345

هذا، وقد تلخّص من كل ما ذكرناه: أنّ التعدي في باب الزكاة من النقدين إلى الأوراق المالية الاعتبارية المألوفة اليوم، بعد تسليم كون تفاصيل أحكام الزكاة أحكاماً إلهية لا ولائية، لا يخلو من إشكال.

إلا أنّ المهم هو أنّنا نعتقد على أساس مبدأ الولاية بأنّ من حق ولي الأمر فرض الضرائب على الأموال في حدود ما يراه من المصالح الاجتماعية وليس من المهم أن تصبح هذه الضرائب محكومة بحكم ما اصطلحت عليه الزكاة من حرمة صرفها على ذوي القربي.

المسألة الثانية: في تعلّق الخمس بالأوراق المالية وقد ذكرنا بهذا الصدد إشكالين:

الإشكال الأوّل: في تعلّق الخمس بما يمتلك من هذه الأوراق بالهبة، بناءً علی الإيمان بأنّ الهبة يتعلّق بها الخمس، وبناءً علی الإيمان بأنّ الهبة متقوّمة بالقبض، فعندئذٍ يقال: إنّ هذه الأوراق كانت مجرّد شيكات وسندات، فلا معنی لتعلّق الخمس بها إلا بقيمتها الضئيلة الذاتية إن كانت لها قيمة ذاتية، أما بقوّتها الشرائية الاعتبارية فلا. كما لا معنی لتعلّق الخمس بأرصدتها لعدم حصول القبض المملّك.

والجواب عن هذا الإشكال هو: ما عرفت مفصّلاً في المسألة الأولي من منع كون هذا الأوراق مجرّد شيكات وسندات لها مالية اعتبارية اجتماعية.

الإشكال الثاني: هو الإشكال في خمس أرباح المكاسب في الأوراق المالية؛ وذلك ببيان أنّ من كان رأس ماله المخمّس مائة دينار مثلاً ثم زاد في السنة الثانية إلی مائة وعشرين ديناراً فالفتوي عادة تكون بوجوب تخميس العشرين، في حین أنّه یمكن أن یقال: إنّ هذا وإن صحّ في الدنانیر الذهبیة مثلاً لكنه لا یصح في الأوراق الاعتباریة مع حالة التضخم؛ وذلك لأنّ المائة والعشرین ديناراً في السنة الثانية قد تساوي قوّتها الشرائية القوة الشرائية للمائة دينار في السنة السابقة، أو تكون أقل، فلم يحصل في الحقيقة الربح حتی يجب تخميسه.

346

ويمكن الجواب عن ذلك بأنّ هذا الإشكال قد يتوجّه بناءً علی كون هذه الأوراق قوّة شرائية متجسّدة؛ لأنّه لم يزد شيء علی ما كان يمتلكه من القوّة الشرائية، وذلك نتيجة للتضخّم، فكيف يخمّس الزيادة؟ أمّا بناءً علی كون هذه الأوراق أموالاً اعتبارية تحمل قوة الشراء، أو قل تحمل قيمة شرائية كما هو الحال في سائر السلع، فلا يتوجّه هذا الإشكال؛ لأنّ هذا المال قد زاد لا محالة فأصبح مائة وعشرين دیناراً بعد ما كان مائة دينار، فلابدّ من تخميس الزيادة.

والمبنی الأوّل باطل؛ لأنّ افتراض القوّة الشرائية التي هي أمر معنوي مُتَجسَّد في عين من الأعيان ليس عرفياً، وإنّما الشيء المفهوم عرفاً كونها حالة معنوية تحتملها الأعيان، فالمتعيّن هو الثاني، وهو أنّ هذه الأوراق أصبحت بمنزلة السلع، وتحمل قيمة اعتبارية، غاية الأمر أنّ قيمتها متقوّمة بالاعتبار ولیست قیمة حقیقية، ولیس هذا غریباً علینا، فإنّ لدینا أُنساً ذهنیاً سابقاً بالقیم الاعتباریة غیر الحقيقية، كما هو الحال في مقدار كبير من قيمة الأحجار الكريمة، فالمنفعة الأصلية غير الاعتبارية لحجر كريم كالزينة مثلاً قد لا تزيد علی منفعة حجر آخر غير كريم، بل قد تقل عنها، ولكن قيمتها الاعتبارية تفوق قيمة الحجر الآخر بأضعاف المرّات، وليس هذا إلّا بالاعتبار، نعم الفرق بين هذا الاعتبار واعتبار الأوراق أنّ المنشأ الأوّلي للاعتبار في الأوراق هو شخص معيّن أو جهة معيّنة وقد اتّبعه المجتمع لسلطته وقدرته أو لأيّ سبب آخر، في حين أنّ المنشأ لهذا الاعتبار في الأحجار الكريمة هو المجتمع مباشرة. وهذا الفرق ليس فارقاً في المقام، فكما أنّ الذهب أو أي حجر كريم يمتلكه أحد لو زاد في السنة الثانية كان عليه تخميس الزيادة ولو فرض انكسار قوّته الشرائية أو قيمته السوقية في تلك السنة، كذلك الحال في هذه الأوراق.

المسألة الثالثة: إنّ الأوراق الاعتبارية هل تلحق بالذهب والفضّة في حرمة التفاضل أو لا؟

347

ومن الطبيعي أنّ إشكال التفاضل يختص بالجنس الواحد، ووحدة الجنس أمر عرفي، فلا يقصد به في المقام كونه ورقاً أو كونه نحاساً مثلاً أو أي شيء آخر، بل يقصد به كونه كلمة واحدة، فالتومان مثلاً كله جنس واحد سواء صنع من الأوراق أو من غير الأوراق، فهل يجوز التفاضل في صرف التومان بالتومان مثلاً؟

إنّ إشكال التفاضل في الصرف يمكن أن ينشأ من أحد وجهين:

الأول منهما مطلق، والثاني منهما يختص بفرض النسيئة.

الوجه الاوّل: التعدّي من باب الصرف الوارد في الذهب والفضّة إلی الأوراق الاعتبارية، بدعوی أنّ العرف يلغي خصوصية الذهب والفضّة ويفهم أنّ المقياس في حرمة التفاضل كونه نقداً رائجاً، فكما يحرم التفاضل في تبديل الذهب بالذهب أو الفضّه بالفضه كذالك يحرم ذلك في هذه الأوراق.

