26

ونيّة القربة هي: أن تأتي بالفعل من أجل الله سبحانه وتعالى، ومثالها مَن يأتي بالفعل بداعي الطاعة لله: إمّا لأنّه تعالى أهل لأن يطاع ويعبد، أو التماساً لثوابه، أو خوفاً من عذابه، فالمتوضّئ لابدّ له أن يقصد بوضوئه أنّه يأتي به لأجل الله وامتثالاً لأمره تعالى.

وللوضوء شروط وأجزاء ونواقض تفسده، وأيضاً كماليّات ومستحبّات.

1 ـ الشروط:

(2) هناك شروط للماء الذي يُتوضّأ به، وشروط في المتوضّئ، وشروط للوضوء نفسه:

أ ـ شروط ماء الوضوء:

شروط الماء الذي يتوضّأ به هي:

أوّلاً: أن يكون الماء مطلقاً، فلا يصحّ الوضوء بالماء المضاف كماء الورد.

وثانياً: أن يكون طاهراً، فلا يصحّ الوضوء بالماء النجس.

وثالثاً: أن يكون مباحاً، فلا يصحّ أن تتوضّأ بماء لغيرك بدون موافقته.

(3) إذا كان الماء مباحاً والوعاء الذي يحويه مغصوباً فهل يصحّ الوضوء بهذا الماء؟

والجواب: إذا كان المتوضّئ يغترف من هذا الإناء ويتوضّأ به صحّ الوضوء، وأثم المتوضّئ، وأمّا إذا غمس وجهه في الإناء بقصد الوضوء ورأى العرف أنّ هذا الغمس بالذات هو تصرّف في نفس الإناء المغصوب فعندئذ يكون الوضوء باطلاً.

(4) يحرم الوضوء في إناء الذهب والفضّة. نعم، لو كان يغترف من مائهما ويتوضّأ به صحّ وضوؤه، ولكنّه كان آثماً.

27

(5) لا يسوغ الوضوء بماء الآخرين إلّا مع الإذن منهم صراحةً أو بشاهد الحال، بأن كانت حالتهم تدلّ على الإذن، ومجرّد الشكّ في الرضا وعدمه غير كاف، أجل، يسوغ الشرب والوضوء من الأنهار والجداول والعيون الغزيرة النابعة، وما إليها ممّا جرت عليه عادة الناس مع عدم المنع والإنكار من أصحاب الماء؛ بل ليس لأصحاب هذا الماء منع الآخرين من ذلك.

ب ـ شروط المتوضّئ:

(6) شروط المتوضّئ التي لا يصحّ الوضوء بدونها هي:

أوّلاً: طهارة المواضع التي تغسل وتمسح في الوضوء، من الوجه واليدين والرأس والقدمين، فلو توضّأ وشيء منها نجس لم يصحّ الوضوء، ولكنّ هذا لا يعني أنّه يجب عليه أن يطهّر وجهه ويديه ورأسه وقدميه منذ البداية، بل لو كانت يده اليسرى متنجّسة ـ مثلاً ـ فبدأ بالوضوء قبل تطهيرها فغسل وجهه ثمّ طهّرها وواصل وضوءه صحّ عمله، فالمقياس أن يكون كلّ واحد من مواضع الغَسل والمسح طاهراً عند ما يغسل أو يمسح.

ثانياً: أن يكون جسم المتوضّئ ـ وبتعبير أخصّ: المواضع التي يمسحها من جسمه ـ في مكان مباح غير مغصوب عند مسح الرأس والقدمين، ولا يشترط أن يكون كذلك عند غسل الوجه واليدين، فلو صادف غسل الوجه واليدين في مكان مغصوب ومسح الرأس والقدمين في مكان مجاور مباح صحّ الوضوء.

ولو انعكس الأمر بأن غسل الوجه واليدين في مكان مباح ومسح الرأس والقدمين في مكان مجاور مغصوب بطل الوضوء وفسد.

28

ثالثاً: أن يكون المتوضّئ في حالة صحّيّة على نحو لا يضرّ به الوضوء ضرراً خطيراً، فإذا كان الوضوء يضرّ به ضرراً خطيراً ـ وهو الضرر الذي يحرم على المكلّف أن يوقع نفسه فيه ـ وجب عليه التيمّم، ولو عصى وتوضّأ بطل وضوؤه، وإذا كان الوضوء يضرّ به ضرراً يهتمّ به عقلائيّاً ويُتّقى منه فالأحوط وجوباً ترك الوضوء في تلك الحالة والانتقال إلى التيمّم.

رابعاً: نيّة القربة وحقيقتها الداعي والباعث نحو الفعل ابتغاء مرضاة الله ومن أجله؛ لأنّ الوضوء عبادة، كما تقدّم، وكلّ عبادة لا تصحّ بدون نيّة القربة(1).

ج ـ شروط الوضوء:

(7) شروط الوضوء ثلاثة:

أوّلاً: المباشرة، والمراد بها هنا: أن يزاول ويمارس المتوضّئ بنفسه أفعال الوضوء بالكامل، ولا يسوغ له أن يستنيب غيره في شيء من ذلك إلّا مع العجز والاضطرار، وليس من الاستنابة غير السائغة أن يمسك غيره إبريق الماء بيده ويصبّ الماء منه في كفّ المتوضّئ فيغسل المتوضّئ به وجهه ويتوضّأ، أو يقرّب المتوضّئ وجهه إو ذراعه من فوهة الإبريق حتّى يغمره الماء بالكامل، فإنّ هذا جائز، ويعتبر الغير هنا بمثابة اُنبوب الماء.

وإذا اضطرّ المتوضّئ إلى أن يُوضّئَه غيره لمرض ونحوه فيجب أن ينوي، فيغسل



(1) راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 184 ـ 186 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ مع مراعاة هامش سماحة السيّد الحائري دام ظلّه، لمعرفة بعض تفاصيل نيّة القربة في الوضوء وبعض الاستثناءات لبعض الشروط المذكورة.

29

الغير وجهه ويديه، ثمّ يمسح رأسه وقدميه بكفّ المريض نفسه، ويجوز له أيضاً الانتقال إلى التيمّم إن أمكنه ذلك بدلاً من رفع اليد عن المباشرة بنفسه.

