68

يأتي حديثاً غريباً، أي لا تقبله العقول العادية المتعارفة، وهذا لا ينافي الوثاقة، إلا أنّ هذا التفسير قابل للتأمّل، وبالإمكان أيضاً أن يفسّر ذلك بتفسير آخر، وهو أنّ هذا الإنسان يعرفه البعض بالوثاقة ومجهول عند البعض الآخر.

وعلى أيّ حال فلو فرض إجمال في كلام النجاشي أو شكّ في معناه بقيت شهادة الشيخ بصحّة حديثه حجّةً.

الوجه الرابع، كون الراوي للعهد هو الأصبغ بن نباتة: حيث لم يرد التصريح بوثاقته، ووروده في كامل الزيارات يفيد على مبنى السيد الخوئي، وليس على مبنانا، ورواية الشيخ الحر في الفائدة السابعة من خاتمة الوسائل (ص 89) توثيقه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لا تفيد، لعدم تمامية سند الرواية. نعم الظاهر أنّ قولهم: إنّ الأصبغ من خاصّة أمير المؤمنين (عليه السلام) كافٍ لوثاقته.

الوجه الخامس، أنّ الشيخ لم ينقل لنا متن عهد الإمام إلى مالك الأشتر، فلا يفيدنا ما ذكره من السند، فإنّ هذا السند سوف لن يثبت لمتن أخذناه من نهج البلاغة _ مثلاً _ إلا أن يقال: إنّ قول الشيخ: «أخبرنا بالعهد فلان عن فلان...» إشارة إلى نفس هذا العهد الذي لم يعرف إلا بالنسخ المألوفة، فيثبت ما اتفقت عليه النسخ.

دلالة عهد الأشتر

وأمّا من حيث الدلالة: فكلمة (أفضل) لا تعطي معنى (أعلم) كي يثبت المقصود، بل تعطي الترجيح من حيث مجموع الجهات، ويشهد بذلك نفس متن العهد أيضاً حيث قال (عليه السلام): «ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممّن لا تضيق به الأمور، ولا تمحكه الخصوم، ولا يتمادى في الزلّة، ولا يحصر من الفيء إلى الحقّ إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، وأوقفهم في

69

الشبهات، وآخذهم بالحجج، وأقلّهم تبرّماً بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشّف الأمور، وأصرمهم عند اتّضاح الحكم ممّن لا يزدهيه إطراء، ولا يستميله إغراء، وأولئك قليل...».

على أنّه لم يعلم كون هذا حكماً شرعيّاً، أو حكماً ولائيّاً نافذ المفعول إلى الآن؛ إذاً الموقف يناسب أيضاً كونه من تعاليمه (عليه السلام) بما هو رئيس الحكومة لمالك الأشتر بما هو منصوب من قبله على مصر.

هذا تمام الكلام في اشتراط العلم.

شرط البلوغ

الشرط الثاني: البلوغ. وقد يتمسّك لإثبات ذلك بما مضى من رواية أبي خديجة حيث؛ جاء فيها: «اُنظروا إلى رجل منكم» فإن فرضنا أنّها ناظرة إلى قاضي التحكيم ثبت شرط البلوغ في القاضي المنصوب بطريق أولى، وإن فرضنا أنّها ناظرة إلى القاضي المنصوب ثبت شرط البلوغ في المنصوب بحيث يقيّد بها إطلاق غيرها لو كان، وذلك لاستظهار كون العبارة في مقام تحديد من سمح بالرجوع إليه، فينفى السماح بالرجوع إلى غير من ذكره.

وقد يستشهد لإثبات اشتراط البلوغ بما دلّ على كون غير البالغ مولّىً عليه، ومحجوراً في التصرفات ولو في الجملة، فمن يكون محجوراً عن التصرف في ماله كيف لا يكون محجوراً عن القضاء، فيتعدّى إذاً إلى باب القضاء إمّا بالأولويّة العرفيّة، أو ببيان أنّ جوّاً تشريعياً قام على أساس محجورية الصغير فلا يتمّ فيه الإطلاق لدليل القضاء.

70

شرط العقل والرشد والإسلام

الشرط الثالث والرابع والخامس: العقل والرشد والإسلام. ولا حاجة للبحث عنها.

شرط الذكورة

الشرط السادس: الذكورة، ويستدلّ لها بحديث أبي خديجة؛ فإن حملناه على قاضي التحكيم ثبت في المنصوب بطريق أولى، وإن حملناه على القاضي المنصوب ثبت في المنصوب، وقيّدنا به إطلاق المطلق لو كان.

وقد يستدلّ أيضاً لاشتراط الرجولة في القضاء بما دلّ على عدم صلاحيّة المرأة لإمامة الجماعة مطلقاً أو للرجال، وما دلّ على عدم كون قيمة شهادتها كشهادة الرجل: إمّا بدعوى أنّ هذا يدل بالأولوية على اشتراط الرجولة في القضاء، أو بدعوى أنّ جوّاً تشريعيّاً من هذا القبيل يمنع عن انعقاد الإطلاق في دليل القضاء للمرأة.

وقد يستدلّ أيضاً بالآيات الدالّة على نقصان مستوى المرأة، كآيات ذمّ من افترض أنّ اللّه تعالى اصطفى لنفسه البنات على البنين، وبالأخصّ قوله تعالى: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾(1) إمّا بدعوى دلالتها رأساً على عدم كون المرأة بمستوى إعطاء منصب القضاء، أو بدعوى أنّ جوّاً تشريعيّاً من هذا القبيل يمنع عن انعقاد الإطلاق في دليل القضاء.

وتوجد أيضاً رواية دالّة على عدم تولّي المرأة للقضاء(2) إلا أنّها ضعيفة سنداً.


(1) الزخرف: 18.

(2) وسائل الشيعة، ج 18، ص6، الباب 2 من صفات القاضي.

71

حقوق المرأة في الإسلام

وبهذه المناسبة لا بأس ببحث الشبهة التي قد تورد على الإسلام من أنّه دين متخلّف عن الحضارة المترقّية اليوم، ويناسب مستوى فهم العصور القديمة المتخلّفة، ممّا يشهد لعدم كونه ديناً سماويّاً حقّاً؛ وذلك لأنّه قد ظلم المرأة في القضايا الاجتماعيّة، ولم يعطها حقّها، وحرمها من كثير من الأمور من قبيل منصب القضاء.

