387

ولد الزنا فقال: لا، ولا عبد»(1).

2_ ما عن سماعة _ بسند تام _ قال: «سألته عمّا يُردّ من الشهود. قال: المريب والخصم والشريك ودافع مغرم والأجير والعبد والتابع والمتّهم؛ كلّ هؤلاء تردّ شهادتهم»(2).

ولو كنّا وهذا الحديث فحسب كان بالإمكان بقرينة ذكر العبد في سياق من لهم حصّة في المشهود به والمتّهمين إبداء احتمال كون المقصود عدم نفوذ شهادة العبد لمولاه لمكان التّهمة.

3_ ما عن تفسير الحسن العسكريّ (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «كنّا عند رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) وهو يذاكرنا بقوله تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ﴾ قال: أحراركم دون عبيدكم، فإنّ اللّه شغل العبيد بخدمة مواليهم عن تحمّل الشهادات وأدائها»(3).

ومن المحتمل اتّحاد ما نقلناه من الرأي الأول المنسوب إلى ابن أبي عقيل، وهو عدم نفوذ شهادة المملوك والرأي السابع المنسوب إلى ابن الجنيد، وهو نفوذ شهادته على مثله وعلى الكافر دون الحرّ المسلم، وذلك بأن يُقال: إنّ شرط الحرّية لا يعني أكثر من ذلك كما أنّ شرط الإسلام لم يكن يمنع عن قبول شهادة الكافر على أهل ملّته، وقد يقال بأنّ الروايات أيضاً لا تعني أكثر من ذلك. وبناءً على هذا تضاف إلى روايات المنع روايات الرأي السابع، وذلك كما يلي:

4_ ما مضى عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «لا تجوز شهادة العبد


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص277، الباب 31 من الشهادات، ح6.

(2) نفس المصدر، ص278، الباب 32 من الشهادات، ح3.

(3) نفس المصدر، ص257، الباب 23 من الشهادات، ح15.

388

المسلم على الحرّ المسلم»(1)بناءً على كونه حديثاً آخر غير نسخة «يجوز»، إلا أنّ الحديث ساقط بتضارب النسخ كما مضى.

5_ ما عن محمد بن مسلم _ بسند تام _ عن أحدهما (عليه السلام) قال: «تجوز شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب، وقال: العبد المملوك لا تجوز شهادته»(2).

6_ المرسل الوارد في الخلاف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه كان يقبل شهادة بعضهم على بعض ولا يقبل شهادتهم على الأحرار. قال الشيخ (رحمه الله) في الخلاف ما نصّه: «العبد إذا كان مسلماً بالغاً عدلاً، قُبلت شهادته على كلّ أحد من الأحرار والعبيد، إلا على مولاه. فأمّا غيره فإنّه تقبل شهادته لهم وعليهم، وروي عن علي (عليه السلام) أنّه تُقبل شهادة بعضهم على بعض، ولا تُقبل شهادتهم على الأحرار...» ثم نقل (رحمه الله) أقوالاً عن بعض الصحابة أو التابعين أو فقهاء السنّة، وهي: قبول شهادته مطلقاً، وعدم القبول مطلقاً، والقبول في القليل دون الكثير، ثم قال: «دليلنا: قوله تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ﴾(3). وذلك عام في الجميع، وقال:﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾(4). وهذا عدل، وعليه إجماع الفرقة وأخبارهم»(5).

وقد تُضاف روايات أُخرى إلى طائفة الأخبار الدالّة على عدم نفوذ شهادة المملوك مطلقاً، وإن كان قد يُقال: إنّ مقدمات الحكمة لإثبات إطلاقها _ في مقابل بعض التفصيلات الجزئيّة من قبيل استثناء الشهادة في الأمور اليسيرة، أو الشهادة


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص256، الباب23 من الشهادات، ح12.

(2) نفس المصدر، ح10.

(3) البقرة: 282.

(4) الطلاق: 2.

(5) الخلاف، ج 3، كتاب الشهادة، مسألة 19، 332.

389

في القتل _ غير تامّة، إلا أنّها _ على أيّ حال _ تدل على أنّ شهادة المملوك في غالب الأحوال غير نافذة، وتلك الأخبار كما يلي:

7_ ما عدّه السيد الخوئي (رحمه الله) من هذه الطائفة، وهو ما عن أبي بصير _ بسند تام _ قال: «سألته عن شهادة المُكاتَب كيف تقول فيها؟ قال: فقال: تجوز على قدر ما أُعتق منه، إن لم يكن اشترط عليه: أنّك إن عجزتَ رَدَدْناك، فإن كان اشترط عليه ذلك، لم تجز شهادته حتى يؤدّي، أو يستيقن أنّه قد عجز. قال: فقلت: فكيف يكون بحساب ذلك؟ قال: إذا كان أدّى النصف أو الثلث، فشهد لك بألفين على رجل، أُعطيت من حقّك ما أُعتق النصفَ من الألفين»(1).

والوجه فيما أشرت إليه من إمكانيّة القول بعدم تماميّة الإطلاق في هذا الحديث أنّه بصدد بيان نسبة المكاتب إلى العبد القنّ في الحكم، وأنّ المُكاتب تقبل شهادته بنسبة ما أُعتق منه بخلاف العبد القنّ الذي ترفض كلّ شهادته. أمّا أنّه ما هي موارد رفض شهادة العبد؟ هل على الإطلاق؟ أو له بعض المستثنيات كالقتل أو الشيء اليسير مثلاً؟ فليس بصدد بيانه، وقد يُتفصّى عن هذا الإشكال بأنّ التفصيلات الجزئيّة غير محتملة فقهيّاً، فنفوذ شهادته بالنسبة للقتل فقط، أوبالنسبة للشيء اليسير فقط ممّا لا قائل به عندنا، وإن حكى الشيخ الطوسي الثاني عن بعض العامة، فإذا فرض عدم احتمال تلك التفصيلات فقهياً كان الحديث بحكم المطلق.

نعم، يُحتمل التفصيل بأن تكون شهادة العبد لمولاه غير نافذة ولو لمكان التّهمة، وشهادته لغيره نافذة، أو أن تكون شهادته على مولاه غير نافذة، وفي غير ذلك نافذة بناءً على ما نسب إلى مشهور الأصحاب، ولكنّ حمل الحديث على خصوص فرض


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص257، الباب 23 من الشهادات، ح14.

390

الشهادة لمولاه، أو عليه غير محتمل عرفاً، لكونه حملاً على مورد نادر نسبيّاً. إذاً فالحديث بحكم المطلق بلحاظ تمام التفاصيل، إلا أن يناقش في عدم احتمال التفصيلات الجزئيّة فقهياً بدعوى أنّ عدم القائل لا يوجب القطع بالعدم، ومن المحتمل مدركيّة الإجماع.

