105

الإمام عليّ بن الحسين(عليهما السلام)في نفس اليوم. وسيأتي نصّ الدعائينفي آخر هذا الكتاب إن شاء الله .

ومن المأثور أن يقول: «اللّهمّ ربَّ المشاعِرِ كُلِّها، فُكَّ رَقَبتي من النَّارِ، وأوسِعْ عليَّ مِنْ رِزْقكَ الحَلالِ، وادْرَأ عنِّي شرَّ فَسَقَةِ الجنِّ والإنس. اللّهمّ، لا تمكُرْ بي، ولا تَخْدَعْنِي، ولا تَسْتَدرِجْني». ويقول: «اللّهمّ، إنّي أسألُكَ بِحَوْلِكَ وَجودِكَ وَكَرَمِكَ وَمَنِّكَ وَفَضْلِكَ يا أسمَعَ السامِعين ويا أبصرَ الناظِرين ويا أسرَعَ الحاسبين وَيا أرْحَم الرّاحمين، أسألُكَ أنْ تُصَلّي على مُحَمَّد وَآلِ مُحَمّد» ثُمّ يطلب حاجته.

ومن المأثور ـ أيضاً ـ أن يقول وهو رافع يديه إلى السماء: «اللّهمّ، حاجَتي إلَيْكَ الّتِي إنْ أعطَيْتَنِيها لم يَضُرَّنِي ما مَنَعْتَني، وَالتي إنْ مَنَعْتَنيها لم يَنْفَعني ما أعطَيْتَني، أسأ لُكَ خَلاصَ رَقَبتِي مِن النّارِ».

وتقول: «اللّهمّ، إنّي عَبدُك ومِلْكُ يَدِكَ، ناصِيَتي بيَدِك، وأجَلي بِعِلْمِكَ، أسألك أنْ تُوفّقَنِي لِما يُرضِيكَ عَنِّي، وَأنْ تُسلّم مِنِّي مَناسِكي الّتي أرَيْتَها خَلِيلَكَ إبْراهِيم(عليه السلام)، وَدَللتَ عَلَيها نَبِيَّكَ محمّداً صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه».

وتقول: «اللّهُمّ، اجْعَلْني ممّن رَضيتَ عَمَلَهُ، وأَطلْتَ عُمْرَه، وأحييتَهُ بَعْدَ الموتِ حَياةً طَيّبةً».

وكما ينبغي أن يدعو الإنسان في ذلك الموقف الشريف لنفسه كذلك يحسن به أن يدعو لإخوانه، فقد جاء في الرواية عن إبراهيم بن هاشم قال: «رأيت في الموقف عبدالله بن جندب ـ أحد ثقات الإمامين

106

الكاظم والرضا(عليهما السلام) ـ مادّاً يده إلى السماء ودموعه تسيل على خدّيه حتّى تبلغ الأرض، فلمّا انصرف الناس قلت: يا أبا محمّد، ما رأيت موقفاً قطّ أحسن من موقفك. فقال: والله ما دعوت إلّا لإخواني؛ وذلك لأنّ أبا الحسن موسى بن جعفر(عليهما السلام) أخبرني أنّه من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش: ولك مئة ألف ضعف مثله، فكرهت أن أدع مئة ألف ضعف مضمونة لواحدة لا أدري تُستجاب أم لا».

وإذا اقترب المغرب استحبّ للحاجّ أن يدعو بهذا الدعاء:

«اللّهمّ، إنّي أعُوذُ بِكَ من الفَقرِ، ومِنْ تَشتُّتِ الأمرِ، ومِنْ شرِّ ما يحدثُ بالليل والنّهار، أَمْسَى ظُلمي مُسْتَجِيراً بعفوك، وأمْسَى خَوفِي مُستَجيراً بأمانِكَ، وأمْسَى ذُلّي مُستَجيراً بعزّكَ، وأمْسَى وَجْهِي الفانِي البالِي مُسْتَجِيراً بِوجْهِك الباقِي، يا خَيرَ مَن سُئِل ويا أجودَ من أعطى، جلّلْني بِرَحمَتِك، وألبِسْني عافِيَتَكَ، واصرِفْ عنّي شرَّ جَمِيعِ خَلْقِكَ».

وإذا غربت الشمس دعا بهذا:

«اللّهمّ، لا تَجْعَلْهُ آخِرَ العَهْدِ مِن هذا الموقِفِ، وارزُقْنِيهِ مِنْ قابل أبَداً ما أبقَيتَني، وأقلبني اليومَ مُفْلِحاً مُنْجِحاً مُسْتَجاباً لي مَرحُوماً مَغْفُوراً لي بأفْضَلِ ما يَنْقَلِبُ بِهِ الْيومَ أحدٌ من وَفْدِك وحُجّاجِ بَيتِكَ الحَرامِ، واجْعلْني اليومَ مِنْ أكرَمِ وَفْدِكَ عليكَ، وأعطِني أفْضَلَ ما أعْطَيتَ أحداً مِنْهُم مِن الخَيرِ والبَرَكَةِ والرّحْمَةِ والرّضْوانِ والمغْفرةِ، وبارِكْ لِي فِيما أرجِعُ إليه مِن أهل أو مَال أو قَليل أو كَثير، وبارِكْ لَهُم فِيّ».