والمقدار المناسب من البحث للمقام وإن كان هو قسم القضاء، إلا أنّه لا بأس بشيء من التوسّع كي يكون البحث متكاملاً شيئاً ما.

فنقول: قد يقال من قبل أعداء الإسلام: إنّ الإسلام قد ظلم المرأة في حقوقها الاجتماعية في عدّة حقول:

1_ أنّه حرمها من بعض المناصب، وجعل تلك المناصب من امتيازات الرجال، من قبيل منصب القضاء، والإمرة، ومدى قيمة شهادتها.

2_ أنّه ظلمها في الحقل الاقتصادي، كما يظهر في باب الإرث.

3_ أنّه لم ينصفها في حقل الوداد والوفاء؛ حيث سمح للزوج بتعديد الزوجات، ولم يسمح لها بتعديد الأزواج، فلو فرض كون ذلك خلاف مراسيم الوداد والحبّ والوفاء فلماذا تحرم المرأة من هذه المراسيم، ويسمح للزوج بتعديد الزوجات، وإلا فلماذا تمنع المرأة من تعديد الأزواج؟!

4_ وظلمها أيضاً في مجال الحرّيّة الشخصية؛حيث قيّدها بالحجاب من ناحية، وجعل الرجال قوّامين على النساء من ناحية أُخرى.

5_ وقد يكون أشدّ من كلّ هذا أنّ الإسلام لم يعتبرها في حقّ الحياة والسلامة بمستوى الرجل؛ بدليل أنّه جعل ديتها حينما تصل إلى مستوىً معيّن نصف دية الرجل.

72

وقبل أن ندخل في تفصيل الجواب عن كلّ واحد من هذه الإشكالات تباعاً نذكر مقدّمةً ما يجعل موقفنا كمسلمين موقف الهجوم أيضاً على مدرسة الغرب، وليس موقف الدفاع محضاً.

فنقول: إنّ النظرة الأساسية إلى المرأة التي يجب أن تتفرّع عليها كلّ هذه الفروع وأمثالها هي إحدى نظرات ثلاث:

الأُولى _ نظرة الجاهليّة الأُولى إليها، التي كانت متعارفة في البيئة التي كان منها رسول اللّه (صلى الله عليه و آله)، وهي أن تعدّ بمستوى الحيوانات أو أتعس، ولا تعدّ في صفوف الإنسان، وقد نطق بحكاية ذلك القرآن الكريم كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذا بُشِّـرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ﴾(1)، وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾(2).

الثانية _ نظرة الجاهلية اليوم، التي تدّعي أنّها ترى المرأة إنساناً كالرجل، فهي من ناحية تفترض أنّها ترى المرأة في عرض الرجل ومثله في الإنسانية، ومن ناحية أُخرى تغفل أو تتغافل عن الفوارق الفسلجية والسيكولوجية الثابتة فيما بينهما.

الثالثة _ نظرة الإسلام، فالإسلام يرى من ناحية أنّ المرأة في عرض الرجل ومثله في الإنسانية، ومن ناحية أُخرى لا يُغفِل الفوارق الفسلجية والسيكولوجية الثابتة _ بحسب طبيعة الخلقة _ فيما بينهما، كغلبة الجانب العقلي على الجانب العاطفي في الرجل، وغلبة الجانب العاطفي على الجانب العقلي في المرأة، وقوّة الرجل بنيةً وقدرةً


(1) النحل: 58 _ 59.

(2) التكوير: 8 _ 9.

73

على الصمود في خضمّ مشاكل الحياة، وضعف المرأة في ذلك، وكون المرأة مثاراً للشهوة أكثر من الرجل وغير ذلك.

ولئن فرضنا صدق صاحب النظرة الثانية في دعواه للإيمان بالمساواة بينهما في الإنسانية وحقوقها _ وهذا تماماً هو ما يؤمن به الإسلام _ فغفلته عن أمر واقع _ وهو الفوارق الفسلجية والسيكولوجية الثابتة بينهما بحسب الخلقة _ أو تغافله عن ذلك أوجبت أن يصل في النتائج الخارجية إلى العكس ممّا كان يفترض تقصّده من إسعاد المرأة، وإعطائها الحقوق الطبيعية لها في عرض الرجل، فقد أدّت هذه النظرة إلى دمار وضع المرأة، وتردّي الحالة النفسيّة والأخلاقيّة بشكل عام.

وتوضيح ذلك: أنّ الإسلام يرى أنّ المجتمع السعيد _ بلحاظ الحياة الدنيا وبغضّ النظر عن مسألة الآخرة _ هو المجتمع المبني من وحدات صغيرة عائليّة متماسكة، وذلك بنكتتين:

الأُولى _ أنّ النظام العائلي هو النظام الأنجح في تأمين ما يحتاج إليه الإنسان من استقرار الحياة ونظمها بأحسن وجه.

والثانية _ أنّ النفس البشريّة بحاجة إلى مسألة الحبّ والوداد والعطف والرحمة، كما هي بحاجة إلى الخبز والماء؛ فإنّ من أهمّ حاجات الإنسان الروحيّة الفطريّة أن يتبادل الحب، وأن يقيم علاقة الودّ والتعاطف مع آخرين، والطفل بطبيعته الروحيّة يحتاج إلى من ينظر إليه بعين الرأفة، ويلاطفه بعين المحبّة، ويداعبه بيد العطف والرحمة؛ والمرأة تحسّ بالحاجة الروحيّة الماسّة إلى جذب عواطف الرجل وامتلاك قلبه، والرجل بحاجة روحيّاً إلى ريحانة يحبّها وينشئ معها علاقة الودّ والرعاية إلى جنب العلاقة الجنسيّة، ومجرّد العلاقة الجنسيّة لا يشبع إلا حاجته الجسميّة، ويبقى جانبه الروحي غير مرتوٍ، ولذا تراهم يريدون أن يشبعوا هذه الحاجة _ بعد فقدهم

74

للنظام العائلي بشكله الصحيح الإسلامي _ عن طريق تبادل العشق، قال اللّه تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾(1).

وبما أنّ نظام الغرب أغفل الفوارق الطبيعية الموجودة في خلقة الجنسين أدّى ذلك إلى تمييع النظام العائلي، وتفسيخ أواصر المحبّة في أفراد العائلة، كما هو مشاهد في المجتمع الغربي، وذلك بنكتتين:

1_ حاجة الوحدة العائليّة إلى قيّم يشرف عليها، وينظّم أمرها بنوع من الولاية، بينما قد فرض الرجل والمرأة على حدّ سواء، وهذا يُفقد الوضع العائلي حالة التماسك التي تحدث ضمن تنظيم الأمر عن طريق الولي المشرف.

