327

المعاملات

20

 

 

 

 

كتاب الوكالة

 

 

 

 

 

329

 

 

 

 

 

ولا بدّ فيها من الإيجاب والقبول وإن كان فعلا أو متأخّراً (1)، والتنجيز (2)، فلو علّقها على شرط غير حاصل حال العقد أو مجهول الحصول حينه بطلت، ويصحّ تصرّف الوكيل حينئذ بالإذن المستفاد من التوكيل (3). وهي جائزة من الطرفين، ولكن يعتبر في عزل الموكَّل له إعلامه به، فلو تصرّف قبل علمه به صحّ تصرّفه (4).



(1) يعني: وإن كان القبول بالفعل، كما لو قال الموكّل: وكّلتك في بيع داري، فباعه، كما لا بأس بالفاصل بين الايجاب والقبول فصلاً لم يضرّ عرفاً بفهم تحقّق القبول، كما لو بعث الموكّل إلى الوكيل من يخبره بالوكالة، فلدى إخبار المبعوث إيّاه بذلك قبل الوكيل، وكذلك لو شافهه بالوكالة، وبعد فصل طويل أبرز قبول الوكالة مع فرض بقاء الالتزام لدى الموكّل.

(2) نحن لا نؤمن أساساً بشرط التنجيز كتنجيز في عقد من العقود، إلّا في عقد يرى الفهم العرفيّ أو المتشرّعيّ عدم الإطلاق لأدلّته لفرض التعليق، كما هو الحال في باب النكاح، فالنكاح المعلّق غير مفهوم عرفيّاً ولا متشرّعيّاً من الإطلاقات.

(3) الوكالة أساساً ليست إلّا من العقود الإذنيّة، فلا معنى لفرض بطلان الوكالة مع ثبوت الإذن، ولو فرضنا بطلان الوكالة كان حال بيع هذا الوكيل لدار الموكّل حال بيع أيّ إنسان آخر أجنبيّ لداره اعتماداً على رضاه الذي اكتشفه من توكيله لذاك الشخص.

(4) إن بلغه العزل بإخبار ثقة إيّاه بالعزل، كفى ذلك في بطلان تصرّفه.

330

وتبطل: بالموت(1) والجنون(2) والإغماء(3) وتلف متعلّقها وفعل الموكّل، وتصحّ فيما لا يتعلّق غرض الشارع بإيقاعه مباشرةً ويعلم ذلك ببناء العرف والمتشرّعة عليه (4). ولا يتعدّى الوكيل المأذون حتّى في تخصيص السوق (5)، إلّا إذا علم أنّه ذكره من باب أحد الأفراد، ولو عمّم التصرّف صحّ مع المصلحة (6)، إلّا في



(1) لا شكّ أنّ الفهم العرفيّ من إطلاق التوكيل لا يشمل فرض موت الموكّل، أمّا لو فرضنا القرينة أو التصريح بالتوكيل المطلق حتّى لما بعد موته في أمر يكون تحت سلطانه بعد الموت، كما في الثلث الذي صرّح بأنّه يريده بعد موته، فلا وجه لبطلان الوكالة.

(2) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «في بطلان الوكالة بجنون الوكيل على نحو لا تصحّ منه ممارسة الوكالة بعد الإفاقة إشكال، وكذلك الأمر في بطلانها بعد إفاقة الموكّل». ونِعمَ ما أفاد(1).

(3) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «في بطلان الوكالة بإغماء الموكّل أو الوكيل إشكال». ونِعمَ ما أفاد(2).

(4) يعني: إن علم من صريح الشرع بتعلّق الغرض بإيقاعه مباشرة كالواجبات، من قبيل الصلاة والصيام، أو بقبوله للنيابة كعقد النكاح وإيقاع الطلاق، فلا كلام فيه، وإلّا يُعلم الحال ببناء العرف والمتشرّعة عليه.

(5) يعني: لو خصّص لمثل البيع والشراء سوقاً من الأسواق تعيّن.

(6) يعني: لو عمّم الموكّل التصرّف صحّ مع المصلحة.

أقول: لو صرّح بالتوكيل حتّى مع عدم المصلحة صحّ بلا إشكال.


(1) لو جنّ الوكيل فلا إشكال في انقطاع وكالته، ولو جنّ الموكّل فلا إشكال في انقطاع توكيله، وكأنّه لهذا تنزّل اُستاذنا من الفتوى الصريحة بثبوت الوكالة أو التوكيل بعد الإفاقة بقوله: «في البطلان إشكال».

(2) كأنّ تنزّله(قدس سره) من الفتوى الصريحة بصحّة الوكالة أو التوكيل في ساعة الإغماء بقوله: «في البطلان إشكال» احتمال إلحاق الإغماء بالجنون، لا بالنوم.