107

 

 

الوقوف بالمشعر (المزدلفة)

 

114 ـ وهذا هو الواجب الثالث من واجبات حجّ التمتّع. يجب على الحاجّ الوقوف بالمزدلفة بعد الإفاضة من عرفات، أي: الخروج منها عند الغروب متّجهاً نحو المزدلفة، ويُراد بالوقوف في المشعر التواجد كما مرّ في الوقوف بعرفات في الفقرة (110)، وتتّضح خصائصه فيما يلي:

مكانه: يجب أن يكون الوقوف في المزدلفة، وهي اسم لمكان يقال له: (المشعر)، وهو يبعد عن مكّة نحو عشرة كيلو مترات، ويُعتبر داخل الحرم. وحدّ الموقف طولا من المأزمين إلى وادي محسّر، وهما حدّان، وليسا من الموقف إلّا عند الزحام وضيق الوقت، فيمتدّ الموقف، ويشمل المأزمين، وهي المنطقة الواقعة بين المشعر وعرفات.

 

والمطلوب في المشعر أمران:

أحدهما: المبيت فيه ليلة العاشر. والمشهور بين العلماء أنّه واجب، والمقصود به: بقاء بقيّة الليل هناك، سواء نام أو لم ينم.

108

والآخر: الوقوف بمعنى التواجد في المشعر من طلوع الفجر يوم العيد ـ العاشر من ذي الحجّة ـ إلى طلوع الشمس.

والظاهر جواز الإفاضة قبيل طلوع الشمس، ولكن لايتجاوز ـ على الأحوط ـ وادي محسّر حتّى طلوع الشمس.

والوقوف بالشكل الذي ذكرناه وإن كان واجباً، ولكن الحجّ لايختلّ بالإخلال بالوقوف في بعض هذه المدّة؛ إذ يكفي لصحّة الحجّ أن يقف برهة من الزمن بين طلوع الفجر وطلوع الشمس ولو لم يستوعب المدّة. ويسمّى الوقوف بين الطلوعين بـ (الوقوف الاختياريّ).

نيّـته: يجب في الوقوف بالمشعر بين الطلوعين النيّة، وصورتها: أقف بالمشعر الحرام من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لحجّ التمتّع من حجّة الإسلام قربة إلى الله تعالى. وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان الحجّ مستحبّاً أسقط كلمة (حجّة الإسلام).

115 ـ حكمه: من لم يقف أصلا في المشعر بين الطلوعين ولو في بعض المدّة، يبطل حجّه. ويُستثنى من ذلك:

أوّلا: النساء والصبيان والخائف والضعفاء كالشيوخ والمرضى، فيجوز لهم الوقوف في المزدلفة ليلة العيد، والإفاضة منها ـ أي: الخروج ـ قبل طلوع الفجر إلى منى. والأحوط أن يكون ذلك بعد الوقوف فيما بعد منتصف الليل.

109

ثانياً: الجاهل بوجوب الوقوف بين الطلوعين، فإنّه إذا وقف ليلة العيد في المزدلفة، وخرج منها قبل طلوع الفجر جهلا منه بالحكم، صحّ حجّه، وعليه كفّارة شاة.

أمّا لو اكتفى بمسمّى الليل عن عمد وعلم ومن دون عذر من هذا القبيل، فالأحوط التكفير ببدنة وإكمال الحجّ، ثُمّ الإتيان بأفعال العمرة المفردة بعد أيّام التشريق، وبعد كلّ هذا فالإجزاء مشكل.

ثالثاً: من لم يكن متمكّناً من الوقوف بين الطلوعين في المزدلفة لنسيان أو لعدم توفّر واسطة نقل أو لغير ذلك، فإنّه يُجزيه أن يقف وقتاً ما بين طلوع الشمس إلى ظهر يوم العيد، ويصحّ حجّه حينئذ. ويسمّى هذا بـ (الوقوف الاضطراريّ).

 

آداب الوقوف بالمشعر

116 ـ ويُستحبّ للحاجّ عند الإفاضة ـ أي: الخروج ـ من عرفات إلى المشعر أن يتحلّى بالسكينة والوقار، ويستغفر الله، ويتضرّع إليه بطلب المغفرة بما يقدر عليه من كلام، وأن يؤجّل المغرب والعشاء إلى حين وصوله إلى المشعر، فيجمع بينهما بأذان وإقامتين.

ويُستحبّ له إحياء ليلة العيد في المشعر بالعبادة، فقد جاء في الحديث: «وإن استطعت أن تُحيي تلك الليلة فافعل؛ فإنّه بلغنا أنّ

110

أبواب السماء لاتُغلق تلك الليلة لأصوات المؤمنين، لهم دويّ كدويّ النحل، يقول الله جلّ ثناؤه: أنا ربّكم وأنتم عبادي، أدّيتم حقّي، وحقٌّ عليّ أن أستجيب لكم. فيحطّ تلك الليلة عمّن أراد أن يحطّ عنه ذنوبه، ويغفر لمن أراد أن يغفر له».

ومن المستحبّ المأثور في هذه الليلة أن يدعو الحاجّ قائلاً: «اللّهمَّ، هذِهِ جمع. اللّهمَّ، إنّي أسألُكَ أنْ تَجمَعَ لي فيها جَوامِعَ الخيرِ. اللّهمَّ، لا تؤيّسْني مِن الخيرِ الذي سَألتُكَ أنْ تَجْمَعَهُ لي في قَلْبي، وأطْلُبُ إليك أنْ تُعرّفَني ما عرّفتَ أولِياءَكَ في مَنزِلي هذا، وأنْ تَقِيَني جَوامِعَ الشّرِ».

