298


الخمس، وخمّس، وعدّ رأس مال للتجارة، وارتفعت قيمته السوقيّة، وكان بالإمكان بيعه.

ونحن نقول: صحيح: أنّ هذه الزيادة ليست مصداقاً للعنوان الذي ثبّتنا في بحثنا السابق من الحقوق المعنويّة; فإنّ هذه زيادة متجسّدة في هذه العين، لكن النكتة الحقيقيّة فيما ثبّتناه هي أنّه لا دليل لنا على أكثر من تعلّق الخمس بالعين، والمفروض في المقام أنّ العين مخمّسة، ولو كانت الماليّة بعنوانها يتعلّق بها الخمس، كان الخمس متعلّقاً حتّى بالحقوق المعنويّة القابلة للنقل والانتقال; فإنّ لها الماليّة بلا إشكال، وحتّى في حقّ الضرّة الذي مثّلنا به، وقلنا: إنّ بإمكانها بيعه على ضرّتها، فهو حقّ ذو ماليّة بلا شكّ، فيجب: إمّا أن نرضخ للقول بتعلّق الخمس بماليّة الحقوق بما فيها مثل حقّ الضرّة، وإمّا أن لا نرضخ لوجوب الخمس فيما نحن فيه ما لم يبع العين بالقيمة الأعلى رغم تطابق السيّد الخوئيّ(قدس سره)والشيخ المنتظريّ واُستاذنا الشهيد الصدر(قدس سره) على كفاية كون المال معدّاً للتجارة وقابلاً للبيع في تعلّق الخمس بالزيادة، ودليلهم جميعاً واحد، وهو صدق الربح عندئذ عرفاً.

وأضاف الشيخ المنتظريّ شاهداً على كلامه لم يرد في نصّ السيّد الخوئيّ، ولا في نصّ اُستاذنا الشهيد الصدر، وهو ما اختاره المشهور في باب المضاربة من أنّ العامل يملك حصّته من الربح بصرف الظهور، من غير توقّف على الإنضاض، بل ادّعي عليه إجماعنا، واستدلّوا عليه بما رواه المشايخ الثلاثة بسند صحيح عن محمّد بن قيس أو محمّد بن ميسر قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة، فاشترى أباه وهو لا يعلم؟ فقال: يقوّم، فإذا زاد درهماً واحداً اُعتق واستسعي في مال الرجل»(1). وجه الدلالة: أنّه لو لم يملك الحصّة لم ينعتق أبوه. انتهى ما ذكره الشيخ المنتظريّ(2).


(1) الوسائل، ب 8 من المضاربة، ح 1.

(2) كتاب الخمس، ص 185.

299

120 ـ والربح إنّما يدخل تحت دائرة السنة الخمسيّة من حين دخوله تحت السلطة بمثل الاستلام، أو الدخول في الحساب المصرفيّ، أو سيطرة الشخص على استلامه ممّن هو في ذمّته، ونحو ذلك (1).


وهذا الكلام في غاية الغرابة، فإنّه لو كانت المسألة مسألة: أنّ العامل المضارب يكتفي في شركته في الربح بمجرّد تأخير المال الذي أخذه من الرأسمالي إلى حين صعود سعره السوقي، فلعلّه كان هذا الاستشهاد استشهاداً معقولاً، إلّا أنّ هذا لم يكن، ولا يمكن أن يكون; لأنّه لو كان لم يتّجر بالمال، إذن لازال غير عامل بمقتضى عقد المضاربة، وبالتالي لا معنى لاشتراكه في الربح، وحينما عمل بعقد المضاربة وظهر الربح في العين المشتراة، فطبيعيّ أنّه اشترك في الربح، ولا معنىً لتوقّف الاشتراك على الإنضاض، أي: تبديل العين المشتراة بالأوراق النقديّة، وفي المقام أيضاً لم يكن إشكال في أنّه لو كان اشترى بما صعد سعره السوقي عيناً وربح فيها، لتعلّق الخمس بالربح، بلا حاجة إلى إنضاض، وأين هذا من بحثنا؟

وعلى أيّ حال، فالظاهر: أنّ مجرّد صعود القيمة فيما كان قد خمّسه لا يوجب تخميسه قبل البيع والتبديل، وتجسيد الربح في مال عينيّ ولو كان معدّاً للتجارة وقابلاً للبيع والله العالم.

(1) فإنّه قبل ذلك لا يكون امتلاكه لهذا الربح إلّا أمراً معنويّاً، نفينا الخمس عنه في بحثنا السابق.

بقي لدينا في المقام أبحاث هامّة وأساسيّة لابدّ من التعرّض لها:

أحدها: بحث رأس المال، ومدى استثنائِه أو عدم استثنائِه من الخمس.

والثاني: بحث المؤونة لو خرجت في وقت ما عن المؤونيّة، كحليّ المرأة التي تخرج عن مؤونيّته لها في أيّام كِبَرها وشيبوبتها، فهل تعود إلى وجوب الخمس لو لم تكن مخمّسة، أو كونها مؤونة في وقت ما كاف في بقائها على الاستثناء من الخمس؟

300


والثالث: بحث اشتراط العقل والبلوغ في خمس أرباح المكاسب وعدمه.

أمّا البحث الأوّل: وهو مدى استثناء وعدم استثناء رأس المال من الخمس، فلعلّ عمدة الوجوه المنقولة في المسألة أربعة:

الوجه الأوّل: ما اختاره صاحب العروة(رحمه الله) بعنوان الاحتياط وهو تعلّق الخمس برأس المال مطلقاً، ولعلّه المشهور.

ووجهه ما يقال من أنّ المؤونة المستثناة في الأدلّة ظاهرة في معنى المصاريف الاستهلاكيّة، ولا تشمل رأس المال الذي يدرّ على الشخص بتلك المصاريف.

نعم، قد يستثنى منه ما يمكن افتراضه خارجاً بالتخصّص، وهو ما لو كانت التجارة بنفسها تعدّ شأناً ضروريّاً له بحيث لو كان يبقى بطّالاً وبلا تجارة ولو لأجل عدم الحاجة الماليّة، يعاب عليه ذلك مثلاً، فأقلّ المقدار اللازم من رأس المال للتجارة بهدف الخروج عن العيب العرفي يعتبر مؤونة له ابتداءً، لا من باب أنّه رأس مال يدرّ عليه بالمؤونة فلا يتعلّق به الخمس جزماً، سنخ ما يقال في حليّ المرأة التي تحتاجه في شأنها، أو الأثاث والأدوات المنزليّة التي تعارف لدى بعض المجتمعات ادّخارها لبناتهم تدريجاً ومنذ طفولتهنّ لغرض الاستفادة منها أيّام زواجهن، لو فرض أنّ نفس هذا الادّخار كان يعتبر من الشؤون العرفيّة الداخلة في المؤونة.

الوجه الثاني: ما ذكره السيّد الخوئيّ(قدس سره) على ما في المستند(1) من دون أن ينسبه إلى أحد من استثناء رأس المال من الخمس بالمقدار الذي يحتاجه الإنسان في الدرّ على مؤونته; لأنّه يصبح كالأعيان التي يستعملها الإنسان في مؤونته وتبقى هي ثابتة، من قبيل الدار، والفرش، ونحو ذلك. ولعلّه لا قائل بذلك.


(1) ص 246 بحسب طبعة لطفي في المطبعة العلميّة بقم.

