قتلت به»(1).
وهناك رواية رواها الشيخ الطوسي رحمه الله بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أبي عبدالله_ المردّد بين البرقي الثابت وثاقته والجاموراني غير الثابت وثاقته _ عن الحسن بن علي عن حمّاد بن عيسى عن جعفر عن أبيه عليه السلام «قال: إذا قتلت أُمّ الولد سيّدها خطأً سعت في قيمتها»(2).
وهذه تعارض الروايتين السابقتين؛ لأنّهما تدلّان على أنّه لا سعاية عليها، وهذه تدلّ على أنّها تسعى في قيمتها.
وقد جُمع بينها وبين الروايتين بوجوه:
الوجه الأوّل: ما أفاده الشيخ الأنصاري رحمه الله من إمكان حمل الأخيرة على سعيها في بقية قيمتها إذا قصر نصيب ولدها(3)، فهي قد انعتقت بمقدار نصيب ولدها، وانعتق ما زاد عن نصيب الولد بحكم السراية، ولكن يبقى عليها السعي في بقية القيمة، وعدم السعي عليها محمول على عدم السعي بالنسبة للمقدار الذي هو نصيب الولد.
الوجه الثاني: ما عن الشيخ الطوسي رحمه الله من أنّ الحديث الدالّ على السعي في قيمتها محمول على الخطأ الشبيه بالعمد؛ لأنّ من يقتل أحداً بخطأ شبيه بالعمد تلزمه الدية في ماله إن كان حرّاً، وأمّا إن كان معتقاً لا مولى له يستسعى في الدية، وهي الآن معتقة لا مولى لها فتستسعى في الدية(4)، وديتها قيمتها، وأمّا الخطأ المحض
(1) وسائل الشيعة، ج29، ص216، الباب11 من أبواب ديات النفس، ح3.
(2) تهذيب الأحکام، ج10، ص200، باب القود بین الرجال والنساء... من کتاب الدیات، ح90.
(3) کتاب المكاسب، ج4، ص140.
(4) لا يخفى أنّ أُمّ الولد لو قتلت سيّدها خطأً شبيهاً بالعمد فمقتضی القاعدة أنّها بعد أن انعتقت تكون عليها دية المولى كاملة تسلّم إلى ورثة المولى؛ لأنّ دية شبيه العمد ليست على العاقلة، وأمّا لو لم تنعتق كما لو كان قد مات ولدها فمولاها الجديد يسلّم الدية إلى ورثة المولى القديم.
فإنّه يلزم المولى، فإن لم يكن كان على بيت المال(1).
الوجه الثالث: ما عن الشيخ الطوسي أيضاً، وهو حمل الحديث الدالّ على الاستسعاء على ما لو كان قد مات ولدها، وحمل الحديث الدالّ على عدم الاستسعاء على ما إذا كان الولد موجوداً وقت موت المولى(2).
وجعل الشيخ الحرّ رحمه الله الوجه الثاني أقرب من الوجه الثالث(3).
والمهمّ أنّ أصل حديث الاستسعاء ساقط سنداً. وأمّا وجوه الجمع الثلاثة فكلّها وجوه تبرّعية.
ومن أمثلة القسم الأوّل أيضاً: ما إذا جنى حرّ عليها بما فيه ديتها.
ووجه استثنائها عندئذٍ عن منع النقل هو أنّها لو لم تكن مستولدة كان المولى مخيّراً بين دفعها إلى الجاني وأخذ قيمتها وبين إمساكها من دون أخذ القيمة؛ إذ لو أمسكها وأخذ القيمة لزم الجمع بين العوض والمعوّض، فلو طبّقنا التخيير هذا على المورد كان معنى ذلك أنّه يجوز له دفعها إلى الجاني لكي يأخذ القيمة منها.
ولكن بالمقابل أفاد الشيخ الأنصاري رحمه الله احتمال أنّ حرمة النقل تجبر المولى شرعاً على إمساكها وعدم أخذ القيمة(4).
ثم أفاد رحمه الله أنّ المسألة من أصلها موضع إشكال، فقد نقول: ليمسك الأمة؛ لأنّها مستولدة ومع ذلك يأخذ الدية؛ لأنّ الدية عوض شرعي عمّا فات بالجناية، فليس هذا جمعاً بين العوض والمعوّض(5).
(1) راجع وسائل الشيعة، ج29، ص216، الباب11 من أبواب ديات النفس، ذيل الحديث الثالث.
(2) راجع المصدر السابق.
(3) راجع المصدر السابق.
(4) کتاب المكاسب، ج4، ص140.
(5) المصدر السابق، ص140 _ 141
ومن أمثلة القسم الأوّل أيضاً: ما إذا لحقت بدار الحرب ثم استرقّت، وكذا لو أسرها المشركون ثم استعادها المسلمون.
إلّا أنّ هذا المثال _ أو هذين المثالين _ أيضاً في غير محلّه، فإنّها لو صارت إلى مولاها فهي أُمّ ولد له، ولا دليل على جواز بيعها أو نقلها، ولو فرض أنّه ملكها غير مولاها وصحّت هذه الملكية فلا يكون هذا الانتقال داخلاً في الاستثناء؛ لأنّه انتقال، وليس نقلاً من قِبل المولى، ولا بيع المولى الثاني لها داخل في الاستثناء؛ لأنّها ليست أُمّ ولد له.
وقال الشيخ الأنصاري رحمه الله: «المحكي عن الأكثر والمنصوص أنّها تردّ على مالكها ويغرم قيمتها للمقاتلة»(1).
أقول: لم أر نصّاً بهذا الصدد بشأن أُمّ الولد بالخصوص، ولعلّ الشيخ رحمه الله ينظر _ فيما فرضه منصوصاً _ إلى رواية وردت بشأن الجارية التي أُسرت من قِبل المشركين ثم أُرجعت بالغنيمة من قِبل المسلمين، والراوي هو طربال _ والذي لم نجد بشأنه توثيقاً _ عن أبي جعفر عليه السلام أو أبي عبدالله(عليه السلام)(2) «سُئل عن رجل كان له جارية فأغار عليه المشركون فأخذوها منه، ثم إنّ المسلمين بعدُ غزوهم فأخذوها فيما غنموا منهم؟ فقال(عليه السلام): إن كانت في الغنائم وأقام البيّنة أنّ المشركين أغاروا عليهم فأخذوها منه ردّت عليه، وإن كانت قد اشتريت وخرجت من المغنم فأصابها(3) بعدُ ردّت عليه برمّتها(4)، وأُعطي الذي اشتراها الثمن من المغنم من جميعه. قيل له: فإن لم يصبها حتّى تفرّق الناس وقسموا جميع الغنائم فأصابها بعدُ؟ قال: يأخذها من الذي هي في يده إذا أقام البيّنة، ويرجع الذي هي في يده إذا أقام البيّنة على أمير الجيش بالثمن».
(1) المصدر السابق، ص141.
(2) في تهذيب الأحکام، ج6، ص160، باب المشرکین يأسرون أولاد المسلمین و... من کتاب الجهاد وسیرة الإمام(عليه السلام)،ح5، عن أبي جعفر(عليه السلام)، وفي الاستبصار، ج3، ص6، ح5، عن أبي عبدالله(عليه السلام).
(3) أي: أصابها صاحبها الذي أغار عليه المشركون.
(4) أي: بجملتها الكاملة من غير تقسيم أو إشراك باقي المقاتلة.