ويُستحبّ أن يُصبح على طهر، فيُصلّي صلاة الفجر، ويحمد الله ويُثني عليه، ويُمجّده ويُصلّي على النبيّ وآله، ويقول: «اللّهمّ ربَّ المَشْعَرِ الحرامِ، فُكّ رَقَبَتي مِن النارِ، وأوسِعْ عليّ من رِزْقِكَ الحلالِ، وادرأ عني شرَّ فسَقَةِ الجنِّ والإنْسِ. اللّهمّ، أنْتَ خَيرُ مَطلوب إليه، وخَيرُ مَدعوٍّ وخَيرُ مَسؤول، ولِكلِّ وافد جَائِزةٌ، فاجعَلْ جَائِزتِي في مَوطِني هذا أنْ تُقيلَني عَثْرَتِي، وتَقْبَلَ مَعذِرَتِي، وأن تَجاوزَ عن خَطِيئَتِي، ثُمّ اجْعَلْ التّقوى من الدّنيا زادِي».

ويُستحبّ للحاجّ التقاط الحصى من المشعر؛ لأجل رمي الجمرات في أيّام منى، وعددها سبعون لمن يرمي حتّى في اليوم الثالث عشر.

111

مقارنة عامّة بين الموقفين

117 ـ قد اتّضح ممّا تقدّم أنّ لكلّ من الوقوف بعرفات والوقوف بالمشعر وقتين: أحدهما اختياريّ، والآخر اضطراريّ، فبالنسبة إلى الوقوف بعرفات وقته الاختياريّ من الظهر إلى الغروب من اليوم التاسع، ووقته الاضطراريّ في ليلة العاشر. وبالنسبة إلى الوقوف بالمشعر وقته الاختياريّ بين الطلوعين من اليوم العاشر، ووقته الاضطراريّ من طلوع الشمس إلى الظهر من اليوم العاشر.

ولايصحّ الحجّ بالوقوف في الوقت الاضطراريّ إلّا حين يوجد اضطرار فعلا: بأن يكون الوقوف في الوقت الاختياريّ غير متيسّر.

وكلّ من أدرك الوقوف بالمشعر بوقته الاختياريّ أو وقته الاضطراريّ صحّ حجّه، سواء حصل على الوقت الاختياريّ لعرفات، أو على وقتها الاضطراريّ، أو لم يتمكّن من كلا الوقتين.

وأمّا من أدرك الوقوف بعرفات في الوقت الاختياريّ أو في الوقت الاضطراريّ، فيصحّ حجّه إذا كان قد أدرك إلى جانب ذلك الوقوف بالمزدلفة في أحد وقتيها، وإذا لم يدرك المزدلفة (المشعر) إطلاقاً لم ينفعه إدراكه لعرفات وحدها، وبطل حجّه، إلّا في صورة واحدة، وهي: أن يكون قد أدرك الوقت الاختياريّ لعرفات، وجهل الوقوف بالمشعر، ولكنّه مرّ بالمشعر مروراً في طريقه إلى

112

منى، فإنّه يكفيه ذلك، وعليه دم شاة على الأحوط(1).

وكلّما بطل الحجّ بسبب عدم الإدراك وجب عليه الإتيان بعمرة مفردة بنفس إحرام الحجّ، ويتحلّل بما يتحلّل به المعتمر(2)، ويجب أن يكون ذلك بعد أيّام التشريق(3).



(1) لصحيح مسمع الوسائل، الباب 16 من الوقوف بالمشعر، الحديث 1. أمّا حديث محمّد بن يحيى الخثعميّ الخالي من دم شاة فهو مرويّ تارة عن الصادق(عليه السلام) بلاواسطة، واُخرى بواسطة بعض أصحابه، فهو مصاب باحتمال الإرسال، وإنّما جعلنا ذلك احتياطاً لافتوى لإمكان الجواب عن ذلك باحتمال تعدّد روايتي الخثعميّ ـ راجع التهذيب 5، الحديث 992 و 993 ـ بسبب وجود فارق في عبارتي النقلين، فلو فرضناهما متعدّداً في حين أنّ غير المرسل قد حذف ذكر التكفير بشاة، فلقائل أن يقول: إنّ حذفه ظاهر في عدم وجوب دم شاة، فيحمل صحيح مسمع على استحباب التكفير.

وأيضاً بإمكانك أن تراجع روايتي الخثعميّ في الوسائل، الباب 25 من الوقوف بالمشعر، الحديث 5 و6.

(2) كما هو صريح صحيحي معاوية بن عمّار وصحيح حريز. الوسائل، الباب 27 من الوقوف بالمشعر، الحديث 1 و3 و4. والثالث مخصوص بحجّ الإفراد، والثاني يحتمل اختصاصه بحجّ الإفراد، لكن الذي يعمّم الحكم لمحلّ بحثنا ـ وهو التمتّع ـ هو صحيح معاوية الأوّل.

(3) لصحيح معاوية بن عمّار، الحديث: 3 من الباب 27 من الوقوف بالمشعر من الوسائل.

113

 

 

واجبات يوم العيد وبعض مستحبّاته

 

118 ـ فإذا طلعت شمس يوم العيد ـ العاشر من ذي الحجّة ـ على الحاجّ وهو في المشعر، انتهى ما عليه في هذا المكان،ولزمه التوجّه نحو منى، وهو يعني الاقتراب من مكّة؛ لأنّ منى أقرب إلى مكّة من المشعر، ولاتبعد عنها إلّا نحو ثلاثة كيلومترات، ويحدّها طولا من ناحية مكّة العقبة، ومن ناحية المشعر وادي محسّر.

وأمّا عرضاً فليس لها حدود واضحة، فكلّ ما سُمّي بـ (منى) في لسان أهل تلك البلاد فهو منى، والأحوط عدم التجاوز عن ذلك بالابتعاد عرضاً إلى نقاط يُشكّ في كونها من منى، ولكنّ الأقرب جواز افتراض كونها من منى عمليّاً، فكلّ ما يجب أن يُؤدّى في منى يجوز أن يُؤدّى في تلك النقاط(1).