301


ولكن هذا هو محتمل العبارة الواردة عن السيّد الخوئيّ(قدس سره) في تعليقه على العروة، حيث أفاد صاحب العروة في (المسألة 59 فيما يجب فيه الخمس): «الأحوط إخراج خمس رأس المال إذا كان من أرباح مكاسبه»، وعلّق عليه السيّد الخوئيّ(قدس سره) بقوله: «لا يبعد عدم الوجوب فيما إذا كان رأس المال ممّا يحتاج إليه في مؤونة سنته»، ويمكن حمله على الوجه الثالث بقرينة ما في رسالته العمليّة منهاج الصالحين، كما سنشير إليه إن شاء الله.

وعلّق اُستاذنا السيّد الشاهروديّ(قدس سره) أيضاً على كلام صاحب العروة بقوله: «الأقوى عدم الوجوب في صورة الاحتياج إليه».

فلعلّ هذه العبارة تعطي هذا المعنى، ولكن لا شكّ ـ على أيّ حال ـ في استبعاد وجود فتوىً من هذا القبيل.

نعم، ورد في كلام السيّد السيستاني(1) ـ حفظه الله ـ بعد استظهاره عدم استثناء رأس مال التجارة من التخميس إذا اتّخذه من أرباحه وإن كان مساوياً لمؤونة سنته استثناء حالة واحدة، وهي ما لو كان التخميس يؤدّي إلى عجز الباقي عن الوفاء بمؤونته اللائقة بحاله، قال حفظه الله: «فلا يبعد حينئذ عدم ثبوت الخمس فيه».

ويشبه ذلك كلام السيّد الإمام(قدس سره) في تحرير الوسيلة(2) حيث قال(قدس سره): «الأحوط بل الأقوى عدم احتساب رأس المال مع الحاجة إليه من المؤونة، فيجب عليه الخمس إذا كان من أرباح المكاسب، إلّا إذا احتاج إلى مجموعه في حفظ وجاهته، أو إعاشته ممّايليق بحاله، كما لو فرض أنّه مع إخراج خمسه يتنزّل إلى كاسب لا يليق بحاله، أو لا يفي بمؤونته».


(1) منهاج الصالحين، ج 1، ص 396، المسألة 1219.

(2) ج 1، ص 358، المسألة 13 من فصل ما يجب فيه الخمس.

302


وحاصل الكلامين: أنّ مجرّد كون رأس مال التجارة يدرّ بالمؤونة على المكلّف لا يجعله مستثنى من التخميس، كالأعيان الاُخرى التي يحتفظ بها ويستفاد من منافعها الطبيعيّة، كالفراش، والدار، والبقرة الحلوب مثلاً، ولكن كون التخميس مضرّاً بالوفاء بالمؤونة على ما ورد في الكلامين، أو مضرّاً باتّخاذ كسب لائق بحاله ـ على ما ورد في كلام السيّد الإمام(قدس سره) ـ هو الذي يصحّح عدم التخميس.

ويرد عليهما: أنّنا لو آمنّا بأنّ درّ المؤونة التجاريّة كدرّ المؤونة الطبيعيّة يجعل العين جزءاً من المؤونة، فالواجب هو الإفتاء بنفس الوجه الثاني صريحاً، أي: أنّ رأس المال الذي يدرّ على المكلّف بمؤونة سنته لا خمس فيه لدخوله في دليل استثناء المؤونة حتّى ولو أراد المكلّف لنفسه أفخم مؤونة. نعم، ذاك المقدار من رأس المال الذي يدرّ عليه بربح خارج المؤونة يتعلّق به الخمس. ولو لم نؤمن بذلك، فلا دليل على أنّ مجرّد كون التخميس مضرّاً به موجباً لرفع الخمس.

الوجه الثالث: ما اختاره السيّد الخوئيّ(رحمه الله) على ما ورد في المستند(1) وهو التفصيل بين رأس مال يعادل مؤونة سنته وبين الزائد عليه، فلا خمس في خصوص الأوّل.

والوجه في ذلك ـ حسب ما ورد في المستند ـ هو استثناء المؤونة ممّا فيه الخمس، والمقصود به مؤونة السنة، فلو اكتسب أو استفاد مقداراً يفي بمؤونة سنته كما لو كان مصرفه في كلّ يوم ديناراً فحصل على ثلاثمئة وستّين ديناراً، وكان بحاجة إلى رأس المال في إعاشته وإعاشة عياله، جاز أن يتّخذه رأس مال من غير تخميس نظراً إلى أنّه يعادل مؤونته. نعم، لابدّ من الصرف في المؤونة، فمجرّد معادلته لمؤونته من غير صرفه فيها لا يوجب الاستثناء من الخمس، ولكن الصرف في المؤونة يمكن على أحد وجهين:


(1) المصدر نفسه، ص 246 ـ 247.

303


إمّا بأن يضعه في صندوق ويسحب منه في كلّ يوم ديناراً، أو بأن يشتري به سيّارة مثلاً ويعيش باُجرتها كلّ يوم ديناراً; إذ الصرف في المؤونة لا ينحصر في صرف نفس العين وإتلاف المال بذاته، بل المحتاج إليه هو الجامع بين صرف العين وصرف المنافع لتحقّق الإعاشة بكلّ من الأمرين، فهو مخيّر بينهما، ولا موجب لتعيّن الأوّل بوجه.

إذن لابدّ من التفصيل بين ما لو كان محتاجاً إلى رأس المال ولم يكن له رأس مال آخر بحيث توقّفت إعاشته اليوميّة على صرف هذا المال عيناً أو منفعة، فلا خمس فيه، وبين غيره، ففيه الخمس، ضرورة عدم كون مطلق رأس المال بلغ ما بلغ من مؤونة هذه السنة، وقد عرفت أنّ المستثنى هو مؤونة السنة لا غيرها.

وقد أفتى(رحمه الله) بمضمون هذا الكلام في رسالته العمليّة منهاج الصالحين(1)، وكذلك أفتى به في تعليقه على العروة، أعني: تعليقه على احتياط العروة بوجوب تخميس رأس مال التجارة، وهذا نصّ التعليق: «لا يبعد عدم الوجوب في مقدار مؤونة سنته إذا اتّخذه رأس مال وكان بحاجة إليه في إعاشته»(2).

أقول: لو أخذنا بأوّل ما يتبادر إلى الذهن من صدر هذه الكلمات من أنّه لو ملك مقدار حاجة مؤونة السنة كثلاثمئة وستّين ديناراً، فجعله رأس مال، لم يجب عليه الخمس، كان الاعتراض عليه واضحاً; فإنّ الوجه في كلامه هو ما قال من أنّ هذا مؤونته، وشاء أن يستفيد منه عن طريق التجارة كي يستطيع إدامة العيش، فلا خمس فيه. والاعتراض الوارد عليه بوضوح هو: أنّه لا إشكال عنده وعند غيره في أنّ استثناء مقدار المؤونة مشروط بالصرف في المؤونة، فإن كان جعله رأس مال يدّر عليه مؤونته كافياً في صدق


(1) ج1، المسألة رقم 1219، ص335 ـ 336 بحسب الطبعة 28 في مطبعة مهر في قم المقدّسة.

(2) راجع الجزء الثاني من تعليقه على العروة، ص 188.

304


عنوان الصرف في المؤونة وجب الإفتاء صريحاً بالوجه الثاني، وهو عدم تعلّق الخمس برأس مال التجارة الذي يدرّ على المكلّف بالمؤونة، وإنّما الخمس يكون على رأس مال يدرّ عليه بما لا يحتاجه في مؤونته، أو بما يدّخره، وإن لم يكن ذلك كافياً في صدق عنوان الصرف في المؤونة فمجرّد كون مبلغ رأس المال هو المبلغ الذي يحتاجه في مؤونة سنته لا يؤثّر أثراً في المقام، فالأمر دائر بين الوجهين الأوّلين.

