الأراضي
هذا، وقال الشيخ رحمه الله: «وحيث جرى الكلام في ذكر بعض أقسام الأرضين فلا بأس بالإشارة إجمالاً إلى جميع أقسام الأرضين وأحكامها»(1).
أقسام الأرض:
ثم شرع رحمه الله في هذا البحث، وقسّم الأرض إلى أربعة أقسام: لأنّها إمّا موات، وإمّا عامرة، وكلّ منهما إمّا أن يكون كذلك أصلية أو عرض لها ذلك، فالأقسام أربعة لا خامس لها(2).
ثم بدأ رحمه الله بشرح أحكام الأقسام وقال:
القسم الأوّل: ما يكون مواتاً بالأصالة بأن لم تكن مسبوقة بعمارة
ولا إشكال ولا خلاف منّا في كونها للإمام عليه السلام والإجماع عليه محكي عن الخلاف والغنية وجامع المقاصد والمسالك وظاهر جماعة أُخرى، والنصوص بذلك مستفيضة، بل قيل: إنّها متواترة.
وأفاد السيّد الخوئي رحمه الله _ بحسب ما ورد في التنقيح _: أنّه لا إشكال ولا خلاف في أصل الحكم، وهو أنّ الأرض الموات بالأصالة للإمام؛ فإنّ هذا من الأمر المتسالم عليه لدى فقهاء الإمامية، ولكنّه استشكل(قدس سره) في دعوى استفاضة الروايات الدالّة على ذلك أو تواترها ببيان أنّه إن كان المقصود بتلك الروايات هي روايات «كلّ أرض خربة»(3) أو روايات «الأرض كلّها للإمام» وهي صحيحة أبي سيّار(4) وصحيحة
(1) المکاسب، ج4، ص12.
(2) المصدر السابق.
(1) من قبيل عدد من روايات الباب الأوّل من أبواب الأنفال وما یختص بالإمام من الوسائل، ج7، ص295.
(2) وسائل الشيعة، ج9، ص548، الباب4 من أبواب الأنفال وما یختص بالإمام، ح12.
أبي خالد الكابلي(1) فهي وإن كانت كثيرة إلّا أنّها خارجة عن محلّ الكلام؛ لأنّ المراد من الأوّل ما تكون عامرة ثم خربت، وبديهي أنّ محلّ كلامنا هو موات الأرض بالأصالة، والثاني أيضاً خارج عن محلّ الكلام؛ لأنّه لا شكّ ولا شبهة في كون الأرض والسماء وجميع ما خلق الله لهم(عليهم السلام)، ولكن كلامنا في خصوص موتان الأرض، فلا تبقى إلّا روايات قلائل دالّة على المقصود، وأين هذه من الاستفاضة؟!(2)
أقول: إنّ حمل روايات «الأرض كلّها لنا» على المعنى الذي يكون كلّ ما خلق الله من الدنيا لهم بذاك المعنى غريب وخلاف الظاهر بلا إشكال، فظاهرها هو أنّ الأرض كلّها من الأنفال وهي بإطلاقها تشمل الموات.
نعم، لا شكّ أنّ جميع ما خلق الله من الدنيا وما فيها ملك بمعنى آخر للإمام، وقد وردت بذلك عدد من الروايات غير تامّة سنداً، وهي مذكورة في أُصول الكافي(3)، ولكن قياس صحيحتي أبي سيّار وأبي خالد الكابلي بتلك الروايات ليس في محلّه.
وإن شئت تلك الروايات فنحن ننقلها من أُصول الكافي، وهي ما يلي:
1_ رواية أحمد بن محمد بن عبدالله عمّن رواه قال: «الدنيا وما فيها لله تبارك وتعالى ولرسوله ولنا، فمن غلب على شيء منها فليتّق الله وليؤدّ حقّ الله تبارك وتعالى وليبرّ إخوانه، فإن لم يفعل ذلك فالله ورسوله ونحن براء منه»(4).
2_ رواية أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «قلت له: أما على الإمام زكاة؟ فقال: أحلت يا أبا محمد، أما علمت أنّ الدنيا والآخرة للإمام يضعها إلى من يشاء، جائز له ذلك من الله...»(5).
(1) وسائل الشیعة، ج25، ص414، الباب3 من أبواب إحياء الموات، ح2.
(2) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص230 _ 231.
(3) الکافي، ج1، ص408 _ 409، باب أنّ الأرض كلّها للإمام(عليه السلام) من كتاب الحجّة، ح2 و4 و6 و7.
(4) المصدر السابق، ص408، ح2.
(5) المصدر السابق، ح4
3_ رواية محمد بن الريّان قال: كتبت إلى العسكري(عليه السلام): «جعلت فداك روي لنا أن ليس لرسول الله(صل الله عليه وآله) من الدنيا إلّا الخمس، فجاء الجواب: إنّ الدنيا وما عليها لرسول الله(صل الله عليه وآله)»(1).
4_ رواية جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال رسول الله(صل الله عليه وآله): خلق الله آدم وأقطعه الدنيا قطيعة، فما كان لآدم عليه السلام فلرسول الله(صل الله عليه وآله) وما كان لرسول الله فهو للأئمّة من آل محمد(عليهم السلام)»(2).
وحمل صحيحتي أبي سيّار وأبي خالد على هذا المعنى لا موجب له، ولعلّ حشر الكليني رحمه الله لهذه الروايات مع الصحيحتين في باب واحد وهو باب «أنّ الأرض كلّها للإمام» أوحى إلى ذهن السيّد الخوئي رحمه الله حملهما على ذلك.
وأمّا ما هي الروايات الآحاد التي أشار إليها السيّد الخوئي رحمه الله الدالّة على كون موات الأرض من الأنفال فالمشار إليه في الكتاب لا يناسب مقام السيّد الخوئي، فنحن نضرب صفحاً عن نقل ما في الكتاب، وبإمكانك أن تراجعه ونذكر نحن ما يمكن قبول دلالته على كون موات الأرض من الأنفال بعد فرض عدم دلالة روايات الأرض الخربة وبطون الأودية(3)، وهي روايات عديدة من قبيل:
1_ مرسلة حمّاد عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه السلام المشتملة على قوله: «وله رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام وكلّ أرض ميتة لا ربّ لها»(4).
(1) المصدر السابق، ص409، ح6.
(2) المصدر السابق، ح7.
(1) فرض عدم دلالة «بطون الأودية» الواردة في صحيحة حفص بن البختري _ وسائل الشيعة، ج9، ص523، الباب الأوّل من أبواب الأنفال وما یختص بالإمام، ح1_ مبنيّ على افتراض دعوى انصرافها إلى المحياة.
(2) وسائل الشيعة، ج9، ص524، الباب الأوّل من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح4.