2_ رفع الحجاب عن المرأة التي هي مثار للشهوة بحجّة الحرّيّة الشخصية ممّا أوجب تفسّخ الوضع العائلي بشكل كامل.

وبكلّ هذا قد فقد المجتمع الغربي نعمة الحب والوداد الحقيقي فيما بين الأفراد، وحلّ محلّ ذلك التفسّخ الأخلاقي والنظرة الحيوانيّة البحتة في الحياة.

بينما الإسلام لاحظ من ناحيةٍ أنّ المرأة كالرجل سواء بسواء في الإنسانية، فجعل يخاطبهما بنسق واحد، قال اللّه تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْـثى﴾(2)، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ


(1) الروم: 21.

(2) آل عمران: 195.

75

وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾(1). وقال تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَة سُئلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ﴾(2).

ولاحظ من ناحيةٍ أُخرى أنّها تختلف عن الرجل في الخلقة في مدى القوّة والضعف، ومدى غلبة الجانب العقلي أو العاطفي على الجانب الآخر، وغير ذلك. قال اللّه تعالى: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصٰامِ غَيْـرُ مُبِينٍ﴾(3)، وقال تعالى: ﴿اَلرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى الْنِّسٰاءِ بِمٰا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ وَبِمٰا أَنْفَقُوا﴾(4). وفي وصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام) لولده محمد بن الحنفيّة بسند غير تام: «لا تملك المرأة من الأمر ما يجاوز نفسها، فإنّ ذلك أنعم لحالها وأرخى لبالها وأدوم لجمالها، فإنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فدارِها على كلّ حال، وأحسن الصحبة لها ليصفو عيشك»(5).

وقد أسّس الإسلام كلّ تشريعاته بالنسبة للمرأة على أساس التفاته إلى هاتين النكتتين، أعني كون المرأة مساوية للرجل في الإنسانية، وحقوق الإنسانية من ناحية، وكونها مختلفة عنه في الخلقة سيكولوجياً وفيسيولوجياً من ناحية أُخرى.

والآن نبدأ بالجواب على الاعتراضات الماضية تباعاً:

أمّا الاعتراض الأول، وهو حرمانها من بعض المناصب كالقضاء، فالإسلام ينطلق


(1) الاحزاب: 35.

(2) التكوير: 8 _ 9.

(3) الزخرف: 18.

(4) النساء: 34.

(5) وسائل الشيعة، ج 14، ص120، الباب 87 من أبواب مقدمات النكاح، ح 3.

76

من منطلق الإيمان بالفرق الموجود بين الجنسين في الخلقة وضعفها عن مقاومة الضغوط والمشاكل من ناحية، وغلبة الجانب العاطفي على الجانب العقلي فيها من ناحية أُخرى. ومن هذا المنطلق حرمها من بعض المناصب كالقضاء، وأعفاها أيضاً بالمقابل _ منطلقاً من نفس النكتة _ عن بعض المسؤوليات والأعباء كالجهاد. بل في رؤية الإسلام يرجع كلّ هذا إلى الإعفاء عن المسؤوليّات والأعباء؛ لأنّ من يتربّى بتربية الإسلام لا ينظر إلى منصب القضاء ونحوه كمغنم، وليست أمثال هذه الأمور في منطق الإسلام مغانم، بل ينظر إليها كمسؤوليّة وأمانة.

وأمّا الاعتراض الثاني، وهو ظلمها من الناحية الاقتصادية في مسألة الإرث، فازدياد حصّة الذكر في الغالب على الأُنثى في منطق الإسلام يوازي كون الرجل هو الذي يتحمّل عب‏ء العائلة الاقتصادي دون المرأة.

وأمّا الاعتراض الثالث، وهو السماح بتعدّد الزوجات للرجل وعدم السماح بتعدّد الأزواج للمرأة، فالواقع أنّ ملاك رفض التعدّد المشترك بين الجانبين يمكن أن يكون أحد أمور ثلاثة:

1_ الغيرة.

2_ الحسد.

3_ أنّ اللّه لم يجعل لرجل في جوفه من قلبين، فاتّخاذ زوجة أُخرى يوزّع قلب الرجل ومودّته بين الزوجتين، وهذا خلاف الوفاء بشأن الزوجة الأُولى.

أمّا الغيرة، فالواقع أنّها ليست شيئاً أصيلاً في طبيعة الإنسان وثابتاً قبل القوانين والعادات؛ كي يترقّب تأثيرها على كيفيّة تشريع القوانين، بل هي وليدة للنظم والقوانين والعادات، وقد شاء نظام الإسلام أن يحرّم الغيرة على النساء، ويوجبها على الرجال للنكتة الآتية.

77

وأمّا الحسد، فهو محارب من أساسه من قبل الإسلام باعتبار قبحه العقلي من ناحية، ومفاسده الاجتماعية من ناحية أُخرى، فلا معنى لترتيب أثر على ذلك في المقام.

وأمّا الأمر الثالث، وهو أنّ القلب لا يمتلكه اثنان، وأنّه إذا وزّع الودّ على شخصين قلّت حصّة كلٍّ منهما عمّا لو اختصّ القلب بأحدهما، فما أروع النقض الذي أورده المرحوم الشهيد الشيخ المطهري (رحمه الله)، وهو النقض بما هو محسوس ومجرّب من أنّ الإنسان المحبّ لولده والغارق في حبّه حينما يحصل على ولد آخر يشعر بحبّه كالأوّل من دون أن ينقص من الأول شيء.

والواقع أنّ النكتة التي أوجبت حرمة تعدّد الأزواج للمرأة، وجواز تعدّد الزوجات للرجل، وأوجبت الغيرة على الرجل وحرّمتها على النساء هي أنّه بعد أن رأى الإسلام أنّ حياة المجتمع ترتبط بمدى استحكام وتماسك بنية الوحدة العائلية، ورأى أنّ هذا التماسك في بنيتها يتوقّف على قوّاميّة الرجل _ كما سيأتي إن شاء اللّه _ رأى أنّ تعدّد القيّم بتعدّد الزوج يفسد وحدة البنية العائلية وتماسكها، بينما لو اتّحد القيّم فتعدّد العائلة لا يوجب مفسدة من هذا القبيل، بل هذا القيّم الواحد يبني وحدتين عائليّتين من هذا القبيل، وكلّ منهما بحدّ ذاته وحدة متماسكة، على أنّ اختلاط النسل في موارد ثبوت النسل أيضاً يضرّ بتماسك بنية الوحدة العائليّة ضرراً كبيراً كما هو واضح.

