278

116 ـ وهناك طريقان لحساب السنة (1):


المعنى الحقيقي للكلمة له تصوّر معقول; وذلك لأنّ تطويل الزمان ليس دائماً بصالح المكلّف، بل قد يكون بصالحه واُخرى بصالح الإمام، باعتبار أنّ الربح الذي ربحه فيما بعد انتهاء السنة القمريّة وقبل انتهاء السنة الشمسيّة يعدّ على الشمسيّة ربح هذه السنة فعليه تخميسه، في حين أنّه على القمريّة يعدّ ربح سنة جديدة، فبإمكانه تأجيل تخميسه إلى آخر السنة الثانية، فقد يصرفه كلاًّ في مؤونته ولا يبقى منه شيء للإمام.

(1) وعليه فالسؤال الذي يواجهنا الآن هو أنّ سنة الخمس هل تعدّ مجموعيّة أو تعدّ انحلاليّة للأرباح؟

ذكر السيّد الخوئيّ(قدس سره): أنّ كلّ ربح له مبدأه الخاصّ به من حين حصوله، إذن فالأعوام انحلاليّة بعدد زمن الأرباح(1).

وبالمقابل اختار الشيخ المنتظريّ أنّ الأرباح المتعدّدة ينظر إليها بنظرة ارتباطيّة موحّدة، ويكون زمان أوّل الأرباح أوّل سنته(2).

وقد ذكرت لهاتين النظريّتين: الانحلاليّة والمجموعيّة ثمرتان متعاكستان:

الاُولى: أنّ المؤونة بين الربحين إن كانت أكثر من الربح الأوّل صحّ استثناء الباقي من الربح الثاني ما دام في نفس السنة بناءً على النظر المجموعي، في حين أنّ هذا لا يصحّ بناءً على النظر الانحلالي، إذن فالنظر المجموعي يكون من هذا الجانب في صالح المكلّف بالخمس وليس في صالح الإمام، والنظر الانحلالي بالعكس.

والثانية: لو حصل ربح في آخر السنة المجموعيّة ولم يصرف في مؤونة السنة كان عليه تخميسه، ولا يجوز تأجيله إلى السنة القادمة لو آمنّا بالسنة المجموعيّة، في حين أنّه


(1) مستند العروة، كتاب الخمس، ص 241 بحسب طبعة لطفي في المطبعة العلميّة بقم.

(2) كتاب الخمس للشيخ المنتظريّ، ص 189 و196.

279


بناءً على الانحلال يكون له مجال واسع لتأجيل تخميسه إلى اليوم المطابق ليوم حصوله في العام المقبل، وله أن يصرفه قبل حصول ذاك اليوم في مؤونته، فمن هذا الجانب أصبح النظر الانحلالي هو الذي يكون في صالح المكلّف، والنظر المجموعي في صالح الإمام.

وقد أفتى السيّد الخوئيّ(قدس سره) بأنّ السنة انحلاليّة، وأنّ مبدأ سنة كلّ ربح هو زمان حصول ذاك الربح مستدلاًّ على ذلك بأنّ أدلّة وجوب الخمس على أرباح المكاسب انحلاليّة ـ لا محالة ـ بعدد الأرباح، ولو بقيت على إطلاقها لوجب تخميس كلّ ربح، إلّا أنّه طرأ عليها التقييد بإخراج مؤونة السنة، ولا محالة يكون هذا التقييد انحلاليّاً أيضاً تبعاً للمقيَّد، فكلّ ربح اُخرج منه مؤونة سنته.

فبلحاظ الثمرة الاُولى نقول: إنّ استثناء مؤونة ما قبل حصول الربح الثاني من الربح الثاني المتأخّر تقييد زائد منفيّ بالإطلاق.

وبلحاظ الثمرة الثانية نقول: إنّ نفي إخراج المؤونة التي تصرف بعد أيّام من الربح الأخير لمجرّد مرور السنة على الربح الأوّل يكون خلاف إطلاق دليل القيد، فهو منفيّ بالإطلاق.

أقول: لو تمّ هذان الإطلاقان، ثُمّ تمّ بعض أدلّة المجموعيّة، لكان الثاني حاكماً على الأوّل; لأنّ الأوّل لم يكن إلّا تمسّكاً بالإطلاق، فيكون الثاني مقيّداً له.

على أنّ الإطلاق أو الإطلاقين اللذين ذكرهما غير واضح، فإنّه وإن كان لا ينبغي الإشكال في انحلاليّة الربح، فكلّ ربح موضوع للتخميس، ولا ينبغي الإشكال في انحلاليّة المؤونة المستثناة بتبع انحلاليّة المستثنى منه، فلكلّ ربح استثناؤه، ولكن الكلام في تصوير السنة، هل هي سنة حقيقيّة انحلاليّة، أو هي سنة جعليّة مجموعيّة، أو سنة حقيقيّة مجموعيّة؟ وهذا البيان قاصر عن توضيح ذلك.

ويمكن الاستدلال على ما يريده السيّد الخوئيّ(قدس سره) من انحلاليّة السنة برواية أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام)، وفي آخرها: «وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال، إنّما يبيع منه الشيء بمئة درهم أو خمسين درهماً، هل عليه الخمس؟ فكتب: أمّا

280


ما أكل فلا، وأمّا البيع فنعم، هو كسائر الضياع»(1).

فلو كانت السنة مجموعيّة، لكان عليه أن يفصّل بين ما لو كانت الفاكهة قد اُكلت في داخل السنة أو بعد انتهائها، في حين أنّه لو كانت السنة انحلاليّة فحتماً كانت الفاكهة وأكلها في داخل السنة; إذ لم يكن قد مضت عليها سنة يقيناً.

ولكن العيب في السند; لأنّ الرواية قد رواها محمّد بن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب محمّد بن عليّ بن محبوب، عن أحمد بن هلال، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام)، فلو ثبتت لدينا تماميّة سند السرائر إلى كتاب محمّد بن عليّ بن محبوب، بقيت المشكلة في أحمد بن هلال العبرتائي.

هذا، وهناك طريقان لتصحيح سند صاحب السرائر إلى محمّد بن عليّ بن محبوب.

الطريق الأوّل: مؤتلف من مقدّمتين:

المقدّمة الاُولى: أن نفحص عن أسانيد علمائنا التي تثبت السند بين محمّد بن إدريس والشيخ الطوسيّ لمعرفة أنّ محمّد بن إدريس يروي ما يروي عن الشيخ الطوسيّ من قبيل:

أ ـ إجازة الشهيد الأوّل للشيخ ابن الخازن الحائريّ، قال: وبهذا الإسناد عن فخار وابن نما مصنّفات الشيخ العلاّمة المحقّق فخرالدين أبي عبدالله محمّد بن إدريس الحلّي الربعي صاحب السرائر في الفقه... وبهذا لإسناد عن ابن رطبة مصنّفات ومرويّات الشيخ المفيد أبي عليّ ابن شيخنا أبي جعفر إمام المذهب بعد الأئمّة محمّد بن الحسن الطوسيّ وهو يروي جميع مصنّفات والده ومرويّاته(2).

ب ـ إجازة الشهيد الأوّل للشيخ شمس الدين أبي جعفر محمّد بن الشيخ تاج الدين


(1) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 10.

(2) راجع البحار، ج107 من الطبعة المشتملة على ثلاثة مجلّدات الفهارس في الأثناء، ص189.

281


أبي محمّد عبدالعليّ بن نجدة، قال: وعن ابن إدريس(قدس سره)مصنّفات الشيخ الإمام السعيد أبي جعفر الطوسيّ بحقّ رواياته عن عربي بن مسافر العبادي، عن إلياس بن هشام الحايري عن المفيد أبي عليّ ابن الشيخ أبي جعفر الطوسيّ عن والده(1).