 


(1) لو شُكّ في حدود منى كشبهة حكميّة فقد نرجع إلى إطلاقات الحلق والذبح ونحو ذلك وننفي الضيق؛ لإجمال المخصّص المردّد مفهوماً بين الأقلّ والأكثر. وهذا ما فعله اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في تعليقه على كتابه (موجز أحكام الحجّ).

114

ويجب على الحاجّ أن يقوم بثلاثة أعمال في نهار يوم العيد في منى، وهي: رمي جمرة العقبة، والذبح، والحلق أو التقصير، ونذكرها فيمايلي تباعاً إن شاء الله:

 

رمي جمرة العقبة

119 ـ وهو الواجب الرابع من واجبات الحجّ، و(جمرة العقبة)



وأمّا مع فرض عدم وجود إطلاقات من هذا القبيل فلاتبقى للتأمين إلّا البراءة عن الضيق. والظاهر: أنّ هذا هو منشأ إفتاء اُستاذنا الشهيد(قدس سره) بكفاية المبيت في الموارد المشكوك بشبهة حكميّة كونه من منى.

ولكن هذه البراءة قد يورد عليها: أنّها تصطدم بمشكلة، وهي: أنّنا لو حلقنا في المورد المشكوك فقد شككنا في الخروج عن الإحرام، فيجري استصحاب بقاء الإحرام أو استصحاب حرمة المحرّمات.

والجواب: أنّ الإحرام إن هو إلّا ما تحقّق منه من تحريم المحرّمات على الشخص أو فرض الحجّ أو العمرة على الشخص، وقد شككنا في مقدار ما أوجب ذلك من الحرمة علينا، فهل أوجب حرمة المحرّمات بعد الحلق في المكان المشكوك، أو لا؟ وهذه الحرمات في طول الزمان انحلاليّة، فلايجري استصحاب الإحرام؛ لأنّه لم يثبت أنّ الإحرام حالة معنويّة كالطهارة والنجاسة ولااستصحاب حرمة المحرّمات؛ لأنّ أفراد الحرمة بلحاظ ما قبل الحلق وما بعد الحلق انحلاليّة.

115

اسم لموضع مخصوص، وهي واحدة من ثلاث جمرات، وتعتبر جمرة العقبة أقربها إلى مكّة، ولايجب في يوم العيد رمي سواها.

120 ـ الكيفيّة: وكيفيّة الرمي كمايلي:

أوّلا: تجب النيّة، وصورتها مثلا: أرمي جمرة العقبة سبعاً في حجّ التمتّع من حجّة الإسلام قربة إلى الله تعالى. وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان الحجّ مستحبّاً أسقط كلمة (حجّة الإسلام).

ثانياً: أن يكون الرمي بسبع حصيات، ولايجزئ الأقلّ من ذلك، ولا ضرر من الزيادة.

ثالثاً: أن يكون رميها على نحو التتابع لادفعة واحدة.

رابعاً: إيصالها إلى الجمرة بالرمي، فلايكفي وضعها على الجمرة، ولارميها مع سقوطها قبل الوصول إلى الجمرة، وإذا رمى وشكّ في إصابة الجمرة ألغى تلك الرمية من الحساب، ورمى مرّة اُخرى حتّى يستيقن بالإصابة.

وقد طوّلت الجمرات أخيراً إلى عدّة أمتار.

وقد أصبح قسم من أمتار جمرة العقبة خارجاً من منى، فالاكتفاء برمي المقدار الخارج من جمرة العقبة من منى مشكل.

وأمّا باقي أمتار جمرة العقبة وكذلك جميع أمتار الجمرتين الصغرى والوسطى فيما سيأتي من اليوم الحادي عشر والثاني عشر، فالظاهر كفاية ضرب أيّ جزء منها بالرمي وإن كان

116

الأحوط استحباباً رمي الوسط المحاذي للجمرة القديمة.

خامساً: أن يقع الرمي بين طلوع الشمس وغروبها من اليوم العاشر، ويُستثنى من ذلك من سبق أنّهم مرخّصون في الإفاضة من المشعر، أي: الخروج منه في الليل؛ فإنّهم مرخّصون في الرمي ـ أيضاً ـ في تلك الليلة.

سادساً: أن تكون الحصيات مأخوذة من الحرم، ويُستثنى من الحرم المسجد الحرام ومسجد الخيف، وأن تكون أبكاراً، بمعنى: عدم العلم بأنّها كانت مستعملة في الرمي قبل ذلك.

121 ـ الأحكام: وحكم رمي جمرة العقبة أنّه واجب كما عرفت، وإذا تركه المكلّف نسياناً أو جهلا بالوجوب، ثُمّ التفت إلى الحال فله صور:

الاُولى: أن يتذكّر في نفس يوم العيد فيؤدّيه، ولاتجب عليه إعادة ما أتى به من أعمال الحجّ المترتّبة على الرمي كالذبح والتقصير والطواف.

الثانية: أن لايتذكّر إلى أن يمضي نهار يوم العيد، فيتذكّر في ليلة الحادي عشر أو نهاره، فيقضيه في نهار اليوم الحادي عشر، ويفرّق بينه وبين الرمي المفروض في ذلك النهار، ويقدّم القضاء على أداء وظيفة ذلك النهار جاعلا القضاء صباحاً والأداء عند الظهر على الأحوط، ولا تجب عليه إعادة ما أتى به من أعمال الحجّ.