إلّا أنّ هذا التعدّي في غاية الإشكال؛ لأنّ احتمال الخصوصية وارد لا محالة، والجزم بكون المقياس نقداً رائجاً لا وجه له. وتؤيد احتمال الفرق وعدم إمكان التعدي عدّة أُمور:

الأول: أنّ حرمة التفاضل لم تكن مخصوصة بفرض ثبوت السكة الرائجة علی الذهب والفضّة، بل هي ثابتة في ذات الذهب والفضّة وإن لم يكن نقداً رائجاً، اللهم إلّا أن يفترض أنّ الذهب والفضّة لهما لدی الأعراف الاجتماعية حظّ من النقديّة والثمنية ولو لم يكونا مسكوكين، وأنّ هذا كان هو الملاك في الحكم لا خصوص رواج النقد.

والثاني: أنّ نفس الحكم ثبت في كلّ مكيل وموزون ولم يختص أصلاً بالذهب والفضّة.

والثالث: حرمة التفاضل حتی مع فرض الاختلاف في الجودة والرداءة مما يشهد لكون الحكم تعبّدياً بحتاً لا بنكتة عقلائية اقتصادية ثابتة في الأوراق أيضاً، فإنّ تلك النكتة العقلائية إن كانت هي الموثرة _ وهي ثبوت الربح بلا مقابل مثلاً _ لا تكون في ما إذا كانت الزيادة في القسم الرديء في مقابل القسم الجيد. اللهم إلّا إذا فرض

348

أنّ تلك النكتة حكمة لتحريم التفاضل علی الإطلاق، وإن كانت قد تتخلّف في بعض الموارد، كما يشهد لذلك تعليل التحريم في بعض الروايات بتلك النكتة، من قبيل: ما ورد بسند غير تام عن علي بن موسي الرضا(علیه السلام): وعلة تحريم الربا لما نهی اللّه(وجل عز) عنه، ولما فيه من فساد الأموال؛ لأنّ الإنسان إذا اشتری الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهماً وثمن الآخر باطلاً، فبيع الربا وشراؤه خسارة علی كلّ حال علی المشتري وعلی البائع، فحرّم اللّه(وجل عز) علی العباد الربا لعلّة فساد الأموال، كما حظر علی السفيه أن يدفع إليه ماله لما يتخوّف عليه من فساده حتی يؤنس منه رشد. فلهذه العلّة حرّم اللّه(وجل عز) الربا وبيع الدرهم بالدرهمين.(1)

الوجه الثاني: _ وهو يختص بما إذا كان ما فيه الزيادة مؤجّلاً، وهو الوجه الصحيح _ أنّ الزيادة في الأوراق المؤجلة مشمولة لأدلّة حرمة الربا القرضي من الآيات والروايات وذلك بأحد بيانين:

الأول: أنّ إطلاق الربا يشمل ذلك، فإنّنا لا نحتمل أنّ مجرد الفرق في التكييف بجعله قرضاً أو بيعاً يكون له دخل في صدق عنوان الربا وعدمه، والقرائن التي توجب صرف مطلقات الآيات أو الروايات عن الربا المعاملي لا تشمل هذه المعاملة التي لا تختلف في روحها عن القرض، وذلك من قبيل قوله تعالي: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾(2) أو قوله تعالي: ﴿أَضْعَافَاً مُضَاعَفَهً﴾(3). مما أوجب صرف الآيتين إلی الربا القرضي، فإنّ هذا النحو من المعاملة وهو بين مبلغ من الأوراق نسيئة بمبلغ من نفس الجنس نقداً أقل من ذاك المبلغ، لا يخرج بمثل هذين التعبيرين، كما هو واضح.

 


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص121، الباب الأول من أبواب الربا، ح11.

(2) البقره: 279.

(3) آل عمران: 130.

349

والثاني: أنّنا لو سلّمنا عدم الإطلاق اللفظي فلا نشك في التعدي العرفي، فليس من المحتمل أنّ مجرد تحويل صيغة القرض إلی صيغة البيع المؤجّل يحلّ مشكلة الربا، وإلّا لأمكن حلّ مشكلة الربا من الباب الواسع وبعرضه العريض بلا أيّ استثناء، لإمكان إرجاع كلّ قرض إلی البيع المؤجّل.

أمّا المبادلة بين سنخين من الأوراق، أعني بين عُملتين كالتومان والدولار مثلاً فإذا كانا نقدين فلا إشكال في جوازها، مهما فرضت الزيادة في أحد الطرفين، وأمّا إذا كان أحدهما مؤجّلاً _ بناءً علی عدم قبول شرط القبض في ما سيجيء إن ‌شاء الله من البحث في المسألة الرابعة _ فإن لم يجعل للأجل قسط من الزيادة فلا إشكال في ذلك؛ وإن جعل للأجل قسط من الزيادة فالبيان الأول من البيانين اللذين ذكرناهما _ وهو دعوی الإطلاق اللفظي _ لا يأتي في المقام ولكن البيان الثاني _ وهو التعدّي العرفي _ قد يتمّ في المقام.

المسألة الرابعة: إنّ الأوراق الاعتبارية هل تلحق بالذهب والفضّة في شرط القبض أو لا؟

ومقصودنا هنا هو شرط القبض في مبادلة الذهب بالفضّة لا الذهب بالذهب أو الفضّة بالفضّة؛ إذ لا إشكال في مبادلة الذهب بالذهب أو الفضّة بالفضّة بلا تفاضل من دون شرط القبض، إلّا إذا اشترطنا القبض في مطلق المتجانسين أو عدم النسيئة، فإن اشترطنا القبض أو عدم النسيئة في مطلق المتجانسين كان ذلك شرطاً أيضاً في الذهب وفي الفضّة وفي الأوراق الاعتبارية، وعدم النسيئة أعمّ من القبض. وتحقيق المطلب موكول إلی محلّه.

أمّا شرط القبض في مبادلة الذهب بالفضّة فهو الوارد في روايات عديدة(1)معارضة

 


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص167، الباب2 من أبواب الصرف.

350

بروايات أخری(1)والمشهور علی الأوّل. وأصل البحث موكول إلی محلّه، إلّا أنّ الذي نريد أن نقوله هنا هو أنّه بناءً علی شرط القبض في مبادلة الذهب بالفضّة فهل نتعدّی من ذلك إلی الأوراق الاعتبارية إذا كانت من سنخين _ أي كانت المبادلة بين عملتين _ أو لا؟

الظاهر أنّ التعدّي مشكل؛ لأنّ ذلك حكم تعبّدي بحت لا نعرف ملاكه، ولا يستبعد العرف الفرق، خصوصاً وأنّ الحكم لم يكن مخصوصاً بالمسكوكين حتی يحمل علی مطلق النقد الرائج، اللهم إلّا أن يقال إنّ الذهب والفضّة لهما حظّ من النقدية والثمنية ولو لم يكونا مسكوكين، وإنّ الحكم بوجوب القبض كان بهذا اللحاظ.