ثانياً: الموالاة، بمعنى التتابع في أفعال الوضوء وعدم الفاصل بينها، بحيث لا يجفّ تمام الأعضاء السابقة في الجوّ المعتدل. ولا يضرّ جفاف العضو لحرارة الجوّ ولداء ترتفع فيه حرارة الجسم إلى الدرجة القصوى ـ مثلاً ـ أو بسبب التجفيف، ولا ينفع وجود الرطوبة في أطراف لحية متعدّية على حدّ الوجه.

ثالثاً: الترتيب بين أفعال الوضوء، والقصد منه: تقديم غسل الوجه على غسل اليد اليمنى، وتقديم هذه على اليسرى، وتقديم اليسرى على مسح الرأس، وتقديمه على مسح القدم اليمنى، وتقديم هذه على القدم اليسرى.

2 ـ الأجزاء:

أجزاء الوضوء أربعة: غسل الوجه، وغسل اليدين، ومسح الرأس، ومسح القدمين. والتفصيل كما يلي:

غسل الوجه:

الواجب الأوّل من أجزاء الوضوء: غسل الوجه.

(8) مقدار ما يغسل: بعد تحقّق نيّة القربة يجب غسل الوجه بإسالة الماء عليه، وحَدُّه طولاً منابت شعر الرأس من مقدّمه إلى نهاية الذقن، وعرضاً ما دارت عليه الإصبع الوسطى والإبهام ـ أي ما اشتملت عليه الإصبع الوسطى والإبهام من الوجه عندما تضعهما على الجبهة مفتوحتين وتمسح بهما وجهك ـ وما زاد فليس

30

بواجب، إلّا من باب الاطمئنان والتأكّد من وجود الواجب(1).

(9) ولا يجب غسل ما تحت الشعر النابت في الوجه، بل يجب غسل الظاهر من الشعر فقط، من غير فرق بين الرجل والمرأة، وبين شعر اللحية وغيرها، شريطة أن يكون الشعر كثيفاً على نحو يغطّي المحلّ كالشارب والحاجب، ولو تفرّق الشعر وظهرت البشرة للعيان من خلاله وجب غسلها، كما يجب حينئذ غسل هذا الشعر المتفرّق أيضاً.

(10) والأحوط وجوباً غسل مطبق العينين وظَهرهما معاً عند غسل الوجه، ولا يجب غسل باطن الفم أو الأنف، ولا ما طال واسترسل من اللحية، ولا الشعر المتدلّي من الرأس على الوجه.

(11) كيفيّة الغسل: يؤدّى الغسل بالكيفيّة التالية:

أوّلاً: يجب الابتداء في غسل الوجه من أعلاه إلى أسفله، فلو ابتدأ من الأسفل أو الوسط لم يصحّ الوضوء، ولا يعني ذلك التدقيق على نحو يغسل كامل جبهته ثمّ ينتقل منها إلى منطقة العينين من وجهه وهكذا فإنّ هذا تدقيق غير لازم، فلو أسال ماءً على جبهته فأصاب الجزء الأيمن من جبهته وعينه اليمنى، ثمّ أسال كفّاً آخر من الماء على الجزء الأيسر من جبهته وما تحته صحّ وضوؤه.

ثانياً: يجب إيصال الماء إلى الوجه بقصد الوضوء: إمّا بإسالة الماء عليه بالكفّ وإمرار المتوضّئ يده على وجهه لإيصال الماء إلى كامل الوجه، وإمّا بوضع الوجه تحت اُنبوب من الماء مبتدئاً من الأعلى إلى الأسفل، وإمّا بغمسه في ماء حوض وغيره مع مراعاة الابتداء من الأعلى إلى الأسفل، ففي كلّ هذه الحالات إذا كان حين إيصال الماء إلى وجهه قاصداً الوضوء بذلك صحّ منه.



(1) لمعرفة بعض التفاصيل والاستثناءات في المقام راجع المصدر السابق: 188، الفقرة: (20).

31

وأمّا إذا كان الماء قد وصل إلى وجهه بدون قصد الوضوء وأراد بعد ذلك أن يقصد الوضوء بما على وجهه من ماء فلا يصحّ.

ثالثاً: يجب أن يمسّ الماء وجه المتوضّئ بدون حاجز ومانع عن وصول الماء إلى محلّه، وعليه فإن كان على علم بعدم الحاجز والمانع فذاك هو المطلوب، وإلّا وجب أن يلاحظ المحلّ الذي يظنّ بوجود الحاجب فيه، أو يشكّ في ذلك، كأطراف العينين والحاجبين وغير ذلك، ولا يكفي مجرّد الظنّ بعدم الحاجز؛ بل عليه كلّما شكّ في وجوده أن يبحث ويفحص عنه حتّى يحصل له العلم أو الاطمئنان بنفيه وعدمه، ويتأكّد هذا الحكم إذا أيقن بوجود شيء وشكّ في أنّه هل يحجب ويمنع، أو لا؟

رابعاً: أن يكون الماء بدرجة تجعله يستولي على الوجه ويجري عليه ويتحرّك، فإذا كان قليلاً جدّاً واستعمله المتوضّئ كما يستعمل الدهن لمجرّد التدهين فلا يصحّ.

غسل اليدين:

الواجب الثاني من أجزاء الوضوء: غسل اليدين: اليمنى أوّلاً، ثمّ اليسرى.

(12) مقدار ما يغسل: حدّ الغسل الواجب من اليد يبدأ بالمرفق وينتهي بأطراف الأصابع، والمرفق هو المفصل بين العضد والساعد.

وكلّ ما نبت على اليد من الشعر يجب غسله مع البشرة، رقيقاً كان أم غليظاً(1).

(13) كيفيّة الغسل: كيفيّة غسل اليدين هي كيفيّة غسل الوجه تماماً:

فأوّلاً: يجب الابتداء في الغسل من المرفق والانتهاء بأطراف الأصابع، ولا يسوغ



(1) راجع المصدر السابق: 191، الفقرة: (27) و(29) و(30) للوقوف على بعض الأحكام وبعض التفاصيل في المقام.

32

الابتداء من الأصابع أو الوسط ثمّ صعود إلى المفصل؛ لأنّه مخلّ بصدق الغسل منأعلى إلى أسفل.