331

الإقرار (1)، والإطلاق يقتضي البيع حالا بثمن المثل بنقد البلد، وابتياع الصحيح،وتسليم المبيع، وتسليم الثمن بالشراء، والردّ بالعيب. ولا يقتضي وكالة الخصومة عند القاضي الوكالة في القبض، وكذلك العكس، ويشترط أهليّة التصرّف فيهما الوكيل والموكّل، فيصحّ توكيل الصغير فيما جاز له مباشرته كالوصيّة إذا بلغ عشراً، وكذا يجوز أن يكون الصغير وكيلا بإذن وليّه (2)، ولو وكّل العبد أو توكّل بإذن مولاه صحّ. ولا يوكّل الوكيل بغير إذن الموكّل، وللحاكم التوكيل عن السفهاء والبُلْه (3). ويستحبّ لذوي المروءات التوكيل في مهمّاتهم (4). ولا يتوكّل الذمّيّ على المسلم (5) على المشهور، ولا يضمن الوكيل إلّا بتعدٍّ أو تفريط، ولا تبطل وكالته به، والقول قوله مع اليمين، وعدم البيّنة في عدمه، وفي العزل والعلم به والتلف(6) والتصرّف، وفي الردّ إشكال،



(1) فالتوكيل في الإقرار لا معنى له. نعم، يمكنه أن يجعل شخصاً واسطة في إيصال الإقرار، كما يمكن أن يُفهم من نفس التوكيل في الإقرار الإقرار المباشر، فيكون نافذاً لا محالة.

(2) بل يجوز أن يكون الصغير وكيلاً حتّى بدون إذن وليّه، فإنّه وإن كان محجوراً عليه في ماله، لكنّه لا دليل على الحجر عليه في مال غيره. نعم، لا شكّ أنّ تصرّفه في مال غيره مشروط بإذن المالك، كما هو الحال في تصرّف البالغين أيضاً.

(3) المقياس هي الولاية الشرعيّة ولو كان غير الحاكم، وذلك من قبيل: ولاية الأب على ابنه قبل وصوله لمستوى الرشد.

(4) هذا الاحتياط استحبابيّ بقدر ما يناسب حفظ شؤونهم الاجتماعيّة.

(5) هذا احتياط استحبابيّ.

(6) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «إذا لم يكن متّهماً ولو لتوفّر القرائن على صدقه، وإلّا كان من حقّ المالك مطالبته بالبيّنة على التلف».

332

والأظهر العدم (1)، والقول قول منكر الوكالة وقول الموكّل لو ادعّى الوكيل



أقول: لو فرضنا أنّ الموكّل سلّم المال إلى الوكيل كأمانة ولم يعلم بخيانته، فليس من حقّه اتّهامه(1).

(1) أي: أنّ القول قول الموكّل، وائتمان الوكيل ينتهي بفرض الردّ.


(1) لصحيح الحلبيّ عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان». هذا ما رواه في الكافي بسندتامّ، ورواه الصدوق أيضاً بسنده التامّ، وزاد: «وقال في رجل استأجر أجيراً فأقعده على متاعه فسرقه، قال: هومؤتمن». الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 4 من الوديعة، ح 1 و 2، ص 79.

وفي ظنّنا أنّ مصدر اُستاذنا الشهيد(قدس سره) في فتواه بعض الروايات من قبيل: صحيحة عبدالله بن سنان قال: «سألت أباعبدالله(عليه السلام) عن العارية، فقال: لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت إذا كان مأموناً». الوسائل نفس المجلّد، ب 1 من العارية، ح 3، ص 92.

وفي نفس الباب وردت صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «سألته عن العارية يستعيرها الإنسان فتهلك أو تُسرق، فقال: إن كان أميناً فلا غرم عليه». ح 7، ص 93.

فكأنّ اُستاذنا الشهيد(قدس سره) استفاد من هاتين الروايتين في ما نحن فيه أنّه إن لم يكن الوكيل متّهماً ولو لتوفّر القرائن على صدقه فهوأمين، فالقول قوله مع اليمين، وأمّا إن كان متّهماً فهو باعتباره مدّعياً للتلف تكون عليه البيّنة.

أقول: كون الشخص أميناً أو غير أمين بابٌ غير باب الائتمان. والموكّل إذا سلّم ماله للوكيل لينفّذ فيه ما أراده الموكّل فهو ائتمان منه إيّاه، فهو من قبيل الوديعة، أو من قبيل من استأجر أجيراً فأقعده على متاعه، ولا يقاس بباب العارية، على أنّ الأخبار في باب العارية متضاربة، فقد ورد أيضاً في باب العارية بسند تامّ: «أنّ صاحب العارية والوديعة مؤتمن». راجع نفس المجلّد والباب والصفحة، ح 6. إلّا أن يقال: إنّ روايتي شرط الأمانة مفسّرتان لهذه الرواية.

333

الإذن في البيع بثمن معيّن (1)، فإن وجدت العين استعيدت، وإن فقدت أو تعذّرت فالمثل أو القيمة إن لم يكن مثليّاً (2)، ولو زوّجه فأنكر الموكّل الوكالة حلف، وعلى الوكيل نصف المهر لها، إلّا أن تعترف بعلمها بترك الإشهاد (3)، وعلى الموكّل إن كان كاذباً في إنكاره الزوجيّة طلاقها، ولو لم يفعل وقد علمت بكذبه رفعت أمرها إلى الحاكم ليطلّقها بعد أمر الزوج بالإنفاق عليها وامتناعه (4). ولو وكّل اثنين لم يكن لأحدهما الانفراد بالتصرّف إلّا إذا كانت هناك دلالة على توكيلِ كلٍّ منهما على الاستقلال، ولا تثبت إلّا بشاهدين عدلين (5)، ولو أخّر الوكيل التسليم مع القدرة والمطالبة ضمن (6).



