المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

85

هذا، وقد يقال: إنّ رواية ابن فضّال بعد حمل الحكّام في الآية بقرينة رواية أبي بصير على حكّام الجور تصبح معارضة للروايات الناهية عن الترافع عند حكّام الجور بالتباين، وليست خاصّة بصورة عدم إمكانيّة الرجوع إلى قاضي العدل كي تخصّص روايات النهي بها، فلا يبقى فرق بين فرض إمكانيّة الرجوع إلى قاضي العدل وعدمها، وكذلك الحال في الروايتين السابقتين، فغاية ما يفترض فيهما هي الدلالة على جواز الترافع عند حكّام الجور من دون وجود ما يدل على اختصاصهما بصورة عدم إمكانيّة الرجوع إلى قاضي العدل، فلا موجب لتخصيص النهي بهما، ولا مبرر للتفصيل بين فرض إمكانيّة الرجوع إلى قاضي العدل وعدمها.

والجواب: أنّ بعض روايات النهي عن الترافع إلى قاضي الجور خاصّة بصورة إمكان الرجوع إلى قاضي العدل، كنفس رواية أبي بصير التي جعلناها قرينة على حمل الحكّام في الآية على حكّام الجور، وكرواية أبي بصير الأُخرى عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال في رجل كان بينه وبين أخٍ له مماراة في حقّ، فدعاه إلى رجل من إخوانه ليحكم بينه وبينه، فأبى إلا أن يرافعه إلى هؤلاء: «كان بمنزلة الذين قال اللّه (عزوجل): ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِه﴾ الآية»(1).

فإمّا أن نبني على قاعدة انقلاب النسبة، ونقيّد رواية ابن فضّال والروايتين السابقتين بما دلّ على النهي عن الترافع عند قضاة الجور مع إمكانيّة الترافع عند قضاة العدل، فتختصّ هذه الروايات بصورة عدم إمكانيّة الرجوع إلى قاضي العدل، ثم نقيّد روايات المنع المطلق عن الترافع إلى قاضي الجور بهذه الروايات.


(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص3، الباب الأول من صفات القاضي، ح2.