691

1_ ما عن السكوني _ بسند غير تام _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام) «أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) استحلف يهودياً بالتوراة التي أُنزلت على موسى (عليه السلام)»(1).

2_ وما عن محمد بن مسلم _ بسند تام _ عن أحدهما (عليهماالسلام) قال: «سألته عن الأحكام، فقال: في كلّ دين ما يستحلفون به»(2).

3_ وما عن محمد بن قيس قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: قضى علي (عليه السلام) فيمن أستحلف أهل الكتاب بيمين صبر: أن يُستحلف بكتابه وملّته»(3).

4_ وما عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه: «أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يستحلف اليهود والنصارى بكتابهم ويستحلف المجوس ببيوت نيرانهم»(4).

وجمع السيد الخوئي بين الطائفتين بحمل النهي على التحليف بغير ما جرت عادتهم بالحلف به تقييداً لطائفة النهي بطائفة جواز تحليفهم بما يحلفون به عادةً(5)، إلا أنّ هذا الجمع لا يناسب التعليل الوارد في حديث سليمان بن خالد، بل لا يناسب جميع روايات النهي؛ فإنها ناظرة عادةً إلى ما جرت عادتهم على الحلف به، وحملُها على تحليفهم بخصوص ما لم يعتادوا في دينهم الحلفَ به ليس عرفياً.

ثم جمع بينهما _ بعد فرض التنزُّل عن الجمع الأول _ بحمل النهي على الكراهة. وهذا أيضاً لا يناسب التعليل الوارد في حديث سليمان بن خالد. ولو تمّ هذا الجمع سقط الاستدلال بروايات النهي على المقصود من عدم صحّة الحلف بغير اللّه. وهذا


(1) وسائل الشيعة، ج16، ص165، الباب 32 من كتاب الأيمان، ح4.

(2) نفس المصدر، ص166، ح7 و9، مضمراً.

(3) نفس المصدر، ص166، ح8.

(4) نفس المصدر، ص166، ح12.

(5) راجع مباني تكملة المنهاج، ج1، ص26.

692

ليس إشكالاً على السيد الخوئي؛ لأنّه لم يذكر في كتابه الاستدلال بروايات النهي عن تحليف الكتابي بغير اللّه على عدم صحّة الحلف بغير اللّه.

وذكر السيد الخوئي في مسألة جواز تحليف الكتابي بما يعتقد به في دينه: أنّه لو تعارضت الطائفتان وتساقطتا رجعنا إلى إطلاق أدلّة القضاء بالأيمان.

أقول: احتمال انصراف أدلّة القضاء بالأيمان إلى الحلف باللّه بالارتكاز موجود، وخاصّةً بعد وضوح عدم نفوذ الحلف بكلّ شيء، وهذا ليس من القرائن التي يمكن نفيها بأصالة عدم القرينة؛ بناءً على ما هو الحقّ من أنّ أصالة عدم القرينة ترجع في روحها إلى كون حذفها خيانةً تُنفى بأمانة الناقل؛ فإنّ ترك نقل الارتكاز لا يعدّ خيانةً.

ويمكن الاستدلال على اشتراط كون الحلف في القضاء باللّه برواية السكوني قال: «إذا قال الرجل: أقسمت أو حلفت فليس بشيء حتى يقول: أقسمت باللّه أو حلفت باللّه»(1)، بناءً على أنّ قوله: «ليس بشيء» ينفي _ ولو بإطلاقه _ الأثر القضائي، إلا أنّ سند الحديث ضعيف بالنوفلي.

والصحيح: أنّ الحلف في القضاء لابدّ أن يكون باللّه تعالى، والدليل على ذلك أمران:

الأول _ رواية سليمان بن خالد التامّة سنداً عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «في كتاب علي (عليه السلام): أنّ نبيّاً من الأنبياء شكا إلى ربّه فقال: يا ربّ كيف أقضي فيما لم أَرَ ولم أشهد؟ قال: فأوحى اللّه إليه: احكم بينهم بكتابي وأضفهم إلى اسمي فحلّفهم به، وقال: هذا لمن لم تقم له بيّنة»(2).


(1) وسائل الشيعة، ج16، ص142، الباب 15 من كتاب الأيمان، ح3.

(2) نفس المصدر، ج18، ص167، الباب الأول من كيفيّة الحكم، ح1.

693

والثاني _ الأصل؛ لأنّ نفوذ الحلف باللّه في القضاء لا شكّ فيه، أمّا نفوذ الحلف بغير اللّه فلو شككنا فيه كان مقتضى الأصل عدم النفوذ.

لا يقال: إنّ الأصل في طرف المنكر يقتضي جواز الحلف بغير اللّه؛ لأنّ المنكر كلامه مطابق للأصل، ومقتضى حجّية أصل المنكر على الحاكم جواز حكمه لصالح المنكر بلا تحليف أصلاً، ولكن ثبت قيد التحليف بالنصّ، وهذا القيد مردّد بين الأقلّ _ وهو مطلق التحليف _ والأكثر _ وهو التحليف باللّه _. ومن الواضح أنّه متى ما دار الأمر في المقيّد المنفصل بين الأقلّ والأكثر يقتصر على الأقلّ.

فإنّه يقال: إنّ المفهوم عرفاً من دليل تحليف المنكر أنّ الحجّة القضائية _ في غير مورد النكول على الأقلّ _ إنّما هي اليمين، أو أنّ اليمين _ على الأقلّ _ جزء الحجّة، ولم يعدّ أصل المنكر وحده حجّةً بالحجّية القضائية، واليمين الحجّة تردّد أمرها بين الحلف باللّه ومطلق الحلف، والقدر المتيقن هو الحلف باللّه، وما عداه مشكوك الحجّية والنفوذ، والأصل عدم الحجّية والنفوذ، ولم تكن اليمين مجرّد قيد للحجّية القضائية للأصل حتى ننفي القيد الزائد _ وهو خصوص الحلف باللّه _ بالإطلاق. هذا كلّه في المسلم.

وأمّا الكتابي فهو باعتبار إيمانه باللّه يكون مشمولاً لإطلاق رواية سليمان بن خالد: «أضفهم إلى اسمي، وحلّفهم به»، وكذلك الأصل الذي ذكرناه يقتضي تحليفه باللّه، وروايات تحليفه بغير اللّه قد عرفت ابتلاءها بالمعارض مع عدم تماميّة جمع عرفي.

أمّا غير الكتابي فباعتبار عدم مصونيّة دمه وماله لا تصل النوبة إلى القضاء له من قبل قاضي المسلمين في غالب الأحيان، ولكن مع ذلك قد تصل النوبة إلى القضاء في بعض الموارد:

منها: ما لو كان في أمان بتعاهد معيّن مع المسلمين في ماله ونفسه، فوقع النزاع

694

بينه وبين مسلم في مال معيّن هل هو له أو للمسلم، فتحاكما إلى قاضي المسلمين. أمّا التحاكم على مثل الجرح والقطع أو إتلاف المال مثلاً فقد يقال: لا مورد للقضاء فيه لعدم مصونيّة له بمعنى يوجب الضمان، غاية ما هناك الحرمة التكليفيّة لأكل ماله أو للجرح أو القطع لكونه في أمان، أو لافتراض أنّ إيذاءه بالجرح والقطع من قبل فرد مسلم غير جائز حتى لولا الأمان؛ لأنّ عدم مصونيّته في هذه الأمور يعني عدم ضمان الدية، لا جواز الإيذاء تكليفيّاً، ومجرّد الحرمة التكليفيّة لا تكفي موضوعاً للقضاء إلا في المال الخارجي الذي يترتّب على ملكيّة الكافر له وجوب تسليمه إليه ما دام في أمان.