8 _ ما عدّه السيد الخوئي (رحمه الله) أيضاً من هذه الطائفة، وهو ما عن إسماعيل بن أبي زياد _ بسند تام _ عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) أنّ شهادة الصبيان إذا شهدوا وهم صغار جازت إذا كبروا ما لم ينسوها، وكذلك اليهود والنصارى إذا أسلموا جازت شهادتهم، والعبد إذا شهد بشهادة ثم أُعتق جازت شهادته إذا لم يردّها الحاكم قبل أن يُعتق، وقال علي (عليه السلام): «وإن أُعتق لموضع الشهادة لم تجز شهادته»(1).

وهذا أيضاً يمكن الاستشكال في إطلاقه بأنّه إنّما هو بصدد بيان أنّ العتق يزيل مانعيّة المملوكيّة بزوال المملوكيّة، ولا يضرّ بالأمر كون تحمّل الشهادة في زمان المملوكيّة، أمّا ما هي مدى مانعية المملوكيّة؟ فليس الحديث بصدده.

فاحتمالات الاستثناءات الجزئيّة _ كالشهادة على الشيء اليسير أو الشهادة على القتل _ واردة ما لم يدّعى القطع الفقهي بخلافها، بل هذا الحديث بعد عدم تماميّة مقدمات الحكمة فيه يأتي احتمال حمله على الشهادة لمولاه على ما يناسبه قوله: «إن أُعتق لموضع الشهادة»؛ إذ _ عادةً _ لا يعتق المولى عبده لأجل الشهادة لغيره، وإنّما يعتقه لأجل الشهادة لنفسه، فهذا التعبير وإن كان لا يبطل الإطلاق لو تمّت مقدمات الحكمة، لكنّه يبطل إشكال استبعاد الحمل على الفرد النادر بعد فرض عدم تماميّة مقدمات الحكمة.


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص257، الباب 23 من الشهادات، ح13.

391

على أنّ في متن الحديث نوع التواءٍ؛ إذ لم نعرف معنىً معقولاً لقوله: «إذا لم يردَّها الحاكم قبل أن يعتق»، عدا ما أُوّلت به العبارة من أنّ المقصود هو ردّ شهادته بمانع آخر من فسق ونحوه.

9_ ما عدّه صاحب الجواهر (عليه السلام) من هذه الطائفة، وهو ما عن صفوان _ بسند تام _ عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل أشهد أجيره على شهادة، ثم فارقه أتجوز شهادته له بعد أن فارقه؟ قال: نعم، وكذلك العبد إذا أُعتق جازت شهادته»(1).

وهذا الحديث أيضاً يمكن المناقشة في إطلاقه باعتباره وارداً بصدد بيان أنّ عتق العبد يزيل المانع عن قبول الشهادة، وأنّه لا يضرّ بالأمر كون تحمُّل الشهادة في زمان العبوديّة. أمّا مدى مانعيّة المانع، فليس بصدد بيانه. وهنا أيضاً لو كان التشكيك بلحاظ استثناءاتٍ من قبيل استثناء الشيء اليسير أو القتل، قد يقول القائل بالقطع الفقهي بعدم استثناء من هذا القبيل، ولكن بالإمكان ذكر هذا التشكيك بمعنى دعوى احتمال اختصاص الحكم بفرض الشهادة لمولاه، كما يناسبه ما جاء في هذا الحديث من السؤال عن فرض أنّ الرجل أشهد أجيره على شهادة، ثم فارقه، والإمام (عليه السلام) عطف في الجواب على ذلك فرض عتق العبد، فهذا وإن كان لا يبطل الإطلاق لو تمّت مقدمات الحكمة، لكنّه يبطل إشكال الحمل على الفرد النادر.

10_ ما عن محمد بن مسلم _ بسند تام _ قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الذمّي والعبد يشهدان على شهادة، ثم يسلم الذمّي، ويُعتق العبد، أتجوز شهادتهما على ما


(1) نفس المصدر، ص273، الباب 29 من الشهادات، ح1.

`

392

كانا أُشهدا عليه؟ قال: نعم، إذا عُلم منهما بعد ذلك خير، جازت شهادتهما»(1). ونفس النقاش السابق في الإطلاق يجري هنا. وقد يُدّعى أيضاً القطع بعدم بعض الاستثناءات كاستثناء القتل أو الشيء اليسير، لكن يبقى احتمال تخصيص الحديث بشهادة العبد لمولاه أو على مولاه ما دامت مقدمات الحكمة غير تامّة، إلا أنّه ليس في متن هذا الحديث ما يناسب ذلك كما في سوابقه، ومن هنا قد يُستبعد فرض تخصيصه بمورد خاص من الشهادة لمولاه، أو الشهادة على مولاه.

11_ ما عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) وعن أبي بصير وسماعة والحلبي عن أبي عبداللّه (عليه السلام). _ والاسانيد كلّها تامّة _ في المكاتب يعتق نصفه هل تجوز شهادته في الطلاق؟ قال: «إذا كان معه رجل وامرأة»، وقال أبو بصير: «وإلا فلا تجوز»(2)، ورواه الصدوق _ بسنده _ عن حمّاد عن الحلبي كالتالي: قال: «سمعت أبا عبداللّه (عليه السلام) يقول في المكاتب: كان الناس مدّة لا يشترطون إن عجز، فهو ردّ في الرقّ، فهم اليوم يشترطون والمسلمون عند شروطهم ويجلد في الحدّ على قدر ما أُعتق منه، قلت: أرأيت إن أُعتق نصفه أتجوز شهادته في الطلاق؟ قال: إن كان معه رجل وامرأة، جازت شهادته»(3). والسند تام، والإشكال الماضي في الإطلاق يأتي هنا؛ لأنّ الإمام لم يكن بصدد بيان شرط الحرّية ابتداءً. وقد يُدّعى هنا أيضاً القطع الفقهي بعدم الاستثناءات الجزئيّة. وهنا لا يأتي احتمال اختصاص الحديث بفرض الشهادة


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص285، الباب 29 من الشهادات، ح1.

(2) نفس المصدر، ص256، ح11.

(3) الفقيه، ج3، ص29، ح86، وجاء ذيله في وسائل الشيعة، ج18، ص255، الباب23 من الشهادات، ح6.

393

للمولى أو عليه؛ لأنّ مورده هو الشهادة على الطلاق. نعم، فيه ما جعله(1) الشيخ الطوسي (رحمه الله) مؤكّداً للحمل على التقيّة، وهو إشراك المرأة في الشهادة على الطلاق(2).