2_ مرسلة المقنعة(1) عن محمد بن مسلم وفيها: «وبطون الأودية ورؤوس الجبال»(2)، فلو شككنا في شمول بطون الأودية على الميتة فلا شكّ أنّ رؤوس الجبال عادة من الموات.
3_ مرسلة العيّاشي عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام «قال: لنا الأنفال قلت: وما الأنفال؟ قال: منها المعادن والآجام وكلّ أرض لا ربّ لها وكلّ أرض باد أهلها فهو لنا»(3). والموات الأصلية تعتبر أرضاً لا ربّ لها.
4 _ ما رواه الطوسي رحمه الله(4) بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حمّاد عن شعيب عن أبي بصير قال: «سألت أبا عبدالله عليه السلام عن شراء الأرضين من أهل الذمّة فقال: لا بأس بأن يشتري منهم إذا عملوها وأحيوها فهي لهم وقد كان رسول الله(صل الله عليه وآله) حين ظهر على خيبر وفيها اليهود خارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها ويعمّرونها»(5).
وجه الاستدلال بذلك هو أنّ الإمام عليه السلام استشهد لصحّة شراء الأرضين من أهل الذمّة بفعل رسول الله(صل الله عليه وآله) مع أهل خيبر فيما عملوها وأحيوها، ونحن لا نشكّ في أنّ أرض خيبر كانت من الأنفال، فهذا يعني أنّ الأرضين التي تشتری من أهل الذمّة بعد أن عملوها وأحيوها تعتبر من الأنفال، وهذا لا يكون إلّا إذا فرضت الأرضون الموات من الأنفال.
وأمّا سند الحديث فتامّ؛ لأنّ شعيباً هنا عبارة عن شعيب بن يعقوب العقرقوفي، والدليل على ذلك أنّ حمّاد بن عيسى راوٍ لكتابه وهو ابن اخت أبي بصير يحيى بن القاسم. وهو ثقة عين لا غبار عليه.
(1) المقنعة، ص290،الباب38 من کتاب الزکاة والخمس والجزية.
(2) وسائل الشيعة، ج9، ص524، الباب الأوّل من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح4.
(3) المصدر السابق،ص533، ح28؛ کتاب التفسیر(للعيّاشي)، ج2، ص48.
(4) تهذيب الأحکام، ج7، ص148، الباب11 من کتاب التجارات،ح6.
(5) وسائل الشيعة، ج25، ص416، الباب4 من کتاب إحياء الموات، ح1
ولو فرضنا عدم الجزم بكونه العقرقوفي فالشخصان المعروفان في هذه الطبقة عبارة عن شعيب بن يعقوب العقرقوفي وشعيب بن أعين الحدّاد، وكلاهما ثقة.
5_ صحيحة عمر بن يزيد قال: «سمعت رجلاً من أهل الجبل يسأل أبا عبدالله عليه السلام عن رجل أخذ أرضاً مواتاً تركها أهلها فعمرها وكرى أنهارها وبنى فيها بيوتاً وغرس فيها نخلاً وشجراً؟ قال: فقال أبو عبدالله(عليه السلام): كان أميرالمؤمنين عليه السلام يقول: من أحيى أرضاً من المؤمنين فهي له وعليه طسقها يؤدّيه إلى الإمام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم فليوطّن نفسه على أن تؤخذ منه»(1).
وقوله: «من أحيى أرضاً» يشمل بإطلاقه الموات الأصلية وثبوت الطسق عليه، وتوطين نفسه على أن تؤخذ منه لدى ظهور القائم(عجل الله تعالى فرجه الشريف) دليل على كونها من الأنفال.
وعلى أيّ حال فبعد فرض عدم قبول دلالة روايات الأرض الخربة وعنوان بطون الأودية على المقصود تنحصر الروايات في مثل هذه الروايات الخمس، والصحيح سنداً منها منحصر في الرواية الرابعة والخامسة.
وبعد، فإنّي لا أشكّ في صحّة ما ادّعاه الشيخ الأنصاري رحمه الله من استفاضة الروايات الدالّة على أنّ الموات الأصلي للإمام؛ وذلك بضمّ روايات الأرض الخربة والتي يوجد أكثرها في الباب الأوّل من الأنفال من الوسائل إلى مثل الروايات الماضية وإلى روايتي: «الأرض كلّها لنا» اللتين مضت الإشارة إليهما.
وأمّا ما أفاده السيّد الخوئي رحمه الله من أنّ المقصود بها ما تكون عامرة ثم خربت لا الموات الأصلي من الأرض(2) فهو وإن كان صحيحاً ولكنّ العرف يتعدّى من الأرض الخربة إلى الموات الأصلي الذي لا ربّ له، ولا يحتمل اختصاص امتلاك الإمام بالأرض الخربة أو التي باد أهلها دون الموات الأصلي الذي لا ربّ له.
(1) المصدر السابق، ج9، ص549، الباب4 من أبواب الأنفال وما یختص بالإمام، ح13.
(2) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص231.
ولا بأس بأن أذكر هنا عين النصّ لصحيحتي أبي سيّار والكابلي:
أمّا صحيحة أبي سيّار فقد روى في الوسائل عن الشيخ بسند تام عن أبي سيّار مسمع بن عبدالملك قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): إنّي كنت وُلّيت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم وكرهت أن أحبسها عنك وأعرض لها وهي حقّك الذي جعل الله تعالى لك في أموالنا فقال: وما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلّا الخمس؟! يا أبا سيّار الأرض كلّها لنا فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا قال: قلت له: أنا أحمل إليك المال كلّه، فقال لي: يا أبا سيّار قد طيّبناه لك وحلّلناك منه، فضمّ إليك مالك، وكلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون ومحلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم، فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم حتّى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم منها صغرة»(1).
وذيل الحديث بادٍ عليه التشويش؛ إذ ما معنى جبايتهم طسق ما كان في أيدي سواهم؟!
والذي يرفع التشويش نسخة الكافي التي وردت فيها عبارة ساقطة عن وسط هذا التعبير(2) فقد روى في الوسائل عن الكافي نفس الحديث بفرق أنّه قال: «إنّي كنت وُلّيت البحرين الغوص ثم قال في آخره: فيجبيهم طسق ما کان في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم، وأمّا ما كان في أيدي غيرهم فإنّ كسبهم من الأرض حرام...»(3).
وأمّا صحيحة الكابلي فهي ما ورد في الوسائل بسند تام عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر عليه السلام قال: «وجدنا في كتاب علي(عليه السلام): ﴿إِنَّ الأَرْضَ لِلّٰهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ
(1) وسائل الشيعة، ج9، ص548، الباب4 من أبواب الأنفال وما یختص بالإمام، ح12.
(2) الکافي، ج1، ص408، باب أنّ الأرض کلّها للإمام(عليه السلام) من کتاب الحجّة، ح3.
(3) المصدر السابق.
مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ﴾(1) أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الأرض ونحن المتّقون، والأرض كلّها لنا، فمن أحيى أرضاً من المسلمين فليعمرها وليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها، فإن تركها وأخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها حتّى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها كما حواها رسول الله(صل الله عليه وآله) ومنعها إلّا ما كان في أيدي شيعتنا فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم»(2).
ويشهد لما قلناه من أنّ هاتين الصحيحتين ناظرتان إلى مسألة الأنفال، لا إلى ما تنظر إليه الروايات الأربع التي نقلناها عن الكافي من مملوكية الدنيا بأجمعها للإمام ما ورد في خصوص هاتين الصحيحتين _ دون تلك الروايات _ من تفريع أداء الطسق أو الخراج في هاتين الصحیحتين على كون الأرض كلّها لهم(عليهم السلام).
يبقى الكلام في أنّنا كيف نثبت وثاقة أبي خالد الكابلي الراوي لهذه الرواية فنقول:
وجه وثاقته رواية صفوان بن يحيى عنه وهو أحد الثلاثة الذين لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة.
فقد روى حمدويه بن نصير قال: حدّثنا أيّوب عن محمد بن الفضل وصفوان عن أبي خالد القمّاط عن حمران قال: «قلت لأبي جعفر(عليه السلام): ...»(3).
وأيضاً روى محمد بن يعقوب عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبدالجبّار وعن أبي العبّاس الرزّاز عن أيّوب بن نوح وعن حميد بن زياد عن ابن سماعة ومحمد بن
(1) الأعراف: 128.
(2) وسائل الشيعة، ج25، ص414، الباب3 من کتاب إحياء الموات، ح2.
(3) رجال الکشي، ص3.
إسماعیل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن صفوان عن أبي خالد القمّاط قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): ...»(1).
ونحن نعلم أنّ أبا خالد القمّاط هو أبو خالد الكابلي كنكر؛ لأنّ الشيخ قال في الكنى من الفهرست: «أبو خالد القمّاط له كتاب، وقال ابن عقدة: اسمه كنكر...»(2).
وقد عدّ الشيخ في رجاله كنكر في أصحاب علي بن الحسين عليه السلام قائلاً: «كنكر يكنّی أبا خالد الكابلي. وقيل: إنّ اسمه وردان»(3).
وإلى هنا ثبت أنّ كنكر كان من أصحاب علي بن الحسين عليه السلام واستمرّ _ على الأقلّ _ إلى زمان الصادق(عليه السلام)، كما أنّ الشيخ ذكر كنكر أبا خالد القمّاط الكوفي في أصحاب الصادق(عليه السلام)(4) وهو ثقة لرواية صفوان عنه.
ولكن هناك مشكلة تنشأ من أنّ الشيخ رحمه الله فرض شخصاً آخر أيضاً بعنوان أبي خالد الكابلي الأصغر اسمه وردان روى عنهما _ أي: الباقر والصادق(عليهما السلام) قال رحمه الله: والأكبر كنكر(5).
إذاً فالأكبر وهو القمّاط وهو كنكر كان من أصحاب علي بن الحسين عليه السلام واستمرّ إلى زمان الصادق(عليه السلام)، والأصغر روى عن الباقر والصادق(عليهما السلام)، ولا دليل على وثاقة الأصغر.
وبما أنّ أبا خالد الكابلي روى رواية «الأرض كلّها لنا» عن الباقر(عليهما السلام) فهو مردّد بين الأكبر والأصغر أو قل: بين كنكر ووردان، فهذا يؤكّد ضعف سند الرواية.
والحلّ هو أنّنا إن جزمنا بوحدة كنكر ووردان ولم نفترض أكبر وأصغر كما قال بذلك
(1) الکافي، ج6، ص125، باب طلاق المعتوه والمجنون وطلاق ولیّه عنه من کتاب الطلاق، ح2.
(2) الفهرست، ص184.
(3) رجال الشيخ الطوسي، ص119.
(4) المصدر السابق، ص274.
(5) المصدر السابق، ص148
فضل بن شاذان حيث ذكر: «أنّ اسمه وردان ولقبه كنكر»(1) فقد انتهت المشكلة، وإلّا فقد أفاد السيّد الخوئي رحمه الله أنّه لا شكّ في أنّ المنصرف من أبي خالد الكابلي هو كنكر؛ فإنّه هو المشهور المعروف الذي كان له كتاب(2)، فأيضاً علی هذا تنتهي المشكلة.
مسائل تترتّب علی إحياء الموات
هل الأثر المترتب علی الإحياء خاص بالشيعي؟
المسألة الأُولى: هل أنّ الأثر المترتّب على إحياء الأرض الموات من الملك أو حقّ الاختصاص خاص بالشيعي أو يعمّ جميع المسلمين أو يعمّ الكفّار أيضاً؟
مقتضى ما مضى من صحيحة الكابلي هو أنّ هذا ثابت لجميع المسلمين.
وما دلّت عليه صحيحة أبي سيّار من حرمة كسب العامّة من الأرض قبل ظهور القائم عليه السلام محمول على أنّ الطسق واجب عليهم وهم لا يدفعونه، والطسق إنّما حلّل قبل ظهور القائم للشيعة لا للسنّة، فالحرمة التكليفية للتعمير والإحياء بلا طسق ثابتة عليهم، وهذا لا ينافي حصول حقّ الاختصاص لهم بالتعمير والإحياء.
وكذلك يدلّ على عدم اختصاص الحكم بالشيعي ما مضى من صحيحة عمر بن يزيد «...كان أميرالمؤمنين عليه السلام يقول: من أحيى أرضاً من المؤمنين فهي له وعليه طسقها...»(3) فإنّ مصطلح استعمال كلمة المؤمن في الشيعي بالخصوص لم يكن في زمن أمير المؤمنين عليه السلام فقوله: «من المؤمنين» يشمل بإطلاقه جميع المسلمين.
بل إنّ بعض الروايات دلّت على ثبوت هذا الحقّ للكفّار أيضاً، من قبيل: صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الشراء من أرض اليهود والنصارى فقال: ليس به بأس، قد ظهر رسول الله(صل الله عليه وآله) على أهل خيبر فخارجهم على أن يترك
(1) راجع معجم رجال الحديث، ج15، ص137، رقم: 9779.
(2) المصدر السابق.
(3) وسائل الشيعة، ج9، ص549، الباب4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح13.
الأرض في أيديهم يعملونها ويعمرونها، فلا أرى بها بأساً لو أنّك اشتريت منها شيئاً، وأيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض وعملوها فهم أحقّ بها وهي لهم»(1)، وصحيحة أبي بصير قال: «سألت أبا عبدالله عليه السلام عن شراء الأرضين من أهل الذمّة فقال: لا بأس بأن يشتريها منهم إذا عملوها وأحيوها فهي لهم، وقد كان رسول الله(صل الله عليه وآله) حين ظهر على خيبر وفيها اليهود خارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها ويعمرونها»(2).