المسألة الخامسة: هل يمكن تصحيح الزيادة وتخريجها فقهياً في الأوراق الاعتبارية في القرض إذا لم تزد علی مقدار التضخّم أو لا؟ وما هو حكم النقيصة لدی فرض انخفاض التضخّم؟ وكذلك الحال في سائر الضمانات كضمان الغصب مثلاً. ولتصحيح أخذ الزيادة في قرض الأوراق الاعتبارية من دون لزوم الربا وجهان:

الوجه الأوّل: أنّ هذه الأوراق قوّة شرائية متجسّدة، فحينما أقرضه مقداراً من القوة الشرائية فقد انشغلت ذمّة المدين بذاك المقدار، وعليه أن يردّ في وقت الأداء نفس ذاك المقدار من القوّة الشرائية فإذا انخفضت القوّة الشرائية للأوراق بازدياد التضخّم كان عليه إرجاع كميّة أكبر من تلك الأوراق تساوي قوّتها الشرائية التي اقترضها قبل ذلك.

وهذا التخريج كما يخرّج الزيادة لدی شدّة التضخّم كذلك يخرج النقيصة لدی انخفاض التضخّم، أي أنّه لدی انخفاض التضخّم يكون من حقّ المدين أن يدفع مبلغاً أقل مما أخذه من الأوراق، وتكون النقيصة بمقدار ما يناسب انخفاض التضخّم؛

 


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص167، الباب2 من أبواب الصرف.

351

لأنّه كان قد استدان منه في الحقيقة قوّة شرائية، والآن عليه أن يردّ نفس تلك القوّة وهي متجسّدة اليوم في مبلغ أقل من تلك الأوراق.

هذا وقد عرفت في ما سبق بطلان هذا المبنی، وأنّ افتراض تجسّد أمر معنوي وهو القوّة الشرائية ليس عرفياً.

والوجه الثاني: وهو أقوي الوجهين: أنّ هذه الأوراق أموال اعتبارية تحمل قوّة شرائية، وهي أموال مثلية تكون قوّتها الشرائية من صفات المثل، فلابدّ من الاحتفاظ بها لدی الأداء، ولذا يجب إرجاع مبلغ أكبر لدی ضعف القوة الشرائية في وقت الأداء بالتضخّم.

وهذا الوجه يخرّج الزيادة لدی شدّة التضخّم، ولكنه لا يخرّج النقيصة لدی انخفاضه، فالمقترض مدين بصفة القوّة الشرائية وبكميّة المال أيضاً، فإذا ارتفعت القوّة الشرائية كان عليه ردّ نفس المقدار من الأوراق حفاظاً علی الكميّة، وإذا انخفضت القوّة الشرائية كان عليه ردّ مقدار أكبر حفاظاً علی صفة القوة الشرائية.

وقد يورد علی هذا الوجه: أنّ اختلاف القوّة الشرائية ليس مخصوصاً بالأوراق الاعتبارية، بل الذهب والفضّة قديماً أيضاً كانا يبتليان باختلاف القوّة الشرائية صعوداً تارةً ونزولاً أُخری، وباختلاف القيمة السوقية لدی مقايسة أحدهما بالآخر، وكلّ هذا لم يكن يؤثّر في تحريم الزيادة واعتبارها رباً ومشموليتها لقوله تعالی: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾(1).فلماذا يفترض ذلك مؤثراً في الحكم بالنسبة للأوراق الاعتبارية؟

بل إنّ اختلاف القوّة الشرائية أمر يعتري جميع السلع، فكلّ سلعة من السلع قد تضعف قوّتها الشرائية أو تقوی بسبب كثرة العرض أو الطلب أو قلته أو بأي سبب آخر، ولا تعتبر القوّة الشرائية من صفات المثل التي يجب الاحتفاظ بها من قبل المدين لدی

 


(1) البقرة: 279.

352

ردّ الدين في المثليات، فلماذا ندخلها في صفات المثل في خصوص الأرواق الاعتبارية؟

وما يمكن أن يذكر كجواب عن هذا الإشكال هو: أنّ القوّة الشرائية لم تكن تعتبر في الذهب والفضة وكذلك في سائر السلع منفعة استعمالية، بل كانت هي المنفعة السوقية، وما يدخل عرفاً في صفات المثلية إنّما هي المنافع الاستعمالية لا السوقية، فكانت الزيادة صادقة حقيقة في نظر العرف بمجرد الازدياد في الكميّة، سواء زادت بذلك المنفعة السوقية أو لا، وأمّا هذه الأوراق الاعتبارية المتداولة اليوم فبما أنّها لا منفعة لها تذكر غير نفس القوّة الشرائية، فقوّتها الشرائية هي التي تعتبر عرفاً بمنزلة المنفعة الاستعمالية، أي تعتبر داخلة في أوصاف المثل، أمّا ما هو المقياس في تشخيص مقدار القوّة الشرائية أو مبلغ التضخّم، فقد ذكر أستاذنا الشهيد(رحمه الله) أنّ ذلك يقدّر بسعر الصرف بالذهب(1)ولم‌ يذكر الوجه في ذلك، ولعلّ الوجه في ذلك دعوی عرفية هذا التقدير، باعتبار أنّ العرف ينظر إلی الذهب بمنظار كونه نقداً وثمناً ذاتياً، ولعلّ الأولی من هذا ما لعلّه المتعارف اليوم من تعيين درجة التضخّم بالأخذ بأمر وسط بعد أخذ كل السلع ومدی تضخّم قيمها بعين الاعتبار.

وعلی أیة حال، فهذا الوجه الذي ذكرناه لتصحیح أخذ الزیادة في مورد ردّ القرض بالمبلغ المناسب للتضخّم أو المقدّر بصرف الذهب قابل للمناقشة نقضاً وحلّاً:

أمّا النقض: فبأنّ الذهب والفضة وإن كانت لهما منفعة استعمالية غير القوة الشرائية لكن الغالب في ‌خصوص المسكوكين منهما أنّه لم يكن يستفاد منهما في المنافع الاستعمالية إلّا بالتذويب وإخراجهما عن كونهما مسكوكين، وكانت الاستفادة شبه المنحصرة من المسكوكين عبارة عن الاستفادة من قوّتهما الشرائية، فلئن كان انحصار الفائدة لهذه الأوراق الاعتبارية في القوة الشرائية سبباً في إدخال

 


(1) راجع الإسلام يقود الحياة، الحلقة السادسة، ص109.

