار وعدم الاضطراب صحّت صلاته وقبلت.

(63) ومن صلّى أو بدأ بصلاته في مجمع من الناس ثمّ شكّ في أنّه هل كان يصلّي من أجل الله، أو من أجل أن يراه الناس؟ فلا قيمة لصلاته مع هذا الشكّ.

(64) ومن صلّى أو بدأ صلاته في مجمع من الناس وهو متأكّد من أنّه يصلّي لله، بمعنى أنّه لو كان وحده لصلّى أيضاً، ولكنّه شكّ واحتمل في نفسه الرياء، أيّ أنّه أشرك الناس مع الله في دوافعه وبواعثه فصلاته صحيحة، ويلغى هذا الشكّ عملياً.

(65) ومن دخل في الصلاة وأتى بشيء منها، وقبل أن يتمّها شكّ وتردّد هل كان قد دخل فيها بنية الظهر، أو بنية العصر فماذا يصنع؟

الجواب: إن لم يكن قد أتى بالظهر قبلا أتمّها ظهراً وعقّب بالعصر. وإن كان قد صلّى الظهر بطلت صلاته؛ واستأنفها من جديد بنية العصر. والشيء نفسه يصدق إذا دخل في صلاة ثمّ شكّ في أنّه نواها مغرباً أو عشاءً؟ فإنّه: إن لم يكن قد أتى بالمغرب نواها مغرباً ما لم يكن قد ركع الركوع الرابع، ثمّ عقّب بالعشاء.

540

وإن كان قد صلّى المغرب بطلت صلاته، واستأنفها من جديد بنية العشاء.

(66) وإذا قصد وتهيّأ لصلاة الظهر الواجبة عليه الآن ـ مثلا ـ وبعد أن شرع ودخل في الصلاة شكّ وتردّد هل هذه الصلاة هي التي تهيّأ لها، أو أنّه كان قد نواها لصلاة فائتة ـ مثلا ـ لم يكن قد قصدها (1) وتهيّأ لها؟ بطلت صلاته، واستأنف صلاةً جديدةً بنية معينة ومحدّدة من ظهر أو عصر أو نحو ذلك.

(67) وقد يجد الإنسان نفسه في صلاة وهو ينويها ظهراً أو فجراً لهذا اليوم، ولكنّه يشك ويتردّد هل أنّه دخل في هذه الصلاة بنفس النيّة التي يجدها في نفسه الآن، أو أنّه كان قد نواها في البدء ظهراً ليوم سابق أو نافلة ؟ وعليه في هذه الحالة أن لا يكتفي بهذه الصلاة، ويستأنفها من جديد بنية معينة ومحدّدة.

 


(1) كأنّ المقصود: أنّه على تقدير أن يكون قد نواها لصلاة فائتة لم تكن نيّة جدّيّة، بل كانت نوعاً من حالة الذهول.
541

الشروط والأجزاء العامّة

الباب الثاني

في الأجزاء

 

 

○   تكبيرة الإحرام.

○   القراءة في الركعة الاُولى والثانية.

○   الركوع.

○   السجود.

○   التشهّد والتسليم.

○   ما يقرأ في الركعتين الأخيرتين.

○   القنوت.

○   الصلاة قائماً أو جالساً.

○   كيف تؤدّى الأجزاء؟

 

 

543

تكبيرة الإحرام

 

(68) وهي قول: « الله أكبر »، وبها تُفتح الصلاة، فإنّها تبدأ بتكبيرة الإحرام. وفي الحديث: « وتحريمها (أي الصلاة) التكبير، وتحليلها التسليم »(1).

والمعنى: أنّ المصلّي متى كبَّر للصلاة فقد دخل فيها وصار من المصلّين، وحرم عليه كلّ ما يحرم على المصلّي من أشياء حتّى يخرج منها بالتسليم، ومن أجل ذلك كانت تكبيرة الإحرام أوّل أجزاء الصلاة دون النيّة، إذ بمجرد النية لا تبدأ الصلاة، ولا يحرم ما يحرم على المصلّي.