والذي يزيد التعقيد في البحث هو ما ورد في ذيل كلامه في مستنده، وفي رسالته العمليّة، ووردت الإشارة إليه في تعليقه على العروة من استثناء فرض ما إذا كان لديه مال آخر غير رأس ماله، فأفتى بأنّ الاقتيات بربح رأس المال لا يشفع هنا لنفي الخمس عن ذلك المال.

وهذا الاستثناء كما ترى أيضاً أمر غير مفهوم، فإنّه لو كان درّ المال على الإنسان لمؤونته بسبب التجارة كافياً في صدق اسم المؤونة على ذاك المال، كما في درّ العين لمنفعة يستهلكها الذي يكفي في صدق اسم المؤونة على تلك العين رغم أنّه لا يستهلك نفس العين، فهذا لا يفرّق فيه بين أن يوجد لديه مال آخر كان بإمكانه أن يجعله بدلاً عن رأس ماله هذا أو لا يوجد لديه مال كهذا، علماً بأنّ السيّد الخوئيّ(قدس سره) يفتي بما يفتي به المشهور من أنّ المؤونة مستثناة من الخمس ولو كان لديه ما يساويها أو يزيد عليها من مال آخر، فلو كان لديه مال الإرث مثلاً وقلنا باستثنائه من الخمس، وكان لديه ربح التجارة، جاز له أن يحسب مؤونته من ربح التجارة، لا من الإرث.

ومن كلّ هذا قد يحتمل أن يكون مقصود السيّد الخوئيّ(رحمه الله) في المقام ـ ولو ارتكازاً من الدليل الذي يفترضه لمدّعاه ـ شيئاً آخر، حتّى ولو فرضت عبارة التقرير قاصرة عن ذلك، هو: أنّ عنوان المؤونة يصدق في موردين:

أحدهما: فيما يستهلكه في حاجاته المعيشيّة بعينه، أو ما يستهلك منافعه التكوينيّة،

305


كالبقرة التي يستفيد من حليبها، أو الشجرة التي يقتات بثمارها (كما ورد التمثيل بذلك في المستند في المسألة 55 من فصل ممّا يجب فيه الخمس).

وثانيهما: ما يتوقّف عليه استمرار معاشه في سنته، فإذا كان له مبلغ من المال لا يزيد على مؤونة سنته، ونفّذه في إمرار المعاش، كان ذلك مؤونة له، سواء استهلكه باستعماله في معيشة سنته أو جعله رأس مال له ليقتات من ربحه; لأنّ استمرار معاشه متوقّف على ذلك المال على كلّ حال، سواء كان ذلك بصرفه في معاشه أو بالاستفادة من ربحه، في حين أنّه لو كان المبلغ الذي يدرّ عليه مؤونة سنته أكثر من مؤونة سنته، لم يكن استمرار معاشه في تلك السنة متوقّفاً على تلك الزيادة; لأنّ استمرار معاشه لا يتوقّف على خصوص جعل هذا المال رأس مال يتّجر به، بل يتوقّف على الجامع بين ذلك وبين أن يقتات به، وإذا اقتات به لم يكن في معاشه بحاجة إلى تلك الزيادة.

فقد أصبح الدليل عندئذ منسجماً مع المدّعى.

كما أنّ استثناء فرض وجود مال آخر يمكنه الاستغناء به عن رأس ماله هذا أيضاً أصبح استثناءً منسجماً; لأنّه مع وجود مال من هذا القبيل ينتفي عنوان توقّف استمرار معاشه على ذلك المال.

نعم يبقى الكلام في أصل قبول ادّعاء من هذا القبيل في تفسير المؤونة.

الوجه الرابع: ما اختاره اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في تعليقه على منهاج الصالحين للسيّد الحكيم(رحمه الله)(1)، فقد قال السيّد الحكيم(قدس سره)في المسألة رقم 34 من مبحث ما يجب فيه الخمس: «الظاهر: أنّ رأس مال التجارة ليس من المؤونة المستثناة، فيجب إخراج


(1) رقم التعليقة: 46 من تعليقاته على مبحث ما يجب فيه الخمس، ص 465 ـ 466 بحسب طبعة دار التعارف للمطبوعات بيروت ـ لبنان.

306


خمسه» وعلّق اُستاذنا الشهيد على كلمة «ليس من المؤونة المستثناة» بقوله: «إلّا في حالة واحدة. وتوضيحها: أنّه كلّما ترتّب على ثبوت الخمس في رأس المال اضطرار المالك إلى صرفه في مؤونته فعلاً بحيث لا يتحصّل لديه رأس مال، ولا يصل إلى أصحاب الخمس خمسهم من أجل الصرف في المؤونة، فلا يجب الخمس في هذه الحالة. وتحقّق هذه الحالة يكون فيما إذا كان رأس المال المتّخذ من الفوائد والأرباح بقدر لا يزيد على المؤونة، ولا يكفي بعد إخراج خمسه للمؤونة لا بنفسه ولا باستثماره، ولا يوجد لدى المالك مال آخر يمكنه تكميل الناقص من مؤونته به لو دفع الخمس من ذلك المال».

والظاهر: أنّ اُستاذنا ـ رضوان الله عليه ـ ينظر إلى نفس النكتة التي احتملنا أن تكون منظورة ولو ارتكازاً للسيّد الخوئيّ(رحمه الله) من أنّ عنوان المؤونة كما يصدق عرفاً على ما يستهلك للمعيشة كذلك يصدق عرفاً على ما توقّفت عليه المعيشة، إلّا أنّه(رحمه الله)أعمل دقّة أكثر في مقام تطبيق عنوان التوقّف، فبينما لم يذكر السيّد الخوئيّ(قدس سره)لتحقّق هذا العنوان إلّا شرطين:

الأوّل: أن لا يكون رأس المال أكثر من مؤونته الاستهلاكيّة، وإلّا لما توقّفت مؤونته السنويّة على الزيادة.

والثاني: أن لا يكون له مال آخر يمكنه أن يقتات به.

نجد اُستاذنا يذكر شروطاً ثلاثة:

الأوّل: أن لا يكون رأس المال زائداً على المؤونة. وهذا هو الشرط الأوّل من شرطي السيّد الخوئيّ(قدس سره).

والثالث: أن لا يوجد لدى المالك مال آخر يمكنه تكميل الناقص من مؤونته لو خمّس رأس المال. وهذا هو الشرط الثاني من شرطي السيّد الخوئيّ.

307


والثاني: شرط إضافيّ ذكره اُستاذنا، وهو أن لا يكفي قسم من رأس المال ولو باستثماره لإعاشته، وإلّا لما توقّفت الإعاشة على المقدار الآخر من رأس المال. ثُمّ إنّه قد فُسّر تعليق اُستاذنا الشهيد(قدس سره) على منهاج الصالحين بتفسيرين آخرين غير التفسير الذي ذكرناه، أو وجّه بوجهين آخرين غير الوجه الذي ذكرناه(1).

الوجه الأوّل: أنّه يلزم من شمول أدلّة الخمس عدم شمولها له بحسب النتيجة الخارجيّة، وهو لغو عرفاً; لأنّ المكلّف يضطرّ بسبب تثبيت الخمس على رأس ماله إلى أن يسقطه عن كونه رأس مال والصرف في مؤونته بالاستهلاك، فيرتفع موضوع الخمس.

