79

 

 

 

 

 

التمهيد

 

﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾.

كرّرت هذه الآية الشريفة في القرآن مرّتين في سورة النساء مرّة في الآية (48) وذيّلت بقوله تعالى:﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً﴾، ومرّة اُخرى في الآية (116) وذيّلت بقوله تعالى:﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً﴾.

والآيتان تعنيان أنّ الشرك أعظم ذنب يمكن أن يصدر من البشر، وهذا يعني أنّ الشرك لا يقلّ عن أصل إنكار الله تبارك وتعالى، فمن يؤمن بالله ويشرك به غيره يكون على حدّ من لا يؤمن نهائياً بالله تعالى.

وقد يكون السبب في ذلك أنّ افتراض قبول الله تعالى للشريك يعني أنّ له حدّاً؛ لأنّ ما لا حدّ له لا يتصوّر له شريك، وإذا أصبح محدوداً لم يصبح كاملاً، فلا تثبت له صفات الجلال ولا صفات الجمال، وهذا يعني في الحقيقة عدم الإيمان بالله، فإنّ «كلّ ما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم»(1).


(1) البحار 69: 293.

80

آنچه پيش تو غير از او ره نيست
غايت فهم تو است الله نيست

ولدى عدم الإيمان بوجود كامل مطلق لا سبيل لارتقاء البشرية مراقي الكمال.

وعند عدم الإيمان بوجود إله واحد لا سبيل للنظر الوحداني إلى عالم الوجود كعِقد واحد تنتظم فيه كل المجوهرات ويرتبط بعضها ببعض، وبالتالي لا سبيل إلى الرؤية الفلسفية الصحيحة للعالم، ولا إلى تشخيص موقفنا ووظيفتنا بشكلهما المعقول.

ولقد ثبّت إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام) في رواية رواها الصدوق(قدس سره) في كتاب التوحيد أنّ محاربته لأعدائه إنّما كانت في الحقيقة لأجل التوحيد، فقد روى(رحمه الله): «أنّ أعرابياً قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، أتقول: إنّ الله واحد؟ قال: فحمل الناس عليه، قالوا: يا أعرابيّ، أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسّم القلب؟! فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): دعوه فإنّ الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم، ثُمّ قال: يا أعرابي، إنّ القول في أنّ الله واحد على أربعة أقسام: فوجهان منها لا يجوزان على الله عزّ وجلّ، ووجهان يثبتان فيه.

فأمّا اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل: واحد، يقصد به باب الأعداد فهذا ما لا يجوز؛ لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد، أماترى أنّه كفر من قال: ثالث ثلاثة؟ وقول القائل: هو واحد من الناس يريد به النوع من الجنس فهذا ما لا يجوز عليه؛ لأنّه تشبيه وجلّ ربّنا عن ذلك وتعالى.

وأمّا الوجهان اللذان يثبُتان فيه فقول القائل: هو واحد ليس له في الأشياء

81

شبه كذلك ربّنا، وقول القائل: إنّه عزّ وجلّ أحديّ المعنى، يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم(1) كذلك ربّنا عزّ وجلّ»(2).

 

 

* * *


(1) قيل في تفسيره: أي لا في الخارج كانقسام الإنسان إلى بدن وروح، ولا في عقل كانقسام الماهية إلى أجزائها الحدّية، ولا في وهم كانقسام قطعة خشب إلى النصفين في التصوّر. (راجع كتاب التوحيد: 84 تحت الخط).

وأيضاً قيل: إنّ المقصود بالواحد في باب الأعداد الذي نفاه أمير المؤمنين(عليه السلام) هو كون الشيء واقعاً تحت مفهوم عام وجد منه مصداق واحد، وذلك مثل مفهوم الشمس القابل للانطباق على كثيرين، غير أنّه لا يوجد في عالم الحسّ منه إلّا مصداق واحد مع إمكان وجود مصاديق كثيرة له، فهذا هو المصطلح عليه بالواحد العددي. أمّا الوحدة الحقيقيّة فهي عبارة عن كون الموجود لا ثاني له، بمعنى أنّه لا يقبل الاثنينيّة ولا التكثّر ولا التكرّر، وذلك كصِرف الشيء المجرّد عن كلّ خليط، المطلق عن كلّ قيد، فلا يعقل فرض ثان له؛ لأنّ الثاني بحكم نفي القيد، والخلط يكون كالأوّل فلا يتميز ولا يتشخّص حتّى يكون ثانياً، فالكثرة رهن دخول شيء مغاير في حقيقة الشيء، وهذا هو أوّل معنيي الوحدة التي ثبّتها أمير المؤمنين(عليه السلام)في كلامه.

وأمّا المعنى الثاني للوحدة المثبَّت أيضاً في كلامه(عليه السلام) فهو كونه أحديّ الذات، ويهدف إلى كونه بسيطاً لا جزء له في الخارج ولا في الذهن في عقل ولا وهم. (راجع الإلهيّات 1: 356 ـ 358).

(2) التوحيد: 83 ـ 84.

82

 

فطرية الإيمان بالتوحيد

 

قد مضى في بحث إثبات الصانع أنّ بعض الآيات القرآنية دلّت على فطريّة الإيمان بوجود الله، واحتملنا في تفسير الفطرية احتمالين: البداهة والعلم الحضوري، وأوضح تلك الآيات في الدلالة على فطرية الإيمان بوجود الله ثلاثة:

1 ـ ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون﴾(1).