هل الإحياء يفيد الملك أو الاختصاص؟
المسألة الثانية: هل إنّ إحياء الموات يوجب الملكية أو يوجب الأحقّية؟
نسب إلى المشهور الرأي الأوّل(3) وقد يستدلّ له ببعض الروايات من قبيل: صحيحة الفضلاء السبعة: زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وفضيل وبكير وحمران وعبد الرحمن بن أبي عبدالله عن أبي جعفر وأبي عبدالله(عليهما السلام) قالا: «قال رسول الله(صل الله عليه وآله): من أحيى أرضاً مواتاً فهي له»(4)، وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال رسول الله(صل الله عليه وآله): من أحيى مواتاً فهو له»(5)، وصحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «سُئل _ وأنا حاضر _ عن رجل أحيا أرضاً مواتاً فكرى فيها نهراً وبنى فيها بيوتاً وغرس نخلاً وشجراً فقال: هي له وله أجر بيوتها...»(6).
وبعض الروايات ذكرت الأحقّية كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام
(1) وسائل الشيعة، ج15، ص156، الباب71 من أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، ح2.
(2) المصدر السابق، ج25، ص416، الباب4 من کتاب إحياء الموات، ح1.
(3) راجع موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص235.
(4) وسائل الشيعة، ج25، ص412، الباب الأوّل من کتاب إحياء الموات، ح5.
(5) المصدر السابق، ح6
(6) المصدر السابق، ح8، ونحو هذه الروايات رواية السكوني بسند فيه النوفلي، وص413، الباب2 من کتاب إحياء الموات، ح1.
قال: «أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها»(1).
وعدد من الروايات جمعت بين التعبيرين، أي: التعبير بأنّها له والتعبير بأنّه أحقّ بها كصحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الشراء من أرض اليهود والنصارى فقال: ليس به بأس ... وأيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض وعملوها فهم أحقّ بها وهي لهم»(2)، وصحيحته الأُخرى: «سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض وعمروها فهم أحقّ بها وهي لهم»(3).
فهل نحمل عنوان «هي له» على معنى عنوان «أحقّ بها» أو نحمل الثاني على الأوّل؟
الصحيح هو حمل عنوان «هي له» على عنوان الأحقّية دون العكس؛ وذلك:
أوّلاً: لما ورد في صحيحتي أبي سيّار والكابلي من عنوان: «الأرض كلّها لنا» على ما وضّحناه: من أنّهما لا تُحملان على محمل عرفاني من ملكية جميع الدنيا للإمام، بل تُحملان على معنى الأنفال وعلى الملكية الشرعية المألوفين في الفقه، وعندئذٍ إمّا يقال بأنّ هذه اللهجة آبية عن التخصيص أو يقال: إنّ كلمة «كلّ» تشمل المحياة بالعموم، في حين أنّ دلالة اللام في عنوان «هي له» تدلّ على الملكية بالإطلاق، والعموم يقدّم على الإطلاق.
وثانياً: للتصريح في تلك الصحيحتين وصحيحة عمر بن يزيد بثبوت حقّ الطسق والخراج على الأراضي المحياة وحقّ الإخراج من الأرض لدى ظهور القائم(عجل الله تعالى فرجه الشريف).
وأفاد السيّد الخوئي رضوان الله عليه أنّه لا شكّ في أنّ الأرض الموات من الأنفال، فلو شككنا
(1) المصدر السابق، ص412، ح3.
(2) وسائل الشيعة، ج15، ص156، الباب71 من أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، ح2؛ وج25، ص411، الباب الأوّل من کتاب إحياء الموات، ح1، إلّا أنّه أتى بها هنا مضمرة، أي: قال: «سألته».
(3) وسائل الشيعة، ج25، ص412، الباب الأوّل من کتاب إحياء الموات، ح4، ونحوها مرسلة الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص239، باب إحياء الموات والأرضين من کتاب المعيشة، ح3876.
أنّها بالإحياء تُملَك وتخرج من كونها أنفالاً أو أنّه لا يوجد بشأنها إلّا الأحقّية والأولوية في مقابل غير المحيي وافترضنا عدم امتلاك دليل لفظي يعيّن أحَد الطرفين فالاستصحاب يقتضي عدم الملك، فلابدّ من إحراز السبب الناقل عن ملكه عليه السلام إلى ملك المحيي(1).
وجوب دفع الخراج علی غير الشيعة قبل ظهور الحجّة
المسألة الثالثة: لا إشكال في ثبوت الخراج على غير الشيعي حتّى قبل ظهور القائم عليه السلام حينما يحيي أرضاً ميتة؛ لصريح صحيحة الكابلي: «من أحيى أرضاً من المسلمين فليعمّرها وليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها»(2) وكذلك صريح صحيحة عمر بن يزيد: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: من أحيى أرضاً من المؤمنين فهي له وعليه طسقها يؤدّيه إلى الإمام» وقد قلنا: إنّ المقصود بالمؤمنين في لسان أمير المؤمنين عليه السلام مطلق المسلمين.
وهذان الإطلاقان قد خرج منهما الشيعي قبل قيام القائم بالتخصيص بصحيحة أبي سيّار وصحيحة الكابلي.
بیع الأرض المحياة
المسألة الرابعة: هل يجوز بيع الأرض المحياة لمن أحياها وعمّرها، أو لا؟
أفاد السيّد الخوئي رحمه الله: أنّ الظاهر أنّه لا إشكال في جواز بيعها رغم أنّ أرض الأنفال تبقى ملكاً للإمام عليه السلام ولا يملكها المحيي؛ وذلك لأنّ معنى بيع الأراضي الكذائية تبديل طرفي الإضافة الموجودة في البائع والمشتري بأن يكون للمشتري ما كان للبائع من الأحقّية من غيره، أي: أن يكون المشتري واجداً لتلك السلطنة التي كانت للبائع، أو قل: إنّ المبيع هو العين من جهة الحقّ، وأمّا نفس الأرض فهي باقية في
(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص236.
(1) مضت الإشارة إلى مصادرها في المسألة الثانية تحت الخطّ.
ملك الإمام(عليه السلام)(1). وقد أجاد فيما أفاد.
هل التحجير يفيد أثر الإحياء؟
المسألة الخامسة: هل إنّ التحجير ملحق بالإحياء في إيجاد الملكية أو الأحقّية؟
الظاهر أنّنا لو قلنا بأنّ الإحياء يوجب الملك لروايات «من أحيى أرضاً فهي له» فمن الواضح أنّ تلك الروايات لا تشمل التحجير.