117

الثالثة: أن يتذكّر بعد مضيّ اليوم الحادي عشر وقبل خروجه من مكّة، فيجب عليه أن يرمي، وإذا كان في مكّة والتفت وجب عليه الرجوع إلى منى والرمي، ولا تجب عليه إعادة ما أتى به من أعمال الحجّ، والأحوط وجوباً أن يبادر إلى الرجوع والرمي على نحو يحصل الرمي في أيّام التشريق التي تمتدّ من اليوم الحادي عشر إلى نهاية اليوم الثالث عشر من ذي الحجّة.

الرابعة: أن يلتفت إلى الحال بعد الخروج من مكّة والتوجّه نحو بلده، فلا يجب عليه الرجوع، بل الأحوط قضاؤه في السنة التالية في وقته مخيّراً بين الذهاب بنفسه أو الاستنابة.

وإن كانت أيّام التشريق غير منتهية، وأمكنه الرجوع والرمي في أيّام التشريق من دون حرج، فالأحوط وجوباً أن يفعل ذلك.

وإذا ترك المكلّف رمي جمرة العقبة وهو عامد في تركه وعالم بالأحكام وتسلسل المناسك ووجوبها، فإن استمرّ على تركه بطل حجّه، وإذا تداركه قبل مضيّ وقته صحّ، والأحوط أنّه يجب عليه ـ حينئذ ـ أن يعيد ما أتى به من الأعمال المترتّبة على الرمي، وأنّه تترتّب عليه كفّارة الحلق إذا كان قد حلق، وأنّه إذا كان قد طاف تجب عليه إعادة الطواف، وكان كمن طاف قبل الحلق أو التقصير ـ وسيأتي حكمه إن شاء الله في أحكام الحلق والتقصير ـ لأنّه طاف وهو يرى أنّ حلقه أو تقصيره باطل.

118

 

آداب رمي الجمرات ومستحبّاته

122 ـ في رمي الجمرات آداب يحسن بالحاجّ مراعاتها، فمن ناحية الشخص يُستحبّ أن يكون على طهارة، والمعروف أنّ الرامي يرمي جمرة العقبة وهو مستدبر للقبلة، ويرمي غيرها وهو مستقبل لها، ويُستحبّ أن يكون على بعد عشر خطوات إلى خمس عشرة خطوة من الجمرة عند الرمي.

ومن ناحية عمليّة الرمي يُستحبّ أن يضع الحصاة على إبهامه، ويدفعها بظهر السبّابة.

ومن ناحية الدعاء يُستحبّ له إذا جمع الحصيات في يده وتهيّأ للرمي أن يقول: «اللّهمّ، هَذهِ حصياتِي، فأحصِهنّ لِي، وارفَعْهنّ فِي عَمَلِي».

كما يُستحبّ له أن يقول في كلّ رمية: «الله أكبرُ. اللّهمَّ، ادحَرْ عنّي الشّيطانَ. اللّهمَّ، تَصْدِيقاً بِكتابِكَ وعلى سُنّةِ نَبيّك. اللّهمَّ، اجعَلْه لي حَجّاً مَبْرُوراً، وعَمَلا مَقبُولا، وسَعياً مَشْكُوراً، وذَنْباً مَغْفُوراً».

وإذا انصرف الحاجّ من الرمي إلى منزله في منى قال: «اللّهمَّ، بِكَ وَثِقْتُ، وعَليكَ تَوكّلْتُ، فَنِعْمَ الربُّ، وَنِعْمَ المَولى، وَنِعمَالنّصِيرُ».

119

الذبح أو النحر في منى

وهو الواجب الخامس من واجبات حجّ التمتّع.

123 ـ وموضعه من الناحية المكانيّة: منى، وإذا ضاقت منى بالناس، وتعذّر إنجاز الواجبات فيها اتّسعت رقعة منى شرعاً، فشملت وادي محسّر لمن وقع بسبب الضيق في وادي محسّر دون من كان مقرّه صدفة في داخل منى على رغم الضيق، فلا يجوز له أن يحلق ـ مثلاً ـ في وادي محسّر بحجّة اتّساع رقعة منى بالضيق. ووادي محسّر هي: المنطقة التي تفصل منى عن المشعر، وإذا تعذّر الذبح في منى إطلاقاً بسبب منع السلطة وتعيينها مجازر خارج منى مثلاً، فإن أمكن الذبح في وادي محسّر تعيّن ذلك، وإذا تعذّر الذبح حتّى في وادي محسّر وكان يستمرّ التعذّر إلى آخر أيّام التشريق ذبح في أيّ مكان شاء من الحرم، والأحوط استحباباً الذبح في مكّة.

وإذا ذبح في غير منى جهلا بالحكم أو لتخيّل أنّ المكان الذي يذبح فيه من منى، فلايبعد صحّة ذبحه.

وموضعه من الناحية الزمانيّة: يوم العيد على الأحوط، بمعنى: أنّ الحاجّ يجب عليه أن يأتي بهذا الواجب في هذا اليوم، فإذا لم يأتِ به في ذلك اليوم عامداً أو غير عامد وجب الإتيان به خلال أيّام التشريق التي هي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر،

120

فإذا لم يأتِ به في هذه الفترة عامداً أو غير عامد وجب عليه الإتيان به خلال شهر ذي الحجّة، وصحّ حجّه.