2 ـ ﴿صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدون﴾(2).

3 ـ ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُون﴾(3).

وهذه الآيات الثلاث كما تدلّ على فطرية أصل الإيمان بالله كذلك تدلّ على فطرية الإيمان بالتوحيد:

أمّا الآيتان الاُوليان فلأنّهما تدلاّن على فطرية الدين، ومن الواضح أنّ أساس الدين هو التوحيد.

وأمّا الآية الثالثة فلتصريحها بقوله تعالى: ﴿أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا ...﴾.


(1) س 30 الروم، الآية: 30.

(2) س 2 البقرة، الآية: 138.

(3) س 7 الأعراف، الآية: 172 ـ 173.

83

وأمّا بناءً على جعل الآيات التي تذكر التجاء البشر لدى الاضطرار إلى الله سبحانه دليلاً على فطرية الإيمان بالله فكثير منها صريحة في الالتفات إلى مسألة التوحيد والشرك أيضاً كقوله تعالى:

1 ـ ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُون﴾(1).

2 ـ ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُون﴾(2).

3 ـ ﴿قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُون﴾(3).

4 ـ ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَة فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُون﴾(4).

5 ـ ﴿قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْب ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُون﴾(5).

بل وجميع آيات التجاء البشر لدى الاضطرار إلى الله سبحانه حتّى التي ليس فيها التصريح بالتوحيد ترمز إلى التوحيد؛ لوضوح: أنّ الذي يلجأ إليه البشر لدى الاضطرار ليس إلّا إلهاً واحداً، فيدخل في هذا المضمار مثل


(1) س 29 العنكبوت، الآية: 65.

(2) س 30 الروم، الآية: 33.

(3) س 6 الأنعام، الآية: 40 ـ 41.

(4) س 16 النحل، الآية: 53 ـ 54.

(5) س 6 الأنعام، الآية: 63 ـ 64.

84

قوله تعالى:

1 ـ ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَات لِّكُلِّ صَبَّار شَكُور * وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاّ كُلُّ خَتَّار كَفُور﴾(1).

2 ـ ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيح طَيِّبَة وَفَرِحُوا بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَان وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾(2).

3 ـ ﴿فَإِذَا مَسَّ الاِْنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْم﴾(3).

4 ـ﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون﴾(4).

 

 

 

* * *

 


(1) س 31 لقمان، الآية: 31 ـ 32.

(2) س 10 يونس، الآية: 22 ـ 23.

(3) س 39 الزمر، الآية: 49.

(4) س 10 يونس، الآية: 12.

85

 

أغصان التوحيد

 

يذكر للتوحيد عادة أغصان أربعة:

 

الأوّل: التوحيد في الذّات

 

قال الله تعالى:﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَد﴾(1).

ومعنى هذا التوحيد على الإجمال أنّه في ذاته واحد لا شبيه له ولا نظير.

 

الثاني: التوحيد في الصفات

 

ومعناه على الإجمال أنّ صفات ذاته عين ذاته لا ثنائيّة بينها وبين ذاته ولا في ما بين نفس الصفات، فعن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: «وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه؛ لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد جهله»(2).

 


(1) س 112 التوحيد، الآية: 1 ـ 4.

(2) نهج البلاغة، الخطبة الاُولى.

86

 

الثالث: التوحيد في العبادة

 

ومعناه على الإجمال أنّه لا تجوز عبادة أحد سواه، قال الله تعالى:﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُون﴾(1)، وقال عزّ وجّل: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة﴾(2).

 

الرابع: التوحيد في الأفعال

 

ومعناه على الإجمال أنّه لا مؤثّر في الوجود إلّا الله، وهذا لا ينافي ترتّب المسببات على الأسباب كالإحراق على النار، أو القتل على السيف، أو الزرع على البذر والمطر، أو ما إلى ذلك، كما لا ينافي اختيارية الإنسان، وكذلك لا ينافي التوسل بالمعصومين والأولياء(عليهم السلام).

أمّا عدم منافاته لترتّب المسببات على الأسباب فلأنّ ذلك أيضاً بمشيئة الله ومسبّب الأسباب هو الله، وعن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: «أبى الله أن يجري الأشياء إلّا بأسباب فجعل لكلّ شيء سبباً، وجعل لكلّ سبب شرحاً، وجعل لكلّ شرح علماً، وجعل لكلّ علم باباً ناطقاً عرفه من عرفه وجهله من جهله، ذاك


(1) س 9 التوبة، الآية: 31.

(2) س 98 البيّنة، الآية: 5.

87

رسول الله(صلى الله عليه وآله) ونحن»(1).

وأمّا عدم منافاته لاختيار الإنسان فهو على أساس الفكرة التي طرحها أئمّتنا(عليهم السلام) من مسألة الأمر بين الأمرين.

وأمّا عدم منافاته للتوسّل بالمعصومين والأولياء(عليهم السلام) فلأنّ تأثيرهم لا يكون إلّا بإذن الله سبحانه وتعالى، وليس لهم باستقلالهم شيء. قال الله تعالى:﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي﴾(2).