وبالمقابل يوجد حديثان تامّان سنداً لیسا في الجارية بالخصوص، بل في مطلق المتاع أو المال:
أحدهما: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام «قال: سألته عن رجل لقيه العدوّ وأصاب منه مالاً أو متاعاً ثم إنّ المسلمين أصابوا ذلك، كيف يصنع بمتاع الرجل؟ فقال: إذا كانوا أصابوه قبل أن يحوزوا متاع الرجل ردّ عليه(1)، وإن كانوا أصابوه بعد ما حازوه فهو فيء المسلمين، فهو(2) أحقّ بالشفعة»(3).
والثاني: صحيح هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام «قال: سأله رجل عن الترك يغيرون على المسلمين فيأخذون أولادهم فيسرقون منهم أيردّ عليهم؟ قال: نعم، والمسلم أخو المسلم، والمسلم أحقّ بماله أينما وجده»(4).
وهذا كما ترى يدلّ على أنّ المتاع صار فيئاً، ولكن من حقّ ذاك المسلم شراءه من الفيء بالمال. وهناك روايتان أُخريتان غير تامّتين سنداً بمضامين أُخرى(5).
وعلى أيّ حال فأصل ما اختلفت فيه هذه الروايات ليس هنا محلّ بحثه.
والمهمّ ممّا هو مرتبط بنا أنّه على كلّ تقدير لا مورد لهذا الاسثناء في المقام.
ومن أمثلة القسم الأوّل أيضاً: ما إذا خرج مولاها عن الذمّة ومُلكت أمواله التي هي منها.
وكون ذلك أجنبيّاً عن المقام واضح أيضاً، فامتلاك أمواله انتقال، وليس نقلاً،
(1) كأنّ المقصود: إن أصاب المسلمون متاع الرجل قبل أن يحوزوه بالقتال واستطاعوا نهبه من ذاك العدوّ ردّ على ذلك المسلم، وأمّا إن أرجعوه بالقتال فهو فيء ولكن من حقّ ذاك المسلم أخذ متاعه بالثمن.
(2) في الكافي، ج5، ص42، باب من کتاب الجهاد، ح2، وتهذيب الأحکام، ج6، ص160، باب المشرکین يأسرون أولاد المسلمین و... من کتاب الجهاد وسیرة الإمام(عليه السلام)، ح3: «وهو» بدل «فهو».
(3) وسائل الشيعة، ج15، ص98، الباب35 من أبواب جهاد العدوّ وما یناسبه، ح2.
(4) المصدر السابق، ح3.
(5) راجع المصدر السابق، ص97، ح1، وص99، ح4
وأُمّ الولد ليست أُمّ ولد لمن يملكها حتّى يحرم عليها بيعه.
ومن أمثلة القسم الأوّل أيضاً: ما إذا كان مولاها ذمّيّاً وقتل مسلماً، على ما ورد في كلام الشيخ الأنصاري من «أنّه يدفع هو وأمواله إلى أولياء المقتول»(1).
وهذا أيضاً خارج عن المقام بنفس البيان الذي أشرنا إليه في المثال السابق.
وأمّا القسم الثاني: «وهو ما إذا عرض لها حقّ لنفسها أولى بالمراعاة من حقّ الاستيلاد»، وهذا التعبير هو الوارد في عبارة الشيخ الأنصاري(2)، وهو كما ترى عنوان أوسع من العنوان الذي ذكره في مستهلّ شروعه في مستثنيات المنع عن بيع أُمّ الولد وهو عنوان «تعلّق حقّها بتعجيل العتق»(3).
وعلى أيّ حال فمن أمثلة هذا القسم ما إذا أسلمت وهي أمة ذمّي.
ونصّ كلام الشيخ الأنصاري رحمه الله ما يلي: «فمن موارده ما إذا أسلمت وهي أمة ذمّي؛ فإنّها تباع عليه بناء على أنّ حقّ إسلامها المقتضي لعدم سلطنة الكافر عليها أولى من حقّ الاستيلاد المعرّض للعتق، ولو فرض تكافؤ دليلهما كان المرجع عموم صحّة البيع دون قاعدة «الناس مسلّطون على أموالهم» المقتضية لعدم جواز بيعها عليه؛ لأنّ المفروض: أنّ قاعدة «السلطنة» قد ارتفعت بحكومة أدلّة نفي سلطنة الكافر على المسلم، فالمالك ليس مسلّطاً قطعاً، ولا حقّ له في عين الملك جزماً...»(4).
أقول: أمّا رواية: «الناس مسلّطون على أموالهم» فهي ليست إلّا مرسلة عوالي اللآلي(5) وهي في غاية السقوط سنداً.
(1) کتاب المکاسب، ج4، ص142.
(2) المصدر السابق.
(3) المصدر السابق، ص118.
(4) کتاب المكاسب، ج4، ص142.
(5) عوالي اللئالي، ج3، ص208، باب التجارة، ح60
وأمّا آية ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيْلَاً﴾(1) فظاهرها _ بعد صرفها عن السبيل التكويني _ أنّها تعني أنّ الإسلام ساطع البرهان، وليس للكافرين سبيل إلى دحض حجج المؤمنين، فوزانها من حيث الدلالة وزان النبوي المرسل: «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه»(2). ولو فرض احتمال إرادة نفي التملّك أو تحريمه فغاية ما في الباب الإجمال.
نعم، يبقى في المقام حديث حمّاد بن عيسى عن أبي عبدالله(عليه السلام): «أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام أُتي بعبد ذمّي قد أسلم فقال: اذهبوا فبيعوه من المسلمين، وادفعوا ثمنه إلى صاحبه، ولا تقرّوه عنده»(3).
وهذه الرواية رواها صاحب الوسائل عن الشيخ الطوسي في النهاية عن حمّاد بن عيسى(4) وعن الكليني عن محمد بن يحيى رفعه عن حمّاد بن عيسى(5)، وعن تهذيب الشيخ الطوسي بإسناده عن محمد بن يحيى رفعه عن حمّاد بن عيسى(6).
فالرواية وفق نقل الكليني في الكافي والشيخ في التهذيب مرفوعة لا عبرة بسندها.
إنّما الكلام في إمكانية تصحيح سند الشيخ إلى حمّاد بن عيسى في نقله في النهاية، فقد يمكن أن يصحّح ذلك بذكر ثلاث مقدّمات:
المقدّمة الأُولى: دعوى ظهور نقل الشيخ في النهاية في أنّه نقل الحديث عن متن كتاب حمّاد بن عيسى.
(1) النساء: 141.
(2) وسائل الشيعة، ج26، ص14، الباب الأوّل من أبواب موانع الإرث، ح11.
(3) المصدر السابق، ج17، ص380، الباب28 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث الوحيد في الباب.
(4) النهاية، ص349، ح2.
(5) الکافي، ج7، ص432، باب النوادر من کتاب القضایا والأحکام، ح19
(6) تهذيب الأحکام، ج6، ص287، باب البینات من کتاب القضایا والأحکام، ح2.
المقدّمة الثانية: دعوى أنّه لم يكن قد وصل إلى الشيخ كتاب لحمّاد بن عيسى إلّا كتب ثلاثة بدليل أنّه لم يذكر في الفهرست عدا تلك الكتب الثلاثة، وهي كتاب النوادر وكتاب الزكاة وكتاب الصلاة، قال رحمه الله: «أخبرنا بها عدَّة من أصحابنا عن أبي المفضّل عن ابن بطّة عن أحمد بن أبي عبدالله عن حمّاد»(1).
وإن كان الطوسي في النهاية قد أخذ هذا الحديث من متن كتاب حمّاد فأكبر الظنّ أنّه أخذه من نوادره؛ لأنّ الرواية لا علاقة لها بكتاب الزكاة وكتاب الصلاة.