353

العرف للقوّة الشرائية في صفات المثل، وعدم صدق الزيادة بمجرّد الزيادة في الكم ما لم تقترن بزيادة في القوّة الشرائية، لكان انحصار الاستفادة عملاً في ذلك في الذهب والفضة المسكوكين بالقوة الشرائية أيضاً سبباً في إدخال ذلك في صفات المثل، ولازم ذلك جواز أخذ الزيادة في الذهب المسكوك أو الفضة المسكوكة لدی نزول القوة الشرائية لأحدهما صدفة، ولا أظنّ أحداً يلتزم بذلك. نعم الفرق بين الموردين هو: أنّ هذه الأوراق تكون منفعتها منحصرة في ذاتها في القوة الشرائية، لكن الذهب والفضة المسكوكين ليست منفعتهما منحصرة بالذات في ذلك، لإمكان الاستفادة الاستعمالية منهما ولو بالتذويب. ولكن دعوی كون هذا الفرق فارقاً، رغم أنّ الغالب في العمل عدم الاستفادة الاستعمالیة منهما بالتذویب المؤدي إلی خسارة قيمة السكة وندرة الاستفادة الاستعمالية مع الاحتفاظ بالسكة عهدتها علی مدّعيها.

وأمّا الحلّ: فبأن يقال: إنّ للشيء المثلي عدة ألوان من الأوصاف، فيجب أن نری أي لون منها يكون داخلاً في مثلية المثل.

اللّون الأول: الأوصاف الذاتية للشيء كالسواد والبياض وما إلی ذالك، وأقصد بالأوصاف الذاتية أوصاف الشيء التي ليست بلحاظ المقایسة إلی مناشئ حاجات الإنسان، ولا المقايسة إلی سائر الأموال، وإن كانت هي مصبّاً للحاجات أو للمقايسة إلی سائر الأموال، فاللون أو الطعم قد يكون مطلوباً ومصبّاً للحاجة أو يقايس به بين سلعة وسلعة، لكنه بحدّ ذاته صفة للسلع بغضّ النظر عن مناشئ حاجة الإنسان أو سائر السلع والأموال.

واللّون الثاني: الأوصاف النسبية الراجعة إلی المقايسة مع مناشئ الحاجات الاستعمالية أو الاستهلاكية للناس، كوقاية الثوب من البرد التي تقاس بالبرد وتنعدم لدی حرّ الهواء، وكمشبعية الخبز التي تقاس بجوع الإنسان وتنعدم لدی شبع الإنسان، وكتأثير الدواء في الشفاء الذي يقاس بالمرض وينعدم بالصحة والسلامة.

354

وهذه الأوصاف تتقوّم عادة بجانبين: جانب ذاتي للسلعة، وجانب آخر خارج عن حدّ السلعة، وهي بمقدار ما ترجع إلی الجانب الذاتي تدخل في القسم الأوّل، وإنّما تعتبر وصفاً نسبياً في مقابل الوصف الذاتي بلحاظ الجانب الآخر، فمثلاً وقاية الثوب بمقدار ما ترجع إلی ضخامة الثوب وصف ذاتي للثوب، فلو أنّ أحداً استعار ثوباً ثم خفّت وقايته عن البرد لدی ردّه إلی صاحبه نتيجة للاستعمال الذي أدّی إلی تقليل ضخامته، فقد تغیّر وصف ذاتی للثوب وهو ضخامته أو وقایته بقدر ما ترجع إلی ضخامته. أمّا لو استعار ثوباً ثم انعدمت وقايته عن البرد لدی ردّه إلی صاحبه بسبب حرّ الهواء، فهذا لا يعتبر تغيّراً في الوصف الذاتي للثوب، وكذلك الدواء لو خفّ تأثيره في الشفاء نتيجة افتقاره لبعض خواصه بسبب مرور الزمان عليه، كان هذا تغيراً في الوصف الذاتي، ولكن لو خفّ تأثيره في الشفاء نتيجة تقدّم المجتمع في كيفية الوقاية عن الأمراض ممّا أدی إلی التقليل المرض في المجتمع، فليس هذا تغيراً في الوصف الذاتي لهذا الدواء. وكذلك الخبز لو قلّ تأثيره في الإشباع نتيجة التنقيض من كمّيته، فهذا تغير في وصفه الذاتي، أمّا لو قلّ في الإشباع نتيجة شبع الناس بعامل آخر فهذا ليس تغيراً في الوصف الذاتي.

والثالث: الأوصاف النسبية الراجعة إلی المقايسة مع باقي السلع أو الأموال كالغلاء والرخص والقوة الشرائية، فهذه أيضاً لا تعتبر أوصافاً ذاتية للشيء، فلو رخص المتاع أو غلا وقلّت قوّته الشرائية أو زادت لم يكن ذلك تغيراً في ما يرجع إلی ذات ذاك المتاع.

والأوصاف الدخلية في المثل عرفاً أي الداخلة في قوله تعالي: ﴿إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكمْ﴾ إنّما هو القسم الأوّل من الأوصاف، ولهذا تری أنّه لو استطاع أحد التأثير في طقس الهواء بكسر البرد القارص بعملية من العمليات لا يقال عرفاً أنّه قد تصرّف في‌ الملابس الشتوية للناس، حيث قلّل من منافعها الاستعمالية أو من قيمها السوقية بسبب كسر البرد الموجود. نعم لو أثر تأثیراً كیمیاویاً في الهواء بحیث أدی

355

ذلك إلی تضرّر تلك الألبسة بفقدانها للمقاومة والدوام بسبب تغيّر الوضع الكيمياوي للهواء فقد صدق أنّه سبّب تغييراً في ذوات الألبسة.