ومنها: ما لو وقع النزاع بينه وبين كافر آخر مثله بناءً على أنّ هدر دمه أو ماله إنّما هو في مقابل المسلم، لا في مقابل كافر آخر مثله، وتحاكما عند قاضي المسلمين، والقاضي وإن لم يجب عليه حفظ ماله بالقضاء؛ لأنّه ليس تحت أمان المسلمين، لكن هذا لا يحرّم عليه القضاء، فرغب أن يقضي بينهما بالحقّ.

وعلى أيّ حال ففي مورد من هذا القبيل لو وصلت النوبة إلى يمين الكافر ولم يكن مؤمناً باللّه تعالى فإحلافه باللّه لا موضوع له؛ إذ لا يشكّل إحراجاً بالنسبة إليه، والمتبادر عرفاً من دليل القضاء باليمين هي اليمين التي من شأنها إحراج الحالف.

ولا يبعد القول هنا بأنّ مقتضى إطلاق دليل القضاء باليمين هو تحليفه بما يعتقد به، ولو لم يعتقد بشيء لا سبيل إلى القضاء له باليمين، وليس ذلك مشكلةً في المقام؛ لأنّ القضاء له من قبل القاضي غير واجب، ولو كان في أمان فأمانه لا يشمل القضاء له بوجه غير مشروع، فعدم إمكان إثبات حقّه يكون لتقصير منه لا من قاضي المسلمين.

695

التوكيل في الحلف والتحليف

المسألة الثانية _ مدى دخول التوكيل في الحلف أو التحليف:

لا ينبغي الإشكال في عدم قبول الحلف للتوكيل، فإنّ الأدلّة دلّت على تحليف المنكر مثلاً، وحلف الوكيل لا ينسب إلى الموكّل حقيقةً كما في الاعتباريات من قبيل البيع، حيث ينسب بيع الوكيل إلى الموكّل حقيقةً.

نعم، قد يدّعى في مثل القبض أو الإحياء دخول التوكيل فيه رغم عدم انتساب قبض الوكيل أو إحيائه إلى الموكّل حقيقةً، وذلك بدعوى قيام السيرة على ذلك، ولكن من الواضح عدم سيرة من هذا القبيل في باب الحلف.

وأمّا التوكيل في باب التحليف فإن قصد به أن يطلب الحاكم من شخص آخر توجيه الحلف إلى المنكر _ مثلاً _ أمام الحاكم، فالظاهر أنّ هذا لا إشكال فيه فإنّ التحليف وإن كان وظيفة الحاكم، لكن لا يفهم عرفاً من تحليف الحاكم عدا أن يكون الحلف موجّهاً إلى الحالف بأمر الحاكم وبسماعٍ منه ولو كان الأمر بالواسطة؛ فإنّ طلب الحاكم من غيره تحليفَ المنكر، يعني في الحقيقة طلب الحلف من المنكر من قبل الحاكم من قبيل الأمر بالأمر الذي يكون الهدف الأصلي منه طلب متعلّق الأمر، لا الأمر بالأمر الذي يكون الهدف الأصلي منه طلب ذات الأمر.

وإن قصد به توكيل أحد لتحليفه في غياب الحاكم ومن دون سماعه فالظاهر أنّ هذا لا يصدق عليه تحليف الحاكم، والقدر المتيقّن من نفوذه إنّما هو تحليف الحاكم المفهوم من قوله: «حلِّفهم به»(1)، فإنّ سماع المحلِّف مقوِّم عرفاً لما يفهم من كلمة التحليف، ولو بمناسبات الحكم والموضوع.


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص167، الباب الأول من كيفيّة الحكم، ح1.

696

تحديد متعلّق الحلف

المسألة الثالثة _ في ما هو متعلَّق الحلف:

لا إشكال في الجملة في أنّ متعلَّق الحلف هو الأمر المتنازع فيه، فالمنكر _ مثلاً _ يحلف على نفيه أو على نفي العلم به، أما لو عُلم أنّه ورّى في حلفه فلا قيمة لهذا الحلف؛ إذ المفهوم عرفاً من أدلّة تحليف المنكر _ مثلاً _ إنّما هو التحليف على نفس القضيّة المتنازع فيها كما هو واضح.

واستدلّ السيد الخوئي على سقوط الحلف لو عُلم بالتورية _ إضافةً إلى ما مضى _ بما ورد عن إسماعيل بن سعد الأشعري _ بسند تام _ عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل حلف وضميره على غير ما حلف؟ قال: اليمين على الضمير» ورواه الصدوق باسناده عن إسماعيل بن سعد وزاد: «يعني على ضمير المظلوم»(1).

وبما أنّ هذا التفسير قد يجعل الحديث دالّاً على عكس المقصود، أو على الأقلّ يجعله غير دالٍّ على المقصود حاول السيد الخوئي التخلّص منه تارةً باحتمال كون هذا التفسير من الشيخ الصدوق (رحمه الله) ولا حجّية فيه، وأُخرى بأنّ سند الصدوق إلى إسماعيل بن سعد مجهول. واستدلّ أيضاً بما عن صفوان بن يحيى _ بسند تام _ قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يحلف وضميره على غير ما حلف عليه؟ قال: «اليمين على الضمير»(2).

أقول: الظاهر أنّ الحديثين أجنبيّان عمّا نحن فيه ولا يدلّان على المقصود ولا على عكس المقصود، فإنّ عدم ذكر فرض النزاع أو المرافعة أو القضاء في الحديث يجعل


(1) وسائل الشيعة، ج16، ص149، الباب 21 من الأيمان، ح1.

(2) نفس المصدر، ص150، ح2. وكلام السيد الخوئي في المقام موجود في مباني تكملة المنهاج، ج1، ص 27 _ 28.

697

المفهوم عرفاً منه كون السؤال عن أنّ الحالف لو جرى على لسانه خطأً الحلفُ على غير ما كان يقصده، فهل ينعقد الحلف على ما كان يقصد أو على ما نطق به؟ وكان الجواب أنّه ينعقد على ما كان يقصد، أمّا فرض النزاع والمرافعة والقضاء فيعتبر بحاجة إلى مؤونة زائدة في البيان.