المقدّمة الثالثة: أنّ سند الشيخ إلى هذه الكتب الثلاثة وإن لم يكن تامّاً، ولكن يمكن الاستفادة من نظرية التعويض؛ لأنّ للشيخ أكثر من سند واحد تام إلى أحمد بن أبي عبدالله، على ما رواه القهبائي(2).
والنصّ ما يلي: قال(قدس سره) [يعني في مشيخة التهذيب]: «ما ذكرته عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي فقد أخبرني به الشيخ أبو عبدالله عن أبي الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن أبيه عن سعد بن عبدالله عنه، وأخبرني أيضاً الشيخ عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه عن أبيه ومحمد بن الحسن بن الوليد عن سعد بن عبدالله والحميري عن أحمد بن أبي عبدالله...»(3).
إلّا أنّ الذي يريبني في هذا الوجه من تصحيح السند هو التشكيك في المقدّمة الأُولى، أعني: نقل الشيخ في النهاية للحديث عن متن كتاب حمّاد؛ وذلك لما عرفت من أنّ الشيخ نفسه رواه في التهذيب بسنده إلى محمد بن يحيى مرفوعاً عن حمّاد بن عيسى.
والذي يهوّن الخطب ما أفاده السيّد الخوئي رحمه الله: من «تسالم الفقهاء من أصحابنا وإجماعهم على عدم جواز نقله إلى الكافر»(4)، وهذا يلازم وجوب نقل الأمة عن
(1) النساء: 141.
(2) وسائل الشيعة، ج26، ص14، الباب الأوّل من أبواب موانع الإرث، ح11.
(3) المصدر السابق، ج17، ص380، الباب28 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث الوحيد في الباب.
(4) النهاية، ص349، ح2.
(5) الکافي، ج7، ص432، باب النوادر من کتاب القضایا والأحکام، ح19
(6) تهذيب الأحکام، ج6، ص287، باب البینات من کتاب القضایا والأحکام، ح2.
ملك الذمّي إذا أسلمت.
فهو رحمه الله وإن كان لا يرى صحّة ما يقال من بطلان ملك الكافر للمسلم وضعاً، لكنّه يرى أنّ حرمة تمليك الكافر للرقبة المسلمة ووجوب بيعها لو أسلمت وهي تحت ملك الذمّي من المسلّمات لدى الأصحاب.
يبقى الكلام في أنّه هل يا ترى أنّ حقّها في بقائها تحت يد الذمّي حتّى تنعتق بعد موته بانتقالها إلى ولدها هو الأولى بالمراعاة أو حقّها في عدم بقائها مقهورة بيد الذمّي فتباع رغم كونها في معرض العتق؟
أفاد الشيخ الأنصاري رحمه الله: «إنّما الكلام في تعارض حقّي أُمّ ولد من حيث كونها مسلمة، فلا يجوز كونها مقهورة بيد الكافر، ومن حيث كونها في معرض العتق، فلا يجوز إخراجها عن هذه العرضة، والظاهر أنّ الأوّل أولى، للاعتبار، وحكومة قاعدة «نفي السبيل» على جلّ القواعد، ولقوله(صل الله عليه وآله): الإسلام يعلو، ولا يعلى عليه»(1).
أقول: أمّا الاستدلال بنفي السبيل وبـ «الإسلام يعلو، ولا يعلى عليه» فقد بيّنّا آنفاً ما يرد عليهما: من أنّهما لا يدلّان على أكثر من أنّ الإسلام ساطع البرهان وأنّ الكافرين لا يستطيعون دحض تلك البراهين. وأمّا الاعتبار فلا يخرج عن حيطة الاستحسان الذي لا حجّية له لدى الشيعة.
والذي يخطر ببالي عاجلاً هو أنّه لا تنافي بين الحقّين أصلاً، فلو بقيت تحت ملك الذمّي إلى أن مات انعتقت من حصّة الولد، ولو بيعت من قِبل الحكومة الإسلامية رغم الذمّي فهذا البيع ليس من قِبل مولاها الذمّي حتّى نقول ببطلانه لعدم صحّة بيع أُمّ الولد، وإنّما هذا البيع من وظيفة الحكومة الإسلامية، ودليل بطلان بيعها لم يدلّ على أكثر من أنّ البيع الذي هو من حقّ المولى ساقط، أمّا البيع الذي هو من وظيفة الحكومة الإسلامية ابتداءً أو إمضاءً لبيع المولى لو باع فلا دليل على سقوطه.
(1) کتاب المكاسب، ج4، ص142 _ 143.
وقد اتّضح بهذا أنّ هذا الفرع لا علاقة له بالاستثناء من حرمة بيع أُمّ الولد.
والمثال الثاني لهذا القسم: ما ذكره الشيخ، ونصّه ما يلي: «ما إذا عجز مولاها عن نفقتها ولو بكسبها فتباع على من ينفق عليها على ما حكي عن اللمعة وكنز العرفان وأبي العبّاس والصيمري والمحقّق الثاني»(1).
وقد استحسن الشيخ الأنصاري رحمه الله(2) المنع عن البيع؛ لإطلاق دليل المنع، فتوكَلُ نفقتها على أيّ طريق آخر شرعي من أمرها بالتكسّب، فإن عجزت أُنفق عليها من بيت المال، ولو كانت الكفاية بالتزويج زُوّجت، داعماً رحمه الله بهذا فتوى صاحب القواعد.
بل نقل رحمه الله عن القواعد: أنّه لو تعذّر الجميع ففي البيع إشكال.
بل الشيخ الأنصاري رحمه الله عبّر بتعبير «لا يبعد المنع عن البيع أيضاً [يعني حتّى مع تعذّر الجميع]، وفَرْضُها كالحرّ في وجوب سدّ رمقها كفاية على جميع من اطلع عليها»(3).
ثم استثنى الشيخ رحمه الله حالة واحدة، وهي ما لو فرض عدم ذلك أيضاً أو كون ذلك ضرراً عظيماً عليها، فقال رحمه الله: «لا يبعد الجواز»، أي: جواز البيع، واستشهد رحمه الله لذلك بعدد من الوجوه:
1_ حكومة أدلّة نفي الضرر.
2_ أنّ رفع هذا عنها أولى من تحمّلها ذلك رجاء أن تنعتق من نصيب ولدها.
3_ احتمال القصور في أصل أدلّة المنع عن البيع بدعوى أنّ دليل المنع مفاده ترجيح حقّ الاستيلاد على حقّ مالكها في البيع لا على حقّها الآخر.
ثم أمر رحمه الله بالتدبّر (4)، ولعلّه إشارة إلى أنّه لو أمكن النقاش في بعض هذه الوجوه كفانا ما عداه.
(1) کتاب المكاسب، ج4، ص143.
(2) المصدر السابق، ص144.
(3) المصدر السابق.
(4) المصدر السابق.
والمثال الثالث لهذا القسم: بيعها على من تنعتق عليه؛ لأنّ فيه تعجيل حقّها. قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: «وهو حسن لو عُلم أنّ العلّة حصول العتق، فلعلّ الحكمة انعتاقٌ خاصّ [يعني الانعتاق عن طريق إرث ولدها]. اللهمّ إلّا أن يستند إلى ما ذكرنا أخيراً في ظهور أدلّة المنع، أو يقال: إنّ هذا عتق في الحقيقة»(1).
أقول: إنّ الوجه الأوّل وهو الرجوع إلى ما ذكر أخيراً في الفرع السابق _ من احتمال القصور في أصل أدلّة المنع بدعوى أنّ دليل المنع مفاده ترجيح حقّ الاستيلاد على حقّ مالكها في البيع لا على حقّها الآخر _ لا يرجع إلى محصّل؛ لأنّه لو فرضنا أنّ الحكمة في انعتاق خاصّ فليس لها هنا حقّ آخر يوجب البيع حتّى يقال: إنّ البيع لم يكن لحقّ مالكها بل كان لحقّها، وإنّما هو بيع لحقّ مالكها، غاية الأمر أنّ الرغبة في البيع قد يكون إنّما انقدحت في نفس المولى حبّاً للتعجيل في انعتاقها.