نعم، لا يبعد القول بأنّ التحجير الذي يكون مقدّمة للإحياء يوجب في الفهم العقلائي حقّ الأولوية، فلا يجوز لشخص آخر أن يزاحمه، أمّا إذا كثر الفاصل الزمني بين التحجير والإحياء أكثر من المقدار المألوف الذي يساعد عليه العقلاء فنفس العقلاء يحكمون بسقوط هذا الحقّ.
القسم الثاني: ما كانت عامرة بالأصالة
أي: لا من معمّر كأطراف الشطوط والأنهار والآجام ونحوها ممّا تكون عامرة بالأصالة.
وقد أفاد الشيخ الأنصاري رحمه الله: الظاهر أنّها أيضاً للإمام عليه السلام وكونها من الأنفال... وعن التذكرة: الإجماع عليه(2)، وفي غيرها نفي الخلاف عنه(3)؛ لموثّقة أبان بن عثمان عن إسحاق بن عمّار المحكية عن تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام حيث عدّ من الأنفال: «كلّ أرض لا ربّ لها(4)»...»(5).
وهنا مسألة هامّة ذكرها السيّد الخوئي رحمه الله(6) وهي أنّه هل إنّ الإحياء يمكن تحقّقه
(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص237.
(2) تذکرة الفقهاء، ج19، ص367.
(3) مفتاح الکرامة، ج19، ص27؛ جواهر الکلام، ج38، ص19.
(4) وسائل الشيعة، ج9، ص532، الباب الأوّل من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح20.
(5) کتاب المكاسب، ج4، ص16
(6) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص241.
في الأرض العامرة بالأصل، كما يتحقّق في الموات بالأصل، أو لا؟
أفاد رحمه الله أنّ هذا أمر ممكن كما لو بنى بيتاً أو أجرى فيها الأنهار فتشملها أدلّة الإحياء، وعلى فرض عدم صدق الإحياء فلا إشكال في صدق عنوان التعمير؛ فإنّ جملة من النصوص ورد فيها عنوان الإحياء وعنوان التعمير كما في صحيحة محمد بن مسلم: «أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها»(1).
القسم الثالث: ما عرضت له الحياة بعد الموت
قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: «وهو ملك للمحيي، فيصير ملكاً له بالشروط المذكورة في باب الإحياء بإجماع الأُمّة كما عن المهذّب وبإجماع المسلمين كما عن التنقيح وعليه عامّة فقهاء الأمصار كما عن التذكرة، لكن ببالي من المبسوط كلام يشعر بأنّه يملك التصرّف لا نفس الرقبة، فلابدّ من الملاحظة»(2).
أقول: قد عرفت بما لا مزيد عليه في بحث القسم الأوّل أنّ إحياء الموات لا يوجب ملكية الأرض، وإنّما يوجب حقّ الأولوية في مقابل غير المحيي، فما نقله الشيخ الأنصاري عمّا بباله من كلام من المبسوط يشعر بأنّه يملك التصرّف لا نفس الرقبة هو الصحيح، وبالنسبة لغير الشيعي حينما يظهر الحجّة(عجل الله تعالى فرجه الشريف) كان له إخراجها من تلك الأرض.
هذا، وفي خصوص ما لو كان المحيي كافراً وأحيى أرضاً في دار الإسلام ذكر الشيخ الأنصاري رحمه الله: إن اعتبرنا في ذلك الإسلام كان ما أحياه باقياً على ملك الإمام(عليه السلام)(3).
أقول: قد عرفت في بحث القسم الأوّل بما لا مزيد عليه أنّ الموات بالإحياء لا يخرج من ملك الإمام(عليه السلام)، ولكن يحصل للمحيي حقّ الاختصاص ولو كان كافراً.
(1) وسائل الشيعة، ج25، ص412، الباب الأوّل من کتاب إحياء الموات، ح3، وراجع أيضاً ح4 و7، وص411، ح2، وص413، ح8.
(2) کتاب المكاسب، ج4، ص17.
(3) المصدر السابق، ص18.
القسم الرابع: ما عرض له الموت بعد العمارة
قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: «وإن كانت العمارة أصلية فهي مال الإمام(عليه السلام)، وإن كانت العمارة من معمّر ففي بقائها على ملك معمّرها أو خروجها عنه وصيرورتها ملكاً لمن عمّرها ثانياً خلاف معروف في كتاب إحياء الموات، منشؤه اختلاف الأخبار»(1).
ويشير رحمه الله _ باختلاف الأخبار _ إلى فئتين من الأخبار:
الفئة الأُولى: ما دلّت على خروجها من ملك المعمّر أو حقّه ودخولها إلى ملك المعمّر الثاني أو حقّه، من قبيل صحيحة معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: «أيّما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها وكرى أنهارها وعمّرها فإنّ عليه فيها الصدقة، فإن كانت أرض لرجل قبله فغاب عنها وتركها فأخربها ثم جاء بعد يطلبها فإنّ الأرض لله ولمن عمّرها»(2).
ونحوها صحيحة الكابلي: «..من أحيا أرضاً من المسلمين فليعمرها وليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها، فإن تركها وأخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي...»(3).
والفئة الثانية: ما دلّت على وجوب أداء المعمّر الثاني حقّ المعمّر الأوّل، من قبيل: صحيحة سليمان بن خالد(4) قال: «سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها ماذا عليه؟ قال: الصدقة، قلت:
(1) المصدر السابق، ص17 _ 18.
(2) وسائل الشيعة، ج25، ص414، الباب3 من کتاب إحياء الموات، ح1.
(3) المصدر السابق، ح2.
(4) وثّقه المفيد وقال عنه النجاشي: «كان قارئاً فقيهاً وجهاً»رجال النجاشي، ص183. وروی عنه الأزدي والبجلّي.
فإن كان يعرف صاحبها؟ قال: فليؤدّ إليه حقّه»(1).
ومثلها صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام)(2).
والوجه الصحيح للجمع بين هاتين الطائفتين هو: أنّ قوله في الصحيحتين الأخيرتين: «عن الرجل يأتي الأرض الخربة...» أعمّ من إهمال الأوّل للأرض وإعمارها، والذي عبّر عنه في الروايتين السابقتين بالإخراب، ويكون فرض الخراب من دون إخراب هو ما لو خربت الأرض وكان صاحبها غائباً فلم يصدق عنوان «أخربها»، فتقيّد الطائفة الثانية بالطائفة الأُولى أعني: الروايتين السابقتين.
أو يقال: إنّ الروايتين السابقتين حاكمتان على الروايتين الأخيرتين؛ لأنّ الأخيرتين فرضتا معرفة صاحبها فجاء الجواب بأداء حقّه إليه، والروايتان السابقتان نفيتا أن يكون الرجل الأوّل صاحبها في تقدير الإخراب والإهمال.