ثم إنّ روايات عدم قبول شهادة المملوك إلا على مثله، أو الكافر وإن لم تكن مطلقةً بتمام معنى الكلمة في عدم نفوذ شهادة المملوك؛ إذ خرج من إطلاقها الشهادة على المملوك، أو الشهادة على الكافر، لكن هذا لا يغيّر من نسبتها إلى روايات قبول شهادة المملوك، فالتعارض لا زال يعتبر كأنّه تعارض تبايني، وليس بالعموم والخصوص؛ إذ ليس من العُرفي تقييد روايات قبول شهادة المملوك بخصوص ما إذا كانت شهادته على المملوك، أو على الكافر. وكذلك الحال في نفس روايات عدم قبول شهادة المملوك المطلقة بناءً على منع إطلاقها للشهادة على المملوك والكافر، كما أنّ روايات شرط الإسلام لم تكن تعني عدم نفوذ شهادة الكافر على أهل مذهبه.

وأيضاً الروايات التي قلنا قد يناقش في إطلاقها لبعض الحالات الخاصّة


(1) راجع التهذيب، ج6، ص250، ذيل الحديث 639، والاستبصار، ج3، ذيل الحديث47.

(2) جعل هذا مؤكّداً للحمل على التقيّة يمكن أن يُفسَّر بأحد تفسيرين:

الأول _ ما هو الظاهر من عبارة الشيخ الطوسي (رحمه الله) في كتابيه من أنّه بما أنّ ذكر شهادة المرأة في الطلاق محمول على التقيّة؛ إذاً هذا يؤكّد كون نفي شهادة العبد أيضاً محمولاً على التقيّة.

والثاني _ أن يُقال: إنّ وضوح عدم نفوذ شهادة المرأة في الطلاق عند الشيعة يجعلنا نحتمل أنّه كان فرض ضمّ شهادة المرأة والرجل الحرّ إلى شهادة العبد لأجل أن يفهم الشيعي نفوذ شهادة العبد، ويتوهّم غيره كون المقصود عدم نفوذ شهادة العبد، حيث إنّ الشيعي يرى أنّ ضمّ شهادة المرأة في الطلاق ضمّ للحجر إلى جنب الإنسان، فيعرف أنّ النافذ هو شهادة الرجل الحرّ والعبد، وبعض العامّة يرى أنّ شهادة المرأة في هذا الفرض نصف شهادة الرجل. فيفهم من كلام الإمام أنّه قد جعل شهادة العبد الذي أُعتق نصفه أيضاً نصف شهادة الحرّ.

وسيأتي _ إن شاء اللّه _ في محلّه أنّ العامة في شهادة المرأة في الطلاق مختلفون على رأيين.

394

كالشهادة على القتل، أو الشيء اليسير، لو تمّ مثل هذا النقاش، لم يضرّ بكون التعارض بينها وبين روايات نفوذ شهادة العبد كالتعارض التبايُني، وليس بالعموم والخصوص المطلق؛ إذ ليس من الجمع العرفي تقييد روايات نفوذ الشهادة ببعض الموارد الخاصّة كالشهادة على اليسير، أو على القتل.

علاج التعارض في المسألة

وأمّا ما هو علاج هاتين الطائفتين المتعارضتين في المقام؟ فقد ذكر الشيخ الطوسي(رحمه الله)(1) علاجين:

أحدهما _ حمل روايات عدم نفوذ شهادة العبد على التقيّة.

والثاني _ حملها على عدم نفوذ شهادته لمولاه، لمكان التهمة.

وذكر صاحب الجواهر: أنّ روايات عدم النفوذ محمولة على الشهادة على المولى، أو على الكراهة، أو على التقيّة التي قد أوْمأ إليها في النصوص السابقة(2).

أقول: الحمل على الكراهة لا وجه له، فإنّ المفهوم العرفي من الروايات هو الحكم الوضعي، وهو شرطيه‏الحرّية، أو مانعية الرّقّية، وهذا لا يقبل الحمل على الكراهة، إلا بمعنى صرفه عن كونه حكماً وضعيّاً، وحمله على الحكم التكليفي الكراهي. وهذا جمع تبرعي لا أثر له.

كما أنّ الحمل على الشهادة على المولى أيضاً حمل تبرعي لا دليل عليه.

وأمّا ما ذكره الشيخ الطوسي (رحمه الله) من الحمل على الشهادة للمولى فهو أوجه من الحملين المذكورين في الجواهر؛ لما مضى منّا من تناسب ذلك مع بعض روايات الباب،


(1) التهذيب، ج6، ص249، في ذيل الحديث 639.

(2) الجواهر، ج41، ص92.

395

وصياغة ذلك فنّياً _ كجمع عرفي _ يجب أن تكون بأحد وجهين، وهما لا يتمّان إلا في بعض الروايات الماضية:

الوجه الأول _ إرجاع ذلك إلى الجمع بحمل المطلق على المقيّد بدعوى عدم الإطلاق في روايات المنع لغير الشهادة للمولى، فهي أخصّ من روايات النفوذ.

إلا أنّ تطبيق قاعدة حمل العام على الخاص، أو المطلق على المقيّد على مثل المقام لا يخلو عن تفصيل، فإنّ حمل العام أو المطلق على الخاص أو المقيّد يكون بأحد الملاكات الثلاثة:

1_ دعوى انخرام مقدمات الحكمة بالمقيّد المنفصل.

2_ دعوى تقديم الخاص أو المقيّد بالأقوائيّة.

3_ دعوى تقديم الخاص أو المقيّد بالقرينيّة العرفيّة.

أمّا الدعوى الأُولى لو تمّت في نفسها، فهي لا تتمّ في مثل المقام، إلا إذا كان الخاص قدراً متيقّناً ممّا لم يتمّ الإطلاق فيه، كما هو الحال في بعض روايات الباب. أمّا ما كان من قبيل رواية محمد بن مسلم، وهي الرواية العاشرة من روايات المنع الماضية: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الذمّي والعبد يشهدان على شهادة، ثم يسلم الذمّي ويُعتق العبد أتجوز شهادتهما على ما كانا أُشهدا عليه؟ قال: نعم، إذا عُلم منهما بعد ذلك خير جازت شهادتهما» بناءً على تسليم عدم الإطلاق فيها وإمكان حملها على الشهادة لمولاه، فهذا الوجه لا يأتي فيه؛ إذ كما يمكن حملها على الشهادة لمولاه يمكن حملها على الشهادة لغير مولاه، وليس الأول قدراً متيقَّناً من الحديث تمّ البيان المنفصل بشأنه كي يقال بانخرام مقدّمات الحكمة في مطلقات نفوذ الشهادة به.

وأمّا الدعوى الثانية _ بناءً على تماميّتها في نفسها _ فأيضاً لا تتمّ إلا إذا كان الخاص قدراً متيقَّناً ممّا لم يتمّ فيه الإطلاق كي تتمّ الأقوائية، كما قد يقال بذلك في

396

الحديث الثامن والتاسع من أحاديث المنع الماضية، أو في الحديث التاسع فقط. أمّا في مثل الرواية التي أشرنا إليها _ وهي الرواية العاشرة _ فلا تتصور أقوائيّة في المقام.