والوجه الثاني: أنّ ظاهر أدلّة الخمس الإرفاق بالمكلّفين، وجعل الخمس على أرباحهم بنحو لا يستوجب الإحراج والتضييق عليهم، وتركهم لتجاراتهم وأعمالهم، فتكون الإطلاقات منصرفة عن مثل هذه الحال.

ولعلّ الذي أوحى إلى ذهن المفسّر بالتفسير الأوّل ما ورد في عبارة اُستاذنا الشهيد(قدس سره)من قوله: «لا يتحصّل لديه رأس مال، ولا يصل إلى أصحاب الخمس خمسهم من أجل الصرف في المؤونة».

وعلى أيّ حال، فكلا الوجهين خلاف ظاهر تعليق الاُستاذ(قدس سره); لأنّ مفادهما يوجب تفسير كلام اُستاذنا باستثناء رأس المال هذا عن حكم وجوب الخمس، وإلحاقه إلحاقاً حكميّاً بالمؤونة، لا إلحاقاً موضوعيّاً، في حين أنّ اُستاذنا جعل تعليقه في منهاج الصالحين بالاستثناء على جملة: «ليس من المؤونة المستثناة» لا على جملة: «فيجب إخراج خمسه»، وهذا يعني: أنّ الاستثناء استثناء موضوعي، لا استثناءً حكميّاً، أي: أنّ هذا القسم إنّما سقط عنه الخمس لأنّه أصبح مؤونة حقيقة، لا أنّه اُلحق بالمؤونة حكماً


(1) وذلك في كتاب الخمس للسيّد الهاشمي حفظه الله، ج 2، ص 230.

308


كي لا يلزم من ثبوت الخمس عدمه، أو كي يكون إرفاقاً بالمكلّف.

على أنّ الوجهين ضعيفان غاية الضعف; لبعض ما ورد عليهما من الإشكالات في كلام نفس هذا المفسّر أو ما شابهها.

فمثلاً: لو كان المقصود بأنّه يلزم من وجوده عدمه نفس المعنى الذي يوجب الاستحالة فلسفيّاً، فمن الواضح: أنّ ثبوت الحكم بالتخميس على رأس المال لا يوجب إلّا عدول المكلّف عن داعي جعل رأس المال، فينتفي الحكم بانتفاء موضوعه. وهذا غير ما هو المستحيل فلسفيّاً، على أنّه قد لا يؤدّي إلى عدول المكلّف عن جعل رأس المال; وذلك: إمّا عصياناً، وإمّا تفضيلاً لجعل رأس مال صغير مع تحمّل ما سيعانيه من ضيق في المعاش على سعة معاشه في تلك السنة والذي يُنهي ماله نهائيّاً.

ولو كان المقصود بأنّه يلزم من وجوده عدمه اللغويّة العرفيّة، ورد عليه ما أورده نفس المفسّر من أنّ هذا الإشكال إنّما يرد لو ورد نصّ خاصّ على الخمس في مورد البحث، لا فيما إذا كان إطلاق دليل الخمس والذي هو رفض للقيود لا جمع بين القيود شاملاً للمورد.

وأمّا الاستشهاد بالإرفاق فيرد عليه ما أورده نفس المفسّر من أنّه إن قصد بذلك: أنّ حكم الخمس إرفاقيّ، فهذا غير صحيح. وإن قصد بذلك: أنّ استثناء المؤونة إرفاقيّ، فهذا صحيح، ولكنّه لا يدلّ على أكثر من الإرفاق في دائرة المؤونة، ويقول القائل: إنّ رأس المال ما دام هو رأس المال ليس مؤونة، والإرفاق في دائرة المؤونة لا يدلّ على التعدّي في الإرفاق إلى دائرة اُخرى.

بقي الكلام فيما هو المختار في المقام فنقول:

لا إشكال في أنّه لولا روايات «لا خمس إلّا بعد المؤونة» لكنّا نقول بمقتضى إطلاقات أدلّة الخمس بوجوب تخميس كلّ فائدة بما فيها المؤونة، وإنّما نقول باستثناء المؤونة لنصوص الاستثناء، كما أنّه لا إشكال في أنّ الاستثناء خاصّ بمؤونة السنة،

309


ولا يشمل مؤونة العمر; لما مضى سابقاً. فإذن لا يبقى الكلام إلّا في معرفة معنى المؤونة، وقد تحصّل من كلّ ما أسلفناه أنّ الوجوه الرئيسة في تفسير مصاريف المؤونة ثلاثة:

الأوّل: تفسيرها بالمصاريف الاستهلاكيّة التي تستهلك للحاجات العرفيّة، ولو مع توسيع ما يقصد بالاستهلاك ليشمل استهلاك المنافع الطبيعيّة، كما في سكنى الدار، وشرب حليب البقرة، وأكل ثمار الشجرة، فمثل هذا كاف في سقوط الخمس عن الدار، أو البقرة، أو الشجرة.

والثاني: إلحاق الأرباح التجاريّة بالمنافع الطبيعيّة في كفاية استهلاكها لسقوط الخمس عن رأس المال.

والثالث: أمر وسط بين الأمرين، وهو افتراض أنّ صدق المؤونة يتوقّف على أحد أمرين: إمّا الاستهلاك في الحاجات العرفيّة، أو توقّف إمرار المعاش على ذلك المال، وهذا ينتج استثناء رأس المال من التخميس بشرطين أو ثلاثة بالتفصيل الذي عرفت.

فأيّ من هذه التفاسير هو الصحيح؟!

لا دليل منطقيّ، ولا معادلة رياضيّة، ولا برهان فلسفيّ يدلّنا على أحد المحتملات الثلاثة، ولا يوجد عدا الاستظهار العرفيّ.

والذي نستظهره في المقام أمران:

الأوّل: أن دخل شيء في صدق المؤونة أو الصرف في المؤونة لا علاقة له بتوقّف الإعاشة عليه، فإنّ المؤونة تعني ما يحتاج إليه الإنسان في إعاشته، والصرف فيها يعني صرف المال في تلك المؤونة، فلو عمّمنا الصرف للصرف التجاري، فسواء كان يمتلك مالاً آخر يمكنه الاستغناء به عن صرف ربح هذه التجارة، أو لم يمتلك ذلك، يكون صرف ربح هذه التجارة في تلك الحاجة صرفاً في المؤونة رغم فرض امتلاكه لمال آخر، ولو قلنا: إنّ المقصود بالصرف في المؤونة استهلاكه فيها ولو بمعنى الاستفادة من الدرّ

310


الطبيعيّ، كالبقرة المستفاد منها في شرب الحليب، أو الشجرة المستفاد منها في أكل الثمار، دون الاستفادة من الدرّ التجاري، فرأس المال التجاري ليس مصروفاً في المؤونة، حتّى لو لم يكن يمتلك مالاً آخر يمكنه الاستغناء به عن الدرّ التجاري لرأس المال في مؤونته.

والثاني: أنّ الصرف في المؤونة يعني الاستهلاك فيها ولو بمعنى الإعاشة على درّها الطبيعي كما في البقرة المستفاد من حليبها في الإعاشة، أو الشجرة المستفاد من ثمرها في الحاجة، ولا يعني الاستفادة من الدرّ التجاريّ البحت.

والذي يحسم الأمر في المقام هو أنّ دليل استثناء المؤونة دليل منفصل، فمع فرض الشكّ نتمسّك في مورد الشكّ بإطلاق دليل الخمس، فلو أنّه حفظ رأس المال من صرفه المباشر في المؤونة، واستفاد من درّه التجاري دون الطبيعي، وشككنا في كفاية ذلك في صدق صرف رأس المال في المؤونة، كان المرجع هو إطلاق دليل الخمس.