وهذا الذي ذكرناه لا يعني الإنكار نهائياً لضمان ما سمّيناه بالأوصاف النسبية، فبالإمكان أن يدّعی ضمان القسم الثاني من الأوصاف في بعض الموارد إذا شمله دليل من أدلّة الضمان. فمثلاً: لو أنّه غصب ثلجاً في الحرّ الشديد ثم أرجع نفس المقدار من الثلج إلی مالكه في الشتاءالشديد البرد، فهنا قد يقال بأنّ حيلولته بين المالك وبين المنفعة الاستعمالية العظيمة التي كانت للثلج في أيام الحرّ والتي انتفت مع شدة البرد أوجبت ضمانه لتلك المنفعة الاستعمالیة، وعدم كفایة إرجاع المثل في الخروج عن ضمان الغصب، وذلك لانطباق أحد أسباب الضمان وهو الإضرار مثلاً علی هذه الحيلولة أو لدلالة قاعدة «لا ضرر ولا ضرار» علی الضمان في المقام حتی بعد إرجاع ما يساوي ذلك الثلج، لكن هذا لا يعني أنّ هذه المنفعة الاستعمالية التي انتفت ببرد الهواء كانت من صفات المثل، بحيث لو أرجع إليه في الشتاء ما يساوي ذلك الثلج لم يرجع إليه المثل. والدليل علی ذلك أنّه لو لم يغصب منه ثلجاً لكنّه أثر تأثيراً كيمياوياً في الهواء بحيث أوجب برد الهواء، لم يضمن لصاحب الثلج شيئاً باعتبار إسقاطه لثلجه عن المنفعة الاستعمالية؛ وذلك لأنّ سبب ضمان المنفعة الاستعمالیة في الفرض الأول لم يكن عبارة عن عدم صدق المثل علی الثلج في الشتاء حتی يقال إنّ تبريده للجوّ أيضاً أوجب فقدان وصف المنفعة فهو له ضامن، وإنّما كان سببه عبارة عن الإضرار بالحيلولة بين المالك وبين ما كان يقدر عليه من الانتفاع بالثلج في الصيف، وهذا الإضرار غير موجود في الفرض الثاني؛ لأنّ ما فعله من تبديل الجو كان أثره عبارة عن رفع الحاجة إلی الثلج، لا عبارة عن المنع عن الانتفاع به رغم الحاجة، ورفع الحاجة ليس إضراراً وإنّما الإضرار هو المنع عن الانتفاع رغم الحاجة. نعم قد سبّب له إضراراً بلحاظ القسم الثالث من أقسام الوصف، أي

356

بلحاظ المنفعة السوقية؛ حيث إنّه كان بإمكانه أن يربح ربحاً عظيماً ببيع ما يمتلكه من الثلوج، وبعد أن برد الجوّ بسبب فعل كيمياوي من قبل هذا الشخص حُرم هذا الرجل التاجر المالك للثلوج من هذه التجارة المربحة؛ إذ لا أحد يشتري منه الثلج عندئذٍ، إلّا أنّ هذا الضرر ليس مشمولاً لدليل نفي الضرر لما ذكره أستاذنا الشهيد(رحمه الله) في بحث «لا ضرر» من أنّ ما يعتبر ضرراً بالعقلية التجارية، لا بعقلية المنفعة الاستعمالية إنّما هو ضرر نسبي ومضاف إلی العقلية التجارية، وليس ضرراً مطلقاً، فينصرف عنه دليل نفي الضرر، سنخ انصراف أدلة أحكام الماء عن الماء المضاف.

وبما ذكرناه اتّضحت إمكانية التفصيل بين من غصب ثلجاً في الصيف وأراد إرجاعه او إرجاع ما يماثله في الشتاء، ومن اقترض ثلجاً في الصيف لمدة حلول الشتاء ثم أرجعه لدی حلول الشتاء. فالأول يكون ضامناً للفارق بين ثلج الصيف وثلج الشتاء، أي للمنفعة الاستعمالية التي حرم منها مالك الثلج، فلا يكفيه إرجاع ذاك المقدار من الثلج، بل يجب الانتقال إلی القيمة مثلاً، وذلك لمثل دليل «لا ضرر» ولكن الثاني ليس عليه عدا إرجاع ذاك المقدار من الثلج؛ وذلك لأحد وجهين:

الأوّل: عدم الدليل علی ضمان ما هو أكثر من ذلك؛ لأنّ حرمان المالك من الانتفاع بثلجه في الصيف كان بإذنه، ومعه لا يكون مشمولاً لقاعدة «لا ضرر» فلا يبقی وجه للضمان إلّا نفس القرض. وقد قلنا إنّ الداخل في أوصاف المثل إنّما هي الأوصاف الذاتية، ولم تتبدّل الأوصاف الذاتية في المقام.

والثاني: النهي الصريح القطعي في الشريعة الإسلامية عن أخذ الزيادة في باب القرض، فبعد أن لم تكن تلك الأوصاف ذاتية ودخلية في المثل، يكون إلزام المدين بتدارك تلك الأوصاف داخلاً لا محالة في ذاك النهي، في حين أنّنا في باب الغصب لم نكن نمتلك نهياً من هذا القبيل كي يقف هذا النهي أمام إطلاق قاعدة «لا ضرر» مثلاً.

وبعد هذا البيان نعود إلی حديثنا عن الأوراق المالية الاعتبارية المألوفة في هذا

357

الزمان ونقول: بالامكان التفصيل بين أقسام الضمان فيها:

ففي مثل ضمان الغصب نقول: إنّ من غصب ألف دينار وبعد خمسين سنة تاب إلی اللّه وأراد إرجاع المبلغ بعد أن سقط الدينار سقوطاً فظيعاً خلال خمسين سنة نتيجة للتضخّم المتزايد في البلاد، وجب عليه إرجاع ما يناسب هذا التضخّم، ولا يكفيه إرجاع نفس المبلغ القديم، وذلك تداركاً للضرر الذي يحكم به الارتكاز العقلائي وتمسّكاً بقاعدة نفي الضرر.

فإن قلت: إنّ هذه منفعة سوقية وداخلة في القسم الثالث من الأقسام الثلاثة الماضية لأوصاف المثل، وليست داخلة في القسم الثاني وهي المنافع الاستعمالية وقد مضي أنّ تخسير المنفعة السوقية لا يوجب الضمان، ولذا لو استورد شخص مبلغاً كبيراً من سلعة يملك مثلها تاجر آخر وبذلك كسر القيمة السوقية لما يمتلكه ذاك التاجر، وذلك علی أساس كثرة العرض، لم يضمن له شيئاً. وقد نقلنا عن أُستاذنا الشهيد(رحمه الله) أنّه ذكر أنّ الضرر بلحاظ المنفعة التجارية إنّما هو ضرر نسبي ومضاف، فلا يشمله دليل نفي الضرر.