وقد يقال: بشأن صحيحة الكابلي _ وهي الرواية الثانية من الطائفة الأُولى _ : إنّها أخصّ من المدّعى؛ لأنّها مختصّة بما لو أخربها المحيي، ولا تشمل ما لو باعها المحيي من شخص آخر مثلاً أو وهبها له ثم أهملها الشخص الثاني وأخربها.
ولهذا المشكل حلّان:
الحلّ الأوّل: أن يقال: إنّ التفكيك بين الفرضين ليس عرفيّاً، فالعرف يستنتج من صحيحة الكابلي أيضاً حكم كلا الفرضين.
والحلّ الثاني: ما أفاده السيّد الخوئي رحمه الله من أنّ روايتي الطائفة الأُولى مثبتتان، ولا تعارض بينهما، فلا تقيّد الأُولى بالثانية، فالنتيجة في الجمع بين الطائفتين هي التفصيل بين فرض الإخراب والإهمال وفرض عدم ذلك من دون فرق بين كون المُهمِل هو نفس المحيي أو غيره(3).
(1) وسائل الشيعة، ج25، ص415، الباب3 من کتاب إحياء الموات، ح3.
(2) المصدر السابق، ص416، ذيل الحديث3.
(3) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص245 _ 246.
خراب الوقف عند إهماله
يبقى الكلام في شيء واحد وهو في موارد خراب الوقف العامّ مع إهمال المتولّي الشرعي أو الوقف الخاصّ على أحد مع إهمال الموقوف عليهم، فهل تخرج الأرض من حالتها وتكون لمن أحيى بعد ذلك بمعنى حقّ الأولوية، أو لا؟
لا يبعد القول بأنّها تخرج من حالتها؛ وذلك تمسّكاً بصحيحة الكابلي: «...فإن تركها وأخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها...»(1) وصحيحة معاوية بن وهب: «...فإن كانت أرض لرجل قبله فغاب عنها وتركها فأخربها ثم جاء بعد يطلبها فإنّ الأرض لله ولمن عمرها»(2).
والاستدلال بهاتين الروايتين على المقصود يتوقّف على إلغاء خصوصية المورد من فرض كون المُهمِل هو الشخص المحيي أو الشخص المالك وفهم الإطلاق منهما بالتعدّي إلى المتولّي الشرعي والموقوف عليهم.
نعم، لا يشمل ذلك فرض عدم الإهمال كما لو هدّمت الحكومة الغاصبة الوقف ومنعت عن إعماره.
أراضي الکفّار التي تقع بید المسلمین
بقي الكلام في أراضي الكفّار التي تقع بيد المسلمين؛ فإنّ أراضي الكفّار قد تكون في أيديهم في دار الكفر وحالها حال أراضي المسلمين في أيديهم فيحصل لهم بالإحياء الملك أو حقّ الاختصاص _ في مختارنا _ بل وكذلك لو أحيوا أرضاً في بلاد المسلمين، على ما مضى في المسألة الأُولى من المسائل التي ذكرناها في ذيل القسم الأوّل.
وأمّا أراضي الكفّار التي وقعت بيد المسلمين فهي على أقسام:
(1) وسائل الشيعة، ج25، ص415، الباب3 من کتاب إحياء الموات، ح2.
(2) المصدر السابق، ص414، ح1.
القسم الأوّل: الأرض التي أسلم الكفّار عليها طوعاً.
والقسم الثاني: الأراضي التي انجلوا عنها وخُلّيت سبيلها للمسلمين.
والقسم الثالث: الأراضي التي باد أهلها ولم يكن لهم وارث يحتوونها.
والقسم الرابع: الأراضي المفتوحة عنوة، أي: بالقهر والغلبة.
هذه هي الأقسام الموجودة في كلام الشيخ الأنصاري رحمه الله(1).
وأضاف السيّد الخوئي رحمه الله قسماً خامساً وهي الأراضي التي صالحوا عليها مع والي المسلمين، قال: وتسمّی هذه بالأراضي الصلحية تارة والخراجية أُخرى(2).
ومهمّ بحثنا في المقام هو البحث عن القسم الرابع، ولنطف طوفاً مختصراً على باقي الأقسام حتّى نتفرّغ بعد ذلك للقسم الرابع، وهي المفتوحة عنوة إن شاء الله.
القسم الأوّل: الأرض التي أسلم عليها الكفّار طوعاً.
أعني: ما عمّروها وهم كفّار ثم أسلموا عليها طوعاً. وما رأيته من النصّ في ذلك نصّان واردان في الوسائل(3):
الأوّل: ما رواه الكليني(4) عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن أحمد بن أشيم عن صفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر جميعاً قالا: «ذكرنا له الكوفة وما وضع عليها من الخراج وما سار فيها أهل بيته فقال: من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده وأُخذ منه العشر ممّا سقي بالسماء والأنهار ونصف العشر ممّا كان بالرشاء(5) فيما عمروه منها، وما لم يعمروه منها أخذه الإمام فقبّله ممّن
(1) المكاسب، ج4، ص18 _ 19.
(2) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص247.
(3) وسائل الشيعة، ج15، ص157 _ 158، الباب72 من أبواب جهاد العدوّ وما یناسبه، ح1 و2.
(4) الکافي، ج3، ص512، باب أقل ما يجب فيه الزکاة من الحرث من کتاب الزکاة، ح2.
(5) أي: بالحبل يعني ما سقي بالواسطة
يعمره، وكان للمسلمين وعلى المتقبّلين في حصصهم العشر أو نصف العشر وليس في أقلّ من خمسة أوسق شيء من الزكاة، وما أُخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول الله(صل الله عليه وآله) بخيبر...».
والثاني: ما رواه الشيخ(1) بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: «ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه السلام الخراج وما سار به أهل بیته فقال: العشر ونصف العشر على من أسلم طوعاً، تركت أرضه في يده وأُخذ منه العشر ونصف العشر فيما عمر منها، وما لم يعمر منها أخذه الوالي فقبّله ممّن يعمره، وكان للمسلمين(2)، وليس فيما كان أقلّ من خمسة أوساق شيء، وما أُخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول الله(صل الله عليه وآله) بخيبر...».
وسند الحديث الأوّل ضعيف بعليّ بن أحمد بن أشيم، أمّا الحديث الثاني فإن احتملنا كونه حديثاً آخر أو كونه نقلاً آخر لأحمد بن محمد بن أبي نصر فتارة نقله لعليّ بن أحمد بن أشيم وهو نقله لأحمد بن محمد بن عيسى، وأُخرى نقله ابتداءً لأحمد بن محمد بن عيسى، فسند الحديث الثاني تام، أمّا لو حدسنا وحدة الرواية ووحدة النقل ووحدة الإمام وحملنا الفوارق الجزئية في العبارة على كون النقل نقلاً بالمعنى فعيب السند يسري إلى الحديث الثاني؛ إذ لا نعلم هل الصحيح وجود علي بن أحمد بن أشيم في الأثناء أو عدمه.