وأمّا الدعوى الثالثة _ بناءً على تماميّتها في نفسها _ فهي لا تتمّ في المقام، حتى مع فرض كون الخاص قدراً متيقّناً ممّا لم يتمّ الإطلاق فيه، فإنّ القرينيّة لا تتمّ بمجرّد كونه قدراً متيقَّناً، وإنّما قوام القرينية يكون بذكر العنوان الخاص، اللهمّ إلا في رواية جاء فيها تعبير يكون في قوّة التصريح بالعنوان الخاص، كما قد يقال بذلك فيما مضى من الرواية الثامنة من روايات المنع بناءً على أنّ قوله: «وإن أُعتق لموضع الشهادة لم تجز شهادته» في قوّة التصريح بفرض كون الشهادة لمولاه.

الوجه الثاني _ أن يقال: إنّ روايات نفوذ شهادة المملوك لم تدل أساساً على نفوذ شهادته لمولاه، وذلك لاحتمال عدم نفوذ شهادته لمولاه بملاك فقدان شرط آخر، وهو عدم التهمة، ودليل نفوذ شهادة المملوك ليس له نظر إلى نفي الشرائط الأُخرى، ولذا لا يعدّ شرط العدالة مثلاً تقييداً لإطلاق أدلّة نفوذ شهادة المملوك، فإذا كانت روايات نفوذ الشهادة لا إطلاق لها للشهادة لمولاه، وروايات عدم نفوذ الشهادة لا إطلاق لها للشهادة لغير مولاه، فقد ارتفع التعارض لا محالة.

إلا أنّ كلا هذين الوجهين لا يتمّان في تمام روايات المنع؛ إذ أنّ بعض روايات المنع قد تمّ إطلاقه، كما يظهر بمراجعة الروايات الماضية، ويكون حمله على الشهادة لمولاه حملاً تبرّعيّاً، بل بعضها لا يقبل هذا الحمل كالحديث الحادي عشر، إن لم نقل بوجود قرينة داخلية فيه للحمل على التقيّة. وعلى أيّ حال، فبعد إفلاس الجمع العرفي في المقام _ ولو بلحاظ بعض الروايات _ تصل النوبة إلى الترجيح، ويطبّق في المقام المرجّحان الرئيسان في باب التعادل والتراجيح لصالح روايات نفوذ شهادة المملوك:

397

المرجِّح الأول _ هو موافقة الكتاب: فروايات نفوذ شهادة المملوك توافق إطلاق الكتاب، وروايات عدم نفوذها تخالف إطلاق الكتاب كقوله تعالى:

1_¬ ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ﴾(1).

2_ ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾(2).

3_ ﴿اِثْنٰانِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾(3).

لا يقال: إنّ المرجع لضمير الخطاب غير معلوم، فلعلّه ليس هو مطلق المسلمين، بل خصوص المسلمين الأحرار.

فإنّه يقال: إنّ الآية الأُولى مصدَّرة بقوله ﴿يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا﴾، وهذا التعبير يشمل العبيد المؤمنين، والآية الأخيرة أيضاً مصدّرة بذلك إضافةً إلى أنّه عطف على قوله: ﴿ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾قوله: ﴿أَوْ آخَرٰانِ مِنْ غَيْـرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَـرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ والمعروف أنّ المقصود به غير المسلمين، فتعرف بقرينة المقابلة أنّ المقصود بقوله: ﴿مِنْكُمْ﴾هو المسلمون.

نعم، الآية الثانية خالية عن هاتين القرينتين، لكن ضرورة اشتراك أحكام الطلاق في مورد الآية بين الأحرار والعبيد يجعلنا نفهم بوحدة السياق أنّ الخطاب لجميع المسلمين.

المرجّح الثاني _ مخالفة العامّة؛ حيث إنّ روايات عدم نفوذ شهادة العبد موافقة لكثير من العامّة، وروايات النفوذ مخالفة لهم.

نعم، خصوص الرواية المرويّة عن تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام)


(1) البقرة: 282.

(2) الطلاق:2.

(3) المائدة: 106.

398

عن رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) وهي الرواية الثالثة من روايات المنع الماضية قد لا تقبل الحمل على التقيّة؛ لأنّ النقل انتهى إلى رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) بناءً على تفسير الترجيح بمخالفة العامّة بمعنى حمل الموافق على التقيّة لا على الكذب، أو على الجامع بين الكذب والتقيّة. إلا أنّ هذه الرواية _ على أيّ حال _ ساقطة سنداً.

وقد اتّضح بكلّ ما ذكرناه: أنّ روايات نفوذ شهادة المملوك تُقدّم على روايات المنع.

دراسة التفاصيل في المسألة

بقيت علينا بعد ذلك دراسة التفاصيل التي ذكرت في المقام، وأوّل تفصيل ندرسُهُ في المقام: هو ما نسب إلى مشهور الإماميّة من التفصيل بين الشهادة على المولى فهي غير نافذة وغير الشهادة على المولى فهي نافذة. وقد يستدلّ على ذلك بعدّة وجوه:

1_ الإجماع: وهو لا يفيد شيئاً، لكونه منقولاً، وقد نُسب الخلافُ إلى جماعة، وهو محتمل المدركيّة على أقلّ تقدير.

2_ القياس بالولد _ على حدّ تعبير السيد الخوئي في مباني المنهاج(1)_: بناءً على عدم نفوذ شهادته على أبيه، وقد أورد عليه السيد الخوئي بأنّه قياس لا نقبل به، مع أنّنا لا نقبل بالمقيس عليه.

أقول: عدم القبول بالمقيس عليه صحيح، أمّا إشكال القياس فلا يرد على مثل تعبير صاحب الجواهر الذي ذكر: أنّ شهادة العبد على مولاه أولى بعدم القبول من شهادة الابن على أبيه بناءً على أنّ المنع فيه للعقوق(2). فهذا _ كما ترى _ استدلال


(1) ج1، ص106

(2) الجواهر، ج41، ص92.

399

في باب المملوك بعين الدليل المستدلّ به في باب الولد، فإشكاله ينحصر بإبطال ذاك الدليل.

3_ ما عن الحلبي عن أبي عبداللّه (عليه السلام) في رجل مات، وترك جاريةً ومملوكين، فورثهما أخ له، فأعتق العبدين، وولدت الجارية غلاماً، فشهدا بعد العتق أنّ مولاهما كان أشهدهما أنّه كان يقع على الجارية، وأنّ الحمل منه، قال: «تجوز شهادتهما ويردّان عبدين كما كانا»(1).