وثانياً: يجب أن يقصد الوضوء عند وصول الماء إلى العضو، لا بعد ذلك، فإذا أدخل يده في الماء وغمسها حتّى المفصل بدون قصد الوضوء ثمّ حرّكها وأخرجها بقصد الوضوء لم يصحّ ذلك.

وثالثاً: يجب التأكّد من عدم وجود المانع والحاجز عن وصول الماء إلى البشرة، وإذا ارتفع الوسخ على أعضاء الوضوء ولو يسيراً بحيث يحسّ به وجب رفعه وإزالته، وإلّا فلا أثر له في صحّة الوضوء، كالعرق المتجمّد وذرّات من غبار لا تقع تحت الحواسّ. والقاعدة العامّة: أنّ كلّ ما هو ظاهر من البشرة يجب غسله دون ما هو مستتر منها بالباطن.

ولا يجب إخراج الشوكة من أجل الوضوء إلّا إذا كانت ظاهرةً ومانعةً عن وصول الماء إلى محلّه(1).

ورابعاً: يجب أن يكون الماء بدرجة يستولي معها على البشرة ويجري، ولا يكفي ما هو دون ذلك ممّا يشبه المسح والتدهين.

مسح الرأس:

الواجب الثالث من أجزاء الوضوء: المسح على مُقدَّم الرأس ببلّة وضوء الكفّ اليمنى، والتفصيل كما يأتي:

(14) موضع المسح: يجب أن يكون المسح على مقدّم الرأس، أي على ذلك الجزء من الرأس الذي يكون فوق الجبهة، ويمتدّ إلى اليافوخ، أي إلى منتهى الارتفاع في



(1) راجع المصدر السابق: 192، الفقرة: (33) لمعرفة بعض الأحكام والتفاصيل في المقام.

33

الرأس، ولا يجب أن يكون المسح على بشرة الرأس، فيجوز المسح أيضاً على الشعر النابت في ذلك الموضع شريطة أن لا يتجاوز طوله ومداه المكان الذي ينبت فيه شعر الرأس عادةً، وعليه فإذا طال شعر الرأس النابت في مقدَّم الرأس وتجاوز الحدّ المذكور، ثمّ جمعه المتوضّئ على مقدّم الرأس ومَسَحَه بقصد الوضوء فمَسحُه هذا ليس بشيء، وكذلك لو طال شعره النابت في غير مقدّم الرأس فمدّه وغطّى به مقدّم رأسه ومسح عليه، فإنّ مسحه هذا ليس بشيء أيضاً.

(15) الماسح: يجب أن يكون المسح بالكفّ اليمنى بباطنها، لا بظاهرها، بالأصابع أو براحة الكفّ، ويكفي المسح بإصبع منها، ويستحبّ أن يكون بثلاث أصابع، وإذا تعذّر المسح بالأصابع تعيّن المسح بما بقي من الكفّ، أي براحة الكفّ، فإن تعذّر مَسَحَ بالذراع كيف اتّفق، وإن لم يكن مقطوع الكفّ وكان قادراً على التيمّم ضمّ إلى ذلك التيمّم.

(16) كيفيّة المسح: يكفي أن يمسح كيف شاء طولاً وعرضاً، ومن أعلى إلى أسفل، وبالعكس. والشرط الأساسي في المسح أن يكون ببلّة اليد اليمنى الحاصلة عند فراغه من غسل وجهه ويديه في الوضوء، فلو فرغ من غسل وجهه ويديه فغمس يمناه من جديد في الماء، أو جفّفها ثمّ مسح بها رأسه وهي جافّة بطل وضوؤه، ولا فرق في ذلك بين أن تكون النداوة والرطوبة في الكفّ قليلةً أو كثيرةً بحيث إذا مسح بها يكون المسح أشبه بالغسل.

وقد تسأل: إذا جفّ ما على اليد اليمنى من رطوبة فهل يتعذّر عليه مواصلة الوضوء؟

والجواب: أنّه يسمح للمتوضّئ في هذه الحالة بأن يأخذ من رطوبة اللحية أو العنفقة ـ وهي شعيرات بين الشفة السفلى والذقن ـ أو من الشارب والحاجبين، أو سائر أعضاء الوضوء، وإذا جفّت أعضاؤه بكاملها أعاد الوضوء. نعم، لو كان كلَّما كرّر الوضوء جفّت الأعضاء لحرٍّ أو مرض أو أيّ شيء آخر انتقل حكمه إلى التيمّم.

(17) ولا يصحّ المسح مع وجود حائل بين العضو الماسح والعضو الممسوح، حتّى لو كان الحائل رقيقاً لا يمنع من وصول الرطوبة إلى البشرة.

34

مسح القدمين:

الواجب الرابع من أجزاء الوضوء: مسح ظاهر القدمين.

(18) موضع المسح: يجب مسح ظاهر القدمين من رؤوس الأصابع إلى قبّة القدم طولاً، (وهو النتوء الواضح في وسط القدم ويسمّى في لغة الفقهاء بقبّة القدم؛ لأنّه مرتفع)، ويجب على الأحوط أن يمرّ المسح عليه، فلا يكفي أن يبدأ المسح من رؤوس الأصابع، ويتطرّف فيمسح جانب اليمين أو اليسار من ظاهر القدم حتّى ينتهي إلى المفصل مثلاً، وأمّا في العرض فيكفي المسح بأيّ مقدار أراد المتوضّئ.

أمّا شعر القدم فإن كان ضمن المألوف والمتعارف كفى المسح على القدم بما عليها من الشعر، وإذا كان خارجاً عن المتعارف فيجب المسح على البشرة، ولا يكفي المسح على الشعر.

(19) الماسح: يجب مسح الرجل اليمنى بالكفّ اليمنى بباطنها، ومسح الرجل اليسرى بالكفّ اليسرى بباطنها أيضاً، ولا فرق بين المسح بالأصابع أو براحة الكفّ.

(20) كيفيّة المسح: يشترك مسح القدمين مع مسح الرأس في الشرط الأساس، وهو أن يكون المسح ببلّة الوضوء الموجودة في الكفّ. وحكم مسح القدمين من حيث الرطوبة أو الاختلاط برطوبة اُخرى أو الحائل هو عين الحكم في مسح الرأس باليد اليمنى.