فالصحيح ما لعلّه هو المشهور من أنّ رأس المال التجاري البحت غير مستثنى من الخمس إطلاقاً.

نعم، رأس المال الذي يدرّ بطبيعته على المؤونة لا بالمبادلة، من قبيل البقرة الحلوب التي يستفاد من حليبها في الإعاشة، أو الأشجار المثمرة التي يستفاد من ثمرها في الإعاشة لا نضايق في صدق عنوان صرفه في المؤونة، واستثنائه من الخمس. بل ولا نضايق في عدم اشتراط صرف درّه الطبيعي بالشكل المباشر، فيكفي صرفه بالمبادلة.

فلو كان له بستان يأخذ ثماره ويبيعها ويصرف ثمنها في معاشه، فتارةً يفترض صرف ثمن تلك الأثمار في معاشه، وعندئذ فلا خمس عليه; إذ لا يشترط في صرف المال على الإعاشة وسقوط الخمس عنه صرفه بعينه، وإلّا للزم أن يقال: إنّ المال الذي اشترى به الخبز مثلاً وأكله كان عليه الخمس; لأنّه لم يأكله مباشرة، وهذا واضح البطلان.

واُخرى يفترض جعل ثمن تلك الأثمار رأس مال يصرف ربحه التجاري في معاشه، فهنا يكون البستان رأس مال واجب التخميس.

311

121 ـ ورأس المال إن لم يكن من مستثنيات الخمس كالإرث ونحوه، بل كان من الأرباح التي يتعلّق بها الخمس، ولكنّه كان يدرّ بربحه على المؤونة، فدرُّهُ هذا على المؤونة يكون بأحد شكلين:

الأوّل: أن يكون درّه هذا بمنفعته الطبيعيّة، أو قل: التكوينيّة كالبقرة الحلوب التي يعيش صاحبها واُسرتُه في مؤونته على حليبها، أو الشجرة المثمرة التي يعيش صاحبها واُسرتُه في مؤونته على ثمرتها، أو البيت الذي يصرف سكناه في مؤونته بأن يسكن فيه، أو يسكّن أهله فيه، أو يؤجره لصرف اُجرة سكناه في مؤونته لحاجته إلى ذلك. وهنا لا إشكال في عدم تعلّق الخمس برأس المال هذا مادام داخلاً في مؤونته بهذا الشكل.

والثاني: أن يكون درّه على مؤونة الشخص بصرف منفعته التجاريّة والتبادليّة البحت، أي: بأرباح المبادلة والبيع والشراء، وهذا لا يكون مستثنى من الخمس(1).

122 ـ لو خرجت المؤونة عن كونها مؤونة كحليّ المرأة الذي خرج عن حاجتها في الزينة بسبب تقدّمها في السنّ، أو البقرة الحلوب التي خرجت بعد حين عن


(1) قد عدلنا عن هذا، والصحيح عندنا الآن في رأس المال الذي لم يكن من مستثنيات الخمس كالإرث ونحوه، بل كان من الأرباح التي يتعلّق بها الخمس، هو: أنّه إن كان يدرّ بربحه على المؤونة، كالبقرة الحلوب التي يعيش صاحبها واُسرتُه في مؤونته على حليبها، أو الشجرة المثمرة التي يعيش صاحبها واُسرتُه في مؤونته على ثمرتها، أو البيت الذي يصرف سكناه في مؤونته بأن يسكن فيه، أو يسكّن أهله فيه، أو يؤجره لصرف اُجرة سكناه في مؤونته دون أن يصرف مالاً آخر في تلك المؤونة ويضيف اُجرة هذا البيت إلى ماله، فهنا لا إشكال في عدم تعلّق الخمس برأس المال هذا ما دام داخلاً في مؤونته بهذا الشكل.

أمّا لو كان يُدخل أرباح رأس المال في خزانته، أو يدّخرها لمؤن السنوات القادمة ويصرف في مؤونة هذه السنة أموالاً اُخرى، فلابدّ من تخميس رأس المال.

312

عيش صاحبها في مؤونته بحليبها، دخل المال عندئذ من ذاك الحين تحت نظام الخمس، فلو بقي خارجاً عن المؤونة من ذاك الحين حتّى نهاية السنة، وجب تخميسه(1).


(1) وأمّا البحث الثاني: وهو بحث المؤونة لو خرجت في وقت ما عن المؤونيّة كحليّ المرأة في أيّام كبرها وشيبوبتها، فهل تعود إلى وجوب الخمس لو لم تكن مخمّسة؟

فقد تربط المسألة بالبحث الاُصوليّ المعروف، من أنّه هل يكون المرجع بعد انتهاء أمد التخصيص هو عموم العامّ، أو استصحاب حكم المخصّص؟

وهناك اُسلوبان لفصل هذه المسألة عن ذاك البحث:

الاُسلوب الأوّل: دعوى: أنّ المخصّص هنا لم يكن مخصّصاً زمانيّاً أو أحواليّاً، بل هو مخصّص أفرادي أخرج عن العموم ذات المؤونة، لا المؤونة ما دامت هي مؤونة. إذن فالمال الذي خرج بعد ذلك عن كونه مؤونة يبقى خارجاً بالتخصيص من تحت العموم، ولا تصل النوبة إلى البحث عن أنّ المرجع هل هو عموم العامّ، أو استصحاب حكم المخصّص؟

وقد ذكر ذلك السيّد الخوئيّ(قدس سره) كاستظهار عرفيٍّ بحت ومن دون ذكر نكتة فنّيّة له(1).

ولكن السيّد الهاشميّ حفظه الله ذكر نكتة فنّيّة له(2)، وهي: أنّ الخمس أمر يتعلّق بنفس ملك صاحب المال ولو في طول مالكيّته، فكأنّ دليل الخمس يعني اشتراك صاحب الخمس في المال بنسبة الخمس، وتقسيم الملكيّة بينهما، وبما أنّ الملكيّة تعتبر عقلائيّاً من الأحكام الوضعيّة القارّة، أي: التي يكون مجرّد حدوثها سبباً لبقائها، فدليل استثناء المؤونة يكون بهذه المناسبة ظاهراً في التخصيص الأفرادي، وناظراً إلى ذات الملك، ومن حين أصل حدوث الملك، لا إلى الأحوال والأزمان.

أقول: إنّ هذه النكتة الفنّيّة لا ترجع إلى محصّل، فصحيح: أنّ الملكيّة تعتبر في ذاتها


(1) مستند العروة، كتاب الخمس، ص 258 ـ 259 من طبعة لطفي بالمطبعة العلميّة بقم.

(2) كتاب الخمس، ج 2، ص 277 ـ 278.

313


من الاُمور القارّة التي تبقى ما لم يحصل ناقل، وهذا يعني: أنّ ما ملكه صاحب الخمس يكون من حين ما ملكه ملكاً قارّاً له لا ينتقل إلّا بناقل، ولكن هذا لا يعني أنّ استثناء المؤونة يجب أن يكون استثناءً أفراديّاً، ولا يكون استثناءً لفترة محدّدة، أو لحالة محدّدة تنتهي، فلو فرضنا: أنّ ملكيّة الإمام بدأت من بعد انتهاء المؤونيّة لم يكن لذلك أيّ تناف عقليّ أو عرفيّ مع افتراض كون ملكيّة الإمام أمراً قارّاً، فإنّ كونها أمراً قارّاً يعني: أنّها بعد ما تحدث تقتضي البقاء. أمّا أنّها متى تحدث، وأنّ حدوثها يجب أن يكون منذ البدء، وأن لا تكون المؤونيّة حالة محدّدة أو لفترة زمنيّة خاصّة؟ فلا علاقة لذلك بالموضوع.