وأمّا تفسير ذلك في ذيل الحديث الأول بأنّه «يعني: على ضمير المظلوم»، فإن كان من الراوي وبياناً لما فهمه _ ولو بالقرينة _ من كلام الإمام (عليه السلام) فهذا يجعل الحديث أجنبيّاً عمّا نحن فيه، فلا يمكن حمله على نفي نفوذ الحلف في القضاء؛ لأنّ هذا يكون مضرّاً بالمظلوم لا في صالحه، وهذا لا يناسب لهجة: «على ضمير المظلوم»؛ فالظاهر أنّ المقصود هو أنّهما لو ترافعا إلى القاضي وظلمه صاحبه بيمين فاجرة، وورّى في يمينه كي ينجو من إثم اليمين الفاجرة، فهو لم ينج من إثمها؛ لأنّ اليمين تحسب عنداللّه على ضمير المظلوم؛ أي أنّ عليه عقاب اليمين الكاذبة على ما تنازع فيه مع المظلوم، ولو كان هو مظلوماً وترافعا عند حاكم الجور فحلف مورّياً لم يُبتلَ بإثم اليمين الفاجرة؛ لأنّ اليمين على ضمير المظلوم، فهذا نظير ما ورد عن مسعدة بن صدقة قال : «سمعت أبا عبداللّه (عليه السلام) يقول وسئل عمّا يجوز وعمّا لا يجوز من النيّة والإضمار في اليمين فقال: يجوز في موضع، ولا يجوز في آخر، فأمّا ما يجوز فإذا كان مظلوماً فما حلف به ونوى اليمين فعلى نيّته، وأمّا إذا كان ظالماً فاليمين على نيّه المظلوم»(1).

وعلى أيّ حال فلا ينبغي الإشكال في أنّ التورية لو عُلمت أوجبت عدم الاعتناء بما وقع من اليمين، وأن اليمين يجب أن تكون على المتنازع فيه.


(1) نفس المصدر، ص149، الباب 20 من الأيمان، الحديث الوحيد في الباب.

698

اليمين على نفي العلم

ولكنّ الكلام يقع في أنّ اليمين هل يجب أن تكون على نفي المتنازع فيه أو إثباته مباشرةً، أو يجوز أن تكون على نفي العلم بالواقع؟

ولا إشكال في طرف المدّعي حين تردّ عليه اليمين أنّ عليه اليمين على الواقع لا على نفي العلم، فلو قلنا بصحّة رفع الدعوى من دون جزم من قبل المدّعي، فرفع الدعوى وهو شاكّ، وقلنا بجواز ردّ المنكر اليمين عليه، يتعيّن عليه النكول، ولا يفيده الحلف على نفي العلم؛ لأنّ نفي العلم لا يثبت الحقّ له كي يحكم الحاكم لصالحه لمجرّد حلفه على نفي العلم كما هو واضح.

فالكلام إنّما يقع في طرف المنكر الذي قد يقال بأنّه يكفيه نفي العلم؛ لأنّ الأصل معه، فهل الصحيح كفاية نفي العلم والحلف عليه، أو لابدّ أن يكون الحلف على نفي الواقع، ولو كان شاكاً تعيّن عليه ردّ اليمين أو النكول، أو يفصّل بين ما لو ادّعى العلم فيحلف على نفي الواقع، أو ادّعى الشكّ فيحلف على نفي العلم؟

قد يستدلّ على اشتراط كون الحلف على نفي الواقع ببعض الروايات من قبيل:

1_ رواية محمد بن مسلم التامّة سنداً في الأخرس المشتملة على قصّة كتابة أمير المؤمنين (عليه السلام) الحلف على نفي الواقع وغَسله، وأمر الأخرس بشرب مائه، فامتنع، فألزمه الدين(1).

ويرد عليه: أوّلاً _ أنّه لعلّ الأخرس كان يدّعي الجزم بالواقع، فلا يدل الحديث _ في صورة ما لو كان المنكر مدّعياً للشكّ _ على عدم كفاية الحلف على نفي العلم وضرورة ردّه للقسم أو نكوله.


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص222، الباب 33 من كيفيّة الحكم، ح1.

699

وثانياً _ أنّه حتى في فرض دعوى المنكر الجزم لا يدل هذا الحديث على ضرورة كون الحلف على نفي الواقع، فلعلّ هذا أحد فردَيْ التخيير اختاره الإمام (عليه السلام) وكان واضحاً أنّ امتناع الأخرس المدّعي للجزم لم يكن امتناعاً عن خصوص هذا الفرد من فردَيْ التخيير، بل كان امتناعاً عن الحلف بما هو حلف، سواء تعلق بنفي الواقع أو بنفي العلم.

2_ ورواية ابن أبي يعفور التامّة سنداً أيضاً عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «إذا رضي صاحب الحقّ بيمين المنكر لحقّه فاستحلفه فحلف أن لا حقّ له قِبَلَه ذهبت اليمين بحقّ المدّعي، فلا دعوى له، قلت له: وإن كانت عليه بيّنة؟ قال: نعم، وإن أقام بعد ما استحلفه باللّه خمسين قسامة ما كان له...»(1) ، فهذه الرواية أيضاً فرضت الحلف على نفي الواقع.

ويرد عليه: أوّلاً _ أنّ هذه الرواية موضوعها فرض الجزم، فإنَّ كلمة المنكر ظاهرة في الجزم بإنكار الواقع، فلا تدل على عدم كفاية الحلف على نفي العلم من قبل غير العالم.

وثانياً _ أنّنا لا نقول بمفهوم الشرط، فالرواية لا تدل على عدم العبرة بالحلف بنفي العلم حتى بالنسبة للجازم، فإنّ الجازم بالنفي إن حلف بنفي العلم كان صادقاً.

وثالثاً _ قد يقال: إنّ الرواية غاية ما يفترض فيها دلالتها على أنّ اليمين التي تذهب بحقّ المدّعي بحيث لا يبقى له مجال لإقامة البيّنة إنّما هي اليمين على نفي الواقع، وهذا لا ينافي افتراض أنّ اليمين على نفي العلم تُجزي لحكم الحاكم وإن كان المدّعي له الحقّ بعد هذه اليمين وقبل حكم الحاكم أن يقيم البيّنة على مدّعاه، إلا أن يقال بأنّ


(1) نفس المصدر، ص179، ح1.

700

الرواية ظاهرة في الإشارة إلى اليمين التي تكون على المنكر، وتدلّ على أنّ اليمين التي تكون على المنكر لو حلّف بها سقط حقّ المدّعي، فلو دلّت الرواية أنّ ما تذهب بحقّ المدّعي إنّما هي اليمين على نفي الواقع فقد أصبحت اليمين على نفي العلم لغواً لا محالة.

3_ ورواية عبدالرحمان بن أبي عبداللّه المشتملة على قوله: «وإن كان المطلوب بالحقّ قدمات فأُقيمت عليه البيّنة، فعلى المدّعي اليمين باللّه الذي لا إله إلا هو لقد مات فلان وأنّ حقّه لعليه...»(1).

ويرد على الاستدلال بها _ مضافاً إلى ضعف السند _ أنّ هذه العبارة إنّما هي بشأن المدّعي الجازم، ولا تثبت المقصود بالنسبة للمنكر خصوصاً غير الجازم، واحتمال الفرق وارد، وقد قلنا في ما سبق: إنّ اشتراط كون حلف المدّعي على الواقع واضح، وإنّما الكلام في المنكر.