والطريقة الصحيحة ـ بلا شكّ ـ في مسح القدمين هي وضع راحة الكفّ أو أصابعها على رؤوس أصابع القدم وجرّها شيئاً فشيئاً حتّى المفصل، ويصحّ العكس أيضاً بأن يبدأ بالمفصل وينتهي إلى الأصابع. وعلى كلا التقديرين لا يترك الاحتياط بالمرور بقبّة القدم.

ولو وضع كفّه على تمام ظهر القدم وجرّها فلا يقين بكفايته(1).



(1) راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 197 ـ 204 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ لمعرفة أحكام وضوء الجبيرة والحواجز الاُخرى وبعض الفروع الاُخرى أيضاً، مع مراعاة هوامش سماحة السيّد الحائري دام ظلّه.

35

3 ـ في ما يجب الوضوء له ويستحبّ:

(21) الوضوء في نفسه طاعة ومستحبّ، وبه يُتقرّب إلى الله ومرضاته. وفي نفس الوقت هو واجب لغيره، حيث يجب للصلاة الواجبة والمستحبّة أداءً وقضاءً، ولصلاة الاحتياط، وأجزاء الصلاة المنسيّة، وأيضاً يجب لصلاة الطواف، ولطواف المعتمر أو الحاجّ.

وتسمّى هذه الأشياء بالغايات الواجبة للوضوء، بمعنى أنّها لا تصحّ ولا تستساغ بدونه.

ويستحبّ للطواف المستحبّ، ولأيّ فعل من أفعال الحجّ، وللدعاء، ولتلاوة القرآن الكريم، ولصلاة الجنائز، وللمكث في المساجد، وزيارة العتبات المقدّسة.

وتسمّى هذه الأشياء بالغايات المستحبّة للوضوء؛ لأنّها بدون وضوء طاعة أيضاً، وإن كانت مع الوضوء أكمل وأفضل.

ويستحبّ تكرار الوضوء حتّى ولو لم يصدر حدث من المتوضّئ، ويسمّى الوضوء الثاني بالوضوء التجديدي.

في أحكام المحدث:

(22) وليس للمحدث أن يمسّ كتابة المصحف الشريف حتّى الحرف الواحد منه، بل حتّى الحركة والسكون..، أبداً لا يمسّ شيئاً من ذلك، لا بيده ولا بشيء من جسمه وشعره، من غير فرق بين أن تكون الكتابة بالحروف أو غيرها، ولا بين أن تكون بالقلم، أو الطباعة، أو الحفر، أو الحرف الناتئ البارز في الحجر أو الخشب أو غيرهما. ويجوز له أن يمسّ ما عدا الكتابة من الورق والجلد، وأسماء السور الموضوعة في أوّل الصفحة، وأرقامها، وأرقام الأجزاء والأحزاب.

36

وإذا لم تكن الكلمة القرآنيّة أو الآية في المصحف بل كانت بكتاب أو برسالة أو بطاقة تهنئة أو ورقة تعزية أو نقش خاتم فيجوز للمحدِث أن يمسّها.

(23) ويسوغ للمحدِث إذا أراد أن يمسّ كتابة المصحف الشريف أن يتوضّأ بقصد مسّها بحيث يكون هذا المسّ بالذات هو الغاية من الوضوء، لئلاّ يمسّ بدون وضوء فيقع في الحرام.

4 ـ نواقض الوضوء:

النقض لغة: الإبطال والهدم. وناقض الوضوء عند الفقهاء: ما يبطل الوضوء ويزيل أثره الشرعي ـ أي الطهارة ـ ويخرجه عن الفائدة المقصودة منه، ويسمّى كلّ واحد من نواقض الوضوء بالحَدَث.

(24) نواقض الوضوء كما يلي:

1 ـ خروج البول، أمّا خروج المذي أو الوذي أو الودي فإنّه لا ينقض الوضوء، كما أنّه لا ينجس الموضع.

2 ـ خروج الغائط، وإذا خرج البول أو الغائط من المكان الطبيعي فهو ناقض على أيّ حال، سواء خرج بصورة اعتياديّة، أو سُحِبَ بآلة ونحوها، وكذلك إذا خرج من منفذ آخر اعتاده الإنسان في حالة طارئة لمرض ونحوه.

وإذا خرج من غير المكان الطبيعيّ كجرح ونحوه وبدون اعتياد لذلك فهو ناقض إذا كان خروجه بدفع طبيعيّ من جسم الإنسان، وأمّا إذا كان قد سُحِبَ بآلة من ذلك الجرح فلا ينقض.

3 ـ خروج الريح من الدبر، ولا أثر شرعاً لخروج الريح من مكان آخر.

37

4 ـ النوم المستغرق الذي لا يبقى معه سمع ولا بصر ولا إدراك، ومثله الجنون والسكر والإغماء على الاحتياط الوجوبي.

5 ـ استحاضة المرأة، ويأتي الكلام عنها إن شاء الله تعالى في الأغسال(1).

حكم صلاة المبطون والمسلوس:

المبطون: مَن به داء البطن، وهو الذي لا يستمسك معه الغائط.

والمسلوس: مَن به داء السلس، وهو الذي لا يستمسك معه البول. ويسمّى المبتلى بأحد الدائين بدائم الحَدَث عند الفقهاء، ويختلف حكم المسلوس والمبطون تبعاً للحالات التالية:

(25) الحالة الاُولى: أن تكون للمسلوس أو المبطون عادة مستمرّة؛ وذلك بأن تمرّ به فترة معيّنة من الزمن تتّسع للطهارة والصلاة معاً في الوقت المؤقّت للصلاة، ولو بالاقتصار على الواجبات وترك جميع المستحبّات، وعندئذ يجب على المبتلى بهذا الداء أن ينتظر هذه الفترة، سواء كانت في أوّل الوقت، أو وسطه، أو آخره، ومتى جاءت الفترة المعيّنة تجب المبادرة فوراً إلى الوضوء والصلاة.