 

أغصان التوحيد في الأفعال:

ويذكر للتوحيد في الأفعال أغصان كثيرة لعلّ أهمّها ما يلي:

الأوّل: التوحيد في الخلق، قال الله تعالى: ﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِين﴾(3).

الثاني: التوحيد في الربوبيّة، قال الله تعالى:﴿قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ


(1) الكافي 1: 183، باب معرفة الإمام والردّ اليه من كتاب الحجة، الحديث 7.

ولهذا المفهوم من سببيّة الأسباب ـ ضمن أنّها جميعاً بقبضة الله تعالى الذي هو مسبّب الأسباب ـ تأثير كبير في مسار تربية الإنسانية؛ حيث يمنع الإنسان من ناحية عن الترهبن أو ترك الأسباب أو ترك الاستعانة بالوسائل المادّيّة في تحصيل الأغراض والحاجات، ومن ناحية اُخرى من اللهث وراء الأسباب أكثر من القدر المعقول، أو الاضطراب من جرّاء عدم توفّر الأسباب على الرغم من السعي المتوسّط غير المُضني وراءها، أو النقص في التوكّل على الله، أو فقد النفس المطمئنّة بالله سبحانه وتعالى.

(2) س 5 المائدة، الآية: 110.

(3) س 7 الأعراف، الآية: 54.

88

كُلِّ شَيْء﴾(1). وقال عزّ وجلّ ـ عن لسان يوسف(عليه السلام) ـ: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّار﴾(2).

وعبدة الأصنام يكون شركهم بالله تعالى عادةً في الربوبية كما دلّت عليه هذه الآية، وفي العبادة كما دلّ عليه قوله تعالى ـ عن لسان عبدة الأصنام ـ: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾(3).

ولم يكن شرك عبدة الأصنام في الخلق مثلاً ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه﴾(4)، ولا في التوحيد الذاتي لقوله تعالى ـ عن لسان يوسف(عليه السلام)ـ: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّار﴾(5)، فتراه استدلّ على التوحيد في الربوبيّة بالتوحيد الذاتي، ولولا أنّ التوحيد الذاتي كان مسلّماً لدى صاحبي سجنه لكان هذا الاستدلال مصادرة على المطلوب.

الثالث: التوحيد في المالكيّة والحاكمية التكوينيّة، قال الله تعالى:﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُون﴾(6).

الرابع: التوحيد في التشريع، قال الله تعالى:﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّه﴾(7).

الخامس: التوحيد في الاُلوهية والطاعة، قال الله تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُممِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء﴾(8).

 


(1) س 6 الأنعام، الآية: 164.

(2) س 12 يوسف، الآية: 39.

(3) س 39 الزمر، الآية: 3، راجع لهذا البحث كتاب معارف قرآن: 53.

(4) س 39 الزمر، الآية: 38، راجع لهذا البحث المصدر السابق.

(5) س 12 يوسف، الآية: 39.

(6) س 39 الزمر، الآية: 6.

(7) س 6 الأنعام، الآية: 57، و س 12 يوسف، الآية: 40 و67.

(8) س 7 الأعراف، الآية: 3.

89

والأولى عندي جعل هذا غصناً خامساً لأصل التوحيد، فهو يشبه التوحيد في العبادة مثلاً الذي جعل غصناً برأسه، ولا يناسب جعله غصناً للتوحيد الأفعالي، فليس حقّ الطاعة فعلاً من أفعاله سبحانه وتعالى.

وكما قلنا في التوحيد الأفعالي ـ بمعنى لا مؤثر في الوجود إلّا الله ـ: إنّ هذا لا ينافي التوسل بالمعصومين؛ لأنّ تأثيرهم لا يكون إلّا بإذن الله لا باستقلالهم، كذلك نقول هنا: إنّ التوحيد في حقّ الطاعة لا ينافي وجوب طاعة المعصومين؛ لأنّ طاعتهم ليست لهم باستقلالهم بل بإذن الله سبحانه وتعالى وبإيجابه علينا طاعتهم كما قال سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُول إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّه﴾(1).

والنقص الذي كان في توحيد إبليس(2) هو في إيمانه بالاُلوهية والطاعة؛ حيث اعترض على الله تعالى في حكمه عليه بالسجود لآدم(عليه السلام) وقال: ﴿خَلَقْتَنِي مِن نَّار وَخَلَقْتَهُ مِن طِين﴾(3)، وقال أيضاً:﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْه﴾(4)، وهذا يعني أنّه لم يعترف بحقّ الطاعة لله تعالى بحجّة أنّه يحكم بغير الحقّ فيأمر الفاضل أن يسجد للمفضول، وهذا هو الذي سبّب سقوط إبليس من مقامه الشامخ وانتهاء أمره إلى مستوى أن قال الله تعالى في خطابه إيّاه:﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّين﴾(5)، وقال: ﴿لاََمْلاََنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِين﴾(6)، فقد انتهى إبليس إلى أسفل السافلين بسبب عدم خضوعه للتوحيد في الاُلوهيّة والطاعة بالرغم من تماميّة توحيده في الخلق وفي الربوبيّة وفي العبادة.


(1) س 4 النساء، الآية: 64.

(2) راجع بهذا الصدد كتاب معارف قرآن 1: 55 ـ 57.

(3) س 7 الأعراف، الآية: 12.