وأمّا الاعتراض الرابع، وهو سلب حرّيّة المرأة في مسألة الحجاب، وفي قوّاميّة الرجال على النساء، فالجواب عن مسألة الحجاب واضح ممّا تقدّم، فإنّ الحجاب مبتنٍ على الفرق الفسلجي الموجود بين الجنسين من كون المرأة مثاراً للشهوة؛ إذ على أساس ذلك يكون رفع الحجاب موجباً لارتباط الزوج برفيقات، وارتباط الزوجة

78

برفاق ممّا يُنهي تماسك الحياة العائليّة الذي قلنا: إنّه هو أساس سعادة المجتمع في نظر الإسلام.

كما أنّ الجواب عن القوّاميّة أيضاً واضح ممّا تقدّم، وبيانه هو: أنّ القوّاميّه ليست ثابتة في الإسلام لجنس الذكر على جنس الأُنثى ولذا لا قوّاميّة للأخ على الأُخت مثلاً، وإنّما هي ثابتة في خصوص الحياة العائليّة للزوج على الزوجة، ومنشأ ذلك مجموع أمرين:

الأول _ أنّ تماسك الوحدة العائليّة الذي هو أساس سعادة المجتمع في نظر الإسلام يتوقّف على وجود قيّم واحد عليها.

والثاني _ أنّ الرجل هو الأولى بالقيمومة لما له من امتياز فسلجي وسيكولوجي في القوّة والصمود في خضمّ المشاكل، وفي غلبة جانب العقل والحنكة فيه على جانب العاطفة بخلاف المرأة.

وأمّا الاعتراض الخامس، وهو أنّ الإسلام افترضها أقلّ شأناً من الرجل في حقّ الحياة والسلامة بدليل نقصان ديتها من دية الرجل، فالجواب على ذلك هو أنّ الحكم بنقصان ديتها من دية الرجل لا ينشأ من كون حقّ الحياة والسلامة لها أخفّ من حقّ الرجل ودون حقّ الرجل، بل ينشأ من نظرة اقتصادية للإسلام إلى الرجل والمرأة؛ حيث إنّ الرجل كمنتج اقتصادي أقوى من المرأة بلحاظ الفوارق الفسلجية والسيكولوجية بينهما. والذي يدلّنا على ذلك أنّ الإسلام أعطى للمرأة حقّ القصاص كاملاً من الرجل مع دفعها لنصف الدية، ولم يحرمها من القصاص بأن يفرض عليها التنزّل منه إلى نصف الديّة، وهذا يعني أنّ النكتة في باب الدية لم تكن تكمن في حقّ الحياة والسلامة، بل كانت تكمن في الجانب الاقتصادي، فالرجل اقتصاديّاً يقوّم بأكثر ممّا تقوّم المرأة به للفوارق الفسلجية والسيكولوجية بينهما، أمّا

79

بما هما إنسانان يستحقّان الحياة والسلامة فهما سيّان؛ ولذا ترى أنّ الذمّي الذي ديته أقلّ من المسلم بنكتة اعتباره أقلّ مستوىً في حقّ الحياة والسلامة من المسلم حينما يقتله المسلم أو يجني عليه لا يسمح له بالقصاص ودفع الفارق من الدية، بل ينتقل رأساً إلى تغريم المسلم بدية الذمّي التي هي أقل من دية المسلم.

هذا، ولا يخفى أنّ كلّ ما ذكرناه وأمثاله كمصالح وحكم للتشريعات الإسلامية إنّما هو مبلغ فهمنا وحدسنا، واقناعاً لبعض قطاعات الناس، والواقع هو أنّ الشريعة الإسلامية وأحكامها تقبل تعبّداً من قبل المشرّع بعد إثبات اللّه، والنبوة، والكتاب، والسنة، ببراهين عقلية؛ علماً بأنّ البشر لا يعرف ما يصلحه عمّا يفسده بالشكل الذي يعرفه خالقه وباريه وخالق العالم والكون أجمع.

شرط طهارة المولد

الشرط السابع: طهارة المولد. ويدل عليه ما دلّ على عدم صلاحيّة ولد الزنا للإمامة في الجماعة ولا الشهادة، إمّا بالأولويّة، أو بصنع جوّ تشريعي يمنع عن انعقاد الإطلاق في دليل القضاء.

شرط الإيمان

الشرط الثامن: الإيمان. وتدلّ عليه مقبولة عمر بن حنظلة(1)، ورواية أبي خديجة(2)، وأقصد بذلك التمسّك بما في ذيل الحديثين من قوله: «ينظران من كان منكم...»، وقوله: «انظروا إلى رجل منكم...». ويكفي أيضاً لإثبات شرط الإيمان بمعنى دخله في


(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص99، الباب 11 من صفات القاضي، ح 1.

(2) نفس المصدر، ص4، الباب الأول من صفات القاضي، ح 5.

80

نفوذ الحكم ما دلّ على عدم صحّة الائتمام بغير المؤمن، وذلك بأحد التقريبين الماضيين من الأولويّة، أو صنع جوّ تشريعي يمنع عن انعقاد الإطلاق في دليل القضاء.

وأمّا صدر المقبولة ورواية أبي خديجة، فلا علاقة لهما بشرط الإيمان بالذات، بل يدلّان على النهي التكليفي عن الترافع لدى طاغوت الزمان وأعوانه، والنهي التكليفي يدل بالالتزام العرفي على عدم نفوذ الحكم، بل مقبولة عمر بن حنظلة صريحة في عدم النفوذ، بل عدم جواز أخذ حقّه _ رغم كونه حقّاً _ عن طريق حكم الحاكم الجائر.

والحاصل أنّ صدر الروايتين أجنبي عمّا نحن فيه، ويدلّ على شرط آخر سنشير إليه في الشرط التاسع.