(26) الحالة الثانية: أن يكون الحدث متّصلاً بلا فترة إطلاقاً، أو توجد فترة قصيرة لا تتّسع للطهارة وبعض الصلاة، فيجب عليه احتياطاً عندئذ أن يجمع بين الظهرين بوضوء واحد، والعشاءين بوضوء واحد، ويتوضّأ لصلاة الصبح، ويجوز له أن لا يجمع بين صلاتين بشرط أن يتوضّأ لكلّ صلاة بوضوء، وإذا أراد أن يصلّي



(1) تنبغي الإشارة هنا إلى أنّ خروج المني ينقض الوضوء أيضاً، ولكنّه لا يوجب الوضوء وإنّما يوجب الغسل، ولا يتطهّر المكلّف منه بالوضوء، بل بالغسل، ولهذا لم نذكره هنا.

38

صلوات مستحبّةً توضّأ لكلّ صلاة بوضوء.

(27) الحالة الثالثة: أن تكون له فترة معيّنة من الزمن ولكنّها لا تتّسع للصلاة والطهارة بالكامل، بل تتّسع للطهارة وبعض الصلاة، وعندئذ يجب عليه أن ينتظر هذه الفترة بالذات تماماً كالحالة الاُولى، ويتوضّأ فيها ويصلّي، وإذا فاجأه الحدث أثناء صلاته يجب عليه احتياطاً تجديد الوضوء بشكل لا يضرّ بشروط الصلاة، وذلك بأن يحضر من أوّل الصلاة عنده ماءً كي يتوضّأ به أثناء الصلاة(1).



(1) راجع المصدر السابق: 210 ـ 211 لمعرفة أحكام اُخرى للمبطون والمسلوس، مع مراعاة هامش سماحة السيّد الحائري دام ظلّه.

وراجع المصدر نفسه: 212 ـ 217 لمعرفة أحكام الخلل والشكّ في الوضوء، وسننه، مع مراعاة الهوامش، وقد تركنا ذلك كلّه اختصاراً.

39

الغسل

أحكام عامّة للغسل

تمهيد:

(1) الغسل: هو غسل كلّ البدن (الرأس والرقبة والجسد) وبكيفيّة تأتي تفاصيلها.

ومنه مستحبّ ومنه واجب، والواجب على قسمين:

واجب لنفسه، وهو غسل الأموات، فإنّ وجوبه ليس من أجل شيء آخر، بل من أجل نفسه.

وواجب لغيره، وهو ما وجب من أجل القيام بواجب آخر بوصفه من الإجراءات التي تمهّد له، كغسل الجنابة الذي يجب من أجل الصلاة مثلاً.

والغسل الواجب لغيره أنواع: غسل الجنابة، وغسل الحيض، وغسل الاستحاضة، وغسل النفاس، وغسل مسّ الميّت.

وإذا عطفنا غسل الأموات على هذه الخمسة يكون مجموع الأغسال الواجبة ستّة أنواع، والأغسال المستحبّة كثيرة، ولها أوقاتها، أو مواقعها الخاصّة المحدودة شرعاً كغسل الجمعة.

40

والأغسال الواجبة والمستحبّة كلّها عبادات كالوضوء، فلا يصحّ شيء منها إلّا مع نيّة القربة.

(2) وكلّ غسل لم يأمر به الشارع إلزاماً ووجوباً أو ندباً واستحباباً ليس عبادةً ولا طهارةً، ولا أثر له شرعاً، فإذا اغتسل الإنسان في غير المواقع التي أمر الشارع فيها بالغسل ـ إلزاماً ووجوباً أو استحباباً وندباً ـ لم يصحّ، ولم تقع به الطهارة شرعاً، وبذلك يختلف الغسل عن الوضوء، فإنّ الوضوء طاعة ومندوب في نفسه في كلّ الأحوال والمواقع؛ لأنّه مستحبّ في كلّ الظروف، فمتى توضّأ بنيّة القربة صحّ وضوؤه واعتبر متطهّراً.

وكلّ واحد من الأنواع الخمسة للغسل الواجب لغيره له سببه الذي يوجبه: كالجنابة والحيض والنفاس والاستحاضة ومسّ الميّت، وهذه الأسباب الموجبة للغسل يسمّى واحدها في عرف الفقهاء بالحدث الأكبر، تمييزاً لها عن نواقض الوضوء التي يطلق على كلٍّ منها اسم الحدث الأصغر، والوضوء طهارة من الحدث الأصغر، والغسل طهارة من الحدث الأكبر.

(3) وكلّ ما يحرم على المحدِث بالحدث الأصغر حتّى يتوضّأ يحرم أيضاً على المحدث بالحدث الأكبر حتّى يغتسل، فيحرم عليه مسّ كتابة المصحف الشريف، كما تقدّم في الوضوء، وهناك أشياء إضافيّة تحرم بسبب بعض الأحداث الكبيرة، كالجنابة والحيض.

(4) وإذا صدر من المكلّف الحدث الأصغر الموجب للوضوء والحدث الأكبر الموجب للغسل كفاه أن يغتسل وأجزأه ذلك عن الوضوء، وكذلك إذا اغتسل بدون حدث أكبر في المواقع التي يكون الغسل فيها مستحبّاً.

وإجزاء الغسل عن الوضوء له استثناء واحد بالنسبة إلى غسل المستحاضة،

41

حيث إنّ غسلها يجب أن يُضمّ إليه الوضوء أحياناً.

(5) وإذا تراكمت أسباب الغسل ـ كمَن أجنب ومسّ ميّتاً ـ كفى غسل واحد يقصد به كلّ ما عليه من أغسال، أو واحداً معيّناً عنه.

كيف يغتسل المكلّف؟

(6) الأنواع الخمسة من الغسل الواجب لغيره والأغسال المستحبّة كلّها تتّفق في كيفيّة الغسل، ويتميّز عن ذلك جميعاً غسل الأموات، فإنّه له كيفيّةً خاصّةً به كما سيتّضح.

الشروط:

(7) الشروط في ماء الغسل هي نفس الشروط في ماء الوضوء من إطلاق الماء وطهارته وإباحته. وينطبق هنا كلّ ما تقدّم في الفقرة: (2) و(3) و(4) و(5) من فصل الوضوء.

(8) والشروط في المغتسِل هي:

أوّلاً: طهارة المواضع التي تُغسَل.

وثانياً: أن يكون المغتسِل في حالة صحّيّة على نحو لا يضرّ الغسل به ضرراً يجتنب عنه عقلائيّاً.