(1) لأنّ هذا مرجعه إلى إنكار التوكيل في البيع بذاك الثمن.

(2) نحن لا نؤمن بانقسام الأشياء إلى المثليّ والقيميّ، فمتى ما وصلت النوبة إلى القيمة فالعبرة بقيمة يوم الأداء.

(3) بل الأقوى شمول الحكم لفرض اعترافها بذلك(1).

(4) لا يشترط أمر الزوج بالإنفاق وامتناعه كما أفاد ذلك اُستاذنا(قدس سره)(2).

(5) إن كان المفروض المرافعة، فالميزان هو مقاييس القضاء، فلو قلنا مثلاً بكفاية علم القاضي، جرى ذلك في المقام، وإن كان المفروض عدم المرافعة، فنحن لانؤمن بحجّيّة خبر الثقة الواحد في الموضوعات، إلّا في موارد خاصّة ثبتت بالنصّ.

(6) يجب على الوكيل تسليم ما كان بيده من مال الموكّل إليه عند مطالبته، كما في


(1) لإطلاق النصّين التامّين سنداً الدالّين على هذا الحكم، وهما: معتبرة عمر بن حنظلة، الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 4 من الوكالة، ح 1، ص 165 ـ 166، وصحيحة أبي عبيدة الحذّاء، الوسائل، ج 20 بحسب تلك الطبعة، ب 26 من عقد النكاح وأولياء العقد، الحديث الوحيد في الباب، ص 302.

(2) لأنّه مأمور بالطلاق بحكم ما أشرنا إليه من معتبرة عمر بن حنظلة.

334

مسألة: الوكيل المفوَّض إليه المعاملة بحكم المالك يرجع عليه البائع بالثمن، ويرجع عليه المشتري بالثمن، وتردّ عليه العين بالفسخ بعيب ونحوه ويؤخذ منه العوض.



>الوديعة والعارية وما شابه، وتجب المبادرة العرفيّة إليه، فلو أخّر ذلك مع القدرة والمطالبة ضمن.

335

المعاملات

21

 

 

 

 

كتاب الهبة

 

 

 

 

 

337

 

 

 

 

 

وتصحّ في الأعيان المملوكة وإن كانت مشاعة، ولا تبعد أيضاً صحّة هبة ما في الذمّة لغير من هو عليه ويكون قبضه بقبض مصداقه (1). ولابدّ في الهبة من إيجاب وقبول ولو معاطاةً من المكلّف الحرّ. ولو وهبه ما في ذمّته كان إبراءً. ويشترط فيها القبض (2)،



(1) ذهب المشهور إلى أنّ القبض شرط في صحّة الهبة وتماميّتها، ومنهم المصنّف(قدس سره)، ولهذا تنزّل(قدس سره)من الفتوى الصريحة بصحّة هبة ما في الذمّة لغير من هوله إلى قوله: «لا تبعد صحّتها»، ووجه عدم بُعد الصحّة أنّ القبض هنا أيضاً ممكن، وذلك بقبض مصداقه.

وأفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «أنّ قبضه ليس بقبض مصداقه، بل بالتخلية بين الموهوب له وذمّة المدين» وكأنّ مقصوده(قدس سره)بذلك تسليطه على ذمّة المدين بحيث يكون المدين خاضعاً له يُقبضه المصداق متى ما شاء الموهوب له، وقال(قدس سره): «وإن كان لزوم هذه الهبة متوقّفاً على القبض الاستيفائيّ بقبض المصداق» وكأنّ مقصوده(قدس سره) بذلك: أنّه بقبض المصداق يسقط ما في الذمّة، وذلك بحكم التلف والانعدام، ومن المعلوم أنّ التلف مُلزم للهبة.

أقول: ونحن لدينا عدم الوضوح في أصل شرط القبض كما سنشير إليه ـ إن شاء الله ـ في التعليق الآتي.

(2) لدينا دغدغة في ذلك؛ لأنّ الروايات التي قد يستدلّ بها على ذلك لا تخلو من

338



 

نقاش(1)، وعليه فلا يترك العمل بالاحتياط في ذلك.


(1) فمن تلك الروايات رواية أبان عمّن أخبره عن مولانا الصادق(عليه السلام): «النحل والهبة ما لم تقبض حتّى يموت صاحبها؟ قال: هي بمنزلة الميراث وإن كان لصبيّ في حجره وأشهد عليه فهو جائز». الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 4 من الهبات، ح 1، ص 232. وهذا الخبر عيبه إرساله.

ومنها: خبر داود بن الحصين عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «الهبة والنحلة ما لم تقبض حتّى يموت صاحبها؟ قال: هو ميراث، فإن كانت لصبيّ في حجره فأشهد عليه فهو جائز». نفس المجلد، ب 5 من تلك الأبواب، ح 2، ص 235. وأورده أيضاً في الباب السابق، ح 5، ص 233. وعيب السند هو سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال.