والصحيح أنّنا لسنا بحاجة إلى روايات خاصّة لإثبات أنّ اليمين على نفي الواقع، بل هذا هو مقتضى القاعدة المستفادة من روايات اليمين على المدّعى عليه(2).

وتوضيح ذلك: أنّه لو كانت الروايات بلسان: «اليمين على المنكر» لأمكن القول بأنّ هذا ظاهره هو اليمين على إنكار ما ينكر، فلو أنكر الواقع حلف على نفي الواقع، ولو أنكر العلم حلف على نفي العلم، بل قد يقال: حتى لو أنكر الواقع فهو منكر للعلم به أيضاً، فبإمكانه أن يعمل وفق هذا الإنكار الثاني، ويحلف على نفي العلم، ولكن الروايات قد وردت بلسان: «اليمين على من ادّعي عليه»، وهذا ظاهر في اليمين على نفي ما ادّعي عليه، وما ادّعي عليه هو الواقع لا العلم، فالمفروض أن يكون


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص173، الباب 4 من كيفيّة الحكم، الحديث الوحيد في الباب.

(2) راجع نفس المصدر، الباب3 من كيفيّة الحكم.

701

اليمين على نفي الواقع، ولو جهل بالواقع فعليه ردّ اليمين أو النكول.

بل وحتّى لو كانت الأدلّة بلسان: «اليمين على من أنكر»، لكنّا نستظهر منها اليمين على نفي ما ادّعي عليه من الواقع لا مجرّد نفي العلم، فإنّ الإنكار ظاهر في إنكار ما ادّعاه المدّعي.

وأيضاً دليل حصر القضاء بالبيّنة واليمين تفهم منه البيّنة على الواقع المتنازع فيه، وكذلك اليمين على الواقع المتنازع فيه.

نعم، لو طرح المدّعي دعوى علم المنكر بالحال، وأنكر المنكر ذلك، فقد يقال: إنّ علم المنكر أصبح من الواقع المتنازع فيه، فيحلف المنكر على نفي العلم.

وقد ذكر السيد الخوئي في مباني تكملة المنهاج: «أنّ المدّعى عليه لو ادّعى الجهل بالحال فإن لم يكذّبه المدّعي فليس له إحلافه سواء صدّقه أو لم يصدّقه ولم يكذّبه، فإنّ إحلافه على نفي الواقع غير معقول؛ لأنّه يدّعي الشكّ في الواقع، وإحلافه على نفي العلم أيضاً غير صحيح؛ لأنّه لا ينازعه في نفي العلم بل صدّقه في ذلك أو كان شاكّاً فيه، بينما يشترط في المدّعي الجزم وعدم الشكّ، أمّا لو كذّبه المدّعي وادّعى علمه بالحال أحلفه على عدم العلم»(1).

أقول: لم يوضّح السيد الخوئي في فرض ما إذا لم يكذّبه المدّعي في نفي علمه ولم تكن للمدّعي بيّنةٌ أنّه هل تسقط بهذا دعوى المدّعي، أو يعود الحلف عليه؟ ولماذا لا نقول بأنّ المدّعى عليه يصبح ناكلاً لو لم يردّ الحلف على المدّعي؟ ولماذا يُفترض سقوط دعواه كما هو ظاهر عبارة السيد الخوئي في مباني التكملة؟

وأمّا ما قاله من أنّ المدّعي لو ادّعى علم المدّعى عليه بالحال جاز له إحلافه


(1) مباني تكملة المنهاج، ج1، ص17.

702

على نفيه للعلم فقد يورد عليه: أنّ دعواه لعلم المدّعى عليه بالحال لا قيمة لها؛ إذ لا يترتّب عليها أثر شرعي لصالحه، وإنّما الدعوى التي لو ثبتت كان الحكم لصالحه هي دعوى واقع الدَّين _ مثلاً _ لا دعواه لعلم صاحبه بذلك، ولذا لو كان يدّعي علم صاحبه بكونه مديناً له وثبتت صحّة دعواه، ولكن كان هو جازماً بخطأ صاحبه وأنّه ليس في الواقع مديناً له، لم يثبت له شيء، وهذا يعني أنّ الدعوى المثمرة التي ينبغي طرحها أمام القضاء إنّما هي دعواه للواقع، لا دعواه لعلم صاحبه به.

وقد يجاب على ذلك بأنّ علم المدّعى عليه بالدَين _ مثلاً _ يترتّب عليه ثمر في صالح المدّعي؛ ذلك لأنّ المدّعى عليه لو كان عالماً بذلك لحرمت عليه الحيلولة بين المدّعي وبين المال، وكان عليه الأداء، وهذا _ كما ترى _ حكم في صالح المدّعي، فلو ردّ المنكر اليمين على نفي العلم، وحلف المدّعي على كون المنكر عالماً بالحال، أو نكل المنكر عن اليمين على نفي العلم وحلف المدّعي، أو حَكمنا بمجرّد نكوله، ثبت بذلك علم المنكر بالدَّين وحكم الحاكم به، وبالتالي بقيت دعوى المدّعي للدَين دعوى بلا منازع فينتهي النزاع؛ إذ على المنكر أن يسلِّم المال عملاً بما ثبت عليه من علمه بالدَين، والمدّعي _ طبعاً _ يأخذ المال لأنّه يرى نفسه مالكاً له، وليس لأحد أن ينازعه في ذلك.

لكن هذا الدفاع عن كلام السيد الخوئي غير تام، ولو تمّ لجاء نفس الكلام أيضاً فيما لو سكت المنكر أو نفى الواقع فأيضاً يقال: إنّ المدّعي قد يدّعي علم المنكر _ رغم سكوته أو نفيه للواقع _ بالدَين، فيطالبه بالحلف على عدم العلم، ولا أدري ماذا خصّ السيد الخوئي كلامه هذا بفرض دعوى المنكر الجهل بالواقع كما يظهر من عبارته في مباني التكملة؟! وعلى أي حال فهذا الدفاع عنه غير تام في نفسه، ولا يفهم عرفاً من دليل التحليف تحليفه على ما لا ينفعه أصلاً؛ إذاً فمقتضى القاعدة هو انحصار

703

الحلف الذي يوجّه إلى المدّعى عليه في الحلف على نفي الواقع، فلو شكّ المدّعى عليه في صحّة دعوى المدّعي يردّ اليمين على المدّعي أو ينكل.

هذا فيما إذا لم يخرجه شكّه عن كون الأصل في صالحه كما هو الحال فيمن ادّعي عليه الدين.

أمّا لو أخرجه شكّه عن كون الأصل في صالحه، كما لو شكّ ذو اليد في أنّ هذا المال هل أخذه من بيت المدّعي اشتباهاً أو هو له؟ وافترضنا أنّ أماريّة اليد تسقط في مثل هذه الحالة؛ إذاً يصبح مدّعي الملكية مدّعياً لا منكراً في قباله، وهذا يخرج عن باب النزاع المتعارف، فلو امتلك المدّعي البيّنة أخذ المال، وإلا انتهى الأمر إلى القرعة دون قاعدة العدل والإنصاف بناءً على اختصاص قاعدة العدل والإنصاف بفرض شكّهما معاً.