وعلى أيّ حال فلا يؤثّر هذا على الفتوى في المقام؛ لأنّ كلا الحكمين _ المذكورين في هاتين الروايتين للأرض التي أسلم عليها أهلها طوعاً _ ثابتان في جميع أراضي المسلمين، سواء ثبتت هاتان الروايتان أو لم تثبتا، أحدهما: أنّ ما لم يعمّر من الأنفال
(1) تهذيب الأحکام، ج4، ص119، باب الخراج وعمارة الأرضين من کتاب الزکاة، ح2.
(2) يفسّر ذلك _ في مقابل ما دلّ على أنّ ما لم يعمر فهو من الأنفال _ بأنّ المسلمين بتعميرهم يملكونه أو تحصل لهم الأحقّية على بحث مضى.
وقد مضى ذلك فيما سبق، والثاني: الزكاة ونصابها ومبلغها، وهذا ما هو مبحوث في باب الزكاة.
وكلا هذين الحكمين بحثناهما في كتابنا «مباني الفتاوى في الأموال العامّة».
والقسم الثاني: الأرض التي انجلوا عنها وخلّيت سبيلها للمسلمين.
وهي من الأنفال، وقد دلّت على ذلك روايات كثيرة(1) من قبيل: صحيحة حفص بن البختري(2) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب أو قوم صالحوا أو قوم أعطوا بأيديهم...»(3)، وموثّقة سماعة: «سألته عن الأنفال؟ فقال: كلّ أرض خربة أو شيء يكون للملوك... قال: ومنها البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب»(4).
والقسم الثالث: الأراضي التي باد أهلها.
ولا إشكال في أنّ هذه من الأنفال، كما شهدت بذلك النصوص(5)، من قبيل: صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبدالله(عليه السلام): «الأنفال ما لم يوجف... وكلّ أرض خربة وبطون الأودية فهو لرسول الله(صل الله عليه وآله) وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء»(6).
وموثّقة سماعة: «سألته عن الأنفال فقال: كلّ أرض خربة أو شيء يكون للملوك...»(7).
(1) راجع وسائل الشيعة، ج9، ص523، الباب الأوّل من أبواب الأنفال وما یختص بالإمام.
(2) بفتح الباء والتاء وعلى ما ضبطه المرحوم الطريحي صاحب مجمع البحرين في كتابه ضوابط الأسماء واللواحق، ص58.
(3) وسائل الشيعة، ج9، ص523، الباب الأوّل من أبواب الأنفال وما یختص بالإمام، ح1.
(4) المصدر السابق، ص526، ح8.
(5) راجع المصدر السابق، ص523، الباب الأوّل من أبواب الأنفال وما یختص بالإمام
(6) المصدر السابق، ص523، ح1.
(7) المصدر السابق، ص526، ح8.
وموثّقة إسحاق: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الأنفال فقال: «...هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها، فهي لله وللرسول وما كان للملوك فهو للإمام...»(1).
ومرسلة حمّاد عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح(عليه السلام): «..وله بعد الخمس الأنفال، والأنفال كلّ أرض خربة قد باد أهلها...»(2) إلى غير ذلك من الروايات.
والقسم الخامس: أرض الصلح أو أرض الخراج، وهي الأراضي التي صالحوا عليها مع والي المسلمين.
وقد أفاد السيّد الخوئي رحمه الله _ على ما في التنقيح_ : «وهي تكون تابعة لكيفية المصالحة، فإن صولحوا على أن تكون الأراضي ملكاً لهم ويؤدّون الخراج كانت مملوكة لهم، وإن صولحوا على أن تكون الأراضي ملكاً للمسلمين فكذلك»(3).
أقول: إنّ جميع ما رأيته من روايات أرض الصلح إنّما دلّت على أنّ أرض الصلح للإمام ومن الأنفال، ولم تدلّ على ما يقوله السيّد الخوئي رحمه الله وهي:
1_ صحيحة حفص بن البَخْتَري عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب أو قوم صالحوا...»(4).
2_ مرسلة حمّاد: «... والأنفال كلّ أرض خربة قد باد أهلها، وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ولكن صالحوا صلحاً وأعطوا بأيديهم على غير قتال...»(5).
3_ رواية محمد بن مسلم بسند فيه سند الشيخ إلى علي بن الحسين بن فضّال: «إنّ الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم أو قوم صولحوا وأعطوا بأيديهم...»(6).
(1) المصدر السابق، ص532، ح20.
(2) المصدر السابق، ص524، ح4.
(3) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص247.
(4) وسائل الشيعة، ج9، ص523، الباب الأوّل من أبواب الأنفال وما یختص بالإمام، ح1.
(5) المصدر السابق، ص524، ح4.
(6) المصدر السابق، ص527، ح10.
4_ رواية محمد بن مسلم بسند فيه سند الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضال عن سندي بن محمد: سمعت أبا جعفر يقول: «الفيء والأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة الدماء وقوم صولحوا وأعطوا بأيديهم...»(1).
ولو فرضنا ورود رواية دلّت على أنّه يمكن جعل الأرض بالصلح للكفّار يجب حملها على مسألة الأحقّية لا الملك جمعاً بينها وبين روايتي: «الأرض كلّها لنا»(2) الآبي سياقهما عن التخصيص، فكأنّ هذا الطرز من التفكير لدى السيّد الخوئي رحمه الله نشأ من حمله لجملة «الأرض كلّها لنا» على المعنى العرفانيّ القائل بأنّ الدنيا كلّها للإمام(عليه السلام).
الأرض المفتوحة عنوة
بقي الكلام في الأراضي المفتوحة عنوةً.
وقد أفاد الشيخ الأنصاري رحمه الله: «أنّها كسائر ما لا ينقل من الغنيمة كالنخل والأشجار والبنيان للمسلمين كافّة إجماعاً على ما حكاه غير واحد كالخلاف والتذكرة وغيرهما...»(3).
وأفاد السيّد الخوئي رحمه الله: «أمّا الأراضي التي أُخذت منه بالقهر والغلبة فهي ملك للمسلمين فتوىً ونصّاً... وهي التي تسمّى بالأراضي المفتوحة عنوة»(4).
دلالة الأخبار
وبعض النصوص ما يلي:
1_ ما رواه الشيخ بإسناده عن الصفّار عن أيّوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن أبي بردة بن رجا(5) قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): كيف ترى في شراء أرض الخراج؟
(1) المصدر السابق، ص532، ح20.
(2) المصدر السابق، ص524، ح4.
(3) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص247.
(4) وسائل الشيعة، ج9، ص523، الباب الأوّل من أبواب الأنفال وما یختص بالإمام، ح1.
(5) المصدر السابق، ص524، ح4
(6) المصدر السابق، ص527، ح10.