ومنها: خبر أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «الهبة لا تكون أبداً هبة حتّى يقبضها، والصدقة جائزة عليه...». نفس المجلّد، ب 4 من تلك الأبواب، ح 7، ص 234. وفي السند موسى بن عمر ولم يتّضح لدينا توثيقه، فإنّ الظاهر أنّ المقصود به هنا موسى بن عمر البغداديّ، ولا دليل على وثاقته عدا أنّ الراوي لهذه الرواية عنه هو محمّد بن أحمد بن يحيى، وابن الوليد استثنى من روايات محمّد بن أحمد بن يحيى ما رواها عن جماعة ليس هذا منهم، وقد قال السيّد الخوئيّ(قدس سره): إنّ اعتماد ابن الوليد على شخص وعمله برواياته نظنّ قويّاً أنّه مبنيّ على أصالة العدالة، ولا نقول بها.

وهناك وجه آخر لإثبات شرط القبض في الهبة غير الروايات، وهو ما كان يجري أحياناً على لسان اُستاذنا الشهيد(قدس سره): من أنّ الهبة متقوّمة أساساً بالقبض. وتوضيح المقصود: أنّ عقد الهبة ـ وهو التمليك والتملّك بين الواهب والمتّهب ـ في واقعه عبارة عن أنّ الواهب الذي تكون يده على المال

339

 



مانعة عن تملّك شخص آخر له يبرز للمتّهب الإذن في تملّكه إيّاه بالحيازة، ويقبل المتّهب ذلك فيحوزه بالقبض.

أقول: إنّ هذا التحليل لعمليّة الهبة خلاف ما أفهمه من الروايات، وإنّما هذا تحليل لعمليّة النحلة، والدليل على ذلك صحيحة أبي بصير المرويّة بطريق الشيخ التامّ، وطريق الصدوق التامّ، قال: «قال أبو عبدالله(عليه السلام): الهبة جائزة قبضت أو لم تقبض، قُسّمت أو لم تقسّم، والنحل لا يجوز حتّى تقبض، وإنّما أراد الناس ذلك فأخطأوا». الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 4 من الهبات، ح 4، ص 233.

فهذا الحديث ـ كما ترى ـ يدلّ على أنّ روح النحلة عبارة عن رفع المالك المانع عن تملّك المنحول له المال بالاستيلاء عليه، أمّا الهبة فليست إلّا تمليكاً وتملّكاً بالعقد.

وتؤيّد هذا التفسير للنحلة الآية الشريفة، وهي الآية الرابعة من سورة النساء: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْء مِّنْهُ نَفْسَاً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً﴾. فيبدو أنّ الآية تعني: أنّ صدُقات النساء الدائمات نحلة لهنّ، وليست هبة كما هو واضح، وليست في مقابل البضع كمافي المتمتّعات بهنّ اللاتي هنّ مستأجرات، وليست مقوّمة لعقد النكاح، ولهذا يجوز عقد النكاح بلا مهر وإن كان يتعيّن عندئذ لها مهر المثل.

وقد ورد في صحيحة صفوان بن يحيى قال: «سألت الرضا(عليه السلام) عن رجل كان له على رجل مال فوهبه لولده، فذكر الرجل المال الذي له عليه، فقال: إنّه ليس عليك منه شيء في الدنيا والآخرة، يطيب ذلك له، وقد كان وهبه لولد له؟ قال: نعم، يكون وهبه له ثُمّ نزعه، فجعله لهذا». الوسائل، نفس المجلّد، ب 2 من نفس الأبواب، الحديث الوحيد في الباب، ص 230.

فهذه الصحيحة صريحة في صحّة هبته لذاك الدين أوّلاً لولده، ولكن نزعه أخيراً فجعله لنفس المدين، في حين أنّ ولده لم يكن قد قبض المال حتّى بالمعنى الذي مضى نقلنا له عن اُستاذنا الشهيد من تسليطه على ذمّة المدين، وإخضاع المدين له.

 

340

ولابدّ فيه من إذن الواهب (1)، إلّا أن يهبه ما في يده فلا حاجة حينئذ إلى قبض جديد، وللأب والجدّ ولاية القبول والقبض عن الصغير والمجنون إذا بلغ مجنوناً. أمّا لو جُنّ بعد البلوغ فولاية القبول والقبض للحاكم (2)، ولو وهب الوليّ أحدهما وكانت العين الموهوبة بيد الوليّ لم يحتج إلى قبض جديد، وليس للواهب الرجوع بعد الإقباض إن كانت لذي الرحم، أو بعد التلف أو التعويض (3)، وفي التصرّف خلاف، والأقوى جواز الرجوع إذا كان الموهوب باقياً بعينه، فلو صبغ الثوب أو قطعه أو خاطه أو نقله إلى غيره لم يجز له الرجوع، والزوجان كالرحم على الأقوى (4)، وله الرجوع في غير ذلك، فإن عاب فلا أرش، وإن زادت زيادةً



(1) هذا واضح إن فسّرنا الهبة بمعنىً يكون متقوّماً بالإذن في القبض، أمّا إن كان الدليل على شرط القبض حديث «الهبة لا تكون هبة حتّى يقبضها» فبما أنّه من المحتمل قراءة «يقبضها» بصيغة باب الإفعال أو التفعيل يتوجّه أنّه لابدّ من إذن الواهب.