ج ـ إجازة الشهيد الثاني الشيخ البهائي قال: وعن ابن صالح وعن ابن إدريس كليهما عن الحسين بن رطبة عن أبي عليّ عن والده بجميع ما صنّفوه ورووه(2).

د ـ إجازة المحقّق الكركي للقاضي صفيّ الدين، قال: وأمّا مصنّفات الشيخ الإمام محمّد بن الحسن الطوسيّ، فإنّي أرويها بطرق متكثّرة لا تكاد تتناهى، منها الطرق المتقدّمة المتّصلة بالشيخ السعيد فخرالدين أبي عبدالله محمّد بن إدريس الربعي...(3).

هـ ـ إجازة الشيخ أحمد العاملي للمولى عبدالله التستري، قال: فمن ذلك كتب الشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ عن ابن إدريس...(4).

المقدّمة الثانية: أنّ للشيخ الطوسيّ(رحمه الله) أسانيد إلى جميع كتب محمّد بن عليّ بن محبوب، وبعضها تامّ من قبيل: «جماعة عن محمّد بن عليّ بن الحسين عن أبيه، ومحمّد


(1) المصدر نفسه، ص 197.

(2) المصدر نفسه، ج 108، ص 163.

(3) المصدر نفسه، ج 108، ص 74.

(4) المصدر نفسه، ج 109، ص 90.

وأيضاً:

و ـ ج 110، ص 70.

ز ـ ج 110، ص 89.

ح ـ ج 110، ص 162.

282


بن الحسن عن أحمد بن إدريس عنه».

والنتيجة: أنّه إذن فصاحب السرائر ينتهي له سند تامّ إلى جميع كتب محمّد بن عليّ بن محبوب.

إلّا أنّ هذا الطريق لتصحيح سند السرائر إلى محمّد بن عليّ بن محبوب لا قيمة له.

وتوضيح ذلك: أنّه لو كان الشيخ الطوسيّ من ناحية التأريخ متأخّراً عن صاحب السرائر، وكان له سند تامّ إلى كتب محمّد بن عليّ بن محبوب يمرّ بمحمّد بن إدريس صاحب السرائر، فهذا بنفسه يعني أنّ محمّد بن إدريس له سند تامّ إلى كتب محمّد بن عليّ محبوب ولم يكن هناك غبار على ذلك، ولكن المسألة على العكس: أي، أنّ صاحب السرائر، أعني: محمّد بن إدريس هو المتأخّر عن الشيخ الطوسيّ، فحاله حالنا، فإنّنا نحن أيضاً لدينا أسانيدنا الصحيحة إلى الشيخ الطوسيّ عن طريق مشايخ إجازاتنا، ولكن هذا لا يبرّر لنا أن نعمل بنسخة نحصل عليها من كتب محمّد بن عليّ بن محبوب; إذ ما يدرينا أنّ هذه النسخة بنفسها كانت موجودة لدى الشيخ الطوسيّ الذي ساق لنفسه سنداً صحيحاً إلى كتب محمّد بن عليّ بن محبوب، فبالنسبة لمحمّد بن إدريس الذي له سند صحيح إلى الشيخ الطوسيّ كيف نعرف أنّ ما حصل عليه من نسخة كتاب محمّد بن عليّ بن محبوب هي نسخة الشيخ الطوسيّ حتّى يتمّ السند؟!

الطريق الثاني: أنّ صاحب السرائر ذكر ما نصّه:

«ومن ذلك ما استطرفناه من كتاب نوادر المصنّف تصنيف محمّد بن عليّ بن محبوب الأشعريّ القميّ، وهذا الكتاب كان بخطّ شيخنا أبي جعفر الطوسيّ(رحمه الله)مصنّف كتاب النهاية، فنقلت هذه الأحاديث من خطّه من الكتاب المشار إليه»(1).


(1) السرائر، ج 3، ص 601.

283


إلّا أنّ الذي ينبغي لنا هو أن نتأكّد بمراجعة السرائر أنّ هذا التعبير يشمل روايتنا المقصودة في المقام.

والسيّد الخوئيّ(قدس سره) متأكّد من ذلك، فإنّه ذكر في فصل وجوب الخمس على الهبة والهديّة(1) استدلاله بهذه الرواية على ثبوت الخمس في الهبة والهديّة، وقال: «أمّا الدلالة فظاهرة، كما أنّ السند صحيح، فإنّ ابن إدريس وإن ذكر في آخر السرائر فيما سمّاه بالنوادر طرقه إلى أرباب الكتب، ولم تثبت لدينا صحّة شيء منها، فلا يعتمد عليها، لا سيّما وأنّ في بعضها كطريقه إلى أبان بن عثمان شيئاً لا يمكن تصديقه، ولكن خصوص طريقه إلى محمّد بن عليّ بن محبوب صحيح; لأنّه يرويه عمّا رآه من خطّ الشيخ، وطريق الشيخ إلى ابن محبوب صحيح، وقد روى هذه الرواية من طريق ابن محبوب.

وأمّا أحمد بن هلال فهو وإن كان فاسقاً ينسب إلى الغلوّ مرّة وإلى النصب اُخرى، بل عن شيخنا الأنصاريّ(قدس سره): (أنّ مثله لم يكن يتديّن بدين لِما بين النسبتين من بُعد المشرقين) ولكن الظاهر أنّه ثقة في نقله وإن كان فاسداً في عقيدته، حيث توقّف على أبي جعفر ولم يقبل نيابته عن الإمام; لأنّه كان يرى نفسه أحقّ بالنيابة; إذ لا ينافي ذلك ما نصّ عليه النجاشي من كونه صالح الرواية».

أقول: قد ذكر النجاشي في ترجمته لأحمد بن هلال: أنّه صالح الرواية، يعرف منها وينكر، وقد روي فيه ذموم من سيّدنا أبي محمّد العسكريّ(عليه السلام).

واستفاد السيّد الخوئيّ(قدس سره) من قول النجاشي: «صالح الرواية» أنّه في نفسه ثقة، قال: ولا ينافيه قوله: «يعرف منها وينكر»; إذ لا تنافي بين وثاقة الرجل وروايته اُموراً منكرة


(1) على ماورد في كتاب المستند، ج1، ص212 بحسب طبعة لطفي في المطبعة العلميّة بقم.

284


من جهة كذب من حدّثه بها.

وقد نقلنا عن السيّد الخوئيّ عن خمس المستند ـ قبل أسطر ـ: «أنّ أحمد بن هلال وقف على أبي جعفر ولم يقبل نيابته عن الإمام; لأنّه كان يرى نفسه أحقّ بالنيابة; ولا ينافي هذا ما نصّ عليه النجاشي من كونه صالح الرواية»، ولكنّنا نقول: إنّ وقوفه على أبي جعفر ـ أي: عدم تسليمه لنيابة محمّد بن عثمان العمري عن الإمام صاحب الزمان ـ إنّما هو في عصر الغيبة، وهو الذي أدّى إلى انفضاحه لدى الشيعة، ثُمّ ظهر التوقيع على يد أبي القاسم حسين بن روح بلعنه والبراءة منه في جملة من لعن، ولكن روايات ذمّه واردة قبل ذلك عن أبي محمّد العسكري(عليه السلام) حينما كان يعتبر في ظاهر حاله من أصحاب أبي محمّد وكان الشيعة لا يصدّقون بذمّه، وقد كان من شأ نه أنّه كان قد حجّ أربعاً وخمسين حجّة، عشرون منها على قدميه، وكان رواة أصحابنا بالعراق لقوه وكتبوا منه، فأنكروا ما ورد في مذمّته، فحملوا القاسم بن العلا على أن يراجع في أمره، فخرج إليه: قد كان أمرنا نفذ اليك(1) في المتصنّع ابن هلال لا رحمه الله بما قد علمت ولم يزل، لا غفر الله له ذنبه، ولا أقال عثرته، تداخل (يداخل خَ لَ) في أمرنا بلا إذن منّا ولا رضى، يستبدّ برأيه فيتحامى من ذنوبه، لا يمضي من أمره إيّاه إلّا ما يهواه ويريده، أرداه الله بذلك في نار جهنّم، فصبرنا عليه حتّى يبتر الله(2) بدعوتنا عمره وكنّا قد عرّفنا خبره قوماً من موالينا لا رحمه الله، وأمرناهم بإلقاء ذلك إلى الخواصّ من موالينا، ونحن نبرأ إلى الله من ابن هلال لا رحمه الله وممّن لا يبرأ منه. وأعلِم الإسحاقي(3) سلّمه الله وأهل بيته بما أعلمناك من