وبكلمة اُخرى: إنّ استثناء فترة المؤونة إنّما هو استثناء من أوّل زمان حدوث ملك الإمام لا من آخره، وكون الملك أمراً قارّاً إنّما يعني بقاء الملك واستمراره، ولا نظر له إلى زمان الحدوث، واستثناء الحال لو فرض مضرّاً بعنوان القرار فإنّما يضرّ لو كان استثناءً من الأخير دون ما لو كان استثناءً من الأوّل.

فإن قلت: إنّ ملكيّة المالك الأصلي أيضاً أمر قارّ، فملكيّة الإمام للخمس يجب أن تعاصر أوّل آنات ملكيّة المالك الأصلي; إذ لو تأخّرت لزم زوال ملكيّة المالك الأصلي بعد حدوثها بالنسبة لمقدار الخمس، وتعلّق الخمس بالمؤونة بعد سقوطها عن المؤونيّة يعني تأخّر تعلّقه بها عن مالكيّة المالك الأصلي لها.

قلت: إنّ كون الملكيّة من الأحكام الوضعيّة القارّة لا يعني عدم قبولها للزوال، وإنّما يعني أنّها في ذاتها باقية ما لم تزُل بمزيل وناقل، وعدم كون سقوطها عن المؤونيّة مزيلاً لملكيّة خمس المؤونة وناقلاً له إلى الإمام هو أوّل الكلام.

وعليه فلا يبقى إلّا ما ذكره السيّد الخوئيّ(قدس سره) من دعوى استظهار كون التخصيص أفراديّاً بحسب فهم العرف، من دون افتراض هذه النكتة الفنّيّة.

وهذه الدعوى أيضاً محلّ تأمّل; فإنّ احتمال كون فعليّة صدق المؤونة منظوراً إليها في

314


استثناء المؤونة حدوثاً وبقاءً أمر مناسب عرفاً، باعتبار أنّ مؤونيّة المؤونة وثقلها هي السبب وفق المناسبات العرفيّة للإعفاء عن الخمس، فمن المعقول عرفاً أن يكون الإعفاء دائراً مدار بقاء هذا العنوان، فلو لم ندّعِ ظهور المخصّص في التخصيص الأحواليّ فلا أقلّ من الإجمال، والإجمال كاف في انتهاء زمن الدلالة اللفظيّة للتخصيص بانتهاء صدق عنوان المؤونة. فمرّة اُخرى قد تصل النوبة إلى استصحاب حكم المخصّص، أو التمسّك بعموم العامّ.

الاُسلوب الثاني: أنّ المخصّص وإن كان ينتهي أمده ـ ولو بسبب الإجمال ـ بخروج المال عن كونه مؤونة، ولكن لا يوجد لدينا عموم فوقاني نبحث عن الرجوع إليه، أو عدم الرجوع إليه لدى انتهاء زمان التخصيص، فينحصر الأمر في الرجوع إلى الاُصول المؤمّنة كاستصحاب حكم المخصّص، أو البراءة عن الخمس.

أمّا الوجه في عدم وجود عموم فوقاني، فهو: أنّ دليل الخمس موضوعه الفائدة أو الغنيمة، وليس مطلق المال، كي يقال: إنّه بعمومه يشمل هذا المال الذي سقط عن كونه مؤونة، وهذا المال كان فائدة أو غنيمة في سنة سابقة وقد فرض سقوط الخمس عنه وقتئذ بصيرورته مؤونة. أمّا الآن فليس هذا المال فائدة وغنيمة جديدة; لأنّ المال بوجوده البقائي لا يعتبر فائدة أو غنيمة، وإنّما يعتبر كذلك بوجوده الحدوثي، فلو اُريد تطبيق دليل الخمس عليه في السنة الثانية، فلا فائدة جديدة في تلك السنة، ولو اُريد تطبيق دليل الخمس عليه في السنة الاُولى فالمفروض أنّه كان مؤونة وكان مستثنى من الخمس، ولو اُريد تطبيق دليل الخمس عليه في السنة الاُولى لإثبات تعلّق الخمس به في السنة الثانية، فهذا خلف ظهور دليل الخمس في دوران الخمس مدار صدق الفائدة والذي هو ليس ثابتاً في السنة الثانية(1).


(1) كتاب الخمس للسيّد الهاشميّ، ج 2، ص 276.

315


أقول: إنّ هذا الوجه أيضاً لا يرجع إلى محصّل; لأنّ بقاء المال وإن لم يكن فائدة وغنيمة، لكنّه بقاء للفائدة والغنيمة، أي: أنّ عنوان الفائدة لا زالت باقية الصدق وإن كانت هي نفس الفائدة القديمة لا فائدة جديدة، وهذه الفائدة القديمة لم يتعلّق بها الخمس قديماً لمانع، وهو صدق اسم المؤونة عليها، والآن قد ارتفع صدق هذا الاسم، فيجب استئناف البحث عن أنّ زوال هذا الاسم الآن هل يعني زوال المانع أو لا؟ وأنّ دليل وجوب الخمس على كلّ فائدة هل هو لا زال مقتضياً لوجوب الخمس عليها أو لا؟

فإن قلت: إنّ موضوع الخمس هو حدوث الغنيمة لا بقاء الغنيمة، ولا مطلق الغنيمة; وذلك لظهور هيئة الفعل في مثل: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم﴾ أو «الخمس في كلّ ما أفاد الناس» في الحدوث، والمفروض: أنّ هذه السنة الجديدة لم يكن فيها حدوث الغنيمة، وحينما حدثت هذه الغنيمة في سنة سابقة كانت مستثناة عن الخمس لكونها مؤونة في تلك السنة.

قلت: فليكن موضوع الخمس هو حدوث الغنيمة، ولكن هذه الغنيمة أيضاً قد حدثت ولو في سنة سابقة، فهي موضوع للخمس. نعم، مقتضى إطلاق دليل الخمس كان عبارة عن أنّ حدوث الغنيمة تمام الموضوع لوجوب الخمس، والحكم يكون مقارناً لموضوعه طبعاً، ولو عرفنا أنّ الموضوع مركب من حدوث الغنيمة أو الفائدة وانتفاء عنوان المؤونة فالحكم سيكون مقارناً بطبيعة الحال للجزء الأخير، وقد حدث الجزء الأوّل في سنة سابقة وحصل الجزء الثاني وهو انتهاء عنوان المؤونيّة في هذه السنة.

وتحقيق الكلام في المقام هو: أنّ المسألة هي مسألة أن نرى: أنّ استثناء المؤونة هل هو استثناءٌ أحوالي، أي: استثناء لحال صدق هذا العنوان، فرجع ـ لا محالة ـ بعد انتهاء الحال إلى إطلاق الدليل; لأنّ موضوع الحكم مركّب من موضوع العامّ أو المطلق ونقيض موضوع المخصّص أو المقيّد، أو استثناء أفرادي، أي: استثناء لذات المال الذي استفيد منه

316


في المؤونة، وعليه كلام السيّد الخوئيّ(قدس سره) وهو أنّ هذا الفرد وهو ذات ما كان مؤونة قد خرج من عموم دليل الخمس؟

وإن شئت فقل: إنّ مختارنا في مسألة دوران الأمر بين عموم العام واستصحاب حكم المخصّص أو المقيّد فيما إذا كان المخصّص أحواليّاً هو: أنّ المرجع عموم العامّ; لأنّ موضوع الحكم صار مركّباً من موضوع العام ونقيض موضوع المخصّص، وعنوان العامّ كان ثابتاً من أوّل الأمر ونقيض موضوع المخصّص قد حصل أخيراً.