وقد يقال: إنّ المدّعى عليه لو ادّعى العلم بنفي الواقع حلف على نفي الواقع لا على نفي العلم بالواقع، وذلك تمسّكاً بمقتضى القاعدة الذي شرحناه، ولو ادّعى الشكّ وعدم العلم حلف على عدم العلم، وهذا وإن كان خلاف القاعدة لكنّنا نستفيده من النص، وهو عبارة عمّا ورد عن أبي بصير _ بسند تام _ قال: «سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن الرجل يأتي القوم، فيدّعي داراً في أيديهم، ويقيم البيّنة، ويقيم الذي في يده الدار البيّنة أنّه ورثها عن أبيه، ولا يدري كيف كان أمرها؟ قال: أكثرهم بيّنةً يستحلف وتدفع إليه...»(1) فيقال: إنّ أكثرهم بيّنةً فرض بمنزلة المنكر، ولو كان أكثرهم بينةً هو الذي بيده الدار كان هو المنكر فيستحلف. ومن الواضح أنّه لا يستحلف على نفي الواقع؛ لأنّه اعترف بأنّه لا يدري كيف كان أمرها، فهذا استحلاف على نفي العلم.


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص181، الباب 12 من كيفيّة الحكم، ح1.

704

ولو تمّ هذا الاستظهار فقد يتعدّى من مورد شكّ المدّعى عليه إلى مورد علمه بنفي الواقع فيقال: إنّ هذا النص دلّ على كفاية دعوى نفي العلم والحلف عليه، واحتمال كون واقع علمه بالحال _ ولو لم يدّع العلم _ مانعاً عن كفاية الحلف على نفي العلم بصحّة ما يقوله المدّعي غير عرفي، فإنّ المقياس في باب القضاء يدور عادةً على مقدار الدعاوي، وبإمكان أحدهما أن يقتصر في دعواه على أقلّ ممّا هو يعلم به، فإذا كان واقع العلم بالحال لا يمنع عن كفاية الحلف على نفي العلم بصحّة ما يقوله المدّعي، ففرض كون إبراز هذا العلم مانعاً عن ذلك بعيد أيضاً عن الفهم العرفي، فإنّ من ادّعى شيئاً بإمكانه أن يتنازل بعد ذلك عن جزء من دعواه، ويستبقي للمرافعة جزءاً من الدعوى؛ إذاً فبإمكان هذا الرجل أن يغضّ النظر عن علمه بالواقع ويقتصر على الحلف على نفي علمه بصحّة كلام المدّعي.

نعم، قد يقال: إنّ الحلف على نفي العلم لا يسقط حقّ المدّعي في إقامة البيّنة قبل حكم الحاكم؛ لأنّ الدليل الذي دلّ على اسقاط حلف المدّعى عليه لحقّ المدّعي في إقامة البيّنة، إنّما دلّ على ذلك في الحلف على نفي الواقع، وهو ما مضى قبل صفحات عن ابن أبي يعفور، ولكن مضى هناك: أنّه قد يدّعى أنّ الرواية تشير إلى اليمين التي تكون على المنكر، فلو ثبت أنّ المنكر يجوز له الاكتفاء باليمين على نفي العلم كانت هذه اليمين في جميع الأحكام كاليمين على نفي الواقع.

وعلى أيّ حال فأصل ما ذكرناه من الاستدلال بحديث أبي بصير على كفاية الحلف على نفي العلم غير صحيح بالنسبة للشاكّ فضلاً عن مدّعي العلم بالواقع، وذلك لأنّ الظاهر من حديث أبي بصير _ كما مضى سابقاً في بحث بيّنة المنكر _ أنّه نُزّل المتنازعان في مورد الحديث منزلة المتداعيين، وجعل الحلف في باب المتداعيين على أكثرهما بيّنةً، فكأنّ المدّعي الذي يمتلك بيّنةً أكثر يكون قوله مطابقاً للدليل

705

فعليه الحلف كالمنكر، وهو طبعاً يحلف على ما يدّعيه، والذي يدّعيه من بيده الدار في مورد الحديث هو أنّه ورثه من أبيه، والظاهر من الحديث هو حلفه على إرثه من أبيه، ولا علاقة له بالحلف على نفي العلم، فالرواية أجنبيّة عن المقام.

وقد تحصّل من كل ما ذكرناه: أنّ الحلف من قبل المنكر إنّما يكون على نفي الواقع، لا على نفي العلم، وأنّه لو جهل بالواقع لم يكن أمامه عدا ردّ الحلف على المدّعي أو النكول.

نعم، لو أبرأ المدّعي ذمّة المنكر على تقدير عدم كونه عالماً أصبح حلف المنكر على عدم العلم هنا أمراً معقولاً، فلو ادّعى المدّعي أن المنكر عالم بالدَّين كان له تحليفه على عدم العلم، ونفي العلم هذا مساوق لنفي الدَّين؛ إذ على تقدير عدم العلم قد أصبح غير مدين، ولا فرق في ذلك بين فرض جهل المنكر وفرض علمه بالخلاف، فما دام المدّعي يدّعي علمه بالدَّين _ وأنّ الإبراء لم يؤثّر لانتفاء موضوعه _ صحّ له تحليفه على نفي العلم. أمّا إذا كان المدّعي شاكّاً في علم المنكر وجهله فلا مورد لتحليفه إيّاه.

نعم، لو فرض أنّه بدلاً عن الإبراء المقيّد بفرض عدم العلم توافق مع المنكر على أنّه لو حلف على عدم العلم أبرأ ذمّته، فحلف على ذلك، ووفى المدّعي بالشرط فأبرأ ذمّته، فهذا يصحّ حتى مع فرض شكّ المدّعي في علم المنكر، إلا أنّ هذا خارج عن باب القضاء، ويكون من قبيل ما لو توافقا على إطعام المنكر للمدّعي وجبةً من الطعام لقاء إبرائه إيّاه مثلاً.

بقي الكلام في افتراض حلف المنكر _ في فرض الجهل _ على نفي الواقع اعتماداً على ما لديه من حكم ظاهري، فهل يجوز له ذلك، ويكفي لحكم القاضي لصالحه أو لا؟

706

لا إشكال في أنّ مقتضى القاعدة حرمة الحلف على نفي الواقع لدى الجهل به، بل مقتضى القاعدة حرمة نفس الإخبار عن نفي الواقع بلا حلف لدى الجهل به؛ لأنّ الإخبار عن شيء إخبار عن العلم به، وهو كذب. مضافاً إلى النصوص الناهية عن الحلف بغير العلم(1)، ولكن قد يتصوّر جواز الحلف على نفي الواقع اعتماداً على الظاهر بدعوى قيام الأمارة أو الأصل مقام العلم الموضوعي.