(4) س 38 ص، الآية: 76.

(5) س 38 ص، الآية: 78.

(6) س 38 ص، الآية: 85.

90

أمّا توحيده في الخلق فلقوله تعالى عن لسانه:﴿خَلَقْتَنِي مِن نَّار وَخَلَقْتَهُ مِن طِين﴾(1)، وأمّا توحيده في الربوبيّة فلقوله تعالى عن لسانه:﴿رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ﴾(2)، وأمّا توحيده في العبادة فلقول أمير المؤمنين(عليه السلام) في وصف إبليس: «قد عبد الله ستّة آلاف سنة لا يدرى أمن سني الدنيا أم من سني الآخرة»(3) .

والرذيلة الخُلُقيّة لدى إبليس التي جرّته إلى مكابرة الله تعالى في اُلوهيته وطاعته كانت عبارة عن الكبر، ولهذا قال أمير المؤمنين(عليه السلام):

«فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس؛ إذ أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد ـ وكان قد عبد الله ستّة آلاف سنة لا يدرى أمن سني الدنيا أم من سني الآخرة ـ عن كبر ساعة واحدة، فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصيته؟! كلاّ، ما كان الله سبحانه ليُدْخل الجنّة بشراً بإمر أخرج به منها ملكاً، إنّ حكمه في أهل السماء وأهل الأرض لواحد، وما بين الله وبين أحد من خلقه هَوادة في إباحة حمىً حرّمه على العالمين، فاحذروا عبادَ الله عدوَّ الله أن يُعديكم بدائه، وأن يستفزّكم بندائه، وأن يجلب عليكم بخيله ورَجله، فلعمري لقد فوّق لكم سهم الوعيد، وأغرق إليكم بالنزع الشديد، ورماكم من مكان قريب فقال:﴿رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين﴾(4) قذفاً بغيب بعيد، ورجماً بظنٍّ غير مصيب...»(5).

هذا تمام كلامنا في الإشارة إلى مراتب التوحيد أو أغصانه التي تتضمّنها


(1) س 7 الأعراف، الآية: 12.

(2) س 15 الحجر، الآية: 39.

(3) نهج البلاغة، الخطبة 192.

(4) س 15 الحجر، الآية: 39.

(5) نهج البلاغة، الخطبة 192.

91

جملة: «لا إله إلّا الله» التي هي الشهادة الاُولى من الشهادتين اللتين يدخل بهما الإنسان في الإسلام.

وهنا قال سماحة الشيخ محمّد تقي مصباح اليزدي حفظه الله: ومن بعد هذه مراتب اُخرى للتوحيد فوق المقدار الذي يدخل الشخص به في الإسلام، بإمكان أحد أن ينالها بالسير التكاملي في العلم والعمل من قبيل: التوحيد في الاستعانة، والتوكل والخوف، والرجاء، والحبّ بمعنى أن يكون حبّه لغير الله في الله ومن ناحية انتسابه إلى محبوبه الأصلي وهو الله، وكذلك التوحيد في الوجود الاستقلالي بمعنى دركه لانحصار الوجود الاستقلالي في الله تعالى بالوجدان والحضور لا بالبرهان العقلي والاستدلال الفلسفي، وهنا يستشهد الشيخ مصباح بكلام إمامنا الحسين(عليه السلام): «أَنْتَ الَّذِي أَشْرَقْتَ الاَْنْوارَ فِي قُلُوبِ أَوْلِيائِكَ حَتّى عَرَفُوكَ وَوَحَّدُوكَ، وَأَنْتَ الَّذِي أَزَلْتَ الاَْغْيارَ عَنْ قُلُوبِ أَحِبّائِكَ حَتّى لَمْ يُحِبُّوا سِواك»(1).

 

 

 

* * *

 


(1) راجع معارف قرآن 1: 61، وفقرة الدعاء واردة في أواخر دعاء عرفة للإمام الحسين(عليه السلام).

92

 

أدلة التوحيد

 

ندخل فيما يلي في البحث الاستدلالي على التوحيد:

 

الأدلة على التوحيد الذاتي

 

نحن نتعرّض هنا لثلاثة أدلّة: دليل فلسفي، ودليل علمي، ودليل نقلي:

 

الدليل الفلسفي:

مضى في ما سبق الدليل الخامس من أدلّة وجود الله سبحانه وتعالى ـ وهو برهان الصدّيقين ـ وحاصله: أنّنا لا نتصوّر شيئاً بعد افتراض كون الماهيّات أعداماً وحدوداً للوجودات إلّا الوجود المستقل، والوجود التبعي، والعدم، ولا يتصوّر وجود تبعي إلّا تبعاً للوجود الذاتي؛ لأنّ الوجود التبعي عين الربط، والوجود المستقل هو عين الوجود بذاته لا يدخله العدم ويكون واجب الوجود، ومضى أنّ الوجود المستقل والذاتي يطرد لا محالة كلّ حدّ من الحدود؛ لأنّ الحدود إنّما تكون بلحاظ ما يقابل الوجود من العدم.