(1) في معجم الرجال فيما عندي من النسخة «نفذ إليه» وهو غلط وفيه أغلاط اُخرى.

(2) فيما عندي من نسخة المعجم «حتّى بتر الله» وهو غلط.

(3) يعني: أحمد بن إسحاق بن سعد القميّ.

285


حال هذا الفاجر وجميع من كان سألك ويسألك عنه من أهل بلده، والخارجين، ومن كان يستحقّ أن يطّلع على ذلك، فإنّه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يروي عنّا ثقاتنا، قد عرفوا بأ نّا نفاوضهم سرّنا ونحمله إيّاه إليهم، وعرفنا ما يكون من ذلك إن شاء الله تعالى. قال: وقال أبو حامد: فثبت قوم على إنكار ما خرج فيه، فعاودوه فيه فخرج: لا شكر الله قدره، لم يدع المرء ربّه بأن لا يزيغ قلبه بعد أن هداه، وأن يجعل ما منّ به عليه مستقرّاً ولا يجعله مستودعاً، وقد علمتم ما كان من أمر الدهقان(1) عليه لعنة الله وخدمته وطول صحبته، فأبدله الله بالإيمان كفراً حين فعل ما فعل، فعاجله الله بالنقمة ولم يمهله، والحمد لله لا شريك له، وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم.

وذكر الشيخ الطوسيّ في التهذيب: «أنّ أحمد بن هلال مشهور بالغلوّ واللعنة، وما يختصّ بروايته لا نعمل به»(2).

وقال في الاستبصار: «أحمد بن هلال ضعيف فاسد المذهب لا يلتفت إلى حديثه فيما يختصّ بنقله»(3).

ويمكن الاستدلال لصالح السيّد الخوئيّ(قدس سره) بلا حاجة إلى هذه الرواية، وذلك ببيان: أنّه لا إشكال في أنّ الربح الذي هو موضوع للخمس انحلاليّ، فمن خمّس بعض أرباحه ولم يخمّس البعض كان مطيعاً وعاصياً في وقت واحد، ولا إشكال في أنّ استثناء المؤونة يتبع المستثنى منه، فحينما كان كلّ ربح موضوعاً مستقلاًّ للخمس، فلا محالة تكون المؤونة بالنسبة لكلّ من الأرباح استثناءً من ذاك الربح، فيتعدّد الاستثناء بتعدّد المستثنى


(1) يعني: عروة بن يحيى الدهقان.

(2) التهذيب، ج 9، باب الوصيّة لأهل الضلال، ذيل الحديث 812.

(3) الاستبصار، ج 3، باب ما يجوز شهادة النساء فيه وما لا يجوز، ح 90.

286


منه، ويبقى الكلام في السنة التي تضاف إليها المؤونة، وفيها احتمالات ثلاثة:

1 ـ السنة الحقيقيّة المجموعيّة تبدأ من أوّل ربح مثلاً.

2 ـ السنة الحقيقيّة الانحلاليّة تبدأ من كلّ ربح بذاك الربح مثلاً.

3 ـ السنة الجعليّة المجموعيّة.

أمّا السنة الجعليّة الانحلاليّة فلا معنىً لها، وحمل الكلام على السنة الجعليّة خلاف الظاهر، فإنّه بعد فرض إضافة المؤونة إلى السنة ـ ولو بدعوى الانصراف العرفي ببعض البيانات الماضية الأربعة ـ يكون حمل ذلك على الجعل لا الحقيقة خلاف الظاهر، فإذا فرضت السنة حقيقيّة ومؤونتها مستثناة من الربح، فلا محالة تكون ظاهرة في السنة التي تبدأ بالربح، لا بالتجارة ولا بربح آخر، وهذا يعني انحلال السنة باختلاف أزمنة الأرباح.

ولعلّ هذا هو مراد السيّد الخوئيّ(رحمه الله) من دليله حتّى ولو فرض قصور في عبارة التقرير لبحثه.

وقد ذكر الشيخ المنتظريّ لإثبات مجموعيّة السنة وجوهاً أربعة:

الأوّل: أنّ كيفيّة وضع الضرائب السنويّة في الحكومات المتعارفة على الأرباح تكون على شكل السنة المجموعيّة بعد ما أخرج الشخص منها عملاً ما صرفه في حوائجه، وهذا يؤدّي إلى انصراف الدليل إلى ذلك.

والثاني: قوله(عليه السلام) في صحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة(1): «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام».

فنسبة الغنائم والفوائد التي قد تكون في أشهر مختلفة، أو فصول مختلفة، أو أيّام مختلفة إلى عام واحد تعطي معنى المجموعيّة.


(1) الوسائل، الباب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

287


والثالث: اعتبار الحول لكلّ ربح، وملاحظة مؤونة السنة بالتوزيع يوجب الحرج الشديد في الحساب، ولا سيّما في ربح كلّ يوم أو كلّ ساعة، وهذا يؤدّي إلى الانصراف إلى المجموعيّة.

والرابع: أنّ مؤونة السنة خارجة موضوعاً وتخصّصاً من الربح والغنيمة.

ولا أدري أنّ هذا الكلام لو تمّ كيف يكون قرينة على المجموعيّة؟ فلعلّه يعتقد أنّ الخارج تخصّصاً وموضوعاً من الربح والغنيمة عند العرف هو مؤونة السنة المجموعيّة.

وعلى أيّ حال، فالوجه الرابع من وجوه الشيخ لا يرجع إلى محصّل; لعدم وضوح النكتة لا في أصل خروج المؤونة موضوعاً وتخصّصاً عن الربح والغنيمة، ولا في استلزام ذلك لكون السنة مجموعيّة.

كما أنّ الوجه الثالث أيضاً لا يخلو من ضعف، فصعوبة الحساب الدقيق لحال كلّ الأرباح لمبدأ سنة كلّ واحد منها ومنتهاه لا تؤدّي إلى الانصراف إلى السنة المجموعيّة، بل تبقى الصعوبة على حالها، ويستفيد المكلّف من هذا الانحلال في كلّ ربح عرف أنّه صرف قبل انقضاء سنة عليه عدم وجوب تخميسه، وما أكثر هكذا أرباح.