وأمّا الوجه الثاني _ وهو أنّ هذا عتق لها في الحقيقة _ فيمكن توجيهه بأن يقال: إنّ هذا البيع ليس نقلاً لها إلى من تنعتق عليه حتّى يقال بحرمة نقل أُمّ الولد؛ لأنّ الأمة لا تنتقل إلى ولدها مثلاً ولو آناً ما، وإنّما بيعها على ولدها مثلاً يعني مجرّد افتراض الملكية التقديرية له إيّاها لا الملكية الحقيقية، فهذا البيع يوجب رأساً انعتاقها.
وعبّر الشيخ النائيني رحمه الله في منية الطالب بتعبير آخر، وهو: «أنّ أدلّة المنع عن جواز التصرّفات الناقلة من المولى لا تشمل ذلك؛ فإنّ ظاهرها المنع عن إخراجها عن ملكه الموجب لتفويت أثر الاستيلاد. وبعبارة أُخرى: تنصرف الأدلّة إلى الملك المستقرّ، لا الملك آناً مّا والنقل الموجب لانعتاقها فوراً على من اشتراها»(2).
فعلى تعبير الشيخ النائيني حتّى لو آمنّا بالملكية آناً ما لا الملكية التقديرية والافتراضية لا مانع من بيعها على من تنعتق عليه.
(1) المصدر السابق، ص145.
(2) منية الطالب، ج2، ص318 _ 319.
ثم أفاد الشيخ الأنصاري رحمه الله: أنّه «يلحق بذلك بيعها بشرط العتق، فلو لم يفِ المشتري احتمل وجوب استردادها كما عن الشهيد الثاني، ويحتمل إجبار الحاكم أو العدول للمشتري على الإعتاق أو إعتاقها عليه قهراً»(1).
أقول: أظنّ أنّ المقصود بإعتاقها عليه قهراً انعتاقها عليه قهراً، ولعلّ كلمة الإعتاق خطأ في النسخة.
وعلى كلّ حال فلو كان شرط العتق على شكل شرط النتيجة وقلنا بنفوذ شرط النتيجة فإلحاق ذلك بالبيع على من تنعتق عليه صحيح، وإلّا فلا أرى دليلاً على هذا الإلحاق.
وأمّا إلحاق بيعها ممّن أقرّ بحرّيّتها فيقال: إنّ هذا كالبيع ممّن تنعتق عليه، فلا أرى وجهاً معقولاً لذلك، والشيخ الأنصاري رحمه الله ناقش في ذلك(2) والحقّ معه.
إلّا أنّ الشيخ النائيني رحمه الله في منية الطالب ذهب إلى جواز بيعها ببيان أنّ أدلّة حرمة البيع منصرفة إلى الملك المستقرّ، وهذا الملك ليس مستقرّاً؛ لأنّ المشتري يؤخذ بإقراره فيحكم بحرّيّتها(3).
وهذا كلام غريب؛ لأنّ الحكم بحرّيّتها ليس إلّا حكماً ظاهريّاً، ونكتة الانصراف إن كانت هي عدم استقرار الملك فإنّما هو عدم الاستقرار الواقعي.
والمثال الراجع لهذا القسم: ما إذا مات قريبها وخلّف تركة ولم يكن له وارث سواها فتشتری من مولاها لتعتق وترث قريبها، ونقل الشيخ الأنصاري رحمه الله(4) عن المهذّب البارع دعوى إجماع الأصحاب عليه.
(1) کتاب المكاسب، ج4، ص145.
(2) المصدر السابق.
(3) منية الطالب، ج2، ص319.
(4) کتاب المكاسب، ج4، ص146.
ولعلّ المقصود أنّ حاكم الشرع الذي هو وارث من لا وارث له يرث تركة ذاك القريب، وبشيء من تلك التركة يشتري بالولاية هذه الأمة _ لا باختيار المولى _ ثم يعتقها حتّى ترث ما بقي من التركة؛ لأنّ المانع من إرثها إنّما هو مملوكيّتها، فيرفع الوليّ هذا المانع حتّى ترث(1)، أو يقال: إنّ حاكم الشرع لا يرث على أساس كونه وارث من لا وارث له إلّا مقدار ثمن شراء هذه الجارية فيشتريها به بالولاية ويعتقها كي ترث الباقي، أو يقال: إنّ حاكم الشرع يشتريها بالولاية من بيت المال ويعتقها كي ترث التركة.
وعلى أيّ حال فلو صحّ شيء من هذا القبيل _ إمّا إلزاماً من قِبل الشارع لحاكم الشرع أو تبرّعاً من قِبل حاكم الشرع _ ففعل ذلك بالولاية فالمسألة خارجة عن موارد الاستثناء؛ لأنّ البيع أساساً لم يكن من قِبل مولى أُمّ الولد.
وأمّا القسم الثالث _ وهو ما يكون جواز البيع لحقّ سابق على الاستيلاد _ فمن أمثلته: ما إذا كان علوقها بعد الرهن، فيصبح حقّ المرتهن في بيع العين المرهونة لدى تخلّف الراهن عن أداء الدين سابقاً على حقّ الاستيلاد فيتقدّم عليه.
ونقل الشيخ الأنصاري عن الشهيد في بعض تحقيقاته التفصيل بين ما لو وقع الوطء بإذن المرتهن وما لو وقع بدون إذنه، فإن كان بدون إذنه تقدّم حقّ المرتهن في البيع على الاستيلاد بسبب التقدّم الزمنيّ، وإن كان بإذنه فالاستيلاد الذي وقع بإذن نفس المرتهن أسقط على المرتهن حقّ البيع(2).
أقول: إنّ أصل المسألة لا علاقة لها بالاستثناء، فإنّ بيعها ليس من قِبل المولى، بل من قِبل المرتهن برغم أنف المولى الراهن، كما أنّ الذي يشتريها ليست هي أُمّ ولد له حتّى يحرم عليه بيعها بعد ذلك.
أمّا لو قلنا بأنّ بيعها حرام على المرتهن أيضاً فهذا يعني أنّ وطء مولاها لها حرام؛
(1) کتاب المكاسب، ج4، ص145.
(2) المصدر السابق.
(3) منية الطالب، ج2، ص319.
(4) کتاب المكاسب، ج4، ص146.
لأنّه يبطل حقّ المرتهن ويسقط الرهنية، ولو فعل ذلك وجب عليه تبديل العين المرهونة بتسليط المرتهن على عين أُخرى بدلاً عن تلك الأمة.
ومن أمثلة هذا القسم: ما إذا كان علوقها بعد إفلاس المولى والحجر عليه ولم تكن هي من مستثنيات الحجر، فقد تعلّق الحجر بها قبل أن يكون لها حقّ عدم البيع بسبب الاستيلاد.
ويأتي في هذا الفرع عين ما ذكرناه في الفرع السابق من أنّ بيعها يكون رغم أنف مولاها، وليس من قِبل المولى.
ومن أمثلة هذا القسم أيضاً: ما إذا كان علوقها بعد جنايتها.
قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: «وهذا في الجناية التي لا تجوّز البيع لو كانت لاحقة ]يعني بعد العلوق[، بل يلزم المولى الفداء، وأمّا لو قلنا بأنّ الجناية اللاحقة أيضاً ترفع المنع لم تكن فائدة في فرض تقديمها»(1).