وثالثاً: نيّة القربة.

ذلك كما تقدّم نظيره في الوضوء. وكان من شروط المتوضّئ أن يكون في مكان مباح عند المسح، وحيث لا مسح في الغسل فليس هذا من شروط المغتسل.

وقد تقدّم في الوضوء: أنّ المباشرة شرط في الوضوء، وكذلك هي شرط في الغسل بالمعنى المتقدّم هناك.

42

كيفيّة الغسل:

للغسل الشرعي صورتان: ترتيب وارتماس.

(9) والترتيب يكفي فيه: أن تفيض الماء على الرأس والرقبة كيفما بدأتَ وانتهيت، ولا تدع منهما شيئاً، ثمّ على سائر البدن كيف اتّفق، إن شئت قدّمت الجانب الأيمن، وإن شئت قدّمت الأيسر، وإن شئت أفضت عليهما معاً دفعةً واحدةً، ويجب الاستيعاب والاستغراق وغسل البشرة والشعر معاً.

ولا يجب التتابع في الغسل، بل يمكنك أن تغسل رأسك أو شيئاً من رأسك في ساعة، وتكمل في ساعة اُخرى ولو طال الفاصل الزمني.

أمّا غسل الارتماس فهو: أن يرمس الجنب جميع بدنه في الماء، سواء كان الماء كرّاً أو أقلّ من ذلك بحيث يستوعب الأجزاء ويغمرها بالكامل. وإذا كان الشعر كثيفاً ومتراكماً فرّقه بيده حتّى يعلم بوصول الماء إلى الكلّ عند ارتماسه في الماء، وأيّ موضع من البدن لا يصل إليه الماء عادةً بتلك الارتماسة يجب غسله على الفور وبلا فاصل ملحوظ.

(10) وفي الترتيب والارتماس معاً يجب غسل الشعر طويلاً كان أم قصيراً، كثيفاً أم رقيقاً، كما يجب غسل ما تحته من الجلد، ولا يجب غسل ما يعدّ من باطن الجسم لا من ظاهره، كباطن الأنف، ومطبق الشفتين.

(11) والغسل الترتيبي خير من الارتماسي وأحسن عملاً، ومن عزم على الغسل الترتيبي وابتدأ به فله أن يعدل عنه إلى الارتماسي.

(12) ويجب أن يلاحظ في الغسل الترتيبي والارتماسي معاً الاُمور التالية:

أوّلاً: أن يكون قاصداً للغسل عند إيصال الماء إلى البدن؛ وذلك بإسالة الماء

43

عليه، أو بإدخال البدن في الماء بنيّة الغسل(1).

ثانياً: أن يمسّ الماء بدن المغتسل بدون حاجز ومانع بالتفاصيل المتقدّمة في الفقرة: (11) من فصل الوضوء.

ثالثاً: أن يكون الماء بدرجة تجعله يستولي ويجري على بدن المغتسل، كما تقدّم بشأن الوضوء في الفقرة: (11)(2).

غسل الجنابة وأحكامها

سبب الجنابة:

المراد بالجنابة هنا أمر معنوي شرعي، وسببه أمران:

خروج المنيّ والجماع.

1 ـ خروج المنيّ:

(13) خروج المنيّ من القُبُل موجب للغسل الشرعي من الجنابة، قليلاً كان أم كثيراً، في اليقظة أم في النوم، ومع الاضطرار والاختيار بالجماع وغيره. وقد يخرج من غير القُبُل (ذَكَرَ الرجل) والموضع المعتاد، أو يخرج بلون الحمرة كالدم لمرض أو لأيّ سبب آخر، فيلحقه حكم المنيّ الاعتيادي، شريطة العلم واليقين بأنّه منيّ.



(1) لمعرفة حكم الغسل بتحريك العضو أو البدن تحت الماء راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 230 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، مع مراعاة هامش سماحة السيّد الحائري دام ظلّه.

(2) لمعرفة أحكام صدور ما يوجب الوضوء أو الغسل في أثناء الغسل، وأحكام غسل الجبيرة، وأحكام الخلل في الغسل راجع المصدر السابق: 231 ـ 234، مع مراعاة الهامش.

44

(14) إذا علمنا بأنّ هذا الخارج منيّ ألحقنا به أحكامه كما عرفت، ولكن قد يخرج من الرجل ماء يشكّ في أنّه هل هو منيّ أو غير منيّ؟ فماذا يصنع؟

الجواب: لابدّ في هذا الفرض من اللجوء إلى وصفين وهما: الخروج مع اللّذّة، والدفق (أي الخروج بشدّة)، فإن اجتمعا في المشكوك كان حكمه حكم المنيّ، وإذا انتفى وصف واحد منهما مع سلامة الجسم من المرض فلا يترتّب عليه آثار المنيّ.

أمّا منيّ المريض فلا يشترط ـ ليتعرّف عليه ـ الدفق، بل يكفي تحقّق الوصف الأوّل وهو الشهوة للحكم على ما يخرج منه بأنّه منيّ.

(15) وإذا خرج من الرجل منيّ واغتسل من الجنابة، وبعد الغسل رأى رطوبةً لا يعلم هل هي من بقيّة المنيّ السابق قد تخلّفت في المجرى أو سائل طاهر كالوذي ـ مثلاً ـ فهل يجب عليه أن يعيد الغسل ثانيةً؟

الجواب: إذا كان قد بال قبل أن يغتسل فلا شيء عليه، وإلّا كانت الرطوبة بحكم المنيّ وأعاد الغسل.

وإذا خرج منه منيّ واغتسل قبل أن يبول، ثمّ بال بعد الغسل واحتمل خروج شيء من المنيّ مع بوله فلا شيء عليه.

(16) وإذا خرج منه ماء جديد وعلم بأنّه بول أو منيّ ولم يستطع أن يميّزه فماذا يصنع؟ والمقصود بالتمييز ما يعمّ التمييز اليقيني والتمييز التعبّدي، فمثلاً لو كان لم يبُل بعد خروج المنيّ كان هذا خارجاً عن محلّ الكلام؛ لأنّ رطوبته المشتبهة محكومة بكونه منيّاً فليس ممّن لم يستطع التمييز. ولو كان قد بال ولكن لم يستبرئ من البول كان خارجاً أيضاً عن محلّ الكلام؛ لأنّ رطوبته محكومة بكونه بولاً فليس ممّن لم يستطع التمييز.