وموضعه من الناحية التسلسليّة ـ أي: تسلسل الواجبات ـ: بعد الرمي، وإن قدّمه على الرمي جاهلا أو ناسياً صحّ، ولم يحتج إلى الإعادة، وإن قدّمه عليه عامداً وعالماً بوجوب البدء بالرمي فالأحوط أن يعيده بعد أن يرمي، ومن لايمتلك ثمن الهدي صام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة بعد الرجوع. والأصل في الثلاثة أيّام الاُولى أن تكون اليوم السابع والثامن والتاسع من ذي الحجّة، فإن لم يوفّق لذلك فالقدر المتيقّن صحّته أن تكون ثلاثة أيّام متتالية في ذي الحجّة بعد أيّام التشريق في مكّة، وأيضاً السبعة أيّام من بعد الرجوع يصومها متتالية.

124 ـ كيفيّـته: تتلخّص كيفيّـته فيمايلي:

أوّلاً: يحصل على حيوان من الإبل أو البقر أو الغنم (المعز والضأن). ويُسمّى بـ (الهدي)، ولايُجزي من الإبل إلّا ما أكمل السنة الخامسة ودخل في السادسة، ولايُجزي من البقر والمعز إلّا ما أكمل الثانية ودخل في الثالثة على الأحوط، ولايُجزي من الضأن إلّا ما أكمل الشهر السابع ودخل في الثامن، والأحوط أن يكون قد أكمل السنة الواحدة ودخل في الثانية.

ويُعتبر في الحيوان أن يكون تامّ الأعضاء، فلايُجزي الأعور

121

والأعرج والمقطوع اُذنه والخصيّ والمكسور قرنه الداخل، وأن لايكون مهزولا عُرفاً، والأحوط استحباباً أن لايكون مريضاً ولاموجوءاً ولامرضوض الخصيتين ولافاقد القرن أو الذنب من أصل خلقته، ولابأس بأن يكون مثقوب الاُذن، والأحوط وجوباً عدم الاجتزاء بمشقوق الاُذن.

وإذا لم يتيسّر الهدي الواجد لكلّ هذه الشرائط أجزأه ما تيسّر له من الهدي، ولايجوز أن يشترك اثنان يقومان في حجّة الإسلام بهدي واحد، بل لابدّ من ذبيحة مستقلّة لكلّ منهما، وكذلك في كلّ حجّ وجب فيه الهدي.

ثانياً: يذبحه أو ينحره بحسب الطريقة الشرعيّة في الذبح والنحر للحيوان، إمّا مباشرة أو بأن يوكل غيره في الذبح أو النحر.

ثالثاً: يجب عليه النيّة عند المباشرة أو عند التوكيل، وصورتها مثلا: أذبح الشاة لحجّ التمتّع من حجّة الإسلام قربة إلى الله تعالى. وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان حجّاً مُستحبّاً أسقط كلمة (حجّة الإسلام).

125 ـ مصرفه: ذكر جماعة من الفقهاء أنّ الحاجّ يجب عليه أن يأكل شيئاً من الهدي، ويهدي ثلثه إلى بعض الناس، ويتصدّق بثلثه على بعض الفقراء، واعتبروا الإيمان شرطاً فيمن يُهدى إليه ويتصدّق به عليه. ولضمان تطبيق ذلك مع ندرة الفقير المؤمن فيذلك المكان ذكروا أنّ بإمكان الحاجّ أن يتوكّل عن فقير مؤمن ولو في

122

بلده، فيقبض الحاجّ ثلثه نيابة عنه، وبذلك يؤدّي الوظيفة الشرعيّة.

والصحيح: أنّ هذا التصرّف من الأساس ليس بواجب على هذا الوجه في هدي حجّ التمتّع، فلايجب على الحاجّ أن يأكل من ذبيحته، وإنّما يرخّص له في ذلك. ويجب عليه أن يُطعم الفقراء من ذبيحته إذا تمكّن من ذلك، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير﴾(1) ولايُشترط في الفقير هنا الإيمان؛ فإنّ لكلّ كبد حرّى أجراً، وقد ورد بسند مُعتبر على الأظهر عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّ عليّ بن الحسين(عليهما السلام)كان يُطعم من ذبيحته الحروريّة(2) وهم: الخوارج الذين يعادون مولانا أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام، وإطعام البائس الفقير الذي يأمر به القرآن الكريم لا ينطبق عرفاً على تقبّل الحاجّ للثلث نيابة عن فقير يبعد عن منى مئات الفراسخ، ولايحصل على شيء من الذبيحة؛ فإنّ المأمور به عنوان الإطعام لامجرّد إنشاء التمليك.

فالصحيح: أنّ الحاجّ إن وجد فقراء تصدّق باللّحم عليهم مهما كان مذهبهم ونوعهم، ويجوز له أن يأكل هو وغيره من أهله وإخوانه من الذبيحة أيضاً. والحكم في القارن وفي العمرة لو ساق فيها الهدي ـ أيضاً ـ نفس الحكم.



(1) سورة الحجّ، الآية: 28.

(2) الوسائل، كتاب الحجّ، الباب 40 من الذبح، الحديث 8.

123

آداب الذبح أو النحر:

126 ـ يُستحبّ أن يقول عند الذبح أو النحر: «وَجّهْتُ وَجْهِيَ لِلذي فَطَرَ السماواتِ وَالاْرْضَ حنيفاً وَما أنا مِنَ المُشْركينَ، إنّ صلاتي وَنُسُكي وَمَحْيايَ وَمَماتي لِلّهِ رَبِّ العالَمين، لاشَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ اُمِرْتُ وَأنا مِنَ المُسلمِين. اللّهُمَّ، مِنْكَ وَلَك، بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أكْبَر. اللّهُمَّ، تَقَبَّل منّي».

وروي أنّه يقول بعد ذلك: «تَقَبّل منّي كما تقبّلت مِن إبراهيم خَليلكَ وَموسى كَليمكَ وَمُحمّد حَبيبكَ صلّى اللهُ عليهِ وَآلهِ وَعَليهِم».