(2) لا شكّ أنّ كون الولاية للحاكم أحوط، ولكنّا حقّقنا في كتابنا في البيع كفاية العدالة أو الوثاقة، وعدم اشتراط الفقاهة.

(3) يقصد التلف أو التعويض بعد الإقباض.

(4) لا يترك الاحتياط بترك الرجوع في الهبة التي تكون بين الزوجين، والروايات في ذلك متعارضة(1).


(1) فهناك رواية صحيحة السند تصرّح بلزم الهبة بينهما، وهي صحيحة زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام): «... ولا يرجع الرجل في ما يهب لامرأته، ولا المرأة في ما تهب لزوجها حيز أو لم يُحز؛ لأنّ الله تعالى يقول: ﴿وَلاَ يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً﴾[ سورة البقرة، الآية: 229 ]وقال: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْء مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً﴾ [ سورة النساء، الآية: 4 ]وهذا يدخل في الصداق والهبة». الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت،

341

متّصلةً تبعت على التفصيل المتقدّم في المفلَّس، وإلّا فللموهوب له.

مسألة: في الهبة المشروطة يجب على الموهوب له العمل بالشرط، فإذا وهبه شيئاً بشرط أن يهبه شيئاً وجب على الموهوب له العمل بالشرط، فإذا تعذّر بطلت الهبة، مثلا: إذا وهبه دابّته بشرط أن يهبه الفرس فماتت الفرس بطلت هبة الدابّة(1)ورجع بها الواهب، فإن امتنع المتّهب من العمل بالشرط جاز للواهب الرجوع في الهبة، بل الظاهر جواز الرجوع في الهبة المشروطة قبل العمل بالشرط، وفي الهبة المطلقة لا يجب التعويض على الأقوى، لكن لو عوّض المتّهب لزمت ولم يجزْ للواهب الرجوع، ولو بذل المتّهب العوض ولم يقبل الواهب لم يكن تعويضاً،



(1) لا تبطل الهبة ويجوز للواهب الفسخ.


ب 7 من الهبات، ح 1، ص 239.

وهناك رواية صحيحة السند ظاهرة في عدم اللزوم، وهي صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام): «أنّه سُئل عن رجل كانت له جارية، فآذته امرأته فيها، فقال: هي عليك صدقة، فقال: إن كان قال ذلك لله فليمضها، وإن لم يقل فله أن يرجع إن شاء فيها». الوسائل، نفس المجلّد والباب، ح 2، ص 240.

وفي نقل آخر قال محمّد بن مسلم: «سألت أباجعفر(عليه السلام) عن رجل كانت له جارية، فآذته فيها امرأته، فقال: هي عليك صدقة، فقال: إن كان قال ذلك لله فليمضها، وإن لم يقل فليرجع فيها إن شاء». الوسائل، نفس المجلّد، ب 13 من الوقوف والصدقات، ح 1، ص 209.

وقد يناقش في دلالة هذه الصحيحة على عدم اللزوم بأنّه من المحتمل أن يكون المراد بها أنّه حيث تكون المفروض فيها الصدقة، فإن قصد بها القربة فهي صحيحة، وإلّا فلا؛ لاشتراطها بقصد القربة، ولا نظر لها إلى الهبة.

342

والعوض المشروط إن كان معيَّناً تعيّن، وإن كان مطلقاً أجزأ اليسير، إلّا إذا كانت قرينة على إرادة المساوي من عادة أو غيرها، ولا يشترط في العوض أن يكون عيناً، بل يجوز أن يكون عقداً أو إيقاعاً، كبيع شيء على الواهب، أو إبراء ذمّته من دَين له عليه، أو نحو ذلك.

 

343

المعاملات

22

 

 

 

 

كتاب الوصيّة

 

 

 

○  أقسام الوصيّة وأحكامها.

○  شروط الموصي.

○  الموصى به.

○  الموصى له.

○  الوصيّ.

○  منجّزات المريض.

345

 

 

 

 

 

[أقسام الوصيّة وأحكامها:]

وهي قسمان: تمليكيّة بأن يجعل شيئاً من تركته لزيد أو للفقراء ـ مثلا ـ بعد وفاته، فهي وصيّة بالملك أو الاختصاص. وعهديّة بأن يأمر بالتصرّف بشيء يتعلّق به من بدن أو مال، كأن يأمر بدفنه في مكان معيّن أو زمان معيّن، أو يأمر بأن يُعطى من ماله أحداً، أو يُستناب عنه في الصوم والصلاة من ماله، أو يوقف ماله، أو يباع، أو نحو ذلك، فإن وجّه أمره إلى شخص معيّن فقد جعله وصيّاً عنه وجعل له ولاية التصرّف، وإن لم يوجِّه أمره إلى شخص معيّن كما إذا قال: أوصيت بأن يحجّ عنّي، أو يصام عنّي، أو نحو ذلك فلم يجعل له وصيّاً معيّناً كان تنفيذه من وظائف الحاكم الشرعيّ.