الجواب: إذا كان المكلّف قبل خروج هذا الماء منه متطهّراً ولا وضوء عليه ولا غسل وجب عليه في هذا الفرض الوضوء والغسل معاً.

45

وإذا كان قد حصل منه ما يوجب الوضوء وكان المورد مجرى لاستصحاب عدم البول المنتج لعدم وجوب تعدّد الغسل في التطهير بالماء القليل وقلنا بأنّ تطهير المتنجّس بالبول بحاجة إلى تعدّد الغَسل، فلا يكتفي حينئذ بالوضوء؛ لأنّه يعلم إجمالاً إمّا بوجوب غسل الجنابة عليه أو بوجوب تعدّد الغَسل بالماء القليل في التطهير، فيجب عليه الاحتياط.

وإذا كان قد حصل منه ما يوجب الجنابة اغتسل، ولا وضوء عليه.

(17) وقد تسأل وتقول: هذا كلّه عن منيّ الرجل فماذا عن المرأة؟

والجواب: أنّ المرأة إذا خرج الماء منها بسبب حالة شهوة وتهيّج جنسي فالظاهر عدم وجوب الغسل عليها.

2 ـ الجماع:

(18) يتحقّق الجماع بإيلاج (إدخال) الحشفة في الفرج ـ قُبُل المرأة ـ إن كانت الحشفة سليمة، أو بمقدارها من الذَكَر إن كانت مقطوعة، حتّى ولو لم ينزل المنيّ، فإذا تحقّق الجماع بهذا المعنى وجب الغسل على الواطئ وعلى المرأة الموطوءة معاً، وكانا جنبين، سواء كانا صغيرين أم كبيرَين، عاقلَين أم مجنونين، مختارَين أو مضطرّين.

(19) وهناك حالات اُخرى يجب أن نعرف حكمها، وهي كما يأتي:

1 ـ الإيلاج في دبر امرأة أو ذكر.

2 ـ الإيلاج في بهيمة.

3 ـ الإيلاج في ميّت.

4 ـ الإيلاج ببعض الحشفة، أو ببعض مقطوعها ممّا يكون أقلّ من الحشفة.

46

وفي الحالات الثلاث الاُولى يجب على المباشر الفاعل الغسل، ولكن لا يكتفي به إذا كان قد حدث منه ما يوجب الوضوء قبل ذلك الإيلاج أو بعده، بل يضمّ إليه الوضوء أيضاً، وأمّا في الحالة الرابعة فلا يجب عليه الغسل، وحكم الإنسان المفعول به في الحالة الاُولى والرابعة حكم المباشر الفاعل.

الحاجة إلى غسل الجنابة:

(20) غسل الجنابة طاعة ومندوب في نفسه، وكذلك هو شرط في عبادات اُخرى، فلا تصحّ تلك العبادات بدون أن يغتسل الجنب. وكلّ ما يكون الوضوء من المحدِث بالحدث الأصغر شرطاً لصحّته يكون الغسل من المحدِث بالحدث الأكبر ـ كالجنابة ـ شرطاً لصحّته أيضاً، وعلى هذا الأساس يجب الغسل من الجنابة كشرط للصحّة في الصلوات الخمس أداءً وقضاءً، وفي ركعاتها الاحتياطيّة وأجزائها المنسيّة التي تؤدّى بعد الصلاة، وكذلك هو شرط للصحّة في الصلاة المندوبة، حيث لا صلاة بلا طهور، ولطواف الحاجّ أو المعتمر، ولصلاة الطواف.

وليس الغسل شرطاً للصلاة على الأموات، كما لم يكن الوضوء شرطاً لها، فيجوز للجنب أن يصلّي على الميّت، وليس شرطاً لسجدتي السهو، تماماً كالوضوء.

(21) ويزيد الغسل على الوضوء:

أوّلاً: بأنّه شرط للطواف المستحبّ؛ لأنّ الجنب لا يمكنه دخول المسجد الحرام فضلاً عن الطواف فيه حول الكعبة الشريفة.

ثانياً: بأنّه شرط لصيام شهر رمضان وقضائه، فعلى الجنب أن يغتسل قبل الفجر ليصحّ منه الصوم ـ على تفاصيل ـ وليس شرطاً للصوم المستحبّ، فيمكن للجنب أن

47

يصوم ويصبح صائماً وهو جنب.

ثالثاً: بأنّه شرط للاعتكاف؛ لأنّ الجنب لا يمكنه المكث في المسجد.

ما يحرم على الجُنب حتّى يغتسل:

(22) كلّ ما يوجب الغسل إذا حصل من الإنسان حرم عليه مسّ كتابة المصحف الشريف، تماماً كما يحرم على مَن حصل منه ما يوجب الوضوء، فيحرم على الجنب مسّ كتابة المصحف، ولا يحرم عليه مسّ اسم الجلالة وصفاته في غير النصّ القرآني المكتوب في المصحف، وأسماء الأنبياء والأئمّة(عليهم السلام).

(23) ويحرم على الجنب إضافةً إلى مسّ كتابة المصحف اُمور هي:

أوّلاً: قراءة آية السجدة من سور العزائم، وهي السجدة (آية 15)، وفصّلت (آية 37)، والنجم (آية 62)، والعلق (آية 19).

ثانياً: التواجد في الحرمين الشريفين: المسجد الحرام ومسجد النبي(صلى الله عليه وآله)، فإنّهما محرّمان على الجنب، ولا يسمح له بالمكث فيهما، ولا بمجرّد المرور والاجتياز أيضاً.

ثالثاً: التواجد في غير الحرمين من المساجد فإنّه حرام ـ ولو احتياطاً ـ على الجنب بكلّ أشكاله، ويستثنى من ذلك حالة وهي: أن يكون للمسجد بابان، فيجتاز الجنب المسجد بأن يدخل من باب ويخرج من الباب الآخر مباشرة بدون مكث.

والعتبات المقدّسة التي في وسطها القبر الشريف للمعصوم(عليه السلام)يجري ـ على الأحوط ـ عليها حكم المساجد من هذه الناحية، دون الأروقة(1).