أقول: إن كانت الجناية عمداً فللمجنيّ عليه القصاص وله استرقاقها كاملاً أو بعضها على حسب جنايتها، فيصير المقدار المسترقّ منها ملكاً طلقاً، وليس هذا استثناءً؛ فإنّ النقل ليس من قِبل المولى، وإنّما الخيار للمجنيّ عليه، وإذا استرقّها كلّاً أو بعضاً فقد أصبحت بذاك المقدار ملكاً طلقاً للمجنيّ عليه، وليست أُمّ ولد له، ولا فرق في ذلك بين ما إذا كان العلوق بعد جنايتها أو قبلها. وإن كانت الجناية خطأية فالجناية يتحمّلها المولى في ماله، ولا موضوع للاستثناء من دون فرق أيضاً بين كون العلوق بعد الجناية أو قبلها.
ومن أمثلة هذا القسم أيضاً: ما إذا كان علوقها في زمان خيار بائعها. قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: «فإنّ المحكي عن الحلّي جواز استردادها مع كونها ملكاً للمشتري، ولعلّه لاقتضاء الخيار ذلك، فلا يبطله الاستيلاد»(2).
(1) کتاب المكاسب، ج4، ص148 _ 149.
(2) المصدر السابق، ص149.
ثم نقل الشيخ عن جماعة «بأنّه إذا فسخ رجع بقيمة أُمّ الولد، [قال رحمه الله:] ولعلّه لصيرورتها بمنزلة التالف، والفسخ بنفسه لا يقتضي إلّا جعل العقد من زمان الفسخ كأن لم يكن، وأمّا وجوب ردّ العين فهو من أحكامه لو لم يمتنع عقلاً أو شرعاً والمانع الشرعي كالعقلي»(1). وإن شئت تمام كلام الشيخ راجع متن المكاسب.
وأقول: صحيح أنّ الفسخ إنّما يقتضي ارتفاع العقد من حين الفسخ وذلك يقتضي ردّ العين لو لم يمتنع عقلاً ولا شرعاً وإلّا رُدّت القيمة، ولكن في المقام لا يوجد مانع عقلي عن ردّ العين ولا مانع شرعي؛ لأنّ هذا ليس نقلاً من قِبل المولى حتّى يشمله دليل المنع. ولعلّ الشيخ أشار إلى ذلك في نهاية كلامه بأمره بالتأمّل(2).
وقد اتّضح بذلك أنّ هذا أيضاً لا علاقة له بالاستثناء.
ومن أمثلة هذا القسم أيضاً: «ما إذا كان علوقها بعد اشتراط أداء مال الضمان منها بناء على ما استظهر الاتّفاق عليه من جواز اشتراط الأداء من مال معيّن فيتعلّق به حقّ المضمون له، وحيث فرض سابقاً على الاستيلاد فلا يزاحَم به على قول محكي في الروضة»(3).
وتوضيح المطلب: أنّ لدينا عقداً في الفقه باسم الضمان يُنقل فيه دين المدين إلى ذمّة الضامن، ويقال: إنّ من حقّ المضمون له أن يشترط على الضامن أداء الضمان بمال خاص، فلو اشترط عليه قبل علوق هذه الأمة أداء الضمان بهذه الأمة ثم علقت بوطئها من قبل المولى الذي هو الضامن فقد تعلّق حقّ الضمان بهذه الأمة قبل حقّ الاستيلاد فيتقدّم ذلك على حقّ الاستيلاد فينقلها المولى إلى المضمون له رغم أنّها أُمّ ولد.
(1) المصدر السابق.
(2) المصدر السابق، ص150.
(3) المصدر السابق.
وقد علّق على ذلك الشيخ الإصفهاني رحمه الله بقوله: «لا يخفى عليك أنّ اشتراط أداء المضمون به بمال معيّن إمّا أن يقتضي تعلّق حقّ شرعي بالمال الخاص زيادة على ما يملكه المضمون له في ذمّة الضامن، وإمّا أن يقتضي مجرّد التكليف بالوفاء بتفريغ ذمّته بدفع المال الخاص، وإمّا أن لا يقتضي الشرط حقّاً ولا حكماً تكليفيّاً، بل يقتضي انقلاب العقد اللازم جائزاً، فله فسخ عقد الضمان ورجوع المضمون له إلى المضمون عنه.
فإن قلنا بالأوّل كان هناك حقّان: حقّ المشترط له وحقّ الاستيلاد، فيأتي حديث سبق حقّ الشرط وتقديمه بمجرّده [يعني بمجرّد التقديم] على حقّ الاستيلاد، وكلا الأمرين محلّ إشكال [يعني أنّ تعلّق حقّ شرعي بالمال الخاص محلّ إشكال؛ لأنّ الشرط لا يؤثّر إلّا على المشروط عليه لا أكثر(1)، وكون تقدّمه على العلوق يوجب تقدّمه على حقّ أُمّ الولد أيضاً محلّ إشكال، فإنّ صيرورتها أُمّ ولد بحكم التلف وتمنع المولى الضامن عن القدرة على الوفاء بالشرط].
وإن قلنا بالثاني فلا ينتج إلّا حرمة الاستيلاد وهي غير مانعة عن ترتّب حكمه عليه بعد تحقّقه.
وإن قلنا بالثالث فالأمر أوضح.
نعم، رجوع المضمون له إلى المضمون عنه بفسخ عقد الضمان خلاف المشهور، إلّا أنّه لا مانع منه عقلاً ونقلاً؛ لكفاية إطلاقات الأدلّة، ولا موجب للالتزام بأنّ عقد الضمان لا يدخله الخيار، فتدبّر»(2). انتهى كلام الشيخ الإصفهاني رحمه الله.
أقول: الخيار هنا عبارة عن خيار تخلّف الشرط، فإن كان هذا الفسخ لا يوجب دفع الضرر الناتج من تخلّف الشرط كما هو الحال في المقام _ فإنّه لو فسخ المشروط
(1) يمكن أن يفترض تعلّق حقّ شرعي بالمال الخاص عن طريق شرط النتيجة بناء على الإيمان به.
(2) حاشية كتاب المكاسب (للإصفهاني)، ج3، ص257 _ 258.
له ورجع إلى المضمون عنه لم يحصل على الأمة _ فرأي المشهور من عدم رجوع المضمون له إلى المضمون عنه بالفسخ رأيٌ متين. نعم، لو فرضنا أنّ الضامن أخلف أصل الوفاء بالضمان ولم يمكن إجباره على ذلك ففسخ المضمون له ورجوعه إلى المضمون عنه أمر معقول.
وعلى أيّ حال فقد اتّضح بهذا العرض أنّ كون هذا الفرع من فروع الاستثناء من حرمة نقل أُمّ الولد لا أساس له.
ومن أمثلة هذا القسم أيضاً: ما إذا كان علوقها بعد نذر جعلها صدقة إذا كان النذر مشروطاً بشرط لم يحصل قبل الوطء ثم حصل بعده.
وإنّما فرض النذر مشروطاً لأنّهم قالوا: إنّ النذر المطلق يخرج المنذور كونه صدقة عن ملك الناذر بمجرّد النذر، فبناءً على هذا ليست أمة له حتّى تصبح أُمّ ولد.
وإنّما فرض كون العلوق قبل تحقّق الشرط لنفس النكتة التي أشرنا إليها؛ لأنّه بعد تحقّق الشرط يقال: إنّها خرجت عن كونها أمة له، فلا تصبح بالعلوق أُمّ ولد له. أمّا إذا كان النذر مشروطاً فعلقت قبل تحقّق الشرط فقد أصبحت أُمّ ولد له؛ لأنّها علقت في حين كونها أمة له ثم تحقّق الشرط، ولكن يدّعى أنّ نفس النذر المعلّق على شرط حينما صدر من الناذر ثبّت للمتصدّق عليه حقّاً على هذه الأمة، وهذا الحقّ سابق على حقّ الاستيلاد فيتقدّم عليه.