وهذا كما ترى ينتهي بالضرورة إلى طرد الشريك واستحالة تعدّد واجب الوجود؛ إذ لو تعدّد لشكّل كلّ واحد منهما حدّاً للآخر؛ لأنّ أحدهما يجب أن ينتهي منذ أن يبدأ الآخر، نعم الوجود التبعي ـ وهم المخلوقات ـ لا يشكّل حدّاً لوجود الخالق؛ لأنّ وجود الخالق وجود ذاتي وعيني ومستقل، وهو يختلف سنخاً عن الوجود التبعي، فانتفاء الوجود التبعي المخلوق لايحقّق امتداداً

93

لوجود الخالق؛ إذ لو كان يحقق نفي الوجود التبعي امتداداً لوجود الخالق لكان هذا الامتداد وجوداً تبعيّاً، وهذا خلفٌ، فكذلك ثبوت الوجود التبعي لا يحقّق حدّاً لوجود الخالق؛ وعليه فالتوحيد الذاتي ـ بمعنى نفي تعدّد واجب الوجود ـ يكون من لوازم وجوب الوجود وذاتيّته واستقلاله.

ثُمّ إنّ البعض يقول: «إنّ التوحيد الذاتي يفسّر بمعنيين، الأوّل: أنّه واحد لا مثل له، والثاني: أنّه أحد لا جزء له، ويعبّر عن الأوّل بالتوحيد الواحدي وعن الثاني بالتوحيد الأحدي»(1).

فإن مشينا على هذا الاصطلاح فما ذكرناه من البرهان يتكفّل بإثبات التوحيد بكلا المعنيين: أمّا الأوّل فقد أوضحناه، وأمّا الثاني فلأنّ الوجود المستقل الذي لا حدّ له ولا ماهيّة بل هو صرف الوجود لا يعقل له جزء، وإلّا لتمّ برهان الإطلاق على كل جزء منه فلم يبق مجال للجزء الآخر، وهو خلف.

 

الدليل العلمي:

قال عزّ من قائِل:

1 ـ ﴿ما تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُت فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُور * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِير﴾(2).

2 ـ ﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُون﴾(3).

3 ـ ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَد وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَه إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَه بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ


(1) راجع الالهيّات 1: 373.

(2) س 67 الملك، الآية: 3 ـ 4.

(3) س 21 الأنبياء، الآية: 21 ـ 22.

94

بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُون﴾(1).

4 ـ ﴿قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً * سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً﴾(2).

روى هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبدالله(عليه السلام)، فكان من قول أبي عبدالله(عليه السلام) له: «لا يخلو قولك: إنّهما اثنان من أن يكونا قديمين قويّين أو يكونا ضعيفين، أو يكون أحدهما قويّاً والآخر ضعيفاً، فإن كانا قويّين فلِمَ لا يدفع كلّ واحد منهما صاحبه ويتفرّد بالتدبير؟ وإن زعمت أنّ أحدهما قويّ والآخر ضعيف ثبت أنّه واحد كما نقول للعجز الظاهر في الثاني، وإن قلت: إنّهما اثنان، لم يخل من أن يكونا متّفقين من كلّ جهة أو مفترقين من كلّ جهة، فلمّا رأينا الخلق منتظماً والفلك جارياً واختلاف الليل والنهار والشمس والقمر دلّ صحّة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أنّ المدبّر واحد»(3).

وورد عن هشام بن الحكم أيضاً بسند صحيح، قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): ما الدليل على أنّ الله واحد؟ قال: اتّصال التدبير وتمام الصنع كما قال عزّ وجلّ: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ »(4).

وقد ورد عن إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام) في وصيّة له لابنه الحسن(عليه السلام): «واعلم يا بنيّ أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته ولكنّه إله واحد كما وصف نفسه لا يضادّه في ملكه أحد»(5).

 


(1) س 23 المؤمنون، الآية: 91.

(2) س 17 الإسراء، الآية: 42 ـ 43.

(3) التوحيد: 243 ـ 244، الباب 36، الحديث 1.

(4) التوحيد: 250، الباب 36، الحديث 2.

(5) نهج البلاغة، الرسالة: 31.

95

ونذكر فيما يلي عدّة تقارير للدليل العلمي على التوحيد الذاتي:

التقرير الأوّل: إنّ مراجعة كتاب ما بالدقّة تكشف لنا عن أنّ مؤلّفه واحد أو متعدّد، فوحدة الاُسلوب والطريقة والتناغم الكامل بين مطالب الكتاب وإعمال الفهم الواحد والذوق الواحد والمنهج الواحد دليل على وحدة المؤلّف؛ لأنّ الأذواق مختلفة والسلائق متباينة والمباني والأفهام متعدّدة، فكذلك التنسيق والترابط والتناغم الوثيق بين أجزاء عالم الوجود ـ من الأرض والسماء والشمس والقمر والنبات والأنهار والمخلوقات والمجرّات وغير ذلك مما جعل كلّ عالم الوجود وحدة متكاملة متناسقة ـ دليل على وحدة الله تبارك وتعالى، وليس الترابط والتنسيق في أجزاء منظومتنا الشمسيّة فحسب، ولا في مفردات مجرّتنا فحسب، بل في ما بين المجرّات أيضاً، فكلّ هذه الاُمور مجموعة متوحّدة يحكمها نظام الجذب والدفع اللذين جعلا كلّ شيء في محلّه لا يندكّ بعضها ببعض ولا يتناثر بعضها عن بعض.