وينبغي أن يكون وجه الاستدلال: أنّ الحديث ورد في مورد الشهادة على من كان مولاه بظاهر الشرع _ لولا نفوذ الشهادة _ وهو أخو الميّت، وقد دلّ في هذا المورد على أنّ نفوذ الشهادة مشروط بأن تكون بعد العتق، وبه تقيّد إطلاقات نفوذ شهادة العبد؛ فالنتيجة هي التفصيل بين شهادة العبد على مولاه فلا تنفذ وشهادته لا على مولاه فتنفذ.

وأورد عليه في الجواهر: بأنّ قيد العتق مذكور في مفروض السائل، وبأنّ مفهوم الوصف غير حجّة، ولذا جعل الحديث من مؤيّدات رأي المشهور، لا دليلاً عليه.

أقول: إشكال مفهوم الوصف غير وارد، فإنّ ذكر الوصف عند عدم وجود نكتة عقلائيّة أُخرى له يدل على السلب الجزئي، وبما أنّا لا نحتمل الفرق فيما بين موارد الشهادة على المولى، فلا محالة يدل الحديث على عدم نفوذ الشهادة على المولى مطلقاً، إلا أنّ الإشكال الأول وارد، مضافاً إلى ضعف سند الحديث بسند الشيخ إلى أبي عبداللّه البزوفري، فإنّ سنده إليه في المشيخة عبارة عن أحمد بن عبدون والحسين بن عبيداللّه الغضائري، ولا دليل على وثاقتهما، وإن كانا من مشايخ


(1) وسائل الشيعة ، ج18، ص255، الباب23 من الشهادات، ح7.

400

النجاشي حسب ما هو المختار من عدم الدليل على وثاقة كلّ من هو من مشايخ النجاشي.

نعم، ذكر الشيخ في رجاله: «أخبرنا عنه _ يعني عن البزوفري _ جماعة منهم محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيداللّه وأحمد بن عبدون»، لكن هذا _ كما ترى _ لا يدل على أنّ كلّ ما أخبره عنه الغضائري وأحمد بن عبدون فقد أخبره عنه المفيد أيضاً كما هو واضح.

4_ أنّه لا يُقبل إقرار العبد على نفسه باعتباره إقراراً على المولى. وأورد عليه السيد الخوئي(1) بأنّه لا ربط لباب الإقرار بباب الشهادة، فعدم نفوذ الإقرار على نفسه باعتبار أنّه إقرار بحقّ غيره، ودليل حجّية الإقرار لا يشمل مثله. وهذا بخلاف دليل حجّية الشهادة.

أقول: إنّ صاحب الجواهر إنّما ذكر هذا الوجه كتأييد أو دليل بدعوى: أنّ الإقرار على المولى شهادة عليه، ولا قائل بالفصل بين شهادةٍ على المولى تكون في نفس الوقت إقراراً على النفس وشهادة على المولى لا تكون كذلك(2).

الجواب: أنّ الفصل بين شهادةٍ على المولى تكون في نفس الوقت إقراراً على النفس وشهادةٍ على المولى لا تكون كذلك لا مبرّر له، ولكن هذا لا يعني عدم نفوذ شهادة العبد على المولى، فالقول بعدم نفوذ شهادة إقراره لكونه إقراراً على المولى يعني أنّه بما هو إقرار وبمجرد تماميّة شرط نفوذ الإقرار _ وهو العقل _ لا ينفذ. أمّا لو نفذ عندما تتمّ فيه شروط نفوذ الشهادة من التعدّد والعدالة، فهذا لا ينافي القول بعدم نفوذ إقرار


(1) راجع مباني تكملة المنهاج، ج1، ص107.

(2) الجواهر، ج41، ص93.

401

العبد لكونه إقراراً على المولى.

5_ الجمع بين روايات المنع وروايات النفوذ يكون بالتفصيل الذي اختاره المشهور.

وهذا كما ترى جمع تبرّعي لا قيمة له.

6_ ما عن كنز العرفان ممّا يستفاد منه وجود حديث بهذا المضمون؛ حيث قال: «بناءً على نقل الجواهر: واختلف في شهادة العبد...» إلى أن قال: «وعن أهل البيت (عليهم السلام) روايات أشهرها وأقواها القبول إلا على سيّده خاصّة»(1).

وهذا لو سلّم كونه رواية وليس استنباطاً له من الروايات، فهو مرسل لا قيمة له.

7_ ما مضى من حديث درع طلحة، وهو الحديث الرابع من أحاديث نفوذ شهادة العبد، فقد يقال: إنّ هذا الحديث صريح في نفوذ شهادة العبد على غير مولاه؛ لأنّ آخذ الدرع لم يكن هو مولىً لقنبر، ومقتضى الجمع بينه وبين روايات عدم النفوذ هو تخصيص عدم النفوذ بفرض الشهادة على المولى حملاً للمطلق على المقيّد. وبالإمكان جعل هذا الوجه توجيهاً للوجه الخامس، وإخراجاً له عن كونه جمعاً تبرّعيّاً.

ويرد عليه: أوّلاً _ أنّ حديث درع طلحة من الروايات الدالّة على نفوذ شهادة العبد على الإطلاق حيث جاء فيه: «وما بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً».

نعم، مورده هو الشهادة على غير المولى، والمورد لا يخصِّص الوارد، ومجرّد كونه قدراً متيقّناً لا يخرج الجمع عن كونه جمعاً تبرّعيّاً.

وثانياً _ أنّ تقييد روايات عدم النفوذ بالشهادة على المولى تقييد بفرد نادر، وهو غير عرفي.


(1) نفس المصدر، ص92.

402

والتفصيل الثاني _ هو عكس تفصيل المشهور، وهو القول بنفوذ شهادة العبد على مولاه وعدم نفوذها في غير ذلك، وهو الذي قال عنه صاحب الجواهر: «إنّه لم نعرف قائله».

وما يمكن جعله دليلاً على هذا الوجه دعوى الجمع بين الروايات المتعارضة بهذا التفصيل.

ويرد عليه: أوّلاً _ أنّه جمع تبرّعي لا مبرّر له.

وثانياً _ أنّ تخصيص روايات نفوذ الشهادة _ على فرض كونها شهادة على مولاه _ تخصيص بالفرد النادر.

وثالثاً _ أنّ رواية درع طلحة لا تقبل هذا الحمل. فإنّ الإمام (عليه السلام) طبّق قاعدة نفوذ شهادة العبد على شهادته على غير مولاه.

والتفصيل الثالث _ هو القول بنفوذ الشهادة على الكافر والعبد دون المسلم الحرّ، ويحتمل أن لا يكون هذا تفصيلاً في مقابل القول بعدم النفوذ مطلقاً، بأن يُقال: إنّ القول بعدم النفوذ مطلقاً لا يقصد أكثر من ذلك، سنخ أنّ القول بشرط الإسلام في الشاهد لا يعني عدم نفوذ شهادة الكافر بشأن من هو من أهل مذهبه.