 

الحلق أو التقصير

 

وهو الواجب السادس من واجبات حجّ التمتّع.

127 ـ موضعه: وموضعه من الناحية المكانيّة منى، فإذا خرج منها ولم يؤدّ هذا الواجب لزمه الرجوع مع التمكّن، فإن تعذّر الرجوع أو تعسّر عليه قصّر أو حلق في مكانه، وبعث بشعر رأسه إلى منى إن أمكنه ذلك على الأحوط.

وموضعه من الناحية الزمانيّة نهار يوم العيد على الأحوط، غير أنّه إذا أخّره ولو مع العمد والعلم بالحال، وأتى به بعد نهار العيد إلى آخر أيّام التشريق، صحّ حجّه، ولكنّه إذا كان قد طاف بالبيت، وسعى قبل الحلق أو التقصير عالماً عامداً، فعليه إعادة الطواف

124

والسعي بعد الحلق أو التقصير، وعليه التكفير بشاة على ما يأتي في أحكام الطواف إن شاء الله تعالى في الفقرة (132).

وإذا تركه نسياناً حتّى نفر من منى وجب عليه الرجوع في أيّ وقت تذكّره لأدائه مع التمكّن، وإن تعذّر الرجوع أو تعسّر حلق في موضعه، وأرسل على الأحوط شعره إلى منى.

وموضعه من الناحية التسلسليّة بعد الرمي والذبح، ولكن إذا قدّمه على الذبح جاهلا أو ناسياً أو عالماً عامداً صحّ، ولاتجب عليه إعادته بعد الذبح، وأمّا إذا قدّمه على الرمي، فإن كان جاهلا أو ناسياً صحّ أيضاً، ولاتجب إعادته، وإن كان عامداً عالماً بالحال فالأحوط وجوباً عدم الاكتفاء بما قدّمه.

128 ـ كيفيّـته: وكيفيّـته أنّ الحاجّ الرجل إذا كان في حجّته الاُولى ـ الصرورة ـ وجب عليه على الأحوط الحلق، ونريد به حلق شعر الرأس بتمامه، سواء كان بالموسى أو بالماكنة التي لاتُبقي شعراً، وهي التي يقدّر وجود الشعر معها بالصفر، وإذا كان الرجل مسبوقاً بحجّة أو أكثر فهو مخيّر بين الحلق على هذا النحو والتقصير بالنحو الذي تقدّم في أعمال عمرة التمتّع، سواء كان يحجّ عن نفسه أو نيابة عن الغير من دون فرق بين أن يكون الغير صرورة أو لا.

وأمّا المرأة فيتعيّن عليها التقصير.

نيّـته: تجب فيه النيّة، وصورتها مثلا: أحلق أو اُقصّر في حجّ التمتّع من حجّة الإسلام قربة إلى الله تعالى. وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان الحجّ مستحبّاً أسقط كلمة (حجّة الإسلام).

125

129 ـ أثره وحكمه:

أثره: إذا حلق المحرم أو قصّر على الوجه المتقدّم حلّ له جميع ما حرم عليه بالإحرام ما عدا النساء والطيب، بل والصيد ـ أيضاً ـ على الأحوط، وهذا التحليل يعني: أنّه يجوز له استبدال ثوبي الإحرام بملابسه الاعتياديّة، كما يجوز له تغطية رأسه بما يُحبّ، ولبس ما يشاء من حذاء وجورب وهكذا.

حكمه: إذا لم يحلق ولم يقصّر عالماً عامداً ولم يتدارك بطل حجّه، وإذا لم يقم بهذا الواجب نسياناً أو جهلا منه بالوجوب، والتفت إلى الأمر بعد خروجه من منى، رجع وقصّر أو حلق فيها، فإن تعذّر عليه الرجوع أو تعسّر قصّر أو حلق في مكانه، وبعث بشعر رأسه إلى منى إن أمكنه ذلك على الأحوط.

 

آداب الحلق ومستحبّاته

130 ـ يُستحبّ أن يكون الحاجّ عند الحلق مستقبلا للقبلة، ويحسن به أن يُسمّي، فيقول: «بسم الله الرّحمن الرّحيم» وأن يبدأ من الطرف الأيمن، ويُستحبّ ـ أيضاً ـ أن يدعو بهذا الدعاء: «اللّهمّ، أعطِني بكلِّ شَعرة نوراً يَومَ القيامةِ».

ويختم دعاءه بالصلاة على محمّد وآله.

كما يُستحبّ بعد الفراغ من الحلق أن يدفن شعره بمنى، وأن يأخذ من لحيته وشاربه، ويقلّم أظافيره.

126

 

 

طواف الحجّ وصلاته والسعي

 

131 ـ الواجب السابع والثامن والتاسع من واجبات الحجّ: الطواف، وصلاته، والسعي. وكيفيّتها وشرائطها هي نفس الكيفيّة والشرائط التي ذكرناها في طواف العمرة وصلاته وسعيها، فراجع الفقرات من (79) إلى (94) بشأن الطواف وشروطه وواجباته، وراجع الفقرة (97) و (98) بشأن صلاة الطواف، وراجع الفقرات (101) و (102) بشأن السعي، غير أنّ النيّة تختلف، فينوي هنا أنّه يطوف ويصلّي صلاة الطواف، ويسعى لحجّ التمتّع بدلا من عمرة التمتّع.