وأمّا الوجه الثاني، وهو التمسّك بما في صحيحة عليّ بن مهزيار: «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام...» فقد أجاب عليه السيّد الخوئيّ(قدس سره) بأنّ الصحيحة ليست ناظرة إلى الضمّ ولا إلى عدمه، وإنّما هي بصدد التفرقة بين الغنائم وغيرها، حيث إنّه(عليه السلام)أسقط الخمس في سنته تلك عن جملة من الموارد، واكتفى في بعضها بنصف السدس. وأمّا في الغنائم والفوائد فلم يسقط خمسها، بل أوجبه بكامله في كلّ عام. وأمّا كيفيّة الوجوب من ملاحظة الأرباح منضمّة أو مستقلّة، فهي ليست في مقام البيان من هذه الناحية بتاتاً، فلا دلالة لها على ذلك أبداً.

أقول: لعلّ الأقوى من هذا الكلام في الجواب على هذا الوجه هو أن يقال: إن كان

288


المقصود بدلالة هذه الفقرة من الصحيحة على حساب الأرباح مجموعيّاً حسابها كذلك في موضوعيّتها للخمس، فهذا خلاف ضرورة الفقه التي تقول: من خمّس بعض أرباحه ولم يخمّس بعضها فقد أطاع وعصى في وقت واحد. وإن كان المقصود حسابها مجموعيّاً بلحاظ المؤونة المستثناة، فقد أوضحنا فيما سبق: أنّ هذه الغنائم والفوائد المقصودة في هذه الفقرة لا تستثنى منها المؤونة، والإمام قد استشهد في هذه الفقرة بقوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُم...﴾مع وضوح: أنّ غنيمة الحرب المتيقّنة من الآية لا تستثنى منها المؤونة.

فأقوى الوجوه المذكورة في كلام الشيخ هو الوجه الأوّل، وهو تعارف الحكومات في وضع الضرائب السنويّة على الأرباح بعد ما أخرج المالك منها عملاً ما صرفه في حوائجه.

أقول: لا شكّ في أنّ الحكومة لو صمّمت على جبابة الضريبة من الأرباح مع استثناء المؤن منها، فهي تفترض سنة جعليّة ومجموعيّة; إذ هي لا تقدر على شيء آخر غير ذلك، فالسنة المجموعيّة تكون بالجعل الحاصل من نفس الحكومة، فهل هذا سيؤثّر على دليل استثناء المؤن اختياراً الموجّه إلى نفس المكلّفين في انصرافه إلى جعل السنة من قبل المكلّف، أو إلى فرض سنة مجموعيّة ولو حقيقيّة يكون أوّلها أوّل ربح يحصل مثلاً؟!

ثُمّ إنّ السيّد الخوئيّ(قدس سره) قد ذكر في كتابه ما يلي:

«وما يقال من أنّ لحاظ المؤونة بالإضافة إلى كلّ ربح يوجب الاختلال والهرج والمرج، فلا نعقل له معنىً محصّلاً حتّى في التدريجيّات، مثل العامل أو الصانع الذي يربح في كلّ يوم ديناراً مثلاً، فإنّه إن لم يبق كما هو الغالب; حيث يصرف ربح كلّ يوم في مؤونة اليوم الثاني، فلا كلام، وإن بقي يخمّس الفاضل على المؤونة»(1).


(1) مستند العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص 242.

289


وربّما يكون هذا الكلام إشارة إلى نفس ما ذكره الشيخ المنتظريّ من مسألة العسر الشديد في ضبط الحول من حيث المبدأ والمنتهى بنحو التوزيع على كلّ الأرباح، ولا سيّما في من يربح كلّ يوم أو كلّ ساعة ربحاً جديداً، وإن كان ليس له نظر إلى كتاب الشيخ المنتظريّ ولا اطّلاع عليه، بل ولعلّ كتاب الشيخ لم يكن مؤلّفاً في ذاك التأريخ.

وعلى أيّ حال، فإنّي لا أظنّ أنّ المقصود للشيخ التمسّك بقاعدة نفي الحرج أو بنفي الهرج والمرج حتّى يرد عليه ما أفاده السيّد الخوئيّ(قدس سره)، فلعلّ المقصود ما حملنا عليه عبارته من أنّ هذا العسر الشديد في الحساب يؤدّي إلى انصراف الدليل عرفاً إلى السنة المجموعيّة. فإن كان هذا هو المقصود، فيكون الأولى في الجواب ما قلناه من أنّ صعوبة الحساب الدقيق لا تؤدّي إلى الانصراف إلى السنة المجموعيّة، بل تبقى الصعوبة على حالها، ويبقى المكلّف مستفيداً من ذلك في كلّ ما سهل الأمر عليه في الاستفادة، أي: في كلّ ربح عرف أنّه صرف أو صُرف ما يعادله قبل انقضاء سنة عليه، فلا يخمّسه. وما أكثر هكذا أرباح.

ثُمّ إنّ الوجه الثاني من الوجوه التي نقلناها عن الشيخ المنتظريّ، وهو التمسّك بما في صحيحة عليّ بن مهزيار من إضافة الغنائم والفوائد إلى كلّ عام، كأنّ الشيخ حاول تعميمه إلى كلّ أدلّة استثناء المؤونة بعد وضوح كون المقصود مؤونة السنة فقال:

«والذي يقوى في النظر هو: أنّ المستثنى، أعني: مؤونة الشخص بعد ما قيّدت بالسنة ولوحظت بسبب ذلك أمراً وحدانيّاً، فلا محالة تسري الوحدة إلى المستثنى منه أيضاً، فيكون الموضوع لهذا القسم من الخمس طبيعة ربح السنة بعد استثناء مؤونة السنة منه».

أقول: إنّ هذا التعميم لا محلّ له، فإنّنا لو فرضنا أنّ إضافة المؤونة في اللفظ إلى العام تؤدّي إلى هكذا ظهور، فإضافتها إليه بمجرّد الانصراف العرفي لا تؤدّي إلى هكذا ظهور; إذ ليست هذه إلّا إضافة لبّية وبمناسبات الحكم والموضوع، ومردّدة بين كون أصل

290


الإضافة بين المؤونة والسنة ملحوظة بنحو المجموعيّة أو بنحو الانحلال.

بقي الكلام فيما أفاده اُستاذنا الشهيد(قدس سره) في تعليقه على منهاج الصالحين(1)، وهو ما يلي:

«الظاهر: أنّ مبدأها ـ يعني السنة ـ من حين ظهور الربح مطلقاً، ولكلّ ربح سنة، وإن كان من الجائز أن يلحظ مجموع أرباح سنته ويستثني منها مجموع ما صرفه على مؤونته في تلك السنة، إذا لم يعلم بأنّ المستثنى في هذا الحساب يزيد على المستثنى في الحساب الدقيق».

وهذا يعني فيما أظنّ اعتماده على دليل السيّد الخوئيّ(قدس سره) ـ ولو بعد توجيهه بما وجّهناه به في استنباط الحكم في كيفيّة استثناء المؤونة ـ زائداً الالتزام بأنّه يجوز بحسب الحكم الظاهري استثناء مجموع المؤن سنويّاً وفق السنة المجموعيّة، فيستثني مؤونة سابقة من ربح لاحق إن أراد بشرط عدم العلم بخسارة الإمام(عليه السلام)وفق الحساب الدقيق، فشرطه(رحمه الله)لذلك يفهمنا: أنّ حساب السنة المجموعيّة يراها(رحمه الله)حكماً ظاهريّاً.