ولكن يمكن أن يناقش ذلك بأمرين:
أحدهما: أنّ ثبوت حقّ للمتصدّق عليه على الأمة قبل تحقّق الشرط غير واضح.
والآخر: أن يقال: إنّ استيلادها كإتلافها، فيحصل الحنث.
وأفاد الشيخ الإصفهاني رحمه الله کلاماً استلهمنا منه ما يلي مع تلخيص وتغيير، فنقول: إنّ النذر إمّا مطلق أو معلّق على أمر، وعلى أيّ تقدير إمّا بنحو نذر النتيجة أو بنحو نذر الفعل:
فإن كان بنحو نذر النتيجة وكان مطلقاً وقلنا بصحّة هكذا نذر فالمنذور خارج عن ملك الناذر فعلاً، فلا يترتّب على استيلاد الأمة أثر أصلاً، فيخرج عن محلّ الكلام.
وإن كان بنحو نذر النتيجة وكان معلّقاً فاستولدها الناذر قبل حصول المعلّق عليه فهو محلّ الكلام.
نعم، إن كان تعليقه على الشرط بنحو الشرط المتأخّر فتحقّق الشرط يكشف عن أنّه كانت قد خرجت من ملكه منذ نذره للتصدّق بنذر النتيجة، فكان الاستيلاد استيلاداً في ملك الغير، ولا أثر له أيضاً كالفرض الأوّل.
فلنفترض أنّ الشرط كان بنحو الشرط المقارن أو كان بنحو الشرط المتقدّم ولكن انكشف أنّه لم يكن الشرط حاصلاً فلا ملك للمتصدّق عليه قبل حصول المعلّق عليه، والاستيلاد واقع في ملك المستولد لها، لا في ملك غيره، وذلك علّة تامّة في صيرورتها أُمّ ولد، ولم يكن النذر في ذاك الوقت إلّا مقتضياً لصيرورتها ملكاً للمتصدّق عليه، ولا أثر لهذا المقتضي في منع العلّة التامّة عن التأثير.
وإن كان بنحو نذر الفعل وكان مطلقاً فالاستيلاد قبل التصدّق واقع في الملك ويؤثّر أثره، ويحصل بذلك الحنث للنذر.
وإن كان بنحو نذر الفعل وكان معلّقاً فاستولدها قبل حصول الشرط المعلّق عليه فالأمر هنا أوضح، أي: لا إشكال في أنّ الاستيلاد يؤثّر أثره ويحرم نقلها، ولكن هنا لا حنث في المقام، بل النذر منحلّ؛ لأنّ نقلها في وقته أصبح مرجوحاً بالدليل الذي حرّم نقل أُمّ الولد.
وكون مرجوحيّته بسبب الفعل العمدي لهذا المولى من الاستيلاد قبل حصول المعلّق عليه لا يمنع انحلال النذر بالمرجوحية .
بل يمكن أن يقال الكلام نفسه في نذر النتيجة أيضاً إذا كان معلّقاً وبنحو جاز له الاستيلاد قبل حصول المعلّق عليه فَفَعَلَ فهنا أيضاً ينحلّ النذر بالمرجوحية، فإنّ
شرط النتيجة كشرط الفعل في اشتراط عدم المرجوحية(1).
وقد اتّضح بما عرضناه أنّ المسألة بجميع شقوقها خارجة عمّا نحن فيه، وهو الاستثناء عن حرمة بيع أُمّ ولد.
ومن أمثلة هذا القسم أيضاً: أي: ما يكون جواز البيع لحقّ سابق على الاستيلاد: ما إذا كان علوقها من مكاتب مشروط ثم فسخت كتابته.
قال الشيخ الأنصاري في مكاسبه: «فللمولى أن يبيعها _ على ما حكاه في الروضة عن بعض الأصحاب _ بناء على أنّ مستولدته أُمّ ولد بالفعل غير معلّق على عتقه ]أي: غير معلّق على انعتاق ذاك المكاتب المشروط [فلا يجوز له بيع ولدها ]لأنّه حرّ فلا يجوز لذاك المكاتب بيع ولدها باعتباره نتاجاً لمملوكته[»(2).
وتوضيح المقصود: أنّنا نفترض أنّ زيداً مكاتب مشروط لي وقبل أدائه لتمام مال الكتابة اشترى أمة واستولدها وأفتينا بأنّ المكاتب المشروط قبل دفع تمام مال الكتابه بحكم الحرّ، أي: أنّ ولده منها يكون حرّاً فقد أصبحت أُمّ ولد لزيد، وبعد ذلك فسخت أنا الكتابة؛ لأنّ ذاك المكاتب عجز عن أداء كلّ المبلغ، فرجعت أمته رقّاً لي فأحببتُ بيع أمته، وسبب حقّي لبيع تلك الأمة هو أنّ المكاتب كان _ من قبل المكاتبة واستيلاده لأمته _ عبداً لي، وهذا حقّ سابق على الاستيلاد.
أقول: لو وافقنا على كلّ هذه التصوّرات فالبائع للأمة ليس هو من كانت أُمّ ولد له وهو زيد، بل يتمّ البيع حتّى لو لم يرض هو بالبيع، فهذا الفرع أجنبي عن مسألة الاستثناء.
وأمّا القسم الرابع _ وهو ما يكون جواز البيع لعدم تحقّق الحكمة المانعة عن النقل _ فقد ذكر الشيخ الأنصاري رحمه الله لتصوير ذلك فرض عدم توريث الولد من أبيه لأحد موانع الإرث أو لعدم ثبوت النسب من طرف الأُمّ أو الأب واقعاً _ لفجور _ أو ظاهراً باعتراف(3).
(1) حاشية كتاب المكاسب (للإصفهاني)، ج3، ص258 _ 260.
(2) کتاب المکاسب، ج4، ص151.
(3) راجع المصدر السابق، ص151 _ 152.
وقد أفاد الشيخ النائيني رحمه الله ما نصّه: «لا يخفى أنّه بعد ما علم من أنّ المدار في انعتاق أُمّ الولد إرث الولد منها، فإذا حرم من الإرث لأحد موانع الإرث من القتل أو الارتداد أو لعدم تحقّق العلوق على وجه ينسب الولد إلى أحد أبويه فلا مانع من بيعها؛ لأنّه لا أثر لإبقائها في ملكه»(1).
أقول: يمكن افتراض طروّ أحد موانع الإرث استثناءً من دليل حرمة البيع، وذلك بدعوى أنّ مفهوم الغاية في صحيحة ابن مارد: «...إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل بعد ذلك وإن شاء أعتق»(2) له إطلاق للمنع عن البيع في كلّ الحالات، فموارد طروّ المانع عن الإرث استثناء من ذلك. أمّا فرض عدم تحقّق النسب من طرف الأُمّ أو الأب واقعاً _ لفجور _ أو ظاهراً _ باعتراف _ فمن الواضح كونه تخصّصاً لا تخصيصاً.
هذا تمام كلامنا في الموارد التي ذكرها الشيخ رحمه الله لاستثناءات حرمة بيع أُمّ الولد.