ولا شكّ: أنّ استثناء المؤونة يفهم منه عرفاً أنّه تخفيف من الشريعة لحمل عبء المؤونة على أصل المال المكتسب، فمقتضى مناسبات الحكم والموضوع هو أن يكون استثناء المؤونة استثناءً أحواليّاً بحتاً ينتهي أمده بانتهاء الحال، ويكون المرجع بعد ذلك هو عموم العام أو إطلاق المطلق.

وممّا ينبّه الوجدان على ذلك هو: أنّه لا إشكال بحسب الفهم العرفي في أنّ من اشترى بيتاً مثلاً، أو فراشاً، أو غير ذلك من الاُمور القابلة للبقاء بأرباح مكاسبه من دون التخميس استفادةً من قاعدة استثناء المؤونة، ثُمّ اشترى في السنة الآتية فرداً آخر رغم كفاية الفرد الأوّل لمؤونته، لكنّه اشتهى التبديل بفرد أفضل يناسب المؤونة أيضاً، أو التفت إلى مسألة: أنّ الفرد الأوّل خرج عن وجوب التخميس إلى الأبد، فقال: إنّني سأستفيد في سنتي الثانية من فرد ثان في المؤونة كي يخرج أيضاً عن قاعدة وجوب التخميس، فهذا العذر لا يقبل منه في استثناء كلا الفردين من التخميس، ولا أظنّ أحداً يفتي بذلك، وعندئذ نطرح هذا السؤال: هل السبب في هذا الفهم العرفيّ أو الفتوى الفقهي هو أنّ الفرد الثاني من البيت مثلاً خارج عن مؤونته; لأنّه يملك البيت الأوّل وهو يلبّي مؤونته، أو السبب ما قلناه من: أنّ المقياس في الاستثناء هو حال التلبّس بالمؤونيّة، وليس البيتان معاً متلبسين بهذه الحال؟ فإن قيل: إنّ السبب هو عدم الحاجة وخروج الفرد الثاني عن المؤونة; لكفاية الفرد

317

123 ـ ويشترط في تعلّق الخمس بأرباح المكاسب البلوغ والعقل، فلو كان صغيراً أو كان مجنوناً من أوّل السنة، لم يتعلّق بماله الخمس، ومتى ما أفاق أو بلغ كان ذلك أوّل سنته بالنسبة إلى ما يملكه من المال، فلو زاد عن مؤونة سنته بعد الإفاقة أو البلوغ، وجب عليه تخميس الزيادة (1).

 


الأوّل، أودرنا على ذلك النقض بما لو كان الفرد الأوّل مشترى من مال مخمّس، أو من مال كان من مستثنيات الخمس، فيلزم عندئذ وجوب الخمس على الفرد الثاني; لأنّه خارج من مؤونته; لكفاية الفرد الأوّل له، مع وضوح: أنّ المؤونة ملقاة على عاتق أرباح المكاسب غير المخمّسة.

فيتعيّن أن يكون السبب هو الثاني، وهو المطلوب. وأيّ فرق بين ما ذكرناه وبين افتراض أنّ هذه الامرأة المسنّة التي خرج حليّها عن مؤونيّتها يكون بإمكانها بيع الحليّ والاقتيات به، فلماذا تستثني الحليّ زائداً على استثناء المال الذي تقتات به من الخمس؟!

فالصحيح: أنّ المؤونة حينما تخرج عن المؤونيّة تدخل في دليل الخمس. نعم، يكون أوّل خروجها عن المؤونيّة أوّل سنتها، فإنّما تخمّس لو بقيت غير مصروفة في المؤونة في داخل السنة الثانية باقتيات أو نحوه.

(1) وأمّا البحث الثالث: وهو بحث اشتراط الخمس بالبلوغ والعقل وعدمه.

فقبل البدء به نشير إلى أنّ هذا البحث لا يأتي في خمس الحلال المختلط بالحرام; لأنّ هذا يكون لتطهير المال، فحتّى لو فرض قيام دليل لفظي على اشتراط التكليف في الخمس كان انصرافه عن هذا الخمس الذي لا علاقة له بالضريبة المعروفة واضحاً بمناسبات الحكم والموضوع.

وأمّا خمس الأرض التي اشتراها الذمّي، فقد مضى: أنّه عبارة عن تبدّل الأرض العشريّة بالخمسيّة، ولا علاقة له بكتاب الخمس، وذلك أشبه بحكم من قبيل الجزية منه بالخمس أو الزكاة.

وأمّا خمس الغنيمة الحربيّة، فعدم اشتراط التكليف فيه واضح; فإنّها تخمّس قبل التقسيم.

وأمّا خمس المعدن والغوص والكنز، فقد مضى منّا في بحث المعدن: أنّها ليست ضريبة على مال المكلّفين، بل هذه من الأنفال، وكلّها للإمام، وقد سمح للمكتشف تملّك أربعة أخماسها، فأيضاً من الواضح أنّه حتّى لو فرض دليل لفظيّ على اشتراط التكليف في

318


وأمّا خمس المعدن والغوص والكنز، فقد مضى منّا في بحث المعدن: أنّها ليست ضريبة على مال المكلّفين، بل هذه من الأنفال، وكلّها للإمام، وقد سمح للمكتشف تملّك أربعة أخماسها، فأيضاً من الواضح أنّه حتّى لو فرض دليل لفظيّ على اشتراط التكليف فيضريبة الخمس لا يشمل هذه الأقسام.

فالمهمّ هو الكلام عن خمس أرباح المكاسب.

فقد يقال: إنّ مقتضى إطلاق أدلّة الخمس عدم الفرق بين الصغير والبالغ أو المجنون والعاقل.

وفي مقابل ذلك يوجد وجهان لاختصاص الخمس بالبالغ العاقل:

الوجه الأوّل: حديث رفع القلم عن المجنون والصبيّ الوارد في عدّة روايات، من قبيل:

1 ـ ما عن ابن ظبيان قال: «اُتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها، فقال عليّ(عليه السلام): أما علمت أنّ القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبيّ حتّى يحتلم، وعن المجنون حتّى يفيق، وعن النائم حتّى يستيقظ؟». والسند غير تامّ(1).

وعن محمّد بن محمّد المفيد في الإرشاد مرسلاً قال: روت العامّة والخاصّة أنّ مجنونة فجر بها رجل... وذكر نحو هذه الرواية مع حذف الصبيّ(2).

2 ـ ما ورد بسند تامّ عن عمّار الساباطي (وهو يخالف المشهور في حدّ البلوغ) عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ قال: إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة، وجرى عليه القلم،


(1) الوسائل، ب 4 من مقدّمة العبادات، ح 11، ج 1، ص 45 بحسب طبعة آل البيت.

(2) الوسائل، ب 8 من مقدّمات الحدود، ح 2، ج 28، ص 23 بحسب طبعة آل البيت.

319


والجارية مثل ذلك، إن أتى لها ثلاث عشرة سنة، أو حاضت قبل ذلك، فقد وجبت عليها الصلاة، وجرى عليها القلم»(1).

3 ـ ما عن عمّار بسند تامّ عن أبي عبدالله(عليه السلام) «أنّه سُئل عن المولود ما لم يجر عليه القلم هل يصلّى عليه؟ قال: لا، إنّما الصلاة على الرجل والمرأة إذا جرى عليهما القلم»(2).