قال: ومن يبيع ذلك وهي أرض المسلمين؟ قال: قلت: يبيعها الذي هي في يده. قال: ويصنع بخراج المسلمين ماذا؟ ثم قال: لا بأس اشترى حقّه منها ويحوّل حقّ المسلمين عليه، ولعلّه يكون أقوى عليها وأملأ بخراجهم منه»(1).
2_ صحيحة محمد الحلبي «سُئل أبو عبدالله عليه السلام عن السواد ما منزلته؟ فقال: هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ولمن لم يخلق بعد»(2).
3_ ما رواه الشيخ بسنده عن الحسين بن سعيد عن الحسن بن محبوب عن خالد ابن جرير(3) عن أبي الربيع الشامي(4) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «لا تشتر من أرض السواد شيئاً إلّا من كانت له ذمّة، فإنّما هو فيء للمسلمين»(5)، وروی الصدوق بإسناده عن أبي الربيع الشامي نحوه(6).
تعارض الروايات والجمع بینها
والمشكلة التي نواجهها في المقام هي أنّنا كيف نستطيع الجمع بين هذه الروايات وروايتي: «الأرض كلّها لنا» أعني: روايتي «أبي سيّار والكابلي» الماضيتين، فإن كانت الأرض كلّها لهم(عليهم السلام) فكيف فرضت الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين؟!
ويمكن الجمع بينهما بأحد وجوه:
الوجه الأوّل: أن نرجع إلى ما أفاده السيّد الخوئي رحمه الله من إرجاع «الأرض كلّها لنا»
(1) تهذيب الأحکام، ج4، ص146، باب الزیادات من کتاب الزکاة، ح28؛ الاستبصار، ج3، ص109، باب حکم أرض الخراج من کتاب البیوع، ح4.
(2) وسائل الشيعة، ج17، ص369، الباب21 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح4.
(3) «خالد بن جرير» روى الكشّي عن العيّاشي عن علي بن الحسن أنّه كان من بجيلة وكان صالحاً. رجال الکشي، ص346.
(4) قد روى البزنطي (علل الشرائع، ج1، ص84، الباب77، ح7) عن أبي الربيع والظاهر أنّه الشامي.
(5) وسائل الشيعة، ج17، ص369، الباب21 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح5
(6) تهذیب الأحکام، ج7، ص147، باب أحکام الأرضين من کتاب التجارات، ح2.
إلى معنى ما لا نشكّ فيه من أنّ الأرض والسماء وجميع ما خلق الله لهم سلام الله عليهم أجمعين(1)، لا على معنى الأنفال. فلعلّ هذا أحد الأُمور التي دعت السيّد الخوئي إلى تفسير «الأرض كلّها لنا» بذاك التفسير.
إلّا أنّ المشكلة الموجودة في هذا الوجه ما مضت الإشارة إليه من أنّ روايتي: «الأرض كلّها لنا» فرّعت أداء الطسق أو الخراج على أنّ الأرض كلّها لهم، وهذا يقتضي أنّ المقصود من ذلك هو أنّ الأرض كلّها من الأنفال.
الوجه الثاني: أن نجعل أحاديث كون الأرض المفتوحة عنوةً للمسلمين تخصيصاً لحديثي: «الأرض كلّها لنا» مع افتراض تباين كلّي بين معنى «الأرض كلّها لنا» ومعنى «كون الأرض المفتوحة عنوة ملكاً للمسلمين».
إلّا أنّ مشكلة هذا الوجه هي أنّ لسان حديثي: «الأرض كلّها لنا» آبٍ عن هكذا تخصيص.
هذا هو نسبة روايات كون الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين إلى روايتي: «الأرض كلّها لنا».
وهناك تعارض آخر بين روايات كون الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين وأدلّة أنّ الموات للإمام؛ وذلك بالعموم من وجه، فربّ أرض تكون مفتوحة عنوة وهي موات، وربّ أرض تكون مواتاً وليست مفتوحة عنوة، وربّ أرض تكون مفتوحة عنوة وليست مواتاً، فهذا التعارض أيضاً بحاجة إلى علاج.
الوجه الثالث: أن يقال: لا تهافت صارخ بين روايات كون المفتوحة عنوة للمسلمين وروايات كون الأرض كلّها للإمام أو روايات كون الموات للإمام، فإنّ هناك روايات تدلّ على أنّ مالكية الإمام بما هو إمام مع ملك المسلمين أمران متقاربان وأنّ أحدهما يكاد أن يكون عين الآخر، وذلك من قبيل:
(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص231.
1_ صحيحة أبي ولّاد الحنّاط الواردة في الكافي(1) بسند تام إلى أبي ولّاد قال: «سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل مسلم قتل رجلاً مسلماً، فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلّا أولياء من أهل الذمّة من قرابته. فقال: على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته الإسلام، فمن أسلم منهم فهو وليّه، يدفع القاتل إليه، فإن شاء قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية، فإن لم يسلم أحد كان الإمام وليّ أمره، فإن شاء قتل، وإن شاء أخذ الدية، فجعلها في بيت مال المسلمين؛ لأنّ جناية المقتول كانت على الإمام، فكذلك تكون ديته لإمام المسلمين. قلت: فإن عفا عنه الإمام؟ قال: فقال: إنّما هو حقّ جميع المسلمين، وإنّما على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدية، وليس له أن يعفو». ورواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب(2)، ورواه في العلل عن أبيه عن سعد عن أحمد وعبدالله ابني محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب مثله، إلّا أنّه أسقط في العلل حكم العفو من الإمام(3). وروی محمد بن الحسن(4) بإسناده عن الحسن بن محبوب مثله(5).
وأيضاً روى الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب عن أبي ولّاد قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): «في الرجل يُقتل وليس له وليّ إلّا الإمام: إنّه ليس للإمام أن يعفو، وله أن يقتل أو يأخذ الدية فيجعلها في بيت مال المسلمين؛ لأنّ جناية المقتول كانت على الإمام وكذلك تكون ديته لإمام المسلمين»(6).
ولا شكّ أنّ ميراث من لا وارث له من الأنفال ويكون للإمام، فما معنى حكمه عليه السلام
(1) الکافي، ج7، ص359، الباب9 من کتاب التجارات، ح1.
(2) من لا يحضره الفقيه، ج4، ص107، باب القود ومبلغ الدية من کتاب الديات، ح5204.
(3) علل الشرائع، ج2، ص581، باب نوادر العلل، ح15.
(4) تهذيب الأحکام، ج10، ص178، باب القضاء في اختلاف الأولياء من کتاب الدیات، ح15.
(5) وسائل الشيعة، ج29، ص124 _ 125، الباب60 من أبواب القصاص في النفس، ح1
(6) تهذيب الأحکام، ج10، ص178، باب القضاء في اختلاف الأولياء من کتاب الدیات، ح11.