وعلى أيّ حال فالدليل على هذا التفصيل وجهان:

الأول _ روايات عدم نفوذ شهادة العبد بدعوى أنّه لا يفهم منها أكثر من عدم النفوذ على الحرّ المسلم، كما لا يفهم من دليل شرط الإسلام أكثر من عدم نفوذ شهادة الكافر على المسلم أو على غير من هو من أهل مذهبه، وعندئذٍ تقدّم هذه الروايات على روايات نفوذ شهادة العبد بالأخصّيّة.

والجواب: أنّ تخصيص روايات النفوذ بفرض الشهادة على الكافر أو العبد غير عرفي، وبالتالي يكون التعارض بحكم التعارض التبايني، فلا مجال إلا لما مضى من

403

الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة.

والثاني _ الأخبار الخاصّة في المقام وهي ثلاثة:

1_ ما مضى من رواية محمد بن مسلم(1) من قوله: «لا تجوز شهادة العبد المسلم على الحرّ المسلم». بناءً على كونها غير روايته التي عبّر فيها بـ «تجوز» لا أنّها من اختلاف النسخ.

وردّ الاستدلال بذلك بعدم حجّية مفهوم الوصف غير صحيح؛ لأنّ الوصف يدل على السلب الجزئي، ولا نحتمل الفرق بين موارد الشهادة على الكافر أو موارد الشهادة على العبد.

2_ ما مضى أيضاً من رواية محمد بن مسلم(2): «تجوز شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب، وقال: العبد المملوك لا تجوز شهادته». وهذه الرواية لو كانت وحدها فهي أخصّ من المدّعى؛ إذ لم تدل على جواز شهادة العبد على العبد.

3_ ما مضى أيضاً من المرسل(3) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «أنّه كان يقبل شهادة بعضهم على بعض، ولا يقبل شهادتهم على الأحرار» وقد يتعدّى من شهادة بعضهم على بعض إلى شهادتهم على الكفار بالأولويّة.

والجواب على الاستدلال بهذه الروايات _ مع غضّ النظر عمّا قد يُقال في الرواية الأُولى من حملها على اختلاف النسخ، وفي الثانية من كونها أخصّ من المدّعى، وفي الثالثة من سقوطها سنداً _ أنّ هذه الروايات معارضة لروايات نفوذ شهادة العبد، ولا يمكن تقديمها عليها بالأخصّية؛ لعدم عرفيّة حمل تلك الروايات على


(1) وهي الرواية الرابعة من روايات عدم نفوذ شهادة العبد، فراجع.

(2) وهي الرواية الخامسة من روايات عدم نفوذ شهادة العبد، فراجع.

(3) وهي الرواية السادسة من روايات عدم نفوذ شهادة العبد، فراجع.

404

خصوص الشهادة بشأن الكافر أو العبد، والتعارض بحكم التعارض التبايني، على أنّ رواية درع طلحة لا يمكن حملها على هذا المحمل، وكذلك رواية محمد بن مسلم غير المشتملة على كلمة «لا»؛ بناءً على كونها رواية مستقلة، لا من باب اختلاف النسخ. إذاً لا مجال إلا لإسقاط روايات عدم نفوذ الشهادة بشأن الحرّ المسلم بمخالفتها لإطلاق الكتاب وموافقتها للعامّة.

والتفصيل الرابع _ هو القول بنفوذ شهادة العبد إلا لمولاه وعلى مولاه. والدليل على ذلك: إمّا هو الجمع بين الروايات المتعارضة نفياً وإثباتاً، وهذا جمع تبرّعي لا قيمة له. أو الجمع بين دليل التفصيل الثاني ودليل التفصيل الخامس، وقد مضى ما في الدليل على التفصيل الثاني، وسيأتي البحث عن التفصيل الخامس إن شاء اللّه.

والتفصيل الخامس _ هو نفوذ شهادة العبد إلا لمولاه. ومن المحتمل أن لا يكون هذا تفصيلاً في مقابل القول بنفوذ شهادة العبد مطلقاً، وذلك بأن يقصد بالاستثناء عدم نفوذ شهادته لمولاه لفقدان شرط آخر، وهو عدم التهمة، فلا منافاة بين القول بنفوذ شهادة العبد مطلقاً وعدم نفوذ شهادته لمولاه، كما لا منافاة بين القول بنفوذ شهادة العبد مطلقاً وعدم نفوذ شهادته إذا كان فاسقاً مثلاً.

وعلى أيّ حال فيمكن الاستدلال على هذا التفصيل بوجهين:

الأول _ الروايات الخاصّة، وهي كما يلي:

1_ ما عن ابن أبي يعفور عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل المملوك تجوز شهادته لغير مواليه؟ قال: تجوز في الدين والشيء اليسير»(1). فتخصيص الحكم بالدين والشيء اليسير قد يحمل على التقيّة مثلاً، ولكن محل الشاهد في المقام هو


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص255، الباب 23 من الشهادات، ح8.

405

تخصيص السؤال بما إذا كانت الشهادة لغير مواليه، فكأنّه كان من المسلّم أنّ الشهادة لمواليه غير نافذة، ولا يحتمل العكس بأن يفرض أنّ من المسلّم أنّ شهادته لمواليه نافذة وأنّ الشكّ وقع في الشهادة لغير مواليه؛ إذ لو كان حكم الشهادة للمولى مسلّماً _ دون الشهادة لغير المولى _ فإنّما هو الحكم بعدم النفوذ للتهمة _ مثلاً _ لا الحكم بالنفوذ.

وأمّا الإيراد على الاستدلال بالحديث بعدم حجّية مفهوم الوصف فغير وارد؛ لما حقّقناه في الأصول من أنّ الوصف إذا لم تكن نكتة عقلائية أُخرى لِذكره يدل على السلب الجزئي. وحينما لا نحتمل الفرق بين موارد انتفائه يتمّ لا محالة السلب الكلّي.

كما أنّ الإيراد عليه بما ذكره السيد الخوئي (رحمه الله) في مباني التكملة(1)_ من أنّ السؤال إنّما هو عن الشهادة لغير الموالي، ولا مفهوم له _ قابل للنقاش، سواء كان هذا الكلام ناظراً ضمناً إلى نفي مفهوم الوصف الذي عرفت جوابه، أو ناظراً فقط إلى أنّ القيد إنّما جاء في لسان السائل، لا في لسان الإمام، وذلك لأنّ كلام السائل لم يكن ناظراً إلى قضيّة شخصيّة كي يُقال: إنّها قضيّة في واقعة، بل هو ناظر إلى القضيّة الكلّية الفرضيّة، أي: السؤال عن شهادة المملوك لغير مواليه بنحو القضيّة الحقيقيّة. ومن الواضح أنّ قيد كون الشهادة لغير مواليه في القضيّة الحقيقيّة يوحي إلى أنّه كان من المسلّم عند السائل عدم نفوذ شهادته لمواليه، والإمام (عليه السلام) لم يردع عن ذلك، وهو دليل الإمضاء.