(1) لمعرفة أحكام الخلل في غسل الجنابة راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 240 ـ 242 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (40) ـ (44) مع مراعاة الهامش، وأيضاً راجع المصدر نفسه: 243 ـ 245، الفقرة: (49) ـ (54) مع مراعاة الهامش، لمعرفة بعض الفروع والتفاصيل.

48

غسل الحيض

أقسام دم المرأة:

(24) المرأة قد ينزل منها الدم من الموضع المخصوص في غير حالة الولادة، وهو على أقسام:

1 ـ الدم الذي تعتاد المرأة البالغة أن تقذفه في دورة شهريّة وباستمرار، ويسمّى دم الحيض، وهو دم طبيعي في المرأة السويّة، ويجب على المرأة الغسل عند انقطاعه وانتهائه؛ لكي تصلّي، ويسمّى بغسل الحيض.

2 ـ الدم الذي ينزل بسبب جرح أو قرح في الرحم، أو لمضاعفات عمليّة جراحيّة سابقة.

3 ـ دم البكارة: وهو الدم الذي ينزل بسبب افتضاض بكارة الفتاة.

4 ـ كلّ دم ينزل من الباطن سوى ذلك، ويسمّى بدم الاستحاضة.

أمّا المرأة الحائض فلها أحكام خاصّة سيأتي بيان أكثرها.

وأمّا القسم الثاني والثالث فلا أثر لهما شرعاً من ناحية الطهارة، سوى تطهير الموضع من النجاسة بإزالة الدم وغسله بالماء مع التمكّن وعدم التضرّر بذلك، ولا يتطلّب هذان وضوءاً أو غسلاً.

وأمّا دم الاستحاضة فيتطلّب وضوءاً أو غسلاً على تفصيل يأتي، وتكون المستحاضة مكلّفة بإنجاز ذلك وأداء الصلاة خلافاً للحائض.

49

الشروط العامّة لدم الحيض:

لكي يكون الدم حيضاً شرعاً ـ أي من القسم الأوّل ـ يجب أن تتوفّر فيه الاُمور التالية:

(25) أوّلاً: أن تكون المرأة قد أكملت تسع سنين، ولم تتجاوز خمسين سنة، هكذا قيل، ولكنّنا نقول: إنّ دم الحيض بنفسه علامة البلوغ ولو تحقّق قبل التسع سنين، ويعرف بباقي العلامات لا بإكمال التسع سنين، نعم، تحقّق ذلك قبل التسع سنين بعيد، أو مقطوع العدم. وأيضاً نقول: لا يبعد كون سنّ اليأس المذكور في الروايات بمعنى أنّها لو انقطع عنها الدم قبل ذلك لم يحكم عليها باليأس إلى أن تبلغ ذلك السنّ، أمّا لو رأت الدم بعد الخمسين بشكل كان يحكم عليها لولا السنّ بالحيض فلا يترك الاحتياط عندئذ بالجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة.

(26) ثانياً: أن يكون الدم مستمرّاً خلال ثلاثة أيّام، ولا إشكال في كون ذلك علامةً من العلامات الشرعيّة للحيض، أمّا لو حصل للمرأة القطع بكون دمها من الناحية الطبيعيّة دم الحيض الذي يخرج طبيعيّاً من الرحم ولكنّه لم يستمرّ ثلاثة أيّام فلا يترك الاحتياط بالجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة. ثمّ لا يبعد أن يكون المقياس النهارات بلياليها الكاملة، وعليه فلو انتهى النهار الثالث ولم ينته مقدار ثلاث ليال لا يترك الاحتياط في بقيّة الليل بالجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة، ولو انقطع الدم بعد انتهاء الأيّام الثلاثة وقبل انتهاء مقدار الليالي الثلاث لا يترك الاحتياط بقضاء الصلوات الفائتة.

ولا يضرّ بالاستمرار حصول فترات توقّف قصيرة إذا لم تتجاوز ما هو المألوف لدى النساء من توقّف دم العادة أحياناً.

50

(27) ثالثاً: أن لا يتجاوز عشرة أيّام، فإذا تجاوز عشرة أيّام فلا يعتبركلّه حيضاً، بل قد يعتبر بعضه حيضاً؛ لأنّ الحيض الشرعي لا يكون أكثر من عشرة أيّام، وهنا أيضاً لا يبعد أن يكون المقياس عشرة أيّام مع مقدار عشر ليال كاملة، فلا يترك الاحتياط في مورد اختلاف المسلكين.

(28) رابعاً: أن تكون المرأة قد مرّت بها قبل ذلك فترة طهر وسلامة من دم الحيض لا تقلّ عن عشرة أيّام، فإذا كانت قد حاضت ونقت من حيضها ثمّ رأت دماً بعد تسعة أيّام ـ مثلاً ـ لم يعتبر الدم الجديد حيضاً، لأنّ فترة الطهر بين حيضتين لا يمكن أن تكون أقصر من عشرة أيّام شرعاً. وهنا أيضاً لا يبعد أن يكون المقياس عشر نهارات مع عشر ليال كاملة، فلا يترك الاحتياط في موارد اختلاف المسلكين. ونقصد بالطهر: السلامة من دم الحيض، سواء كانت نقيّةً من الدم بصورة كاملة أو مبتلاةً بدم استحاضة.

(29) ولكي يثبت للمرأة حكم الحائض حين يعرضها الدم ضمن الشروط السابقة لابدّ أن يخرج الدم في بدايته، فلو تحرّك الدم من الرحم ولم يتجاوز فضاء الفرج إلى الخارج فلا يجري عليه حكم من أحكام الحيض وإن طال به أمد المكث، وإذا خرج الدم في البداية كفى ذلك في تحقّق حكم الحيض ولو ظلّ بعد ذلك في فضاء الفرج.

وليس من الضروري ـ لكي يثبت حكم الحيض ـ أن يخرج الدم من الموضع المخصوص، فلو خرج دم الحيض من غيره اعتبرت المرأة حائضاً أيضاً.

كيف تُميّز المرأة دم الحيض؟

(30) إذا توفّرت الاُمور السابقة وشكّت المرأة مع ذلك في أنّ الدم الذي نزل منها من دم الحيض أم لا فإذا علمت بأنّ الدم الذي نزل منها ليس من جرح وقرح ولا