أثر الرهن علی سلطنة المالك علی ملکه
ومن أسباب خروج الملك عن كونه طلقاً كونه مرهوناً، قال الشيخ الأنصاري رحمه الله(3): «فإنّ الظاهر _ بل المقطوع به _ الاتّفاق على عدم استقلال المالك في بيع ملكه المرهون، وحكي عن الخلاف إجماع الفرقة وأخبارهم على ذلك، وقد حكي الإجماع عن غيره أيضاً. وعن المختلف _ في باب تزويج الأمة المرهونة _ : أنّه أُرسل عن النبي(صل الله عليه وآله) أنّ: «الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرّف»(4).
أقول: حرمة تصرّف الراهن في العين المرهونة بالشكل المنافي لحقّ المرتهن بعد
(1) راجع منية الطالب، ج2، ص327.
(2) وسائل الشيعة، ج23،ص172، الباب4 من أبواب الاستيلاد، الحديث الوحيد في الباب، وج21، ص201، الباب85 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الوحيد في الباب.
(3) کتاب المكاسب، ج4، ص153.
(4) مستدرك الوسائل، ج13، ص426، الباب17 من أبواب کتاب الرهن، ح15804؛ نقلاً عن درر اللآلي.
فرض تمامية عقد الرهن ليست بحاجة إلى بحث.
وفائدة فرض رواية دالّة على حرمة التصرّف هي الاستفادة منها أكثر من هذا المقدار المقطوع به والثابت على القاعدة، ولكنّنا لم نجد رواية تدلّ على ذلك يمكن دعوى الإطلاق فيها إلّا هذه الرواية التي نقلها الشيخ عن المختلف، وهي عبارة عن مرسلة درر اللآلي، ولا قيمة لها إطلاقاً.
والكلام يقع في مسائل ثلاث:
الأُولى: أنّ التصرّفات غير المنافية لحقّ الرهن هل تكون أيضاً محرّمة، أو لا؟
والثانية: أنّ البيع هل يعتبر تصرّفاً منافياً لحقّ المرتهن، أو لا؟
والثالثة: أنّ تصرّف الراهن بإيقاع عقد على العين بنحو ينافي حقّ الرهن هل يكون باطلاً على الإطلاق أو يقع موقوفاً على إجازة المرتهن أو سقوط حقّه بإسقاطه أو بالفكّ؟
أمّا المسألة الأُولى: وهي التصرّف غير المنافي لحقّ الرهن، ومثاله ما لو آجر الراهن الدار لمدّة شهر مثلاً في حين أنّ الدار كانت مرهونة لشهرين، أي: لم يكن من حقّ المرتهن بيع الدار إلّا إذا تأخّر أداء الدين أكثر من شهرين، وافترضنا أنّ إيجاره للبيت شهراً واحداً لم يكن يستهلك البيت بما يوجب نقصاً في قيمته، فمن الواضح أنّ هذا لا ينافي حقّ المرتهن ولا موجب لبطلانه عدا ما عرفته من النبويّ المنقول عن درر اللآلي والذي هو ساقط سنداً تمام السقوط، مضافاً إلى ما أفاده السيّد الخوئي رحمه الله في التنقيح من أنّ النصّ منصرف إلى المنع عن التصرّفات المنافية لحقّ الرهن مثل العتق والاستيلاد بناء على القول بأنّ الاستيلاد يمنع عن بيع المرتهن للأمة(1).
وأمّا المسألة الثانية: وهي أنّ البيع هل يعتبر تصرّفاً منافياً لحقّ الرهن فيبطل، أو لا؟
(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37،ص307.
فالصحيح أنّه لا يعتبر منافياً لحقّ الرهن في وقته الحاضر، وغاية الأمر أنّ الدار المرهونة تنتقل إلى المشتري مسلوبة المنفعة في مدّة الرهن، فإن كان المشتري غير مطّلع على ذلك كان له خيار العيب؛ لأنّ هذا يعتبر عيباً في نظر العرف، أو خيار تخلّف الشرط؛ لأنّ الشرط الارتكازي الضمني قائم على أساس عدم كون العين مرهونة.
أمّا عدم نفوذ هذا البيع فحتّى الآن لا موجب له عدا إطلاق الإجماعات المنقولة ولا قيمة لها، والنبوي الذي عرفت عدم تماميّته سنداً ودلالة.
نعم، لو لم يؤدّ الراهن دينه إلى أن استحقّ المرتهن بيع الدار فقد أصبح الوضع من الآن داخلاً في المسألة الثالثة.
وأمّا المسألة الثالثة: وهي أنّه هل العقد على العين بنحو ينافي حقّ الرهن يكون باطلاً على الإطلاق أو يقع موقوفاً على إجازة المرتهن أو سقوط حقّه بإسقاطه أو بالفكّ، فمثالها من قبيل:
1_ ما لو آجر الراهن الدار لمدّة تستهلكها بنحو يُقلّل من قيمتها.
2_ ما لو باع الراهن الدار ثم لم يؤدّ الراهن الدين إلى أن استحقّ المرتهن بيع الدار فأصبح بيع الراهن الدار منافياً لحقّ المرتهن.
3_ ما لو باع الراهن الدار وقلنا بأنّ هذا مناف لحقّ المرتهن خلافاً لما أفتينا به آنفاً من أنّ هذا لا ينافي حقّ المرتهن؛ لأنّه بيعٌ لعين مسلوبة المنفعة.
فالصحيح هو الثاني، أعني: توقّف النفوذ على إجازة المرتهن أو سقوط حقّه بإسقاطه أو بالفكّ وفاقاً للشيخ الأنصاري رحمه الله(1) وللسيّد الخوئي(قدس سره)(2)؛ وذلك لإطلاقات أدلّة العقود، ولا يمنع عن الأخذ بها لا الإجماع ولا المرسل الماضي: «الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرّف» لو غضّ النظر عن سقوطه سنداً، فإنّ معقد الإجماع
(1) راجع کتاب المكاسب، ج4، ص154.
(2) راجع موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص308.
وظاهر الرواية هو المنع عن الاستقلال في التصرّف، كما يشهد له ما في الرواية من عطف المرتهن على الراهن مع ما ثبت في محلّه من أنّ بيع المرتهن فضولي متوقّف على الإجازة، فكيف يمكن أن يكون للرواية إطلاق في منع الراهن عن البيع؟!
هذا مضافاً إلى ما ورد من صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده فقال: ذاك إلى سيّده إن شاء أجازه وإن شاء فرّق بينهما. قلت: أصلحك الله إنّ الحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون: إنّ أصل النكاح فاسد ولا تحلّ إجازة السيّد له، فقال أبو جعفر(عليه السلام): إنّه لم يعص الله، وإنّما عصى سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز»(1)، فنتعدّى من مورد الرواية إلى ما نحن فيه؛ لأنّ الراهن لم يعص الله معصية أوّلية، وإنّما عصى المرتهن، فإذا أجاز المرتهن أو سقط حقّه فهو له جائز.
إلّا أنّ هذا الحديث معارض بصحيح آخر لزرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «سألته عن رجل تزوّج عبده بغير إذنه دخل بها ثم اطّلع على ذلك مولاه؟ قال: ذاك لمولاه إن شاء فرّق بينهما وإن شاء أجاز نكاحهما، فإن فرّق بينهما فللمرأة ما أصدقها إلّا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقاً كثيراً، وإن أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الأوّل. فقلت لأبي جعفر(عليه السلام): فإنّه في أصل النكاح كان عاصياً، فقال أبو جعفر(عليه السلام): إنّما أتى شيئاً حلالاً وليس بعاصٍ لله، إنّما عصى سيّده ولم يعص الله، إنّ ذلك ليس كإتيان ما حرّم الله عليه من نكاح في عدّة وأشباهه»(2).