والنظام الحاكم على المنظومة الشمسيّة هو بعينه النظام الحاكم على كلّ ذرّة، فجزَيئاتها تدور حول نواتها بنفس الجذب والدفع اللذين يجعلان كوكبنا يدور حول الشمس:

دل هر ذرّه را كه بشكافى
آفتابيش در ميان بينى

والتماثل والتناسق الحاكمان على العالم جعل العلماء قادرين على الوصول إلى قوانين عامّة عالميّة باختبار ضئيل مختصر، يجرى على جزء يسير في قطعة صغيرة من العالم، كما كشف نيوتن قانون الجاذبيّة للعالم أجمع بسقوط تفّاحة من شجرة على الأرض.

ولو زاد سمك الهواء أو نقص لاختلّ النظام، ولو قربت الشمس أو بعدت عن

96

الأرض لهلكنا، وقد مضى منّا بحث في أدلّة وجود الله في شرح الحكمة المسيطرة على العالم ما ينفع كثيراً هنا.

قد تقول: لعلّ هذا الترابط والتناسق والنظم الحكيم نتيجة الكمال المطلق لكلّ واحد من الآلهة المتعدّدة ممّا جعلهم يسلكون جميعاً مسلكاً حكيماً واحداً في خلق العالم وإدارته.

ولكنّا نقول: إنّ الكمال المطلق يعني نفي الحدّ عن الوجود على الإطلاق، وهذا يؤدّي بنا إلى الرجوع إلى ما مضى من البرهان الفلسفي على وحدانية الله، ومفروضنا في الوقت الحاضر التنازل عن ذلك، وهو مساوق للتنازل عن الكمال المطلق.

وقد تقول: إنّ هؤلاء الآلهة المتعدّدين وغير الكاملين توافقوا بتفاهم سابق في ما بينهم على طريقة معيّنة في الخلق والتدبير سنخ توافق عدد أعضاء هيئة معيّنة على طريقة إيجاد شركة معيّنة وإدارتها.

ولكنك ترى دائماً شيئاً من الفطور والخلل ولو يسيراً في المؤسّسات المدارة من قبل هيئة لا تجده في ما يرأسها شخص واحد، بالرغم من أنّ نسبة تلك الشركة أو المؤسّسة إلى العالم أضأل من نسبة القطرة إلى البحر.

أمّا بلحاظ هذا العالم الواسع العظيم ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُور * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِير﴾(1).

التقرير الثاني: نحن إذا غضضنا النظر عن البرهان الفلسفي، أي عن برهان الصدّيقين، في ما انتهى إليه: من أنّ الوجود المستقل بما أنّه كامل مطلق فلا يقبل


(1) س 67 الملك، الآية: 3 ـ 4.

97

التعدّد، بأن افترضنا تعقل تعدّد الوجود المستقل، ولكن لم نغضّ النظر عن أنّ ما عدا الوجود المستقل وهو المخلوق وجود ربطيّ، لا محالة كانت نتيجة ذلك: هي أنّ فرض إسناد هذا العالم إلى إلهين يعني كونه وجوداً ربطياً لهذا ولذاك في وقت واحد، وهذا يعني تصرّف أحدهما في حيطة السلطان الذاتي للآخر، وليس كتصرّف شريكين في مال الشركة المستقل في الوجود عنهما كي يتعقّل توافق سابق لهما على ذلك، بل يكون التصادم هنا واقعاً لا محالة، ولو فرض أنّ هذا العالم الذي شرحنا في التقرير الأوّل وحدته وتماسكه وترابطه كان نصفه مثلاً وجوداً ربطيّاً لهذا، والنصف الآخر وجوداً ربطيّاً لذاك، لأدّى ذلك إلى الانصداع الذاتي بين النصفين؛ لما قلنا من أنّه ليس العالم وجوداً مستقلاً يفترض توافق الإلهين على صنعهما أو إدارتهما كتوافق شخصين على بناء دار أو التصرف في الدار، بل هو عين الربط بهما: ﴿إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَه بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُون﴾(1)، ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُون﴾(2).

وعلى هذا الأساس صحّ أن يقال: إن كانا قويين تدافعا وفسد العالم، وإن كان أحدهما قويّاً والآخر ضعيفاً استفرد القويّ بالاُلوهيّة، وإن كانا ضعيفين عاجزين لم يكن أحد منهما إلهاً، ولا يبقى هنا مجال لفرض كون الحكمة والحنكة المطلقة أو الكمال المطلق هو الذي أوجب عدم الانصداع والفساد؛ لأنّ المسألة لم تكن مسألة جهل الشركاء.

التقرير الثالث: إنّ أحد الإلهين قد أكثر من إرسال الرسل وإنزال الكتب


(1) س 23 المؤمنون، الآية: 91.

(2) س 21 الأنبياء، الآية: 22.

98

ونسبة جميع آيات الآفاق والأنفس إلى نفسه، فما بال الآخر ـ الذي هو شريكه في الخلق والتدبير ـ ساكت عن ذلك سكوت من يقتنع بفعل صاحبه أو يهمل خلقه؟ كما قال إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام): «واعلم يا بنيّ، أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه(1)، ولعرفت أفعاله وصفاته»(2).