ولعلّ الوجه في هذا الحكم الظاهريّ لديه(رحمه الله) عبارة عن أنّ وضوح: أنّ الحكومة لو أرادت جباية ضريبة على الربح السنوي المستثنى منه المؤن لجعلت سنة للشخص بجعلها هي لا يُعطي ظهوراً للدليل في الانصراف إلى سنة مجموعيّة مجعولة من قبل المكلّف، كما ادّعاه الشيخ المنتظريّ، لكن يُعطي ظهوراً عرفيّاً في أنّ الشخص حينما اُوكل إليه الأمر سوف لن يكون مضطرّاً إلى أزيد ممّا كانت تفعله الحكومة لو كانت هي الجابية للضريبة، فله الترخيص في جعل سنة مجموعيّة; كي يستفيد من ذلك استثناء المؤونة السابقة من


(1) ج 1، رقم 43 من تعليقاته على مبحث ما يجب فيه الخمس، ص 464 بحسب طبعة دار التعارف للمطبوعات بيروت ـ لبنان.

291

أحدهما: أن يحسب سنة كلّ ربح مستقلاًّ، فما لم يصرف في المؤونة إلى آخر سنته كان عليه الخمس.

ولا يجوز استثناء مؤونة متقدّمة على حصول ربح مّا من ذاك الربح المتأخّر.

وثانيهما: أن يحسب سنة مجموعيّة لكلّ الأرباح تبدأ بأوّل ربح، فيجوز له عندئذ أن يستثني مؤونة متقدّمة على حصول ربح مّا من ذاك الربح المتأخّر.

والحساب الأوّل هو الحساب الواقعيّ.

والحساب الثاني حساب ظاهريّ يشترط فيه عدم العلم بخسران الإمام(عليه السلام) في هذا الحساب بالقياس إلى ما لو كان المكلّف محاسباً ذاك الحساب الدقيق.

117 ـ ويجوز له التلفيق بين الطريقين، فيحسب مثلاً حساب السنة المجموعيّة لجميع أرباحه، ويستثني ربحاً مهمّاً له في أواخر السنة بجعل سنة خاصّة له من حين حصوله بشرط أن لا يستثني منه مؤونة متقدّمة على هذا الربح (1).


الربح اللاحق، وبما أنّنا استفدنا من الدليل أنّ الحكم الشرعيّ الأصليّ هي السنة الانحلاليّة بعدد الأرباح، فهذا الترخيص لا يكون إلّا ترخيصاً ظاهريّاً، أي: مخصوصاً بفرض عدم العلم بخسارة وليّ الأمر بهذا الحساب بالقياس إلى الحساب الدقيق، فإنّ وليّ الأمر وإن كان لو قام هو بالجبابة، فطبيعيّ أنّه كان من حقّه أن يتحمّل الخسارة لو علم بالخسارة، لكن توجّه هكذا ترخيص إلى نفس المكلّف، وفي مورد العلم بخسارة وليّ الأمر ليس ممّا يفهمه العرف.

(1) يبقى هنا سؤال، وهو: أنّه لو سلك المكلّف في مجموعة من أرباحه أو تجارته مسلك السنة المجموعيّة مع عدم علمه بأنّ هذا يخسّر المولى بالقياس إلى تلك المجموعة من الأرباح، وقد فرضنا أنّه مع عدم العلم بذلك يجوز له سلوك هذا الحكم الظاهري، ولكنّه صادف في أواخر السنة أن دَخَلَهُ ربح مهمّ، فرغب أن يجعل سنة هذا الربح من أوّل

292

118 ـ ولو صرف من ربح سنته الحاليّة على مؤونة سنة قادمة من دون أن يملك حاليّاً أمراً مادّيّاً، لم يتعلّق به الخمس، من قبيل:

أ ـ أن يشتري خطّاً هاتفيّاً لا يعطى إلّا بعد سنين وهو من مؤونته حينما يعطى.

ب ـ أو يشتري سيّارة لا تُسلَّم إلّا بعد سنين وهي من مؤونته حينما تُسلَّم.

ج ـ أو يسجّل للحجّ بما قدّمه من المال ولا يصل وقت حجّه إلّا بعد سنين.

د ـ أو يشتري خطّ الكهرباء أو الماء ولا يُسلَّم إلّا بعد سنين وهو من مؤونته في وقت التسليم (1).


حصوله كما هو مسلك الانحلال، كي يكون له وقت طويل لصرفه في المؤونة، فهل يقال بجواز ذلك; لأنّه ـ على أيّ حال ـ لم يخالف شرط الحكم الظاهري بالنسبة للأرباح التي جعل لها سنة مجموعيّة؟ أو يقال بعدم جوازه; لأنّ الحكومة لو كانت هي الجابية لضريبة الخمس لأدخل هذا الربح في ضمن الأرباح المجموعيّة، ففرْضُه ربحاً مستقلاًّ بذاته في خصم المؤونة مشتمل على تخسير المولى؟

الظاهر: أنّ الصحيح هو الأوّل; وذلك لأنّ شرط عدم التخسير لم يكن بنصّ نحتاج إلى البحث في معناه ومدى إطلاقه وعدم إطلاقه، وإنّما هذا الشرط عرفناه من مجرّد استظهار كون جواز الحساب المجموعيّ حكماً ظاهريّاً لا ينفذ إلّا مع عدم العلم بمخالفته للحكم الواقعي، وهذا يقتضي الأوّل لا الثاني، فلا بأس بفرض سنة خاصّة لربحه الأخير.

نعم، يشترط أن لا يستثني من ربحه الأخير مؤونة صرفها قبله; لأنّ هذا هو حكم السنة الانحلاليّة.

(1) بقيت في المقام فروع لا بدّ من التعرّض لها، فنقول: لو صرف من ربح سنته الحاليّة على مؤونة سنة قادمة من دون أن يملك حاليّاً أمراً ماديّاً يتعلّق به الخمس من قبيل:

293

أ ـ أن يشتري خطّاً هاتفيّاً لا يعطى إلّا بعد سنين.

ب ـ أو يشتري سيّارة لا تسلَّم إلّا بعد سنين.

ج ـ أو يسجّل للحجّ بما قدّمه من المال ولا يصل وقت حجّه إلّا بعد سنين.

وكانت السيّارة أو الهاتف أو الحجّ في وقت التسلّم من مؤونته، فهل يتعلّق الخمس به لأنّه صرف المال لغير مؤونة سنة الربح، فلا يدخل ذلك في الاستثناء المفهوم من نصّ: «الخمس بعد المؤونة» بعد أن فسّرت المؤونة بمعنى مؤونة السنة، أو لا يتعلّق به الخمس؟

يمكن اختيار عدم تعلّق الخمس به; وذلك لأنّه في الوقت الحاضر لم يمتلك إلّا حقّاً معنويّاً متعلّقاً بحجّ متأخّر، أو بسيّارة غير موجودة فعلاً، أو بخطّ هاتفيّ لم يسلّم بعدُ، فلو قلنا بتعلّق الخمس، ورد علينا هذا السؤال، وهو: أنّه هل تعلّق الخمس بالمال الذي صرفه في هذا السبيل، أو بالحقّ المعنويّ الذي حصل عليه، أو بما سيملكه في وقته من سيّارة، أو الموادّ التي تسلّم في الحجّ، أو الأمر المادّي الذي يسلّم في سنة تسليم الحقّ المعنوي في الهاتف، والمتمثّل برقم خاصّ يعبّر عن خطّ من خطوط شبكة الاتّصالات الذي به يتمّ اتّصال آلة الهاتف بالشبكة إمّا عبر الهواء كما في الهاتف النقّال، أو بواسطة السلك كما في الهاتف الأرضي، أو قل: نفس آلة الهاتف بعد أن تمّ اتّصالها بخطوط شبكة الاتّصالات؟

فإن قيل بالأوّل، أعني: أنّ المال الذي صرفه فعلاً يكون عليه الخمس، فالجواب: أنّ ما صرفه إنّما صرفه في سنة الربح، وقد صرفه في المؤونة، فقوله: «الخمس بعد المؤونة» يخرجه عن الحساب; لأنّنا لا نستفيد من ذلك عدا شرط كون الصرف في سنة الربح، وشرط كونه صرفاً في المؤونة.