(مسألة: 1) الوصيّة العهديّة لا تحتاج إلى قبول، سواء لم يجعل له وصيّاً أم جعل. نعم، لو ردّ الموصَى إليه في حال حياة الموصي وبلغه الردّ لم يلزمه العمل بالوصيّة (1). وأمّا التمليكيّة: فإن كان التمليك للنوع كالوصيّة للأقارب والفقراء



(1) بشرط أن يكون بإمكان الموصي عند بلوغ الردّ إليه الإيصاء إلى غيره، وإلّا لزم(1) ما لم يوجب الحرج، كما أفاد ذلك اُستاذنا(قدس سره).


(1) راجع الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت ب 23 من كتاب الوصايا، على الخصوص صحيحة منصور بن حازم، وهي الحديث الثالث من ذاك الباب، ص 320.

346

فهي أيضاً لا تحتاج إلى قبول، وإن كان لشخص معيّن كما إذا قال: « هذا المال لزيد » فالمشهور احتياجها إلى القبول من الموصَى له، والأظهر عدمه. نعم، لو ردّ الموصَى له كان الردّ موجباً للبطلان (1).

(مسألة: 2) تتضيّق الواجبات الموسّعة عند ظهور أمارة الموت، كقضاء الصلاة والصيام، وأداء الكفّارات والنذور، ونحوها من الواجبات البدنيّة المطلقة فتجب المبادرة إلى أدائها (2)، وإذا ضاق الوقت عن أدائها وجب الإيصاء به



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «لا يبعد عدم البطلان بالردّ حال حياة الموصي، فلو لم يردّ الموصى إليه [يقصد الموصى له]بعد وفاة الموصي، نفذت الوصيّة» وهذا المقدار الذي أفاده(قدس سره) لا شكّ في صحّته(1).

(2) الواجبات على قسمين:

أحدهما: ما لا يتضيّق وقتها لحين الحياة، كأداء الأمانة التي لم تتضيّق بمثل مطالبة صاحب الأمانة، أو فوات وقتها، فبإمكان المكلّف أن يؤجّل العمل بذلك حتّى الموت مادام واثقاً بأنّ الورثة مثلاً سيقومون بذلك قبل فوات الأوان ولو بسبب وصيّته هو.

والآخر: ما يكون وقته مدّة الحياة، كالصلاة والصوم وأداء الكفّارة ونحو ذلك.

وهذا على قسمين:

أحدهما: ما تجب عليه المباشرة فيه، كالصلاة والصوم، وهذا حكمه واضح.

والآخر: ما يقبل التوكيل، كأداء الكفّارات، فقد يتخيّل في مثل ذلك أنّه مادام قابلاً


(1) لأنّ الموصي لم يملّك الموصى له لحال حياته حتّى يقترب احتمال مبطليّة ردّ الموصى له، وعليه فتحكم إطلاقات نفوذ الوصيّة بلا إشكال.

ولولا فرض إجماع أو تسالم على مبطليّة الردّ بعد الموت إن لم يكن مسبوقاً بالقبول، لم يبعد القول بعدم مبطليّته مطلقاً، والله العالم.

347

والإعلام به على الأقوى، إلّا أن يعلم بقيام الوارث أو غيره به. وأمّا أموال الناس من الوديعة والعارية ومال المضاربة ونحوها ممّا يكون تحت يده فالظاهر عدم وجوب المبادرة إلى أدائه إلّا إذا خاف عدم أداء الوارث، ويجب الإيصاء به والإشهاد عليه إذا كان يتوقّف عليهما الأداء، وإلّا لم يجب، ومثلها الديون التي عليه مع عدم مطالبة الدائن، أمّا مع مطالبته فيجب المبادرة إلى أدائها وإن لم يخف الموت.

(مسألة: 3) يكفي في تحقّق الوصيّة كلّ مادلّ عليها من لفظ صريح أو غير صريح أو فعل وإن كان كتابةً أو إشارة، بلا فرق بين صورتي الاختيار وعدمه، بل يكفي وجود مكتوب بخطّه أو بإمضائه بحيث يظهر منه إرادة العمل به بعد موته، وإذا قيل له: هل أوصيت ؟ فقال: لا، فقامت البيّنة على وقوع الوصيّة منه كان العمل على البيّنة ولم يعتدَّ بخبره. نعم، إذا كان قد قصد إنشاء العدول عن الوصيّة صحّ العدول منه، وكذا الحكم لو قال: نعم، وقامت البيّنة على عدم الوصيّة منه، فإنّه إن قصد الإخبار كان العمل على البيّنة، وإن قصد إنشاء الوصيّة صحّ الإنشاء وتحقّقت الوصيّة.



للتوكيل، ومادام بالإمكان العمل به بعد موته، إذن يجوز له أن يؤخّره لما بعد موته مع وثوقه بالعمل بذلك بعد موته ولو بسبب الوصيّة.