ولا يخفى أنّ هدفنا من الدليل العلمي كان أيضاً إثبات التوحيد الذاتي، وإن اختلف عن الدليل الفلسفي الذي أوردناه في أنّ الأوّل كان منصباً ابتداء على التوحيد الذاتي، ولكن هذا الدليل العلمي أثبت التوحيد الذاتي عن طريق التوحيد في الخلق أو التدبير.

التقرير الرابع: إنّ الدليل العلمي على التوحيد بالتقارير الثلاثة التي ذكرناها إنّما يثبت التوحيد بلحاظ العالم الذي نحن فيه، ولا ينفي افتراض إله آخر لعالم آخر يفرض مستقلاً عن هذا العالم تماماً، بخلاف الدليل الفلسفي الذي يثبت التوحيد حتّى في مقابل مثل هذا الاحتمال.

إلّا أنّه قد يقرّر ما أسميناه بالدليل العلمي بتقرير رابع يقترب أكثر إلى البيان الفلسفي، فيثبت أيضاً التوحيد حتّى في مقابل مثل هذا الاحتمال، وذلك كأن يؤخذ أوّلاً من الفلسفة استحالة تركّب واجب الوجود من عدد من الأجزاء؛ للزوم حاجة كلّ جزء إلى الآخر، وهو مستحيل في واجب الوجود أو في الوجود المستقل، أو قل: للزوم حاجة الكلّ إلى أجزائه مثلاً، ثُمّ يقال: إنّ الإلهين إمّا أن يتماثلا من كلّ الجهات فلا يميّز أحدهما عن الآخر فلا يتمّ التعدّد، أو


(1) قوله: «ولرأيت آثار ملكه وسلطانه» يحتمل أن يكون إشارة إلى التقرير الأوّل، وهو أنّ وحدة الأثر وتماسك أجزائه وترابطها دليل على وحدة المؤثّر.

(2) نهج البلاغة، الرسالة 31.

99

يتماثلا في بعض الجهات ويتباينا في بعض فيلزم التركّب وهو محال حسب الفرض، أو يتباينا كلّياً فيتناقضان في الأثر فيفسد بذلك العالم وبذلك قد يفسّر قوله تعالى: ﴿لَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض﴾، وقوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾. وبناءً على هذا التقرير أيضاً لا يبقى موضوع لطرح إشكال: أنّ الحكمة والكمال منعا عن الفساد والانصداع، أو إشكال: أنّ التوافق السابق منع عن ذلك كما في مشتركين متعددين على مؤسّسة واحدة.

 

الدليل النقلي:

إنّ إثبات وجود الله تعالى بالدليل النقلي غير معقول؛ لأنّ النقل إن كان عن الله مباشرةً فأصل وجوده تعالى غير معترف به بعدُ، وإن كان عن رسول الله أو خلفاء الرسول فما قيمة الرسول وخلفائه قبل إثبات المُرسل؟!

أمّا إذا ثبت وجود الله تبارك وتعالى فإثبات التوحيد عن طريق النقل أمر ممكن؛ وذلك لأنّ إثبات وجود الله كاف في تسلسل البحث إلى الرسول وخلفاء الرسول، وإلى صدق الله ورسوله وإلى النقل عنهم جميعاً.

وعلى هذا الأساس نقول: لا إشكال في تطابق القرآن والسنّة المتواترة عن الرسول(صلى الله عليه وآله) وخلفائه على التوحيد، وبه يثبت التوحيد.

 

الدليل على التوحيد في الصفات

 

المقصود بالصفات هو صفات الذات، كالعلم والقدرة والحياة وما إلى ذلك، وليست صفات الفعل كالخلق والرزق.

فصفات الذات عين الذات ولا تغاير بينها وبين الذات ولا فيما بين أنفسها.

 

100

وهذا يثبت بنفس الدليل الفلسفي الذي أثبت التوحيد، فإن شئت فتكلّم بلغة دليل الواحديّة، أي: أنّه واحد لا مثيل له، وإن شئت فتكلّم بلغة دليل الأحديّة، أي: أنّه أحد بسيط لا جزء له.

فتقول بلغة الواحديّة: إنّ صفات الذات لو تغايرت مع الذات أو تغاير بعضها مع بعض لتعدّد الوجود المستقل، وقد مضى إثبات أنّ الوجود المستقل لا يعقل تعدّده.

وتقول بلغة الأحديّة: إنّ تصوير صفات الذات مع حفظ تغاير بينها وبين الذات أو حفظ تغاير في ما بينها يؤدّي إلى التركيب، وقد مضى توضيح استحالته في الوجوب المستقل، أو قل: في واجب الوجود.

وما ألطف التعبير الماضي عن إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام): «وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه؛ لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد جهله»(1).

 

الدليل على التوحيد في العبادة

 

العبادة والتي هي كمال الخضوع لا ينبغي أن تكون للإنسان الحرّ إلّا بأحد ملاكات ثلاثة:

1 ـ الاحتياج الحقيقي إلى المعبود.

2 ـ والأشرف من ذلك أن تكون العبادة بملاك المالكيّة الحقيقيّة للمعبود.


(1) نهج البلاغة، الخطبة الاُولى.

101

3 ـ والأشرف منهما أن تكون بملاك الكمال المطلق للمعبود.