وهنا لا نقصد البحث عن مدى صحّة قيام الأمارة أو الأصل مقام القطع الموضوعي، ولكنّنا نقول: لو صحّ ذلك فهذا إنّما يعني رفع الحرمة التكليفيّة عن الحلف على نفي الواقع اعتماداً على الظاهر، وهو أجنبي عمّا نحن فيه، فإنّ المقصود فيما نحن فيه هو أنّ الحلف على نفي الواقع اعتماداً على الظاهر الذي جعل المنكر منكراً هل له قيمة أزيد من نفس ذاك الدليل الظاهري الذي يعرفه القاضي قبل أن يحلف المنكر أو ليست له في نظام القضاء قيمة إضافيّة، وإنّما المنكر يستفيد من جهل القاضي بالحال فيعمّي عليه ويخيّل له أنّ هذا حلف على نفي الواقع اعتماداً على العلم لا اعتماداً على الأصل أو الأمارة؟ وحينما يطرح السؤال بهذا الشكل فالجواب واضح؛ إذ ليس المفهوم عرفاً من دليل الحلف أن تكون له قيمة إضافيّة على نفس الحكم الظاهري الذي يعرفه القاضي قبل حلف المنكر، أمّا التعمية عليه وحرف القضاء عن مسيره الأصلي فهو حرام طبعاً.

وما قد يتخيّل من دلالة بعض الروايات على صحّة الحلف على نفي الواقع اعتماداً على الظاهر أو على الأمارة غير تام، وذلك من قبيل رواية أبي بصير الواردة في من ورث الدار من أبيه ولا يدري كيف كان أمرها حيث تقول: «أكثرهم بيّنةً


(1) راجع وسائل الشيعة، ج16، ص150، الباب 22 من الأيمان.

707

يستحلف»(1)، فقد يحمل ذلك على حلفه على الواقع اعتماداً على الدلالة الظاهريّة ليد أبيه.

ولكن من الواضح لمن يراجع الرواية أنّ المقصود هو الحلف على الإرث بمعناه الثابت له بالعلم واليقين، وهو حلف معتمد على العلم لا على الحكم الظاهري.

ومن قبيل رواية حفص بن غياث عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «قال له رجل: إذا رأيت شيئاً في يدي رجل يجوز لي أن أشهد أنّه له؟ قال: نعم، قال الرجل: أشهد أنّه في يده ولا أشهد أنّه له، فلعلّه لغيره؟ فقال أبو عبداللّه (عليه السلام): أَفيحلُّ الشراء منه؟ قال: نعم، فقال أبو عبداللّه (عليه السلام): فلعلّه لغيره، فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكاً لك، ثم تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك؟! ثم قال أبو عبداللّه (عليه السلام): لو لم يجز هذا لم يقم للسملين سوق»(2).

وقد مضى البحث عن سند الحديث لدى البحث عن الشهادة اعتماداً على الظاهر، فراجع. كما أنّه يعرف من بحثنا هناك مدى تماميّة دلالة الحديث أيضاً، فالحديث إنّما دلّ على الحلف على الحكم الظاهري وهو معلوم لديه، فهو حلف معتمد على العلم لا على الظاهر، وليس المقصود به الحلف على الملكيّة الواقعيّة اعتماداً على الظاهر، لأنّ الإمام (عليه السلام) بصدد الاحتجاج مع السائل استشهد بجواز الحلف، والمفروض في الاستشهاد إنّما هو الاستشهاد بشيء واضح مسبقاً، والشيء الواضح مسبقاً في المثال المذكور في الحديث إنّما هو الحلف على الملكيّة الظاهريّة،


(1) نفس المصدر، ج18، ص181، الباب 12 من كيفيّة الحكم، ح1.

(2) نفس المصدر، ص215، الباب 25 من كيفيّة الحكم، ح2.

708

أمّا الحلف على الملكيّة الواقعيّة لقيام الأمارة مقام القطع الموضوعى مثلاً فليس أمراً واضحاً صالحاً للاستشهاد به في المقام من قبل الإمام (عليه السلام) في احتجاجه مع حفص بن غياث، ويشهد لذلك قوله (عليه السلام): «لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق»، فإنّ الذي أقام سوق المسلمين إنّما هو الملكية الظاهرية لا الملكية الواقعية.

ولا بأس بأن نشير في نهاية هذا البحث إلى ما قد يفترض من استثناء مما قلناه _ من أنّ الحلف يجب أن يكون حلفاً على نفي الواقع _ وهو ما إذا كان المدعي مدّعياً لغيره كاليتيم لا لنفسه، فعندئذٍ يمكن أن يقال: إنّ النزاع على الواقع لا معنى له؛ لأنّ المدّعي أجنبي عن الواقع؛ إذ ليس الحقّ حقّه حسب الفرض، ورفعه للشكوى إلى الحاكم على المنكر ليس إلا من قبيل رفع الشكوى على أيّ عاصٍ إلى الحاكم بدافع الحيلولة بينه وبين المعصية على ما هو وظيفة كل مسلم، والمعصية متقوِّمة بالعلم. إذاً فالنزاع يكون على العلم وعدمه، فإذا حلف المنكر على نفي العلم ثبت عدم كونه عاصياً، وانتهت الشكوى.

والجواب: أنّ هذا المدّعي إن كان وليّاً للمدّعى له أو وصيّاً له كانت عليه متابعة أمر المولّى عليه أو الموصي مثلاً؛ إذاً ليس أجنبيّاً عن الواقع، وله متابعة الواقع، فتكون الشكوى على الواقع، لا على علم المنكر به، وإلا فمجرد رفع تقرير عن معصية شخص إلى الحاكم ليس مرافعةً بالمعنى المألوف الذي يكون الحكم فيه بالبيّنة واليمين، ولا مبرِّر لتحليف المنكر أصلاً، وإنّما يثبت الجرم عليه بإقراره أو بالبيّنة أو بعلم الحاكم مثلاً، أمّا نكوله عن الحلف أو حلف المدّعي بعد نكوله أو ردّه لليمين فلا قيمة له كما هو واضح.

709

الشاهد الواحد مع اليمين

البحث الرابع _ متى يكفي الشاهد الواحد مع اليمين؟

قد ورد الاكتفاء بشاهد واحد مع يمين المدّعي في حقوق الناس مطلقاً أو في الجملة، أمّا في حقوق اللّه فلم يرد دليل على ذلك، بل ورد ما يدل على خلافه(1).

ويقع الكلام في أنّ كفاية الشاهد ويمين المدّعي هل تكون في مطلق حقوق الناس، أو في الأموال كما نسب إلى المشهور وادّعي عليه الإجماع، أو في خصوص الدين؟

هناك روايات تدل على ثبوت هذا الحكم في مطلق حقوق الناس، أصرحها دلالةً ما عن محمد بن مسلم _ بسند تام _ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لو كان الأمر إلينا أجزنا شهادة الرجل الواحد إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس، فأمّا ما كان من حقوق اللّه (عزوجل) أو رؤية الهلال فلا»(2). وهناك روايات أُخرى تامّة دلالةً وبعضها تام سنداً(3).

وهناك روايات خاصّة بباب الدين من دون أن يكون لها مفهوم حتى تقيّد تلك الروايات من قبيل: ما عن محمد بن مسلم _ بسند تام _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «كان رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) يجيز في الدين شهادة رجل واحد ويمين صاحب الدين، ولم يجز في الهلال إلا شاهدي عدل»(4). وغيره من الروايات(5).


(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص195، الباب 25 من كيفيّة الحكم، ح12.

(2) نفس المصدر، ص195، الباب 25 من كيفيّة الحكم، ح12.