قلنا: بما أنّ هذه الأوراق النقدية تكون منفعتها السوقية مطلوبة لكل واحد فقد أصبحت هي كالمنفعة الاستعمالية، أي أنّه ما دامت هذه المنفعة أصبحت منفعة عامة منظوراً إليها لكل أحد، فالضرر بالنسبة لها كأنّما يعتبر ضرراً مطلقاً لا نسبياً ومضافاً، فتشملة أدلة نفي الضرر(1).

 

 

<


(1) قد تقول: یلزم من ذلك أنّ السلطة لو طبعت من نقدها مبلغاً كبیراً وأدخلته فی السوق فانخفضت بذلك القوة الشرائیة لما فی أیدی الناس من النقود یجب أن تكون ضامنة لهم؛ لما أجرت علی أموالهم من النقص فی القوة الشرائیة: إلّا أنّ الواقع هو أنّه بما أنّ القوة الشرائیة للنقود كانت من أساسها مستمدة من سلطة السلطان، وبلحاظ دائرة سلطته یری أنّ من حقّه إضافة السكة، فیحكم عقلائیاً بعدم ضمانه؛ لأنّه لم یفعل إلّا ما كان من حقّه. بخلاف الغاصب، فإضافة السكة من قبل السلطان

358

ولكن في مثل ضمان القرض ليس الأمر هكذا؛ لأنّ دليل الضمان فيه لم يدلّ علی أكثر من ضمان نفس الشيء المقترض الذي لا يدخل في مثليته إلّا الأوصاف الذاتية بالمعني الذي شرحناه. أو نقول في خصوص القرض بأنّه: حتی إذا فرض وجود إطلاق يثبت ضمان القوة الشرائية، فهو مقيد بما ثبت ثبوتاً قطعياً في الشريعة من تحريم الزيادة في القرض، والزيادة تصدق علی تدارك القوة الشرائية ما دامت هي خارجة عن الأوصاف الذاتية التي تعدّ من أوصاف المثل. نعم، لو صحّ أنّ هذه الأوراق تعتبر عرفاً قوة شرائية متجسدة لما كانت تصدق الزيادة علی تدارك القوة الشرائية. ولكن مضی منا النقاش في ذلك. نعم لو أسقط السلطان السكة القديمة وأتی بسكة جديدة فمقتضی القواعد أنّه يجب علی المدين الأداء بالسكة الجديدة؛ لأنّ رواج السكة وصف ذاتي للسكة بالمعنی الذي قصدنا من الذاتية، أي أنّه ليس نسبياً بين السكة وسائر الأمتعة بلحاظ المقايسة في ما بينها وفي قانون العرض والطلب، فسقوط السكة بإسقاط السلطان يختلف عن هبوط قوّتها الشرائية بسبب وفرتها في البلاد أو بسبب ندرة سائر السلع، أي يعتبر ذاك السقوط تغيراً حقيقياً في النقد، ويعتبر الرواج من الصفات الداخلة في المثل، فلا يكون الالتزام بأداء السكة الجديدة التزاماً بالزيادة كي يدخل تحت عنوان الربا.

وأمّا الروايات في مسألة إسقاط السلطان للنقد فمتضاربة كما يظهر ذلك بمراجعة «الوسائل» المجلد الثاني عشر الباب العشرين من أبواب الصرف، وتلك الروايات

 

 

حالها حال اكتشاف أحد لمنجم الذهب فی عصر الدینار الذهبی، فبما أنّ من حقّ كلّ أحد هذا الاكتشاف رغم أدائه إلی نزول القوة الشرائیة للدنانير المملوكة للناس، فلا یحكم عقلائیاً علی المكتشف بضمان ذلك للناس، مع أنّ القوة الشرائیة للذهب أیضاً كانت وقتئذٍ داخلة فی الغرض العام للناس، فالضرر الناتج من ضعفها لو عدّ ضرراً لعدّ ضرراً مطلقاً، لا نسبياً ومضافاً.

359

إنّما وردت في النقد الحقيقي المدعم بالاعتبار أي في الدينار الذهبي والدرهم الفضّي، أمّا النقد الاعتباري البحت كالأوراق الرائجة في زماننا فالمرجع بشأنه هو ما تقتضيه القاعدة، وقد شرحناه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

361

التعزير، أنواعه وضوابطه

363

التعزير، أنواعه وضوابطه

بسم الله الرحمن الرحيم

هل يجوز التعزير بمصادرة المال أو بالحبس أو غير ذلك من الأُمور غير الضرب أو إنّه خاص بالضرب؟

وهل التعزير بالضرب يجب أن لا يزداد عن نصف الحدّ أو أن يكون أقلّ من الحدّ أم ماذا؟ وما هو مقداره؟

وما هو حكم تعزير الأولاد غير البالغين؟

الجواب على هذه الأسئلة قد يترتّب على الالتفات إلى مجموعة أمور:

الأوّل: مبدأ ولاية الفقيه.

الثاني: الروايات الواردة في الحبس، وهي كما يلي:

1_ محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن حماد عن أبي عبدالله(علیه السلام)في المرتدّة عن الإسلام قال: «لا تقتل، وتستخدم خدمة شديدة، وتمنع الطعام والشراب إلّا ما يمسك نفسها، وتلبس خشن الثياب، وتضرب على الصلوات»(1)، ورواه الصدوق بإسناده عن حمّاد عن الحلبي مثله إلّا أنّه قال: «أخشن الثياب»(2). والحديث تام سنداً.

 


(1) وسائل الشيعة ج28، ص330، الباب4 من أبواب حدّ المرتد، ح1.

(2) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص150، باب الارتداد من أبواب القضايا والأحكام، ح3548.

364

2_ محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن الحسين عن محمد بن يحيى عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي(علیه السلام)قال: «إذا ارتدّت المرأة عن الإسلام لم تقتل ولكن تحبس أبداً»، ورواه الصدوق بإسناده عن غياث بن إبراهيم مثله(1). والحديث تام سنداً.

3_ الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حمّاد عن حريز عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «لا يخلد في السجن إلّا ثلاثة: الذي يمسك على الموت، والمرأة ترتدّ عن الإسلام، والسارق بعد قطع اليد والرجل»(2). والسند تام. ورواه الكليني بسند غير تام إلّا أنّه ذكر بدلاً عن «الذي يمسك على الموت»: «الذي يمثل»(3).

4_ الشيخ بإسناده إلى الحسين بن سعيد عن حسن بن محبوب عن عباد بن صهيب عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «المرتدّ يستتاب، فإن تاب وإلّا قتل والمرأة تستتاب، فإن تابت وإلّا حبست في السجن وأُضرّبها»(4). وسند الحديث تام.