شرط عدم كونه طاغوتاً

الشرط التاسع: أن لا يكون مصداقاً لسلطان الجور وأياديه ولو فرض شيعياً، وذلك تمسّكاً بإطلاق النهي الوارد عن التحاكم إلى الطاغوت الدالّ على الحرمة التكليفية، وعلى عدم النفوذ بالملازمة _ كما أشرنا إليه في آخر الشرط الثامن _ وكون مورد صدور الروايات خصوص غير الشيعي لا يمنعنا عن فهم الإطلاق. كما لا يبعد فهم الإطلاق من قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمٰا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَى الطّٰاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطٰانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً﴾(1). وإن أمكن التشكيك في إطلاقها بأنّ الآية بصدد التنكيل ببعض الناس بنحو القضية الخارجية ولم تكن ابتداءً في مقام بيان تحريم التحاكم إلى الطاغوت بحيث يتمّ فيها الإطلاق في موارد الشكّ.


(1) النساء: 60.

81

إلا أنّ الجواب عن هذ التشكيك هو أنّ تعليق الحكم على الطاغوت ينافي تخصيص الحكم بغير الشيعي؛ لأنّ هذا إلغاء لعنوان الطاغوت ومصير إلى عنوان آخر، لا تقييد بقيد إضافي حتی تحتاج إلى الإطلاق بمعنى مقدّمات الحكمة، كي يستشكل فيه بما ذكر.

وعلى أيّ حال فلا ينبغي الإشكال في ثبوت هذا الشرط، ولا في حرمة الترافع إلى الطاغوت وأياديه تكليفياً في الجملة.

الترافع إلى الطاغوت لإنقاذ الحق

لكن يقع الكلام في جواز أو حرمة الترافع إليهم بدافع انقاذ الحقّ عند العجز عن الترافع إلى حاكم العدل.

فمقتضى إطلاق بعض الروايات كالمقبولة ورواية أبي خديجة عدم الجواز، وإن كان بعضها الآخر وارداً في خصوص فرض إمكانية الرجوع إلى حاكم العدل، كرواية أبي بصير(1) التامّة ببعض أسانيدها بناءً على تمامية أبي بصير، ورواية أبي بصير(2) الضعيفة سنداً بعبداللّه بن بحر. وسيأتي ذكرهما قريباً.

وهناك وجوه لإثبات جواز الرجوع إلى قاضي الجور لأجل إنقاذ الحقّ عند عدم إمكانية الترافع إلى حاكم العدل:

الوجه الأول _ التمسّك ببعض الروايات التالية:

1_ ما رواه عطاء بن السائب عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: «إذا كنتم في أئمّة


(1) وسائل الشيعة، ج18، الباب الأول من صفات القاضي، ح2.

(2) نفس المصدر، ح3.

82

جور فامْضوا(1) في أحكامهم ولا تشهروا أنفسكم فتقتلوا، وإن تعاملتم بأحكامنا كان خيراً لكم»(2). وإطلاقه لفرض إمكان الترافع إلى قاضي العدل يعالج بما سيأتي إن شاء اللّه من ذيل الرواية الثالثة الواردة في خصوص فرض إمكانية الترافع، إلا أنّ سند هذا الحديث ضعيف، فإنّ عطاء بن السائب لم يوثق. على أنّ هذا الحديث: تارةً ذكر في الفقيه(3) عن عطاء بن السائب، وسند الصدوق إلى عطاء بن السائب غير تام، فإنّ سنده عبارة: «عن الحسين بن أحمد بن إدريس عن أبيه عن محمد بن أبي الصهبان عن أبي أحمد محمد بن زياد الأزدي عن أبان الأحمر عن عطاء بن السائب»، بينما الحسين بن أحمد بن إدريس لم يرد توثيق بشأنه. وأُخرى في التهذيب(4) «عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن إسماعيل بن بزيغ عن صالح بن عقبة عن عمرو بن أبي المقدام عن عطاء بن السائب»، وصالح بن عقبة _ سواء أريد به صالح ابن عقبة بن قيس بن سمعان كما هو الظاهر بقرينة رواية ابن بزيع عنه، أو أريد به صالح بن عقبة بن خالد الأسدي _ لم يوثّق، وضعّف ابن الغضائري الأول بقوله: «غالٍ كذّاب، لا يلتفت إليه»، وإن كان لا يلتفت إلى تضعيفه. وثالثةً في التهذيب(5) بسنده عن سعد بن عبداللّه عن محمد بن الحسين عن محمد


(1) هكذا في التهذيب الطبعة الجديدة. أمّا في الوسائل الطبعة الجديدة والفقيه الطبعة الجديدة فقد ورد: فاقضوا. والظاهر أنّ الصحيح هو نسخة التهذيب.

(2) وسائل الشيعة، ج 18، ص5، الباب الأول من صفات القاضي، ح 7، والباب 11 من آداب القاضي، ص165، ح2.

(3) ج 3، ص3، ح 3.

(4) ج 6، ص24، ح 536.

(5) ج 6، ص 325، ح 540.

83

ابن إسماعيل بن بزيع عن صالح بن عقبة عن عمرو بن أبي المقدام عن عطاء بن السائب، وهذا أيضاً كما ترى مبتلى بوجود صالح بن عقبة. ورابعةً رواه الصدوق في العلل _ على ما في الوسائل(1)_ عن أبيه عن سعد عن عمرو بن أبي المقدام، إلا أنّ لقاء سعد لعمرو بن أبي المقدام غير معقول، فالسند مبتلى بالإرسال، على أنّ الرواية من حيث الدلالة أجنبيّة عن المقام، فإنّها ظاهرة في المماشاة معهم في الأحكام تقيّة.

2_ ما رواه الشيخ بسنده إلى أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن مهزيار عن علي بن محمد قال: «سألته هل نأخذ في أحكام المخالفين ما يأخذوه منّا في أحكامهم؟ فكتب (عليه السلام): يجوز لكم ذلك إن شاء اللّه إذا كان مذهبكم فيه التقيّة منهم والمداراة لهم»(2). وأظنّ أنّ المقصود بعلي بن محمد هو الهادي (عليه السلام) الذي كان علي بن مهزيار من أصحابه، لا أنّه راوٍ روى لعلي بن مهزيار عن الإمام (عليه السلام)، وعليه فالسند من أحمد بن محمد بن عيسى إلى الإمام (عليه السلام) تام، ولكن يبقى الضعف الموجود في بعض أسانيد الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى؛ حيث نحتمل كون هذا الحديث بالسند الضعيف، إلا أنّ هذا معالج بنظرية التعويض.