2_ الحديث الثاني من أحاديث المنع الماضية، وهو ما عن سماعة _ بسند تام _ قال: «سألته عمّا يردّ من الشهود قال: المريب، والخصم، والشريك، ودافع مغرم،


(1) ج 1 ، ص105.

406

والأجير، والعبد، والتابع، والمتّهم كلّ هؤلاء تردّ شهادتهم»؛ بناءً على حمله _ بقرينة السياق _ على فرض التهمة، وهو فرض شهادته لمولاه.

3_ ما مضى في الحديث الثامن من أحاديث المنع من قوله (عليه السلام): «وإن أُعتق لموضع الشهادة لم تجز شهادته»؛ بناءً على أنّ الرواية ناظرة إلى الشهادة للمولى، فإنّ العتق لموضع الشهادة إنّما يكون عادةً في حالة من هذا القبيل.

فإذا قيّد إطلاق روايات نفوذ شهادة العبد _ لو تمّ لها إطلاق لشهادة العبد لمولاه _ ببعض هذه الروايات، ثبت التفصيل بين شهادة العبد لمولاه وشهادته لغير مولاه بالنفوذ في الثانية دون الأُولى.

والثاني _ مطلق الروايات الدالّة على مانعيّة التهمة؛ حيث إنّ التّهمة في شهادة العبد لمولاه ليست بأقلّ من التّهمة في مثل التابع والقانع والأجير من العناوين الواردة في تلك الروايات، وقد استفدنا نحن _ فيما مضى _ من تلك الروايات قاعدةً عامّةً، وهي منع نفوذ الشهادة في موارد التّهمة التي تكون من مستوى هذه العناوين، فإذا ضمّ ذلك إلى روايات نفوذ شهادة العبد الدالّة على أنّ مجرّد العبوديّة لا يمنع عن نفوذ الشهادة، ثبت التفصيل بين شهادة العبد لمولاه فلا تنفذ، وشهادته لغير مولاه فتنفذ.

وقد يُقال: إنّ حديث درع طلحة(1)_ وهو الحديث الرابع من أحاديث نفوذ شهادة العبد _ يدل بالنصوصيّة على نفوذ شهادته لمولاه، وذلك لأنّ مورده هو شهادة قنبر لصالح كلام مولاه، وهو أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي ادّعى على عبداللّه بن قفل التميمي أنّه أخذ درع طلحة غلولاً.

ولكنّ هذا الحديث إنّما دلّ على نفوذ شهادة العبد لمولاه حينما لا يكون المولى


(1) وسائل الشيعة، ج18، الباب 14 من كيفية الحكم، ح6.

407

مدّعياً لشيء يرجع إليه ربحه، وإن شئت فقل: إنّ عدم نفوذ شهادة العبد لإثبات دعوى علي (عليه السلام) لا يضرّ بصحّة حكم القاضي على عبداللّه بن قفل لصالح طلحة؛ إذ غاية ما يفترض في المقام أنّ دعوى علي (عليه السلام) ساقطة؛ لأنّ أحد شاهديه مملوك، فكأنّه لم يكن علي (عليه السلام) بوصفه ولي الغائب أو بوصفه وليّاً على المسلمين مدّعياً من قبل المولّى عليه وهو طلحة، ولكن قد قامت بيّنة على أنّ هذه درع طلحة وليس أحد فردي البيّنة عبداً لطلحة، فلابدّ من تنفيذ القاضي لهذه البيّنة حتى بغضّ النظر عن دعوى علي (عليه السلام).

بقي شيء: وهو أنّه لو فرض صدفةً أنّ العبد لم تكن شهادته لمولاه موضعاً للتّهمة، كما لو كان _ مثلاً _ له عداء للمولى، بحيث يُخرج شهادته عن موضع التهمة، أو كان من الزهد والتقوى والموضوعيّة بمستوىً لا يبقى معه موضع للتهمة، فهل تنفذ شهادته على مولاه، أو لا؟

التحقيق: أنّه لو استظهرنا من روايات شرط عدم التهمة أنّ المقياس هي التهمة النوعيّة في مثل الخادم والتابع والقانع مع أهل البيت _ ولو فرض صفة عدم التهمة الفعليّة _ فهنا أيضاً لا إشكال في عدم نفوذ شهادة العبد رغم فرض انتفاء التهمة الفعليّة.

أمّا لو استظهرنا من تلك الروايات أنّ المقياس هي التهمة الفعليّة لا النوعية، فلو فرض خادم أو تابع انتفت التهمة الفعلية بالنسبة إليه _ صدفةً بسبب ما _ نفذت شهادته، فقد يقال بخصوص العبد: إنّ شهادته لمولاه لا تنفذ حتى مع ارتفاع التهمة الفعلية؛ لأنّ الدليل على عدم نفوذ شهادته لم يكن منحصراً في روايات التهمة، بل كانت هناك روايات خاصّة يستدلّ بها على ذلك، وهي الروايات الثلاث التي أشرنا إليها.

ولكنّ الواقع أنّنا لو فرضنا عدم الإطلاق في روايات التهمة لفرض انتفاء التهمة الفعلية،

408

أو أنّ إطلاقها مقيّد بما مضى عن ابن خالد الصيرفي عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام)، فهذه الروايات الثلاث لا تشفع لإطلاق الحكم لهذا الفرض:

أمّا الرواية الأُولى _ وهي رواية ابن أبي يعفور _ فدلالتها كانت بمثل مفهوم الوصف، والوصف كما أشرنا إليه لا يدل على أكثر من السلب الجزئي عند احتمال الفرق بين مورد ومورد، ولا إشكال في احتمال الفرق بين مورد ثبوت التهمة الفعلية ومورد عدم ثبوتها.

وأمّا الرواية الثانية _ وهي رواية سماعة _ فلو حُملت على النظر إلى خصوص فرض شهادة العبد لمولاه، فإنّما حُملت على ذلك لورود ذكر العبد في سياق العناوين الموجبة للاتّهام بدعوى أنّ وحدة السياق توجب حمل المنع عن نفوذ شهادة العبد على نكتة الاتّهام، والمفروض أنّ روايات الاتّهام لا إطلاق لها لفرض زوال الاتّهام الفعلي، إذاً هذه الرواية لا إطلاق لها لهذا الفرض.

