المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

98

ونسبة جميع آيات الآفاق والأنفس إلى نفسه، فما بال الآخر ـ الذي هو شريكه في الخلق والتدبير ـ ساكت عن ذلك سكوت من يقتنع بفعل صاحبه أو يهمل خلقه؟ كما قال إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام): «واعلم يا بنيّ، أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه(1)، ولعرفت أفعاله وصفاته»(2).

ولا يخفى أنّ هدفنا من الدليل العلمي كان أيضاً إثبات التوحيد الذاتي، وإن اختلف عن الدليل الفلسفي الذي أوردناه في أنّ الأوّل كان منصباً ابتداء على التوحيد الذاتي، ولكن هذا الدليل العلمي أثبت التوحيد الذاتي عن طريق التوحيد في الخلق أو التدبير.

التقرير الرابع: إنّ الدليل العلمي على التوحيد بالتقارير الثلاثة التي ذكرناها إنّما يثبت التوحيد بلحاظ العالم الذي نحن فيه، ولا ينفي افتراض إله آخر لعالم آخر يفرض مستقلاً عن هذا العالم تماماً، بخلاف الدليل الفلسفي الذي يثبت التوحيد حتّى في مقابل مثل هذا الاحتمال.

إلّا أنّه قد يقرّر ما أسميناه بالدليل العلمي بتقرير رابع يقترب أكثر إلى البيان الفلسفي، فيثبت أيضاً التوحيد حتّى في مقابل مثل هذا الاحتمال، وذلك كأن يؤخذ أوّلاً من الفلسفة استحالة تركّب واجب الوجود من عدد من الأجزاء؛ للزوم حاجة كلّ جزء إلى الآخر، وهو مستحيل في واجب الوجود أو في الوجود المستقل، أو قل: للزوم حاجة الكلّ إلى أجزائه مثلاً، ثُمّ يقال: إنّ الإلهين إمّا أن يتماثلا من كلّ الجهات فلا يميّز أحدهما عن الآخر فلا يتمّ التعدّد، أو


(1) قوله: «ولرأيت آثار ملكه وسلطانه» يحتمل أن يكون إشارة إلى التقرير الأوّل، وهو أنّ وحدة الأثر وتماسك أجزائه وترابطها دليل على وحدة المؤثّر.

(2) نهج البلاغة، الرسالة 31.