وأمّا من حيث الدلالة، فهذه أيضاً أجنبية عن المقام، حيث إنّ ظاهرها السؤال عن أن نأخذ منهم وفق فقههم ما يأخذونه منّا كما في الشفعة بالجوار والعصبة _ على حدّ تعبير صاحب الجواهر (رحمه الله)(3) _ على أنّ الحديث غير مختصّ بفرض عدم إمكانية الرجوع إلى قاضي العدل، إلا أنّ هذا سيعالج إن شاء اللّه بما سيأتي في ذيل الرواية الثالثة.


(1) وسائل الشيعة، ج 18، الباب 11 من آداب القاضي، ذيل الحديث 2.

(2) نفس المصدر، ص165، ح 1.

(3) جواهر الكلام، ج 40، ص 35.

84

3_ ما عن علي بن فضّال بسند تام قال: «قرأت في كتاب أبي الأسد إلى أبي الحسن الثاني (عليه السلام) وقرأته بخطه سأله ما تفسير قوله تعالى: ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ وَتُدْلُوا بِهٰا إِلَى الْحُكّٰامِ﴾؟(1) فكتب بخطّه: الحكّام القضاة، ثم كتب تحته هو أن يعلم الرجل أنّه ظالم فيحكم له القاضي فهو غير معذور في أخذه ذلك الذي قد حكم له إذا كان قد علم أنّه ظالم»(2)؛ فيدلّ بالمفهوم على أنّه إذا لم يكن قد علم أنّه ظالم فهو معذور في أخذه لحقّه عن هذا الطريق، وهذا الكلام يدل عرفاً على جواز الترافع عنده.

إلا أنّه قد يقال: لم يعلم كون المقصود من ذلك هو قاضي الجور.

وقد يجاب على ذلك بأنّنا نثبت كون المقصود من ذلك قاضي الجور بقرينة رواية أُخرى حملت الحكّام في الآية الشريفة على قضاة الجور، وهي ما عن أبي بصير «قال: قلت لأبي عبداللّه (عليه السلام): قول اللّه (عزوجل) في كتابه: ﴿وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾. فقال: يا أبا بصير إنّ اللّه (عزوجل) قد علم أنّ في الأُمّة حكّاماً يجورون. أما إنّه لم يَعنِ حكّام أهل العدل، ولكنّه عنى حكّام أهل الجور. يا أبا محمد إنّه لو كان لك على رجل حقّ فدعوته إلى حكّام أهل العدل فأبى عليك إلا أن يرافعك إلى حكّام أهل الجور ليقضوا له لكان ممّن حاكم إلى الطاغوت، وهو قول اللّه (عزوجل): ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾(3) (4).


(1) البقرة: 188. وتتمة الآية: ﴿لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوٰالِ الْنّٰاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.

(2) وسائل الشيعة، ج 18، ص5، الباب الأول من صفات القاضي، ح 9.

(3) النساء: 60.

(4) وسائل الشيعة، ج 18، ص3، الباب الأول من صفات القاضي، ح3.

85

هذا، وقد يقال: إنّ رواية ابن فضّال بعد حمل الحكّام في الآية بقرينة رواية أبي بصير على حكّام الجور تصبح معارضة للروايات الناهية عن الترافع عند حكّام الجور بالتباين، وليست خاصّة بصورة عدم إمكانيّة الرجوع إلى قاضي العدل كي تخصّص روايات النهي بها، فلا يبقى فرق بين فرض إمكانيّة الرجوع إلى قاضي العدل وعدمها، وكذلك الحال في الروايتين السابقتين، فغاية ما يفترض فيهما هي الدلالة على جواز الترافع عند حكّام الجور من دون وجود ما يدل على اختصاصهما بصورة عدم إمكانيّة الرجوع إلى قاضي العدل، فلا موجب لتخصيص النهي بهما، ولا مبرر للتفصيل بين فرض إمكانيّة الرجوع إلى قاضي العدل وعدمها.

والجواب: أنّ بعض روايات النهي عن الترافع إلى قاضي الجور خاصّة بصورة إمكان الرجوع إلى قاضي العدل، كنفس رواية أبي بصير التي جعلناها قرينة على حمل الحكّام في الآية على حكّام الجور، وكرواية أبي بصير الأُخرى عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال في رجل كان بينه وبين أخٍ له مماراة في حقّ، فدعاه إلى رجل من إخوانه ليحكم بينه وبينه، فأبى إلا أن يرافعه إلى هؤلاء: «كان بمنزلة الذين قال اللّه (عزوجل): ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِه﴾ الآية»(1).

فإمّا أن نبني على قاعدة انقلاب النسبة، ونقيّد رواية ابن فضّال والروايتين السابقتين بما دلّ على النهي عن الترافع عند قضاة الجور مع إمكانيّة الترافع عند قضاة العدل، فتختصّ هذه الروايات بصورة عدم إمكانيّة الرجوع إلى قاضي العدل، ثم نقيّد روايات المنع المطلق عن الترافع إلى قاضي الجور بهذه الروايات.


(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص3، الباب الأول من صفات القاضي، ح2.

86

وإمّا أن لا نبني على قاعدة انقلاب النسبة، فنقول بأنّ روايات المنع المطلق تعارضت مع هذه الروايات، وبعد التساقط رجعنا إلى روايات المنع المختصّة بفرض إمكانيّة الرجوع إلى قاضي العدل، ويبقى الرجوع إلى قاضي الجور بهدف استنقاذ الحقّ عند العجز عن الرجوع إلى قاضي العدل باقياً تحت أصالة الجواز؛ فإنّ كلامنا هنا في الجواز وعدمه، لا في النفوذ وعدم النفوذ حتى تجري أصالة عدم النفوذ لا أصالة البراءة.

هذا، وقد يقال في إبطال التمسّك برواية ابن فضّال لإثبات جواز الرجوع إلى قاضي الجور: إنّ ضعف سند رواية أبي بصير _ التي جعلناها قرينةً على حمل الحكّام في الآية على حكّام الجور _ بعبداللّه بن بحر الواقع في سند هذا الحديث يجعلنا لا نملك دليلاً على كون النظر في رواية ابن فضّال إلى حكّام الجور، فلعلّ المقصود من رواية ابن فضّال مجرّد تحريم العمل من قبل المحكوم له بحكم القاضي لو علم بينه وبين اللّه أنّه ليس هو على حقّ، وأنّ خصمه هو المحقّ وهذا ممّا لا غبار عليه، ولا علاقة له بما نحن بصدده.