ووجه المعارضة أنّ هذه الصحيحة الثانية واضحة في أنّ نكاح العبد بماله صحيح؛ لقوله: «فإن فرّق بينهما فللمرأة ما أصدقها...»، فلو كان النكاح باطلاً
(1) وسائل الشيعة، ج21، الباب24 من أبواب نكا ح العبيد والإماء، ح1.
(2) المصدر السابق، ص115، ح2، وفي السند موسى بن بكر ولم يرد بشأنه توثيق، لكنّه يكفيه أنّه قد روى عنه الثلاثة.
فكيف يكون للمرأة ما أصدقها؟
فإن فرضنا أنّ هاتين الروايتين رواية واحدة وإن اختلف صدر السند فهذا النقل الثاني يفسّر لنا النقل الأوّل فتحمل الرواية الأُولى على معنى أنّ النكاح صحيح، ويكون معنى قوله: «فإذا أجازه فهو له جائز» أنّه إذا أجازه انتهى حقّ فسخه، فتكون الرواية أجنبية عن المقام.
وإن فرضناهما روايتين فأيضاً نقول: إنّ الرواية الثانية واضحة في صحّة نكاح العبد بماله وللمولى الفسخ، في حين أنّ الرواية الأُولى ليس لها إلّا ظهور في توقّف صحّة النكاح على إجازة المولى، وتحمل بقرينة الرواية الثانية على معنى أنّ للمولى حقّ الفسخ، فإذا أجاز فقد أسقط حقّ نفسه في الفسخ.
وتشهد لصالح الرواية الثانية أو النقل الثاني صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبدالله(عليه السلام): «في مملوك تزوّج بغير إذن مولاه أعاصٍ لله؟ قال: عاصٍ لمولاه. قلت: حرام هو؟ قال: ما أزعم أنّه حرام ونوله أن لا يفعل إلّا بإذن مولاه» يعني وينبغي له أن لا يفعل إلّا بإذن مولاه. وفي نسخة: «وقل: له أن لا يفعل إلّا بإذن مولاه»(1).
نعم، إذا قلنا: إنّ هذا الجمع ليس جمعاً عرفيّاً وإنّما هو جمع تبرّعي فلا إشكال في أنّ الترجيح لصحيحة زرارة الأُولى؛ لمطابقتها لإطلاق الآية المباركة: ﴿ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلَاً عَبْدَاً مَّمْلُوْكَاً لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ﴾(2) فإنّ مقتضى إطلاقها بطلان النكاح لا إمكانية فسخه للمولى.
(1) وسائل الشيعة، ج21، ص113، الباب23 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح2، ولا إشكال في أنّ الظاهر من نفي الحرمة نفي حرمة التمتّعات الجنسية.
(2) النحل: 75.
أثر الجناية العمدية للعبد علی سلطنة المالك
قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: «إذا جنى العبد عمداً بما يوجب قتله أو استرقاق كلّه أو بعضه فالأقوى صحّة بيعه، وفاقاً للمحكي عن العلّامة والشهيد والمحقّق الثاني وغيرهم، بل في شرح الصيمري أنّه المشهور؛ لأنّه لم يخرج باستحقاقه للقتل أو الاسترقاق عن ملك مولاه... وتعلّق حقّ المجنيّ عليه به لا يوجب خروج الملك عن قابلية الانتفاع به، ومجرّد إمكان مطالبة أولياء المجنيّ عليه له في كلّ وقت بالاسترقاق أو القتل لا يسقط اعتبار ماليّته»(1). انتهى ما أردت نقله عن الشيخ الأنصاري رحمه الله.
نعم، للمشتري إن كان جاهلاً بالوضع خيار الفسخ _ من غير خيار الحيوان الذي هو ثلاثة أيّام _ إن كان من الارتكاز العقلائي شرط عدم أمرٍ من هذا القبيل إمّا مطلقاً أو بعد وقوع قتله أو استرقاقه.
وفي مقابل هذا قد يدّعی أنّه إذا جنى عمداً فقد خرج من ملك مولاه وانتقل إلى ملك المجنيّ عليه، فلا معنى لبيع مولاه الأوّل إيّاه إلّا على أساس بيع الفضولي.
ويستشهد لذلك بما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسن الصفّار عن الحسن بن أحمد بن سلمة الكوفي عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال عن أبيه عن علي بن عقبة عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «سألته عن عبد قتل أربعة أحرار واحداً بعد واحد؟ قال: فقال: هو لأهل الأخير من القتلى إن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا استرقّوه؛ لأنّه إذا قتل الأوّل استحقّ أولياؤه، فإذا قتل الثاني استحق من أولياء الأوّل فصار لأولياء الثاني، فإذا قتل الثالث استحقّ من أولياء الثاني فصار لأولياء الثالث، فإذا قتل الرابع استحقّ من أولياء الثالث فصار لأولياء الرابع إن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا استرقّوه»(2).
(1) کتاب المكاسب، ج4، ص167 _ 168.
(2) تهذیب الأحکام، ج10، ص195، باب القود بین الرجال والنساء و... من کتاب الدیات، ح71؛ الاستبصار، ج4، ص274، باب العبد يقتل جماعة أحرار واحداً بعد الآخر من أبواب دیات النفوس، ح1.
وسند الحديث ضعيف بالحسن بن أحمد بن سلمة الكوفي؛ لأنّه مجهول.
وأمّا الدلالة فوجه الاستدلال بهذا الحديث هو استظهار انتقال العبد الجاني إلى ورثة المقتول، ولهذا يقول: إنّه ينتهي الأمر إلى ورثة المقتول الرابع؛ لأنّه انتقل بقتل الأوّل إلى أولياء الأوّل، فحينما قتل الثاني صار إلى أولياء الثاني لا من المولى القديم، بل من أولياء المقتول الأوّل فأصبح لهم، ولم يكن أولياء الأوّل والثاني شركاء فيه؛ لأنّه لم ينتقل في عرض واحد من المولى القديم إلى کلا وليّي المقتولين، وهكذا انتقل إلى وليّ الثالث أو أوليائه، وبالنهاية استقرّ لدى وليّ الرابع أو أوليائه، فإن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا استرقّوه.
إلّا أنّه في مقابل هذه الرواية توجد روايات أُخرى وبعضها تامّة السند تحكم باشتراك أولياء المجنيّ عليهما في العبد، وهذا يعني: أنّ المولى القديم يدفعه إليهما في عرض واحد، وليس ينتقل قهراً من المولى القديم إلى المجنيّ عليه، وإلّا لكانت النتيجة ما مضى في رواية علي بن عقبة من استقراره للأخير دون اشتراك الجميع فيه.
فإليك صحيحة زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام): «في عبد جرح رجلين قال: هو بينهما إن كانت جنايته تحيط بقيمته. قيل له: فإن جرح رجلاً في أوّل النهار وجرح آخر في آخر النهار؟ قال: هو بينهما ما لم يحكم الوالي في المجروح الأوّل: قال: فإن جنى بعد ذلك جناية فإنّ جنايته على الأخير»(1).
وإليك رواية النوفلي عن السكوني عن أبي عبدالله(عليه السلام): «في عبد شجّ رجلاً موضحة ثم شجّ آخر؟ فقال: هو بينهما»(2).
فإن أردنا أن نجمع بين رواية علي بن عقبة وهاتين الروايتين يجب أن نحمل رواية علي بن عقبة على فرض ما إذا حكم الوالي لورثة المقتول الأوّل بالعبد ثم حكم الوالي لورثة المقتول الثاني... وهكذا إلى أنّ استقرّ لورثة الأخير.
(1) وسائل الشيعة، ج29، ص104، الباب45 من أبواب قصاص النفس، ح1.
(2) المصدر السابق، ح2. والموضحة تعني: الشجّة التي توضح العظم.