ولكن الواقع أنّ هذا كان من واجبات زمان حياته، وبالموت يصبح واجباً تَرَكه في وقته، وإنّما كان يقبل التوكيل من باب أنّ فعل الوكيل في مثل ذلك كان ينسب إلى الموكّل، أو قل: مادام أنّ بذل المال كان من قبل الموكّل كان ينسب أداء الكفّارة إلى نفس الموكّل، فلو تركه حتّى عن هذا الطريق فقد ترك الواجب في حال حياته، وهذا لا يجوز. نعم، لو قصّر في ذلك وجبت عليه الوصيّة والإعلام به، لكن هذا لا يعني أنّه لم يخالف واجباً.

348

(مسألة: 4) ردّ الموصَى له في الوصيّة التمليكيّة مبطل لها إذا كان بعد الموت ولم يسبق بقبوله (1)، أمّا إذا سبقه القبول بعد الموت أو في حال الحياة فلا أثر له، وكذا الردّ حال الحياة بعد القبول على الأقوى (2).

(مسألة: 5) لو أوصى له بشيئين فقبل أحدهما وردّ الآخر صحّت في ما قبل وبطلت في ما ردّ (3)، وكذا لو أوصى له بشيء واحد فقبل في بعضه وردّ في الآخر (4).

(مسألة: 6) لا يجوز للورثة التصرّف في العين الموصَى بها قبل أن يختار الموصَى له أحد الأمرين من الردّ والقبول (5)، وليس لهم إجباره على الاختيار معجّلا، إلّا أن يلزم الضرر ففيه إشكال.

(مسألة: 7) إذا مات الموصَى له قبل قبوله وردّه قام وارثه مقامه في ذلك، فله القبول أو الردّ إذا لم يرجع الموصي من وصيّته، ولا فرق بين أن يموت في حياة الموصي أو بعد وفاته (6).



(1) لم نجد دليلاً يمكن الاعتماد عليه على تأثير الردّ في هذه الحالة عدا التسالم والإجماع.

(2) لا يبعد عدم تأثير الردّ حال الحياة حتّى قبل القبول، لأنّنا لو اعتمدنا على التسالم والإجماع، فهذا غير ثابت في الردّ في حال الحياة.

(3) ظهر ممّا سبق: أنّ الردّ إن كان ماضياً فإنّما هو في الردّ بعد موت الموصي وقبل القبول.

(4) قد عرفت تعليقنا ممّا سبق.

(5) وبتعبير أدقّ: قبل أن يختار الموصى له أحد الأمرين من الردّ وعدمه. هذا بناءً على كون ردّه مبطلاً.

(6) فصّل اُستاذنا الشهيد(قدس سره) بين ما لو مات بعد وفاة الموصي، فالمال لوارث الموصى له؛ لأنّ المفروض أنّ الموصى له لم يردّ، فقد ملك المال، وانتقل ماله لوارثه، ولا أثر لردّ وارثه أو عدم ردّه؛ لأنّ المال انتقل إليه بالإرث لا بالوصيّة، وما لو مات قبل وفاة الموصي، فعندئذ اُنيط انتقال المال إلى الوارث بعد موت الموصي بعدم ردّه، فإن لم يردّ كان له.

349

(مسألة: 8) الظاهر أنّ الوارث يتلقّى المال الموصَى به من مورِثه



وكلامه(قدس سره) له وجه فقهيّ بعد البناء على أنّ الموصى له له حقّ الردّ وعدم الردّ(1).


(1) الشقّ الأوّل من كلامه(قدس سره) ـ وهو: أنّه لومات الموصى له بعد وفاة الموصي انتقل المال لوارثه ـ واضح الصحّة.

وأمّا الشقّ الثاني لكلامه وهو: أنّه لو مات قبل وفاة الموصي اُنيط انتقال المال إلى الوارث بعدم ردّه، فإن لم يردّ كان له، فهذا يمكن تخريجه وفق القاعدة، ويمكن تخريجه وفق النصوص الخاصّة:

أمّا تخريجه وفق القاعدة، فبأن يقال: إنّ الموصى له كان له حقّ الردّ وحقّ عدم الردّ، ومن الواضح أنّ حقّ عدم الردّ حقّ ماليّ، فيورث، فالوارث إذن له حقّ عدم الردّ حتّى يمتلك المال، ويمكن النقاش في ذلك بعدم وضوح كون عدم الردّ حقّاً، فلعلّه لا يوجد إلّا جواز عدم الردّ، أو قل: عدم وجوب الردّ، وهذا ليس شيئاً يورث.

وأمّا تخريجه وفق النصوص الخاصّة، فبأن يتمسّك بصحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «قضى أمير المؤمنين(عليه السلام) في رجل أوصى لآخر والموصى له غائب، فتوفّي الموصى له ـ الذي اُوصي له ـ قبل الموصي، قال: الوصيّة لوارث الذي اُوصي له. قال: ومن أوصى لأحد شاهداً كان أو غائباً فتوفّي الموصى له قبل الموصي، فالوصيّة لوارث الذي أوصى له، إلّا أن يرجع في وصيّته قبل موته». الوسائل، ج 19، ب 30 من الوصايا، ح 1، ص 333 ـ 334.