إلا أنّ الصحيح هو أنّ حمل الحكّام في الآية الشريفة على حكّام الجور ليس بحاجة إلى الاستشهاد له برواية أبي بصير حتى يردّ ذلك بضعف سند تلك الرواية، بل الآية في نفسها واضحة في إرادة حكّام الجور؛ لأنّ الآية بصدد النهي عن الإدلاء بالأموال إلى الحكّام، ومن الواضح أنّ أخذ الرشا إنّما هو شأن حكّام الجور دون حكّام العدل.

ومع هذا فقد يقال: إنّ رواية ابن فضّال لا تغنينا شيئاً في المقام، فإنّها مشتملة على فقرتين:

الأُولى: قوله: «الحكّام القضاة» وهذا راجع إلى تفسير قوله تعالى: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾.

87

والثانية: قوله: «هو أن يعلم الرجل أنّه ظالم، فيحكم له القاضي فهو غير معذور في أخذه ذلك الذي قد حكم له إذا كان قد علم أنّه ظالم»، وهذا لا علاقة له بقوله: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾، وإنّما هو راجع إلى قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾، فهذا يعني أنّ الأكل بالباطل يكون من قبيل أنّ القاضي يحكم لصالح أحد المتخاصمين، وهو يعلم أنّه على باطل، وأنّ خصمه على حقّ، فيعمل بحكم القاضي، فهذا غير جائز، وهذا واضح لا شكّ فيه، ولم يؤخذ في موضوعه فرض كون القاضي جائراً، إلا إذا استُظهِر أنّ المراد بالقاضي هو المراد من كلمة الحكّام في الآية الشريفة.

4_ روايات جواز تغيير الشهادة أمام حاكم الجور بالشكل الذي يُقنعه بالقضاء الحقّ(1)، فلولا جواز المرافعة إلى حاكم الجور في الجملة لما كان موضوع لمسألة الشهادة أمامه بشيء من التغيير.

والجواب _ بغضّ النظر عن ضعف سندها وابتلائها بالمعارض(2) الذي ينهى عن التدليس حتى أمام محكمة الجور، وإن كان المعارض أيضاً ضعيفاً _: أنّ هذه الروايات قد فرض فيها أصل المرافعة أمام قاضي الجور مفروغاً عنه، فلعلّها كانت في مورد العسر والحرج، أو في مورد كان الرفع إلى القاضي من قبل الطرف الآخر الذي هو غير ملتزم بحكم الشريعة بحرمة الرفع إلى قاضي الجور، فأصبح الطرف المقابل أمام أمر واقع، ووصلت النوبة إلى الشهادة وإلى التغيير في الشهادة لأجل إحقاق الحقّ.

الوجه الثاني _ هو النقاش في أصل فرضيّة إطلاق يدل على النهي عن الترافع


(1) وسائل الشيعة، ج 18،ص230 _ 231، الباب 4 من الشهادات.

(2) نفس المصدر، ص247، الباب 18 من الشهادات، ح1.

88

إلى قاضي الجور، ولو مع العجز عن الترافع إلى قاضي العدل، فإنّ روايات النهي عن ذلك بعضها صريح في الاختصاص بصورة إمكانيّة الرجوع إلى قاضي العدل كروايتي أبي بصير الماضيتين، وبعضها الآخر لا توجد فيه صراحة من هذا القبيل كمقبولة عمر بن حنظلة ورواية أبي خديجة، ولكن قد ذكر فيها فور النهي عن التحاكم عند قضاة الجور الإرشاد إلى التحاكم عند قضاة العدل، ممّا قد يصلح للقرينيّة على عدم الإطلاق لفرض عدم إمكانيّة الرجوع إلى قاضي العدل، فإذا لم يتّم الإطلاق رجعنا إلى أصالة الجواز، فإنّ كلامنا في جواز الرجوع إلى قاضي الجور لاستنقاذ الحقّ، لا في نفوذ قضائه.

إلا أنّه قد يقال: لئن لم يتم إطلاق في الروايات لتحريم التحاكم عند قاضي الجور حينما نعجز عن الرجوع إلى قاضي العدل، فإنّنا نتمسّك في ذلك بإطلاق الآية الكريمة الناهية عن التحاكم إلى الطاغوت. قال اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً﴾(1). فالآية الشريفة قد دلّت على أنّ الأمر بالكفر بالطاغوت يستوجب عدم التحاكم إليه، وهذا بإطلاقه يقتضي عدم جواز ذلك حتى عند العجز عن التحاكم إلى قاضي العدل.


(1) النساء: 59 _ 61.

89

وقد(1) يناقش في ذلك بأنّ الآية وردت بلسان القضية الخارجية لا الحقيقية؛ حيث تشير إلى طائفة من الناس بقوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾. ومن الواضح أنّ أولئك الناس الذين تشير إليهم الآية المباركة كانوا قادرين على التحاكم عند رسول اللّه (صلى الله عليه و آله)، فلا إطلاق في الآية لمن لا يقدر على التحاكم عند قاضي العدل. وصحيح أنّ ذكر الوصف المذكور في الآية وهو إرادة التحاكم عند الطاغوت مشعر بالعلّية، لكنّه _ بعد أن كانت القضيةخارجية _ لا يدل على أنّه هو تمام العلّة وعدم دخل أيّ وصف آخر _ كوصف القدرة على التحاكم عند قاضي العدل _ في العلّة، على أنّ ما قبل الآية _ من الأمر بردّ النزاع إلى اللّه والرسول _ وكذلك ما بعد الآية _ الوراد في تنكيل من قيل لهم: تعالوا إلى ما أنزل اللّه وإلى الرسول فصدّوا عن ذلك _ قد يكون صالحاً للقرينية على عدم الإطلاق والنظر إلى خصوص فرض إمكانيّة الردّ إلى اللّه والرسول.

هذا، وقد يقال: إنّ هناك آية أُخرى لا يبعد تمامية الإطلاق فيها، هي قوله تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا


(1) وقد يقال مضافاً إلى ما في المتن: إنّ المستفاد ممّا في الآية من التعليل بالأمر بالكفر بالطاغوت هو أنّ تحريم التحاكم إليه يكون بنكتة كون ذلك دعماً وتأييداً له، وهذه النكتة تكون أحياناً مفقودة؛ كما إذا كنّا نعيش في مجتمع تسوده سلطة الطاغوت بنحو لا يُرى أيّ أثر للتحاكم إليه من قبل هذين المترافعين وعدمه. وهذا البيان يأتي أيضاً في مقبولة عمر بن حنظلة، بل وقد يأتي في رواية أبي خديجة بناءً على استظهار نفس النكتة منها بمناسبات الحكم والموضوع. إلا أنّ النسبة بين ما يستفاد من هذا البيان وبين جواز الترافع عند الطاغوت حين العجز عن الترافع عند قاضي الحقّ عموم من وجه.