أمّا الشرط الأوّل، فلأجل حفظ النسبة بين الصرف في المؤونة والسنة المجموعيّة أو الانحلاليّة بعد استظهار: أنّ النسبة ليست مباشرة بين السنة والمؤونة بمعنى الحاجة; ولذا

294


نقول في من قتّر على نفسه بوجوب تخميس ما ادّخره بالتقتير، وإنّما النسبة تكون بين السنة والصرف للمؤونة.

وأمّا الشرط الثاني، فلوضوح: أنّ المقصود بالمؤونة لم يكن إلّا ما به ترفع الحاجة الشخصيّة، دون مطلق الصرف ولو في الترف مثلاً.

وكلا الشرطين حاصلان في المقام.

نعم، لو أنّ أحداً استظهر من هذا النصّ شرطاً ثالثاً، وهو شرط كون المؤونة مؤونة نفس سنة الربح لا مؤونة سنة الحصول على ما يصرفه، بطل هذا الكلام، ولكنّنا لا نعرف نكتة لاستظهار هذا الشرط الثالث.

ولولا قرينة متّصلة أو منفصلة لقلنا: إنّ المستثناة مؤونة العمر.

ولو كان دليل استثناء المؤونة مصرّحاً في اللفظ باستثناء مؤونة السنة، أي: كان قد أضاف المؤونة إلى السنة، لكان هذا الاستظهار معقولاً، ولكن لم يكن الأمر كذلك.

وإن قيل بالثاني، أعني: أنّ الخمس تعلّق بالحقّ المعنوي الذي حصل عليه، قلنا: إنّ أدلّة تعلّق الخمس بأرباح المكاسب لم تدلّ على أكثر من تعلّق الخمس بالأموال المادّيّة، دون الحقوق المعنويّة، حتّى مع إمكان تبديلها بالمال، فمثلاً لو أنّ ضرّة من الضرّات كان بإمكانها أن تبيع حقّ مضاجعتها مع الزوج لضرّتها، وكان السعر المالي زائداً على مؤونة سنتها، ولو من باب أنّها مكفيّة المؤونة من قبل الزوج، فهل يجب عليها دفع الخمس بمقدار ما يتعلّق بذاك المال؟! لا نظنّ أحداً يفتي بذلك، نعم لو باعت بالفعل حقّها لضرّتها بالمال، وزاد المال على مؤونة سنتها تعلّق الخمس بذاك المال.

وإن قيل بالثالث، أعني: أنّ الخمس يتعلّق بما سوف يملكه من سيّارة، أو الاُمور المادّيّة التي تعطى في الحجّ، أو آلة الهاتف التي تمّ ارتباطها بشبكة الاتّصالات كآلة الهاتف النقّال أو الأرضي، فالجواب: أنّ المفروض: أنّه في زمن امتلاك ذلك يكون مؤونة له.

295


وبهذا البيان اتّضح أنّ نكتة عدم تعلّق الخمس لا تشمل فرض ما إذا اشترى مثلاً أرضاً، وآجراً، وجصّاً، وسمنتاً ونحو ذلك لبناء بيت لمؤونة سكنه ممّا سوف لن يتمّ إلّا بعد سنين; لأنّه في هذا الفرض سيتعلّق الخمس بنفس هذه الموادّ; لأنّها لم تصرف في وقت الحصول عليها في المؤونة.

إن قلت: لا فرق في الموادّ التي يتعلّق بها الخمس بين أن تكون في صفحة الخارج أو في ظرف الذمّة، فإذا امتلك سيّارة، أو خطّاً للهاتف في ذمّة الحكومة، أو الجهة الخاصّة، أو الشخص الخاصّ تعلّق بذلك الخمس أيضاً.

قلت: لا معنى لامتلاك الموادّ في ذمّة أحد بإتلافها مثلاً أو غير ذلك، عدا هذا الحقّ المعنويّ البحت، من دون وجود مادّة حقيقيّة مملوكة، وقد قلنا: لا دليل على تعلّق الخمس بالحقّ المعنويّ البحت، وحتّى مثل موثّقة سماعة: «الخمس في كلّ ما أفاد الناس» ينصرف إلى ما هو قابل للإفادة بالفعل، وهي الموادّ الخارجيّة.

ولو أنّ أحداً أقرض مالاً لأحد، فلو كان نفس هذا الإقراض مؤونة له، فلم يتعلّق الخمس بذلك المال، ثُمّ سوّف المقترض الأداء ولو ظلماً وعدواناً، لم يجب عليه الخمس بسبب ما يملكه في ذمّة المقترض.

ومن قبيل هذه الفروع التي تعرّضنا لها ما لو اشترى حقّ الاشتراك في الماء أو الكهرباء واُعطي بعد سنين وكان مؤونة له في وقت إعطائه إيّاه.

وأيضاً لو اقترض مالاً وصرفه في مؤونته، أو في غير مؤونته، فلا إشكال في أنّه لا خمس عليه حتّى لدى الصرف في غير المؤونة; لأنّ القرض لا يتعلّق به الخمس، فصرفه في غير مؤونته لا يوجب تعلّق الخمس به، فلو أبرأه المقرض بعد الصرف أو بعد السنة المجموعيّة لو آمنّا بالنسبة المجموعيّة، فهل يتعلّق به الخمس; لأنّ هذا الإبراء ربّحه، أو قل: هذا ممّا أفاد الناس على حدّ تعبير موثّقة سماعة؟ الجواب: أنّه لا يتعلّق به الخمس; لأنّه لا يكون له بهذا الإبراء إلّا ربح معنويّ بحت، وقد قلنا: إنّ دليل الخمس لا يشمله.

296

119 ـ ولو ارتفعت القيمة السوقيّة لماله المخمّس لم يتعلّق بالارتفاع الخمس ما لم يترجمه بمال عن طريق المبادلة ولو كان في معرض التجارة (1).


(1) (فرعٌ) لو نما من الأعيان ما لا يتعلّق به الخمس، كالإرث، أو ما خمّسه قبلاً نموّاً منفصلاً، كما في السخال، والحليب، بل وثمر الأشجار حتّى قبل القطف، فلا إشكال في تعلّق الخمس بالنماء.

بل وكذلك في النماء المتّصل حينما يعدّ ربحاً، كالسمن، أو زيادة اللحم، أو نموّ الفسيل من الشجر، أو ما إلى ذلك.

وإنّما الإشكال في ارتفاع القيمة السوقيّة، فنقول: لو ترجمت الزيادة في القيمة بالمال عن طريق البيع في غير الاُمور المستثناة من الخمس، فلا إشكال في تعلّق الخمس بالزيادة; لأنّها عين من الأعيان.

وإنّما الكلام فيما إذا لم تترجم بالعين، فهل هذا يدخل في الفروع التي كنّا نبحثها حتّى الآن ممّا قلنا فيها بأنّ مجرّد الحقّ المعنوي لا يتعلّق به الخمس، كحقّ الماء، أو الكهرباء، أو الهاتف، أو لا؟

قد يقال بعدم دخول ذلك في تلك الفروع; لأنّ الزيادة الماليّة هنا مجسّدة في المادّة، وهي نفس العين التي زادت قيمتها الماليّة.

نعم هذه المسألة بحدّ ذاتها بحاجة إلى البحث وبغضّ النظر عمّا كنّا بصدده.

فنقول: لو كانت العين من الاُمور المستثناة من الخمس كما في الإرث، فنفس دليل الاستثناء يبقى شاملاً لها، فلا معنى لتعلّق الخمس بالزيادة الماليّة.