الصيغة:

(69) وللتكبيرة صيغة عربية محدّدة، كما ذكرنا قبل لحظة، ولا يجزي عنها قول: الله الأكبر، أو الخالق أكبر، أو الله العظيم أكبر. كما لا يجزي عنها أيضاً


(1) وسائل الشيعة 4: 715، الباب 1 من أبواب تكبيرة الإحرام، ذيل الحديث 10.
544

ما يعادلها في أيّ لغة اُخرى.

ومن جهل هذا التكبير فعليه أن يتعلّمه، وإن ضاق الوقت عن التعلّم تلقّنه المصلّي من غيره، فإن تعذّر التلقين أتى بها على النحو الممكن له.

وإذا لم يتيسّر للأجنبي عن اللغة العربية أن يأتي بها على أي نحو أمكنه أن يُحرِمَ بما يعادلها في لغته.

(70) ويجب أن يكون تكبير الإحرام مستقلاًّ بمعناه، لا صلة له بما قبله من كلام وذكر ودعاء، ولا يلحق به بعده مايتمّمه ويكمّله، فلا يجوز أن يأتي المصلّي بتكبير الإحرام في ضمن قوله مثلا: (قال الملائكة واُولوا العلم الله أكبر)، ولا في ضمن قوله مثلا: (الله أكبر من كلّ شيء).

(71) وكما يجب أن يؤدّى تكبير الإحرام مستقلاًّ في معناه كذلك يجب أن يؤدّى مستقلاًّ في لفظه، بمعنى أنّ من تكلّم قبل التكبير بأيّ شيء فعليه أن يقف على الحرف الأخير الذي قبل همزة الله أكبر؛ لأنّه لو تحرّك لاُدمجت همزة كلمة الجلالة بما قبلها، أو وقعت على غير الاُصول والقواعد العربية.

(72) والأخرس وغيره ممّن عجز عن النطق لسبب طارىً يعقد قلبه بتكبيرة الإحرام مع الإشارة بالإصبع وتحريك اللسان إن استطاع إليه سبيلا.

الشروط:

(73) يجب أن يكون تكبير الإحرام في حال القيام، بل لابدّ من القيام أوّلا قبل التكبير، كمقدمة وتمهيد للعلم بأنّه قد حصل بكامله في هذه الحال، وكلّما وجب القيام وجبت فيه خصائص معيّنة، كالسكون والاستقرار والانتصاب والاعتدال، كما يأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في الفقرة (151).

545

العدد:

(74) والواجب في تكبير الإحرام مرّة واحدة. ويستحبّ أن يُزاد قبله « الله أكبر » ستّ مرّات أو أربع مرّات أو مرّتين، وفي سائر الأحوال فإنّ على المصلّي أن ينوي في التكبير الأخير تكبيرة الإحرام الواجبة التي بها يتمّ الدخول في الصلاة (1).

(75) ويستحبّ للمصلّي أن يرفع يديه حال تكبير الإحرام إلى اُذنه، أو حيال وجهه موجّهاً باطنهما إلى القبلة، وأن يضمّ أصابعه مجموعة.

الخَلل:

(76) من ترك تكبيرة الإحرام فلا صلاة له، سواء كان عامداً في تركه وعالماً بوجوبها، أو ناسياً ذاهلا عنها، أو جاهلا بوجوبها.

وكذلك مَن ترك القيام حال التكبيرة فكبّر للإحرام جالساً، ومن كبّر قائماً ولكن بدون استقرار أو انتصاب في القيام فصلاته صحيحة إن كان ذلك منه لنسيان، أو لتخيّل أنّ هذه الاُمور غير واجبة في القيام، وأمّا إذا أخلّ بها وتهاون عامداً عالماً بطلت صلاته.

ومن كبّر للإحرام ثمّ كبّر كذلك ثانيةً فقد زاد في صلاته، فإن كان عامداً في الزيادة فصلاته باطلة، وإن كانت سهواً أو جهلا وتخيّلا أنّ ذلك لايضرّ فصلاته صحيحة.

 


(1) الظاهر أنّ أوّل تكبيرة صحيحة تصبح هي تكبيرة الإحرام ـ أي: يتمّ بها الدخول في الصلاة ـ فلو بطلت الاُولى تصبح الثانية هي تكبيرة الإحرام، وهكذا.