إلّا أنّ هذا الحديث معارَض بصحيحة أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «سُئل عن رجل أوصى لرجل فمات الموصى له قبل الموصي، قال: ليس بشيء». نفس المصدر، ح 4، ص 335 بناءً على تفسير جملة «ليس بشيء» بمعنى: أنّ الوصيّة قد بطلت.

وقد تُقدّم الصحيحة الاُولى على هذه الصحيحة بأقوائيّة الدلالة؛ إذ من المحتمل أن يكون معنى «ليس بشيء»ليس هذا شيئاً ينقض الوصيّة.

وقال الشيخ الحرّ(قدس سره): يمكن حمل الحديث الثاني على التقيّة؛ لأنّه مذهب أكثر العامّة.

350

الموصَى له (1)، فتخرج منه ديونه ووصاياه، ولا ترث منه الزوجة إذا كان أرضاً، وترث قيمته إن كان نخلا أو بناءً، ويكون المدار على الوارث للموصَى له عند موته، لا الوارث عند موت الموصي (2)، وإذا مات الوارث في حياة الموصي أيضاً ففي انتقال الموصَى به إلى ورثته أيضاً إشكال (3)، وكذا الإشكال لو قبل بعض الورثة دون بعض (4).



(1) أفاد اُستاذنا(قدس سره): «هذا إذا كان الموصى له قد مات بعد موت الموصي، وأمّا إذا كان قد مات في حياته، فالمال ينتقل إلى وارث الموصى له من الموصي ابتداءً، ولا تجري عليه أحكام تركة الموصى له».

أقول: ولهذا الكلام تخريجان فقهيّان(1).

(2) المدار على الوارث للموصى له عند موته على كلّ حال، سواء فرضناه يتلقّى المال من الموصى له أو فرضناه يتلقّاه من الموصي، كما أفاده اُستاذنا(قدس سره).

(3) فلو آمنّا بأنّ الانتقال إلى الوارث الأوّل كان بمقتضى القاعدة بسبب إرثه لحقّ الردّ وعدمه، ثبت أيضاً ذلك للوارث الثاني(2)، وإلّا فلا.

(4) لو لم يردّ بعضهم، فلا إشكال في انتقال الموصى به إليهم، ولو اختلفوا في الردّ


(1) فتخريجه وفق القاعدة يتوقّف على القول بأنّ الوارث ورث من الموصى له حقّ الردّ وعدم الردّ، وأنّ هذا حقّ متقوّم بذات الوارث لا يقبل البيع، فإن لم يردّ انتقل المال من الموصى إليه ابتداءً، وقد اتّضح نقاش في هذا الوجه من نقاشنا في التعليق السابق على التخريج وفق القاعدة، وتخريجه وفق النصّ عبارة عن التمسّك بصحيحة محمّد بن قيس الماضية، حيث قال: «فالوصيّة لوارث الذي أوصى له» أو قال: «الوصيّة لوارث الذي اُوصي له».

(2) أمّا لو آمنّا بأنّ الانتقال إلى الوارث الأوّل يكون بسبب صحيحة محمّد بن قيس الماضية، فهي غيرشاملة للوارث الثاني.

وأمّا إذا مات بعد موت الموصي، فلا إشكال في انتقال الموصى به إلى ورثته.

351

(مسألة: 9) إذا أوصى إلى أحد أن يعطي بعض تركته لشخص ـ مثلا ـ فهل يجري الحكم المذكور من الانتقال إلى الوارث لو مات في حياة الموصي بتمليكه ؟ إشكال، والأظهر العدم.

 

[ شروط الموصي: ]

(مسألة: 10) يشترط في الموصي اُمور:

الأوّل: البلوغ، فلا تصحّ وصيّة الصبيّ إلّا إذا بلغ عشراً (1) وكان قد عقل، وكانت وصيّته في وجوه الخير والمعروف.



وعدمه، فإن كان موت الموصى له بعد موت الموصي، فأيضاً لا إشكال في انتقال الموصى به إلى الجميع بالإرث؛ لأنّ الموصى له مات بعد الموصي من دون ردّ حسب الفرض، فإذا ثبت إجماع على مبطليّة الردّ بعد موت الموصي، فالإجماع لم يشمل الفرض، وإن كان موت الموصى له في حياة الموصي، فالظاهر نفوذ الوصيّة بمقدار حصّة من لم يردّ بعد فرض أنّ الردّ يبطل الوصيّة بسبب الإجماع.

(1) أفاد اُستاذنا(قدس سره): «هذا فيما إذا أوصى بالثلث، وأمّا إذا أوصى بجزء يسير منه، فالأحوط للورثة إنفاذ وصيّته إذا كان ابن سبع سنين وتوفّر الشرطان الآخران». ونِعمَ ما أفاد(1).


(1) وذلك لصحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال: «إذا بلغ الغلام عشر سنين وأوصى بثلث ماله في حقّ، جازت وصيّته، وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حقّ، جازت وصيّته». الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 44 من الوصايا، ح 2، ص 361.

أمّا السبب في التنزّل من الإفتاء بذلك إلى الاحتياط، فهو ما قد يقال: من إعراض الأصحاب عن ذلك.