(3) راجع نفس المصدر، الباب 14 و15 من كيفيّة الحكم.

(4) نفس المصدر، ص193، الباب 14 من كيفيّة الحكم، ح1.

(5) راجع نفس المصدر، الباب 14 و15 من كيفيّة الحكم.

710

وهناك ما قد يستفاد منه تخصيص الحكم بالدين من قبيل: ما عن أبي بصير _ بسند تام _: قال: «سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن الرجل يكون له عند الرجل الحقّ وله شاهد واحد؟ قال: فقال: كان رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) يقضي بشاهد واحد ويمين صاحب الحقّ، وذلك في الدين»(1)، فقد يفهم من قوله: «وذلك في الدين» تخصيص الحكم بباب الدين.

وما عن القاسم بن سليمان _ ولم تثبت وثاقته _ قال: «سمعت أبا عبداللّه (عليه السلام) يقول: قضى رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) بشهادة رجل مع يمين الطالب في الدين وحده»(2).

وقد أورد السيد الخوئي على ما نسب إلى المشهور _ من كون الحكم بشاهد ويمين المدّعي في باب الأموال _ بأنّه لو قيّد المطلق بالمقيّد _ وهو الدالّ على اختصاص الحكم بالدين _ اتّجه القول باختصاص الحكم بالدَين لا مطلق الأموال، ولو عُمل بالمطلقات وأُبقي الإطلاق على حاله اتّجه القول بثبوت الحكم في مطلق حقوق الناس، فعلى أيّ تقدير لا مبرّر لمقالة المشهور من كون الحكم في باب الأموال دون خصوص الدَين، ودون مطلق حقوق الناس.

أقول: بإمكان المشهور أن يأخذوا بجانب المقيّد فيقيّدوا بذلك إطلاق المطلقات ويتوسّعوا من الدَين إلى مطلق الأموال بقرينة رواية عبدالرحمان بن الحجّاج الواردة في قصّة درع طلحة(3). فتكون هذه الرواية قرينةً على أنّ المنظور من الدَين في روايات الدَين هو الدَين بما هو مال. أمّا ما قد يقال: من أنّ إشكال علي (عليه السلام) على شريح بقبول رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) شاهداً واحداً مع اليمين ليس إشكالاً عليه بلحاظ


(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص193، الباب 14 من كيفيّة الحكم، ح5.

(2) نفس المصدر، ص195، الباب 14 من كيفيّة الحكم، ح10.

(3) نفس المصدر، ص194، ح6.

711

المورد وهو قصة الدرع، وإنّما هو إشكال عليه بلحاظ ما ادّعاه من أنّه لا يُقضى بشاهد واحد وإن كان عمله في المورد صحيحاً، فهو خلاف الظاهر.

وبالإمكان أن يقال أيضاً _ دفاعاً عن المشهور بعد فرض العمل بالمقيّد _: إنّ العرف يتعدّى من الدَين إلى سائر الأموال؛ لعدم تعقُّل العرف الفرق، اللّهم إلا أن يقال: إنّ احتمال الفرق موجود ولو من باب أنّ إقامة البيّنة في الأعيان الخارجيّة أسهل منها في الدَين ما لم يتقيَّد المُقرض بالإقراض أمام البيّنة.

وبالإمكان أن يقال أيضاً دفاعاً عن المشهور بعد فرض العمل بالمقيَّد: إنّ عمدة الروايات المقيِّدة هي ما مضى من رواية أبي بصير عن أبي عبداللّه عن الرجل يكون له عند الرجل الحقّ وله شاهد واحد، قال: «فقال: كان رسول اللّه (عليه السلام) يقضي بشاهد واحد ويمين صاحب الحقّ، وذلك في الدين»، ولكنّنا نحمل قوله: «وذلك في الدين» على الإشارة إلى الواقعة الخارجيّة، وأنّ ما صدر من رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) كان في الدين، أمّا أنّه هل كان ذلك في الدين لأنّه دين، أو كان ذلك في الدين لأنّه مال، أو لأنّه حقّ من حقوق الناس؟ فالظاهر هو الثاني، وذلك لأنّ السؤال كان عن الثاني قال: «عن الرجل يكون له عند الرجل الحقّ» وكلمة «عند الرجل» تعطي عرفاً معنى المال الذي يقبل أن يكون عند أحد لا مثل حقّ الزوجيّة أو حقّ الأُبوّة والبُنوّة أو غير ذلك، ولو كانت العبارة: (يكون له على الرجل الحقّ) لاختصّت بالدين، ولكن بما أنّها عبّرت بكلمة (عند) فهي تشمل مطلق المال، ومقتضى أصالة تطابق السؤال والجواب أن يحمل قوله (عليه السلام): «وذلك في الدين» على أنّ النظر إلى الدين بما هو مال من الأموال؛ إذاً المقيّد أنّما قصد به مطلق الحقّ المالي، وهذا يطابق رأي المشهور.

إلا أنّ هذا يمكن الإيراد عليه بأنّ تفسير قوله (عليه السلام): «وذلك في الدين» بالنظر إلی خصوص الدين كدين لا يعني عدم مطابقة الجواب للسؤال، فصحيح أنّ السؤال

712

كان عن مطلق المال، ولكن أيّ عيب في أن يفترض أنّ الجواب خصّص نفوذ شاهد واحد مع اليمين بالدَين؟! فإنّ هذا يعني التفصيل بين باب الدين وغيره، وأنّه في باب الدين يكفي شاهد واحد ويمين، وفي سائر الحقوق الماليّة لا يكفي ذلك، وهذا جواب مطابق للسؤال تماماً.

وبالإمكان أن يقال أيضاً دفاعاً عن المشهور: إنّه لا دليل أصلاً على تقييد المطلقات بخصوص الدين، فعمدة روايات التقييد _ وهي رواية أبي بصير التي بحثناها الآن _ لا تدل على التقييد بذلك؛ إذ كما نحتمل أن يكون قوله (عليه السلام): «وذلك في الدين» بمعنى تقييد الحكم بالدين، كذلك نحتمل أن يكون إشارةً إلى الواقعة الخارجيّة، لا لكي يطابق الجواب السؤال حتى يرد عليه ما ذكرناه، بل لأنّ نفس قوله (عليه السلام): «وذلك في الدين» بحدّ ذاته ليس له ظهور في التقييد، فكونه إشارةً إلى الواقعة الخارجيّة معقول؛ أي: إنّ ما صدر من رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) كان في الدين ولو صدفةً. نعم، لا شك أنّ إلفات النظر _ بعد أن بيّن حكم رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) _ إلى كون ذلك في الدَين يفيد أنّ هذا الحكم غير ثابت في مطلق حقوق الناس، وإلا لم تكن هناك نكتة للاهتمام بإلفات النظر إلى كون حكم الرسول (صلى الله عليه و آله) في خصوص الدين، ولكن يكفي تجاوباً مع هذه النكتة فرض عدم ثبوت هذا الحكم في غير باب الأموال. والجواب: أنّ التعبير في الرواية لو كان بلسان «قضى رسول اللّه (صلى الله عليه و آله)» كان حمله على الإشارة إلى الواقعة الخارجيّة معقولاً _ أي: لم يكن خلاف الظاهر _ ولكن بما أنّه عبّرت الرواية بعبارة: «كان رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) يقضي» فحمله على القضيّة الخارجية غير عرفي، فالظاهر إرادة بيان حكم عام على نهج القضيّة الحقيقية مع تخصيصه بباب الدَين.

