المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

88

إلى قاضي الجور، ولو مع العجز عن الترافع إلى قاضي العدل، فإنّ روايات النهي عن ذلك بعضها صريح في الاختصاص بصورة إمكانيّة الرجوع إلى قاضي العدل كروايتي أبي بصير الماضيتين، وبعضها الآخر لا توجد فيه صراحة من هذا القبيل كمقبولة عمر بن حنظلة ورواية أبي خديجة، ولكن قد ذكر فيها فور النهي عن التحاكم عند قضاة الجور الإرشاد إلى التحاكم عند قضاة العدل، ممّا قد يصلح للقرينيّة على عدم الإطلاق لفرض عدم إمكانيّة الرجوع إلى قاضي العدل، فإذا لم يتّم الإطلاق رجعنا إلى أصالة الجواز، فإنّ كلامنا في جواز الرجوع إلى قاضي الجور لاستنقاذ الحقّ، لا في نفوذ قضائه.

إلا أنّه قد يقال: لئن لم يتم إطلاق في الروايات لتحريم التحاكم عند قاضي الجور حينما نعجز عن الرجوع إلى قاضي العدل، فإنّنا نتمسّك في ذلك بإطلاق الآية الكريمة الناهية عن التحاكم إلى الطاغوت. قال اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً﴾(1). فالآية الشريفة قد دلّت على أنّ الأمر بالكفر بالطاغوت يستوجب عدم التحاكم إليه، وهذا بإطلاقه يقتضي عدم جواز ذلك حتى عند العجز عن التحاكم إلى قاضي العدل.


(1) النساء: 59 _ 61.