5_ الشيخ بإسناده إلى الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر(علیه السلام)قال: «قضى أمير المؤمنين(علیه السلام)في وليدة كانت نصرانيّة فأسلمت وولدت لسيّدها، ثم إنّ سيّدها مات وأوصى بها عتاقة السُرّية على عهد عمر فنكحت نصرانيّاً ديرانيّاً وتنصّرت فولدت منه ولدين وحبلت بالثالث، فقضى فيها: أن يعرض عليها الإسلام، فعرض عليها الإسلام فأبت، فقال: ما ولدت من ولد نصرانيّاً فهم عبيد لأخيهم الذي ولدت لسيّدها الأوّل، وأنا أحبسها حتّى تضع ولدها، فإذا ولدت قتلتها»(5). وسند الحديث تامّ إلّا أنّ مضمونه خلاف الأخبار التي عرفت وتعرف.

 


(1) وسائل الشيعة ج28، ص330، الباب4 من أبواب حدّ المرتد، ح2.

(2) المصدر السابق، ص331، ح3.

(3) الكافي، ج14، ص272، الباب 63 من كتاب الحدود، ح45.

(4) وسائل الشيعة، ج 28، ص331، الباب 4 من حدّ المرتد، ح 4.

(5) المصدر السابق، ح 5.

365

6_ الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن غير واحد من أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبدالله(علیهما السلام): «في المرتدّ يستتاب فإن تاب وإلّا قتل، والمرأة إذا ارتدّت عن الإسلام استتيبت، فإن تابت وإلّا خُلّدت في السجن وضيّق عليها في حبسها»(1). ورواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب(2). ولو قيل بأنّ كلمة (غير واحد) تعطي معنى العدد الذي يوجب الوثوق تمّ الحديث سنداً، وإلّا فلا.

7_ مرفوعة عبد الرحمن بن الحجّاج: «أنّ أمير المؤمنين(علیه السلام)كان لا يرى الحبس إلّا في ثلاث: رجل أكل مال اليتيم أو غصبه أو رجل أُؤتمن على أمانة فذهب بها»(3).

8_ روايات حبس السارق في المرّة الثالثة بعد قطع اليد اليمنى في الأُولى والرجل اليسرى في الثانية(4). وجاء في إحداها عن عبيد بن زرارة قال: «سألت أبا عبدالله(علیه السلام)هل كان علي(علیه السلام)يحبس أحداً من أهل الحدود؟ قال: لا، إلّا السارق، فإنّه كان يحبسه في الثالثة بعد قطع يده ورِجله»(5).

9_ خبر السكوني بسند غير تام عن جعفر عن أبيه عن علي(علیه السلام)قال: «حبس الإمام بعد الحدّ ظلم»(6).

10_ ما عن حريز بسند تام أنّ أبا عبدالله(علیه السلام)قال: «لا يخلّد في السجن إلّا ثلاثة: الذي يمسك على الموت يحفظه حتّى يُقتل، والمرأة المرتدّة عن الإسلام، والسارق بعد

 


(1) المصدر السابق، ص332، ح 6؛ الكافي، ج14، ص230، الباب61 من كتاب الحدود، ح3.

(2) تهذيب الأحكام، ج10، ص137، ح543؛ الإستبصار، ج4، ص253، باب المرتد والمرتدة، ح4.

(3) وسائل الشيعة، ج 28، ص368، الباب 5 من أبواب بقية الحدود والتعزيرات، الحديث الوحيد في الباب.

(4) وهي موجودة في وسائل الشيعة، ج 28، ص254، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة.

(5) وسائل الشيعة، ج 28، ص259، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة، ح 13.

(6) المصدر السابق، ج27، ص299، الباب 30 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوی، ح 3.

366

قطع اليد والرجل»(1).

11_ ما عن عبدالله بن سنان بسند تام عن أبي عبدالله(علیه السلام)أنّه قال: «على الإمام أن يُخرج المحبسين في الدين يوم الجمعة إلى الجمعة ويوم العيد إلى العيد فيرسل معهم، فإذا قضوا الصلاة والعيد ردّهم إلى السجن»(2).

12_ ما عن محمد بن خالد بسند تام عن علي(علیه السلام)قال: «يجب على الإمام أن يحبس الفسّاق من العلماء والجهّال من الأطبّاء والمفاليس من الأكرياء قال وقال(علیه السلام): حبس الإمام بعد الحدّ ظلم»(3)، وسند الحديث وإن كان صحيحاً إلى محمد بن خالد لكن نقل محمد بن خالد عن علي(علیه السلام)يعني الإرسال فلا يعتمد عليه. نعم، رواه الشيخ بإسناده إلى الصفّار عن إبراهيم بن هاشم عن النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي(علیه السلام)وهذا غير مبتلى بالإرسال لكنّه ضعيف بالنوفلي.

وقد يقال: إنّه ضعيف أيضاً بسند الشيخ إلى الصفّار؛ لأنّ أسانيد الشيخ إلى الصفّار في المشيخة ضعيفة، وفي الفهرست بعضها ضعيف وبعضها صحيح، والصحيح منها ما كان فيه محمد بن الحسن بن الوليد، لكن الشيخ استثنى من كتب الصفّار من أسانيده التي تمرّ بابن الوليد كتاب بصائر الدرجات بحجّة أنّ ابن الوليد لم يروه، وما يدرينا لعلّ هذا الحديث مأخوذ من كتاب بصائر الدرجات.

والجواب: إنّ هذا الحديث غير مأخوذ من كتاب بصائر الدرجات بدليل أنّ أسانيد الشيخ إليه في المشيخة تمرّ بمحمد بن الحسن بن الوليد.

13_ ما عن زرارة بسند تام عن أبي جعفر(علیه السلام)قال: كان علي(علیه السلام)يقول: «لا يحبس في السجن إلّا ثلاثة: الغاصب، ومن أكل مال اليتيم ظلماً، ومن اؤتمن على أمانة

 


(1) وسائل الشيعة، ج27، ص300، الباب 32 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوی ، ح 1.

(2) المصدر السابق، ص301، ح 2.

(3) المصدر السابق، ح 3.

367

فذهب بها وإن وجد له شيئاً باعه غائباً كان أو شاهداً»(1).