وبالإمكان أيضاً الدفاع عن المشهور بعد فرض الأخذ بالمطلقات دون المقيِّدات بدعوى انصراف حقوق الناس إلى الحقّ المالي، أمّا الحقّ غير المالي كالزوجيّة

713

والأُمومة والبُنوّة والأُبوّة وما شابه ذلك فهي أشبه بالحكم الشرعي من الحقّ، أمّا الحقّ فمنصرف إلى المال.

ويرد عليه _ بعد منع هذا الانصراف _: أنّه لو تمّ لم يتمّ في مثل حقّ القصاص، فهو حقّ كحقّ المال، ولا يشبه الحكم.

ويتأكدّ منع الانصراف فيما مضى من حديث محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «لو كان الأمر إلينا أجزنا شهادة الرجل الواحد إذا علم منه الخير مع يمين الخصم في حقوق الناس، فأمّا ما كان من حقوق اللّه (عزوجل) أو رؤية الهلال فلا»، فإنّ ما فيه من فرض المقابلة بين حقوق الناس وحقوق اللّه يبعّد فرض الانصراف إلى خصوص الحقّ المالي، بل الظاهر هو النظر إلى كلّ ما هو في مقابل حقوق اللّه؛ أي حقّ الناس بمعناه العام، فمقتضى إطلاقه ثبوت الحكم في جميع حقوق الناس عدا القصاص في القتل الذي يكون لثبوته نظامه الخاص به، وقد بحثناه فيما سبق.

والصحيح: أنّ المطلقات دلالتها تامّة على إطلاق الحكم، وأنّ رواية أبي بصير تقيّدها بخصوص الدين، وأنّنا نتعدّى من الدين إلى العين الخارجيّة بقرينة رواية عبدالرحمان بن الحجّاج الواردة في قصّة درع طلحة، فيكون النظر في الدين إلى الدين بما هو مال. وبهذا تتم فتوى المشهور.

إلا أنّ السيد الخوئي اختار أنّ الحكم مطلق يشمل جميع حقوق الناس. وأجاب عن المقيَّد للإطلاق بأنّنا نحمله على أنّ قضاء رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) كان صدفةً في الدين، لا أنّ الحكم خاصّ بالدين، والقرينة على هذا الحمل حديث محمد بن مسلم الصريح في ثبوت مطلق حقوق الناس بشاهد ويمين(1).


(1) راجع مباني تكملة المنهاج، ج1، ص35.

714

أقول: لعلّه افترض صراحته في ذلك من جهة ما فيه من المقابلة بين حقوق الناس وحقوق اللّه، ولكن الواقع أنّ دلالة حديث محمد بن مسلم رغم تلك المقابلة لا تعدو الإطلاق القابل للتقييد، فالمفروض تقديم المقيّد عليه.

وفي الختام لا بأس بالإشارة إلى بعض الفروع:

يمين المدّعي لغيره

الفرع الأول _ لو أنّ المدّعي لم يكن يدّعي لنفسه، بل كان يدّعي للمولّى عليه بحكم ولايته، فقد نسب إلى المشهور: أنّه ليس لوليّه الحلف بل يؤجّل الحكم إلى حين رشد المولّى عليه إن أمكن ذلك، فهو الذي يتولّى الحلف فيأخذ الحقّ أو لا يحلف فلا يكفيه الشاهد الواحد.

ويمكن الاستدلال على هذا الرأي بأحد وجوه:

الأول _ ما مضى في بحث سابق من دعوى أنّ غير صاحب الحقّ لا معنى لتحليفه.

وقد مضى الإيراد عليه بأنّه لو لم يكن له حقّ الدعوى فلا دعوى في المقام، وإنّما هو بذاته يصلح كشاهد واحد إن كان عدلاً، وبضمّ شاهد آخر إليه يثبت ما شهدا به، وإن قلنا: إنّ الولي له حقّ رفع الدعوى بالولاية وكان جازماً بصحّة دعواه فلا مبرّر لعدم قبول يمينه.

والثاني _ أنّ ما ورد في روايات الباب(1) من عنوان صاحب الدين أو صاحب الحقّ لا يشمل الولي؛ لأنّ صاحب الدين أو الحقّ غيره، بل وكذلك عنوان طالب الدين أو الحقّ بناءً على أنّ المفهوم منه عرفاً هو صاحب الدين أو الحقّ.


(1) راجع وسائل الشيعة، ج18، الباب 14 و15 من كيفيّة الحكم.

715

والجواب: أنّ هناك عناوين أُخرى واردةً أيضاً في تلك الروايات تشمل بإطلاقها كلَّ مدّعٍ _ وإن كان وليّاً للمدّعى له _ من قبيل عنوان المدّعي الوارد في رواية حمّاد بن عثمان التامّة سنداً(1)، وفي أحاديث أُخرى غير تامّة سنداً(2). وعنوان الخصم الوارد فيما مضى من حديث محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام).

على أنّنا لو خلّينا وعنوان صاحب الدَين أو صاحب الحقّ لم يبعد القول بأنّ العرف يتعدّى إلى كلّ من له حقّ رفع الدعوى، ولا يرى خصوصيّة في كون الحقّ له لا لغيره، وإنّما المقياس كونه خصماً ومدّعياً.

والثالث _ أن يقال: إنّ المدّعي الحقيقي ليس هو الولي، وإنّما هو رافع الشكوى بالنيابة عن المولّى عليه، ورفع الشكوى من قبل الولي بالنيابة عن المولّى عليه مقبول عرفاً، وإقامة البيّنة من قبله _ رغم أنّه ليس هو المدّعي حقيقة _ لا ضير فيها؛ لأنّ البيّنة حجّة على أيّ حال ولو كانت تبرّعية كما مضى بحثه فيما سبق. أمّا اليمين بالنيابة فلا معنى لها عرفاً، والسرّ في عدم قبول اليمين النيابة عرفاً أنّ اليمين لا يقصد بها التأكّد من الواقع مباشرةً، بل يقصد بها التأكّد من كون كلام المتكلّم باعتقاد الصدق، ويكون هذا أمارةً على الواقع، ومن المعلوم أنّ الولي يحلف على صدقه هو، ولا يعقل حلفه بهذا المعنى على صدق شخص آخر، وخاصّةً أنّ ذاك الشخص الآخر لم يتكلّم أصلاً بكلام حتى يفرض صادقاً أو كاذباً، فالولي لو حلف فإنّما يحلف عن نفسه _ لا عن المولّى عليه _ في حين أنّه ليس مدّعياً.

وإن شئت فافرض هذا تعميقاً للوجه الأول.


(1) نفس المصدر، ص195، الباب 14 من أبواب كيفيّة الحكم، ح11.

(2) راجع نفس المصدر، الباب 14،ح3 و18، والباب 15 من كيفيّة الحكم، ح2.