بل وحتّى لو ترجمت الزيادة بالمال العيني بالبيع، ولم تكن الزيادة عبارة عن البيع بأغلى من السعر الحالي، وإنّما كانت عبارة عن زيادة القيمة الحاليّة على القيمة السابقة، قلنا: إنّ العنوان المستثنى وهو الإرث مثلاً شامل لهذا المال، فلا خمس فيه.

أمّا لو كانت العين من غير مستثنيات الخمس، فلو فرضنا أنّها لم تكن مخمّسةً سواء كان بعنوان تأخير التخميس أو بعنوان عدم حلول السنة، فلا إشكال في تبعيّة الزيادة

297


الماليّة لأصل العين في الخمس: إمّا بمعنى: أنّ خمس العين أيضاً ارتفعت قيمتها (في فرض تأخير التخميس) أو بمعنى تعلّق الخمس بالعين بسعرها الحالي (في فرض انتظار آخر السنة).

وأمّا لو كانت مخمّسةً، فلو لم تكن تعدّ من أموال تجارته، فلا إشكال في عدم تعلّق الخمس بالزيادة الماليّة ما لم تترجم في المال بالبيع. نعم، لو ترجمت في المال بالبيع، صدق الربح، أو عنوان «ما أفاد الناس»، أو نحو ذلك، ووجب التخميس.

وأمّا لو كانت تعدّ من أموال تجارته، وكان من رأس ماله، وكان بصدد التجارة به، فقد قال السيّد الخوئيّ(قدس سره): إنّه هنا صدقت الزيادة، وصدق الربح عرفاً، فيجب التخميس(1).

وذكر الشيخ المنتظري أيضاً أنّه مع إمكان بيعها وأخذ قيمتها تعدّ الزيادة مالاً بالفعل، وتخمّس; لأنّ الشيء بعد ما قصد الاتّجار به لا ينظر إلى شخصيّته وصورته النوعيّة، بل إلى ماليّته وقيمته، فإذا زادت الماليّة، عدّت فائدة وغنيمة بالفعل، لا بالقوّة حتّى يخدش في عموم الحكم لما بالقوّة(2).

وذكر اُستاذنا الشهيد(قدس سره) في تعليقه على منهاج الصالحين(3): «إن كانت العين معدّة للتجارة فيجب الخمس في ارتفاع القيمة ولو لم يبع فعلاً مع إمكان البيع، وإن لم تكن معدّة للتجارة، فلا يجب الخمس إلّا إذا بيعت العين بالثمن المرتفع».

أقول: بعد السبر والتقسيم الذي أشرنا إليه يجب أن ينحصر الحديث فيما لم يكن من مستثنيات


(1) راجع المستند في الخمس، ص 231 بحسب طبعة لطفي في المطبعة العلميّة بقم.

(2) راجع كتاب الخمس للشيخ المنتظري، ص 184 ـ 185.

(3) رقم 35 من تعليقاته على مبحث ما يجب فيه الخمس، ص 460 من طبعة دار التعارف للمطبوعات بيروت ـ لبنان.

298


الخمس، وخمّس، وعدّ رأس مال للتجارة، وارتفعت قيمته السوقيّة، وكان بالإمكان بيعه.

ونحن نقول: صحيح: أنّ هذه الزيادة ليست مصداقاً للعنوان الذي ثبّتنا في بحثنا السابق من الحقوق المعنويّة; فإنّ هذه زيادة متجسّدة في هذه العين، لكن النكتة الحقيقيّة فيما ثبّتناه هي أنّه لا دليل لنا على أكثر من تعلّق الخمس بالعين، والمفروض في المقام أنّ العين مخمّسة، ولو كانت الماليّة بعنوانها يتعلّق بها الخمس، كان الخمس متعلّقاً حتّى بالحقوق المعنويّة القابلة للنقل والانتقال; فإنّ لها الماليّة بلا إشكال، وحتّى في حقّ الضرّة الذي مثّلنا به، وقلنا: إنّ بإمكانها بيعه على ضرّتها، فهو حقّ ذو ماليّة بلا شكّ، فيجب: إمّا أن نرضخ للقول بتعلّق الخمس بماليّة الحقوق بما فيها مثل حقّ الضرّة، وإمّا أن لا نرضخ لوجوب الخمس فيما نحن فيه ما لم يبع العين بالقيمة الأعلى رغم تطابق السيّد الخوئيّ(قدس سره)والشيخ المنتظريّ واُستاذنا الشهيد الصدر(قدس سره) على كفاية كون المال معدّاً للتجارة وقابلاً للبيع في تعلّق الخمس بالزيادة، ودليلهم جميعاً واحد، وهو صدق الربح عندئذ عرفاً.

وأضاف الشيخ المنتظريّ شاهداً على كلامه لم يرد في نصّ السيّد الخوئيّ، ولا في نصّ اُستاذنا الشهيد الصدر، وهو ما اختاره المشهور في باب المضاربة من أنّ العامل يملك حصّته من الربح بصرف الظهور، من غير توقّف على الإنضاض، بل ادّعي عليه إجماعنا، واستدلّوا عليه بما رواه المشايخ الثلاثة بسند صحيح عن محمّد بن قيس أو محمّد بن ميسر قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة، فاشترى أباه وهو لا يعلم؟ فقال: يقوّم، فإذا زاد درهماً واحداً اُعتق واستسعي في مال الرجل»(1). وجه الدلالة: أنّه لو لم يملك الحصّة لم ينعتق أبوه. انتهى ما ذكره الشيخ المنتظريّ(2).


(1) الوسائل، ب 8 من المضاربة، ح 1.

(2) كتاب الخمس، ص 185.

299

120 ـ والربح إنّما يدخل تحت دائرة السنة الخمسيّة من حين دخوله تحت السلطة بمثل الاستلام، أو الدخول في الحساب المصرفيّ، أو سيطرة الشخص على استلامه ممّن هو في ذمّته، ونحو ذلك (1).


وهذا الكلام في غاية الغرابة، فإنّه لو كانت المسألة مسألة: أنّ العامل المضارب يكتفي في شركته في الربح بمجرّد تأخير المال الذي أخذه من الرأسمالي إلى حين صعود سعره السوقي، فلعلّه كان هذا الاستشهاد استشهاداً معقولاً، إلّا أنّ هذا لم يكن، ولا يمكن أن يكون; لأنّه لو كان لم يتّجر بالمال، إذن لازال غير عامل بمقتضى عقد المضاربة، وبالتالي لا معنى لاشتراكه في الربح، وحينما عمل بعقد المضاربة وظهر الربح في العين المشتراة، فطبيعيّ أنّه اشترك في الربح، ولا معنىً لتوقّف الاشتراك على الإنضاض، أي: تبديل العين المشتراة بالأوراق النقديّة، وفي المقام أيضاً لم يكن إشكال في أنّه لو كان اشترى بما صعد سعره السوقي عيناً وربح فيها، لتعلّق الخمس بالربح، بلا حاجة إلى إنضاض، وأين هذا من بحثنا؟

وعلى أيّ حال، فالظاهر: أنّ مجرّد صعود القيمة فيما كان قد خمّسه لا يوجب تخميسه قبل البيع والتبديل، وتجسيد الربح في مال عينيّ ولو كان معدّاً للتجارة وقابلاً للبيع والله العالم.

(1) فإنّه قبل ذلك لا يكون امتلاكه لهذا الربح إلّا أمراً معنويّاً، نفينا الخمس عنه في بحثنا السابق.