132 ـ موضعه:

موضعه من الناحية الزمانيّة: الأحوط عدم تأخير طواف الحجّ عن اليوم الحادي عشر، وإن كان الظاهر جواز تأخيره عن ذلك مع الإتيان به خلال شهر ذي الحجّة، وكذلك الأمر في السعي على أن يكون السعي بعد طواف الحجّ وركعتيه.

موضعه من الناحية التسلسليّة: لايجوز تقديم طواف الحجّ في حجّ التمتّع على الوقوف بالموقفين، وتُستثنى من ذلك بعض الحالات من قبيل المرأة التي تخاف الحيض، فيجوز لها تقديم

127

الطواف وصلاته على الموقفين بعرفات والمشعر، والأحوط لها ـ حينئذ ـ أن تقدّم السعي أيضاً، ثُمّ تعيده في وقته.

ولايجوز تقديم طواف الحجّ على الحلق أو التقصير، فلو قدّمه: بأن ذهب إلى مكّة فطاف قبل أن يحلق ويقصّر، فإن كان عالماً بالحال عامداً في الترك فعليه التكفير بشاة وإعادة ما أتى به من طواف وسعي بعد أن يحلق أو يقصّر، وإن كان جاهلا بالحكم أو ناسياً، ثُمّ التفت إلى الحال حلق أو قصّر، ولاكفّارة عليه ولاإعادة.

133 ـ أثره وحكمه:

أثره: أنّ الحاجّ إذا طاف وصلّى ركعتي الطواف، وسعى على النحو الذي ذكرناه حلّ له الطيب الذي ظلّ عليه مُحرّماً بعد الحلق أو التقصير، وبقي عليه من ا لمحرّمات شيئان: أحدهما النساء، والآخر الصيد ولو في الحلّ على الأحوط.

حكمه: من ترك الطواف أو صلاته أو السعي عالماً عامداً ولم يتدارك حتّى انتهى الوقت بانتهاء ذي الحجّة، بطل حجّه وإحرامه.

ومن ترك الطواف أو السعي جاهلا بالوجوب ولم يتدارك بطل حجّه وإحرامه أيضاً، وعلى تارك طواف الحجّ جهلا التكفير ببدنة، أي: الإبل.

ومن ترك صلاة الطواف جاهلا بوجوبها تداركها في محلّها، ومع عدم التمكّن صلاّها في موضعه.

128

ومن ترك الطواف نسياناً أتى به، وإذا كان قد سعى طاف وأعاد سعيه على الأحوط، وإذا تذكّر الطواف بعد ابتعاده وعدم تمكّنه من المباشرة استناب شخصاً يطوف بالنيابة عنه، ويسعى نيابة عنه ـ أيضاً ـ على الأحوط.

ومن ترك السعي نسياناً جرى عليه الحكم نفسه، فيأتي به مع التمكّن، ومع عدمه يستنيب.

وحال العجز عن مباشرة الطواف أو السعي في الحجّ لمرض ونحوه حالُ العجز عن مباشرتهما كذلك في العمرة، وقد تقدّم حكمه، فالعاجز عن الطواف يُطاف به، ومع العجز عن ذلك ـ أيضاً ـ يستنيب في الطواف، وكذلك الحال في السعي.

وتُعتبر المرأة التي طرأ عليها الحيض أو النفاس عاجزة عن الطواف إذا لم يتيسّر لها المكث في مكّة إلى حين طهرها، فتستنيب من يطوف عنها، ويصلّي صلاة الطواف، ثُمّ تسعى بنفسها بعد طواف النائب وصلاته.

 

آداب طواف الحجّ والسعي:

134 ـ ويشارك طواف الحجّ وسعيه طواف العمرة وسعيها في الآداب والمستحبّات التي تقدّمت في أحكام العمرة في الفقرة (95) و (103)، وآداب صلاة الطواف هي آدابها المتقدّمة في الفقرة (100).

129

والأفضل للحاجّ أن يطوف طواف الحجّ يوم العيد إذا اتّسع له الوقت بعد الفراغ من أعمال منى، ويُستحبّ له عند إرادة الوصول إلى المسجد للطواف أن يقف على باب المسجد، ويقول: «اللّهمّ، أعنّي على نُسكك، وَسَلّمْني لَه وسَلّمْه لي، أسألُكَ مَسألةَ العَلِيلِ الذّلِيلِ المعترِفِ بِذَنبهِ أن تَغفِرَ لي ذِنُوبِي، وأن تُرجِعَني بِحاجَتِي. اللّهمَّ، إنّي عَبدُكَ والبَلَدُ بَلَدُكَ والبَيتُ بَيتُكَ، جِئتُ أطلبُ رَحْمَتَك، وأؤمّ طاعَتَكَ، مُتّبِعاً لأمرِكَ، راضِياً بقَدَرِكَ، أسأ لُكَ مَسألةَ المُضطرِّ إليك، المُطِيعِ لأمْرِكَ، المُشفِقِ مِن عَذابِك، الخائِفِ لِعقوبَتِك أن تُبلّغَنِي عَفوَك، وتُجِيرَني مِنَ النّار بِرَحْمَتِك».

فإذا فرغ من هذا الدعاء، ودخل المسجد اتّجه قبل البدء بالطواف إلى الحجر الأسود، فاستلمه وقبّله إذا اُتيح له ذلك من دون إيذاء للآخرين، وإلّا اكتفى باستلامه بيده، وقبّل يده بعد الاستلام، وإن لم يتيسّر له ذلك ـ أيضاً ـ كما هو الغالب استقبل الحجر وكبّر، وقال: «اللّهمَّ، أمانَتِي أدّيتُها، وَمِيثاقِي تَعاهَدتُه؛ لِتَشْهَدَ لي بالمُوافاةِ».