14_ ما ورد بسند غير تام عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه: «أنّ عليّاً(علیه السلام)كان إذا أخذ شاهد زور فإن كان غريباً بعث به إلى حيّه، وإن كان سوقيّاً بعث به إلى سوقه فطيف به ثم يحبسه أياماً ثم يخلّي سبيله»(2).

15_ ما ورد بسند ضعيف بمحمد بن موسى بن المتوكّل عن الحسن بن محبوب عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «جاء رجل إلى رسول الله(صلى الله عليه و آله) فقال: إنّ أُمي لا تدفع يد لامس. فقال: فاحبسها. قال: قد فعلت. قال: فامنع من يدخل عليها. قال: قد فعلت. قال قيّدها، فإنّك لا تبرّها بشيء أفضل من أن تمنعها عن محارم الله(وجل عز)»(3).

الثالث: ما ورد في حدّ التعزير من قبيل:

أ_ ما عن إسحاق بن عمّار قال: «سألت أبا إبراهيم(علیه السلام)عن التعزير كم هو؟ قال: بضعة عشر سوطاً ما بين العشرة إلى العشرين»(4). وسند الحديث تامّ.

ب_ مرسلة الصدوق قال: قال رسول الله(صلى الله عليه و آله): «لا يحلّ لوال يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجلد أكثر من عشرة أسواط إلّا في حدّ، وأذن في أدب المملوك من ثلاثة إلى خمسة»(5).

جـ _ ما عن حمّاد بن عثمان بسند تام عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «قلت له: كم التعزير؟ فقال: دون الحدّ. قال: قلت: دون ثمانين؟ قال: لا، ولكن دون أربعين؛ فإنّها حدّ المملوك. قلت: وكم ذاك؟ قال: على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل وقوّة بدنه»(6).

 


(1) المصدر السابق، ص295، الباب 26 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوی، ح2.

(2) المصدر السابق، ص334، الباب 15 من كتاب الشهادات، ح3.

(3) المصدر السابق، ج 28، ص150، الباب 48 من أبواب حد الزنا، ح1.

(4) المصدر السابق، ص374، الباب10 من أبواب بقية الحدود والتعزيرات، ح 1.

(5) المصدر السابق، ص375، ح2.

(6) المصدر السابق، ص374، ح 3.

368

د_ ما عن سماعة بسند تام قال: «سألته عن شهود زور؟ فقال: يجلدون حدّاً ليس له وقت، وذلك إلى الإمام، ويُطاف بهم حتّى يعرفهم الناس. وأمّا قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾(1) قال: قلت: كيف تعرف توبتهم؟ قال: يكذب نفسه على رؤوس الناس حتّى يضرب ويستغفر ربّه، فإذا فعل ذلك فقد ظهرت توبته»(2). ونظيره حديثه الثاني الوارد في الوسائل بعد هذا الحديث مباشرة، وهو أيضاً تام سنداً(3). وروى في الوسائل الحديث الثاني بسند آخر تام أيضاً عن سماعة في كتاب الشهادات.(4)

وروى الشيخ الحديث الأوّل إلى قوله «حتّى يعرفهم الناس»(5) بسند تام كما أشار إليه في الوسائل(6)، وروى الشيخ أيضاً تمام الحديث الأوّل بسند تام أشار إليه في الوسائل(7). ولعلّ كلّ هذا حديث واحد.

ونظيره ما عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(علیه السلام)، وهو الحديث الثاني من الباب 15 من الشهادات بسند غير تام.

هـ _ بعض روايات قذف الحرّ للمملوك التي قد تحمل على التعزير(8)، إلّا أنّها شاذّة المضمون، وقد تحمل على ذكر بعض المصاديق لا على التحديد.

و _ الروايات الواردة في تعزير رجلين أو امرأتين أو رجل وامرأة ناما في لحاف واحد،

 


(1) النور: 4 _ 5.

(2) وسائل الشيعة، ج 28، ص376، الباب11 من أبواب بقية الحدود والتعزيرات، ح 1

(3) المصدر السابق، ح2.

(4) المصدر السابق، ج27، ص333، الباب15 من كتاب الشهادات، ح 1.

(5) تهذیب الأحكام، ج10، ص144، الباب 10 من كتاب الحدود، ح2.

(6) وسائل الشيعة، ج28، ص376، الباب 11 من أبواب بقية الحدود والتعزيرات، ح1.

(7) المصدر السابق، ج 27، ص333، الباب15 من كتاب الشهادات، ح 2.

(8) المصدر السابق، ج28، ص178، الباب 4 من أبواب حد القذف.

369

دلّت إحداها على الضرب ثلاثين سوطاً في رجلين ناما في لحاف واحد، وكذلك في امرأتين نامتا في لحاف واحد(1) وهي ضعيفة سنداً بسليمان بن هلال؛ لأنّه لم يوثّق.

ودلّ عديد منها على الضرب تسعة وتسعين سوطاً تارة على شكل بيان الحكم، وأُخرى على شكل نقل فعل الإمام، كرواية حريز الناقلة لفعل الإمام في رجل وامرأة(2)، التامّة سنداً. ومثلها رواية أبان بن عثمان التامّة سنداً(3).

ورواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(علیه السلام)«في رجلين يوجدان في لحاف واحد قال: يجلدان غير سوط واحد»(4).

وفي مقابل هذه الروايات توجد روايات تدل على وجوب الحدّ بمجرّد اجتماعهما في ثوب واحد، كرواية عبدالرحمن بن الحجاج _ التامة سنداً _ قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام)يقول: «كان عليّ(علیه السلام)إذا وجد الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحدّ، فإذا أخذ المرأتين في لحاف ضربهما الحدّ»(5).

ورواية أبي بصير التامّة سنداً عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «سئل عن امرأة وجدت مع رجل في ثوب قال: يُجلدان مائة جلدة»(6).

ويمكن الجمع بين الطائفتين بأنّ ما دلّ على الضرب تسعة وتسعين سوطاً بيان للتعزير الثابت لمجرّد الاجتماع في ثوب واحد أو لحاف واحد من دون أن يصدر منهما ما يوجب الحدّ، وما دلّ على ضرب الحدّ وارد عند احتمال صدور ما يوجب الحدّ،

 


(1) المصدر السابق، ص90، الباب 10 من أبواب حد الزنا، ح21.

(2) المصدر السابق، ص89، ح20.

(3) المصدر السابق ، ح19.

(4) المصدر السابق، ح18.

(5) المصدر السابق، ص86، ح6.

(6) المصدر السابق، ح7.