وكلّ هذه الملاكات الثلاثة منحصرة في الله سبحانه وتعالى، فإنّ المخلوقين هم المحتاجون، والغنيّ الحقيقي المطلق هو الخالق، وهل يرحم المخلوق إلّا الخالق؟ وكذلك الملكيّة الحقيقيّة بمعنى الواجديّة الحقيقيّة لله سبحانه المالك لجميع ما خلق، وكذلك من هو أهل للعبادة لأنّه الكمال المطلق إنّما هو واجب الوجود سبحانه وتعالى.

والنصوص المحرّمة في الكتاب والسنّة لعبادة غير الله لعلّها فوق حدّ الإحصاء، منها قوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُون﴾(1) فترى الآية المباركة قد جعلت الشرك اسما لتعدد المعبود.

بل لم ينقل في القرآن عن مشركي مكّة إلّا الشرك في العبادة، قال الله تعالى عن لسانهم:﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾(2)، فأمّا أصل اختصاص الخلق بالله تعالى فقد كان معترفاً به من قِبَلهم كما قال الله تعالى:﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه﴾(3)، وكذلك قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُون﴾(4)، فالظاهر أنّ المقصود بالشرك في هذه الآية إمّا هو الشرك في العبادة أو الشرك في الربوبيّة لا الشرك في الخلق؛ لأنّه لو لم يكن عدم الشرك في الخلق مسلّماً عندهم فما معنى الاحتجاج عليهم بقوله: ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ


(1) س 9 التوبة، الآية: 31.

(2) س 39 الزمر، الآية: 3.

(3) س 39 الزمر، الآية: 38.

(4) س 7 الأعراف، الآية: 190 ـ 192.

102

يُخْلَقُون﴾؟

أمّا سجود الملآئكة لآدم(عليه السلام) فبما أنّه كان بأمر الله كان عبادة لله تعالى كما ورد عن الصادق(عليه السلام) في حديث: «أنّ زنديقاً قال له: أفيصلح السجود لغير الله؟ قال: لا، قال: فكيف أمر الله الملآئكة بالسجود لآدم؟ فقال: إنّ من سجد بأمر الله فقد سجد لله، فكان سجوده لله إذا كان عن أمر الله»(1).

وقد يقال: إنّ السجود لغير الله وإن كان محرّماً في شريعتنا لكن ليس كلّ سجود عبادة، والسجود المحرّم لغير الله غير القابل للاستثناء إنّما هو سجود العبادة، وهي نهاية الخضوع للمعبود باعتبار مالكيته للعابد، ولم يكن سجود الملآئكة لآدم ولا سجود إخوة يوسف وأبويه له بهذا الاعتبار(2).

 

الدليل على التوحيد في الطاعة

 

ونعطف على التوحيد في العبادة التوحيد في الطاعة، فإنّ كلامنا فيه مشابه لكلامنا في توحيد العبادة، فإنّ حكم العقل بمولويته سبحانه وتعالى وطاعته لا يكون إلّا لأحد سببين: إمّا لكونه هو المنعم الحقيقي الذي منه نعمة الوجود أوّلاً ثُمّ النعم المتفرّعة على الوجود التي إن تعدّوها لا تحصوها فيجب شكره بطاعته؛ وإمّا لكونه مالكاً حقيقيّاً لنا وللعالم بخلقه إيّانا وخلقه للعالم على الخصوص بناءً على ما مضى في برهان الصدّيقين على وجود الله: من أنّ ما سواه ليس إلّا ربطاً وإشعاعاً وتجلّياً، وأنّ الوجود المستقل لا يوجد إلّا له سبحانه وتعالى، فهو


(1) وسائل الشيعة 6: 387، الباب 27 من أبواب السجود، الحديث 4.

(2) البحار 11: 140.

103

الموجد والواجد لا غيره، وتجب على المملوك إطاعة المالك.

وكلا هذين السببين لوجوب الطاعة مخصوص بالله عزّ وجلّ:

﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾(1)، ﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِين﴾(2).

 

الدليل على التوحيد في الأفعال

 

التوحيد في الأفعال بمعنى أنّه لا مؤثّر في الوجود إلّا الله، وعمدة النقض الذي يورد على ذلك عبارة عن أفعال الإنسان بناءً على كونه فاعلاً مختاراً، ومن هنا قد يتورّط من يتورّط في الجبر بتخيّل أنّ هذا هو الذي يؤدّي إلى التنزيه من الشرك غفلة عن أنّ الجبر يؤدّي إلى توصيف الله تعالى بالظلم؛ لأنّ العقاب على ما ليس بالاختيار ظلم وتعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

والجمع بين اختيار الإنسان والتوحيد في الأفعال يذكر بأحد وجهين:

الوجه الأوّل: هو الوجه العامّ ـ أي القريب من ذهن العموم ـ وهو أنّه على الرغم من اختيارية الإنسان في الأفعال تكون الوسائل التي بها يحقق العبد الفعل من الأعضاء والجوارح والوسائط الماديّة التي قد يحتاجها لتحقيق ذاك الفعل والحياة والقدرة والشعور وما إلى ذلك، كلّها من الله تعالى وبفيض دائم منه، ولو انقطعت إحدى هذه الفيوضات آناًما لما أمكن للعبد إيجاد ذاك الفعل، إذن فالتأثير الحقيقي كان من الله سبحانه وتعالى بالرغم من اختيار العبد.

 


(1) س 31 لقمان، الآية: 20.

(2) س 7 الأعراف، الآية: 54.