4 ـ مرسلة ابن طاووس عن سلمان، عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) «قال: إذا كان أوّل يوم رجب تصلّي عشر ركعات، تقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة، و(قل هو الله أحد) ثلاث مرّات، غفر الله لك ذنوبك كلّها من اليوم الذي جرى عليك القلم إلى هذه الليلة»(3).

5 ـ ما عن أبي البختري عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ(عليهم السلام) «أنّه كان يقول في المجنون، والمعتوه الذي لا يفيق، والصبيّ الذي لم يبلغ: عمدهما خطأ تحمله العاقلة، وقد رفع عنهما القلم»(4). والسند غير تامّ.

ولو تمّ شيء من هذه الروايات سنداً وإطلاقاً في المجنون أو الصبيّ، ولم تضرّه مخالفته لما هو المشهور في حدّ البلوغ، أو قلنا: إنّ رواية رفع القلم على الإجمال من القطعيّات، أمكن الاعتراض على الاستدلال بها بدعوى اختصاص إطلاقها بدائرة الأحكام التكليفيّة، سواء فسّر القلم بقلم كتب السيّئات أو فسّر بقلم التشريع. أمّا على الأوّل فواضح، وأمّا على الثاني، فلأنّه لا شكّ في أنّ تشريع الأحكام الوضعيّة كالنجاسة والجنابة لا اختصاص لها بالعاقل أو البالغ، وكذلك الأحكام الوضعيّة التي لها ثقل ماليّ، كضمان


(1) الوسائل، ب 4 من مقدّمة العبادات، ح 12، ج 1، ص 45 بحسب طبعة آل البيت.

(2) الوسائل، ب 14 من صلاة الجنازة، ح 5، ج 3، ص 97 من نفس الطبعة.

(3) الوسائل، ب 5 من بقيّة الصلوات المندوبة، ح 7، ج 8، ص 96 بحسب طبعة آل البيت.

(4) الوسائل، ب 36 من القصاص في النفس، ح 2، ج 29، ص 90 بحسب طبعة آل البيت.

320


الإتلاف. وأمّا حمل العاقلة الدية فهو بقانون آخر، وهو أنّ عمد الصبيّ بحكم الخطأ. وتعلّق الخمس بالمال حكم وضعيّ يتبعه التكليف بالأداء، ولا إشكال في أنّ هذا التكليف مرفوع عن المجنون والصبيّ مادام مجنوناً أو صبيّاً، كما هو الحال في ارتفاع وجوب أداء الدين والضمان عليهما، وإنّما الكلام في الجانب الوضعيّ للخمس.

وهذا الإشكال في واقعه ينحلّ إلى إشكالين:

الأوّل: أنّ القلم في المقام يحتمل إرادة قلم كتب السيّئات، وهذا يجعله خاصّاً بالأحكام التكليفيّة.

والثاني: أنّه حتّى لو جزمنا بأنّ المقصود قلم التشريع، فالمقصود به قلم التشريع التكليفي; لأنّ الأحكام الوضعيّة كالجنابة، والنجاسة، وضمان الإتلاف، ونحوها لا شكّ في عدم ارتفاعها عن المجنون والصبيّ.

أمّا الإشكال الأوّل: فيمكن الجواب عليه بأنّ حمل القلم على قلم كتب السيّئات خلاف الظاهر; لأنّ فعليّة قلم كتب السيئات ليست بالبلوغ أو العقل، وإنّما تكون بالمعصية لدى كونه بالغاً وعاقلاً. نعم، يمكن حمل ثبوت قلم السيّئات بالبلوغ والعقل على ثبوت شأنيّة القلم، إلّا أنّ هذا خلاف الظهور في الفعليّة. وهذا بخلاف ما لو حملناه على قلم التشريع; لوضوح فعليّته بمجرّد البلوغ والعقل.

وأمّا الإشكال الثاني: فيمكن الجواب عليه بأنّه لا شكّ في أنّ المقصود برفع القلم هو رفع قلم الثِقل، وذلك بقرينة امتنانيّة حديث رفع القلم، وهذا هو السبب في عدم شموله لمثل الجنابة والنجاسة; لأنّه لا ثِقل فيهما، وإنّما الثِقل متمثّل في التكليف بالغسل والتطهير، فذلك هو المرفوع بحديث رفع القلم. والضمان المالي يعتبر في نظر العرف ثقلاً ماليّاً، فيشمله حديث رفع القلم. وأمّا ضمان الإتلاف فهو وإن كان من الديون الماليّة، ويعتبر ثِقلاً على الكاهل، ولكن بما أنّ نفيه عن الصغير أو المجنون وإن كان امتناناً عليهما،

321


ولكنّه يعتبر إجحافاً بالنسبة لمن أتلف ماله، فلذا يكون حديث رفع القلم الامتناني منصرفاً عنه. وهذا بخلاف الضرائب كالخمس والزكاة، فإنّها تعتبر عرفاً ثِقلاً على الكاهل، وليس رفعها في نظر العرف إجحافاً بشأن الآخرين، فحديث رفع القلم يشملها بالإطلاق.

الوجه الثاني: دعوى التشكيك في إطلاقات أدلّة الخمس بدعوى: أنّ جوّاً تشريعيّاً يمنع عن الطفل الحكم التكليفيّ الإلهي والثِقل الماليّ الزكوي ويجعل عمد الصبيّ خطأً تحمله العاقلة لا يُبقي إطلاقاً لدليل الثقل الماليّ الذي يكون منشؤه مجرّد التشريع من دون حقّ عقلائيّ سابق، من قبيل ضمان الإتلاف الذي يعتبر حقّاً عقلائيّاً للناس أمضته الشريعة. والخمس ثِقل ماليّ جاء بمحض التشريع، فالجوّ التشريعيّ الذي خلا عن ثقل التكليف، بل وعن الثقل الماليّ الزكويّ أيضاً، وعن تحمّل الصبيّ عمده في القصاص والدية يوجب انصراف دليل الخمس عن الصغير والمجنون.

ولو لم نقتنع بشيء من الوجهين قناعة كاملة، وبقينا شاكّين، فلو آمنّا بجريان البراءة عن حكم وضعيّ فيه الثقل، جَرَت البراءة عن الخمس، ولو لم نؤمن بذلك، أمكن نفي الخمس باستصحاب العدم الأزليّ، أو العدم الثابت قبل تملّكه لهذا المال، وإثبات ملكيّته التي هي موضوع لتعلّق الخمس ولو ملكيّة تقديريّة على الأقلّ.

بل لا حاجة إلى استصحاب العدم الأزلي، ولا استصحاب عدم الخمس الثابت قبل تملّكه للمال، ولا إلى التشبّت بالملكيّة التقديريّة; وذلك لأنّنا: إمّا أن نقول: إنّ الخمس يتعلّق بالمال في نهاية السنة، فنجري استصحاب عدم الخمس في أوّل السنة، أو نقول: إنّ الزيادة عن المؤونة في نهاية السنة تكشف عن تعلّق الخمس بالمال من أوّل السنة، ولكن لا إشكال في أنّه في أوّل السنة كان يجوز له التصرّف في المال تصرّف الملاّك بدليل جواز تأخيره للتخميس إلى آخر السنة، فيستصحب نفس هذا الحكم.

وبعد أن يبلغ الصبيّ، أو يفيق المجنون يشمله من الآن دليل الخمس بماله بعد استثناء المؤونة، فلابدّ في تعلّق الخمس من زيادة المال على مؤونة السنة من حين البلوغ أو العقل.