المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

97

التعدّد، بأن افترضنا تعقل تعدّد الوجود المستقل، ولكن لم نغضّ النظر عن أنّ ما عدا الوجود المستقل وهو المخلوق وجود ربطيّ، لا محالة كانت نتيجة ذلك: هي أنّ فرض إسناد هذا العالم إلى إلهين يعني كونه وجوداً ربطياً لهذا ولذاك في وقت واحد، وهذا يعني تصرّف أحدهما في حيطة السلطان الذاتي للآخر، وليس كتصرّف شريكين في مال الشركة المستقل في الوجود عنهما كي يتعقّل توافق سابق لهما على ذلك، بل يكون التصادم هنا واقعاً لا محالة، ولو فرض أنّ هذا العالم الذي شرحنا في التقرير الأوّل وحدته وتماسكه وترابطه كان نصفه مثلاً وجوداً ربطيّاً لهذا، والنصف الآخر وجوداً ربطيّاً لذاك، لأدّى ذلك إلى الانصداع الذاتي بين النصفين؛ لما قلنا من أنّه ليس العالم وجوداً مستقلاً يفترض توافق الإلهين على صنعهما أو إدارتهما كتوافق شخصين على بناء دار أو التصرف في الدار، بل هو عين الربط بهما: ﴿إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَه بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُون﴾(1)، ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُون﴾(2).

وعلى هذا الأساس صحّ أن يقال: إن كانا قويين تدافعا وفسد العالم، وإن كان أحدهما قويّاً والآخر ضعيفاً استفرد القويّ بالاُلوهيّة، وإن كانا ضعيفين عاجزين لم يكن أحد منهما إلهاً، ولا يبقى هنا مجال لفرض كون الحكمة والحنكة المطلقة أو الكمال المطلق هو الذي أوجب عدم الانصداع والفساد؛ لأنّ المسألة لم تكن مسألة جهل الشركاء.

التقرير الثالث: إنّ أحد الإلهين قد أكثر من إرسال الرسل وإنزال الكتب


(1) س 23 المؤمنون، الآية: 91.

(2) س 21 الأنبياء، الآية: 22.