90

تُنصَرُونَ﴾(1). فهذه الآية تشمل ما نحن فيه حتى لو فسرت الآية بمعنى الركون إلى الظالم في ظلمه وبما هو ظالم لا مطلقاً، فإنّ التذرّع في تحصيل الحقّ إلى حاكم الجور _ الذي يكون إشغاله لمنصب الحكومة ظلماً _ ركون إلى الظالم في ظلمه، فهو حرام حتى مع العجز عن التحاكم إلى قاضي العدل وفق إطلاق الآية الكريمة، إلا أن يقال: بأنّ الركون يعطي معنى الاتّكاء على ركن ركين والارتباط بقدرة وهيمنة، ممّا لا يصدق على مجرّد الترافع عند شخص، فإن قيل هكذا لم يتم الإطلاق في الآية الكريمة للمقام، وكذلك لا يتم الإطلاق في الآية لو فسّر الركون بما فسّر به المرحوم العلّامة الطباطبائي (رحمه الله) في تفسير الميزان من أنّه الاعتماد على شيء عن ميل إليه، لا مجرد الاعتماد(2). إلا أنّ هذا المعنى غير مذكور في كتب اللغة، ولكن العلّامة الطباطبائي (رحمه الله) استشهد لذلك بتعديته بـ «إلى» لا بـ «على»، وقد يشهد له أيضاً ما جاء في تفسير علي بن إبراهيم من تفسيره بأنّه ركون مودّة ونصيحة وطاعة(3). وعلى أيّ حال فالظاهر أنّ هذا التفسير غير موجود في كتب اللغة.

الوجه الثالث _ هو التمسّك بقاعدة نفي الحرج، وهذا الوجه تام، إلا أنّه أخصّ من المدّعى؛ لأنّه خاصّ بفرض ما إذا كان الصبر على فوات حقّه حرجياً.

الوجه الرابع _ هو التمسّك بقاعدة نفي الضرر، فإنّ فوات الحقّ ضرر دائماً. وهذا الوجه في تماميّته وعدم تماميّته يتبع البحث الأصولي عن المباني في قاعدة نفي الضرر:

فمثلاً على مبنى أنّ القاعدة لا تدل على أكثر من تحريم الإضرار، أو وجوب تداركه من قبل مسبِّب الضرر لا يتم الاستدلال بها في المقام.


(1) هود: 113.

(2) راجع: تفسير الميزان ج 11، ص 53.

(3) تفسير علي بن إبراهيم، ج 1، ص 338.

91

وعلى مبنى دلالتها على نفي كلّ حكم يأتي من قبله الضرر، أو يوجب بقاء الضرر يتمّ الاستدلال بها في المقام.

وعلى مبنى أنّ نفس الحكم حينما يكون إضراراً يكون مرتفعاً بـ «لا ضرر» يتم الاستدلال بها في المقام لو كان التحاكم لديه لإنقاذ الحقّ عند انحصار الطريق بذلك حقّاً عرفياً للإنسان، فكان سلبه ضرراً عرفاً.

شرط الحرّية والكتابة والبصر

الشرط العاشر والحادي عشر والثاني عشر: الحرّية والكتابة والبصر. وذلك بناءً على احتمال دخلها في القضاء، وعدم دليل لفظي نتمسّك بإطلاقه، واستفادة أمثال هذه الشروط من مبنى الاقتصار على القدر المتيقّن، إمّا مع دعوى العلم بعدم الفرق كما ذكره السيد الخوئي(1)، أو مع وجود دليل لفظي نتمسّك بإطلاقه كما حقّقناه، فلا مجال لهذه الشروط.

نعم، في خصوص الحرّية قد يتمسّك لإثبات عدم جواز قضاء المملوك بما دلّ على عدم نفوذ شهادته، كما ورد بسند تام عن محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الذمّي والعبد يشهدان على شهادة، ثم يسلم الذمّي، ويعتق العبد. أتجوز شهادتهما على ما كانا أُشهدا عليه؟ قال: نعم. إذا علم منهما بعد ذلك خير جازت شهادتهما»(2). إلا أنّه معارض بما هو أقوى دلّ على نفوذ شهادته من قبيل ما ورد بسند تام عن عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا بأس


(1) في مباني تكلمة المنهاج: ج 1، ص 11 _ 12.

(2) وسائل الشيعة، ج 18، ص 385، الباب 39 من الشهادات، ح1.

92

بشهادة المملوك إذا كان عدلاً»(1)، وورد مثله عن الباقر (عليه السلام) عن علي (عليه السلام) في قصّته مع شريح(2)، وقد يحمل ما دلّ على عدم نفوذ شهادة المملوك على التقيّة، وسيأتي بحث ذلك إن شاء اللّه عند ذكر شرائط البيّنة.

شرط الضبط

الشرط الثالث عشر: الضبط. واشتراط الجامع بينه وبين ما يؤدّي نتيجته إلی إمكانية أن يضبط له غيره ما لا يضبطه واضح. أمّا اشتراط ما يكون أكثر من ذاك ممّا لا يؤدّي انتفاؤه إلى انتفاء شرط آخر كالاجتهاد بناءً على اشتراطه، فحاله حال اشتراط البصر.

شرط عدم الصمم والخرس

الشرط الرابع عشر، والخامس عشر: عدم الصمم والخرس. والواقع أنّهما إن أضرّا بشرط آخر كالضبط وغيره فدليله دليل ذاك الشرط، وإلا فحال اشتراط عدمهما حال اشتراط البصر.

شرط العدالة

الشرط السادس عشر: العدالة.

والكلام في ذلك: تارةً يقع فيما هو الدليل على اشتراط العدالة في القضاء، وأُخرى فيما هو معنى العدالة المقصود بها في المقام، وثالثةً فيما هو الكاشف عن العدالة.


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص253، الباب 23 من الشهادات، ح1.

(2) نفس المصدر، ص 194، الباب 14 من كيفية الحكم، ح6.