بقي لدينا في المقام أبحاث هامّة وأساسيّة لابدّ من التعرّض لها:

أحدها: بحث رأس المال، ومدى استثنائِه أو عدم استثنائِه من الخمس.

والثاني: بحث المؤونة لو خرجت في وقت ما عن المؤونيّة، كحليّ المرأة التي تخرج عن مؤونيّته لها في أيّام كِبَرها وشيبوبتها، فهل تعود إلى وجوب الخمس لو لم تكن مخمّسة، أو كونها مؤونة في وقت ما كاف في بقائها على الاستثناء من الخمس؟

300


والثالث: بحث اشتراط العقل والبلوغ في خمس أرباح المكاسب وعدمه.

أمّا البحث الأوّل: وهو مدى استثناء وعدم استثناء رأس المال من الخمس، فلعلّ عمدة الوجوه المنقولة في المسألة أربعة:

الوجه الأوّل: ما اختاره صاحب العروة(رحمه الله) بعنوان الاحتياط وهو تعلّق الخمس برأس المال مطلقاً، ولعلّه المشهور.

ووجهه ما يقال من أنّ المؤونة المستثناة في الأدلّة ظاهرة في معنى المصاريف الاستهلاكيّة، ولا تشمل رأس المال الذي يدرّ على الشخص بتلك المصاريف.

نعم، قد يستثنى منه ما يمكن افتراضه خارجاً بالتخصّص، وهو ما لو كانت التجارة بنفسها تعدّ شأناً ضروريّاً له بحيث لو كان يبقى بطّالاً وبلا تجارة ولو لأجل عدم الحاجة الماليّة، يعاب عليه ذلك مثلاً، فأقلّ المقدار اللازم من رأس المال للتجارة بهدف الخروج عن العيب العرفي يعتبر مؤونة له ابتداءً، لا من باب أنّه رأس مال يدرّ عليه بالمؤونة فلا يتعلّق به الخمس جزماً، سنخ ما يقال في حليّ المرأة التي تحتاجه في شأنها، أو الأثاث والأدوات المنزليّة التي تعارف لدى بعض المجتمعات ادّخارها لبناتهم تدريجاً ومنذ طفولتهنّ لغرض الاستفادة منها أيّام زواجهن، لو فرض أنّ نفس هذا الادّخار كان يعتبر من الشؤون العرفيّة الداخلة في المؤونة.

الوجه الثاني: ما ذكره السيّد الخوئيّ(قدس سره) على ما في المستند(1) من دون أن ينسبه إلى أحد من استثناء رأس المال من الخمس بالمقدار الذي يحتاجه الإنسان في الدرّ على مؤونته; لأنّه يصبح كالأعيان التي يستعملها الإنسان في مؤونته وتبقى هي ثابتة، من قبيل الدار، والفرش، ونحو ذلك. ولعلّه لا قائل بذلك.


(1) ص 246 بحسب طبعة لطفي في المطبعة العلميّة بقم.

301


ولكن هذا هو محتمل العبارة الواردة عن السيّد الخوئيّ(قدس سره) في تعليقه على العروة، حيث أفاد صاحب العروة في (المسألة 59 فيما يجب فيه الخمس): «الأحوط إخراج خمس رأس المال إذا كان من أرباح مكاسبه»، وعلّق عليه السيّد الخوئيّ(قدس سره) بقوله: «لا يبعد عدم الوجوب فيما إذا كان رأس المال ممّا يحتاج إليه في مؤونة سنته»، ويمكن حمله على الوجه الثالث بقرينة ما في رسالته العمليّة منهاج الصالحين، كما سنشير إليه إن شاء الله.

وعلّق اُستاذنا السيّد الشاهروديّ(قدس سره) أيضاً على كلام صاحب العروة بقوله: «الأقوى عدم الوجوب في صورة الاحتياج إليه».

فلعلّ هذه العبارة تعطي هذا المعنى، ولكن لا شكّ ـ على أيّ حال ـ في استبعاد وجود فتوىً من هذا القبيل.

نعم، ورد في كلام السيّد السيستاني(1) ـ حفظه الله ـ بعد استظهاره عدم استثناء رأس مال التجارة من التخميس إذا اتّخذه من أرباحه وإن كان مساوياً لمؤونة سنته استثناء حالة واحدة، وهي ما لو كان التخميس يؤدّي إلى عجز الباقي عن الوفاء بمؤونته اللائقة بحاله، قال حفظه الله: «فلا يبعد حينئذ عدم ثبوت الخمس فيه».

ويشبه ذلك كلام السيّد الإمام(قدس سره) في تحرير الوسيلة(2) حيث قال(قدس سره): «الأحوط بل الأقوى عدم احتساب رأس المال مع الحاجة إليه من المؤونة، فيجب عليه الخمس إذا كان من أرباح المكاسب، إلّا إذا احتاج إلى مجموعه في حفظ وجاهته، أو إعاشته ممّايليق بحاله، كما لو فرض أنّه مع إخراج خمسه يتنزّل إلى كاسب لا يليق بحاله، أو لا يفي بمؤونته».


(1) منهاج الصالحين، ج 1، ص 396، المسألة 1219.

(2) ج 1، ص 358، المسألة 13 من فصل ما يجب فيه الخمس.

302


وحاصل الكلامين: أنّ مجرّد كون رأس مال التجارة يدرّ بالمؤونة على المكلّف لا يجعله مستثنى من التخميس، كالأعيان الاُخرى التي يحتفظ بها ويستفاد من منافعها الطبيعيّة، كالفراش، والدار، والبقرة الحلوب مثلاً، ولكن كون التخميس مضرّاً بالوفاء بالمؤونة على ما ورد في الكلامين، أو مضرّاً باتّخاذ كسب لائق بحاله ـ على ما ورد في كلام السيّد الإمام(قدس سره) ـ هو الذي يصحّح عدم التخميس.

ويرد عليهما: أنّنا لو آمنّا بأنّ درّ المؤونة التجاريّة كدرّ المؤونة الطبيعيّة يجعل العين جزءاً من المؤونة، فالواجب هو الإفتاء بنفس الوجه الثاني صريحاً، أي: أنّ رأس المال الذي يدرّ على المكلّف بمؤونة سنته لا خمس فيه لدخوله في دليل استثناء المؤونة حتّى ولو أراد المكلّف لنفسه أفخم مؤونة. نعم، ذاك المقدار من رأس المال الذي يدرّ عليه بربح خارج المؤونة يتعلّق به الخمس. ولو لم نؤمن بذلك، فلا دليل على أنّ مجرّد كون التخميس مضرّاً به موجباً لرفع الخمس.

الوجه الثالث: ما اختاره السيّد الخوئيّ(رحمه الله) على ما ورد في المستند(1) وهو التفصيل بين رأس مال يعادل مؤونة سنته وبين الزائد عليه، فلا خمس في خصوص الأوّل.

والوجه في ذلك ـ حسب ما ورد في المستند ـ هو استثناء المؤونة ممّا فيه الخمس، والمقصود به مؤونة السنة، فلو اكتسب أو استفاد مقداراً يفي بمؤونة سنته كما لو كان مصرفه في كلّ يوم ديناراً فحصل على ثلاثمئة وستّين ديناراً، وكان بحاجة إلى رأس المال في إعاشته وإعاشة عياله، جاز أن يتّخذه رأس مال من غير تخميس نظراً إلى أنّه يعادل مؤونته. نعم، لابدّ من الصرف في المؤونة، فمجرّد معادلته لمؤونته من غير صرفه فيها لا يوجب الاستثناء من الخمس، ولكن الصرف في المؤونة يمكن على أحد وجهين:


(1) المصدر نفسه، ص 246 ـ 247.