وأمّا الرواية الثالثة _ وهي قوله: «وإن أُعتق لموضع الشهادة لم تجز شهادته» _ فبعد فرض حملها على الشهادة لمولاه تنصرف _ لا محالة _ إلى النكتة العقلائيّة الكامنة في هذا المورد، وهي الاتّهام، كصرف الروايات الخاصّة الواردة في العناوين الأُخرى المشتملة على الاتّهام _ كالتابع والأجير والقانع مع أهل البيت _ إلى نكتة الاتّهام، فهذه الرواية حالها حال باقي روايات مانعيّة الاتّهام المفروض عدم الاطلاق لها لحالة انتفاء الاتّهام الفعلي صدفةً.

ثم إنّ السيد الخوئي ذكر: أنّ هناك روايات دلّت على اختصاص قبول شهادة العبد بموارد خاصّة، فهي لو تمّت، كانت شاهد جمع بين الطائفتين الدالّة إحداهما على نفوذ شهادته مطلقاً والأُخرى على عدم نفوذها مطلقاً، ولكنّها غير تامّة، وذكر تحت هذا العنوان ثلاث طوائف:

409

1_ ما دلّ على استثناء الدين والشيء اليسير من عدم نفوذ الشهادة، وهو ما مضى من حديث ابن أبي يعفور(1).

2_ ما دلّ على استثناء الشهادة على القتل، وهو ما ورد عن جميل _ بسند تام _ قال: «سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن المكاتب تجوز شهادته؟ فقال: في القتل وحده»(1). واعترف بالنسبة لهذا القسم بأنّه حتى لو تمّ في نفسه لا يصلح شاهد جمع بين الطائفتين المتعارضتين بالتباين؛ لأنّ تخصيص ما دلّ على نفوذ الشهادة بخصوص الشهادة على القتل تخصيصٌ بالفرد النادر، وهو غير عرفي.

3_ ما دلّ على استثناء شهادته على أهل الكتاب، أو تخصيص عدم الجواز بالشهادة على الحرّ المسلم؛ فذكر رواية محمد بن مسلم على نسخة (لا تجوز) وروايته الأُخرى «تجوز شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب. وقال: العبد المملوك لا تجوز شهادته».

وأورد على الطائفة الأُولى والثانية: بأنّه لا قائل بمضمونهما، فلابد من حملهما على التقيّة، وبأنّه تعارضهما رواية درع طلحة التي ليست الشهادة فيها على الدين ولا الشيء اليسير ولا القتل، فلابدّ من حمل‏هاتين الروايتين على التقيّة، وأورد على الطائفة الثالثة بأنّها معارضة برواية درع طلحة التي كانت الشهادة فيها على الحرّ المسلم، وبرواية محمد بن مسلم الأُخرى التي جاء فيها التعبير بكلمة (تجوز). وعلى تقدير تسليم اختلاف نسخ الفقيه في كلمة (تجوز) أو (لا تجوز) تكفي نسخة التهذيب


(1) ونحوه في استثناء اليسير ما ورد _ بسند تام _ عن عبيد بن زرارة رواه في وسائل الشيعة، ج 18، الباب 22 من الشهادات، ح5، قال: «سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن شهادة الصبي والمملوك، فقال: على قدرها يوم أُشهد تجوز في الأمر الدون، ولا تجوز في الأمر الكبير».

(2) وسائل الشيعة، ج18، ص256، الباب 23 من الشهادات، ح9.

410

التي جاء فيها التعبير بكلمة تجوز(1).

أقول: مسألة كون كلمة (تجوز) أو (لا تجوز) من اختلاف النسخ في كتاب واحد أو كتابين قد مضى الحديث عنه، فلا نكرّره، أمّا الإيراد بعدم وجود قائل بمضمون الطائفة الأُولى والثانية فتحملان على التقيّة فغير دقيق؛ لأنّ الإجماع على خلاف مضمونهما ليس إجماعاً تعبّديّاً، ولا مبرِّراً للحمل على التقيّة.

نعم، قد تُشكِّل _ ولو بإضافة الروايات غير المشتملة على هذا الاستثناء _ قرينة عقلائيّة عند متعارف الناس على عدم مطابقة الاستثناء للواقع، فلو وصل ذلك إلى مستوى الاطمئنان أو قلنا بأن القرينة العقلائيّة على الخلاف يسقط الخبر عن الحجية، أوجب ذلك في المقام سقوط حديث الاستثناء عن الحجّية.

وأمّا الطائفة الثالثة فلا تصلح للجمع بين المطلقين المتعارضين حتى لو تمّت في نفسها؛ لأنّ حمل روايات نفوذ الشهادة على خصوص الشهادة على الكفّار أو العبيد ليس عرفيّاً، فتعارض هذه الطائفة وتلك الروايات يكون كالتعارض التبايني، وتحمل على التقيّة.

وقد تحصّل من كلّ ما ذكرناه: أنّ الصحيح نفوذ شهادة العبد إلا لمولاه.

طهارة المولد

الشرط السابع _ طهارة المولد أو عدم كونه ولد الزنا. وتدل على ذلك عدّة روايات من قبيل:

1_¬ ما عن أبي بصير _ بسند تام _ قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن ولد الزنا أتجوز


(1) راجع مباني تكملة المنهاج، ج1، ص105 _ 106 .

411

شهادته؟ فقال: لا. فقلت: إنّ الحكم بن عتيبة يزعم أنّها تجوز، فقال: اللّهم لا تغفر ذنبه»(1). وللحديث بعض التكملات التي لم تثبت بسند تام(2).

2_¬ ما عن محمد بن مسلم _ بسند تام _ قال: «قال أبو عبداللّه (عليه السلام): لا تجوز شهادة ولد الزنا»(3).

3_¬ ما عن زرارة _ بسند تام _ قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لو أنّ أربعة شهدوا عندي بالزنا على رجل وفيهم ولد زنا، لحددتهم جميعاً؛ لأنّه لا تجوز شهادته، ولا يؤمّ الناس»(4).

4_¬ ما عن الحلبي _ بسند تام _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن شهادة ولد الزنا، فقال: لا، ولا عبد»(5). كون ذيله محمولاً على التقيّة لا يضرّ بصدره.

5_ مرسلة العياشي عن عبيداللّه الحلبي عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «ينبغي لولد الزنا أن لا تجوز له شهادته، ولا يؤمّ بالناس، لم يحمله نوح في السفينة وقد حمل فيها الكلب والخنزير»(6).

6_ مرسلة العياشي عن إبراهيم عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «إنّ نوحاً حمل الكلب في السفينة، ولم يحمل ولد الزنا»(7). ذكر صاحب الوسائل هذا الحديث في أحاديث


(1) راجع وسائل الشيعة، ج18، ص276، الباب 31 من الشهادات، ح1 و2، وذيل حديث3.

(2) نفس المصدر.

(3) نفس المصدر، ص276، الباب 31 من الشهادات، ح3.

(4) نفس المصدر، ح4.

(5) نفس المصدر، ص277، ح6.

(6) نفس المصدر، ح9.

(7) نفس المصدر، ح10.